رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني الفصل الرابع والسبعون 74 بقلم مريم غريب

 

رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني الفصل الرابع والسبعون بقلم مريم غريب

( 74 ) الأخير

_ لأجل عينيك ! _

لبث يومًا كاملًا بلا أدنى مبالغة يحاول استرضاء أمه، رغم إن الأخيرة لم تبدي ذرة عتابٍ أو غضبٍ منه إطلاقًا.. لكنه لم ينفك يعتذر لها و يُقبل جبينها تارة و يديها تارة و هو يردد أحر عبارات الندم 

بينما تسحب "فريال" كفها بصعوبةٍ من بين قبضته و تمسح على رأسه بحنانٍ متمتمة : 

-خلاص يا عثمان.. خلاص يا حبيبي هاتفضل تعتذر لحد إمتى. أنا مش زعلانة منك أصلًا .. 

عثمان و هو يمرَّغ وجهه بحجر أمه في حسرةٍ و أسى شديدين : 

-لأ يا ماما.. أنا عملت غلطة كبيرة أوي. مش قادر أغفر لنفسي. إزاي أعمل معاكي كده.. إزاي إنتي بالذات تشوفي مني تصرفات زي دي. يعني في الفترة الأخيرة كنت أرفع صوتي عليكي منغير ما آنب نفسي. كمان ده يوصلني إني أنسى نفسي و أمد إيدي ليكي بالشكل ده.. أزقك من قدامي و أوقعك !!!! 

ضمت "فريال" حاجبيها في تعاطفٍ مع إبنها الوحيد... رق صوتها كثيرًا و هي تخفف عنه شعوره بالذنب قائلة : 

-يا عمري إنت ماكنتش تقصد.. أنا مقدرة وضعك كان إزاي. عارفة إنك ماكنتش شايف و لا حاسس بنفسك.. يا عثمان أنا أمك. أنا أكتر حد يعرفك و يحس بيك. أنا مرايتك. إنت عمرك ما غلط فيا و لا قللت في يوم مني. من و إنت طفل حنين عليا و معايا أكبر من سنك. أنا مش ممكن أزعل منك أبدًا. عارفة غلاوتي أد إيه في قلبك يا حبيبي 

أخذ "عثمان" يقبل يدها مرارًا و هو يغمغم بصوتٍ مكتوم : 

-أنا آسف يا ماما.. أرجوكي حاولي تنسيهالي. سامحيني ! 

فريال و هي تضم رأسه بحضنها بقوة : 

-طبعًا مسمحاك.. إنت قلبي يا عثمان. إنت روحي. هو أنا بحب يحيى و متعلقة بيه ليه ؟ مش عشان حامل إسم أبوك بس و لا فيه كتير منه. كمان عشان حتة منك. عشان بيفكرني بيك لما كنت في سنه. لما ببصله بحس إني صغرت تاني و بربيك إنت من أول و جديد. أنا بحبك أوي يا عثمان. و أحب إللي منك و إللي تحبه ! 

لم يسع "عثمان" بعد سماع كلمات أمه المؤثرة إلا أن يقوم و يعانقها هذا العناق الذي هي بحاجة إليه أكثر منه هو ... 

ليقاطعهما بعد دقيقة واحدة صوت القرع على باب الغرفة، ثم دخول الخادمة بعد أن أذن لها.. كان "عثمان" يقف بكامل شموخه و هيبته الآن، لتحني الفتاة رأسها في أدب أمامه و هي تقول : 

-عثمان بيه.. صالح بيه و هالة هانم تحت. بعتوني يقولوا لحضرتك إنهم عايزينك دلوقتي 

رفع "عثمان" حاجبه معلقًا بدهشة محببة : 

-صالح و صفية جم ! 

°°°°°°°°°°°°°°°°°°° 

هبط "عثمان" من فوره للأسفل ليرى شقيقته و إبن عمه.. كان يصطحب معه "فريال"... نزلت برفقته تتأبط ذراعه 

حتى وصلا إلى قاعة الصالون الصغير ... 

-يا أهلًا أبو الصلح بذات نفسه إتكرم و جه يشوف أهله ! 

هكذا هتف "عثمان" مبتسمًا و مؤنبًا في آن و هو يترك أمه ليقبل على إبن عمه، قام "صالح" من مكانه بجوار أخته و اقترب من "عثمان".. تعانقا عناق الرجال القاسٍ ذاك الذي لم يدم سوى ثانيتان فقط... ثم إبتعدا ليستطرد "عثمان" بسخريته المرحة : 

-وشك و لا القمر يا صلّوحي. لأ قمر إيه.. السحنة دي مش قمر خالص ! 

و قهقه بصوتٍ عالٍ ... 

ابتسم "صالح" باقتضاب قائلًا : 

-مافيش فايدة يابن عمي.. هاتفضل زي ما إنت هلاس. مش هاتتغير.. بس بجد واحشني. وحشتوني كلكوا ! 

و شمل الجميع بنظراته ... 

-أومال هي فين صافي يا صالح ؟!! .. قالتها "فريال" بتساؤلٍ و هي تتطلع حولها بغرابةٍ 

نظر "صالح" إليها و رد بتهذيبٍ يليق بالسيدة التي تحتل مقام والدته : 

-أول ما وصلنا طلعت على أوضتها يا فريال هانم.. ديالا كانت بتعيط و محتاجة تغير هدومها. ف خدتها صفية و طلعت علطول 

أومأت "فريال" بتفهمٍ و قالت : 

-أوكي.. أنا هاطلع أشوفهم طيب 

لكنه استوقفها قبل أن تتخذ خطوة واحدة : 

-لأ يا فريال هانم إستني لو سمحتي ! 

جمدت "فريال" بمكانها إلى جانب إبنها تمامًا.. ظلت هي و "عثمان" يرمقان "صالح" بنظرات الاستفهام... ليتحدث الأخير باللحظة التالية بهدوءٍ مدروس : 

-أنا جاي مخصوص عشان عاوز أتكلم مع حضرتك و مع عثمان في موضوع.. لازم تبقي موجودة معانا من فضلك ! 

_______________

وافقت على مرافقة أخيها إلى الخارج... تحت إصرار شديد من زوجها.. أجل... فقد ردَّها الحبيب إلى عصمته.. و هي لم تعترض أبدًا... عادا.. و لكن لم يعودا كما كانا... لا زالت الأجواء بينهما معكرة... فيها الكثير من التوتر و كأنهما يتعرفان إلى بعضهما من جديد 

منذ ذلك الحادث.. ما أمكنها العودة إلى سابق عهدها أبدًا... صارت كثيرة الشرود.. بالكاد لاحظت أخيها و هو يتنحنح مجتذبًا إنتباهها و هما يجلسان مقابل بعضهما في هذا المطعم المطل على البحر 

نظرت له "سمر" في صمتٍ، بانتظار ما سيقوله.. بينما يصعب الكلام كثيرًا على "فادي" و لا يعرف من أين يبدأ 

لكنه يتكلم في الأخير ... 

-سمر ! .. نطق إسمها في البادئ بلهجة لا تخلو من اللوعة و الأسف 

-قبل ما أتكلم أو أقول أي حاجة.. إنتي أكيد عارفة أنا عاوز أقولك إيه. أكيد حاسة بندمي. عارفة إني مهما قلت و أعتذرت عن كل حاجة.. مش هايكفي. أكيد عارفة يا سمر 

-لأ ! .. كان ردها بهذه البساطة المريبة 

عبس "فادي" و هو يحدق بها مدهوشًا ... 

-لأ إيه ؟! 

تنهدت "سمر" بعمقٍ و أجابته : 

-لأ ماكنتش أعرف إنك جايبني هنا عشان تعتذر و تتأسف.. أصلًا عمري ما توقعت منك الكلمة دي يا فادي ! 

رفع حاجبه مرددًا باستنكار : 

-يسلام ! و ليه بقى.. أول مرة أعتذرلك يعني !!! 

لاحت على ثغرها ابتسامة متهكمة و هي تصحح له عبارته بهدوء : 

-أول مرة تعتذر بجد.. الاعتذارات إللي طول عمرك بتقدمهالي بتكون لأسباب تافهة. مثلًا. هزرت هزار تقيل.. قلت كلمة سخيفة.. خبطني منغير ما تاخد بالك... لكن المرة دي يا فادي إنت بتعتذر على مواقف كانت عبارة عن إمتحانات للأخوة الحقيقية إللي بينا ! 

نظر لها بعدم فهم و بقى صامتًا ... 

لتوضح له أكثر : 

-من كام سنة لما اكتشفت علاقتي بعثمان. ثورت.. كنت هاتقتله و يمكن كنت ناوي تقتلني أنا كمان. بعدها قاطعتني رغم إنه أتجوزني. و لما جيت ألجألك بعد كده صدتني و اتبرأت مني.. كنت عذراك رغم كل ده وقتها. قلت إللي أنا عملته فيك مش قليل. رغم إني بردو ماعملتش كده من نفسي و لا بهوايا.. أنا طول الوقت بضحي بنفسي. مرة عشان ملك. مرة عشانك.. بس المرة دي مقدرتش أضحي عشان إبني. مش عارفة. جايز قدرتي على التضحية نفذت. تعبت.. بجد مش عارفة ليه بالظبط. بس القدر حب يوريني إن إختياري ماكنش غلط أوي.و إني كنت هاضيع.. لو هو ماكنش في حياتي. فادي.. إنت أخويا. بس فشلت تأدي الدور ده معايا. هو عمره ما فشل إنه يحميني و يحبني رغم كل إللي مرينا بيه ! 

طغى الارتباك على وجه "فادي" و أخذ يرفرف بأهدابه محاولًا العثور على الكلمات المناسبة.. ليقول باندفاعٍ باللحظة التالثة و قد تملكه الغضب : 

-إنتي بتحطيني في مقارنة مع واحد زي ده.. واحد خدك سرقة و منغير ضمان إن كل ده كان ممكن يحصل. أنا الملام في الأخر يا سمر.. و إنتي الضحية صح ؟!! 

أشاحت بوجهها للجهة الأخرى و لم ترد عليه... ليستطرد من بين أسنانه بشرٍ مطلق : 

ثم تعالي هنا.. إللي جرالك من كام يوم. الحيوان إللي كان ها آ ا ... 

و صمت عاجزًا عن إكمالها ... 

لتنظر له في هذه اللحظة بقوة و كأنها تحذره من الإسهاب و الخوض في هذا الأمر خصيصًا.. لكنه لم يبالِ و تابع و ألق الغضب يتراقص بمقلتيه : 

-أنا كان مشغول بالي بيكي و بملك. فوق كده ماحبتش أحقق معاه و اسأله لأني حسيت إنها هاتختم بجناية.. أكيد إللي حصل ده من تحت راسه. قوليلي صح و لا لأ ؟؟؟ 

-مالكش دعوة يا فادي !! .. هتفت "سمر" بعصبية لأول مرة منذ فترةٍ طويلة 

نظر لها و قد ألجم ردها لسانه.. لتقول بلهجة أكثر وهن و حزن : 

-من فضلك.. بلاش تفتح السيرة دي تاني أنا عاوزة أنسى إللي حصل.. مش إنت كنت جايبني هنا عشان نصفي إللي بينا و أقبل إعتذارك ؟ أنا قبلت.و سامحتك خلاص. بس أقفل الموضوع و ماتفتحوش تاني أبدًا عشان خاطري. لو ليا خاطر عندك بجد 

هز رأسه حائرًا إلى درجة الجنون و هو يقول : 

-إنتي كده مش بتطمنيني عليكي.. حتى مش راضية تريحيني خالص و لا تشرحي أي حاجة !! 

سمر بتصميمٍ يغلف لهجتها المستجدية : 

-إطمن عليا.. و الله إطمن. طول ما عثمان جمبي مافيش حاجة هاتحصل تاني.. بس إسمع كلامي. أرجوك ! 

اختلج محياه و هو يحدجها بنظراتٍ غير واثقة.. لكن من مرآى حالتها العصيبة الواضحة له تمامًا، لم يجد بدًا من الإذعان لها.. و لو بصورة مؤقتة ... 

______________ 

راحت "فريال" تتنفس بسرعة حين أدارت رأسها لحظة فروغ "صالح" من حديثه، لترى إبنها و قد غزت الحمرة بشرته بالكامل بشكلٍ ينم عن إندلاع غضبه الوشيك 

أما "عثمان" فلا يزال ينظر إلى وجه إبن عمه مباشرةً، كان يكز على أسنانه و يضم قبضتيه بقوة، و كانت عيناه واسعتان و باردتان كالليل الآن 

هب واقفًا بمكانه بهذه اللحظة صائحًا : 

-صالح يابن رفعت البحيري.. إديني سبب واحد يخليني ماقطعش أي صلة تربطني بيك بما فيها أختي دلوقتي حالًا بعد إللي روحت عملته إنت و أختك !!! 

بقى "صالح" جالسًا بمحله يتطلع إليه بكل هذا الهدوء، ثم يرد عليه ببرودة أعصابٍ : 

-100 سبب يابن عمي.. مش سبب واحد. أولهم و أهمهم إنك تخصني. إنك أخويا مش مجرد فرد في عيلتي.. أنا في يوم من الأيام كنت هموت بدالك. إحنا إللي بينا مش قليل أبدًا يا عثمان 

-بلاش محن النسوان ده بروح أمك و كلمني زي الرجالة !!!! 

هدر بوجهه و قد إتخذ بضعة خطوات نحوه، لولا أن نهضت "فريال" و حجزته بعيدًا عن الأخير ... 

لم ينجح "عثمان" باثارته رغم هذا.. ظل "صالح" متمسكًا بهدوئه لأخر لحظة و هو يقول : 

-بص أتعصب و أتنرفز زي ما إنت عايز.. بس بردو إللي أنا عملته صح. و إنت لما تهدا هاتعرف إني كنت بعمل لمصلحتك و مصلحتنا. شوف لو كنت إتهورت زي ما كنت مخطط كان زمان إيه إللي حصل. كنت هاتخش السجن و يا عالم مستقبل مراتك و إبنك في الظرف ده هايبقى شكله إيه 

حاول "عثمان" قدر استطاعته أن ينتبه لتصرفاته بينما تتمسك به أمه هكذا.. لا يود أن يكرر خطيئته تجاهها ثانيةً في خضم ثورته و غضبه الشديد و هو يصرخ بضراوةٍ و قد تجمعت دماؤه كلها بوجهه و عنقه : 

-و إنت كده فاكر إنك نجدت خالك مني.. قسمًا عظمًا لاكون واصله بكرة الصبح. لو راح أخر الدنيا هاحيبه. هاجيبه و هاقتله يا صالح ! 

-أنا السبب في كل ده !!! 

جمد المشهد كله لوهلة ... 

إذ بزغ فجأة صوت "هالة".. لتقوم واقفة بسرعة سببت لها بعض الألم خاصةً و أن بطنها صار منتفخ بشدة... مشت ناحية "عثمان" ببطءٍ و قد كانت تمسك بملفٍ شفاف في يدها 

وقفت أمامه مباشرةً و قالت مقرة بذنبها : 

-أنا السبب يا عثمان.. يوم ما حبيت أنتقم منكوا كلكوا. مالاقتش قدامي غير نبيل الألفي. ماكنش في بالي أكتر من إنه يبقى وسطكوا بس. ينغص عليكوا الحياة و يضايقوا.. عشان يجيبلي و لو جزء من حقي. و رحمة أمي و أبويا ماكنتش أعرف العداوة إللي بينك و بينه. و لا كنت أعرف إنك في يوم من الأيام ارتبطت بشاهيناز إللي كانت خطيبته. لو كنت أعرف حساباتي كلها كانت هاتتغير.. بس هو ماقالش قدامي حاجة من دي. و دارى عليا نيته و السبب الحقيقي إللي خلاه يقبل يساعدني.. أنا يمكن مابحبش سمر. لكن وحياة إبني إللي لسا ماشفش النور. إستحالة أفكر آذيها أو أشترك في مؤامرة قذرة زي دي ضدها ! 

لم تدرك إلا بعد أن فرت الدمعة من عينها بأن حديثها خرج من موضع ألم بداخلها ... 

رفعت يدها مسرعة و كفكفت عيناها مكملة و هي تمد له يدها الأخرى بالملف : 

-خالو نبيل رجعلي نصيبي في التركة بتاعتنا. القصر و الشركة و كل حاجة.. خدهم يا عثمان. خلي الورق كله معاك. أنا مش عاوزاه. بس بليز توعدني إنك هاتشيل خالو من دماغك. هو خلاص رجع مكان ما جه. حلف إنه مش راجع و لا هايظهر في حياتنا تاني أبدًا.. بليز يا عثمان.. إنساه ! 

-أنساه !!! .. صاح "عثمان" مستنكرًا بفجاجة 

و قبل أن يفه بحرف، تدخلت "فريال" قائلة بينما الدموع تترقرق بمآقيها : 

-طيب بلاش عشانهم كلهم. بلاش عشان عيلتك و مراتك و إبنك.. عشاني أنا. عشان أمك يا عثمان. إنت لو حصلك أي حاجة تبقى حكمت عليا أنا بالموت ! 

لم يكن "عثمان" ينظر لأمه و هي تقول ذلك خشية أن يرق قلبه لها و ينصاع لكلامها... لكنها أخضعته تمامًا و اعتصرت قلبه بتلك العبارة الأخيرة.. ليدير رأسه نحوها و يظل ينظر لها فقط بلا تعبير أو قول كلمة واحدة 

تشبثت "فريال" بكتفيه و سالت دموعها و هي تتوسله بصوتٍ أذاب عنفوانه و كيانه بأكمله : 

-أوعدني.. أوعدني يا عثمان. قول إنك مش هاتقرب من نبيل و لا تلمسه حتى. أوعدني !!! 

-أوعدك ! .. قالها "عثمان" بمنتهى الهدوء و الثبات 

و قد كان يعنيها حقًا... ربما ليس مئة بالمئة.. لكنه إستطاع أن يمطئن قلب أمه.. و في نفس الوقت امتلأ قلبه هو باليقين.. حق زوجته لآتٍ.. و لن يهنأ له بال حتى يستعيد حقها و يرد الصاع ألف !!!! 

________ 

المكان : روما / إيطاليا
الزمان : أواسط شهر تمّوز 

تحت سماء مدينة العراقة و الجمال... في منزل "نبيل الألفي" المشيّد على طراز الفن الروماني الأصيل 

لا يزال نائمًا حتى ظهر يوم عطلته.. هاتفه بجواره لم يكف عن الدق بصخبٍ شديد... تحاهله عدة مرات 

لكن الإلحاح أثار قلقه، فالتقطه و فتح الخط و هو يرد بصوته الناعس : 

-Pronto ! ( مرحبًا ) 

أجابه الطرف الآخر بجملة جعلته يقفز في ثانية من فراشه و يطير نحو الجهة الأخرى من الغرفة الفسيحة.. حيث شاشة التلفاز الكبيرة... أمسك بجهاز التحكم و فتحه على القناة الأخبارية 

ليرى بعينيه الجاحظتين في لقطات متلاحقة حريق جميع فروع مصانع الألبسة خاصته... تجارته التي منحها نصف عمره... رسميًا تنهار أمامه الآن 

الصدمة جمدته بمكانه هكذا كالصنم.. لم يتحرك قيد أنملة و كأن عقله شلّ عن التفكير... لم يحركه سوى سماع نغمة الرسائل تصدح من هاتفه الكانن بقبضة يده 

رفع ذراعه بآلية و الحدس بداخله ينبئه بلمحة من التفاصيل التالية... و بالفعل ما إن رأى هوية غريمه تتصدر صندوق الوارد حتى تأكد بأنه هو.. هو الذي فعل ذلك... قد وعده قبل أن يرحل.. و ها هو اليوم يبر بوعده 

هذا هو "عثمان البحيري" ... 

وضع "نبيل" الشاشة المضاءة نصب عينيه و فتح الرسالة، ليقرأ عبارة الأخير القصيرة جدًا و التي أختتمها بقلب يشّع احمرارًا : "عشان سمر" ! 

أطبق "نبيل" جفنيه بشدة و هو يقبض على الهاتف بكل قوته .. 

تراجع لظهره ليرتمي فوق المقعد الوثير، أمام شاشة التلفاز مباشرةً... بقى جالسًا هناك ينظر و يتابع بينما عبارة "عثمان" تساهم بتهدئة الحرائق الناشبة بدواخله 

فهو بالفعل بدأ يتقبّل ذلك الثمن الباهظ الذي دفعه لقاء جريرته بامراءة نقيّة و بريئة لم يكن لها ذنب سوى أنها تحوز قلب "عثمان البحيري"... ذاك الشعور بالراحة.. قد ب
أ يتغلغل به مجددًا ! 

________ 

كانت تجالس صغيرها بتراث الجناح.. يجلسان فوق مفرش تناثرت عليه الألعاب الصبيانية المختلفة... عندما إقتحم زوجها الغرفة فجأة 

إرتعدت و هي ترفع رأسها، فوجدته قد صار أمامها بوجهٍ متهللٍ... لم تكد تسأله ما الأمر حتى 

إنحنى قابضًا على مرفقها، أنهضها خلال لحظة واحدة و جرها خلفه وصولًا إلى الصالون الجانبي.. فتح التلفاز و وقف خلفها ممسكًا بكتفيها... المفاجأة أبطأت دقة ملاحظتها 

و لكن بعد مرور ثوانٍ، تمكنت من الفهم و ربط الاشارات ببعضها.. خاصةً حين قفزت صورة ذلك الرجل الكريه لتتصدر الشاشة الكبيرة.. مع سماع تصريحات الأخبار.. فهمت... فهمت بأنه قد أوفى بالوعد الذي قطعه لها 

إستدارت "سمر" بعد برهة لتواجه "عثمان" و تنظر بعينيه الضاحكتين... لم تتمكن من الضحك مثله.. لكنها شعرت بشيء آخر أبلغ من الضحك و الغرام الذي بينهما و هو يدنو منها هامسًا أمام شفتيها المنفرجة : 

-عشان عيونك ! 

و هنا فقط ... 

اإرتسمت الابتسامة على ثغرها بعد أن فارقتها أيامٍ و ليالٍ طوال ! ............................................................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

تعليقات



×