رواية عزلاء امام سطوة ماله الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم مريم غريب





رواية عزلاء امام سطوة ماله الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم مريم غريب


_ فرار ! _


تخرج "سمر" من المرحاض بعد أن قامت بغسل وجهها و قد نجحت في إزالة آثار البكاء عنه ... لكنها لم تستطع أبدا طرد شعور البؤس و المرارة المهيمن عليها


كان "عثمان" يقف أمام الخزانة و قد أعطاها ظهره ، بينما صدر عن حذائها أصوات أنبأته بحضورها


إستدار لها باسما ..


-خلصتي أخيرا يا حبيبتي ؟ تعالي . تعالي أوريكي حاجة !


مشت "سمر" صوبه بخطوات وئيدة ، في حين مد "عثمان" يده داخل الخزانة و إلتفت إليها بعد لحظات و هو يحمل علبة كبيرة مغطاة بالمخمل الأسود ..


-أولا أنا بعتذر إن حاجة زي دي جت متأخر ! .. قالها "عثمان" بإبتسامته الجذابة الآسرة ، و تابع :


-دي هدية مني ليكي . كان المفروض أقدمهالك أول ما جينا هنا المرة إللي فاتت . لكن للآسف نسيت . طول ما أنا معاكي بنسي كل حاجة يا سمر . و ده إللي عاجبني في علاقتنا.


إبتسمت بإستهزاء ، فتنهد "عثمان" بضيق و فتح العلبة ليخرج عقدا من الماس المرصع باللؤلؤ و الزمرد ذا بريق يخطف الأبصار ، مع قرطين مماثلين و خاتم و سوار ..


-الطقم عليه توقيع Damas ! .. تمتم "عثمان" بتفاخر و أردف :


-كل قطعة منه نادرة ماتلاقيهاش بسهولة لا هنا و لا حتي في البلد إللي إتصنع فيها . دفعت فيه مبلغ كبير جدا .. بس مش خسارة فيكي.


سمر بإزدراء شديد :


-قولتلك مش عايزة منك حاجة.


رد "عثمان" بصوت هادئ عميق :


-هديتي ماينفعش تترد يا بيبي . و بعدين إنتي مش فاهمة . الطقم كأنه معمول عشانك . تعالي نجربه عليكي عشان تتأكدي بنفسك !


لامست أصابعه الدافئة رقبتها و هو يضع لها العقد ثم يعلق القرطين بأذنيها ، بعد ذلك جرها إلي المرآة كي يريها المجوهرات التي زينت صدرها و أذنيها ..


لم تكن "سمر" تتخيل أن يستطيع رجل ما أن يقودها كما يفعل هذا الرجل الآن ... زوجها الذي لا تعرف إذا كان زواجهما حق يعترف به أم باطل !!!


-إنتي جميلة أووي يا سمر .. همس "عثمان" من بين لفائف شعرها ، و أكمل و هو ينظر إلي إنعاكسها بالمرآة :


-أجمل من كل المجوهرات إللي في الدنيا دي . كنت فاكر إن هديتي هتزود جمالك .. لكن العكس إللي حصل . جمالك هو إللي كسب.


أبعدت "سمر" يده عن عنقها ببطء و قالت بإرتباك :


-شـ شكرا . بس أنا مش هينفع أقبل الهدية دي.


عثمان بحنق :


-ليه مش هينفع ؟


إلتفتت "سمر" له و أجابت بتوتر :


-عشان هي غالية زي ما إنت قلت و لو حد شافها عليا الموضوع ممكن يتكشف.


تآفف "عثمان" بنفاذ صبر ، ثم قال بحدة و هو يضع يديه علي كتفيها :


-الهدية مش هترجع سامعة ؟ هتاخديها و مايهمنيش لو حد شافها عليكي . في مليون حجة ممكن تخلقيها.


كادت "سمر" أن تجادله فقاطعها بصرامة :


-خلآااص إنتهي .. و أكمل بلطف مفاجئ :


-خلاص بقي عشان تشوفي المفاجأة التانية !


و أشار لها بإصبعه نحو ركن منفرد بأخر الغرفة ، لتري "سمر عشرات العلب البيضاء الكبيرة مطبوعة عليها العلامات التجارية باللون الذهبي و شريط بنفس اللون أيضا علي كلا منها ..


-أنا ماعرفش مقاسك في اللبس ! .. قالها "عثمان" بجدية و هو يحك طرف ذقنه بأنامله ، و تابع :


-بس إنتي جسمك قريب من جسم صافي أختي فإعتمدت علي كده و دخلت عملتلك Shopping من علي النت . إخترتلك حاجات هتعجبك أوي و كمان مانستش الجزم طبعا بعد ما شوفت مقاس جزمتك المرة إللي فاتت طلبت الـOrder كله علطول.


سمر بشئ من الحدة :


-بس أنا محجبة.


عثمان بسخرية :


-طب ما أنا عارف إنتي جبتي جديد يعني ؟ .. و لما أدرك قصدها صاح :


-آااااه فهمتك . ماتقلقيش كل الهدوم خاصة بالمحجبات أكيد حاجة زي دي مش هتفوتني و أكيد مانستش إنك محجبة يعني .. ثم مد وجهه للأمام و قال بخبث :


-بس في حاجات تانية مش تبع المحجبات خآاالص إشترتهالك بردو !


أجفلت "سمر" بتوتر ، فضحك و سحبها من يدها في إتجاه السرير ، حيث ربضت حقيبة عملاقة أشبه بحقائب السفر ..


-الشنطة دي بقي فيها هدوم عشاني أنا ! .. قالها "عثمان" مبتسما بمكر ، ثم أكمل و هو يلمس شفتها السفلي بإصبعه :


-الشنطة دي الوحيدة إللي هتفضل هنا . ما إللي جواها ماينفعش تلبسيه في مكان تاني . ماينفعش حد يشوفك لابسة كده .. غيري !


إنتفضت "سمر" و إبعدت نفسها عنه و هي تقول بحدة :


-أنا أصلا مش عايزة أي حاجة . مش هاخد الحاجات دي.


عثمان بثقة :


-هتاخديهم يا حبيبتي . أنا محدش يقولي لأ.


سمر بتحد سافر :


-طب أنا بقولك لأ . و مش هاخد حاجة.


قهقه "عثمان" عاليا و قال :


-يا جآااامد . أحب الجرأة بردو .. طيب هنحل المشكلة دي بعدين بس دلوقتي تعالي نتغدا سوا أحسن أنا جوعت خالص و الأكل كمان زمانه برد برا زي المرة إللي فاتت . تعالي يلا !


و مد لها يده ..


ترددت "سمر" للحظات ، ثم أعطته يدها ... فسحبها بقوة و ضمها إلي صدره بلطف مدمدما :


-يومين يا سمر . هتكوني فيهم ملكي لوحدي تمآااااماً !


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


الثانية ظهرا ... عند كلية { الفنون الجميلة }


تقف "هالة" وحدها حائرة ، لا تعرف أين تتوجه بالضبط


و فجأة تشعر بشخص ينقر بخفة علي كتفها ، فإلتفتت بسرعة ..


-مراد ! .. هتفت "هالة" بإستغراب و هي تري "مراد" يقف أمامها و هنا في هذا المكان


مراد بإبتسامة :


-إزيك يا هالة ؟


هالة بحذر :


-الحمدلله . إنت بتعمل إيه هنا ؟!


-أنا جاي عشانك.


هالة بدهشة :


-جاي عشاني !!


-أيووه . ما أنا أصلي كنت جمب أنكل رفعت لما كلمتيه و قولتيله إنك محتاسة هنا و مش عارفة تعملي حاجة فهو بقي كلفني بالمهمة دي.


-مهمة إيه ؟


-مهمة البحث معاكي. إنتي مش كنتي جاية تدوري علي الكتب و الجداول بتاعتك ؟


-أيوه !


مراد بإبتسامة عريضة :


-أنا بقي جاي عشان أكون المرشد بتاعك.


هالة بتفهم :


-ممم . طيب إنت هتعرف يعني ؟ قصدي إنت عارف الكلية هنا عارف هنروح فين ؟ أصلها كبيرة أووي !


مراد بغرور زائف :


-يابنتي أنا بعون الله جن أعرف كل حاجة و بالذات إسكندرية أعرفها شبر شبر.


هالة بإبتسامة ساخرة :


-طيب أما نشوف . وديني بقي دلوقتي مكتب الشئون.


حمحم "مراد" بتوتر و قال :


-أوك هوديكي . بس تعالي نسأل البنت إللي هناك دي شكلها دارسة الكلية كويس.


هالة بضحك :


-و إنت عرفت منين ؟؟


مراد بحذاقة :


-إيه إللي عرفت منين ! ده أنا ليا نظرة ثاقبة بعرف بيها إللي قدامي علطول.


ضحكت "هالة" منه أكثر ، ليبتسم "مراد" لرؤيتها هكذا و يقول :


-طب ما إنتي حلوة أهو يا هالة . أومال كنتي مكتئبة ليه اليومين إللي فاتوا ؟؟


تجهمت "هالة" فجأة ، فأجفل "مراد" قائلا :


-أنا آسف . ماكنش قصدي ..


تنفست "هالة" بعمق ، ثم قالت بإبتسامة هادئة :


-و لا يهمك يا مراد . ممكن بقي نروح نشوف إللي ورانا ؟!


مراد بخجل :


-لما إتأكد إنك مش زعلانة الأول !


هالة بلطف :


-و أنا هزعل ليه ؟ إنت ماقولتش حاجة تزعل أنا فعلا كنت مكتئبة شوية . إنت عارف بقي الدنيا بقالها فترة ملخبطة معانا . حادثة صالح و تعبه و سفرنا من باريس لهنا و الجامعة حاجات كتيييير مش مترتبة.


تنهد "مراد" براحة و قال :


-تمام . طيب يلا بينا بقي ياستي نشوفلك الكتب و الجداول !


••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في منزل الجارة "زينـــــب" ... يلج "صابر" إلي الشقة


فيجد زوجته تجلس بالصالة و علي فخذيها ترقد "ملك" مستسلمة للنوم ..


-إيه ده يا وليـه ! تآااني ؟ تاني المفعوصة دي مقعداها عندنا ؟ أنا مش قلت ماتجيش هنا تاني ؟؟؟


هكذا ملأ "صابر" البيت صياحا ، لترد زوجته بحدة و هي تحافظ علي نبرة صوتها المنخفضة :


-وطي صوتك يا راجل البت هتصحي !


صابر بإنفعال :


-ما تصحي و لا تتأندل . مش كفاية مخلياني سايب لأخواتها الشقة بالغصب كمان جايبهالي شقتي و مقعداها في وشي !!


و هنا تململت الطفلة بقلق ، فأسرعت "زينب" و ربتت عليها بحنو حتي إستكانت مرة أخري


قامت و مددتها علي الآريكة ، ثم توجهت صوب زوجها و زمجرت :


-إتهد شوية يا صابر و إنكتم . أوعاك تكون فاكرني نايمة علي وداني و ماعرفش إن عينك كانت من سمر . أنا عارفة كل حاجة ياخويا بس بسكت بمزاجي و كمان حبيت أسيبك تجرب و كنت بتمني تروح تقولها عشان تفضحك وسط الحتة و أخوها كان عملها و جاب أجلك.


جحظت عيناه بصدمة لمعرفة زوجته بهذا الأمر ، فقد كان سر لم يبوح به لأي مخلوق ..


صابر بحدة ممزوجة بالإرتباك :


-آاا آ إنتي إتخبلتي في نفوخك يا وليه ؟ سمر إيه دي إللي هبوصلهـ آا ..


-قولتلك إنكتم يا صابر ! .. قاطعته "زينب" بصرامة ، و تابعت :


-أنا واخدة بالي من كل حاجة . و لعلمك أنا غصبت عليك تسيب البت هي إخواتها في البيت عشان أنا واثقة فيها . واثقة من تربيتها و أخلاقها لكن إنت ماعنديش ذرة ثقة فيك.


صابر بإستهجان :


-ماشي ياختي . عموما أنا هسيبك تطمعيهم فيكي بزيادة . بشوقك ما الملك ملكك . البيت بتاعك و الضرر كله هينعاد عليكي.


-عليك نووووووور . أديك قولتها أهو . الملك ملكي . يعني أخرج منها إنت يا صابر و مالكش دعوة بالناس إللي بدخلهم بيتي.


صابر بغيظ :


-ماشي يا زينب . علي راحتك خآاالص .. ثم سألها و هو ينظر نحو "ملك" بضيق :


-طيب و بسلامتها قاعدة عندنا لحد إمتي ؟


زينب بنفاذ صبر :


-لحد ما أختها ترجع.


صابر و هو يقلدها بتهكم :


-و أختها راجعة إمتي ؟ 


زينب بجدية :


-هي لسا قافلة معايا و قالتلي هتغيب يومين.


صابر بدهشة :


-هتغيب يومين فين يا وليه ؟!


-عند واحدة صاحبتها في الشغل تعبت فجأة و هتروح تقعد معاها في بيتها عشان تاخد بالها منها أصلها وحدانية و مالهاش حد.


صابر بضحكة ساخرة :


-صاحبتها بردو يا زينب ؟


زينب بتعجب :


-في إيه يا راجل مالك ؟!


صابر بحنق شديد :


-ماليش ياختي . الحكاية و ما فيها بس إن الهانم الكبيرة أخت الهانم الصغيرة سايبالك الجمل بما حمل و دايرة علي حل شعرها و الغضنفر أخوها سافر و لا علي باله إحنا بس إللي قاعدين شايلين الطين هنا.


زينب بغضب :


-لم لسانك يا صابر الكلام ده ماينفعش و حرام.


صابر و هو يشيح بيده في حركة عصبية :


-بلا حرام بلا حلال بقي . إنتي براحتك إعملي إللي إنتي عايزاه.


و مشي من أمامها ..


بينما ظلت هي بمكانها تفكر في كلماته و إشارات الإستفهام تملأ رأسها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••


في يخت "عثمان البحيـري" ... بناءً علي رغبته ، قامت "سمر" بإعداد وجبة العشاء و إنتهت من تحضير الطاولة


ليصر عليها بعد ذلك بأن تدخل إلي الغرفة و تبدل ملابسها و ترتدي شيئا من تلك الحقيبة السرية ..


رفضت طلبه لكنه لم يسمح لها بالإعتراض مرة أخري و أجبرها ، حيث أخذ يزجها زجا نحو الغرفة و قد أعطاها مهلة لا تقل عن عشرة دقائق لتكون جاهزة و إلا سيدخل هو و يفعلها بنفسها


سارت "سمر" متعثرة صوب الحقيبة المفخخة ، خالت و كأنها ستنفجر بوجهها في أي لحظة !


كانت فيها حقيبة آدوات زينة صغيرة ، و كانت فيها الكثير من قطع الملابس الوردية ..


إستبدت الصدمة بـ"سمر" و هي تبحث بين كدسات الثياب المرتبة بعناية ، كانت هناك كمية فظيعة من المخرمات و التـُل الشفاف و الساتان اللامع بين يديها


كلها ملابس داخلية ... داخلية جدا ، عليها بطاقات فرنسية


لا يوجد بينهم شئ محتشم علي الإطلاق ، هل يمكن أن ترتدي ذلك حقا ؟ .. لا مستحيل !!


في هذه اللحظة سمعت طرق علي باب الغرفة ثم سمعت صوته ينذرها يتحذير :


-هآاا يا بيبي ! خلصتي و لا لسا ؟؟؟


سمر بإرتباك :


-لـ لسا !


-مش محتاجة مساعدة ؟!


سمر بإسراع :


-لأ شكرا.


بدا صوته نافذ الصبر و هو يقول :


-أووك . يلا بقي إطلعي بسرعة . مش قادر أصبر أكتر من كده !


و سمعت صوت خطواته تبتعد قليلا عن الغرفة ..


إزدردت ريقها بتوتر و هي تعيد نظراتها إلي محتويات الحقيبة ثانيةً


أخذت تقلب الثياب محاولة إيجاد شئ مناسب ، محتشم و لو قليلا ... و لكن دون فائدة !!!


إستقرت في الأخير علي هذا الثوب ..


وقفت أمام المرآة لتراه بعد أن لبسته


ناعم بلون النبيذ ، من التـُل الشفاف بطول الكاحل و بحمالتين رفعيتين ، له فتحة تصل لمنتصف الصدر و فتحة أخري مثلثية تكشف عن ظهرها كله


إرتدت أسفله ألبستها الداخلية لتتداري مناطقها ..


-يا نهار إسود ! .. تمتمت "سمر" بذعر و هي ترتجف كعصفور مبتل


-معقول يشوفني بالشكل ده ؟ .. لأ . إيه إللي أنا فيه ده ؟ أي حاجة يقولها لازم أنفذها ؟ .. ما هو إشتراني بقي . أفتح بؤي ليه و أقول لأ !!


-كل ده بتعملي إيه ؟؟؟ .. صاح "عثمان" و هو يقتحم الغرفة فجأة


شهقت "سمر" بفزع و إلتفتت له ، بينما تسمر بمكانه يحدجها بنظرات جريئة ..


نظرات جائعة ، مشتعلة .. إرتعدت "سمر" و هي تتلفت حولها باحثة عن أي شئ تستر به نفسها


وقعت عيناها علي الروب الحريري الأبيض فإنطلقت لتأخذه من فوق الفراش ، لكنه سبقها و قبض علي رسغيها ..


-بتعملي إيه ؟ .. قالها "عثمان" بصوت هامس ، ثم لف ذراعه حول خصرها و شدها لتلتصق به


سمر و قد زادت رجفتها و أثرت علي صوتها :


-الهدوم دي ماتنفعش خالص . أنا مش متعودة عليها !


عثمان بلهجة مستثارة و هو يقبل أسفل خدها ثم عنقها :


-بسيطة . إتعودي يا حبيبتي .. إنتي مش متخيلة منظرك . يجنن إزاي ؟!


عرفت أن الآن لا مفر منه ، عندما ينظر إليها بهذه الطريقة ، عندما يتصرف علي هذا النحو ، فهو قد فقد السيطرة علي نفسه تماما ..


إستسلمت لمصيرها كالعادة ، توقفت عن الحركة ، و أغمضت عيناها بشدة لكي لا تراه أبدا


في اللحظة التالية شعرت بشفتاه تلتقيان بشفتاها بنهم لا يخلو من العنف ..


شعرت أيضا بغضبه عندما لاحظ برودها ، بينما أمسك بمؤخرة رأسها بإحدي يديه و أمسك كتفيها بالثانية و إستمرت مداعباته في سعي يائس لإيقاظ أحاسيسها


و لكن دون جدوي ، لوح جليد غير قابل للذوبان في مواجهة ألسنة لهب حارقة ..


-إنتي مـــالك ؟ .. غمغم "عثمان" بغيظ ، ففتحت "سمر" عيناها و نظرت إليه


سمر بدهشة و أنفاسها تتلاحق بشدة و كأنها فرغت من سباق طويل للتو :


-مش فاهمة !!


عثمان بحنق :


-متخشبة كده ليه ؟ فكي نفسك شوية . محسساني إني غاصبك !


سمر بحيرة و إرتباك شديدين :


-أعمل إيه يعني ؟!


عثمان بنفاذ صبر :


-إعملي زيي.


و هم بالإقتراب منها مجددا ، لكنها أشاحت بوجهها تلقائيا ، فبرزت أوردته و هدر بغضب و هو يهزها بعنف :


-إنتي كده بتزهقيني . المرة إللي فاتت كان ليكي عذر عشان كانت أول مرة . لكن المرة دي لازم تظبطي نفسك . أنا بعملك كل إللي إنتي عايزاه و لو طلبتي حاجة أنا مستعد أنفذهالك من واجبك بقي إنك تريحيني و تسمعي كلامي . فكك من جو الضحية ده ماتعشيش الدور و كفاية كده.


سمر و قد إنتقلت لها عدوى غضبه :


-إنت ماتكلمنيش بالإسلوب ده . أنا عملتلك إيه ؟ و بعدين ما أنا قدامك أهو . شفتني فتحت بؤي و لا قولتلك حاجة ؟!


ضغط علي فكيه بقوة و قال :











-سمر . إنتي هنا عشاني . عشان أنا أكون مبسوط . لما تعكريلي مزاجي بقي هزعل . و قولتلك زعلي وحش !


-طيب و تزعل ليه أصلا ؟ خلينا نسيب بعض أحسن و محدش فينا يزعل من التاني.


عثمان بإستهزاء :


-أسيبك بسهولة كده ؟ إنتي ليه يا حبيبتي مش عايزة تصدقي إنك عجباني و عجباني أووي كمان . أنا بضمنلك إنك هتفضلي معايا فترة طويلة جدا .. ماتقلقيش مش هسيبك . ده أنا بعدت أخوكي مخصوص عشان الجو يروقلنا و ماتفضليش كل شوية متكدرة و خايفة منه.


سمر بصدمة :


-بعدت أخويا ؟!!


إبتسم "عثمان" تلك الإبتسامة الشيطانية و أجاب :


-أه . ما أنا عملت تحرياتي عنك و عن أخوكي من فترة و عرفت عنكوا كل حاجة . و دكتور أدهم . أنا إللي بعته و أنا إللي أمرته يشغل أخوكي في شركته و يسفره البحر الأحمر في أخر الدنيا عشان تفضيلي خالص و نبقي مع بعض مدة أكبر .. شوفتي بقي أنا بحبك أد إيه ؟


تجمدت نظراتها المعلقة بعيناه و دموعها راحت تنهمر في صمت ... و فجأة تخلصت من ذراعيه لا تدري كيف ، و لكنها خرجت من الغرفة و أسرعت بجنون إلي الخارج ..


أرادت أن تهرب منه إلي مكان ، أي مكان لا يستطيع فيه الوصول إليها


وجدت نفسها وسط الهواء الطلق علي سطح اليخت ، السياج المعدنية شكلت حاجز منيعا يسد منافذ الهرب أمامها ..


ألقت نظرة مذعورة خلفها ، لتجده يسرع في خطاه ليصل إليها و في ضوء الليل الحالك بدا وجهه شيطانيا مخيفا


إبتلعت ريقها بصعوبة ، يأس غريب دفعها للفرار منه ، فأسدلت الستار علي عقلها و إعتلت السياج و ألقت بنفسها في ماء البحر ..


و فجأة كانت بين الأمواج المرتفعة ، تطلق صرخة قبل أن تشعر بموجة هائلة تغطيها و تسحبها إلي القاع


منتصف فصل الشتاء و في أجواء الساحل كــــــــــارثة !


أصابتها برودة الماء بصدمة بدأت تفقدها الوعي أكثر من ذلك القدر الذي ملأ رئتيها حد الإختناق


لكن صوتا هادرا شوشته مويجات البحر قليلا سمعته يتردد في أذنيها :


-ســـــمـــــــــــــــــــــر . ســـــمـــــــــــــــــــــر . ســـــمـــــــــــــــــــــر !!!


و عندما فتحت عيناها فيما بعد ، رأت المياه و هي تتساقط من شعره الداكن علي وجهها ..


-إنتي مجنونة صح ؟ .. قالها "عثمان" لاهثا و أنفاسه تصفق وجهها بقوة ، ثم أكمل و هو يدفن وجهه في عنقها :


-كنتي هتموتينا إحنا الإتنين . أعمل فيكي إيه دلوقتي ؟؟!!


سعلت "سمر" قليلا و قد أفرغت كل المياه من رئيتها بمساعدة "عثمان" ... بينما قام هو و حملها إلي الداخل ، لترتجف بين ذراعيه و أسنانها تصطك بقوة ..


ولج بها إلي الحجرة و وضعها في الفراش ، ثم ركع أمامها منقطع الإنفاس ..


عثمان بصوت مبحوح و هو يرتعش بدوره :


-دي أول القصيدة كُفر يا سمر . الليلة باظت !


           الفصل الثاني والثلاثون من هنا 

تعليقات



×