رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني الفصل الواحد والسبعون 71 بقلم مريم غريب

  

رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني الفصل الواحد والسبعون بقلم مريم غريب

( 71 )

_ لا يحدث ! _

قضت بعض الوقت بقاعة الحمام الرئيسية الفاخرة... إغتسلت و خرجت يملأها شعور الإنتعاش الجميل.. مشت عائدة إلى غرفتها بخطى مبتلّة 

راحت تجفف شعرها برفقٍ بمنشفة صغيرة، و هي تتجه ناحية خزانتها، كانت ثيابها المختارة سلفًا معلّقة أمامها مباشرةً.. فما إن أتمّت خطواتها الجمالية و صففت شعرها و تركته حرًا هكذا دون عقال قفزت داخل الثياب و إنتعلت حذائها الخفيف 

ثم إلتقطت هاتفها و سارت إلى الخارج هاتفة بصوتها الرقيق العذب : 

-سمر.. يا ست سمر. عملتلنا الغدا و لا إيه أنا جوووعت أوي ! 

و توقعت بأنها سوف تجدها بالمطبخ طبعًا.. لكنها تفاجأت حين ذهبت إلى هناك و وجدت المكان خاويًا كما تركته !!! 

-إيه ده ! .. تمتمت "يارا" لنفسها بغرابةٍ 

و حكت فروة رأسها بأناملها مكملة : 

-راحت فين دي. معقول كل ده برا ؟! 

رفعت هاتفها لتنظر به و فتحته باحثة عن رقم متجر الأغذية الذي وصفته لنديمتها 

بينما تتوجه نحو ممر الغرف لتلقي نظرة على الأطفال النائمين و لربما تجدها هناك أيضًا.. لكن لا.. لم يكن لها أيّ أثر ... 

-آلو ! .. إنفتح الخط فجأة و سمعت "يارا" ذلك الصوت الرجولي الخشن 

ترد بصوتها الهادئ : 

-آلو مساء الخير. هايبر (....... ) معايا ! 

-أيوة يافندم تحت أمرك ! 

-لو سمحت أنا كنت باعتة بنت عندكو من ساعة كده تجبلي طلبات.. هي قصيرة شوية و رفيعة كده و عنيها ملونة و آه. محجبة و لابسة أبيض و جينز.. ماشوفتهاش خالص قدامك ؟ 

-أنا واقف على الكاشير يافندم و جمب الباب.. ماشوفتش حد خالص بالمواصفات دي من الصبح 

-متأكد ؟!! 

-طبعًا يافندم.. لو تحبي نجبلك الطلبات لحد عندك أؤمري ! 

-لا متشكرة ... 

و أغلقت ساهمة بنظراتها 

لا تعرف لماذا تسرب بداخلها الشعور بالتوتر، إنها حتى لا تعرفها و لا تخصها... و لكن ثمة شيء تحرك بأعماقها.. احساس ليس بغريب عليها 

لكنها لا تجيد وصفه الآن ... 

-
أجفلت "يارا" مغمغمة بعدم ارتياحٍ : 

-يا ترى روحتي فين يا سمر ؟؟!!! 

_______________ 

طوال الطريق من الساحل و حتى تخوم المدينة التي تعرفها جيدًا لم ينفك عقلها لحظة واحدة عن التفكير ... 

أكثر من مرة أمرها صوتًا بداخلها أن توقف هذه المهزلة التي زجت بنفسها فيها، كيف طاوعت ذاك الرجل و ذهبت معه بهذه البساطة ؟ تستقلّ بسيارته.. بجواره... و تترك "ملك" !! 

إنها و لأول مرة بحياتها تترك "ملك".. بل إنها و لأول مرة مجرّدة من كل شيء و ليس المال فحسب كما كانت طيلة حياتها... تشعر الآن و كأنها أداة تستخدم لغاية تجهلها !!!! 

-هو إحنا بقينا فين كده ؟! .. تساءلت "سمر" و هي تدير رأسها نحو "نبيل" الذي أمضى كل هذا الوقت يقود سيارته في صمتٍ مطبق 

إرتابت عندما تأخر في الرد عليها، و كادت تتحدث إليه بكلماتٍ تعكس إنفعالها المكبوت.. لكنه سبقها و رد بصوتٍ جاف : 

-خلاص يا سمر.. قربنا أوي ! 

تطلعت حولها عبر واجهات السيارة، تحاول العثور على أيّ علامة مميزة لطريق القصر.. لم تخرج بشيء من بحثها لكنها ظنت بأنه ربما يسلك طريقًا آخر، لم يتبادر إلى ذهنها مطلقًا خطبًا غير هذا، فهي هكذا دائمًا حسنة الظن ...

كلّمته الآن و هي تنظر خلال النافذة بجانبها : 

-طيب أنا هاستنى فين ؟ قصدي يعني لما نوصل مش هقدر أدخل القصر ! 

طال انتظارها هذه المرة أيضًا.. فعاودت النظر إليه ثانيةً، إلا أنها لم تشعر بالرغبة في الكلام بقدر ما ترسخت أخيرًا مشاعر القلق و الخوف بقلبها و هي تراه في صورة مبهمة و في وضع ساكن لا ينذر بأيّ خير ... 

و بدون مقدمات تهدأ سرعة السيارة لدى إنعطافها بشارعٍ جانبي.. و تتوقف فجأة أمام بناية شاهقة تنتمي لهذا الحي الراقي الذي تأكدت "سمر" في هذه اللحظة بأنه لا يمت للوجهة المنشودة بصلة 

ثلجت أطرافها و جفّ حلقها و هي تنظر مجددًا إلى مرافقها، يرفع الأخير يداه عن عجلة القيادة و يلتفت ناحيتها بدوره... يصوّب ناظريه إلى عينيها البريئتان 

ترجم بسهولة نظراتها الوجلة و فطن إلى كل ما يدور بخلدها.. لكنه لم يبال... كان يريد أن يقول ما دفعه لفعل كل هذا من البداية.. الكلمات... كان قد حضرها و رتبها بالفعل.. لماذا هربت منه الآن !! 

و من حيث لا يدري.. وجدها تتدفق من لسانه قاطعة الصمت هكذا تمامًا ... 

-أنا كمان يا سمر كنت بحب زيك كده في يوم من الأيام ! 

عبست "سمر" محدقة فيه بنظراتٍ غير واثقة.. ما معنى كلامه ؟ إنه في غير محله كليًا.. ماذا يقصد ؟ ماذا يريد ذاك ال"نبيل" ؟!!! 

يطلق "نبيل" نهدة مثقلة من صدره و هو يستطرد كما لو أنه يرى الماضي حيًا أمام نظراته الكئيبة : 

-في وقت عدَّى.. كنت طيب و أهبل زيك بردو. تقدري تقولي كنت ساذج.. و كنت متعود أوزع حبي و مشاعري منغير حساب. حتى لو إستنفذتهم في ناس مايستهلوش.. زيك. هدرتي كل الحب إللي جواكي و مشاعرك و قلبك على إنسان مايستهلش. إنسان مافيش شيء يمسكه إلا و يدمره.. بس تعرفي إيه الغريب في الموضوع يا سمر... المدهش أكتر من الغرابة إنك لسا باقية عليه و بتحبيه. لسا فكراه كويس و قابل للتصليح.. أنا حقيقي مشفق عليكي.. و مش عارف. جايز لو كنتي كرهتيه. لو كنتي بعدتي عنه و حطيتي بإيدك نهاية للعلاقة دي.. جايز ماكنتش فكرت أعمل فيكي كل ده ! 

بدا و هو ينطق عبارته الأخيرة كأنما يحدث نفسه... بينما تزداد ريبتها خاصةً حين رأت ملامح وجهه تستحيل بلحظة لتبدو أكثر قساوة و هو يتابع بغلظةٍ : 

-لكن هبلك ده.. قلة عقلك دي. كرامتك إللي عملتيها ممسحة لجزمته يدوس عليها في أي وقت و زي ما هو عايز.. كل دي حاجات لما بشوفها و أحسها بتفكرني. بتفكرني بيا.. زمان كنت قابل على نفسي كل إللي قبلتيه و عندك إستعداد تقبليه دلوقتي على نفسك. ماكنش قدامي حل غير إني أطلع برا نفسي و أزقني عشان أبعد و أنسى. عمري ما نسيت. لحد ما شوفته تاني و شوفتك معاه. و شوفتني فيكي.. عارفة يا سمر... الجرح ده. الجرح إللي فيا بقاله سنين مش هايتعالج إلا بطريقة واحدة بس. طريقة هاتضمنلي إن عثمان البحيري مش هايكون له أثر في حياتك بعد إنهاردة ! 

كانت تستمع إلى حديثه تدريجيًا و هي تلهث بخوف و تزدرد ريقها الجاف بطريقة مؤلمة.. حتى فرغ و رمقها بتلك النظرة التي أطلقت بداخلها إنذار الخطر ... 

لترفع يدها بحذرٍ محاولة الوصول لقفل باب السيارة خلسةً دون أن يراها ... 

و بالفعل.. وصلت... و تهيأت فورًا للفرار من أمامه لحظة فتح الباب.. و بسرعة شدت المقبض !!!! 

لكنه علق ! 

علق مرة ثانية.. ثالثة... لدرجة أنها إستدارت نحوه و حاولت مستخدمة يديها الاثنتين 

فشلت.. مرارًا و تكرارًا فشلت 

لتستدير و تنظر إليه مفغرة فاها برعبٍ بَيّن.. وجدته يبتسم لها بشر لا يخلو من الخبث... و في اللحظة التي قررت فيها الصراخ ملء فمها 

كان قد سحب منديلًا رطبًا من علبة أسفل قدمه و كمم فمها و أنفها به مطوقًا عنقها بذراعه القوي... دام الأمر لثوانٍ.. حتى همدت حركة "سمر" العنيفة تمامًا و تركها "نبيل" تسقط في مقعدها مغشية 

ألقى بالمنديل في كيسًا شفافًا و أغلقه جيدًا.. ألقى به من النافذة بجواره ثم أنزل الزجاج مرةً أخرى... شغل المحرك و تابع القيادة منعطفًا تجاه الجراج التابع للبناية 

هبط بداخله و ركن السيارة قرب المصعد الداخلي ... 

بثى جامدًا محله للحظاتٍ، مغمضًا عيناه بشدة.. ليفتحهما فجأة ساحبًا هاتفه من جيب سترته... فتحه و أخذ يبحث عن رقم غريمه و أشدّ عدوًا له تلى ظهر الأرض 

أجرى الاتصال به صوتًا و صورة، ثبت الشاشة على وجهه و بقى منتظرًا ... 

______________

غفى أخيرًا بعد محاولات مضنية يائسة... تمكن منه الكرى قبل دقائق قليلة.. فنام محتضنًا طفله بين ذراعيه 

يأنس فيه رائحة أمه... شيء من وجودها المفقود.. نفحة من حنانها... كان مرتاحًا نوعًا ما 

إلى أن أوقظه دق هاتفه الصاخب... فتح عيناه دفعةً واحدة و سحب نفسًا عميقًا و هو يمد يده للخلف متحسسًا طريق الهاتف حتى وجده.. رد بصوته الناعس دون أن يلقى نظرة على هوية المتصل ... 

-آلوو ! 

-صحي النوم يا عث ! 

أفاق "عثمان" بلحظة كما لو أنه تلقّى شلالًا باردًا فوق رأسه !!! 

قام بحرص من جانب إبنه و إبتعد ليتحدث إلى ذلك الوغد ... 

-أهلًا أهلًا.. أهلًا يا بيلي. فينك كده يا راجل. بقالك كام يوم مش باين في البيت. ده إنت واحشني بشكل. و لا أنا ماوحشتكش ؟! 

-و ده معقول يا عثمان.. طبعًا وحشتني. ده أنا حتى بكلمك Video Call. نفسي أشوفك و بالمرة أوريك حاجة هاتتبسط أوي لما تشوفها 

و سمع "عثمان" باللحظة التالية صافرة السماح بالمكالمة صوتًا و صورة ... 

أبعد الهاتف عن أذنه و ضغط زر القبول، ليبرز وجه "نبيل" الضاحك فورًا، فيبادر "عثمان" بالقول متوعدًا : 

-حلوة ضحكتك و الله يا بيلي. أثبت على كده لحد ما أشوفك.. أوعدك إنها آخر مرة. عشان أقسم بالله. يا أنا يا أنت 

قهقه "نبيل" بمرحٍ و هو يقول باسلوبًا مستفز : 

-الله الله.. ليه كده بس يا عث. إيه يا حبيبي العدوانية إللي بقيت فيها دي ؟ أنا كنت عملت إيه بس يزعلك أوي كده ؟!! 

عثمان بغلّ شديد : 

-مش عارف عملت إيه ؟ إنت إللي كشفتني قدام مراتي.. و حياة أمي ما هارحمك يا نبيل يا ألفي 

-مراتك ؟! .. كرر "نبيل" متظاهرًا بالغرابة 

-تقصد دي ! 

و قلب الكاميرا بلحظة لتظهر "سمر" أمام عيني "عثمان" بهذا الشكل... بدت كالنائمة.. لكنه أدرك جيدًا بأنها ليست كذلك ... 

أخرسته الصدمة و أجحظت عيناه حتى كادتا تقعان من محجريهما، ليرد "نبيل" الكاميرا و يسلّطها تلى وجهه مجددًا و هو يقول بتلك الابتسامة الماكرة : 

-ساكت يعني يا عث ؟ شايف أنا معايا مين.. مش
دي سمر بردو. أم يحيى.. إبنك ؟! 

-إيــــاك ! .. صرخ "عثمان" فيه بجماع نفسه 

برزت جميع عروق وجهه و أوردته و هو يحذره بشرٍ مطلق : 

-أقتلك يا نبيل.. و عزة جلال الله أدبحك !!! 

يضحك "نبيل" من تهديده ممعنًا بالاستخفاف منه و هو يقول : 

-نبقى نشوف الموضوع ده.. نأحل التفاوض على قتلي أو العفو عني. بس بعد ما أعلّم عليك يا كسانوفا. شاركتني زمان في حبيبتي. و إنهاردة لازم أشاركك في حبيبتك. ما هي جمايل و بتترد .. 

و ضحك مجددًا و هو يلوّح له مودعًا ... 

و إنقطع الخط فجأة، ليصرخ "عثمان" بالهاتف كالمجنون و يسب و يشتم بأفظع الألفاظ، يستيقظ طفله على إثر كل هذا باكيًا 

لكنه كان كالأعمى.. لم يتوجه إليه... بل إنطلق راكضًا بالمنزل و هو يهتف بصوت هزّ المكان من حوله : 

-هـــــــالة.. هـــــــالة... هــــــــــــــالة !!! 

و اصطدم برؤية منشودته بقاعة الجلوس بالطابق الثاني.. إذ كانت تحتسي الشاي برفقة السيدة "فريال" ... 

-في إيه يا عثمان ؟؟؟
تساءلت "هالة" بذعرٍ و هي تنهض واقفة أمامه، كذلك هبت "فريال" من مكانها أيضًا و اقتربت من إبنها قائلة بتوتر : 

-إيه يا عثمان بتزعق كده ليه ؟ خير يابني حصل إيه إتكلم !!! 

-نبيل فين ؟؟؟؟ .. نطق بشراسةٍ و هو يرمق إبنة عمه بنظراتٍ مستوحشة 

تلعثمت "هالة" و هي تقول مجفلة : 

-خالو نبيل.. بتسأل عليه ليه ؟ إيه إللي آ ا ... 

قاطعها هنا و قد تحوّل وجهه إلى جمرة ملتهبة من النار و هو يصيح بوجهها بضراوة أذابت عظامها فزعًا : 

-نـبيـــــل واخـد ســـــمـر.. خـدهــــااااااا.. إنـطـقـــي قـولــــــيلي هـو فــــيــن ؟؟؟؟؟؟؟؟ ............................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

تعليقات



×