رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني الفصل الواحد والستون 61 بقلم مريم غريب

 

رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني الفصل الواحد والستون بقلم مريم غريب

( 61 )

_ غشى على القلب ! _

كان الصغير "يحيى" مستيقظًا عندما عادت أمه من الخارج ... 

وجدته وقد تدلّى بالمقلوب من فوق السرير _ حيث قدميه بالأعلى و رأسه بالأسفل _ و ينشد بصوته العذب الطفولي غنوة غربية حفظها من جدته لكثرة ترديدها عليه يوميًا خاصةً بأوقات النوم

ندت عن "سمر" شهقة ملتاعة و هي تصيح راكضة صوب طفلها بسرعة فائقة : 

-يحيى ! إيه إللي بتعمله ده يابني.. بتعمل إيه بس ؟؟؟ 

و أمسكت به و عدلته فورًا و هي تتفحصه عن كثب و تتأكد بأنه بخير ... 

تنفست الصعداء و هي تضمه بحنانٍ إلى صدرها و تمسح على شعره البُني الأملس هامسة : 

-دي عمايل تعملها يا يحيى ؟ هه.. أسيبك لوحدك شوية على أساس نايم أرجع ألاقيك كده مشقلب. إيه التهور ده بس. شروع في قتل ! 

أضحكتها عبارتها الأخيرة، فاحتضنته أكثر، ثم أبعدته بعد برهة لتنظر في وجهه البهي الجميل، و قالت بحبورٍ : 

-أبوك مش كده.. أبوك حنين أوي. هو عصبي شويتين اليومين دول و يمكن بقى غبي حبة صغيرين.. بس طيب جدًا. يمكن طيبته و حنيته دول إللي نفسي تاخدهم منه .. دول بس يا يحيى ! 

كان الصغير ينظر إليها ببلاهةٍ مفغرًا فاهه، حتى فرغت فأخذ يُتأتئ و يختخت بلغته غير المفهومة 

ضحكت "سمر" بانطلاقٍ و للحال إنهالت عليه ضمًا و تقبيلًا ... 

برزت نغمة صاخبة من هاتفها باللحظة التالية، التفتت لتلتقطه من فوق الكومود.. فتحت النمط.. لتجد بأنها رسالة... ما كادت تفتحها لترى اسم زوجها يقفز مرفقًا بصورته بالشاشة الساطعة 

اضطرب قلبها فورًا و تسارعت خفقاته ... 

ظلّت للحظاتٍ عاجزة عن التفكير.. هل تجيب إتصاله أم لا !!! 

فجأة و لا إراديًا وجدت نفسها تضغط زر الإجابة قبل أن ينقطع الرنين بلحظة ... 

-آلو ! 

جاء صوته أولًا، بينما ألجم التوتر لسانها.. ليتابع بعد برهةٍ قصيرة بصوته الهادئ المتزن : 

-سمر.. سمر إنتي معايا ؟ .. طيب طالما فتحتي المكالمة ردي عليا. من فضلك ! 

لم تستغرق وقت طويل خاصةً بعد سماع إستجدائه لها.. ردت بالأخير بصوتٍ جاف : 

-عاوز إيه يا عثمان ؟ بتكلمني ليه.. مافيش كلام بينا ! 

-طيب رديتي ليه لو إنت شايفة إن ده صح ؟! 

عاودت الصمت من جديد ... 

لتسمع نهدته تاليًا أعقبها صوته ذي النبرة الحنون المخضعة : 

-سمر.. مش كفاية بقى ؟ أوكي. إنتي كسبتي المرة دي. و أنا عرفت قيمتك كويس أوي.. عملتي إللي إنتي عايزاه و كسرتي عنادي. و أديني بعترفلك. أنا مش قادر أعيش كده.. مراتي و حبيبتي جمبي و مش طايلها. طيب أيام ما كنتي عايشة مع أخوكي كان أهون عليا عشان مش شايفك قدامي. لكن أنا عارف.. عارف إن عينك عليا في الروحة و الجاية.. بشوفك و بحس بيكي. سمر إنتي ليه مش قادرة تصدقي إني فعلًا بحبك. بحبك أوووي. لازم أقولك عشان تتأكدي ؟ أنا مابعملش أي حاجة تحسسك إني بحبك بجد ؟ ماشوفتيش مني أي إثبات ؟ .. ردي يا سمر ! 

في خضم حديثه الذي أربكها كليًا و عبث بمشاعرها بشدة.. لم تستطع إلا أن تقول بلسانٍ ثقيلٍ : 

-إ.. إنت. إنت طلقتني ! 

جاء رده فورًا : 

-إنتي إللي طلبتي و أنا عملت كده عشان أريحك 

علّقت بسخريةٍ : و تخيلت إني هارتاح فعلًا ؟! 

تجاهل "عثمان" تعليقها و استطرد بحزمٍ : 

-و كمان عشان أعرفك إن محدش فينا يقدر يبعد عن التاني.. زي ما أنا بحبك إنتي بتحبيني يا سمر. تنكري ؟؟؟ 

ضغطت على شفاهها محاولة العبور من مأزق السؤال بأيّ طريقة، فقالت بنزقٍ دون تفكيرٍ : 

-إنت عملت فيا كتير.. كتير لدرجة مش قادرة أغفرلك أخطاءك الأخيرة. أيوة شفت منك حاجات حلوة و جمايل عمري ما أقدر أردها. لكن إنت آذيت مشاعري.. حبك في قلبي بـ آ ا .. 

-طيب بس ماتكمليش ! .. هكذا قاطعها قبل لن تتم جملتها التي توقع مدى سؤها، ثم قال بهدوءٍ : 

-بصي.. مش هاينفع نتكلم في التليفون كده. أنا راجع إنهاردة بدري. ساعتين بالكتير و هاكون عندك.. هانتكلم يا سمر. مهما حصل و هايحصل بينا لازم مرجعنا يبقى لبعض. تتكلمي و أتكلم و كل شيء يتحل.. لكن أنا عمري ما هقبل إنك تبعدي عني تاني و لو يوم واحد. سامعاني ؟ 

كم أحبت هذا الدفء الذي يغمر صوته و كلماته الموّجهة كلها إليها.. كم إشتاقت لسماع عبارته المطمئنة... لطالما أدركت بأنها لا شيء بدونه.. لكن كبريائها المكتسب مؤخرًا أبى إلا أن يثبتها على موقف الهجران 

إنما الآن... لقد صارت موقنة مئة بالمئة بأنها حتى لو أرادت هجره فإن قلبها و كل ذرة فيها سترفض ذلك.. و بالنهاية سيسقط عقلها صريعًا و القلب الأبله سيفوز مجددًا ! 

-أنا هقفل دلوقتي عشان عندي إجتماع 

أفاقت على صوته، ليكمل بلهجته القوية : 

-هاخلصه و هاجيلك علطول.. و ياريت يكون أفضل لو جهزتي نفسك عشان نخرج نقعد في مكان بدل البيت. شوفي إللي يريحك و أنا هاعمله.. يلا باي يا بيبي ! 

و أغلق معها .. 

لتبقى مأخوذة بمكالمته و شاردة بصوته حتى إنتبهت على صراخ صغيرها المباغت.. رمت الهاتف من يدها و أولته جام إنتباهها ... 

-إيه يا حبيبي مالك ؟ مالك بتعيط ليه ؟ إنت جعان صح ! 

لم تنتظر لحظة أخرى و قامت حاملة إياه على ذراعها، ذهبت إلى غرفة شقيقتها "ملك".. كان الوقت لا يزال باكرًا لتستيقظ... و لكن المربية التي عيّنها "عثمان" لتهتم بها و بالصغير "يحيى" بعض الأحيان كان مستيقظة بالفعل 

رأتها "سمر" تجلس قرب الشرفة نصف المفتوحة، تحتسي القهوة و تقرأ الجريدة الإنجليزية في سكينة و هدوء.. إلى أن اقتحمت "سمر" خلوتها 

نهضت و هي تحني رأسها احترامًا للسيدة، و بدورها "سمر" سلّمتها الصغير موصية إياها برعايته و تقديم وجبة الفطور له، ثم إرساله إلى جدته بعد ساعة من الآن.. ستكون قد أفاقت من نومها هي أيضًا ... 

هرولت مجددًا إلى غرفتها، أقفلت الباب و أسندت ظهرها إليه.. تشعر بالأدرنالين يندفع بشرايينها، الأفكار تتدفق بعقلها.. ماذا يجب أن تفعل الآن ؟ 

هل تطيعه و تذهب إلى حجرة الملابس و تنتقي أفضل الثياب و تتحضر لموعدها معه ؟ أم تتجاهل وصيته و تتشبث بالقساوة لآخر لحظة ... 

و كعادة اللامبدأ الذي تسير عليه منذ أول يوم عرفته اختارت أن تنفذ كلامه بالطبع .. 

لكنها و قبل أن تتخذ خطوة نحو حجرة الملابس، سمعت أولًا نغمة الرسائل تعلو بصخبٍ من جديد، تنهدت بثقلٍ و مضت نحو السرير و أمسكت بهاتفها ثانيةً 

فتحته، ثم فتحت صندوق الوارد لتجد رقم "نبيل الألفي" يتصدر اللائحة... مرةً أخرى عاودها الغضب بالأخص حين لاحت أمام عينيها ذكرى الموقف الصباحي 

حيث تعرضه لها قبل قليل و التفوّه بما هو غير لائق لاسيما مع امرأة متزوجة.. أو امرأة تعيش تحت سقف رجلها و زالد إبنها... ذاك الدنيئ الذي لم يرتاح قلبها ناحيته منذ الوهلة الأولى.. ماذا يريد منها ؟!!! 

فتحت الرسالة دون تردد لترى بغيته و آخره ... 

لكنها جمدت فجأة 

جمدت.. و شخصت عيناها... و صعقت 

لقد غشى على قلبها بالفعل ! 

_____________ 

إنتهى الاجتماع الطارئ خلال وقتٍ وجيز ... 

خرج الموظفون أولًا، ثم لحق بهم الرئيس و هو يضع سترته فوق كتفيه تأهبًا للمغادرة.. لولا صوت الشريك البغيض الذي استوقفه بغتة : 

-عثمان ! 

تأفف "عثمان" بسأمٍ لدى هتاف غريمه ذي الصوت الكريه، إستدار له على مضضٍ قائلًا من بين أسنانه : 

-أفندم يا بيلي ! 

أقبل عليه "نبيل" بمحياه الباسم البارد و هو يقول بمرونةٍ : 

-أنا قلت لازم ألحقك و أهنيك على الSpeech الهايل بتاعك. لأ بصراحة Good Job.. إنت طلعت Leader ممتاز. و ماكنتش أعرف إن الموظفين بيحبوك أوي كده 

ابتسم "عثمان" و هو يرد عليه باستخفافٍ بيّن : 

-الموظفين إللي كانوا جوا دول نصهم راسهم شايبة يا بيلي. يعني قضوا حياتهم المهنية كلها هنا في الشركة مع أبويا. و أنا كنت دراع أبويا اليمين. يدوب تميت 19 سنة و نزلت أشتغل معاه. عارف كل موظف هنا من الصغير للكبير.. أبويا علمني إن الولاء و الاحترام أهم حاجة في الشغل. عشان كده تلاقيهم زي ما قلت.. بيحبوني أوي. ف صعب عليك تبقى زيي بالنسبة لهم محبوب و محل احترام. طالما شايفين مني العكس. عمرهم ما هايخلفوني.. ده ردي لو كنت جاي تسأل عن الوصفة السحرية لحب الموظفين ليك يا بيلي .. 

و غمز له ... 

ضحك "نبيل" قائلًا : 

-الله يجازيك يا عث.. وصفة سحرية مرة واحدة. ماشي يا سيدي. و لو إني مش محتاجها و لا كنت أسألك عنها أصلًا.. بس مقبولة منك. عشان دمك الخفيف بس 

عثمان بابتسامة تنم عن قرف : 

-مش هايكون أخف من دمك و الله يا بيلي.. عن إذنك بقى عشان ورايا حاجة مهمة ! 

-إتفضل طبعًا.. في أمان الله يا حبيبي 

و تابعه بناظريه و هو يوليه ظهره و يبتعد متجهًا إلى بوابات الخروج، بينما يتمتم و هو يستلّ هاتفهه من جيب سترته و يلوّ به أمام وجهه : 

-بتتكلم و فخور أوي بالولاء و الاحترام.. هانشوف دلوقتي مين هايبصلك بصة زي دي تاني يابن البحيري !

_____________

نفس الحالة من الصدمة و الذهول التي إنتابت "سمر" قبل ساعةٍ من الآن... ها هي نفسها.. تنتقل إلى "فريال" بعد أن وضعت "سمر" الهاتف بيدها و أرتها اللقطة المخزية لإبنها 

و التي كانت ببساطة شديدة... "نانسي" عارية كما ولدتها أمها بين أحضانه.. و أين؟ .. بحديقة المنزل الخلفية.. ثم منها إلى مخزن المؤونة !!! 

-شوفتي بعينك يا فريال هانم ؟؟؟؟ 

دوى صياح "سمر" الجنوني فملأ قاعة البهو الفسيحة و تردد صداه حتى إلى الخارج.. أردفت بخشونةٍ و هي تمشي أمام "ريال" جيئة و ذهابًا كسائرة على جمرٍ : 

-إبنك.. إبنك المحترم. خدعني.. لأول مرة في حياته كدب عليا فعلًا.. و أنا زي العبلة كنت فاكرة الصدق الفضيلة الوحيدة في حياته. لكن لأ.. عثمان البحيري من أو** الناس إللي عرفتهم في حياتي. سامعة يا فريال هانم ؟ إبنك و** و هايفضل طول عمره و** !!! 

-إنت قولتي إيه دلوقتي ؟! 

سكن كل شيء لحظة بزوغ صوته الغاضب بشدة على حين غرَّة ... 

من شدة الصدمة، لم تستطع "فريال" إزاحة بصرها عن شاشة الهاتف، لكن "سمر" ما لبثت أن التفتت نحوه بكل غضبها و نارها و غيرتها 

كانت عيناه تقدحان شرارات خطيرة مدمرة بانتظار حسم تصرفاته التالية بتأكيد ما سمعه و أو نفيه.. إلا إن زوجته كان بها من الشجاعة و التهور ما دفعها للاقتراب بضع خطوات ناحيته، ثم الصياح بوجهه بجماع نفسها : 

-قلت ! هو أنا لسا قلت حاجة يا خاين يا كداب. مش مكفيك كل إللي عملته فيا زمان و سامحتك عليه و رصيت أكمل حياتي معاك.. بتخدعني ؟ بتستهزأ بيا للدرجة دي.. أنا عملتلك إيه.. رددددد عليا عملتلك إيه أستاهل عليه غدر في غدر من ثوم ما عرفتك و أخرتها خيانة و كدب. عملت إيه ؟؟!!!! 

لوهلة ارتبك أمام تصريحاتها، لكنه سرعان ما تحوّل إلى شخصه الغضوب و هو يهدر بعنفٍ مهدد : 

-إنتي لما تقفي قدامي تتكلمي عدل. إنتي فاهمة ؟ ماتنسيش نفسك يا سمر.. كلمة تانية مش تمام أو قلة أدب أسمعها منك ردي هايكون أسوأ حاجة تشوفيها في حياتك 

رفعت جاجبيها مدهوشة و صرخت به ؛ 

-كمان ليك عين تبجح فيا و تهددني ؟ يا جبروتك.. بس مااااشي. هاحطها في عينك. عشان لما أقل منك بجد ماتقدرش ترفع راسك و تبص في وشي أصلًا .. 

لم يكد يرد له الصاع صاعين على قلة أدبها في الحديث معه و مناطحته بهذا الاسلوب المهين، تحركت من أمامه بلحظةٍ تجاه أمه، خطفت الهاتف من يدها و عادت إليه مثبتة إياه أمام ناظريه هاتفة : 

-هاااااااه.. إيه رأيك ؟ شوفت دلوقتي ؟ دليل خيانتك و كدبك عليا .. 

حملق "عثمان" مصدومًا هو الآخر بشاشة الهاتف، كانت المفاجأة عنيفة جدًا عليه.. بينما تستطرد "سمر" و قد تداعى تماسكها و بدأت تبكي و تصرخ بالفعل : 

-أنا بقيت أكره نفسي.. دلوقتي نفسي بجد أجيب خنجر مسموم و أطعن بيه قلبي إللي في يوم من الأيام حبك. حبك ليه و على إيه ؟!!
ماعرفش.. ذلتني. كسرتني. عملت فيا كل حاجة وحشة و دمرت حياتي. حبيتك إزاي أنا ؟ كان لازم أعرف إن عمرك ما هاتتغير ز لا هاتحبني بجد. كان لازم أعرف إنك كداب. و إنك هاتفضل طول عمرك و** و حيوان. مافيش فرق بينك و بين الحيوان فعلًا. واحد مافيش حاجة تهمه في الدنيا غير الهلس و السفالة. كنت ضحيتك زمان. لكن دلوقتي مجرمة. مجرمة عشان زافقت أطمل معاك و أصدقك.. ياخي ملعون أبو الحب. ملعون أبو القلب ده إللي كان متعلق بيك و رافض حد يدخله بعدك. ده حتى جسمي.. عمري ما فكرت إزاي يكون لحد غيرك... منك لله. بحق كسرتي و قهرتي. و كل يوم نمت فيه بضحك أو ببكي بسببك. في الحالتين كنت بتخدعني. منك لله ! 



و اختنق صوتها بغصة مريرة ... 

قفزت للخلف فجأة حين رأته يتأهب للاقتراب منها، أشهرت ذراعها بوجهه و هي تمسح دموعها بساعدها الآخر، ثم قالت و هي تحدق فيه بقوة : 

-أنا هامشي.. المرة دي هامشي. هاسيبك المرة دي. و مافيش رجعة !! 

أجفل "عثمان" محاولًا الظهور بمظهر الصارم و هو يرد عليها بصلابةٍ : 

-سمر.. إنتي مش في حالتك الطبيعية. إنتي فاهمة غلط أصلًا. أنا ماكدبتش عليكي و لا آ ا ... 

-إخرس بقى !!!! .. صرخت بضرواةٍ و هي تصك أذنيها بكفيها و تضرب بقدمها الأرض كما الأطفال ... 

-مش عايزة أسمع منك كلمة زيادة.. شبعت كلام. شبعت كدب. بس إستحالة أعدي الخيانة. إستحالة.. أنا هامشي. هاخد إبني و هامشي ! 

و ولّت مدبرة، بل راكضة بأسرع ما لديها تجاه الأعلى بينما يلاحقها صوت "عثمان" الجهوري : 

-إبقي وريني هاتمشي إزاي يا سمر.. لا إنت و لا يحيى خارجين من البيت ده. على جثتي. ساااامعة.. على جثتي ! 

وصلت إلى غرفتها تتردد بأذنيها كلماته، و ترددها بلسانها عبر اللهاث المفرط الملتهب كمحياها : 

-مش هامشي.. مش هاخرج من البيت ده.. طيب يا عثمان البحيري... و حياة إبني لاوريك.. هاوريك سمر بتاعة زمان. و بتاعة دلوقتي !!! 

_____________
يجلس أمام أمه... قرابة الساعة لم ينبس كلاهما ببنت شفة 

"فريال" تسيل دموعها بلا كلامٍ، و "عثمان" يضع رأسه بين كفيه و يصيق قلبه كلما دوت بأذنيه كلماتها الأخيرة 

عقله يحترق و ذاكرته تدنو من الهذيان... ليرفع رأسه بهذه اللحظة كما لو أنه غاطسًا أسفل سطح الماء 

يسحب شهيقًا عميقًا و هو ينظر لأمه ساهمة النظرات، خالية التعابير سواء عينيها أو وجهها، يخرج صوته تاليًا ملؤه العذاب : 

-ماما ! صدقيني أنا ماعملتش حاجة. وحياتك عندي. و رحمة أبويا ماحصلش.. أنا ماقربتش من نانسي أصلًا ! 

تنظر إليه "فريال" هنا... ترد عليه بنبرات مجروحة كقلبها : 

-إنت قولتلي جواز على ورق.. قولتلي إنك بتحب سمر و يحيى ! 

أومأ رأسه قائلًا : 

-أيوة قلت كده.. و ماكدبتش و الله. نانسي عملت إللي إنتي شوفتيه ده فعلًا. لكن أنا ماجتش جمبها. إللي خصل بعد كده إنتوا مش فاهمينه و محدش فيكوا مديني فرصة أشرح أي حاجة 

بدت "فريال" و كأنها بم تسمع ما قاله، فتمتمت ببكاءٍ : 

-سمر هاتاخد يحيى و هاتمشي ! 

طمأنها "عثمان" قائلًا بثقة و تأكيد : 

-مش هاتاخده يا فريال هانم.. مش هاتاخده و مش هاتمشي إطمني. أنا هاتصرف 

يدق جرس المنزل في هذه اللحظة، فيصمتا مؤقتًا.. حتى ظهرتالخادمة و هي تهتف مقبلة عليهما بشحوبٍ : 

-عثمان بيه.. في عسكري عايز حضرتك برا 

قطب "عثمان" وجهه معلقًا : 

-عسكري عايزني أنا ؟ لبه ؟! 

هزت الفتاة كتفيها مغمغمة : 

-ماعرفش يا بيه ماقالش.. قال عاوزك بس ! 

نهض "عثمان" قبل أن تتم جملتها، توجه إلى خارج البهو تتبعه أمه.. وصل عند باب المنزل ليرى عسكري يقف بانتظاره فعلًا ... 

-عثمان البحيري فين ؟ .. قالها العسكري الشاب بهتافٍ مقتضب 

ليتقدم "عثمان" عدة خطوات على الفور قائلًا : 

-أنا عثمان البحيري.. خير ؟! 

نظر العسكري له، ثم قال و هو يضم يداه أمامه و يشير برأسه جهة الخارج : 

-معايا أمر ضبط و إحضار لحضرتك. ممكن تتفضل معايا لو سمحت ! 

صدرت عن "فريال" شهقة رعب الآن، ليسارع "عثمان" بامساك يدها و تهدئتها بلمساته الحازمة الحانية، بينما يمضي موجهًا سؤاله الرسمي للعسكري : 

-عشان إيه الضبط و الإحضار ؟ 

العسكري بثباتٍ لا يخلو من الفتور : 

-زوجة حضرتك إتصلت تطلب إستغاثة و مقدمة فيك بلاغ. و على فكرة هي كمان مطلوبة.. فين مدام سمر حفظي ؟

تعليقات



×