رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم مريم غريب

 

رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني الفصل الثاني والسبعون بقلم مريم غريب

( 72 )

_ حتى الموت ! _

تردد صوته في عقلها خاصة بنطقه تلك العبارة الصادمة.. شُلّ تفكيرها لبرهةٍ و هي تبتلع ريقها ثم تدير وجهها لتنظر إلى "فريال" ... 

لم تسمح الأخيرة للصدمة بالتمكن منها كما فعلت ب"هالة" و توجهت بالسؤال مباشرةً و بسرعة إلى إبنها بصوتٍ محايد : 

-إيه إللي إنت بتقوله ده يا عثمان ؟ سمر مع نبيل إزاي و ليه ؟؟!!! 

أشعل الغضب المستطير كيان "عثمان" فجأة و هو يصرخ بوجهيهما : 

-إنتي لسا هتسأليني إزاي و ليه ؟؟؟؟ أنا مابكلمكيش إنتي أصلًا !!! 

و أقترب خطوة واسعة من "هالة".. شدها من رسغها بعنفٍ هادرًا بشراسة : 

-إنطقي يا هالة ؟ ألاقي خالك الـ××××× فين ؟؟؟ نبيل فين يا هالة ؟؟؟؟؟؟ 

رفرفت "هالة" بأهدابها عدة مراتٍ و هي تحدق فيه بقوة.. و لا تعلم كيف وجدت الثبات لترد على سؤاله باللحظة التالية مقدمة كل ما لديها من مساعدة حقيقية : 

-صدقني يا عثمان ماعرفش مكانه. ماعرفلوش أي بيت هنا من ساعة ما هاجر و باع كل أملاكه.. بس هو كان جايبلي بيت. الفترة إللي سيبت فيها القصر قبل ما بابي يموت. مش عارفة إذا لسا محتفظ بيه و ممكن يروح هناك و لا لأ ! 

-عنوانه البيت ده ؟؟!!! .. صاح بوجهها بلهفةٍ وحشية 

نطقت "هالة" مدلية بمعلوماتها على الفور : 

-في سان ستيفانو. 37 ش ( ...... ) الدور الخامس شقة 8 ! 

يفلتها "عثمان" لحظة إملائها العنوان عليه، ينطلق كالرصاصة أولًا صوب الأسفل تتبعه أمه هاتفه باسمه.. لكنه لم يلتفت لها و واصل المضي بأسرع ما لديه 

و عندما لحقت به كان قد عاد من غرفة مكتبه حاملًا بيده سلاحخ المرخص و مشهرًا إياه للأعلى ... 

صرخت "فريال" بهلعٍ ما إن رأت هذا و اعترضت طريقه في الحال جاعلة من ذراعيها حواجز تمنعه من تجاوزها و هي تصيح فيه : 

-إنت إيه إللي ماسكه في إيدك ده.. أوقف هنا يا عثمان واخد معاك مسدس ليه !!! 

بدا عليه الجنون التام و هو ينفجر كبركانٍ أسود محتدم : 

-سبيني.. إوووووعي من قداااااامي. هاقتله. و رحمة أبويا لأقتله !!!! 

فريال و هي تتقرب منه ممسكة بتلابيبه المشعثة : 

-تقتل مين ؟ تقتل مين يا عثمان.. بلاش جنان يا حبيبي. الله يخليك أنا مش حمل كده. طيب إستنى أنا هاجي معاك. هاجي آ ا ... 

-بـقــــولـك إووووووووعــــي كـــده !!! 

و دفعها بعنف من أمامه تحت تأثير غضبه الأعمى، لتسقط "فريال" بالجهة الأخرى محملة كل ثقلها فوق مرفقيها ... 

تأوهت بألمٍ و هي تلتفت مراقبة رحيل إبنها و في نفس الوقت تنادي في إثره بصوتها الباكي المنهار : 

-يا عثمااااااان.. عشان خاطري يابني. عثمااااااان !!!! 

و لكن من دون جدوى ... 

بقى فقط صدى بكائها، أما هو فتلاشى من هنا تمامًا... لتأتي "هالة" في هذه اللحظة من خلفها، تساعدها على النهوض من فورها و هي تقول بصوت لا يخلو من الخوف و القلق : 

-بس. بس إهدي يا أنطي.. إهدي ماتقلقيش. أنا هاتصرف ! 

و أجلستها في أقرب كرسي و أطمأنت بأنها صارت متمالكة نفسها و لو قليلًا، ثم إستدارت مهرولة إلى الأعلى و هي تهتف : 

-أنا سمعت يحيى بيعيط. هاطلع أجيبه و جيالك علطول .. 

و لكنها إغتنمت الفرصة أيضًا و سحبت هاتفها من جيب سروالها الفضفاض، بحثت بسهولة عن رقمه.. هو دون غيره الذي بامكانه إنقاذ الوضع برمته الآن ... 

و هو فقط ! 

______________

يمر الوقت ثقيلًا ... 

و كأن العقارب تدفع ببعضها، لا يزال كما هو، منذ ولج إلى الشقة الفخمة حاملًا إياها على ذراعيه.. ثم جلبها إلى هنا بغرفة النوم الرئيسية... و وضعها فوق السرير الكبير 

ها هو الآن يجلس بجوارها، موليًا ظهره إليها، يسند جبينه إلى قبضتيّ يديه.. يفكر... لا يتوقف عن التفكير بالخطوة التالية 

ألم يكن يريد الإنتقام ؟ ألم ينشد تسديد ضربة قاضية لغريمه يرد بها كرامته و يستعيد رجولته المسلوبة ؟... هاك.. الفرصة الأمثل له ترقد خلفه في حالة استسلامٍ تام 

لا أحد هنا يمنعه... لا شيء يعيقه.. فلينتقم إذن... لِمَ هو ساكنًا هكذا ؟ لِمَ لا يستطيع الإقدام على فعلته ؟ لِمَ ؟؟؟ 

ينتفض "نبيل" بعصبية حين ورد إلى ذهنه و لو مجرد تسلل ذرة تعاطف بقلبه ناحية تلك الفتاة ... 

قام فجأة من مكانه مطبقًا جفونه بشدة... ثم فتحهم دفعةً واحدة.. سحب نفسًا عميقًا و تلبّس شخصه الأكثر سوداوية، الأكثر شرًا على الإطلاق.. حتمًا... فمن تراوده نفسه على مواقعة امرأة حرة آبية رغمًا هنا.. بل و هي مغيّبة أيضًا ... 

إنه ليس شريرًا فحسب.. هو حتى لا يرقى للقذارة ! 

مع كل ذلك.. قد صمّ "نبيل" أذنيه عن جميع الأصوات التي تصدح بعقله تحاول منعه للمرة الأخيرة... أخذ يدقق النظر بشهوة في هذا الجسم المسجى أمامه.. لم يهتم بالوجه 

راح يتفرس في المعالم الأنثوية المثيرة و يزدرد لعابه حين أتت المحاولة ثمارها و إنتابته الرغبة الشديد فيها.. فهي لم تكن فقط تلك الفتاة النقيّة البريئة التي أحبها "عثمان البحيري"... "عثمان" نفسه لم يجذبه إليها أولًا إلا جمالها و جسدها 

و نفس الشيء يصير ل"نبيل".. إنه يريدها.. و الآن ... 

خلع سترته و حل أزرار قميصه في ثوانٍ.. ثم همّ نحوها ليجردها هي الأخرى من ثيابها قطعة قطعة ! 

______________
لم يكن الطريق من "جليم" إلى "سان ستيفانو" طويلًا.. و بسيارة "عثمان" و قيادته الجنونية تمكن من الوصول إلى العنوان الذي ذكرته "هالة" في غضون خمس دقائق بالتمام 

كانت مدة قياسية... لكنه فعلها و ترجل من سيارته أمام البناية المنشودة.. تركها مفتوحة دون إهتمام و ركض بأصى سرعة للداخل ... 

أراد حارس البناية إيقافه عندما رآى مظهره و شكله الباعث على الريبة : 

-على فين يا بيه.. إنت يا حضرة طالع عند مين كده. إستنى هنا يا أستاذ إنت ! 

كان قد نال دفعة قوية من قبضة "عثمان" أطاحت به بعيدًا عن طريقه، ليعدو الأخير قافزًا داخل المصعد، ضرب رقم الطابق.. لحظات معدودات و كان يقف أمام الشقة المغلقة 

لم يستخدم قوته الجسدية، بل أستلّ سلاحه من غمده وراء ظهره، سحب صمام الأمان ثم صوّب فوهته نحو القفل.. لتخرج الطلقة بدويٍ مصمّ باللحظة التالية و ينكسر القفل 

سمع "عثمان" أثناء عبروه للداخل أصوات صراخ من حوله بالبناية.. لكنه لم يأبه و واصل الركض هنا و هناك مستكشفًا مكان زوجته.. حبيبته التي تكاد تضيع منه إلى الأبد لو خاب أمله و سعيه المستميت و لم يجدها هنا ! 

لكنه سرعان ما عثر عليها.. جمد بمكانه متسمرًا لبرهةٍ أمام هذه الغرفة بواجهة الرواق الجانبي الطويل.. شاهد ملابس مبعثرة فوق الأرض هناك... هوى قلبه بسن قدميه و كان صوت الصراخ الخفيض الذي سمعه و يعرفه جيدًا بمثابة الصفعة التي تلقّاها على وجهه ليفيق من جموده 

إندفع مسرعًا تجاه الغرفة و بيده سلاحه !!! 

إشتد إحمرار وجهه لدى دخوله و رؤيته الآتي ... 

زوجته نصف العارية.. تكافح بنصف وعي أسفل "نبيل" الذي كان يباشر بعجالة شديدة إعتدائه عليها و كأنه يود إستباق الزمن ليتمم تلك الجريمة النكراء !!!! 

لم يدم مكوث "عثمان" ملاحظًا كل ذلك سوى ثانية واحدة.. بعدها رمى السلاح و توّجه ناحية ذاك الوغد ليزهق روحه بيديه العاريتين ... 

هجم "عثمان" عليه و أمسكه من الخلف مطيحًا به بعيدًا عن "سمر" التي على ما يبدو قد سيطرت عليها صدمة عصبية حادة 

في الجهة الأخرى يرتطم جسم "نبيل" بالأرض أمام السرير، ليلحق به "عثمان" و يجثم فوقه كالوحش الضاري و هو يكيّل له اللكمات القاتلة التي أحالت وجهه بركة من الدماء، بينما يصرخ "عثمان" فيه بوحشيةٍ : 

-كـــــلب.. كــــــلب.. كــــــلب.. كــــــلب ! 

و بيّد بأنه علّق على هذه الكلمة ... 

لم يحاول "نبيل" الدفاع عن نفسه خلال هذا مرةً واحدة، بالنسبة له كان في حالة ضياع.. رأسه كدخانٍ... حتى و هو يتلقى ضربًا مبرحًا يكاد يقتله.. ما عاد يود أن يفكر.. أو يتخذ خطوة أخرى.. كان شعورًا غريبًا من السكينة يسيطر عليه.. لا يفقه له معنى أو وصف ... 

و لولا حضور العنصر الثالث.. و الذي لم يكن سوى "فادي"... إذ جاء و خلفه جميع قاطني البناية و الحارس في إثرهم 

أول ما وقعت عيناه عليها كانت "سمر".. فاختلج قلبه و هو يأمر الناس بصوتٍ خشن : 

-شوفوا الراجل ده إللي هايرتكب جناية هنا !!! 

و أسرع ناحية أخته .. 

سارها بالملاءة بلمح البصر و ضمّها إلى حضنه على الفور ساكبًا بأذنها عباراتٍ مهدئة... بينما الناس قد نجحوا بالفعل في الفصل بين "عثمان" و "نبيل".. لكن الأخير لم يتوقف عن الصياح العنيف : 

-سيبوووووني.. سيبوووووني هاقتله. هاقتله... هاقتلك يا نبيل يا ألفي. سامعني ؟؟؟؟ هاقتــلـك !!!!!

_______________ 

هذه المرة لم يقبل إلا بعودتها معه إلى منزله ... 

و بالرغم من إصاباته الحديثة و الكسر المضاعف بذراعه، لكنه صمم أن يحملها هو طوال الطريق من إلى القصر... عادت مرةً أخرى، عادت إلى الملجأ الآمن 

آمن طبعًا... فما الذي صار لها حين خرجت منه ؟ .. كانت ستفقد نفسها بكل ما للكلمة من معنى هذه المرة.. نفسها و حياتها كلها ... 

كان "عثمان" يقف وسط الطابق المستقلّ به بالمنزل.. أمام باب جناحه الخاص... يستند إلى درابزون الدرج بكلتا يداه.. يقبض على حافة الرخام الصقيل بقوة و هو يستعرض الموقف الذي تعرضت له "سمر" مرارًا و تكرارًا 

ما كان داخله لهيدأ إلا بعد أن يقتلع رأس ذاك الحقير.. لكنهم منعوه.. جميعهم منعوه ... 

يسمع "عثمان" صوت باب الجناح يُفتح في هذه اللحظة مقاطعًا أفكار.. لم يكاد يلتفت فسمع صوت "فادي" المتوتر أولًا : 

-هي ملك مش هنا ؟!!! 

إستدار "عثمان" ناحيته و رد عابسًا : 

-ملك كانت مع سمر.. و أنا ماعرفش سمر كانت قاعدة فين ! 

فادي بتوتر شديد : 

-طول السكة لهنا و لحد دلوقتي جوا عمالة تخطرف و تنادي عليها و على يحيى. هاتكون راحت فين !!! 

طمأنه "عثمان" بهدوءٍ متكلف : 

-إهدا.. ماتخافش. لما تفوق نسألها و حد فينا يروح يجيبها.. الدكتور عمل إيه جوا ؟؟؟ 

حملق فيه "فادي" بتيهٍ، بدا كأنه لم يسمعه جيدًا... ليرى "عثمان" من وراء كتفه باب الجناح يُفتح مرةً ثانية و الطبيب يخرج بمفرده 

تجاوز "عثمان" ذاك المصدوم مهرولًا نحو الطبيب الخمسيني و هو يهتف بتلهفٍ : 

-خير يا دكتور.. سمر عاملة إيه دلوقتي ؟ فاقت ؟! 

تبسم الطبيب بوجهه قائلًا : 

-فاقت و زي الفل يا عثمان بيه.. بس حالتها النفسية مش مستقرة زي ما شوفت. لازم تستشير طبيب نفسي لأن ده مش كويس عليها و لا على البيبي ! 

رمقه "عثمان" ببلاهةٍ و هو يكرر مفغرًا فاهِه : 

-بيبي ! .. سمر حامل ؟؟!!! ............................................................................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

تعليقات



×