رواية عزلاء امام سطوة ماله الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم مريم غريب
( 38 )
_ حداد ! _
في قصر آل"بحيري" ... أخيرا يبدأ "صالح" تدريبات السير
يتعكز علي عصى معدنية من جهة و تسنده "صفية" من الجهة الأخري ..
تعمدت خلق جو مرح أثناء هذا الحدث السار المبهج ، فدمدمت مازحة و هي تضحك :
-تآاتاه خطي العتبة تآاتاه حبة حبة . برآااڤووووو يا صلَّوحي شآاطر !
صالح بتذمر :
-إيه يا صافي التفهاهة دي ؟ إنتي إتهبلتي يا حبيبتي ؟!
صفية بضحك :
-لأ يا حبيبي أنا لسا عاقلة بس مبسووطة مبسوطة أوووي.
-يا رب مبسوطة دايما يا حبيبتي . بس إيه إللي بسطك أوي كده ؟
-إنت مش حاسس بنفسك و لا إيه ؟ إنت إبتديت تمشي يا صالح إبتديت تمشي.
و راحت تتقافز بمكانها ، ليباعد "صالح" بين شفتاه في دهشة و يقول :
-لا حول و لا قوة إلا بالله ! لا ده إنتي مش بس إتهبلتي ده إنتي إستعيلتي علي كبر كمان.
صفية و هي تعقد حاجبيها بإستياء :
-بقي كده يا صالح ؟ طيب إيه رأيك بقي هاسيبك تقع دلوقتي و هخرج و مش هسأل فيك.
صالح بتراجع :
-لا لا لا إنتي صدقتي يا حبيبتي ده أنا بهزر معاكي . أنا قصدي بس نقلل معاملة الأطفال دي شوية أظن إني شحط يعني علي تاتا خطي العتبة دي !
صفية بسخرية :
-إنت شحط أه بس عيل في نفسك يا حبيبي و من زمان و إنت عارف ده إنت لسا لحد دلوقتي بتتقمص زي الأطفال.
صالح و هو يحمحم بحرج ممزوج بالإنزعاج :
-إيه الغلط و الإحراج ده بقي !
و هنا جاءت "هالة" و قد إقتحمت الغرفة فجأة حيث دفعت الباب و ولجت و هي تركض ..
هالة بذعر :
-إنتوا عرفتوا إللي حصل ؟؟؟ .. و كانت أنفاسها تتلاحق بصورة عنيفة
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صدمة ... تلك هي الكلمة الوحيدة التي من الممكن وصف حالة "عثمان البحيري" بها الآن .. أو بالأحرى منذ جاءته المكالمة السوداء منذ ساعتين بالضبط
في هذا الوقت كان صديقه "مراد" معه ، فقد رافقه بالطائرة الخاصة إحدي الممتلكات الثمينة لـ"عثمان" وحده
إنتهيا من إجراءات المطار بأسرع ما يمكن ، ثم توجها فورا إلي [ مستشفي القاهرة التخصصي ] حيث تم نقل والده هناك ..
لم يخبر "عثمان" أحدا بالأمر ، أبقي عليه سرا و إختار "مراد" فقط ليذهب معه ، حتي عمه لم يشعر بإنه يود إخباره
يستقلا الصديقين أول تاكسي عند خروجهما من المطار ... يصلا إلي المشفي خلال وقت قياسي .. تعترض طريقهما الصحافة التي تجمهرت كلها دفعة واحدة أمام البوابة الرئيسية لحظة إنتشار الخبر .. يبعدهم "عثمان" عن طريقه بعنف و هو يصيح بغضب ، ثم ينطلق إلي الداخل متجاوزا أفراد الأمن الواقفين كحاجز منيع بوجه عدسات وسائل الإعلام الفضولية
كان الوصول إلي مكان والده سهلا إذ جاء أحد العاملين بالمشفي و أرشده .. نقله المصعد إلي الطابق الثالث حيث جناح العناية المركزة ... مضي بسرعة وراء مرشده ليوصله الأخير للحال عند ذاك الباب الذي يفصله عن والده عدة أمتار قليلة ..
-هو مافيش حد يطمنا هنا ؟ .. هكذا صاح "عثمان" بنفاذ صبر ممزوج بالعصبية ، ليرد "مراد" بتماسك و هو يربت علي كتفه مهدئا :
-إهدا شوية يا عثمان دلوقتي حد يخرج و يطمنا.
عثمان بعصبية مفرطة :
-و لا الصحافة إللي واقفة تحت . الخبر لحق ينتشر بالسرعة دي إزاي ؟!
مراد بصوت عابث :
-ماتنساش إن المستشفيات الكبيرة إللي زي دي فيها جواسيس مدسوسين هما إللي بينقلوا الأخبار التقيلة.
في هذه اللحظة خرج الطبيب من غرفة العناية بوجه واجم و فم مطبق ... خرج من بعده طاقم التمريض و هم علي نفس الحالة ، بينما ركض "عثمان" صوبه صائحا :
-من فضلك يا دكتور . أنا عثمان البحيري أبويا إللي حضرتك كنت عنده جوا . من فضلك قولي حالته إزيها ؟ إللي حصله بالظبط ؟؟؟
نظره له الطبيب ، ثم أطرق برأسه و قال بحزن :
-أنا آسف جدا يافندم . البقاء لله !
إتسعت عينا "عثمان" و جحظتا من الصدمة ... ساد الصمت لثوان بدت طويلة جدا ، كان إستيعابه أبطأ من المعتاد ، و لكنه عندما تكلم كان أعنف مما يمكن تصوره ..
عثمان و هو يجأر بغضب هائل :
-إللي إنت بتقوله ده ؟ يعني البقاء لله ؟ إنت عبيط و لا متخلف ؟ بقولك أبويا جوا عمل حادثة بسيطة و جاي عشان تعالجوه مش عشان تقولوا عليه مات ! .. كانت الكلمة الأخيرة تكاد تصيبه بالجنون لشدة غرابتها ، فعقله أصغر من أن يستوعب حجمها كما يجب
تفهم الطبيب حالته و تغاضي عن الإساءة و قال بهدوء :
-الحادثة ماكنتش بسيطة يافندم عربية والدك خبطت في لوري و إتقلبت كذا مرة علي الطريق .. ثم تابع بأسف :
-إحنا حاولنا علي أد ما قدرنا . بس أمر الله نفذ محدش يقدر يقف قصاد قدره.
عثمان بغضب أشد :
-إســكـــت . إنت مش دكتور إنت بهيم مابتفهمش حاجة . هاتولي مدير المستشفي دي هاتولي المسؤول عن المخروبة دي أنا هقفلهالكوا بالضبة و المفتاح ههدها علي إللي فيها.
الطبيب و قد نفذ صبره رغما عنه :
-يافندم لو سمحت وطي صوتك إحنا هنا في مستشفي محترمة و في عيانين إنت كده بتأذيهم . والد حضرتك خلاص بقي في ذمة الله مش هنقدر نرجعه أنا عارف إن الصدمة كبيرة عليك بس كل حاجة و ليها حدود هنا.
تركه "عثمان" قبل أن يكمل كلامه و إندفع صوب غرفة العناية ..
كانت الغرفة ساطعة بيضاء ... كان "يحيى" راقدا علي السرير المعدني بلا حراك .. الغطاء مشدود حتي وجهه و لم يكن ظاهرا منه سوي ذراعاه
إقترب "عثمان" من والده و أزاح الغطاء بحركة عصبية عن وجه والده ... كان شاحبا بالكامل و قد إمتزج لونه بالزرقة القاتمة ، بدا مثل شبح .. إستنساخ عن صورة "يحيى البحيري" و لكنه لم يكن هو .. أين ملامحه الدافئة ؟ الصارمة أحيانا و الضاحكة أحيانا ؟؟؟
كم مرة تخيله "عثمان" ميتا ، بالطبع لقد فكر في ذلك كثيرا ، و لكنها كانت أفكار عابرة تطرأ علي ذهن كل إنسان ... إنما اليوم في هذه اللحظة ، عندما تحققت الفكرة علي أرض الواقع ، شعر و كأنه محبوس داخل قفص معتم ضيق ، يشعر بالإختناق .. لا يستطيع حراك ... ما من طريقة أو ثغره يخرج عبرها !!!
بدأ جسد "عثمان" ينتفض و يرتعد بقوة كما لو أن تيارا كهربيا يسري فيه ..
تهاوي أرضا علي ركبتيه ، و إقترب من والده و قال بصوت ممزق من الدموع التي فاضت من عينيه تلقائيا :
-بابا ! .. أنا عثمان . إنت سامعني صح ؟ أنا عارف إنك سامعني . قوم يا بابا . قوم قولهم إنك كويس . قوم و أنا هاخدك علي البيت علطول . قوم إنت ماينفعش تبقي هنا ماينفعش تبقي كده .. بـابـآاا . لازم تقووم . ماما هتزعل أوي منك . و صافي كمان . إنت نايم . إنت شكلك نايم بس كفاية كده . كفاية يا بابا . قوم . قوم حرام عليك رد عليا إنت ماينفعش تموت . لأ . ماينفعش . رد يا بابا عشان خاطري . رررررررررددد !
يدخل "مراد" في هذا الوقت و يقترب من "عثمان" ...
يمسك بذراعه محاولا جذبه و هو يقول بتأثر شديد :
-كفاية يا عثمان . كفاية قوم . في البيت كلهم بيتصلوا بيا . كلهم عرفوا يا عثمان كفآاياك بقي لازم تفوق و تقوم ماينفعش إللي إنت فيه ده.
أبعده "عثمان" عنه بعنف و هو يصرخ فيه بغضب :
-إوووعي سيبني . إبعد عني مالكش دعوة بيآاا . سيبني . إمــشـــــــي !
يأتي الطبيب عند ذلك و معه إثنان من رجال الأمن ، يأمرهما بإبعاد "عثمان" عنه جثة والده ، فيتوجها نحوه بالفعل و يتعاملا معه بحزم و حرص في آن ..
عثمان بصراخ حاد :
-أوعوا . سيبوووني . أبويــآاااااااااا . أبويــآااااااااااااااا . أبويــآاااااااااااااااااااااا !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
سبعة أيام بعد الحادث ... مروا و كأنهم سبعة سنوات ، تغير كل شئ ، كل شئ بالمعني الحرفي
ما من كلمات تعبر عن هذا
ألم "فريال" بالمقام الأول ، في البداية لم تصدق و نهرتهم جميعا حين بدأ البكاء و النواح بالمنزل لحظة تأكيد الخبر
حبست نفسها بالغرفة و إبتعدت تماما عن أجواء الحداد ، و لكن مع مرور أول يومان بدأت تصدق ...
لا "يحيى" لم يعد هنا أو هناك ، لقد إختفي فجأة كما السراب ، لم يتصل بها طوال اليومين الماضيين ، لم يتواصل معها بأي طريقة علي عكس عادته حين يغيب لفترة
حتي هاتفهه عندما حاولت الإتصال به لم تجد ردا و في الأخير أصبح مغلق ..
في اليوم الرابع لم يسمع عنها أحد أي شئ بالبيت كله ، و لم تستجيب هي للدق علي باب غرفتها ، ليقرر "عثمان" أن يحطم الباب ، و قد كان
دخل ليجد أمه في أسوأ حالة ممكنة ..
كانت جالسة في الفراش ، شاحبة ، صامتة ، مشعثة الشعر و الهالات الزرقاء تحول لونها إلي الأسود مع مرور كل يوم و ساعة و ثانية يزيد فيها تأكيد ما حدث
أحضر "عثمان" لها الطبيب و كانت النتيجة أنها أصيبت بصدمة عصبية حادة أفقدتها النطق و التواصل مع من حولها
بالكاد تتناول دوائها و تأكل قليلا جدا من يد "عثمان" أو "صفية" فقط ، ربما الإهتمام بـ"فريال" هو ما جعل الجميع يتناسون الحزن قليلا
و لكن الشئ المفروغ منه أن قصر عائلة "البحيري" بات مظلم كئيب ، بعد أن كان رمزا للبهجة بمجرد النظر من خلف أسواره الخارجية ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا "رشاد الحداد" ... تجلس "چيچي" مع والدها في مكتبه
نصر في صالحهم و لم يكن بالحسبان ، طوال الإسبوع الفائت و حتي اليوم لم ينقطع الإحتفال من بيتهم ..
رشاد بضحكة مجلجلة :
-مين كان يصدق إن يحيى البحيري يموت بدري كده ؟ و الله مفاجأة حقيقية و محدش كان ممكن يتخيلها أبدا.
چيچي و هي تبادله بضحكة مماثلة :
-أكتر حاجة Interesting ( ممتعة ) في القصة إن عثمان خلاص بقي واقف لوحده مالوش ضهر يعني القضاء عليه بقي أسهل من الأول.
رشاد بجدية ممزوجة بالصرامة :
-إحنا حكايتنا مع العيلة دي إنتهت خلاص يعني مش عايزك تفكري في أي حاجة كده و لا كده . ماتنسيش إنه لسا معاه الـCD بتاع سيادتك و ماتنسيش كمان إن الإنتخابات و فرحك بالظبط كمان شهر مش عايزين قلق يا چيچي و مش عايز تصرفات متهورة تهدلي كل إللي بنيته في الفترة دي.
چيچي بحنق :
-يعني هيفضل ماسك علينا الذلة دي كتير ؟
رشاد و هو يحتدم غيظا :
-و هو مين إللي إدالوا الفرصة ؟ مش حضرتك ؟ أنا لحد دلوقتي مش قادر أصدق إنك عملتي كده قبل فرحك بإسبوع و كل ما إفتكر إللي حصل بيبقي هاين عليا أجيب رقبتك تحت رجلي .. بس أعمل إيه ؟ أولا بنتي و ثانيا الفضيحة . لو كنت عملت فيكي أي حاجة كنت هأكد كلامه قدام الناس.
إبتلعت "چيچي" ريقها بتوتر ، ثم قالت بشئ من الإرتباك :
-بردو مش لازم نسيبه . إفرض في يوم عملهالنا مفاجأة و طلع الـCD ده و فضحنا ؟ ساعتها مش هنقدر نعمل أي حاجة !
رشاد و قد أظلمت نظراته من الغضب :
-ساعتها و لو حصل إللي بتقولي عليه ده أنا بنفسي إللي هخلص عليه.
چيچي علي مضض :
-أوك . بس بردو لازم يتعلم عليه و يتفضح زي ما فضحني و بعت ورايا الصحافة يصوروني و أنا راجعة في نص الليل بفستان الفرح.
رشاد بشك :
-قصدك إيه يعني ؟ يتعلم عليه إزاي مش فاهم ؟!
چيچي بإبتسامة شيطانية :
-أنا هتصرف يا بابي ماتقلقش . كل حاجة مترتبة و جاهزة و مافيش ورايا أي دليل !!!!