رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الواحد والاربعون 41 بقلم مريم غريب





 رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الواحد والاربعون 41 بقلم مريم غريب



_ لا تكتمل ! _


لأول مرة ترى "سمر" روضة أخرى تعادل جمال روضة مدينتها و مسقط رأسها _ الاسكندرية _ مدينة العراقة و مواطئ التاريخ السحيق 


كانت تقف هنا، بأعلى نقطة بأفخم فندق يتكبّد العاصمة النيلية الساحرة... في شرفة تطل مباشرةً على نهر النيل.. ريّان الصفحةِ.. العذبِ.. مهيب المنظر.. و أطول أنهار الكرة الأرضية قاطبةً ! 


أمواجه هادئة.. لا تشبه أمواج البحر التي عهدتها... لونه أزرق متلألئ تحت آشعة الشمس الساطعة.. يخيّل إليها بأن له رائحة.. كالمِسك أو أقرب تعبيرًا 


لقد قضت الليل كله تتطلع إليه من حيث كانت مضطجعة بالداخل برفقة زوجها.. عبر واجهة الشرفة الزجاجية ذات الميزة اللامرئية التي تتيح للرائي من الداخل فقط تبيّن ما بالخارج ... 


كانت ليلة استثنائية.. زاخرة بالمشاعر... و كما رجا منها، نسيت كل شيء بصورة مؤقتة لينعما معًا بلحظاتٍ من السلام و المحبة.. المحبة فقط 


سمعت "سمر" في هذه اللحظة جرس الجناح يدق يتبعه صوتًا يصيح من الخارج : 


-Room service ! 


تلمح "سمر" أثناء إلتفاتها للخلف خروج زوجها من دورة المياه متآزرًا بروب الاستحمام القصير و يضع منشفة حول عنقة لتتلقى قطرات الماء المنسابة من رأسه .. 


كان قد اختفى لثوانٍ بالمدخل المؤدي لباب الجناح، ليعود متجهًا صوبها و هو يدفع بقدمه عربة طعام الفطور، و في نفس الوقت يحمل في كلتا يداه صندوقان مستطيلان و باقة زهور حمراء ... 


-إيه الحاجات دي !! .. قالتها "سمر" بتساؤل و هي تشير بسبابتها إلى ما بيديه 


ترك "عثمان" تلك الأغراض جانبًا و أقبل عليها قائلًا بابتسامة شقية : 


-مش في صباح الخير الأول يا بيبي ؟ و لا عشان كنتي نايمة و ماعرفتش أصبح عليكي كويس عدتيها كده.. بس تصدقي قميصي هياكل من جسمك حتة !


و رفع نظراته عن معاينة قميصه السماوي الذي إرتدته زوجته دون غيره من الملابس، و مد ذراعه ليلفه حول خصرها و يشدها نحوه بقوة .. 


ارتطمت "سمر " بصدره الصلب مصدرة آهة متألمة، عبست و هي تتململ بين ذراعيه محاولة الفكاك و هي تغمغم : 


-اصطبحنا يا عثمان ! 


عثمان مداعبًا : أحلى اصطباحة و ربنا.. صباحك فل يا قمر. صباح أحلى من السكر.. صباح الورد و الكادي. صباحك مِسك و مسكر 


أفلتت ضحكة من بين شفاهها رغمًا عنها بعد أن سمعت غزله الصباحي الغريب، و قالت بدهشة : 


-إيه إللي بتقوله ده يا عثمان ؟!! 


-بصبَّح عليكي يا بيبي إيه ! 


-إتعلمت الكلام ده فين ؟؟! 


غمز لها قائلًا : 


-عيب عليكي ده إحنا مدرسة. الناس بتيجي تتعلم مننا. طيب خدي دي كمان ! .. و أردف مسبلًا عيناه نحو شفتاها الحمراوين و مقربًا وجهه من وجهها ببطء : 


-صباح الخير و الشمعة.. صباح يمسح الدمعة. أحبك من نهار السبت لحد ليلة الجمعة ! 


إنفجرت "سمر" ضاحكة فورًا، فأصابت قبلته الحارة أسفل فكها بدلًا من شفاهها، بينما تهمهم من بين ضحكاتها بصعوبة : 


-لأ إنت فاجئتني المرة دي. بجد.. إنت مين ؟ فين عثمان البحيري ؟؟؟ 


همس لها برومانسية : 


-معاكي أهو و بين إيديكي.. و ليكي لوحدك يا سمر ! 


بدأت تهدأ في الحال و تعود إلى صوابها، لتجده فجأة و قد إلتقط باقة الزهور و رفعها في مستوى نظرها متمتمًا و هو يتطلع إليها ثانيةً : 


-اتصفينا يا بيبي... صح ؟ 


-لأ مش صح !! .. هتفت بجمودٍ مفاجئ 


جمدت تعابير "عثمان".. بينما تستطرد عاقدة ذراعيها أمام صدرها : 


-و مش قبل ما تنفذ وعدك و تشرحلي إللي حصل و تقنعني كمان زي ما قلت.. غير كده يا عثمان يبقى الوضع كما هو عليه. أعيش جمبك مقهورة و قافلة بؤي عشان خاطر إبني. بس حبك إللي في قلبي ده .. 


و أشارت ناحية صدرها، موضع قلبها مباشرةً و أكملت : 


-أكيد مع مرور الزمن مش هايفضل زي ما هو. و مسيري هافوق.. لما أتأكد أكتر و أكتر إنك عمرك ما حبتني و لا قدرتني و لا حتى عملتلي أقل قيمة في حياتك ! 


أطبق "عثمان" جفنيه بشدة و هو يستمع إلى كلماتها التي حفظها تقريبًا... في كل مرة يتعاتبا تدلي بنفس الدلو هذا .. 


أخذ يقاوم مشاعر الانفعال التي اعتملت بدواخله الآن، فتح عيناه و نظر لها من جديد و هو يقول بصوتٍ هادئ : 


-أوكي يا سمر.. إللي إنتي شايفاه. إتفضلي طيب نفطر الأول و بعد كده هانقعد و نتكلم زي ما إنتي عايزة 


أمالت "سمر" رأسها للجانب قليلًا لترى محتويات عربة الطعام المغلفة بعضها بالبلاستيك و البعض الآخر مغطى بالاستنلس ... 


-مش هاكل الأكل ده ! .. أعلنت "سمر" ببساطة


قطب "عثمان" حاجبيه معلّقًا : 


-مش هتاكلي الأكل ده !

ليه يا سمر ؟ ماله الأكل.. إنت مش أول مرة تاكلي أكل فنادق !! 


هزت كتفيها بخفة قائلة : 


-مش عشان فنادق أو غيره.. أنا زهقت من أكلكوا 


-أكلكوا !!! .. كرر "عثمان" كلمتها مدهوشًا 


-أكلكوا دي راجعة على مين بالظبط يا سمر ؟!! 


-عليكوا إنتوا.. الناس الاغنيا ... 


بقى محدقًا فيها ببلاهةٍ عاجزًا عن الرد، لتضيف بلهجة مستهجنة : 


-بصراحة زهقت يعني.. من ساعة ما رجعت أعيش معاك و أنا كل يوم أكل الصبح أومليت. زبدة أو مربّة. قطعتين جبنة. و 6 شرايح خضار و معاهم عصير أو قهوة. إيه الملل ده و مياعة النفس دي إللي إنتوا فيها.. إزاي مستحملين كده طول حياتكوا ؟! 


تشكلت الابتسامة على ثغره تدريجيًا مع إسهابها في الوصف... ليقول بلطفٍ ما إن فرغت : 


-طيب قوليلي يا سمر.. عاوزة تاكلي إيه ؟ هاطلبلك حالًا إللي نفسك فيه .. 


حوّلت "سمر" ناظريها عنه للأعلى قليلًا و هي تدمدم بتفكيرٍ : 


-إممممممم.. ممكن آكل فول بالبيض و الطماطم. بتنجان مهروس بالتوم و الفلفل. عدس قِدرة.. و طعمية سخنة بالسمسم. و كوباية شاي بلبن سكر خفيف.. بس كده ! 


-بس كده !!! 


عاودت النظر إليه بعد أن قال ذلك ... 


أومأت له قائلة باسلوبٍ ينم عن نفاذ الصبر : 


-أيوة.. حاجة غريبة دي و لا إيه ؟ و لا عايز تفهمني إن عمرك ما سمعت عن الأكل ده يابن الذوات ؟!! 


تنهد "عثمان" و قال متحليًّا بالصبر عليها : 


-لأ طبعًا.. سمعت يا سمر. و حاضر ياستي. تحت أمرك.. إديني بس عشر دقايق أكل لقمة صغيرة و تكوني إنتي لبستي و جهزتي نفسك ! .. و حانت منه إلتفاتة للخلف و هو يكمل : 


-صحيح جينا منغير هدوم. ف طلبت و انتي نايمة شوية حاجات أون لاين ليا و ليكي. هاتلاقيهم في الصناديق دي. إلبسي بقى على ما ابص أنا في الموبايل و أشوف أقرب مطاعم بتعمل الأكل ده و هاخدك تفطري هناك. و بعدها نشوف هانعمل إيه .. 


سمر بإصرار : لأ إنت مش هتاكل لقمة هنا.. إنت هتاكل معايا من نفس الأكل إللي هاكله ! 


رفع "عثمان" حاجبيه و قال بابتسامة متراقصة : 


-بصراحة ماوعدكيش أبدًا يا بيبي. بصراحة أكتر أنا إستحالة أقرب للأكل ده كله.. مليان زيوت و بيرفع نسبة الكولسترول. و بعدين كمان معدتي. معدتي بتتعبني جامد يا سمر .. 


إزدادت "سمر" تصميمًا و هي تقول : 


-مش هاخليك تتقل. و بعدين ماجتش من مرة يا حبيبي.. زي ما بشاركك تفاصيل حياتك و كل حاجة بتحب تعملها بنفذهالك حقي عليك إنك تطاوعني بردو و تسمع كلامي 


صمت "عثمان" لبرهةٍ محاولًا العثور على عذر آخر أكثر إقناعًا لكنه فشل.. فقال ضاحكًا ليخفي حرجه منها : 


-أنا آسف بجد يا بيبي.. صدقيني مش هقدر ! 


°°°°°°°°°°°°°°°°° 


بعد أقل من الساعة ... 


تجلس "سمر" بداخل مطعمٍ خاص بتقديم الأطباق الشعبية، لكنه يمتاز بالرقي أيضًا، و موقعه الجيد بضاحية شهيرة في قلب المدينة راق "عثمان" كثيرًا 


كما راقته الوجبات هنا تمامًا ... 


لم تبرح الابتسانة محيا "سمر" و هي تجلس بمكانها و تراقب زوجها يتناول الفطور معها بهذه الشراهة الكبيرة.. لقد أذعن لها بالفعل، لم يمد يده لطعام الفندق، و كان مصرًا لآخر لحظة بأنه أيضًا لن يضع بفمه لقمة واحدة من الأصناف التي أشارت إليها 


لكن ها هو الآن... يشاطرها الفطور بأكمله، و يتذوق اللقيمات بتلذذٍ شديد ... 


-بتبصي على إيه يا بيبي ! .. تمتم "عثمان" و هو يمسح فمه بمنديل و يرمق زوجته بنظراتٍ متفاوتة 


أخذ يتجرع كأس المياه على دفعاتٍ، بينما تكتم "سمر" ضحكتها و هي تباشر إلتهام سندويش الفلافل : 


-مش ببص يا عثمان. عادي ! 


أعاد الكأس فارغًا إلى الطاولة و رد علبها مستنكرًا : 


-عادي إزاي ! بتبصيلي و بتضحكي.. عشان مشيتي كلمتك عليا يعني ؟ 


-بعيدًا عن ده. مش عيب إنك تحاول ترضيني بأبسط متطلباتي.. و أنا شايفة عمومًا إن الأكل عجبك ! 


أقر "عثمان" راسمًا على فمه شبح ابتسامة : 


-الحقيقة عجبني.. أصل بيني و بينك. أنا متعقد من أيام الجامعة.. كان في واحد صاحبي عايش هنا في القاهرة. ما أنا كنت مقيم هنا طول فترة الدراسة .. 


أومأت له تحثه على المواصلة، فتابع : 


-كان هاري نفسه أكل شوارع. ماكنش بيروح بيته إلا على النوم و مقضيها مذاكرة ا في الجامعة يا مع أي حد من الشلة. المهم جه في مرة عزمنا لما خلصنا محاضرة بعد الضهر نفطر على عربية فول.. أنا بصراحة كنت بحب أجرب كل حاجة و بالذات الحاجات الOriental دي. و كمان عشان الناس إللي كانوا بيتهموني بالعنصرية و الغرور و التكبر و الحاجات الحلوة دي كلها زي ما سيادتك بتعملي معايا علطول.. قبلت العزومة و روحت معاهم. بصراحة الأكل كان حلو أوي. و أنا لوحدي نسفت أغلب الأطباق. بس عينك ما تشوف إلا النور بقى. روحت الشقة إللي كنت قاعد فيها لوحدي.. ماكملتش نوم ربع ساعة. صحيت مش قادر من معدتي. و مافيش أي حد جمبي. فعلًا كنت بتشاهد على روحي مش قادر أتنفس حتى خلاص.. مش عارف تدابير ربنا حصلت إزاي. مراد جالي و كان معاه مفاتيح الشقة. لحقني هو بقى و وداني المستشفى. قاموا باللازم و عالجوني.. و من يومها و أنا مقاطع الأكل ده


-طيب ماقولتش ليه كده من الأول ؟! .. قالتها "سمر" و ملامحها تسفر عن قلقٍ حقيقي 


عبس "عثمان" قائلًا : 


-كنتي هاتعملي إيه يعني مش فاهم !! 


سمر بجدية : ماكنتش هاغصب عليك. الحاجة إللي تتعبك بلاش منها.. جايز إنت عشان مش متعود فعلًا على الأكل ده ممكن يتعبك ! 


و همّت بالقيام من مكانها و هي تقول بشحوبٍ : 


-قوم نروح المستشفى طيب .. 


قبض "عثمان" على يدها مسرعًا و أبقاها كما هي و هو يقول : 


-أقعدي يا سمر.. مستشفى إيه و ليه يا حبيبتي ؟ أنا تمام 


-أحسن يتكرر إللي حصلك تاني !


-لأ متخافيش.. مش هايتكرر. المكان هنا نضيف. أنا يا بيبي أرمي نفسي في النار عادي. ماكنش بيفرق معايا أيام الشقاوة. كنت بعمل مصايب.. لكن طول ما إنتي معايا حساباتي كلها بتتغير. و سلامتك عندي أهم من حياتي 


بدأ اللون يعود إلى وجهها من جديد و هي تستمع إليه، بينما يمنحها ابتسامته الجذابة.. ثم يستدعي النادل بنقرة على الطاولة ليأخذ الصحون الفارغة و يحضر لهما المشروب الساخن الذي طلبته زوجته ... 


هدأت الأجواء بينهما الآن، فعلم "عثمان" من نظراتها المترقبة بأن الآوان قد حان.. ليتنفس بعمقٍ، و يعتدل فوق مقعده، قبل أن يقول بلهجته الجادة : 









-أوك.. بصي يا سمر. إللي هاقولهولك دلوقتي ده كلام خاص جدًا.. محدش يعرفه غير شخصيات تعديهم على كف إيدك. و بما إنك مهددة استقرار حياتنا على قرار خدته في الفترة الأخيرة و اختارتي ماتثقيش فيا إلا لما أقدملك شرح مقنع لكل إللي عملته... ف أنا فعلًا مابقاش عندي اختيار تاني. لازم أقولك. مش عشان أنا مجبر. لأ.. عشان باقي عليكي. و بقيت متأكد إنك بتحبيني. و مدام بتحبيني يبقى عمرك ما هاتضريني و لا هاتخوني ثقتي فيكي أبدًا. اللي هاتسمعيه مش هايتكرر تاني. لا متي و لا منك طول العمر إللي هانيعشه سوا.. فاهمة يا سمر ؟ 


إزدردت ريقها بصعوبة و ظلت ترمقه بتوتر للحظات... ثم أكدت على كلامه بإيماءة صغيرة 


تنهد "عثمان" مرفرفًا بأهدابه لجزء من الثانية، ثم تهيأ للإدلاء بما لديه من أسرار حساسة أمام زوجته....... ليقاطعه فجأة صوت رنين هاتفه 


أعتذر منها لحظة، و أستل الهاتف من جيب سترته.. نظر بالشاشة المضاءة، فاذا به رقمًا دوليًا.... رد على الفور : 


-آلو ! 


جاء الرد عبر السماعة عالية الدقة مهزوزًا نوعًا ما : 


-آلو ! آلو مع حضرتك نشأت الصرفي من لندن.. أنا جار الأستاذ رفعت البحيري. عثمان البحيري معايا مش كده ؟ 


كان صوت المتحدث يعصف بارتباكٍ جمّ، و على إثره إنبعث صوت "عثمان" مثقلًا بريبة خفية : 


-أيوة أنا عثمان البحيري... خير ؟! 


رد الطرف الآخر بلهجة آسفة : 


-البقاء لله !

الأستاذ رفعت تعب من كام يوم و تم نقله للحجر الصحي. بس للأسف حالته ساءت أوي و الأمانة رجعت لخالقها من ساعتين بالظبط.. إحنا هنا في منطقة الجالية العربية نعرف بعض كلنا. و كنت على اتصال بالمرحوم. و كان موصيني لو حصل أي حاجة أتصل بحضرتك.. أنا آسف جدًا ! 


كان "عثمان" قد جمد بمكانه كالصنم...... من شدة وقع الصدمة عليه.... في المقابل.... تنظر له "سمر" بخوفٍ الآن !


لا تعرف ماذا حدث بعد... لكنها تستشعر المكروه الذي وقع... بالكاد تعرفه !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ................................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

            الفصل الثاني والاربعون من هنا 

تعليقات



×