رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الثاني و الثلاثون 32 بقلم مريم غريب
_ مُنقِذ ! _
طوفان من المياه الباردة نجح في إفساد زينة وجه "نانسي" الباذخة و تخريب تسريحة شعرها الغجرية... و بالرغم من هذا كانت تضحك بطريقة هستيرية، بينما يمسك "عثمان" برأسها ويضعها بالقوة أسفل صنبور الحوض الملحق بحمام بتلك الغرفة المخصصة للضيوف
شهقت بقوة حين إجتذبها فجأة من تحت المياه المنهمرة و جرها من ذراعها خلفه جرًا إلى داخل الغرفة ...
أطلقت آهة ألم عالية عندما دفعها بمنتهى القساوة و الوحشية نحو الفراش الكبير، لم يمهلها لحظة لتلتقط أنفاسها و جثم عليها مثبتًا ظهرها بركبته و ضاغطًا بكفه الغليظ على رأسها فصار جانب وجهها كله مدفوسًا في الوسادة التي أغرقتها المياه المنهمرة من شعرها ...
-لو ماكنتش لسا كاتب عليكي !!! .. غمغم "عثمان" من بين أسنانه بشراسةٍ
-مراتي إللي نايمة فوق دي عمرها ما سمعت مني كلمة مش تمام.. من يوم إتجوزتها عمري ما شتمت قدامها. لكن إنتـي.. إنـتــــي !!!!
و قام عنها ممسكًا بها ليقلبها على ظهرها بلحظة لتواجهه ..
تآوهت "نانسي" مجددًا لخشونته و شدته معها، بينما يميل صوبها قابضًا بأصابعه على فكيها بقوة مؤلمة و هو يجأر بعنف :
-سبحانه إللي صبرني عليكي برا.. مش عارف فضلت ماسك نفسي عليكي إزاي و إنتي قاعدة قدام المأذون و الشهود بشكلك الـ×××××× ده زي الـ××××××××× بالظبط.. دلوقتي بقى بعد ما أتقفل علينا باب.. أعمل فيكي إيه ؟ هـــه.. رررررررردي.. أعـمـــل فـيـكــي إيــــه ؟؟؟
-إللي بتعمله ده بالظبط يا عثمان !
نطقت أخيرًا ...
بتلك العبارة الجذلى التي أشعلته أكثر، و أكملت بنفس الإسلوب و هي تنظر إليه بجرأة و تعض على شفتها السفلى بقوة :
-مش إنت قولتلي الصبح كده ؟ أو لمّحت بكده.. أنا ماحرمتكش من حاجة. ده كان طلبك.. و أنا جاهزة أكون معاك زي إخواتي إللي قبلي. و موافقة على كل إللي هاتعمله فيا مقدمًا.. عايز تشتم إشتم.. عايز تضرب كمان إضرب. عايز تـ آ ا ...
و لم تكملها.. إذ هوت كفه بالفعل على خدها بصفعة عنيفة أخرستها كليًا للحظات، قبل أن تعاود النظر إليه بعينين ملؤهما الدموع و لكن مع إبتسامة معاندة أيضًا
إرتعش فكه من شدة الغضب و نهض تمامًا و هو يصيح بصرامة متراجعًا للخلف :
-شعرك ده يرجع زي ما كان. تتصرفي و ترجعيه زي ما كان. أقسم بالله يا نانسي.. لو رجعت الصبح و لاقيته كده هاشيلهولك خالص. هاشيلهولك بإيدي سامعة ؟؟؟
و بقى لحظة أخرى،
ثم إستدار مغادرًا الغرفة و هو يصفق بابها بمنتهى العنف.. و لأول مرة... لا يدري إلى أين أو إلى من عساه يذهب، ترى أيّ مكان يتسع له الآن !!!
____________________
-و بعدين يا مامي ؟!! .. قالتها "صفية" و هي تعود أدراجها إلى صالون الطابق الأوسط بعد أن ذهبت لتودع رضيعتها في عهدة أبيها
كانت "فريال" تجلس هناك في زواية معتمة، لا يضيئ حولها سوى مصباح خافت مثبت إلى الجدار.. كان الصغير "يحيى" غافيًا بعمق و يتوسد صدرها، و بدورها أحكمت ذراعيها حوله
أحتوته بين أحضانها و لصقت خدها فوق رأسه، تستمد منه العون و القوة و المواساة ..
لم تكن في وضعٍ يؤهلها لأيّ مناقشة أو تجاذب لأطراف حديثٍ مقتضب حتى، و لكن "صفية" بدت مصممة ...
-يا مامي بليز ردي عليا. طيب إنتي عاملة في نفسك كده ليه ؟ عثمان حر و هو مش صغير سبيه يتحمل نتيجة تصرفاته. صحتك يا مامي حرام عليكي كلنا محتاجينلك !
و شدت مقعد لتجلس مقابلها ...
تنهدت "فريال" بثقل شديد، و من غير رغبة منها نظرت إلى إبنتها قائلة بصوتٍ خالٍ من التعابير :
-عثمان مش صغير يا صافي.. أنا عارفة. و عارفة هو بيعمل إيه.. بس مش قادرة أتقبل كل ده. أنا مارضاش بكده. و مقدرش أتجاهل إللي بيعمله أو أجمّد قلبي على مراته و إبنه. هما مالهمش ذنب.. و إللي تاعبني أكتر إني مش عارفة إيه نهاية كل ده !!!
عبست "صفية" بعدم فهم و قالت :
-أنا مش فاهمة.. قصدك إيه طيب ؟ و إيه إللي تعرفيه عن عثمان و مخبياه ؟ حاجة تخص جوازه يعني ؟!!
رمقتها "فريال" بصمت و لم تفه بكلمة... فألحت "صفية" بتوسل :
-بليز يا مامي إتكلمي.. طلعي إللي جواكي. مين غير يسمعك ؟ يا حبيبتي أنا سرك. أنا بنتك الوحيدة. تقدري تقوليلي كل حاجة و إنتي مطمنة. و أنا جمبك و هساعدك بس قوليلي !
بعد كل هذا الضغط و الترقب الذي مارسته "صفية" على أمها... لم تجد الأخيرة بُدًا.. فتحت فمها من جديد و قالت بصوتٍ صلدٍ جاف لأول مرة يخرج عبر شفتيها :
-عثمان بيحاول ينقذ نانسي !
-نعم !!! .. علّقت "صفية" باستنكار ملؤه الدهشة
لتؤكد "فريال" بمرارةٍ و هي تشيح بوجهها للجهة الأخرى :
-هايتجوزها بإرادته.. فاكر إنه فعلًا السبب في كل إللي جرالها هي و أختها و أبوها. لما سألت عليها من كام يوم و عرفت إن سمعتها وحشة أوي واجهته.. بس هو فضل متمسك بقراره. و كان كأنه عايز يقولي حاجة تانية أنا معرفهاش.. بس الأهم إنه وقف قدامي مصمم. هايتجوز نانسي. و مش هايسبها إلا لما يتأكد إنها رجعت كويسة زي الأول
و نظرت "فريال" لإبنتها المذهولة ثانيةً و أضافت بسخرية لاذعة :
-بس تفتكري يا صافي خطته هاتنجح ؟ هايقدر يصلحها بعد ما بقت ...
لم تستطع إتمام جملتها، فأغمضت عينيها بشدة مغمغمة بحرقةٍ :
-إبني مش واعي لنفسه.. إبني تايه. بس مسيره يفوق.. و الخوف كله لما يفوق يتصدم. بعد ما يلاقي كل شيء ضاع منه !
____________________
كانا يتناولان طعام العشاء في صمت... من جهة "فادي" كان كل شيء طبيعيًا و ربما لم يلاحظ التوتر البسيط الذي ألم بها بسبب إنهماكه بإلتهام وجبته اللذيذة التي صنعتها له زوجته بيديها
كان جائع حقًا.. لكنه سرعان ما عالج جوعه هذا و سد رمقه، لينتبه لها على حين غرة ...
رآها تعبث بصحنها تارة و ترفع كأس العصير لترشف منه رشفة صغير تارة أخرى.. إبتلع ما بفمه، ثم ناداها برفقٍ :
-هالة !
نظرت "هالة" إليه ...
-نعم يا فادي ؟ عاوز حاجة أقوم أجبلك حاجة ؟!
فادي بلطفٍ : لأ يا حبيبتي تسلميلي. أنا مش عاوز حاجة.. أنا بس لاحظت إنك تقريبًا مابتكليش.. إنتي كويسة ؟
إبتسمت "هالة" له و قالت :
-أنا كويسة.. ماتقلقش عليا يا حبيبي لو فيا حاجة أكيد هاقولك
رد لها الابتسامة و هو يتناول بيده قطعة من اللحم المطهي بالخضار، أطعمها لها بفمها و هو يقول بحب :
-طيب كلي بقى. عشان إنتي اليومين دول خاسة شوية و أنا مابحبش كده.. أنا واخدك بطاية و عايزك زي ما إنتي ماتتغيريش
أضحكتها دعابته الموحية كثيرًا، فتمهلت حتى مضغت قطعة اللحم و إزدردتها، ثم تطلعت إليه قائلة و هي لا تزال تضحك :
-مش معقول يا فادي. تصدق أول مرة أشوف راجل بيحب الست المليانة.. على الأقل في الوسط بتاعنا. ده مراد كان عايـ آ ا ...
بترت عبارتها فجأة.. حين شاهدت إنقلاب سحنته لحظة عندما نطقت إسم زوجها السابق ...
تلقائيًا كممت فاها بيدها و هي تتمتم بندم شديد :
-أنا آسفة يا فادي.. أنا آسفة جدًا و الله ماكنش قصدي أنطق إسمه بجد ...
كان العبوس قد ملأ وجهه بالفعل.. لكنه حاول جاهدًا أن يخرج صوته أكثر لينًا و طبيعية و هو يركز على طعامه مجددًا و يقول بنفس الوقت :
-خلاص.. ماحصلش حاجة. بس إبقي خدي بالك بعد كده. أنا دايمًا بحاول أنسى الموضوع ده بس للأسف ساعات مابقدرش.. بالذات لما بكون قريب منك أوي. مابقدرش أنسى إن في راجل غيري لمسك.. مش معقول إنتي كمان تفكريني بده !
أجفلت "هالة" باضطراب شديد و تصرفت دون حساب، فمدت يدها عبر الطاولة لتقبض على كفه و هي تقول :
-طيب حقك عليا.. أنا غلطانة. بس ماتكشرش كده. إنت عارف إني مابفكرش في حد غيرك دلوقتي. إنت أكيد حاسس بيا.. فادي الفترة إللي عيشتها معاك غيرت فيا حاجات كتير. لدرجة إني بقيت واثقة إن كل الرجالة إللي شوفتها في حياتي و لا حاجة جمبك. إنت مالي عيني أوووي و إنت أكيد عارف كده !
أدار رأسه نحوها في هذه اللحظة و قال :
-طيب و قلبك ؟ يا ترى دخلته و لا لسا يا هالة ؟!
توردت وجنتيها و هي ترد عليه برقة :
-لو ماكنتش دخلته ماكنتش أنا إعترفتلك بأي حاجة من دي.. أنا كتومة جدًا لعلمك. بعرف أداري مشاعري و أسراري كويس. بس إنت منغير مجهود فجرت المشاعر دي في لحظة و لاقيتني مابقتش مسيطرة على نفسي خالص و أنا معاك.. إنت ساحر و لا إيه يا فادي ؟
فادي مبتسمًا ببساطة :
-تؤ.. لا ساحر و لا حاجة. أنا حبيتك بس !
إختلجت قسماتها للحظة و هي تستمع إلي كلمته الأخيرة... تنفست بعمقٍ و نظرت بتيهٍ في عينيه الملوّنتان الجميلتان و قالت :
-فادي.. حد قالك قبل كده إن عنيك حلوة أوي ؟!
قهقه "فادي" ضاحكًا و قال :
-الحقيقة كتير من و أنا صغير. أنا و إخواتي كلنا عنينا ملونة ف بنسمع الكلام ده كتير.. بس منك إنتي دلوقتي كأنها أول مرة تتقالي طبعًا
منحته نظرة رقيقة و هي ترفرف بأهدابها الطويلة بطريقة جذابة... لم يكن عقلها يفكر سوى فيه هو في هذه اللحظات.. كان بالنسبة لها مركز العالم كله !
____________________
في ظلمة الغرفة التي جمعتها به ليالٍ.. في السكون المطبق عليها كذلك اللحاف الثقيل الذي بسطته فوقها... رقدت "سمر" فوق فراشه.. تنشج و ترتجف في صمت... كان الجو بارد في الأصل
و لكن البرد الذي بداخلها أعظم و أشد بكثير ...
أخيرًا سمحت لنفسها بالإنهيار.. بعد أن سلمت لهم كل شيء، إبنها و شقيقتها.. حتى هو.. زوجها... لتبقى هي بمفردها، كما كانت دائمًا
مجرد تخيلها بأنه قد تزوج بأخرى الليلة، و بأنه سيقضي الليل بين أحضان إمرأة غيرها.. شعور يطعنها بقلبها و يذبحها ذبحًا.. فذلك الرجل.. هو ليس زوجًا لها فحسب
بل حبيبها الأول و الأخير... إنها مع كل الأسف تحبه... رغم كل هذا تحبه.. و لا يسعها فعل أيّ شيء غير هذا أو حتى إيقاف قلبها عن النبض بأسمه.. بالرغم أنه أعطاها كل الأسباب للإقدام على كرهه إلى الأبد منذ عرفها.. لكنها لا تستطيع... مهما حاولت !
إزدادت البرودة بداخلها أكثر مع تدفق الأفكار، حتى طالت قلبها و غمرتها بالكامل.. فصارت و كأنها تحت تأثير تيارًا كهربائيًا يقتحم أوصالها، بالأخص مع إشتداد وتيرة بكائها.. كانت تبكي الآن مثل طفلة
حتى أنها لم تشعر به في البادئ، و هو يدخل إلى الغرفة.. ثم ينضم إليها بالفراش فجأة... لم تنتبه إلا حين أخذها بين أحضانه فقط.. علقت رائحته بأنفها و ملأت صدرها فظنت بأنها تحلم أو تتخيّل
لترتعد مصدومة، بينما يعانقها بقوة و يلف ذراعيه حولها بشدة مانعًا إياها من الحركة.. بالكاد تمكنت من رفع وجهها قليلًا لتحدق فيه عبر الظلام متمتمة بصوتٍ أبح :
-عـ عثمان !!!
سمعت صوت تردد أنفاسه الثقيلة عندما تنهد و شعرت بها و بسخونتها على بشرتها، فأيقنت بأنه ليس حلمًا و بدأت تقاومه و نشيجها يزداد حرارة رغمًا عنها.. بينما يحاول تهدئتها و هو يهمس لها :
-كنتي فاكراني ممكن أسيبك الليلة دي بالذات ؟ .. أبدًا.. أبدًا يا سمر.. أنا أسيب الدنيا كلها و ماسبكيش إنتي. إنتي حبيبتي. إنتي بس إللي بحبها.. مش عاوز غيرك إنتي ...
أخذت تجهش بالبكاء على صدره بضعفٍ مخزي.. لم تعد قادرة على مقاومته أكثر... تركته يلاطفها و يهدئها كما يريد، بل كما تحتاج منه أن يفعل تمامًا
و كل ما شغلها باللحظات التالية هو حديثه الهادئ لها و المعضلة التي اعترتها في تصديقه أو تكذيبه.. مع أنها تدرك تمام الإدراك بأنه كاذب مئة بالمئة.. لكنها أختارت أن تصدقه الآن، على الأقل الآن !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!