رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الاربعون 40 بقلم مريم غريب
_ النهاية ! _
ينفجر هدير محرك السيارة عاكسًا غضب سائقها، ليطير الغبار من الخلف بالجوانب لحظة إنطلاقها.. بينما يقف "أدهم".. بجواره زوجته أمام منزلهم الذي لا يزال يضج بأجواء الاحتفال
كان يلوّح بيده مودعًا لصديقه الجديد و حرمه، ملامحه تتسم بالدهشة، لقد غادر أسرع مِمّ ينبغي.. حتى أنه لم يستأذن "مراد" و لم يلج ليراه قبل أن يذهب من فوره هكذا
لولا أن تبعه "أدهم" بعد أن رآه ينسحب من مجلس الرجال بطريقة تسير الريبة.. وجده يقف أمام المنزل إلى جوار زوجته، و كانت "سلاف" معهما ...
"سلاف" !
نعم "سلاف" ...
-هو إيه إللي حصل يا سلاف ؟! .. قالها "أدهم" متسائلًا و قد استدار بالكامل نحو زوجته
رفعت "سلاف" عيناها متطلعة إلى وجهه ذي التعابير الجادة، أخذت نفسًا عميقًا من أسفل النقاب و أجابته بهدوء :
-ماحصلش حاجة يا حبيبي. زي ما الراجل قالك.. مش عامل حسابه يتأخر و لازم يرجعوا بسرعة
أدهم بعدم اقتناع :
-بس كده ؟ إيه إللي حصل قبل ما أطلع ؟ إيه أصلًا إللي طلعك مع مراته تقفوا هنا ؟؟؟
تأففت "سلاف" و قالت بضيق :
-أدهم إنت بتحقق معايا ليه ؟ أنا هاخبي عنك حاجة مثلًا !!!
-أنا ماقصدتش كده ! .. تمتم "أدهم" مجفلًا، لكنه عاد ليقول بحيرة :
-بس إللي حصل غريب.. طيب ممكن تقوليلي إيه إللي طلعكوا هنا ؟!!
سلاف بنفاذ صبر :
-الست كانت مضايقة و شوية و كانت هاتعيط جوا قدام الناس. خدتها و طلعنا تشم هوا و تفضفض.. جوزها منه لله منغص عليها حياتها و قاهرها و هي لا بتهش و لا بتنش
حملق "أدهم" فيها بقوة قائلًا :
-الراجل سمعكوا و إنتوا بتتكلموا عليه ؟؟؟
لقلقت "سلاف" و هي تتهرب منه بنظراتها :
-لأ ماظنش إنه سمع حاجة يا أدهم.. و بعدين إنت مكبر الموضوع ليه مشيوا خليهم يمشوا براحتهم. إحنا كده كده هانزورهم قريب
فغر "أدهم" فاهه قائلًا :
-نعم ! نزور مين ؟!!
-أنا وعدت سمر نعملهم زيارة قريب في بيتهم إن شاء الله
-في إسكندرية ؟!!!
-أيوة يا أدهم.. بعدين بعدين أبقى أحكيلك على التفاصيل دي. يلا دلوقتي ندخل مايصحش نسيب ضيوفنا كده !
و تركته موّلية إلى الداخل، بينما يظل بمكانه محدقًا في إثرها دون أن يتخلى عن آثار الدهشة المستبدة به كليًا ....
°°°°°°°°°°°°°°°°°
بجوار جسرًا نيليًا مضاء بالمصابيح الملوّنة.. اختار "عثمان" مكانٍ جانبي قليلًا خالٍ من الناس، و فرمل سيارته فجأة
أطلقت "سمر" شهقة قوية عندما ارتطمت بمقعدها بعنف، لولا حزام الأمان لكانت طارت عبر الوجهة الأمامية للسيارة ...
لم تكد تلتقط أنفاسها من أثر المفاجأة المفزعة، لتسمع صوت زوجها من جانبها ينطلق بلهجة خفيضة لا تخفي غضبه المشحون أبدًا :
-عشان كده وافقتي تيجي معايا رغم كل إللي عملته معاكي اليومين إللي فاتوا.. عاجباكي مدام سلاف يا سمر ؟ ده أنا إللي طلعت غبي. و قال إيه مطمنلها و مآمن عليكي معاها.. أتاريها بتشحنك ضدي !!!
تجمّدت "سمر" مكانها، لا تدري كيف تتصرف أو بِمَ ترد حتى ..
تفاقم شعوره بالحنق مع استمرار صمتها المثير للأعصاب، فامتدت يده نحوها و قبض على ذراعها ليديرها صوبه صائحًا :
-بوصيلي و أنا بكلمك. الست دي بتعصيكي عليا من إمتى ؟ و إنتي بتسمعيلها !!!!
سارعت "سمر" تنكمش على نفسها في هذه اللحظة و قد خالت بأنه سيضربها حقًا.. إرتبك "عثمان" لوهلة لرؤية ردة فعلها
تمالك أعصابه معبئًا نفسًا عميقًا إلى رئتيه، أرخى قبضته حول ذراعها و عاد يقول بصوت أكثر لينًا :
-سمر.. من فضلك قوليلي إنك ماكنتيش بتسمعي نصايح الست سلاف هانم الفترة إللي فاتت. قوليلي إن تصرفاتك الخشنة و الوش الخشب إللي كنتي مصدراه طول الوقت كل ده مش بسببها و تنفيذ لوصاياها.. ردي عليا يا سمر !!!!
-يعني إنت إطـرشـــت ؟؟؟ .. قالتها "سمر" بصراخٍ مقهور و قد تلوّن وجهها بحمرةٍ قاتمة في ثوانٍ
أدارت رأسها إليه ...
نظر لها بصدمة في البادئ.. لتستطرد دون أن تمنحه فرصة للرد :
-ما إنت سمعتني و أنا برد عليها.. جيت بالظبط و أنا بقولها إني مقدرش أسيبك و لا أطلب الطلاق. سايب كل إللي قولته و ماسك في كلامها هي ؟؟؟؟؟
-نسيتي أهم حاجة قولتيها ! .. تمتم "عثمان" بهدوءٍ غريب
رمقته بنظراتٍ عابسة، لشدة غضبها لم تفك لغز ما يرمي إليه بسهولة... حتى قال من جديد دون أن يقاوم ابتسامة انبلجت على محياه الوسيم فجأة :
-قولتي إنك بتحبيني... صحيح يا سمر ؟!
كشرت "سمر" في وجهه و لم ترد، جاءت لتشيح عنه للجهة الأخرى، فلحق بها قبل أن تفعل تمامًا و أمسك بذقنها بين سبابته و إبهامه، و أجبرها على النظر إليه مرةً أخرى ...
-أنا سمعتها قبل كده كتير ! .. قالها بضحكة خافتة، و أكمل بشيء من الجدية :
-بس كل مرة كنتي بتقوليها في وشي... أول مرة تقوليها في ضهري. و إنتي فكراني مش سامعها.. ممكن تقوليها تاني عشان خاطري ؟!!
أطلقت "سمر" زفرة نزقة و دفعت يده بعيدًا عنها، لكنه لم يسمح لها بذلك و أخذ يستخدم كلتا يداه للسيطرة عليها خاصةً عندما بدأت تقاومه أكثر ...
-إوعى بقى. ماتخنقنيش !!! .. غمغمت بغصة ملؤها الأسى
ضحك "عثمان" و هو يقول محاوطًا إياها بذراعيه رغمًا عنها :
-أخنقك يا سمر ؟ كمان اتعلمتي الردود دي ؟ سرها باتع أوي الست سلاف ...
نطق آخر كلمة بغيظٍ عارم.. بقى ممسكًا بها حتى همدت حركتها تمامًا و استكانت بين ذراعيه، فتنهد بقوة مغمغمًا بخفوتٍ :
-طيب ياستي حقك عليا.. أنا غلطان. أنا آسف يا سمر حتى لو مافيش حاجة أتأسف عليها دلوقتي !
أحس بسخونة متزايدة تغزو بشرتها، و سرعان ما تلمس بأنامله سيل دموعها المنساب على خدها ببطء شديد ..
أغمض عينيه بشدة و صمت لهنيهة، ثم قال متعهدًا :
-أقولك حاجة يا سمر ؟ هاقولك على كل حاجة.. المرة دي وعد. كل حاجة هاتعرفيها. بس مش الليلة. الليلة بتاعتنا.. بكرة الصبح هانقعد و هاقولك على كل حاجة
رفعت "سمر" وجهها لتنظر إليه، كانت نظراتها مكسوّة بالدموع، و لكن صوتها خرج طبيعيًا حياديًا :
-لو كلامك هايزعلني.. أو مش هايقنعني. يبقى أحسن ماتقولوش خالص يا عثمان. أنا عارفة إن مش بتكدب.. لكن مش شرط يكون معاك حق في كل حاجة !
كانت أصابعه تجد طريقها إلى رأسها، من أسفل وشاح رأسها.. تسللت يده ببطء، و عقد أنامله بشعرها
ضربتها ذكربات الأبام الخوالي على الفور... تلك حركته المفضلة.. كانت دومًا ما تثيره بغلافها الذي يصعّب عليه امكانية وصوله إليها بسهولة ...
تحركت يده الأخرى على عنقها، ثم إلى صدرها، ثم إلى خصرها.. ليهمس لها في الأخير بينما كانت قد تحوّلت إلى قطعة حديد منصهرة بين يديه بالفعل :
-أنا واثق إني هاقنعك.. طالما بقيت واثق من حبك ليا يا سمر. أي حاجة تانية مش قلقان منها !
إزدردت ريقها بتوتر تحت وطأة ما يفعله بها، هنا.. في الخلا هكذا... و كأنه قد قرأ أفكارها، رأته يتطلع ورائها مدمدمًا :
-بس نمشي من هنا الأول. قبل ما يكبس علينا أمين شرطة و لا حاجة و أنا مش شايل معايا القسيمة. هانتبهدل في أقسام القاهرة ..
و أبعدها عنه برفقٍ ليقوم بتشغيل المحرك من جديد و ينطلق إلى الوجهة التالية... كانت تسيطر على ضحكتها بصعوبة الآن، فقالت بدعابة ذات مغزى :
-إبقى طلعلهم الورقة العرفي !
رمقها "عثمان" من طرف عينه قائلًا بلهجة حادة :
-الورقة العرفي إتحرقت من زمان يا بيبي
ندت عنها نهدة مقتضبة قبل أن تسأله بفضول و هي تزيل الدمع العالق بأهدابها بظاهر يدها بحركة طفولية محضة :
-طيب إحنا رايحين فين دلوقتي ؟
تحركت السيارة بهما، إتجه "عثمان" نحو الجسر ليعبر من فوق نهر النيل المهيب.. أجابها و هو يصوّب ناظريه إلى نقطة شاهقة بعيدة و تحفة معمارية عظيمة :
-Four Season Cairo Nile Plaza !
أحسن آوتيل في القاهرة.. أنا قلت ماينفعش نعدي أول زيارة ليكي في القاهرة عادي كده. و أخترتلك جناح تقدري تشوفي منه المدينة كلها ...
و حانت منه إلتفاتة قصيرة نحوها و هو يضيف مبتسمًا بحب :
-مش هاسيبك تغمضي عينك خالص الليلة دي.. لازم أثبتلك كويس أد إيه أنا كمان بحبك يا سمر !
______________
شعر بتيارٍ من البرودة يجتاح الأجواء فجأة ...
لقد عتمت السماء على آيَّة حال، منذ ساعات و هو يجلس و يراقب العتمة و هي تحل شيئً فشيء.. يراقب بلا هدف
هنا... بأحد أرقى الأحياء بالمحافظة قاطبةً.. "سان ستيفانو"... محل إقامة زوجته الجديد
هاتفته "هالة" بعد عودته إلى البيت مباشرةً، و كأنها تضبط ساعتها على مواعيد حضوره.. لم تمهله فرصة، حتى أنه لم يفيق من الصدمة بعد... صدمة هجرانها إليه
لعله بقى جالسًا بهذا الشكل لأجل ذلك السبب !
كان المنزل خلفه تمامًا، جاء إليها فورًا، لكنه لم يصعد حتى الساعة.. إنما اختار أن يجلس فوق ذلك المقعد العريض، أمام الشاطئ، يسمع و يرى مويجات البحر الثائرة من على بعدٍ.. و يفكر... يشرد كثيرًا
لكن كما يبدو، لا شيء خرج به من كل هذا التفكير المضنٍ، و يظن أيضًا بأنه لو أطال أكثر لن يأتِ بأيّ نتيجة.. فماذا ينشد الآن ؟ ما الذي ينتظره ؟ لقد أوضحت زوجته موقفها بكل وضوح... كل شيء صار واضحًا
بقيت خطوة واحدة فقط... هو من عليه أن يتخذها، هو لا غيره !!!
تحسس "فادي" جيب سترته الخارجي، أستل هاتفه و قام بتشغيله بدون تردد... و ما إن نشطت بياناته حتى وجد رقمها يقفز على الشاشة
رباه !
لقد حاولت الاتصال به لمئات المرات حرفيًا.. يا لصبرها، ماذا تريد منه بحق الله ؟ لِمَ كل هذه اللهفة عليه بعد الذي فعلته ؟!!!
ابتسم "فادي" بسخرية و هو يرفض الاتصال من جديد ..
تنهد بثقل، ثم قام من مكانه بتباطؤ و توجه نحو بوابة المنزل... أخذ المصعد، ليصل عند الطابق الذي أملته عليه
توقف أمام باب شقتها، همّ بقرع الجرس بيده السليمة، لكنه لم يلحق القيام بذلك... ليجد الباب ينفتح فجأة و تظهر هي من ورائه بطلتها الآخاذة
كانت تعبيرًا عن اللهفة حقًا، كانت مدهشة بالنسبة إليه.. لكنها كانت موقرة، أنيقة و جميلة.. كشيمتها، كما هي في الأصل.. مثالية و فاتنة دون أدنى مجهود ...
-فادي ! .. نطقت إسمه بلوعةٍ لا تخلو من الانفعال المكبوت
-قافل موبايلك ليه ؟ قلقتني عليك أوووي !!!
أجفلت باضطراب و هي تنظر إلى وجهه صلد التعابير، تنحت جانبًا في الحال و دعته للدخول بلهجة غير واثقة :
-إدخل يا فادي.. في كلام كتير لازم نقوله. و أنا كنت عاملة حسابك معايا على الغدا بس إنت إتأخرت شوية. مش مشكلة أنا ثواني و آ ا ...
-لميتي هدومك و مشيتي بعد ما نزلت علطول !!
هكذا قاطعها بصوت خالٍ من المشاعر ...
تطلعت "هالة" إليه، منعتها غصة مريرة من الرد عليه.. لينفرج ثغره بلحظة عن ابتسامة مبهمة و هو يقول :
-يعني كل كلمة قولتيها كانت كدب ؟ حياتك معايا.. و الأيام إللي فاتت. كلها تمثيلية ؟ كنتي بتكدبي عليا يا هالة رغم إني خيرتك و قولتلك مستعد أرجعك لأهلك و أسيبك بالمعروف ؟!!!
تلاحقت أنفاسها و ترددت بصدرها على غير هدى.. لا زالت غير قادرة على النطق أمام عبارته القادحة مرارةٍ على طريقته... لقد كسر عزيمتها حتى الكلام الذي حضرته لتلقيه على مسامعه.. نست كل شيء الآن
لكنه هو لم ينسى ...
-أنا حبيتك يا هالة ! .. قالها "فادي" بلهجة غير متزنة
-و أنا حبيتك !! .. ردت أخيرًا بلا تردد
-ممكن تديني فرصة ؟ خلينا نتكلم.. أنا مغدرتش بيك زي ما إنت فاكر. أنا حاولت أحمي نفسي. منغير ما أحمي نفسي لا هقدر أحبك و لا هقدر أقف على رجليا و أكمل حياتي عادي.. نفسي تفهمني يا فادي. أنا مش وحشة أوي صدقني ..
ذعرت "هالة" عندما رأت عينيه تلتمعان بشيء من الدموع ...
تركت مقبض الباب و كادت تهرع إليه... ليوقفها بإشارة من يده.. جمدت محلها بالفعل، بقيت بانتظار خطوته التالية
استغرقه الأمر بضع لحظات، ما لبث أن أحكم السيطرة على نفسه ثانيةً.. رفع بصره إليها و رمقها بنظرة تحمل قسوة لم تعرف الطريق إليه قبل الآن
إرتعش فكه السفلي و حشرجة كلماته تتصاعد بصدره، قبل أن يفتح فمه ليقول بغلظةٍ :
-إنتي طالق يا هالة !
فغرت شفاهها عند نطقه بذلك.. وقعت تلك الكلمة عليها كالسوط، لكنها لم تفيق رغم ذلك من الصدمة.. و لم يعبأ "فادي" لشيء بعد هذا
بل أولاها ظهره فورًا و مضى هذه المرة نحو الدرج... كان بحاجة لتفريغ أقل طاقة لديه.. و إلا فسينفجر بأيّ لحظة.. لقد كتب نهاية هذا الفصل من حياته و إنتهى، مع أن إنهاؤه لم يكن سهلًا كما بدا !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ................................................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!