رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني الفصل التاسع والخمسون بقلم مريم غريب
( 59 )
_ كالزئبق ! _
وقفت "هالة" على بعدٍ أمام المطبخ المفتوح أمريكي الطراز ...
أخذت تحدق باهتمامٍ إلى طاولة الغداء التي أوردت إليها كافة الأصناف المفضلة لدى زوجها، إذ تجاهلت وصاياه بوجوب عدم إرهاق نفسها أو بذل أيّ جهد حفاظًا على صحتها و صحة الجنين.. و لو أنها ترجّح الفرضية الثانية أكثر... فهي للأسف لم تعد واثقة تمامًا من حبه لها ..
أو إهتمامه لأمرها على وجه الخصوص.. صارت أشد ثقة من ذلك خلال الفترة القصيرة التي قضتها معه هنا.. لكنها في الوقت ذاته تتظاهر بقلة الاكتراث.. فمن يدري ؟ عسى الحال بينهما يتبدّل، غدًا إن لم يكن اليوم !
أطلّت تاليًا على نفسها بمرآةٍ جانبية بطول و عرض الحائط ..
كانت ترتدي فستانًا قصيرًا بلون النيود الفاتح، من قطن الكتّان، بلا إكمامٍ، و في قدميها خفين مزين كليهما بعناقيدٍ من القش و الزهور الصغيرة الملوّنة... شعرها الطويل المصفف بعنايةٍ جمعته في جديلة ألقت بها على كتفها من الأمام.. و أكتفت بقدرٍ قليلٍ من مساحيق التجميل فقط لتخفي آثار الأعياء حول عينيها و الشحوب الذي يغزو خديها.. و حمرة الشفاة اختارتها ورديّة خفيفة تحاكي لونها الطبيعي في العادة ...
-إيه ده كله ؟!!
شهقت "هالة" بذعرٍ حين إنبعث صوت زوجها من الخلف، إلتفتت إليه مسرعة لتراه ماثلًا أمامها و قد بدّل ملابسه المنزلية ببذلةٍ من الجينز القاتم ..
بدا عليه الارتباك للحظة عندما استدارت هكذا بصورة كلية، ليشملها بنظرةٍ فاحصة لم تدم إلا ثانيتين فقط
ارتبكت "هالة" بدورها، فرفعت يدها و عبثت بخصلة شعر متهدلة فوق جبهتها، بينما يقول "فادي" مصلحًا وضعه السالف بشيء من الشدة و الفتور :
-إيه كل إللي إنتي عملاه ده !!
و أشار بيده نحو الطاولة العامرة ...
كانت "هالة" قد نست الطعام و كل شيء في حضرته بشكلٍ مؤقت، ما لبثت أن انتبهت لقصده و نظرت حيث يشير، ثم نظرت إليه قائلة برقةٍ لا تخلو من التوتر :
-عملت إيه بس ؟ دي كل الأصناف إللي إنت بتحبها. على حسب ما أنا فاكرة يعني !
فادي بتوبيخٍ حاد :
-مش أنا قلت ماتتعبيش نفسك.. حضّرتي كل ده ليه ؟ أنا قولتلك ممكن آكل أي حاجة
عبست "هالة" قليلًا و قالت كمن خاب أمله بعد عشمٍ :
-أنا بس. حبيت أعملك حاجة بتحبها.. كنت عايزة أبسطك مش أكتر !
تجهم وجهها باللحظة التالية.. عندما شاهدت تلك الابتسامة الساخرة تبزغ فوق محياه... لم تكن تعرف سببها الآن.. أو بمعنى أصح لم تكن تتوقعها.. فشعرت على الفور كما لو أنها تلقّت صفعة قاسية.. أو.. كأنما هو بنفسه قد سحب بساطًا من تحت قدميها فتسبب بسقوطٍ فظيعًا ألمَّ بها ...
-و إيه إللي إنتي لبساه ده ؟! .. سألها و هو يرمقها الآن بنظراتٍ مستخفة
لماذا يفعل بها هكذا ؟ لا ينفك يوجّه إليها رسائله بأنها لا شيء.. حتى لو تمكنت من التأثير فيه و لو لحظاتٍ.. با لقسوة القلب ...
-الهدوم دي بتريحني ! .. قالتها "هالة" مغالبة خجلٍ مفاجئ تسلل إلى مشاعرها المجروحة
استطردت بتلعثمٍ طفيفٍ :
-زي ما إنت شايف. بطني كبيرة. و ماينفعش ألبس حاجات ضيقة ..
ثم تقدمت صوب الطاولة و شدت كرسي لها مكملة دون أن تنظر إليه :
-يلا أقعد بقى.. الأكل هايبرد !
بقت الأجواء بينهما ساكنة و هادئة جدًا لمدة.. حتى هي نفسها... ظلت جامدة بمكانها و لم تمد يدها إلى الطعام أبدًا.. حتى سمعته يتحرك من ورائها، ثم رأته يحلّ جالسًا على رأس الطاولة
تنفست الصعداء و بدأت بتناول أدوات الطعام، لم تعيره أقل اهتمام بهذه الآونة، حتى لم تود سؤاله عن مذاق الأصناف و مدى براعتها و تطورها في أمور الطبخ.. إذ كان هو الدافع الرئيسي لحملها على تعلم فنون الطهي بكافة أنواعه
و لكن للأسف.. كان.. هكذا يبدو.. يبدو جيدًا !!!
-ماقولتليش يعني إن باباكي إتوفّى !
توقفت "هالة" عن مضغ طعامها في هذه اللحظة ..
بطريقةٍ ما آلمها سؤاله و أغار صدرها بمشاعر كثيرة متضاربة قضت وقتًا طويلًا تجاهد لتتخلص منها، أو تخفف من وطأتها.. سؤال لا يدعو لكل هذه الانفعالات التي عصفت بدواخلها، لكنها حرصت على ألا تظهر أمامه شيء من هذا
فأكتفت بأن ردت بصوتٍ أقرب إلى الهمس دون أن توليه ناظريها :
-في حاجات كتير ماقولتلكش عليها !
لم ينتبه كثيرًا لمعنى كلماتها، فاستطرد و هو يلتهم قطعة من شطيرته الساخنة :
-أنا عرفت بالصدفة أون لاين. مجلة إلكترونية مصرية كانت ناشرة الخبر.. بصراحة فكرت دقيقة واحدة أتصل أعزي على الأقل. بس مع الأسف اكتشفت إن المرحوم كان آخر حد ممكن أعبره أو أقدمله أي نوع من الاحترام. أصل كلكوا ما شاء الله يعني. و أولكوا إبن عمك. صحيح إيه الأخبار ؟ لسا ماعرفتيش توقعيه. عشان كده جيتي لحد هنا ؟!!
اهتزت الأواني فوق الطاولة باللحظة التالية إثر قبضة "هالة" التي ضربت فوق السطح الخشبي بقوة ...
إمتنع "فادي" عن تناول الطعام و تطلع إليها بوجهٍ مكفهّر، بينما تزدرد ما تبقى بحلقها مرةً واحدة، ثم تقول بصوتٍ ملؤه الغضب كنظراتها تجاهه تمامًا :
-بص يا فادي.. أنا عارفة إني عملت حاجات كتير غلط في حياتي. جايز بكفر عن أخطائي دلوقتي. و أنا راضية على فكرة مش معترضة أبدًا.. لكن بردو من ضمن الأخطاء دي إني إتعوّدت أسكت أحيانًا. إتعوّدت أسكت و أستحمل عمايل أي حد فيا. قريب أو بعيد. و بيقولوا يا فادي إللي مابيتعلمش من غلطه يبقى غبي. و أنا أثبت غبائي كتير الحقيقة. مش هاسمح لأي حد يطلعني بالصورة دي تاني أبدًا.. حتى لو كنت إنت. سامعني ؟
تلوّن وجهه بحمرةٍ قاتمة و هو ينظر إليها متمالكًا أعصابه، عيبه الاندفاع.. لهذا لا يريد أن يسمح لها بأضافة أسباب أخرى تقنعه أو تذكره بأنها فد خانته، باعته.. على الأقل ليس و هي حبلى بطفله، لقد عاهد نفسه ألا يقربها بخيرٍ أو بسوء، لكن هذه الأحداث الجديدة غير المتوقعة قلبت عقله رأسًا على عقب.. في هذه اللحظة لا يستطيع إلا أن يرى المرأة التي أحبها و خدعته.. ما فعلته به يجهل إن كان سيغفره لها بيوم من الأيام و لو حتى بينه و بين نفسه... و هي لا تدرك كل ذلك، بل و تتبجّح أمامه بالحديث و اللغو !!!!
في الجهة الأخرى تشعر "هالة" و هي تنظر بوجهه الآن بأن هذا هو المطلوب.. المكلوب بالضبط، إذا أغضبها فليجزع هكذا، ليفسد مزاجه، بالنشبة لها لقد دفعت ثمنًا غاليًا لقاء كل ما اقترفته، فقدان أبيها وحده بكل شيء، و زوجها لا يدرك ذلك، بل و يواصل ضغطه عليها غير عابئًا بفؤادها المثخن بما فيه الكفاية و أكثر !!!!
-أنا هارجع مصر ! .. هتفت "هالة" معلنة بصرامةٍ
توسع بؤبؤيه لجزءٍ من الثانية، بينما تمضي مكملة :
-وجودي هنا معاك مش لهدف أي حاجة بتفكر فيها. و أنا عارفة إنت دلوقتي بتفكر فيا إزاي.. أنا ماسافرتش عشانك إلا لما فكرت في مصلحة الطفل إللي في بطني. لأول مرة تفكيري كان بعيد عن الأنانية. و آه. يمكن كان لسا عندي شوية مشاعر ليك في قلبي. و لحد إنهاردة. رغم معاملتك. رغم قعادي بين أربع حيطان لوحدي ليل نهار ساكتة و راضية و بقول يمكن يسامحني و نرجع ناخد فرصة تانية. بس كنت عامية. أو ماحبتش أصدق إنك من ساعة ما شوفتني هنا. مش بتوفر مجهود عشان توصل رسالتك. مابقتش تحبني. مابقتش عايزني. مابقتش فارقة معاك.. أوكي يا فادي. أنا خلاص Accepted الحقيقة دي. و أوعدك إني مش هحاول معاك تاني. لا تضايقني بالكلام و لا أضايقك.. خلاص. المرة دي بجد.. It's Over !
و وضعت الشوكة من يدها و قامت فجأة ..
ارتبك حين رآها تكتم آنة متألمة و تمسك ببطنها، إذ بدا نهوضها المفاجئ قد أجفل الجنين.. لكنها ما لبثت أن عادت لطبيعتها، و بدون ان تلقي عليه نظرةً أخرى.. استدارت متجهة نحو ردهة الغرف
ليبقى "فادي" كما هو.. يفكر... كيف بدأ الأمر.. و كيف إنتهى !
______________
تخللت أصابعها النحيلة شعرها المبلل، كان ملتصقًا بظهرها وراء روب الاستحمام، فالتقطت رباط مطاطٍ و ربطته، ثم خرجت من الحمام حافية القدمين ...
أفلتت من بين شفاهها صرخة قصيرة لم تستطع إمساكها لحظة أن وقعت عيناها عليه.. زوجها.. أو طليقها... إذ اكتشفت فور خروجها بأنه كان يجلس بصالون الجناح بانتظارها، أمامها مباشرةً
بدون تفكير وجدت نفسها تهرع راكضة بسرعة فائقة نحو غرفة الملابس.. أوصدت الباب خلفها و استندت إليه بظهرها و هي تسحب شهيقًا، ثم تزفره ببطءٍ
راحت تتساءل و هي تمضي صوب الخزانة باسراعٍ.. ماذا آتى به الآن ؟ و كيف يلج إلى غرفتها بهذه البساطة ؟ أيحسب بأنها لا تزال ترحب به ؟ لقد أنفصلا.. لا يمكن أن يتراجع عن كلمته، لا يمكن !
ارتدت "سمر" عباءة منزلية رقيقة، و وضعت فوق رأسها وشاح رأس سميك كي لا يرى خصلة واحدة منه، أجل.. عليه أن يفهم ذلك، لقد ولّى زمنه بالنسبة لها، لم يعد زوجها
عادت "سمر" إلى الغرفة ثانيةً، لكنها وجدته واقفًا على قدميه الآن.. بمنتصف الغرفة، لا يبعد عنها سوى بضع خطواتٍ و قد كان في ثيابه الرسمية المشعثة بفعل حركة يوم كامل بالعمل.. اللعنة عليه !
و تبًا لجاذبيته و نظرة عينيه الفاترة الآسرة تلك ..
تنهدت "سمر" بعمقٍ مستجمعة نفسها عندما أحست بمجرد النظر بوجهه بوادر ضعفٍ، إنها لكارثة.. تلك المشاعر الحمقاء التي تداهمها الآن.. لا يمكن... لا يمكن أن تفتقده.. مستحيل أن يفطن لذلك ...
-ممكن أعرف إنت إزاي تدخل أوضتي كده منغير استئذان ؟!! .. قالتها "سمر" محتدة و هي تحاول جاهدة بأن تبدو كذلك أمامه
-دي مش أوضتك على فكرة.. أكيد إستحالة تغلط فيها !
ساد الصمت بعد عبارتها هذه.. خالت بأنه لن يتكلم أبدًا، و سيظل يرمقها بتلك النظرات المربكة ...
لكنه فجأها باللحظة التالية قائلًا ببروده المعهود :
-إنتي خرجتي إنهاردة ؟
زمت فمها مغتاظة من طريقته و اسلوبه الذي لا يتبدّل أبدًا.. ردت عليه من بين أسنانها :
-طالما سألت يبقى عرفت.. آه خرجت. مع مامتك
رفع حاجبه فازداد جاذبية أكثر و هو يقول بهدوءٍ :
-و لو.. إزاي ماتقوليليش حتى لو خارجة مع أمي ؟ أنا شفاف قدامك للدرجة دي ؟!
ضحكت "سمر" بخفةٍ و قالت :
-لأ إنت مش شفاف طبعًا.. إنت طليقي. و لا نسيت ؟
لم يرد في حينها، بل اقترب منها ببطءٍ.. و أنتظر حتى صار أمامها، خطوة واحدة بقيت بينهما، ثم قال بخفوتٍ خطر :
-أنا شايف تطور. لا فعلًا.. تطور. يعني حقيقي مبسوطة من وضعك دلوقتي ؟!
-و أزعل ليه ؟ .. قالتها بتساؤلٍ رافعة ذقنها بأنفة
-إنت فاكر لما قعدت قدامك تحت. و مامتك كانت حاضرة.. قولتلي كبيري اسبوع و هارجعلك برجلي. فات شهرين. مافتكرش حاولت حتى أقرب منك ...
و عقدت ذراعيها أمام صدرها مبتسمة :
-إيه رأيك بقى ؟ صدقت و لا لسا إني عادي أقدر أستغنى عنك.. أنا متأكدة إنك هاتصدق أكتر لما أثبتلك بالمواقف كمان. خلاص هانت أساسًا
-يعني إيه مش فاهم ؟! .. تظاهر بعدم الفهم و هو يستوضحها الآن
إلا إن لمعة التهديد الخطيرة التي بزغت في عمق عينيه لم تخفى عليها، و مع ذلك وجدت ما تبقَّى فيها من تبجحٍ و إستفزاز ..
فقالت و هي تشيح بوجهها عنه مجللة ملامحها بتعابير البرود :
-يعني مين عارف.. مش جايز حالي يتصلح بجد المرة دي ؟ أخد فرصة تانية في الحياة. مع ناس تانية و حد تاني !
توقعت بعد أن تفصح له عن تلك النوايا الكاذبة و التي لم تتوّه بها إلا نكايةً فيه... توقعت بأنه ربما يغضب.. يثور و يبطش بها من فوره... لكنها ذُهلت !
أو بمعنى أصح ارتابت، حين تأخرت ردة فعله.. حاولت أن تلمحه بطرف عينها، لتحبس أنفاسها فجأة.. حين شعرت بقبضته تحط فوق كتفها
لم يجتذبها بعنفٍ نحوه كما تعوّدت منه بأوقات المشاجرة و لم يلجأ إلى أيّ نوع من أنواع القوة.. إنما فقط إستدار بنفسه ليقف في مواجهتها... تماسكت بأقصى قوتها و هي تحملق فيه بثباتٍ قد يتداعى بأيّ لحظة ما إذا واصل ضغطه عليها ...
-بليز يا بيبي ! .. تمتم "عثمان" بصوتٍ هادئ يناقض نظرات عينيه المتآججة
-بليز قوليلي إني ماسمعتش كويس.. و إنك مش بتلمحي و لو من بعيد لإحتمالية تفكيرك في راجل تاني غيري
تنفست "سمر" بعمقٍ و هي تنفض جسمها لتبعد يده، ثم تبتعد خطوة للوراء عن متناوله تمامًا ...
-و إفرض ! .. هتفت بتحدٍ متهور
عثمان بنفس الهدوء :
-أفرض إيه بالظبط ؟ تفكيرك في راجل تاني و لا دخولك في علاقة جديدة فعلًا ؟!
-أيًّا كان فيهم.. إنت مش طلقتني ؟ أنا حرة. أعمل إللي يعجبني و يريحني
-ما أنا هاريحك فعلًا ! .. قالها و قد أخشوشن صوته و تحشرج بلحظةٍ و هو يرمقها بنظراتٍ مستعرة بنيران الغيرة
أجفلت "سمر" بتوتر لأول مرة الآن و هي تقول :
-هاتعمل إيه يعني !!
عثمان صائحًا بجنونٍ تام :
-هاقتلك يا سمر.. هاقتلك !!!
قفزت للخلف لا إراديًا مع صيحته الأخيرة، و بحركة لا شعورية ارتفع ذراعها في حركة دفاعية متخوفة و هي ترد عليه بارتباكٍ شديد :
-بقولك إيه يا عثمان.. أنا مش حمل جنانك ده دلوقتي. إنت جاي عايز مني إيه أصلًا ؟ إنت طلقتني. خلاص بقى إنتهينا
كتمت شهقة ملتاعة حين امتدت يده لتقبض على ذراعها بقوةٍ، شدها بعنفٍ صوبه و هو يغمغم بشراسةٍ :
-أنا بمزاجي.. بمزاجي سايبك تعيشي الدور ده يومين يا سمر. سايبك تدلعي و تفكري نفسك واقفة قصادي و لاوية دراعي. كل ده سايبك تعمليه جايز ترتاحي. مش ضعف مني أقف قدامك و أسمع الكلام ده و أفوته. مش هافوته أصلًا و عايزك تعرفي لو سمعتك تاني مرة بتقولي حاجة زي دي.. هايبقى يا ويلك مني بجد. أنا ممكن أردك دلوقتي حالًا و أحطك تحت مني كده و أقولك إشربي من البحر. هاتقعدي و هاتعملي إللي أنا عايزه بس.. لكن أنا ماعملتش كده من الأول و لحد دلوقتي. ليه ؟ عشان بحاول أعمل أي حاجة ترضيكي و تخرج حزنك و غضبك مني. لكن الواضح إن جهودي مش متقدرة. و إنك فاكرة فعلًا إن عثمان البحيري ممكن يزايد على كرامته. عارفة ده ممكن يحصل إمتى ؟ لما يكون بيني و بينك. لكن لما تفكري مجرد تفكير إن الموضوع ممكن يوسع. لأ يا سمر.. و الله أقلب حياتك سواد فعلًا. إنتي فاهمة ؟
و دفعها بعيدًا عنه بقساوةٍ، و أكمل محذرًا في وسط صدمتها و ذهولها :
-إنتي لحد إنهاردة ماشوفتيش غير عثمان الطيب إللي عنده إستعداد يحب و يدادي.. أتمنى ماتراهنيش على صبري أكتر من كده. عشان لو قبلت على الوش التاني. مش هاتتبسطي أبدًا يا سمر. أبدًا. و إوعي تفتكري إن شوفتيه !
أنهى كلامه أخيرًا و أولاها ظهره المتشنج ماضيًا نحو الخارج.. خارج الجناح كله ...
صفق الباب وراءه و انحرف يمينًا ليلج إلى الشرفة الكبيرة، خلع سترته و سحب ربطة عنقه نهائيًا، ألقى بهم فوق مقعد هناك، ثم إلتفت ليستند برسغيه إلى سور الشرفة العريض
نتيجة اللقاء المنفرد بينه و بين زوجته لم يكن يتوقعها مطلقًا، لقد كان قاسيًا.. ربما فظًا أيضًا... لكنه على الأقل ضمن تأثير كلماته عليها.. فهو أعلم الناس بها.. و هي أحبهم إلى قلبه
سيفعل أي ما يتطلبه الأمر للإبقاء عليها.. و لكن في رحلة استردادها و ردّها مجددًا إلى عصمته... ما الضمان بأنها لن تعود محمّلة بالكراهية و البغض إزاؤه ؟ .. ما طمأنه الآن هو أنه استطاع أن يلمح مشاعرها تجاهه بعينيها حتى و هي تقف بوجهه و تناطحه بشخصيتها الجديدة، عزائه الوحيد هو التفكير بذاك الحقير الذي يطمح للثأر منه فيها.. إنه ليجن جنونه.. خاصةً مع شعوره بها تتسرب من بين يديه كالزئبق ...
مهما حدث.. لا يجب أن يخسر رصيده كله بقلبها... يتعين أن يكون أكثر حرصًا من الآن فصاعدًا ! .................................................. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!