رواية تمرد عاشق الجزء الثالث 3 الفصل الثامن 8 بقلم سيلا وليد



رواية تمرد عاشق الجزء الثالث 3 الفصل الثامن 8 بقلم سيلا وليد 


الفصل الثامن 

لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

أبتسمتُ بغرور، حينما سألني

ألم تعرفين ماذا فعلتِ بي؟!

منْ أنتِ، وماذا أقول عنكِ؟!

وقفت بشموخ واجابته:

إذا سألوك عني، قل لهم هي الفتاة الوحيدة التي أدمنتني وأنا كسرتها، فعدت لها راكعا مذلولا

رفعت يدي إليها

-هل تقبلين اعتذاري مهلكتي

❈-❈-❈

قبل شهرا

جلس بجوار عمه حتى انتظم تنفسه، احتضن كفيه ثم قبله

-حبيبي ياعمو آسف، والله ماكنتش أقصد أبدا

ربت صهيب على كفه

-اسمعني ياجاسر، انا كنت متأكد من حبك لجنى بس محبتش افرضها عليك يابني، وقولت خليه يعيش حياته ..ابتلع غصته عندما تذكر وجع ابنته فاسترسل

-جنى عندي أغلى من نور عيوني، مش هخبي عليك لما حسيت بعد جوازك انك بقيت تقرب منها أنا كنت بضايق وبحاول أبعدها عنك، وخاصة لما عرفت أن حياتك مع مراتك مش طبيعية

سحب نفسا وزفره بهدوء ثم استأنف

-جواد لما لعب ببنتي انا اضايقت لدرجة فضلت مقاطعه شهور، ولما طلبت منك تخطبها كنت اتمنى، بس انت وقتها عملت ايه، زعقت وثورت وقولت انا بحب واحدة وجنى اختي، برغم نظراتك ليها كانت نظرات عاشق، وحاولت اقربكم وافهمك أن دي اللي بتحبها، لكن حضرتك طلعتني غبي، والباقي انت اكيد فاكره

احتل الألم ملامح جاسر، وتكونت العبرات بجفنيها، فسحب بصره بعيدا عن عمه هامسا

-وأنا محبتش افرض نفسي عليها، محبتش اعرفك اني بحبها عشان متجبرهاش عليا..اتجه ببصره لعمه وهتف

-هي جت وقالت لي بحب جواد، كنت هترضالي اتجوز واحدة وقلبها مع واحد تاني، لا ومش أي واحد دا يعتبر اخويا

ارتسم الألم والحزن بآن واحد واستأنف

-اول حاجة كانت هتتقال من عمتي، جواد وصهيب بيموتوا ولادي، حتى بعد معرفتهم بحب جنى لجواد..شعر بقبضة تعتصر فؤاده وهو يتذكر ثم نظر لعمه

-قولي كنت اعمل ايه وانا شايفها فرحانة بحب جواد، كان لازم ابعد عشان مكسرش حد ياعمو، في الوقت دا طلعتلي فيروز، منكرش مجذبتنيش، لا بالعكس انجذبتلها جدا، لدرجة حسيت أنها دوايا اللي كنت بدور عليه

نهض واتجه إلى النافذة حتى يسحب بعض الهواء إلى رئتيه

-تعرف ياعمو اصعب احساس على الراجل ايه، لما تكون بتحب واحدة وتحس انها حياتك كلها ، وتكون هي ملك لغيرك ومتقدرش تمانع

استدار واتكأ بجسده على الجدار وعقد ذراعه

-فيروز قربت منها والصراحة البنت كانت جميلة وماصدقت اني أنقذها من الوحل اللي هي فيه، يعني انا كنت منقذ ليها وهي انقذتني من وجع قلبي

تحرك متجها إليه وجلس وانحنى بجسده يضع يديه على صدره

-اه دا بدأ يتأقلم على حب فيروز، انبهار ياعمو ، شوفت المسكن، اهو فيروز كانت مسكن لدرجة مكنتش بحس بالوجع، عدت شهور واتأقلمت على حياتي، ورضيت بالأمر الواقع لحد ماجه كابوس حياتي وان جنى محبتش جواد ومجرد علاقتهم كانت عابرة

لوح بكفيه وأشار على قلبه

-طب ليه، ليه تعمل كدا !!

أشار صهيب بعينيه

-دا تسألوهلها لما تفوق، انا مش هتكلم كتير ياجاسر، وأقول مين منكم غلطان، دلوقتي انا مش موافق لراجل غريب لبنتي بعد اللي حصلها، معرفش ممكن بعد كدا يقولها ايه، مفيش قدامي غير قرايبها، دول اللي اقدر احميها بيهم

ترقرقت عبراته وهو يبتعد بنظره عن جاسر واستأنف بقلب اب مكلوم

-يوم ماكلمتني انا قولت لأبوك مستحيل اخلي بنتي زوجة تانية، وبعد اللي حصل لجنى مش قدامي غيرك انت وأخواتك وابن حازم، ماهو ياحبيبي مهما تقسو عمركم ماهتقسو زي الغرب

اكمل متحاملا على نفسه

-ياسين اصغر من جنى ودا استبعده، أوس حبه لمراته مستحيل اوجع بنت ريان، البنت بريئة وملهاش ذنب

مفيش غيرك انت وجواد، وطبعا جواد جنى مستحيل توافق عليه، وانا مستحيل أجبرها على حياة توجعها اكتر ماهي موجوعة،

باغته بنظرة مطولة حتى انسابت عبراته واستأنف

-هتقدر تحمي بنت عمك ياحضرة الظابط وتحميها بقلبك...هتقدر توقف قدام مراتك لو جت على بنت عمك

أنهى كلماته وظلت نظراته تبحر فوقه، منتظر رده

جلس جاسر بجوار عمه وتنهيدة مرتعشة من عمق آلامه

-انا مش هتكلم عن كلام حضرتك اللي قولته دلوقتي ، لسبب واحد بس مكنتش هوافق على جواد ولا غيره، دي حاجة، الحاجة التانية اني طلقت فيروز، يعني لا فيروز ولا غيرها هتقدر توجع جنى

اومأ صهيب برأسه ثم تحدث

-مراتك مالهاش ذنب ياجاسر، اللي حصل لجنى هي مالهاش ذنب فيه ياحبيبي بلاش تاخد ذنب بسببها ..منكرش البنت اتغيرت، بس لو قعدت مع نفسك هتلاقي انت السبب، أي ست لما تحس ان جوزها بيهتم بواحدة غيرها بتتجنن، تخيل بقى حضرتك روحت قولتلها انك بتحب جنى، مستني منها ايه ياحبيبي تطبطب عليك، بلاش تظلم يابني عشان متلاقيش اللي يظلمك، مسألتش نفسك ليه البنت اتغيرت

فتح فمه للحديث، أشار له صهيب بعدم مقاطعته

-هترجع مراتك وتخيرها لو هتقبل الوضع ولا لا، وكمان جنى لما تخف هتسألها هتقبل الوضع ولا لا، وقتها هي الوحيدة اللي هتاخد قرار تكمل معاك ولا لا ياجاسر

❈-❈-❈

صمت ران بينهما لبعض الوقت قطعه صهيب

-الليلة هتجيب المأذون بس اخر الليل بعد مالكل يروح، مش عايز حد يعرف بالأتفاق اللي بينا، لحد ماجنى ترجع جنى ..وقتها الاختيار ليها ياجاسر


زفرة بهدوء من جوفه المتألم وأشار بسبباته

-هتكتب على جنى اه، بس هتفضل بنت عمك لحد ماهي اللي تختار حياتها، فهمت قصدي ياحضرة الظابط

ابتسامة شقت ثغره اخيرا، شعر حينها أنه وصل لأرض خصبة بعد سنين عجاف..كان يراقبه بأنظاره الصقرية، فقطع ابتسامته

-هو انت مبتفهمش يلا، بقولك هتفضل بنت عمك، يعني من الاخر الورقة دي منعا للحرام مش اكتر، وإياك يابن جواد تلعب بديلك

قهقه اخيرا وصوت ضحكات قلبه قبل فمه، فهز رأسه لعمه

-ماوعدكش ياصهيوبة، بس ابعد عز المتخلف عني

ربت على كتفه وتنهد بهدوء

-اعذره ياحبيبي، جنى بنته قبل ماتكون اخته، المهم سيبك من عز وروح راضي مراتك الظلم وحش يابني

ابتسم بتهكم واجابه:

-وحياتك ياعمو انت مخدوع فيها، اصلك متعرفش اللي اعرفه

تنهيدة عميقة أخرجها صهيب فأجابه

-البنت مظلومة ياجاسر، بلاش تشيل ذنبها، قرب منها واعرف ايه اللي غيرها، انت قلبك عميك عنها عشان مرتبط بغيرها، شايفها شيطان علشان مبتحبهاش

انحنى جاسر ينظر لمقلية عمه واردف:

-عايز توصل لأيه ياصهيب، هات من الاخر، مبحبش اللعب، فيروز مرحلة وانتهت، ومستحيل ارجعها تاني، انا ممكن اساعدها تبعد عن الوحل اللي حضرتك بتقوله بس بعيد عني، تراجع بجسده ومازال هناك حرب النظرات فاستأنف

-عارف أنها مظلومة في بعض الحاجات، بس دي اهانت اخواتي قدامي ورغم عملتلها حساب الا أنها اتماديت واتكلمت مع بابا بأسلوب مش كويس، تقدر تقولي دا ليه، رغم كلهم كانوا بيعاملوها باحترام

أشار بسبباته وأكمل

-قبل كل حاجة، انا مظلمتهاش ياعمو، بالعكس انا جيت على اخواتي وابويا عشانها، حتى جنى نفسها عديت اهنتها ليها علشان قولت مراتي، تقدر تقول ايه اللي يوصل الست أنها تسقط جنينها من غير ماتعرف جوزها أنها حامل

كان يتحدث بأنفاس مرتفعة مع مشاعر غاضبة التي أشعلت نيران صدره كلما تذكر بما فعلته، ثم استأنف قائلا:

-انا هفضل معاها ومش هسبها ياعمو، مش علشان حضرتك قولت كدا، لا ، علشان هي خسرت كل حاجة ،وعلشان امها العقرب دي عارف أنها السبب في كل اللي حصل، بس من غير مايربطني بيها حاجة

سحب نفسا ودفعه مرة واحدة وأحس بضربة غليظة كلما تذكر ما فعلته وصمته على أفعالها أكمل حديثه:

-عمري مافكرت أظلمها والله ياعمو، دا انا ظلمت نفسي ومظلمتهاش، المهم سيبك من فيروز، أنا عارف هعمل ايه، قولي ازاي هكتب كتابي على جنى وهي مش حاسة بحاجة، ازاي هتعمل كدا

ربت على كتفه وتحدث

-هات المأذون وتعالى زي ماقولتلك، وبلاش تحتك بعز نهائي، وإياك يعرف حاجة، عز ابوها قبل مايكون اخوها، وانت دلوقتي المسؤل الاول قدامه على اللي حصل لجنى

انحنى يطبع قبلة على جبين عمه ثم تحرك متجها للخارج، ولكنه توقف عندما استمع إلى حديث صهيب

-جاسر، زي ماهتاخد جنى هترجعها، اظن كلامي واضح

ابتسم لعمه واومأ برأسه

-أنا تربية جواد الألفي ياعمو، قبل ماأكون عاشق لبنتك

ضحك صهيب بصوت

-عاشق مرة واحدة يابن جواد، مش هنتعاتب تاني، المهم راحة بنتي ياجاسر، وانا عايز أبعدها عن الكل لحد ما ترجع جنى، هتاخدها لدكتور هقولك عليه بعد ما تكتب عليها، لو ليا عمر وقابلتك بعد العملية عايز اشوف ضحكة جنى زي الأول، أما لو ربنا اخد امانته، يبقى هسألك عليها يابن اخويا يوم الدين، تراجع بخطواته لعمه، ثم ضمه

-بعد الشر عليك ياحبيبي، إن شاء هتخف وهتشيل ولادنا كمان

رفع صهيب حاجبه بسخرية مردفا:

-انت اتجوزتها وخلفتوا كمان، طب اضحك عليا واتكسف مني ياخويا

قهقه جاسر حتى ظهرت مياه عيناه متحدثا

-ماانا وعدتك اهو لحد ماتخف، بعدها ماتسألنيش عن حاجة

لكمه بخفة هاتفا:

-امشي يلا قبل مااغير رأيي، هو مفيش حد فيكم محترم خالص ..تحرك وهو يقهقه على عمه حتى أغلق الباب خلفه..توقف مستندا على باب الغرفة وقبضة قوية مؤلمة شقت فؤاده، الهذا الحد أذى عمه وابنته، كيف سيواجه والده وعز بعد ذلك، هل سيظل على وعده مع عمه أم أنه سيخون الوعد ويحادث والده

❈-❈-❈

خرج من المشفى وهو خائر القوى، لا يعلم ماذا عليه فعله، هو يعشقها ولكن لا يريد ذاك الحل، لا يريد خلل العائلة، ماذا سيفعل والده بعد فعلته

تنهيده حارقة خرجت من جوفه تلتهمه كالنيران التي تلتهم كل شيئا، ذهب ببصره لجلوس ربى بشرود، كانت جالسة بذهنا شاردا، تحرك متجها إليها ..جلس بجوارها ثم تحدث

-روبي قاعدة كدا ليه ياحبيبتي..استدارت بنظرها إليه

-كنت بتحب جنى ورحت اتجوزت فيروز، طب ليه تعمل كدا..تكورت الدموع بعيناها، حتى فقدت الرؤية

-ليه توجع قلبك وقلوبنا كلنا، فهمني لو سمحت، ازاي قدرت تعمل كدا

صمتت لبرهة تتأمل الامه فوق ملامحه، وجدته يتنهد متألمتا

آهة حارقة خرجت من جوف حسرته، اعتدل يجذب أخته لأحضانه ثم طبع قبلة على جبينها

-فيه حاجات مبنعرفش قيمتها غيرلما بنخسرها، انا وجنى حكاية غريبة أو بمعنى أدق، حبي ليها حب مدفون مكنتش هعترف بيه لولا اللي حصل..رفع نظره لأخته وأكمل مستأنفا

-حبي ليها حب لاذع ياروبي، يعني لا عارف اقرب ولا ابعد، ولا اتكلم ولا اسكت ..في الاول والاخر نصيبنا نبعد عن بعض ونصيبنا نقرب من بعض تاني

نظرت إليه غير مستوعبة حديثه متسائلة:

-جاسر انت كدا بتوجع الكل، ذنبها ايه جنى تخرب حياتها، وفيروز رغم اختلافي ليها بس مرضاش انك تخونها

ضيق مابين حاجبه مستنكرا حديثها :

-اخونها!! ايه الكلام الكبير دا ياروبي ..استدارت بكامل جسدها ونظرت لمقلتيه

-قولي ياجاسر لما الراجل يفكر في واحدة وهو متجوز دا تسميه ايه ياحضرة الظابط ..له معنى غير الخيانة، ازاي احترم جوزي وهوقلبه مع واحدة تانية، انا دلوقتي عذرت فيروز في كرهها لجنى، بس السؤال هنا جنى كانت عارفة بحبك دا ورغم كدا كانت بتتعامل معاك عادي

نهضت من مكانها وهي غاضبة ..امسك كفيها

-ربى استني، انت فاهمة غلط، عمري مابينت لفيروز حاجة، ولا اتكلمت عن جنى

استدارت ترمقه بنظرات حزينة

-يبقى عمايلك دلوقتي ماهو الا شعور بالذنب

توقف بمحاذاتها وأجابها

-مش ملاحظة انك بتظلمي اخوكي ...عقدت ذراعيها واجابته

-ومش ملاحظ انك ظلمت واحدة مالهاش ذنب ياحضرة الظابط، انا كنت مش بطيق فيروز، بس حطيت نفسي مكانها، مستني ايه من ست وهي حاسة ان جوزها بيخونها، وقبل ما تتكلم النظرة خيانة ياجاسر مش قصدي حاجة تانية، والست مننا بتحس بجوزها، وانا بعد حادثة جنى ربطت بعض الأحداث واتاكدت انك وجنى اللي جنيتوا على فيروز، للاسف حاسة جنى مشتركة معاك يابن امي وأبوي..قالتها وتحركت من أمامه، قابلها عز على باب المشفى

كنتي فين ..توقفت تنظر إليه بهدوء ثم أجابته :

-ياترى دا سؤال ولا ايه بالظبط..ذهب ببصره لجاسر الذي اتجه لسيارته

-كنتي مع جاسر..دنت من عز وغرزت عيناها بمقلتيه

-بص ياعز وافهم كلامي كويس علشان مش هتكلم تاني في الموضوع دا

أشارت على أخيها ثم استدارت له :

-دا حبيب روحي قبل مايكون اخويا، زي ماجنى اختك حبيبتك كدا، هتيجي عليه هقفولك ومش هستنى منك كلمة تجرحه، دا ابوي الروحي مش مجرد اخ،، ووقت مااتعب بجري عليه قبلك، عايز تحرمني منه، هقولك اعذرني اللي مالوش عزيز في أهله مايبقاش له عزيز في حد تاني يابن عمي..قالتها ودفعته من طريقها متحركة للداخل

بالأعلى عند جواد وغزل وخاصة بغرفة الطبيب

-جواد ضربات قلبك مرتفعة جدا ودا مينفعش، انا حذرتك قبل كدا ..ساعدته غزل في غلق قميصه وأجابت الطبيب

-قوله يادكتور مابيسمعش مني خالص، وعلى طول أعصابه وانفعالاته غير محسوبة

احتضن جواد كفيها

-حبيبتي انا كويس..ترقرق الدمع بعيناها

-يعني استنى لحد ما قلبك يوقف ياجواد وبعدين تقولي انا مش كويس..استدارت للطبيب وتحدثت :

-عايزة شيك كامل يامحسن لو سمحت، طمني على كله

رسم جواد ابتسامة على شفتيه ناظرا لصديقه الطبيب

-غزل مزودها شوية، انا جيت علشان اريحها مش اكتر، صدقني أنا مش حاسس بحاجة

كان الطبيب يدون بعض ملاحظته فأردف :

-جواد ضغطك عالي جدا، متنساش العمر كمان، نبضات قلبك مش مريحاني من فضلك الزم الهدوء شوية

مسح على وجهه بهدوء وابتسم قائلا:

-سيبك مني وطمني على صهيب، العملية دي مضمونة يامحسن، يعني مش هتأثر عليه

تنهد الطبيب موزعا النظرات بينهما، قاطعه جواد وهو يومئ برأسه

-كنت عارف انها مش سهلة، طيب مفيش حل غير العملية

-للأسف ياجواد مفيش حل غيرها، وعايز أقولك دي اقدار، وسبها على الله

نهض وكأنه شعر بقبضة تعتصر قلبه هامسا

-ونعم بالله، كل مايصبينا إلا ما كتبه الله لنا ..تحرك مترنحا وكأن هناك اشواكا حادة تخربش صدره، خرج من الغرفة تاركا غزل مع الطبيب، توقف بالخارج يطبق على جفنيه كلما تذكر حالة أخيه

تحرك بروح تأن وقلب ينتفض متجها إلى غرفة جنى اولا ..قابله سيف الذي يخرج من غرفتها

-جواد!!مال وشك أصفر كدا ..ابتسم وتحرك متجها للداخل

-صايم وجعان ايه عايزني اطنطط ..قالها وتحرك للداخل، تابعه سيف بعيناه، ثم تحرك ممسكاهاتفه لمهاتفة زوجته، ولج جواد للداخل وجد نهى ومليكة

ألقى السلام ثم تسائل

-الدكتور الجديد قالكم حاجة

هزت نهى رأسها

-مفيش غيرتمشي على الدوا وخلاص ..انحنى يطبع قبلة على جبينها

-حبيبة عمو هتفضلي وجعانا كدا، فوقي ياله حبيبي..قطعت مليكة حديثه

-خلي جاسر قريب منها ياجواد، البنت كل ماتفوق تسأل عنه

تنهيدة موجعة، فلقد حفر الحزن ثقوبا داخل قلبه ليتسرب منه اليأس وهو يرى تفكك العائلة

حاول قدر المستطاع التفكير بشكل متزن فجلس وأجاب مليكة:

-انا كدا هحط النار جنب البنزين يامليكة، وأول واحد هيخسر ابني، متنسيش بيته، مراته حامل، واللي مرضهوش لبناتي مرضهوش لبنات الناس، رغم اني طلبت منه يطلقها بس البنت صعبانة عليا، حاسس البنت دي فيها حاجة غلط، فلازم اقرب ابني من مراته علشان مايهدش بيته،

سحب نفسا وزفره بهدوء

-وجنى مرضاش ليها تكون زوجة تانية حتى لو بيحبها أو بتحبه، فيه حاجات مينفعش نمشي وراا قلوبنا فيها، دلوقتي هو اتجوز وهي مخطوبة، جاين بعد ايه عايزين اقربهم من بعض، انا كدا هقضي على حياتهم، لا جنى هتتحمل تكون زوجة تانية، ولا جاسر هيقدر يوافق بين الاتنين، ابني هيكون ظالم وأول حد هيظلمه ابنه لما يجي على وش الدنيا، جلس أمامهم ونظراته على جنى

-مش يمكن مشاعرهم اخوية زي ماقالوا، بس شوية العواصف اللي حصلت خلتهم يبعدوا..توقفت نهى مردفة

-هروح أشوف صهيب..قالتها وتحركت سريعا..ربتت مليكة على كتفه

-زعلت نهى ياجواد..أطبق على جفنيه متنهدا

-علشان قولت الحق، مش دي جنى اللي قالت بتحب جواد، ومش دا جاسر اللي حاربني علشان يتجوز مراته، جاين يحاسبوني ليه دلوقتي..كل واحد يمشي على حياته اللي رسمت له يامليكة، تعمقت نظراته بها

-تفتكري لو جاسر اتجوز جنى جواد ابنك هيكون رده ايه، أشار عليها وأكمل

-افتكري قولتيلي ايه لما رفضت جواد بناء على كلام جنى نفسه

نزلت برأسها أسفا وتحدثت بصوت متقطع

-ولحد دلوقتي بقولك لو جاسر اتجوز جنى جواد مش هيسكت..ضرب كفيه ببعضهما يشير إليها بذهول

-إنتِ عايزة تجننيني،اومال ليه قولتي كلامك دا

رفعت نظرها إليه:

-علشان اعرف هل فعلا مكنتش تعرف بعلاقة جاسر وجنى، نهض من مكانه

-لا ..كنت عارف أن جنى بتحب جاسر، وقبل أي حاجة معرفتش غير يوم كتب الكتاب، اتفاجأت أن نظراتها ووجعها كله علشان فيروز

ضيقت عيناها متسائلة:

-يعني جنى كانت بتحب جاسر وهي على علاقة بجواد ..انحنى جواد لجلوسها

-مليكة بلاش تحللي بطريقتك، جنى ماحبتش جواد، جنى هربت من جاسر لما حست علاقتها بيه اتطورت لعاطفة، ولو حبت جواد مكنتش انهارت في فرح جاسر، مكنتش دبلت وتعبت وبقت كدا، ورغم جوازه الا إنها فضلت تحبه

رفعت نظرها وبشفتين مرتعشتين تسألت

-جاسر كان يعرف، ولا كان بيحبها، لا ازاي يحبها ويتجوزغيرها

مسح على وجهه عندما تذكر حديثه مع باسم

❈-❈-❈

فلاش باك

دلف جواد إلى مكتب باسم، جلس بمقابلته دون حديث..ران صمتا بينهما لم يخل من النظرات، قاطعه جواد قائلا:

-سامعك ياباسم، قولي ليه جاسر اتجوز فيروز

أشعل باسم سيجاره ونفث تبغه يتابع غضب جواد ثم تحدث بهدوء:

-من سنتين ونص بعد رجوع غنى بالظبط يوم فرحها، ابنك جالي وقالي ياعمو فيه واحدة شغالة بالي ومش عارف اصارحها ازاي..هنا تذكر باسم ذاك اليوم

دلف جاسر إلى مزرعته وجد حياة تروي الزرع

-صباح الخير يامدام حياة..استدارت تطالعه بصمت ثم رسمت ابتسامة تهكمية

-الخير دا هيجي لما عمك الحلو يطلقني ويسبني في حالي..ضيق جاسر عيناه متسائلا:

-بسيطة اهربي وارفعي عليه قضية طلاق.. قفز بوقوفه عندما صاح الآخر غاضبا

-تعالى هنا ياحلوف بتقول ايه..قهقه عليه متجها له

-بسوم حبيب قلبي، كنت بقول لطنط حياة ازاي تهتم بيك يابسوم..صفعه باسم على عنقه من الخلف

-اضحك عليا يابن جواد

قبل كتفه وهو يقهقه

-طب اسأل طنط حياة..مش كدا ياطنط..وصلت إليه غاضبة

-هي مين دي اللي طنط ياامور، لو أنا طنط يبقى انت لسة بتعمل حمام على نفسك. ..قالتها وتحركت سريعا تدب أقدامها الأرض غيظا منهما

ظلا الأثنين يقهقها عليها، سحبه باسم

-مش هتتلم يلا.. والله ابوك لو سمعك كدا ليعلقك

تراقص بحاجبه قائلا:

-هقوله تربية بسوم، سيبك انت من دا كله وقولي عامل في مزتك ايه، البنت مش طيقاك ياخي

-ايه مزتك دي ياحيوان دي مرات عمك..رفع حاجبه ساخرا

-ايه ياباسم هو انت ومراتك شخصيتين مضطربتين ولا ايه، ماانا قولت طنط مش عاجبكم

جذبه متجها إلى حديقته الشاسعة

-اقعد وبطل كلام وجعتلي دماغي، ايه اللي جابك

مط شفتيه للأمام ثم اتجه بنظره لباسم

-بكرة هكمل 25سنة..ضيق باسم عيناه

-انت جايلي علشان تقولي هتكمل 25 سنة ..طيب يا سيدي كل سنة وانت طيب

زفر جاسر من أسلوبه المستفز فتحدث:

-بسوم ركز، انا قصدي اني كبرت وعايز اتجوز ، عز طلع بيحب ربى

وضع باسم خديه على كفيه مستندا على الطاولة

-يافرحتي ياخويا ومطلوب مني اعملهم اوضة النوم

نظر إليه بغضب:

-بقولك بيجاد هيتجوز غنى وعز هيتجوز ربى

جذبه باسم من تلابيبه:

-ولآ انت جاي عايز تجنني انا مالي مبروك يا سيدي اروح اتحزم وارقص في فرحم يعني ولا ايه

-بسوم انا معجب ببنت ومش عارف اصرحلها ازاي

نظر إلى مقلتيه وأكمل:

-مش معجب انا بحبها فعلا، بس خايف من ردها

استمع إليه بتركيز ثم تسائل

-ليه خايف من ردها ياجاسر، صارحها لو وافقت خد خطوة ولو رفضت

نهض جاسر يهز رأسه رافضا باقي حديثه مستأنفا

-لو رفضت يبقى دبحتني، لاني وقتها مش هعرف اعيش عادي في حي الألفي

نهض باسم مضيقا عيناه

-ليه يابني لا إنت أول واحد ولا اخر واحد يحب واحدة ومتحبوش

استدار إليه وصاح متألما

-مش هقدر اواجه، قلبي هيوجعني وهيتسبب في شرخ كبير، مقدرش ياعمو وخصوصا لو هشوفها قدامي طول الوقت

-بتتكلم عن مين ياجاسر، اوعى تقولي عن جنى بنت صهيب

اغمض عيناه يعصرهما متألما ثم أشار على قلبه

-غصب عني، دا بدأ يدقلها معرفتش امسك نفسي، تعرف النهاردة بعد ماروحت من المستشفى لقيتها في حضن عز، اضيقت أوي اتمنيت اخدها في حضني والوقت يوقف بينا

مسح باسم على وجهه، راجعا خصلاته للخلف بعنف

-جنى ..جنى ياجاسر اللي بتقول عليها اختك..نكس رأسه أسفا وهمس بألما

-غصب عني ياعمو، صدقني غصب عني، لما انضربت بالرصاص وجاتلي المستشفى وقتها خوفت على حياتي لتفرقني عنها

هوى باسم على مقعده،وزفره حارقة من جوفه أشعلت المكان

-طيب كلمها وعرفها، علشان دا مش اعجاب يابن جواد ..لا دا انت واقع

جلس بجواره كالغريق واحتضن كفيه

-ازاي اعرف منها أنها بتكنلي مشاعر، خايف اتصدم ياعمو، صدقني وقتها هكره نفسي

ربت على كتفه مردفا

-انا هتصرف، بس اوعدني لو البنت مش بتحبك كحبيب متغيرش معاملتك معاها، واعرف ان دا نصيب مالناش يد فيه

تفتكر تكون بتحب حد تاني

ابتعد ببصره قائلًا

-اوعدني ياجاسر الأول، علشان لو حاولت تعمل حاجة غلط هتقلب موازين العيلة اللي جواد بيحافظ عليها بقاله سنين

اومأ برأسه

-اوعدك ياعمو..رسم ابتسامة قائلا:

-بكرة هروح واشوف الدنيا فيها ايه، وانت كمان حاول تلمحلها وأكيد هتفهم،

تنهيدة عميقة غادرت ضلوعه فاستأنف بأسى

-جالي بعد يومين منهار، وكأن دا مش جاسر، واحد فاقد طعم الحياة، لو تفتكر الاسبوع اللي فاضل بعيد عن البيت بحجة أنه بيساعدني في تجديد البيت،

كانت عيناه تبحر فوق ملامح جواد الموجوعة فتنهد وأكمل

-وقتها عرف بعلاقة جواد وجنى، وطبعا انت اكيد عارف اد ايه بيكون صعب على واحد حب واحدة ودفنها جواه ويوم مايروح يقولها يتصدم،

سحب نفسا وزفره بنيران وجع تلك الأيام

-كنت مستني مني ايه، أقوله روح اعترفلها وخليها ترضى بيك، ولا اروح اقول لصهيب اللي هو اصلا كان بيتمنى جاسر، ويغصب بنته ويحصل تفتت في العيلة

نهض واتجه يجلس بجواره ثم ربت على ظهره ونظر لعيناه

-مكنش قدامي غير حل أنه يتجوز وينساها، على أد رفضي على فيروز بس هو اللي اتحداني وقالي هتجوزها انا بحبها، تعرف ابنك قالي ايه لما قولتله انت كداب

-قالي خد اللي يحبك ومتخدش اللي انت بتحبه عشان متتوجعش، عشان لما تبعد عنه فراقه مش يبقى مؤلم

-جواد انا كنت رافض فيروز ووقفت ضده واكيد انت عارف، بس ابنك اللي أصر واقنعني أنه بيحبها وقت مارحلها شرم الشيخ، كنت مستني مني ايه وهو واقف قدامك وقالك هتجوزها، عمري مافكرت أنه بيضغط على نفسه علشان يهرب من جنى..لانه جه وقالي انا اكتشفت أن جنى حب اخوي والدليل على كلامي اني حبيت فيروز بجد ومش مصدق اتجوزها

تراجع بجسده للخلف وبعيون متألمة أكمل ما قسم ظهر جواد

-ابنك اللي طلب أنه يعيش برة حي الألفي مش فيروز، بعد مارجع من شهر العسل وحس بندمه وتسرعه خاف من القرب، خاف ليغلط، علشان كدا ساندته ووقفت معاه ضدك، وكنت مستعد اعمل اي حاجة علشان مشوفش الوجع في عيونه، على أد ماكان مبهر في التمثيل بس جواه كان مكسور ياجواد، ابنك كان مكسور وانت كل شوية تضغط عليه بأخطاء فيروز اللي كلنا اندهشنا من أفعالها وليه بتعمل كدا، أشار بكفيه

-الموضوع مش موضوع جنى خالص، لأن جاسر مكنش بيبن حبه لجنى قدام حد اقنع الكل أنها اخته، ذهب ببصره للبعيد وشعر بآلم حاد يخترق صدره عندما تذكر انهياره

-ابنك جالي هنا يوم خطوبة جنى وقالي هيخطفها ويتجوزها ويحطكوا قدام الأمر الواقع، بعد مااتأكد أن جواد وجنى مفيش بينهم علاقة ..كان مفكر أنهم زعلانين فترة وهيرجعوا، بس خطوبتها لواحد تاني جننته، وانت عارف ليس على العاشق حرج ياصاحبي

❈-❈-❈

شعور قاسي اخترق روح جواد عندما شعر بآلام ابنه فتسائل بتألم

-ازاي قال بيحب فيروز واقنعنا كلنا بكدا وهو بيحب جنى، ابني مش خاين ياباسم

ذهل باسم من حديثه فأردف

-ماهو علشان كدا بقولك هو اللي خلاني اضغط عليك علشان اقنعك أنه يمشي من حي الالفي، ابنك عمره ماكان خاين ياحضرة اللوا، وصدقني لو شكيت أنه محبش فيروز عمري ماكنت اوافق على جوازه، دا كان بيقول اشعار

ثبت نظراته على جواد وأكمل

-هو فعلا كان مشدود ليها في الاول علشان كدا مشي ورا إحساسه دا، بس بعد كدا الانبهار اللي كان بيقنع نفسه بيه انتهى ومفضلش في قلبه غير حبه الحقيقي لبنت عمه

❈-❈-❈

خرج جواد من شروده على صوت مليكة

-جواد احنا هنسافر بعد عملية صهيب، وعايزاك متزعلش مني حبيبي غصب عني

دنى ثم طبع قبلة على جبينها

-حبيبتي ياملوكة عمري ماازعل منك، قطع حديثهم همهمات جنى بمنامها

-جاسر خبيني منهم، قالتها وهي تحتضن نفسها كالجنين

أطبق على جفنيه متألما، وغصة منعت تنفسه عندما استمع إلى همساتها باسم ابنه..دلف الطبيب للأشراف على حالتها..نهضت مليكة

-هروح ياجواد علشان تقى، اومأ برأسه دون حديث

مرت الساعات سريعا حتى حانت الثانية عشر منتصف الليل، دلف جاسر بجوار أحد الأشخاص غرفة صهيب، وجد نهى تقرأ بمصحفها

-طنط نهى..رفعت بصرها إليه مبتسمة

-تعالى ياحبيبي..أشار للرجل بالدخول، ثم اتجه ببصره لنهى

-هشوف جنى وراجع

-ربى اختك هناك، توقف مضيقا عيناه

-ربى لوحدها ولا عز معاها

-لا هي وشوية وهتمشي..تحرك متجها إلى صهيب الذي اعتدل بجلوسه

-تعالى ياجاسر، ثم أشار لنهى

-هاتي حاجات جنى اللي طلبتها منك، وشوفيلي الدكتور مجدي خليه يجي علشان يشهد على عقد الجواز ويشوف حد معاه

اومأت وتحركت دون حديث

-بعد فترة انتهى عقد القران

-عايزين إمضاء العروسة ياباشمهندس

-الدكتور مجدي هو اللي هيخليها تمضي ..تحرك مجدي متجها إلى جنى حسب اتفاقه مع صهيب

دلف لغرفتها وجدها تجلس مبتعدة بركنا من فراشها، وعيناها شاردة بنقطة ما

-جنى..قالها الدكتور بهدوء، دلفت بعده نهى وجاسر..توقفت ربى عندما وجدته

-جنى..رفعت جنى نظرها إليه ..تحرك إلى أن وصل إليها جلس بجوارها على الفراش

-جنى بابا عايزك تمضي هنا حبيبتي علشان نسافر للدكتور

تراجعت تنظر للطبيب بخوف..هزت رأسها

-انا عايزة بابا، مش عايزة أسافر..دنت نهى منها وأمسكت كفيها الباردتين

-حبيبتي هنروح لبابا بس امضي يلا ياحبيبتي

وضعت أمامها بعض الأوراق، وعيناها زائغة على الطبيب وجاسر، فأردفت

-فين عز، انا عايزة عز

مسدت والدتها على رأسها

-عز شوية ويجي، ياله امضي الدكتور وراه شغل حبيبتي..أمسكت القلم بيد مرتعشة وانزلقت عبراتها وكأن الرؤية شوشت لديها رفعت نظرها إليه بعدما لمحت اسمه على الورقة، ظنت أنها مشوشة الرؤية..قدمت إليها علبة حتى تبصم بها

هنا علمت ربى أن هذا ماهو الا زواج أخيها من جنى

شعرت جنى ببرودة بجسدها فوضعت رأسها على حافة الفراش، أمسكت والدتها اصبعها وأكملت معاملة الزواج

خرجت والدتها والطبيب وظل جاسر بجوار ربى، يطالعها بصمت، شحوب وجهها وتبدل ملامحها، عيناها الزائغة، ودموعها التي اعتصرت فؤاده ..كانت تنظر بنقطة وهمية، جلس بجوارها ثم جذبها حتى أصبحت بأحضانه..

-وآه حارقة خرجت من نياط قلبه وهو يعتصرها بأحضانه، تشبست به وبكت بنشيج تحاوط خصره قائلة

-خدني من هنا ياجاسر، انا تعبت من المستشفى انا كويسة مش مجنونة

أخرجها يحتضن وجهها ويرسمها بقلبه قبل عينيه

-هاخدك حبيبتي ونروح مكان بعيد محدش يقدر يقرب منك

انسابت عبراتها هامسة من بين دموعها

-مش عايزة اشوف حد، عايزة ابعد عن الكل لو سمحت، كلم عز وبابا خليهم يجوا يخدوني بعيد، عايزة ابعد حتى لو هيدفنوني تحت الارض بس عايزة ارتاح

ممكن تكلمهم يريحوني، ياريتني اموت واريحكم

ازال عبراتها وانسابت عبراته ببكاء واه حررها بأنفاسه المحروقة، يضمها بقوة

-بعد الشر عليك ياقلب جاسر..أحس بضلوعه تنكسر تشبست بقميصه ودموعها تسبق كلماتها بقهر كطفلة يتيمة فقدت والديها

كانت تتابعهم بمقلتين دامعتين وهي تخرج من الغرفة واهة بقلبا ينتفض من الألم على اختها واخيها الذي ابعدهم القدر، أغلقت الباب ثم أمسكت هاتفها

-انت فين!!

اجابها وهو يخرج من منزله

-جايلك في الطريق..اتجهت بنظرها للغرفة ثم تحدثت سريعا

-لا خليك انا ركبت العربية واتحركت

توقف ثم هتف

-اومال ليه قولتي تعالى خدني، هنلعب ياربى

داعبت الأرض بأقدامها تجز على أسنانها من طريقته المستفزة، واتجهت إلى سيارتها

عند صهيب ونهى بعد تحرك الموجودين

-صهيب تفتكر عملنا الصح..تمدد على الفراش

-دا اللي كان لازم يحصل يانهى، جلست بجواره

-انا مش شاكة في جاسر بس خايفة من فيروز اوي، دي لو عرفت هتولع في جنى، ليه طلبت منه يرجعها بس

اغمض عيناه محاولا التنفس بشكل طبيعي ثم تحدث

-ميرضنيش ابني سعادة بنتي على تعاسة واحدة تانية، وجاسر مقرر أنه ميرجعهاش بس حبيت ابرئ زمتي انا وبنتي فهمتي

ربتت على كتفه

-ازاي جاسر كان مخبي الحب دا كله ومش حسيناه ياصهيب، انا خايفة يكون واخدها تأنيب ضمير

امسك كفيها يحتضنها

-كله هيبان يانهى، لو بحبها هيبان ولو وخدها تأنيب هيبان، كل حاجة بتكدب الا القلب والعيون يانهى، وانا شوفت في عيونه عاشق، لسة قلبه هيبان الأيام الجاية

سحب نفسا وزفره ببطئ

-أنا خايف من ردة عز، أنتِ متعرفيش قالي ايه ، دا هددني أنه يبلغ على ابن عمه ويحمله الجريمة كلها، لولا هددته قولتله هتبرئ منك

-معرفش عز ماله ..نظرت لزوجها وتحدثت بحزن

-حاسة أنه بيعاقب ربى وخايفة من اللي جاي

اغمض عيناه ذاهبا بنومه بسبب العقاقير قائلا:

-روحه في ربى متخافيش عليها...يبقى شوفي جنى قبل ماجاسر ياخدها أنا كلمته على الدكتور اللي قولتلك عليه، يبقى تابعي معاه متنسيش البت يانهى انا بكرة هدخل العملية ومعرفش ايه اللي هيحصل..رفعت كفيه وقبلته

-ربنا يخليك ليا ياصهيب، وان شاء الله تعمل العملية وترجعلنا أحسن من الأول

-ويخليكي ليا ياحبيبة عمري

قالها وذهب بنومه

بغرفة جنى

جمع اشيائها ووضعها بحقيبتها الخاصة، دلفت نهى بعد طرقها للباب، رفع رأسه ينظر للداخل

-حضرتك بتستأذني ولا ايه

نظرت لبنتها الغافية ثم اتجهت له

-خلاص دلوقتي بقت مراتك..اقتربت منه وعيناها تغشاها الدموع..أمسكت كفيه واحتضنته

-جاسر وصيتك جنى، لولا عملية صهيب مستحيل كنت افارقها، وعمك اقنعني انك هتكون ظلها، انسابت عبراتها ونظراتها على ابنتها

-على عيني اسبها معاك وهي بحالتها دي، وكمان عز لما يعرف هيتجنن

رفع كفيها وطبع قبلة عليهما

-طنط نهى متخافيش اعتبري جنى في حضن باباها، صدقيني عمري ماأفكر أذيها..تفوق بس وهكلمك ويبقى تيجي تشوفيها

احتضنت وجهه بين راحتيها

-انا مطمنة ياحبيبي، بس قلب الام، هكلمك على طول، وبعد مااطمن على صهيب هجيلها، اوعى ياجاسر تأذيها اوعى لو هي رفضت تقعد معاك

تراجع للخلف مذهولا من حديثها

-ياه لدرجة دي مش واثقة فيا..هزت رأسها بالنفي

-مش موضوع ثقة اد ماهو موضوع خوف من اللي مرت بيه

اومأ متفهما، ثم أشار لحقيبتها

-ممكن تنزلي دي، وأنا هشيلها وانزل بيها

فركت كفيها وعيناه تبحر فوقها

-طيب هتاخدها فين، لازم تطمني، لو قريب اوصلها معاك ولو برة القاهرة يبقى نصيبي قلبي يفضل يوجعني عليها

جذبها يطبع قبلة مرة أخرى على جبينها قائلا:

-حبيبتي متخافيش عليها، دي بقت مراتي وروحي فيها،وعلى العموم هروح الفيوم، بس يبقى سر بينا هناك الهوا حلو وهتخرج من حالتها بسرعة

اتجهت تطبع قبلة على وجنتيها وانسابت عبراتها

-سامحيني ياقلبي، بابا يخف ونرجعك تاني

-يعقوب عرف ..تسائل بها جاسر

أزالت دموعها وأجابته

-عمك قاله كل شي قسمة ونصيب، هو قال مسافر اسبوع أمريكا ولما يرجع هيتكلم تاني، وباباك مش موافق على فسخ الخطبة، علشان كدا عمك جوزهالك يريح الكل

اتجه وحملها متجها إلى الأسفل وخلفه نهى بحقيبة ثيابها

❈-❈-❈

بعد عدة ساعات بمنزل الألفي بالفيوم

وضعها برفق على الفراش، ثم قام بإخراج بعض الثياب الخاصة بها وقام بتبديلها بسبب رائحة المشفى، واتجه إلى المرحاض وانعش جسده بحمام بارد ثم اتجه يقف أمام فراشها يراقب نومها بسبب المهدئات ...ظل لدقائق ثم فرد جسده بجوارهاوضمها لأحضانه يمسد على خصلاتها بعدما حررها

يود لو يدفنها داخل أعماقه، ولا أحد غيره يراها..مرر أنامله على وجهها وابتسامة عاشقة أنارت وجهه..انحنى يطبع قبلة مطولة على جبينها

-يااااه ياجنى اخيرا بقيتي ملكي وجوا حضني، عايزك تخفي بسرعة وترجعيلي ..همس بجوار أذنها

-عايز قطتي الشرسة البريئة شوفتي ميكس كدا علشان اعرفها اد ايه بحبها

مرر أنامله على شفتيه ودّ لو تذوقها ليعلم كيف يكون طعمها ..هناك شعور مختلف بداخله ..كيف سيصمد أمامها بعدما أصبحت ملكه، كيف لا يبادلها القبلات ويظل ثابتا معاقبا قلبه

وضع رأسه لأول مرة بحناياها يستنشق رائحتها ويملأ رئتيه من رحيق عنقها، هامسا بقلبه

-بحبك ياعمري..قالها مطبق الجفنين يعتصرها بين ذراعيه وكأنها جزء لا يتجزأ من كيانه ..ظل لفترة محاولا النوم رغم ارهاقه ولكن كيف للقلب يعفو ومالكه بين يديه

تملمت بنومها تغضن وجهها رفعت يديها على وجهه..رجفة أصابت قلبه وهي تضع كفيها على ذراعيه العاري، ظلت نظراته ترسمها ود لو استيقظت وشعرت بتلك الرجفة التي اعترت فؤاده لظلت بأحضانه أعواما دون فراقه

همست بين نومها همهمات لم يستوعب معناها ..جذب رأسها لصدره بعدما فقد اتزانه حتى لا يلتهمها

استمع الى همسها باسمه كأن رائحته وصلت لرئتيها لتهمس باسمه

كان كفيل لهمسها باسمه بتحطيم عظامها بأحضانه ..لحظات مرت عليها وهو يطالعها فقط وفراشة الحب تعانقهما..وضع رأسه بالقرب من أنفاسها وأغمض عيناه داعيا المولى أن يجبر بقلبه الضعيف ويتحمل قربها دون أذيتها ..اخيرا غفت عيناه وارتاح قلبه بعدما استكانت بأحضانه، مرت عدة ساعات على نومه بجوارها، حتى أذن الفجر فاستيقظ لمقابلة الحي القيوم..اتجه مؤديا فرضه، ممسكا هاتفه

-هاتوهولي على المخزن القديم ..اتجه لأدويتها يقرأ مادون عليها، فلقد استغرقت الساعات الطويلة بالنوم

تأفف بعدما وجد مدة نومها من ثمانية إلى أكثر..ظل واقفا لبعض الدقائق وعقله منشغلا بها ماذا ستفعل إذا استفاقت ولم تجده أو تجد احد..امسك هاتفا ووضعه على الكومودو وبجواره بطاقة..ثم انحنى وطبع قبلة بجانب شفتيها

❈-❈-❈

-مش هتأخر عليكي، هاخد حقك من الكلب دا وراجعلك

بعد عدة ساعات

فتحت الجميلة عيناها تنظر حولها بذهول تكتشف أين هي، اعتدلت تنظر لثيابها التي بدلت حاولت التذكر ولكن لم تستطع كأنها أخذت حبوب فقدان الذاكرة..استدارت تنظر لذاك الكومودو، وجدت به تلك البطاقة، وبجانبها هاتف

فتحت البطاقة وقرأت مابداخلها

عشقي لكِ

يشبه الادمان اعلم أنه مؤذي ولكن راحتي فيه••

متل المطر يصيبني بالبرد ولكني مغرمة به

قطبت جبينها ثم اتجهت للهاتف و

جذبته ثم فتحته، لم يوجد به سوى رقمٍ واحد

قطبت جبينها متسائلة

-رقم مين دا؟! وأنا فين..المذهل أن صورتها على الهاتف

امسكته بيد مرتعشة وهاتفت الرقم الذي يسجل

كان هناك في تلك الغرفة يستند بساقية الموضوعة على المقعد وهو يشاهد ذاك المكبل من ذراعيه وأقدامه ويوضع بأسفله تلك النيران التي تشتعل أسفله وهو يصرخ، ووجهه الذي تشوه بالكامل بتلك المادة الحارقة

-صرخ ياحقير علشان تعرف تهجم على بنات الناس حلو، دا أنا هقطعك حتة حتة

جلس ينفث تبغه بإستمتاع من صرخاته وهو يراقبه بصمت لبعض الوقت..ألقى سيجاره واتجه إليه يجذبه من خصلاته بقوة قائلا

-لسة لسانك عايز اقطعه عشان كلماتك القذرة تحرم تطلعها على أي بنت..قالها وهو يلكمه بقوة بوجهه حتى شعر بكسر أنفه

-كلب حقير زيك تطاول على أسيادك ياكلب...امسك تلك المادة الحارقة التي تعرف مياه نارية وبدأ يضعها على بعض أعضاء جسده وذاك يصرخ قائلا

-بدي لمستها ياحقير، ثم أمسك مقصا بجانب شفتيه، بدي قربت منها قالها وهو يمسك جزء منها ويضع تلك المادة الحارقة عليها ..صرخ هاني

-حرمت صدقني

استمع الى صوت هاتفه، أخرجه ينظر لتلك الصورة التي أنارت هاتفه فهتف

-صباح الورد..قطبت جبينها متسائلة

-انت مين ..قهقه عليها واردف مازحا

-انا اللي متصل ولا إنتِ، أكيد واحدة حلوة بتعاكس واحد حلو زيي

-جاسر..همست بها وهي تنظر حولها بذهول ..توقف وهو يستمع الى لحن اسمه بنبرتها الشجية التي أرسلت إلى روحه ملاذا ككأس خمر ليتخدر ويجعله بحالة سكر بعشقها فقط

أجابها بنبرته الهادئة التي تخصها وحدها

-عيون جاسر..وكأنها لم تستمع إلى حديثه فتسائلت

-انا فين ياجاسر، وايه المكان دا

ارجع خصلاته المتمردة على وجهه وآهة ابلغ من أي رد وروحه تعانق قلبه وهو يجاوبها

-انتِ في قلبي ياجنجون، نص ساعة وأكون عندك حبيبي متخافيش، مفيش غير قلبي اللي عندك ودا عمره مايأذيكي ..أغلق الهاتف متنهدا وقلبه يرفرف بالسعادة

❈-❈-❈

بالمشفى

توقف جواد ينظر لنهى

-يعني ايه جنى مش موجودة، أنتِ مكنتيش مباتة معاها، ارتبكت بحديثها وتهرب بنظراته منه ..اتجهت لغزل لتنقذها

-انا معرفش ياجواد كنت مبيتة مع صهيب، أصله كان تعبان وفكرت عز هيجي يبات معاها

تحرك جواد إلى كاميرات المشفى

-دلوقتي هعرف ازاي خرجت يانهى..هوت على المقعد تضع كفيها على صدرها، تتنفس بهدوء

دققت غزل بملامحها

-نهى..رفعت نظرها إليها

-بقولك ايه ياغزل من الاخر كدا جاسر جه واخدها، انا خيبة ومبعرفش اكدب

شهقت غزل تضع كفيها على فمها

-يانهار مش فايت عليك ياجاسر، جلست بجوارها وكأن الأرض سحبت من تحت أقدامها

-يالهوي على اللي جواد هيعمله..اتجهت إلى نهى وانسابت عبراتها

-جواد مش هيسكت ازاي تخليه يخدها يانهى، الحريقة هتقوم في البيت

أطبقت نهى على جفنيها

-كنت عايزاني اعمل ايه ياغزل، وانا شايفة بنتي مش على لسانها غيره، والدكتور اللي طلب من صهيب كدا، قاله قربها منه علشان تحس بالأمان

-صهيب..همست بها غزل، ثم وضعت كفيها على رأسها

-ليه كدا ياصهيب ..الدنيا هتولع بين عز وجاسر، اعمل ايه ياربي وأروح فين

قالتها بقلبا ينتفض ..نهضت وظلت تدور حول نفسها

-جواد حازم، عز ، جاسر، ياربي دا كدا العيلة مش هيقوملها قومة

-غزل اسكتي بقى، جاسر كتب على البنت، يعني هي مع جوزها، ليه عز وجواد يضايقو، أن كان على عز مش هيهون عليه جاسر وجنى

اهة طويلة خرجت من غزل

-شكلك مش عارفة ابنك يانهى، دا هيولع الدنيا، ولا جواد اللي جه لخاله امبارح وقاله دلوقتي أنا أولى بجنى من الغريب..ضربت كفيها ببعضهما

-ياربي ..جواد يوقف مع مين ضد مين، انا عارفة ابني الوحيد اللي هيضيع بينهم

وصل عز وخطوايه تأكل الأرض ..وزع نظراته بينهما

-ايه اللي سمعته دا ياماما، ازاي جنى تخرج من المستشفى وهي عايشة على المهدئات .ازاي قالها صارخا..اتجه لغزل متسائلا

-فين جاسر ياطنط غزل، بقاله يومين مختفي، والنهاردة اختي تختفي

امسكته من كتفه

-ممكن تهدى ياحبيبي علشان نعرف نفكر، ماما لسة بتقول أن جاسر..قاطعتها نهى قائلة

-عز ..أهدى واسمعني ، اختك تعبانة وكان لازم من حد تثق فيه

-نعم ..حد تثق فيه، اوعي تقولي الحد دا جاسر، ركل المقعد بقدمه وعيناه يتطاير منها الشرر وظل يلكم الجدار خلفه

-ازاي جالك قلب تخليه ياخدها ياماما، هانت عليكي جنى، هانت عليكي تكون بعيدة ومتطمنيش عليها..اقترب من والدته وصدره كاللهيب

-ازاي قدرتي تبعتي راجل غريب مع بنتك ياحضرة المهندس، فين قيمك واخلاقك

صفعة قوية على وجهه

-شكلك عايز تتربى، جنى خرجت من هنا مع جوزها،وبأمرمن والدك

❈-❈-❈

صدمة ذهول وكأن أحدهم طعنه بخنجر بصدره، وضع كفيه على وجنتيه

-بعتي بنتك لحضرة الظابط ويبيع ويشتري فيها، ومراته تذل فيها

-كفاية بقى اخرص، مش عايزة اسمع صوتك، ابوك لسة عايش ياباشمهندس

وامشي من هنا..استدار متحركا للخارج وكأن هناك من يطارده

عند فيروز

جلست بالشرفة حزينة تمسك هاتفها تنظر لصورهما، وعيناها كزخات المطر، أطبقت على جفنيها وهي تعاود الاتصال مرارا وتكرارا ولكن هذا الهاتف مغلق، اتجهت إلى ربى وهاتفتها

-ألو..قالتها بقلبا يأن ألما

-اهلا يافيروز..عاملة ايه

روبي عايزة اكلم جاسر لو سمحتي مش عارفة أوصله

تنهدت بحزن واتجهت إلى شرفتها تنظر لتلك الحديقة فأجابتها

-جاسر مش في مصر يافيروز، لما يرجع هخليه يكلمك..

شهقة خرجت من فمها

-وحياة جاسر عندك متنسيش ..اومأت ربى قائلة

-حاضر يافيروز.

عند جاسر

هرول إلى سيارته بعد ما انتهى من عمله، يشير لذاك الرجل..خده ارميه في أي مذبلة

-انت فعلا قطعت لسانه ياباشا..ارتدى نظارته الشمسية وأردف

-ولو اطول اقطع جسمه كله هقطعه..بس ياباشا متنساش أنه ابن راجل معروف في البلد

رمقه شزرا وأشار بسبباته

-ومتنساش أنه قرب من حاجة تخص جاسر الألفي، واهو أخد جزاته

قالها واستقل سيارته، يود لو أنه طائر وله أجنحة حتى يصل إليها

عند جنى..جلست على الفراش تنظر حولها بخوف..اتجهت تكتشف المكان، تذكرت حديثه، قطبت حاجبيها فهي في حالة لعقلها يترجم كلماته..استمعت صوت بالخارج..أسرعت إلى المطبخ بعدما تأكدت أن ذاك المكان ماهو إلا منزل عمها بالفيوم..أمسكت السكين، وتوقفت بجسد مرتعش، دلفت أحد العاملات

صرخت بعدما وجدتها تقف بالسكين

-انسة جنى ...انا منى، ممرضة جاية علشان علاجك ..جاية عن طريق حضرة الظابط جاسر الألفي

-امشي اطلعي برة..قالتها جنى بصراخ..فلوحت بكفيها

-حاضر هخرج، حضرة الظابط جاي في الطريق

-بررررة ..صرخت بها وجسدها يرتجف..احتضنت نفسها تنظر حولها كالمجنون كأن جدران المكان عدوا لها..استمعت إلى مفاتيح باب المنزل ...تراجعت للخلف وهي تشير بالسكين..ظهر عاشق القلب أمامها

-وضعت السكين على عنقها عندما توششت الرؤية أمامها

-لو قربت مني هدبح نفسي..بعينين متسعتين وجسده ينتفض، شعر بإنسحاب أنفاسه وحاول التحدث، ولكن كيف وهو يشعر وكأن الحروف هربت من مخارجه، على ذاك المنظر الذي يشاهده، ابتلع ريقه بصعوبة، وهو يحاول الحديث مبتلعا غصته المؤلمة

-جنى حبيبتي أنا جاسر، سيبي السكين ياقلبي، ياله ياجنجون...تحركت للخلف وكأن صوته تستمع إليه في الأفق البعيد لم يكن واضحا اليها، وعيناها الزائغة بكافة الاتجاهات من يراها سيزعم جنونها

-جنجون حبيبي انا هنا محدش هيقربلك .. ياله حبيبتي ابعدي السكينة عن رقبتك..تراجعت تشير إليه

-ابعد هدبح نفسي، ابعد قالتها صارخة حتى ردد صوتها بأذنه كعويل إعصار جامح ..ظلت تتراجع، وقلبه ينتفض بقوة، حتى شعر بتحطم عظامه من شدة خفقانه

ترنح جسدها فسقطت مرتدة بالمقعد..وصل إليها بخطوة واحدة، وجذبها بأحضانه الان لا يحتاج سوى لعناق يطمئن روحه أنها بخير بين ذراعيه

حاولت الفكاك من قبضته ولكنه كان الأكثر تحكمت..

-اشش، اهدي ياقلبي انتِ جوا حضني ياقلبي مستحيل حد يقرب منك ..ارتجف جسدها وبكت بشهقات تحاوط خصره، تضع رأسها بأحضانه...صمتا أحاط المكان سوى من أنفاس جاسر المرتفعة، وشهقات بكائها..انحنى وحملها متجها بها للأعلى

-تعالي ارتاحي فوق ياقلبي..ضمها وصعد بها للأعلى، شعر بإرتعاش جسدها بين ذراعيه

صاح على الممرضة

-انا مش قولتلك عينك متغبش عنها

-والله يافندم روحت اجبلها لبن زي ما حضرتك قولت رجعت لقيتها كدا

احتدت نظراته وأشار

-تعالي شوفي هتاخد ايه دلوقتي..تحركت متجهة إليه

كانت جنى تجلس ونظراتها شاردة فلقد تبدل حالها ..مسد على خصلاتها يحاوطها بذراعه فالألم يضاهي آلام العالم حينما وجدها تحاول ذبح نفسها

حقنتها الممرضة ببعض الأبر..وأردفت

-زي ماالدكتور قال لحضرتك امبارح، العلاج الجديد بس هتمشي عليه

اومأ برأسه وأشار على الباب لخروجها

تحركت مغلقة الباب خلفها

تمددت تضع رأسها على ساقيه..استغرب فعلتها، ورغم ذلك شعر بالسعادة

ظل يمسد على خصلاتها بحنو دون حديث

احتضنت كفيه وتخلل أنامله بأناملها كالطفلة التي تحتمي بوالدها وهمست له

-أنا بقيت مجنونة صح..علشان كدا جبتني هنا

صفعة قوية بقلبه من حديثها وشعور قاسي افترس قلبه دون رحمة مما جعل دموعه تنساب بصمت

نزل بجسده ورفعها على ذراعه حتى أصبحت بمقابلة وجهه

-مين قالك كدا ياحبيبتي، عايزة توجعي قلبي ياجنى، متعرفيش قلبي دلوقتي بينبض لما تكوني كويسة

قالها وهو يوزع نظراته على وجهها كفنان

-انت ازاي جبتني هنا، وفين بابا وماما وعز..وازي نايم جنبي كدا، أنا مش قادرة ابعد ياجاسر فلو سمحت ابعد انت

دنى أكثر حتى تلاحم بجسدها ولف ذراعيه حولها بتمكن

-بعدت مافيه الكفاية ياحبيبة جاسر، بعدت لحد ماغرقت ومعرفتش اقاوم الموج..فوقي بس علشان نتعاتب يابنت عمي

-همست باسمه

-جاسر...انت بتقول ايه مش فاهمة، حاسة جسمي متخدر ومش قادرة احركه

دنى من أنفاسها وداعب أنفها يحتضن وجهها

-وأنا مش عايزك تبعدي ياجنى، عايزك زي كدا مفيش حاجة تفرقنا

أغمضت عيناها عندما شعرت بتخدر بسبب الأبر بجسدها بالكامل ..فهمست له

-بقيت غريب أوي يابن عمي ..لمعت عيناه عندما رفعت كفيها بهدوء تضعها على وجنتيه كالمغيبة وتمتمت

-بس بحبك يابن عمي ..قالتها مغلقة جفنيها بين النوم واليقظة..لمس كرزيتها بخاصته، ففتحت عيناها بتشوش

-بتعمل ايه يامجنون..همس أمام كرزيتها

-جنجون حبيبي أنتِ دلوقتي مراتي، ضغط على خصرها يقربها أكتر قائلا من بين نبضاته المتسارعة

-يعني جنى جاسر الألفي حبيبي..أطبقت جفنيها وابتسامة شقت ثغرها

-ابن عمي المجنون قالتها ثم ذهبت بسبات عميق

رفع رأسها يطالعها مبتسما

-مجنون بحبك يامهلكة قلبي ..بعشقك بجنون مهلكتي

وضع رأسه بحناياها ويسحب عبيرها وكأن هذه جرعته قبل النوم

استيقظت بعد فترة، وجدت نفسها مكبلة بذراعيه هبت فزعة تصرخ

نهض وحاول ضمها

-اهدي حبيبتي أنا جاسر..ابتعدت لأخر الفراش

-بتعمل ايه هنا، وازاي تنام في حضني كدا، انت اتجننت

أشار بكفيه بهدوء

-جنى اهدي ..انت دولوقتي مراتي ، حبيبتي انا كتبت كتابي عليكي

نهضت تصرخ به

-كذاب ..انت كذاب ياجاسر، ازاي اتجوزتني ، من غير ماأعرف، لا وكمان انت متجوز، خاين ، انت خاين

-ماشي ياجنى انا خاين، انا اللي خونت ولعبت عليك وروحت قولتلك بحب واحد تاني..نهض متجها إليها

امسكها من كتفيها يهزها بعنف

-ازاي قدرتي تضحكي عليا، ازاي قولتي بتحبي جواد وفجأة تنسيه وفجأة تتخطبي

ايه موضوعك بالظبط

-ابعد عني بقولك..ابعد أنا بكرهك ..هزت رأسها وانسابت عبراتها

-بكرهك عشان انت اكتر واحد اذتني، بكرهك ياجاسر

جذبها لأحضانه يحاوط خصرها

-آسف حبيبتي متزعليش مني، أخرجها من أحضانه يحتضن وجهها

-بتكرهيني ياجنى..قالها وهو يزيل دموعها، ثم أخرج زفرة حارة ضربت وجهها كصفعة قوية..رفعت عيناها الباكية وارتجفت شفتيها

-ابعد عني ياجاسر، روح لمراتك وحياتك، بعد كام شهر هتكون أب

وضع جبينه فوق جبينها وآه ابلغ من أي رد

-انتِ دلوقتي حياتي كلها ياجنى، مش عايز غيرك، وكلمة بكرهك دي حرقت قلبي يابنت عمي

رفعت كفيها على صدره وتمتمت

-بعد الشر على وجع قلبك ..مقصدش، بس اللي بتعمله غلط، ازاي اتجوزتني وانت متجوز، انا مش موافقة، ولا عمري هوافق عن حياتي دي

اغمض عيناه مستمتعا بهمسها رغم حديثها المؤلم إلا أن قربها واستنشاق أنفاسها يكفي له

تراجع للخلف وسحب كفيها

-ارتاحي دلوقتي وبعد كدا نتكلم، بس اتأكدي انك دلوقتي مراتي ومستحيل أتنازل عنك

-مراتي ..وقعت الكلمة على مسامعها كمعذوفة موسيقية، تحركت وهي تطالع قربه فقط، كيف له أن يقترب بتلك الطريقة، نعم هما كانوا قريبان، ولكن ليس كهذا

دثرها بالغطاء، ثم انحنى يطبع قبلة بجانب شفتيها هامسا لها

-نوما مريحا مهلكتي الجميلة

كانت سعيدة من قرب انفاسه، تمنت لو يتوقف الكون على ذاك القرب..ابتعد وعيناه تحاصرها قائلا

-هعملك مكرونة عارف انك بتحببها، قالها واستدار متحركا سريعا حتى لا ينقض على تلك الشفاه التي ترتجف بغرور

❈-❈-❈

مرت الأيام سريعا ..صهيب الذي دخل في غيبوبة، وتدهور علاقة ربى بعز إلى أن جاء ذاك اليوم..كانت تجلس بغرفتها عند والدها بعد تجمد عز معها..استمعت إلى صوته

-اختي فين ياحضرة اللوا، دي الأمانة اللي المفروض تصونها..توقف بيجاد أمامه

-عز ممكن تهدى، انت مش شايف حالة عمك

هوى جواد على المقعد بعدما خارت قواه، وهو يرى حزن ابنته الظاهر بعينيها ورغم ذاك إلا أنه لم يتدخل بينهما

-قولي هترجع اختي امتى ياعمو..ابنك خطف اختي شهر كامل ومعرفش عنها حاجة..اقترب من جواد الذي اتخذ الصمت جوابا له

ولكنه رفع رأسه مذهولا عندما أردف عز

-دلوقتي بنتك قصاد اختي ياحضرة اللوا، وانا معنديش أغلى من جنى

وصلت إليهم بخطواتها الضعيفة المتهالكة محاولة التماسك، مقتربة من والدها تنظر إلى الجميع بتشتت آفاقها عز إلى أرض الواقع الأليم

-ربى قصاد جنى ياحضرة اللوا..هنا انعقد لسانها وتاهت مفردات اللغة وسط ذهول الجميع، فماذا سيكون حالها بعد إطلاق كلماته النارية التي اخترقت صدرها وادمته

توقفت بينه وبين والدها توزع النظرات بينهما ..فهتفت بتقطع

-فيه ايه يابابا..مالك ياحبيبي زعلان ليه ..تحركت إلى أن وصلت أمامه ورفعت كفيه تقبله وأخذت تمرر كفيها المرتجف على وجنتيه وعيناها مختلطة مياهها بنيران ألمها الضاري، فاستدارت تنظر لذاك المتحجر ، أزالت عبرة غادرة انسابت على خديها المحترق بعنف وهتفت بقوة

-اختك قصادي ياباشمهندس ..تمام وأنا بقولك انت متلزمنيش ..لم ينظر إليها واعاد حديثه

-مردتش ياحضرة اللوا، ابنك يجيب اختي خلال ٢٤ ساعة ياإما بنتك عندك ..قالها ثم استدار ولكنه توقف عندما هتفت ربى بإقتضاب وحزم ومشاعر الغضب والحزن أشعلت نيران قلبها

-طلقني ياعز ، حتى لو جاسر رجع جنى انت متلزمنيش ولو راجل وابن صهيب الألفي فعلا ارمي عليا اليمين قبل ماتخرج من بيت جواد الألفي

شهقت غزل فهبت ناهضة متجهة الى ابنتها ..بينما اتجه بيجاد بخطوات مهرولة إلى عز عندما وجد شحوب جواد وعيناه الزائغة

-امشي من هنا يلا..ولكن نظراته عليها وحدها، لقد تهشم قلبه وأصبح فتات متناثرة..فهمس

-ربى متدخليش بينا

ابتسامة ساخرة تعيد حديثه

-سمعني كدا قولت ايه

ربى ..قالتها غزل

اطلعي اوضتك حبيبتي..استدارت إلى والدتها تطالعها بذهول

-نعم ياماما..اطلع ، وياترى اطلع ليه مش الموضوع دا خاص بيا ولا ايه

أشارت صارخة في عز فلقد تحاملت كثيرا لفترة

-الباشمندس يرمي عليا يمين الطلاق دلوقتي ياماما..انا مستحيل افضل على ذمته لحظة واحدة

دنى بخطوات متعثرة يطالعها بذهول

-ربى ايه اللي بتقوليه دا..أسرعت إليه تلكمه بصدره بقوة:

-بقولك طلقني ..سمعتني طلقتني مش عايزة اعيش مع واحد ذيك ..استدارت إلى والدها

-مش دا اللي وعدك أنه مش هيتخلى عني..دا طلع خاين يابابا ..قالتها صارخة وتحولت حالتها إلى الجنون

صرخت غزل باسم جواد عندما وجدت شحوب وجهه، بدأ يفتح زر قميصه ولكن لم يقو على رفع كفيه، رفع عيناه لغزل فلقد فقد الكلام كأن جسده شل بالكامل

صرخت غزل وهي تحتضتنه، هرول بيجاد وعز إليه بوصول غنى من الأعلى بعد سماعها لصراخ والدتها ..توقفت تنظر بذهول لحالة والدها

بعد شهر ..بعد تحسن حالة جنى وتواصلها يوميا مع والدتها ..رجع جاسر بصحبتها القاهرة ولكن بمكان خاص بهما بعيدا عن حي الألفي

كانت تجلس شارة تشاهد النيل مع غروب الشمس من شرفتها..استمعت إلى طرقات خفيفة، ولج بعد طرقه للحظات

-جنى هنزل أروح مشوار، يعني ساعتين كدا وراجع، محتاجة حاجة

نهضت متجهة إليه

-مبتروحش بيتك ليه ياجاسر، ياريت ترجع لحياتك أنا بقيت كويسة

زفر مختنقا من أسلوبها الذي اعتمدته معه منذ فترة وكأنه غريبا عنها

استدار دون حديث

-جنى متخلنيش ازعلك، خليكي في حياتك وبس..استمع الى رنين هاتفه، فتحه وجدها فيروز

رفع نظره إليها ثم إلى الهاتف..

-أيوة يافيروز...تمام نص ساعة وهتلاقيني هناك

استدارت تنظر إلى النيل وتحدثت :

-مفيش داعي تخبي يابن عمي، احنا مش متجوزين، علشان متأنبش نفسك، روح شوف مراتك وابنك

دنى يحاوطها من الخلف ثم وضع ذقنه على كتفها

-أنا مراتي في حضني دلوقتي..لكزته بقوة وهتفت بغضب

-جاسر الزم حدودك معايا، قولتلك انت ابن عمي وبس، ومتفكرش قعدتي معاك لحاجة تانية، علشان وعدت ماما بس، بابا يفوق وعز كمان هرجع بيت ابويا

جذبها من خصرها بقوة

-احلمي ياجنى..تعمقت برماديته ونيران الغضب والغيرة تحرق داخلها

-أنا مش بحلم يابن عمي، أنا بقولك الحقيقة مش اكتر، انا عمري ماهكون ليك ياجاسر، بلاش تأنب ضميرك اللي حصل قدر ومكتوب، وانا هرجع ليعقوب اكيد هيتفهم بس اللي مصبرني سفره

ضغط على خصرها بقوة آلامتها ثم دفن رأسه بعنقها وبأنفاس محترقة

-خلي حد يقرب منك وشوفي هعمل ايه، هاتي سيرة راجل تاني على لسانك الحلو دا، علشان أقصه بطريقتي، وأنا بتمنى والله ..قالها وعيناه على كرزيتها

شعرت بتذبذب بأنحاء جسدها، ودت لو تعانقه وتأخذ جرعتها من رائحته التي اشتاقتها حد الجنون، ولكن كيف تغفر له بعد ماحدث بينهما

أنفاسه الحارة بصدرها جعلت ساقيها كالهلام حاولت الحديث ولكنها لم تقو، رفعها من خصرها عندما شعر بإرتجاف جسدها بين يديه، واتجه إلى الأريكة وهي تحاول الفكاك من قبضته

ازال خصلاتها المتمردة، حتى ظهر عنقها المرمري أمامه ،ايتسامة أنارت وجهه

-مهلكة قلبة ياجنى، ناوية تعملي في قلبي الضعيف ايه، بس متخافيش هغفرلك ياقلبي

-مش لما نتحاسب الأول يابن عمي

-مستعجلة على الحساب ليه يابنت عمي، هنتحاسب ونتحاسب جامد اوي

دنى من شفتيها وداعبها بخاصته، ابتعدت بعدما شعرت بقشعريرها بعمودها الفقري، وكأن روحها هربت من تسارع نبضاته ولم ترد سوى احتضانه، قلبها الخائن اضعفها حتى تكورت الدموع بعينيها من حالة قلبها 

وكأن الحبيب يشعر بحبيبه فحاوط جسدها الضعيف بين ذراعيه وضمها بقوة إلى صدره، لحظات متناسية كل ماحولها، وضعت رأسها على صدره واغمضت عيناها تمنت توقف دوران الأرض هنا، تمنت لو تحاوط خصره ولكن كبريائها يمنعها من فعل ذاك

رفع ذراعيها حول خصره هامسا لها

-مالكيش مكان غير هنا يامهلكة قلبي،

هنا فاقت من سطوة مشاعرها وعادت لأرض الواقع فهبت فزعة من فوق ساقيه

بالمشفى عند جواد

كان يجلس بجواره يحتضن كفيه ثم طبع قبلة عليها

-الف سلامة عليك ياعمو أنا اسف حبيبي..ياله فوق وارجعلنا

دلفت ربى غرفة والدها

-بتعمل ايه هنا..من فضلك اطلع برة مش مرحب بيك ،

شوفت الدنيا صغيرة أد ايه ياحضرة المهندس

-حرمت اخويا من دخوله يطمن على عمه، وانا دلوقتي بحرمك من دخولك لبابا..تحرك عز دون حديث

دلف أوس ينظر إليهما بصمت فأشار إلى ربى

-اطلعوا برة انتوا الأتنين، مش عايز اشوف حد فيكم قدامي

أطبقت على جفنيها ثم أردفت

-مقدرش أبعد عن بابا ياأوس

نظرات غاضبة لعز فأشار إلى الباب

-تدخل هنا بأذن مني، سمعتني، مش عايز اشوف وشك قدامي

تحركت ربى إلى أن وصلت إلى فراش والدها وجلست بجواره وعبراتها تحرق وجنتيها

-بابا حبيبي وحشتني مش عايز تفتح عيونك بقى

ولج جاسر بخطوات مهزوزة وعيناه على والده المسجى على الفراش، خطى إليه وكأنه يخطو فوق بلور ليشحذ أقدامه ونيران تحرق صدره

هوى بجوار فراشه وصوت بكائه شقت له الصدور

دفن وجهه بأحضان والده يبكي بنشيج مرتفع

-حبيبي فوق ..انا هنا، ربت أوس على كتفه

-قوم ياجاسر بلاش ضعفك دا، بابا هيفوق وهينور حياتنا من تاني

بكاء مرتفع بالغرفة حتى تعانق الثلاث إخوة ..إلى أن ولجت غزل تنظر لأبنائها متسائلة

-فين ياسين وغنى مش باينين ليه..أزالت ربى عبراتها واجابتها

-عند عمو صهيب، كان عايز يجي يشوف بابا بس هما رفضو وراحوا مع عمو سيف لعمو صهيب

اومأت متفهمة وتحركت تنظر إليهم

-بتعيطوا ليه مش عايزة ضعف ابوكم كويس ولاد جواد الألفي أقوياء مش ضعاف العياط ..اتجهت لجاسر وهتفت

-روح هات جنى خليها تشوف ابوها وعمها ..

هز رأسه رافضا

-عمو صهيب رافض ياماما حاليا

-جاسر اللي بقول عليه تسمعه ولا كبرت على امك

بعد مرور عدة شهور

بإحدى المناطق السكنية الراقية..كانت تغفو على الأريكة تذهب بسبات عميق، دلف للداخل يحمل بعض الأكياس البلاستيكية، وضعها بهدوء عندما وجدها تغفو بتلك المنامة الوردية وخصلاتها المنسدلة على الوسادة

تحرك حتى وصل إليها وجلس على عقبيه يرسمها بعينيه، لقد اشتاق إليها كثيرا بعد شهر ولم يراها به، اتجه بكفيه المرتعش يلامس خصلاتها هامسا باسمها

-"جنى"..فتحت جفونها بتثاقل وكأنه يروادها بأحلامها، ولكن هبت فزعا عندما لامس كفيه وجنتيها وابتسامة على وجهه

ابتلعت ريقها بصعوبة تحاوط جسدها بذراعيها

-جاسر !!ايه ال جابك هنا

تستغرق لحظات يطالعها فقط، فحمحم ناهضا ينظر لتلك الأكياس

-جبتلك حاجات، عرفت انك مخرجتيش بقالك فترة فقولت اكيد تلاجتك فاضية..جذبت مأزرها تضعه على جسدها، وتلملم خصلاتها، بعدما ولاها بظهره، فتحدثت

-لا عمو جواد كان هنا وجابلي حاجات..استدار إليها جاحظا عيناه متسائلا

-بابا!! هو عرف مكانك

جلست تنظر للأسفل وإومات برأسها ايجابا والدموع تغيم بمقلتيها

رفع ذقنها بأنامله يتنهد بحرقة قائلا بنشيج مرير

-شكل بابا وجب معاكي، دا لو عرف

نظرت إليه وتكونت الدموع بعيناها

-تفتكر واحد زي عمو جواد مش هيعرف ال حصل

كور قبضته وانفاسه تحرقه من يقترب منه

-يبقى عمره ماهيسامحني..اقتربت منه واحتضنت كفيه لأول مرة منذ فترة طويلة وتعلقت عيناها بعينيه إثر سماعها كلماته التي اخترقت جدران قلبها فتحدثت بتقطع

-قولتلك بلاش تعمل كدا بس انت ال أصريت ياجاسر وشوف النتيحة، عمو جواد زعلان جدا، لو شوفت حالته إزاي بعد ماجه صعب عليا جدا، مش مصدق انك تعمل كدا فيه وصدمته الأكبر في بابا

بتر كلماتها مقترنا بابتسامة على شفتيه وهو يحتوي كتفها بين ذراعيه

-مش مهم، متخافيش بابا هيتفهم الموضوع، ومتنسيش انك عند جواد إيه ياجنجون

انسدلت عبراتها تحرق وجنتيها وأجابته

-كان ياجاسر، كان وقت ماكنا عيلة، مش دلوقتي، شوف العيلة بقت إزاي، معدش فيها إلى ذكريات

احتضن وجهها طابعا قبلة عميقة على جبهتها يحدق بها برماديته قائلا

-مفيش حاجة ضاعت، بكرة لما نرجع حي الألفي، كل حاجة هتتنسي

أنزلت ذراعيها وتراجعت للخلف تجلس على الأريكة

-مستحيل ارجع تاني هناك، مستحيل ياجاسر، انت ارجع لبيتك ومراتك ومالكش دعوة بيا، وخليك قد كلمتك ال اتفقت مع بابا عليها

احس بقبضة قوية تعتصر صدره، فاقترب منها يجلس أمامها على عقبيه

-وأنا مش فاكر اتفقت مع باباكي على ايه، دنى يهمس بجوار اذانها

-لو فاكرة يابنت عمي فكريني

ارتعش جسدها من انفاسه التي لافحت عنقها، فتراجعت للخلف تحتضن نفسها وتهرب من نظراته التي تخترقها..ارتبكت متمتمة

-انا هقوم أجهز الغدا، تاكل قبل ماتمشي، قالتها ونهضت متجهة للمطبخ سريعا

تحرك خلفها بالشنط البلاستيكية ووضعها على الرخامة..وتحرك يقف خلفها يحاوطها بذراعيه

-أنا مش همشي، أنا هبات هنا الليلة

سقط الذي بيديه حتى أصدر صوتا، فارتبكت تجمع الزجاج، نزل يجمع الزجاج، مبتعداً بها عن المكان، يحتضن كفها الذي نُزف

-ينفع كدا مش تاخدي بالك، مفكرة نفسك طفلة

ران صمتل هادئا عليهما وهو يقوم بتنظيف جرحها، لم يخل من النظرات وحبس الأنفاس والتفكير يأبى طي الكتمان فإما البوح والأستكانة، أو الصمت والعذاب الأبدي

-بتعمل كدا ليه يابن عمي، ياترى تكفير ذنب عن ال حصلي، ولا..رفع ابهامه يضعه على شفتيها ودنى ورماديته تحاور بنياتها

-إياكِ تغلطي، عشان وقت العقاب هيكون شديد أوي يابنت عمي

رجفة بسائر جسدها وهي تعانق عيناه فارتجفت شفتيها وهمست

-ابعد عني عشان متتأذاش ياجاسر، أنا ميرضنيش الأذى والوجع

جذبها لأحضانه يعتصرها بقوة هامسا لها

-وجاسر يستاهل العذاب ياجنى، لا يتعذب ويكفر عن ذنوبه..ارتفعت شهقاتها وهي تحاوط خصره

-أنا مؤذية للكل، اذيت الكل، فرقت الكل، ليه بيحصل معايا كدا، هو أنا وحشة لدرجة الكل بقى يكرهني كدا

أخرجها من أحضانه يحتضن وجهها وتكورت عبراته يرسم وجهها الجميل

-إنتِ أجمل بنت في الدنيا دي كلها، إنت البلسم والدوا ياجنى، اوعي حبيبي تقولي كدا

بكت بنشيج وارتجفت شفتيها تهز رأسها رافضة حديثه

-وبدليل أنا هنا، مهاجرة بعيد عن حضن أمي وأبوي، واخويا ال حياته ادمرت بسببي

بتر حديثها يبتلع كلماتها بجوفه لأول مرة يتذوق تلك الشفاة التي أرهقت منامه حتى لم يشعر بهدوء روحه العاصية، لحظات وهو يحتضن شفتيها، ربما هدوء لملمة نفسه، أو هروبا من القادم، كل مايجب فعله ومايشعر به هو تذوقها فقط

لا تجعلوا القراءة تنسيكم ذكر الله

الفصل التاسع من هنا
 

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-