رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل السادس و الثلاثون 36 بقلم مريم غريب
_ تخبّط ! _
إبتلع "نبيل الألفي" حبة قرنفل حارة بمشروب الشاي الأحمر الساخن.. ثم أعاد الفنجان فوق الطاولة و تطلع إلى "فريال" من جديد و هو يقول باسلوبه المرح :
-جه في وقته. بيقولك القرنفل من التوابل الحرّاقة و مفيد في أجواء الكورونا إللي إحنا فيها.. أهو بردو أحسن بكتير من الزنجبيل بعد ما بشربه مابحسش بأحبالي الصوتية أصلًا !
ضحكت "فريال" ضحكة مقهقهة فظهرت تجاعيد بسيطة ببشرتها الناصعة الناعمة، نظرت إليه ثانيةً و قالت برقة :
-يااه على خفة دمك يا نبيل.. ماتغيرتش أبدًا. بس بجد أنا اتبسط إنك رجعت. الأخبار عن إيطاليا كانت مرعبة في الشهور الأولى
وافقها "نبيل" بإيماءة صغيرة و قال ماطًا فمه بأسف :
-فعلًا و الله يا فريال هانم.. الوضع كان صعب جدًا.. أنا كنت بنزل الـDown Town في عز الضهر كنت بشوف الناس ماشية عادي و فجأة يقعوا من طولهم.. ناس كتير أوي راحوا منهم أعز أصدقائي
رمقته "فريال" بتعاطف و قالت :
-ربنا يرحمهم.. و يبعد عنك و عننا السوء يا نبيل. معلش هي شدة و محنة كبيرة.. ربنا يعدينا منها على خير
-آمين يا فريال هانم آمين ! .. ثم قال مغيّرًا مسار الحديث و هو يرسم على ثغره إبتسامة بسيطة :
-المهم.. أنا كنت جاي لعثمان عشان عاوزه في موضوع مستعجل. بس واضح إنه Nervous إنهاردة أوي و مش هاينفع ...
توترت "فريال" بعض الشيء و هي تبرر له بلطفٍ :
-لأ مش حكاية عصبي و لا حاحة يا نبيل.. هو بس مضغوط أوي اليومين دول. يعني مشاكل مع مراته. و كده ..
نبيل بلؤم مبطن :
-آه ما أنا عندي علم.. هالة قالتلي إن عثمان إتجوز إتنين. الله يكون في عونه و يقويه و الله. ده أنا كنت مصاحب بنت إيطالية بقالي 10 سنين كرهتني في الجواز و التفكير فيه حتى
-معقول يا نبيل بعد 10 سنين العلاقة تفشل ؟!
طيب ليه كده ؟؟
-مارتحتش يا فريال هانم.. هي كانت بنت جميلة و باباها رتبة في البلد هناك و هي كمان سيدة أعمال شاطرة جدًا و كانت بتحبني و كل حاجة.. بس ماحستش إنها مختلفة !
عبست "فريال" و هي تسأله باهتمام :
-مش مختلفة إزاي يعني ؟
نبيل موضحًا : يعني دمها حامي يا فريال هانم. زي الستات الشرقية بالظبط.. ماقصدش من ناحية العادات و التقاليد. رغم إن عادات و أعراف الطلاينة مشابهة لمجتمعاتنا العربية بشكل كبير
-طيب فين المشكلة !!
تنهد "نبيل" قائلًا :
-المشكلة في طباعها. في قلبها.. كانت غيورة أوي أووي بطريقة تخنق و على أتفه الأسباب. مع إن العكس هو إللي لازم يحصل. المفروض الغيرة دي تبقى بتاعتي أنا
فريال بدهشة : و دي حاجة تزعلك يا نبيل.. البنت إللي معاك غيرانة عليك يعني بتحبك !
نبيل بدعابة : تغير عليا أوكي لكن ماتخنقنيش يا فريال هانم. دي حتى ماكانتش خطيبتي أومال لو كنت اتجوزتها بقى كانت عملت فيا إيه ؟!
فريال ضاحكة : لأ بقى يا نبيل يبقى إنت إللي ماكنتش جاد من الأول و تلاقيك مادخلتش على إرتباط رسمي
شاركها الضحك و هو يرد :
-رسمي إيه يا فريال هانم بقولك كنت مصاحبها.. يلا أهي راحت لحالها !
هزت "فريال" رأسها بيأس و قالت و هي لا تزال تضحك :
-يخرب عقلك يا نبيل.. ماتغيرتش خالص. بس إن شاء الله هاتيجي إللي توقعك على وشك و تحبها و تتجوزها و رجلك فوق رقبتك زي ما بيقولوا
-يارب. أنا أتمنى و الله يا فريال هانم ماكرهش حاجة زي دي ! .. ثم قال بجدية :
-المهم دلوقتي بقى.. أنا زي ما قولتلك كنت جاي لعثمان. في حاجة مهمة تمت و المفروض حساباتي تتقاس عليها الفترة الجاية و مهم إنه يعرف. و حضرتك كمان بردو.. بما إنه مضغوط زي ما قولتي ف أنا مش هتقل عليه أكتر. ممكن أشرحلك كل حاجة و إنتي تبلغيه بمعرفتك
-خير يا نبيل ؟ .. تساءلت "فريال" بشيء من الريبة لما إستشعرته بلهجته
تنحنح "نبيل" منظفًا حنجرته، بلل شفاهه بطرف لسانه، ثم نظر إلى عينيها مباشرةً و قال بصوته العميق :
-هالة يا فريال هانم.. هالة باعتلي نصيبها في تِركة العيلة بالكامل
فريال بعدم فهم :
-تِركة إيه ؟!!
نبيل بثقة : تِركة عيلة البحيري.. أنا دلوقتي بملك حصة هالة في القصر و الشركة و كل العقارات التابعة ليكوا في اسكندرية و براها يا فريال هانم !
جحظت عينا "فريال" بشدة و هي تردد باستنكار كبير :
-إيـــه !!!
_______________
مد "عثمان" ساقيه بانهاك و هو يجلس فوق السرير... كان تعبًا.. لكنه لم يكن تعب جسماني أكثر منه نفسي و عصبي
و رغم الهدوء الذي يلف غرفة النوم السفلية التي بقى فيها بمفرده حتى الآن، إلا أن ضجيج رأسه كان متضخمًا و لا يطاق.. كان صراع مميت... جزء منه يؤنبه.. و جزء آخر يود لو يجتاز الجدران تكسيرًا ليصل إليها و يعنفها بقسوة على ما فعلته
هو يعلم بأنها لم تقصد أن تظهر هكذا أمام رجلًا آخر.. و لعله الآن تعرَّف عليه حين لاحظه بطرف عينه... إذ لم يكن سوى "نبيل الألفي".. الخال المهاجر لأبناء عمه
لقد وصل كما رآى.. لماذا جاء ؟ ماذا يريد ؟ .. لا يعرف "عثمان" و لا يود أن يعرف... إنه فقط حانقًا عليه لأنه شاهد زوجته المحرمة على جميع الرجال سواه هو، شاهدها على شاكلة لا يفترض بأن تظهر عليها أمام غيره هو.. زوجها
رباه !
كلما يتذكر ذلك تزداد النيران بصدره توقدًا.. ماذا يفعل الآن ؟ المسكينة مثل قطعة النقاق.. لو ضغط عليها أكثر ستنفطر من فورها... في الواقع هو يحبها حتى و لو كانت كسيرة إلى مئة قطعة.. يحبها بكل ما فيها من ضعفٍ و رقةٍ و حنان... هو الوحيد الذي يحوز شيفرتها.. هو و لا غيره
كما هي له فقط.. له هو و لا غيره ...
يدق هاتفه في هذه اللحظة و تعلو نغمته الصاخبة.. يفيق "عثمان" من شروده، فيستل الهاتف من جيب سرواله
يلقي نظرة على رقم المتصل، تلقائيًا أشرق وجهه فجأة و رد على الفور بلهجة منفرجة :
-دكتور أدهــم !
إيه المفاجأة العظيمة دي
يجيئ صوت الطرف الآخر لا يقل إنشراحًا :
-السلام عليكم يا أستاذ عثمان !
-أستاذ إيه راجل بقى. مش قولنا آخر مرة تشيل التكاليف دي.. أنا عثمان عادي منغير أستاذ. دي حتى كلمة تقيلة أوي يا دكتور
يضحك "أدهم" قائلًا :
-ما أنا لو شيلت التكاليف و قولتلك عثمان منغير أستاذ يبقى إنت كمان هاتقولي أدهم منغير دكتور.. هه. إيه رأيك ؟
-ممم أوكي أنا موافق. يا أدهم بيه.. حلو كده !
علت ضحكة "أدهم" أكثر و هو يرد عليه :
-حلو.. حلو يا عثمان باشا. متشكر أوي
-العفو يا سيدي على إيه.. ده أنا إللي متشكر إنك سمعتني صوتك. الله يعلم بقيت عزيز عليا أد إيه لله في لله كده
-الله يحفظك يا سيدي
-بجد و الله مش مجاملة
-أنا عارف. و إنت كمان و الله منغير حاجة قلبي إتفتحلك. و إلا ماكنتش دخلت بيتك و في إيدي مراتي و عيالي ! .. ثم قال بتساؤل :
-بس حضرتك من أخر مرة لا جيت و لا حتى إتكلمت. رغم إني مبلغك بخبر جواز مراد و أختي إيمان
يخبط "عثمان" بكفه على جبينه في هذه اللحظة متمتمًا :
-آخخخ.. تصدق بالله. نسيت بجد !!!
-يا راجل.. ده الفرح الليلة. على كده مش جاي بقى ؟!
أجاب "عثمان" مجفلًا :
-لأ إزاي..جاي. جاي طبعًا. حتى لو قعدت ساعتين و مشيت في نفس الليلة
-إنت بس تعالى و نبقى نشوف حكاية المشي و القعاد دي. بس بالله عليك.. ماتنساش تجيب مدام سمر معاك. مراتي كلت دماغي خلاص كل يوم تسألني عزمتكوا و لا لأ لدرجة إني شكيت في نفسي
صمت "عثمان" للحظات، ثم قال بعدم ثقة :
-بصراحة مش عارف يا دكتور أدهم.. مش واثق يعني إذا كانت سمر هاتقدر تسافر معايا للقاهرة و لا لأ !
-لأ من فضلك ماتوقعنيش في الغلط ده.. أنا ماليش دعوة. أنا بلغتك و إنت مش ممانع إنها تيجي صح ؟
-لأ طبعًا ماعنديش مانع
-خلاص.. لو تسمح مراتي تكلم المدام و تتفاهم معاها. أصل المواضيع دي عند سلاف مافيهاش هزار و مش عايز أقولك إتألفت بمراتك إزاي و حبيتها أوي
عثمان برحابة : لأ في أي وقت تكلمها طبعًا. ياريت يفضلوا كده على تواصل أساسًا لو مش هابزعجك. أصل مراتي تقريبًا مالهاش صديقات خالص و أنا مقفل عليها أوي. لكن حضرتك ثقة طبعًا و مدام سلاف ربنا يباركلك فيها عمري ما أقلق و هي معاها أبدًا
-يا سيدي شكرًا على الثقة.. طيب تمام. إتفقنا. أنا كده ماجبتش سيرة لمراد إنك جاي و خليها مفاجأة بقى لحد ما يلاقيك قصاده إنهاردة.. و بإذن الله سلاف هاتكلم المدام و تتفق معاها
-تمام يا دكتور.. أشوفك على خير إن شاء الله. مع السلامة !
و أغلق "عثمان" معه ...
كأن حجرًا ثقيلًا سقط من فوق كاهله.. إن لذاك الـ"أدهم" مفعول السحر فعلًا، بمجرد سماع نبرة صوته الشجية العذبة يتغير المزاج و كل شيء من تلقائه.. إنه مُبارك حقًا
أطلق "عثمان" نهدة مشحونة بكم هائل من المشاعر، طردها كلها الآن.. قام من مكانه و مشى ناحية الباب ليخرج، أمسك بالمقبض و إجتذبه ...
ليصطدم بأمه فجأة، إذ كانت تقف كالتمثال أمام باب الغرفة، جامدة التعابير بشكل أثار قلقه عليها ...
-ماما ! .. هتف "عثمان" متفاجئًا
-مالك يا ماما ؟ فيكي حاجة و لا إيه ؟!!!
و أعاد الهاتف إلى جيبه، ليرف يداه و يحيط بكتفيها مضيقًا نظراته و هو يكرر بقلق أكبر :
-ماما ! مابترديش عليا ليه ؟ مالك يا حبيبتي كلميني !!!
شحب وجهه مع تأخرها عليه في الرد كما كان قلبه يخفق كمطرقة.. إلى أن أتى صوتها أخيرًا بأحرف متثاقلة :
-آ. أنا.. أنا كويسة.. كويسة يا حبيبي ماتقلقش عليا !
عثمان بعدم إقتناع :
-طيب مالك كده.. واقفة كده ليه و وشك مصفر أوي. إنتي تعبانة أجبلك دكتور ؟ و لا أوديكي المستشفى علطول ؟؟؟
-لأ لأ أنا كويسة. صدقني ! .. و ابتلعت ريقها بصعوبة، ثم قالت بلهجة كافحت لتبدو طبيعية :
-بس كنت عاوزة أتكلم معاك في موضوع كده. لو فاضي !
عثمان بجدية : يا حبيبتي لو مش فاضي أفضالك.. موضوع إيه موضوع يخصك يعني ؟!!
هزت "فريال" رأسها سلبًا و قالت :
-لأ.. يخصك إنت !
نظر لها لبرهة... وأعتقد بأنها ربما تود أن تحدثه بشأن زوجته و ما فعله معها منذ قليل... فتنهد بعمق و قال بفتورٍ :
-أوك يا حبيبتي.. أنا طبعًا عندي استعداد أقعد معاكي و نتكلم للصبح في إللي إنتي عايزاه. بس طالما الموضوع مايخصكيش إنتي إسمحيلي نأجله لبكرة الصبح بس. عشان أنا يدوب أحضر نفسي !
و رفع معصمه العريض لُيلقي نظرة بساعته الضخمة ...
-تحضر نفسك لإيه ؟ .. سألته "فريال" بفضول
نظر لها مجددًا و قال بصوتٍ هادئ :
-مشوار كده للقاهرة و راجع في نفس اليوم.. فرح مراد يا فريال هانم. و إحتمال أخد معايا سمر !
-سمر !! .. تمتمت "فريال" رافعة حاجبيها
لكنها ما لبثت أن قالت مستحسنة صنيعه و مشجعة إياه :
-طيب دي حاجة كويسة أوي. ياريت و الله. خدها و روحوا فعلًا.. فرصة تصفوا إللي بينكوا كله
أومأ لها موافقًا و قال :
-أيوة.. بس يارب هي توافق. أنا مش هاضغط عليها. لو قالت لأ من أول مرة خلاص
طمأنته "فريال" بلطفٍ :
-إن شاء الله هاتوافق.. و هاترجعوا متصالحين و زي الفل يا حبيبي. بس إنت ماتقساش عليها يا عثمان. البنت دي بتحبك بجد
-أنا عارف يا ماما. عارف ! .. و أضاف مبتسمًا :
-أول ما أرجع هاجيلك.. ماتقلقيش مش هانسى !
_______________
يصل "فادي" إلى المنزل في موعده عند المغيب.. كان محملًا بالأغراض كعادته... دق الجرس مرارًا
لكن زوجته لم تستجيب.. فوضع الأكياس أسفل قدميه ليستخدم مفتاحه الخاص... و بالفعل فتح و قام بإدخال الأغراض، ثم اغلق الباب خلفه و هو يصيح مناديًا :
-هــالة.. هـــالة.. يا هـــالة !
لكنها أيضًا لم تستجيب ...
-نايمة دي و لا إيه !! .. تمتم "فادي" لنفسه
إتجه من فوره نحو غرفة النوم و هو يهتف :
-إيه يا هالة معقول نايمة لحد دلوقتي من ساعة ما سيبتك ؟ إيه النوم ده كله يا حبيبتي إحنا بقينا المـ آ ا ...
بتر عبارته فجأة ..
حين ولج إلى الغرفة لترصد عيناه خزانة الملابس مباشرةً... حيث إنهالت عليه الصدمة.. عندما رآها مفتوحة على مصراعيها و فارغة تمامًا.. إلا من ثيابه و أغراضه هو فقط
أما "هالة"... فلا أغراضها.. و لا هي نفسها.. لهم وجود من حوله.. خواء... محض خواء تام !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!