رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الثلاثون 30 بقلم مريم غريب





 رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الثلاثون 30 بقلم مريم غريب


_ لعنات ! _


كانت البرودة تتنامى بينهما و التباعد في زيادة... هذه المشاعر كلها و هذا الهجران بالذات كانوا أشد وطأة عليه و على قلبه أكثر من أيّ شيء آخر.. بالآونة الأخيرة لم يستطع سوى أن يسأل نفسه فقط.. إلى متى ؟ إلى متى يستمر هذا العبث بحياته ؟ لكنه لا يتمكن من العثور على جوابًا محدد !!!


لأكثر من ثلث ساعة.. وقف "عثمان" بغرفة مكتبه، يطالع بذلة الزفاف المخصوصة التي تفاجأ بها تصل إلى بيته في طرد مع أحد العاملين بأفخم دار أزياء بالبلدة كلها... كان يرمقها فوق مشجب السترات تارة و يقلب بين أصابعه الكارت الذي استلمه من الشاب أيضًا تارةً أخرى


يعيد قراءة الكلمات الرقيقة المنمقة و يقرأ التوقيع المختصر بمشاعر مشحونة تعصف بداخله و تغير بصدره.. أيّ شيء يذكره بموعد الليلة و الحدث السودوي المرتقب يبث فيه قدرًا هائلًا من الحنق لا يمكن تخيله.. بالرغم من أنه مقبلًا على ذلك بارادته... لكنه لا يدري لماذا يشعر بأنه يحتال عليه.. هذا أسوأ شعور بالنسبة له على الاطلاق، يطيق كل شيء و لا يطيق هذا تحديدًا ....


كان غضبه آخذًا في التفاقم أساسًا منذ مدة.. حتى فقد السيطرة الآن فجأة، و أستل هاتفه من جيب سرواله بعصبية.. أجرى الاتصال بها فورًا... ليصيح بحدة ما أن سمع صوتها على الطرف الآخر :


-ممكن أفهم إيه الزفت إللي باعتاهولي على البيت ده ؟؟؟


ترد "نانسي" بهدوء متفاجئ :


-إيه يا عثمان ! مالك متنرفز كده ليه ؟ أنا بعتلك هدية فعلًا.. بس ماكنتش متخيلة إنها ماتعجبكش للدرجة دي. أو ماتحبهاش أصلًا


-حد قالك إني ناقص هدوم أو بشحت ؟؟؟


-إهدا بس. ليه الانفعال ده كله مش مستاهلة. دي Special Piece يا حبيبي. و لولا أنا متأكدة إنك مش هاتهتم بتفاصيل زي دي ماكنتش عملت كده. و بعدين إنت صممت مانعملش فرح و أنا وافقت و احترمت رغبتك و اتنازلت عن حاجة مهمة زي دي عشان ماتضيقش مني. أنا يهمني رضاك يا عثمان !


مسح "عثمان" على وجهه بعصبية و هو يطرد زفرة نزقة من صدره، ثم قال بصوتٍ أجش :


-بصي أولًا.. بطلي تعملي عليا الشغل ده. أنا مابحبوش ..


-شغل إ آ ا ...


-إسمعيني و ماتقطعنيش !!! .. صرخ مقاطعًا بعنف شديد عبر الهاتف


ليطبق السكون من طرفها على الفور، بينما يستطرد بغلظةٍ :


-ماتنسيش نفسك يابنت رشاد الحداد. إوعي تنسي لحظة إنتي مين و أنا مين.. و قبل ما تخطي البيت ده الليلة دي افتكري بس إنتي دخلتيه إزاي و ليه.. إنتي لو كنتي قدامي ببلاش ماكنتش أوطي راسي عشان أشوفك أصلًا. بدلة إيه إللي بعتاها يا شاطرة و فرح إيه إللي بتكلميني عنه ؟ إنتي فاكرة جوازنا ده جواز ؟ ده أنا و رحمة أبويا في تربته هاخليكي تمشي تكلمي نفسك. مش إنتي عايزة تبقي مراتي ؟ مش عايزة تيجي تعيشي في بيتي ؟ يا أهلًا بيكي.. بس تبقي جدعة لو استحملتي لحد الأخر. فاهماني كويس ؟!!!


و صمت ليلتقط أنفاسه قليلًا.. و في نفس الوقت شعر بشيء من التفوق عليها و قد شفى قدرًا من غليله، ليضيف بلهجته الصلدة مختتمًا خطابه التهديدي الذي و لا ريب أصابها بالذعر و الخوف منه الآن :


-سلام يا عروسة.. أشوفك الليلة. بس هاتيجي لحد عندي لوحدك طبعًا. زي أخواتك إللي كنت بتسلى معاهم قبل ما ربنا يهديني و أتجوز.. زيهم بالظبط يا نانوسا !


و أغلق معها ملقيًا بالهاتف من يده بتهور... لم يعبأ لمصيره مطلقًا، بل استدار موليًا صوب الخارج، حيث قصد من فوره طريق المؤدي للدرج و منه للطابق المستقل و الأخير الخاص به وحده، و حاليًا به و بزوجته أيضًا، المرأة الوحيدة التي يحب و الوحيدة التي يتوق لوصالها و قربها الدائم


كان سيره حثيثًا، أقرب إلى الهرولة، و كان لا يرى أمامه من شدة إنفعالاته المتضاربة ...


دفع "عثمان" بباب الغرفة بقوة، و لحسن حظه كانت زوجته بمفردها.. إذ رأها تنتفض في مكانها عندما وجدته يقتحم الغرفة بهذا الشكل


تسمر بمحله لبرهةٍ و هو يرمقها بنظراته المتأججة.. كانت أمامه هناك... تجلس مقابل منضدة الزينة.. تمشط شعرها الرطب... فكما يبدو.. أنها فرغت للتو من غُسلٍ كامل.. تلك المنشفة الكبيرة التي لفت بها جسمها كانت مشبعة بقطرات الماء مِمّ شكل تهديدًا بسقوطها مع أيّ احتكاك بسيط !!!


-في إيه يا عثمان ؟! .. قالتها "سمر" بتساؤل و هي ترفع يديها لتتشبث بالمنشفة حولها أكثر


كان القلق واضحًا عليها لمرآى تعبير وجهه الغضوب، و تحوّل القلق إلى الخوف عندما شاهدته يصفق باب الغرفة و هو يعبر للداخل و يقطع المسافات بينهما في بضع خطوات.. لم تدرك نواياه الحقيقية إلا حين إشتبكا بلحظة و أخذها في عناقٍ محموم و هو يتناول شفاهها في قبلة عنيفة خالت بأنها سوف تزهق أنفاسها عن آخرها ...


لكنه توقف بعد لحظات قصيرة، و أبعد وجهه قليلًا كي ما يستطيع النظر في عينيها جيدًا و هو يقول عابسًا بشدة و أنفاسه المهتاجة الملتهبة تصفع وجهها :


-إياكي تقوليلي لأ !


و قبل أن يعاود ما كان يفعله توًا، رفعت كفها لتمنع فمه من الإطباق ثانيةً على فمها.. رأت عيناه تتسعان بغضب و تبرز حولها الشعريات الدموية بخطورة... مع ذلك تحدثت بتأنٍ بالغ دون أن يخيفها الوضع أو تحذيره :


-مين قالك أصلًا... إني هاقولك لأ ؟ أنا عمري ما أمنع نفسي عنك. أنا كلي ملكك يا عثمان. و تحت أمرك !


كلماتها.. و الطريقة التي تفوّهت بها أطارت اللُب من عقله و مسحت من ذاكرته كافةً الأفكار المؤرقة، ليجتاحها فورًا، مفرغًا فيها و عليها جام شوقه و ضيقه و يأسه.. و بدورها إستقبلت كل هذا دون أدنى اعتراض، بل أنها في الواقع أظهرت رحابة و تجاوب أذهله هو شخصيًا، لدرجة كاد معها أن يظن بأنه يحلم... لكنه بالفعل كان مثل حلم... حلم جميل كان بحاجة ماسة إليه ....


_________________


-إنتي حقيقي مجنونة ! .. قالتها "لينا"... صديقة "نانسي" المقربة و هي ترمقها بصدمة


بينما ترفع الأخيرة رأسها عن حوض المياه بعد أن أغلقت الصنبور، سحبت منشفة من فوق الرف أمامها و طفقت تجفف شعرها.. ثم اعتدلت في وقفتها و هي تشد قامتها أمام المرأة العريضة المثبتة على الجدار الرخامي


راحت تتأمل في مظهرها الجديد، المتمثل في الصبغة الحمراء الفاقعة التي خلطتها و أفرغتها على خصيلاتها الشقراء بنفسها في تمرد بيّن على نفسها و نقمةً و بغضًا عليه.. ذاك الرجل الذي سوف تمسي زوجته بعد سويعاتٍ قليلة ...


-إيه رأيك يا لينا ؟ .. تساءلت "نانسي" بألية و هي لا تزال تواصل النظر إلى نفسها بقوة و عمق


-حلو الـNew look صح !


لينا باستنكار : حلو إيه ؟ ده Over و شكله بشع عليكي يا نانسي.. ليه عملتي كده ؟ إنتي عارفة بقيتي شبه مين ؟ بقيتي شبه الـWhores بالظبط


تنظر "نانسي" إليها في هذه اللحظة و تقول بجمودٍ :


-و أنا إيه يعني يا لينا ؟ ما أنا أصلًا Whore.. إنتي ماسمعتيش عثمان و هو بيزعق فيا من شوية ؟ ماسمعتيش قالي إيه ؟ طيب نسيتي أصلًا أنا عملت إيه مع عمه ؟ و مع رجالة كتير غيره ؟ نسيتي يا لينا ؟؟؟


نطقت جملتها الأخيرة بصوتٍ أقرب إلى الصراخ ...


أجفلت "لينا" و هي ترمقها بتوتر فجأة، بينما تستدير "نانسي" بكامل جسدها لتواجه صديقتها و هي تصيح بضراوةٍ :


-عثمان البحيري بدأ يعايرني من دلوقتي.. تخيلي ؟ بيستشرف عليا أنا.. عثمان البحيري إللي فضح أختي و طلقها ليلة دخلتها و راح يتجوز عرفي بعدها و بعدين فضح أختي تاني على الملأ... دلوقتي بيمثل عليا دور الفضيلة و الشرف.. عبيط.. أو بيستعبط.. مش مستوعب لسا.. إني وصلت لكل ده بسببه. بيستحلفلي يا لينا. بيستحلفلي !!!!


و حطمت زجاج المرآة بقنينة عطرٍ صغيرة وجدتها بخزانة مفتوحة بجوارها ...


-نـانـســـي !!!


صرخت "لينا" بذعر حين رأت الدماء تتفجر و تسيل من كف الأخيرة، هرعت إليها في الحال.. لتوقفها "نانسي" بإشارة من يدها الأخرى، ثم تقول بينما تتهدل الخُصَل المشتعلة فوق عينيها و فمها الصغير المكتنز :


-مش هو عايز Whore ؟ أنا هاكون كده معاه. أنا هاوريه ! .. و أضافت بتوعد لا يخلو من قهرتها و حقدها :


-هاوريه هو و عيلته كلها.. مابقاش أنا يا عثمان. مابقاش نانسي بنت رشاد الحداد. لو ماجبتش منخيرك الأرض !!!


_______________


أخيرًا... فتحت "سمر" عينيها على الواقع مجددًا، بعد لحظاتٍ من الحميمية و صِلة تحكمها الموّدة العميقة المتبادلة


استغرقت بعض الوقت لتعاود إتصالها بالعالم مرةً أخرى، نشطت حواسها من جديد، فتناهى إلى سمعها صوت تنفسه الثقيل إلى جوارها، و شعرت تاليًا بأنامله تجد طريقها إلى خطوط عنقها الملساء ...


نظرت "سمر" على شمالها.. لترى زوجها الذي كشف عن عضلاته القوية و بشرته البرونزية المحروقة بأشعة الشمس، كان يراقبها و شيء من الألق اللامع عرف سبيل العودة إلى ناظريه الآسرين... كان يرمقها بنظراته المُتيّمة، و كان مثالًا للغواية و الفتنة بقسماته الحساسة المحمرة و شعره المشعث بفوضوية مثيرة


جُلّ ما تطرق إلى ذهن "سمر" و هي تتطلع إليه خلال تلك اللحظات هو سؤالًا واحد فقط...أتراه مخلصًا لها حقًا فيمَ مضى ؟


تساءلت في نفسها عمّا فعله به غيابها خلال الفترة التي قضتها برفقة أخيها بعد الحادث.. رجلًا مثله... يمتلك هذه الشراهة و الشبق المستعر.. هل بقى محرومًا من النساء وفاءًا لحبها كما أدّعى مسبقًا ؟ ألم تكن له نزوة هنا أو هناك و هي لا تعلم ؟ ... بل الله وحده أعلم به.. لو ظلت تبحث عن أجوبة بشأنه طوال عمرها لترتاح فلن تعثر أبدًا، و لن تجد الراحة معه ما بقيت !!!!










-رايحة فين ؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل و بنبرته المدوخة عندما حاولت "سمر" النهوض فجأة


قبض على معصمها، فجمدت و هي تشد الغطاء عليها أكثر.. حانت منها إلتفاتة نحوه و هي ترد بهدوء :


-هاقوم أخد شاور تاني. و بعدين هاروح أصحي ملك عشان تعمل الHome work و أروح أشوف يحيى بردو سايباه مع مامتك من الصبح. تلاقيه جننها


ابتسم "عثمان" نصف ابتسامة و هو يقول بتكاسل :


-على قلبها زي العسل يا بيبي.. ده كله إلا يحيى عند فريال هانم. كلنا في كفة و هو لوحده في كفة. تعالي بس إنتي و ماتشغليش بالك !


و حاول أن يشدها لتستلقي على حضنه، إلا أنها أبت و جذبت يدها من يده و هي تقول بصلابة :


-أجي فين ؟ إنت مش خلصت ؟!


و كأنها صبت فوق رأسه دلوًا من الماء المثلج و هو لا يزال نضاحًا بالحمم الملتهب ...


تطلع إليها مصدومًا، و قال :


-خصلت !!!


أومأت "سمر" قائلة :


-أيوة ! مش خلاص نفذتلك إللي جيتلي عشانه و فضلت معاك من سكات ؟ مطلوب مني إيه تاني ؟ أنا ورايا واجبات تانية محتاجة أقوم بيها.. لو سمحت سيبني أشوف إللي ورايا


هب "عثمان" نصف جالسًا في هذه اللحظة، فسقط الغطاء عن صدره تمامًا بينما يصيح :


-إيه إللي بتقوليه ده يا سمر ؟ إنتي في وعيك ؟!!!


سمر بثقة : إنت شايف إيه ؟ أنا سليمة قدامك أهو لسا ماخرفتش


إرتفعت كفه لتطوق ذراعها بقوة مؤلمة و هو يغمغم من بين أسنانه بغضبٍ :


-لأ شكلك خرفتي.. إيه لازمته كلامك ده بعد إللي حصل بينا ؟ عاملة نفسك مش طايقاني ليه دلوقتي ؟؟؟


قالت "سمر" بجدية و دون أن يرف لها جفن :


-أنا فعلًا مش طايقاك.. بس إنت ليك حقوق عليا. و غصب عني لازم أديهالك كاملة


-نعم ياختي ! حقوق ؟!!


-آه حقوق ! .. تمتمت "سمر" بهدوء متحملة الألم الذي يسببه لها في ذراعها، و أكملت :


-إنت ماسمعتش الحديث ده.. النبي عليه الصلاة و السلام قال " إذا دَعا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلى فِراشِهِ، فأبَتْ أنْ تَجِيءَ، لَعَنَتْها المَلائِكَةُ حتَّى تصبح" ؟ يرضيك ربنا يغضب عليا أكتر ما هو غضبان أصلًا ؟؟!


نظر لها ببلاهةٍ و سرعان ما قال بوجهٍ سودته نيران الغيظ :


-إنتي بتلاعبيني يا سمر ؟ دي أخرتها ؟ بتلعبي بيا دلوقتي ؟؟؟


-إف بقى يا عثمان قولتلك سيبني ! .. هتفت بشيء من الانفعال و هي تنتزع ذراعها من بين براثن قبضته بالقوة


تآوهت بألم قليلًا و هي تقوم من جواره لاففة جسمها بغطاء الفراش بينما يراقبها مذهولًا ثم يسمعها تقول و هي تتوجه صوب غرفة الحمام :


-على فكرة أنا هاروح أتغدا عند فادي بكرة لأنه كان مصمم يجي يشوفني.. بس طبعًا أنا مش هقدر أستقبله و إنت لسا عريس جديد و مشغول مع عروستك. خلي عندك علم بكده. هاخد معايا و الولاد و مش هنتأخر إن شاء الله !


و صفقت الباب ورائها... لتظل نظراته معلقة في اللاشيء الذي خلفته... و قد كان كمن تلقى صفعة جديدة أشد قسوة.. صفعة أخبرته بأنه بالفعل قد خسرها... حقًا هذه المرة ليس كذبًا !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ................................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

          الفصل الواحد والثلاثون من هنا 

تعليقات



×