رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (انشودة الاقدار) الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نورهان ال عشري
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنشودة السادسة و العشرون 🎼 💗
قُدت حروف الألم بشواظٍ مُشتعِلة فوق جُدران القلوب.
تروي فجيعة نعامةٍ هلِكت برائتها وتناثرت دمائها بين أروقة الدروب .
فالعشق كان إثمها، والشجو بات عُقبها، والقهر مارسه فُحشة كسافحٍ لا رادع له، ظالمٍ لا يهوب.
لا البوح يقدر أن يفِ، والصمت لم يكُن وفي، والدمع طوفانه سخي لا تكفه فيض الصبوب.
تُرى هل من سبيل لـ نجاتنا؟ وثوب الروح أضحى هالكًا بُليت خيوطه ولفقتها إجثام الندوب!
أم أن الشِقاق بات رفيقنا برحلةٍ تأبى الفناء وهي غارقة بـين أوحال الذنوب؟
بالله أُناشدك يا قلبٌ ما أذلني سواه ألم يحِن الوقت كي تهجر العشق وأن تتوب؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
علقت الأنفاس بالصدور للحظة و تعلقت الأعين مُلتحفة بنسيج الدهشة التي أفقدتهم النُطق جميعًا فكانت وجوههم و كأنها قُدت من حجر و كم كان هذا مُرضيًا لذلك الفتى الذي بلغ مبلغ الرجال قبل أوانه و تجرع الحقد مغموسًا في قبح النذالة حتى اكتفى القلب و فاض و قرر أن يُدير لعبة الكبار على طريقته .
_ ايه يا رجالة الوزان مش هترحبوا بيا ولا ايه ؟
هكذا تحدث« هارون» باستمتاع تجاهله «سالم» الذي قست عينيه و احتدمت ملامحه ولكن جاءت نبرته فظة كالعادة
_ تعالى ورايا .
ذلك الرجل الفظ يُثير بداخله نوازع الغضب و خاصةً حين يطلق أوامره واجبة التنفيذ كأسهم لا تِخطيء أهدافها أبدًا لذا أضرم نيران التحدي بينهم حين قال بجفاء
_ مش لما نتعرف على باقي أعضاء العيلة الكريمة الأول يا ابن خالي ؟
_ خاله !
كان هذا صوت «همت» التي انضمت للجميع في الخارج لمعرفة سبب تلك الجلبة فلفت انظارها ذلك الشاب الضخم الذي يمتلك عينين تُشبه الذئاب في حدتها و قد ارتجف بدنها كُليًا حين رأته و خلفه تلك الفتاة الشقراء التي تُطالع بترقب ما يحدُث ولكن ما أثار ريبتها تلك الكلمة التي اخترقت سمعها فهتفت مُستنكرة ونظراتها تتفرق بين «سالم» والغريب الذي لم يكُن أبًدًا غريب بل كان أقرب من الوريد ذات يوم قبل أن تنتزعه يد الغدر لـ تفصل بينهم هوة ساحقة مُدججة بلظى الجحيم .
_ معقول همت هانم الوزان بجلالة قدرها جاية تستقبلني؟ دانا حظي النهاردة من السما !
سُرعان ما بدأ الجميع باستعادة وعيهم ولكن كان عدم الفهم يُشكل علامات استفهام في نظراتهم ماعدا الرجال الثلاثة و بجانبهم« فرح» التي اقتربت من زوجها لتُعيد له بعضًا من هدوءه الذي كان يُجاهد بالسيطرة عليه وقد كانت مُحاولة دعم صامته منها لاقت صدى طيب الأثر لذلك الذي استعاد شكيمته وهو يقول بصوت جاف صارم لا يقبل الجدال
_ ورايا عشان تاخد ضيافتك . أن كنت فعلًا عايز تتكرِم !
حملت لهجته تهديدًا واضحًا انطبع في عيني كُلًا من «طارق» و «مروان» الذي اقترب لا إراديًا من «هِمت» في إعلان صريح منه أنها تحت حمايته لتندفع «شيرين» من خلفهم وهي تقول بتوجس
_ مين دا ؟ و في ايه بيحصل هنا ؟
_ شيرين ! ادخلي على جوا .
هكذا زجرها «طارق» بصرامة أشعلت شرارة الغضب بداخل «هارون» الذي استقرت نظراته على شقيقته التي لا تعرف بهويته ولكن سرعان ما تنبهت جميع حواسه حين سمع صوت «همت» الذي يتخلله الحيرة
_ في ايه يا طارق ؟ ما تقولولنا ايه اللي بيحصل ؟
نازعته رغبة عاتية بغرس بارود حقيقته بمنتصف قلبها و لأول مرة يضعف أمام أهواءه فاقترب منها خطوتين حتى اشتبكت أعينهم في حديث صامت قطعه صوته الباتر حين قال بنبرة عميقة تعانق بها كُلًا من التشفي و الاستمتاع
_ انا هارون ناجي الوزان !
أيعقل أن تكن عدة حروف بسيطة قادرة على سحق جسد بأكمله خلف طيات معانيها ؟
للوهلة الأولى بدت غير مُستوعبة لما سمعته أُذناها ولكن بعد ذلك تربعت الجملة كـ طلق ناري يعرف طريقه إلى الوتين ، فشعرت بـ أنعزالها عن الواقع لثوان قبل أن يمُر شريط ذكرياتها الأسود أمام عينيها بلمح البصر لتبتلع جمر الأسى وهي تقول بنبرة هادئة أذهلت الجميع
_ هارون ناجي الوزان ! يااااه . هو ناجي كان عنده ابن وأنا معرفش !
تساقط لهيب الوجع من بين عينيها وهي تقول بابتسامة واهنة و نبرة حاولت التماسك قدر الإمكان
_ و ياترى بقى انت ابن مين فيهم ؟ معلش . أصله كان بيخوني مع كتير .
بأعماق القلوب دائمًا ما تكُن هُناك بؤر روحانيه تستشعر مدى الصدق و إن كثُر الضباب و غامت الرؤيه ولكنه أختار ان يقمع تلك البؤرة و انصاع خلف استفهام مُلِح طرأ على عقله أيُمكن ألا تعرف الأم صغيرها ؟
خلف هذا الاستفهام قست ملامحه أكثر و أسودت نظراته فـ أجفله قولها المُهتز حين قالت
_ بس انت ملكش ذنب . انت بردو أخو بناتي .
بللت حلقها و حاولت اللحاق بأنفاسها الثائرة وهي تُضيف بشفاه ترتجف و حروف مُبعثرة
_ انت ابن فاطمة ؟ و لا نرجس ؟ ولا هناء ؟
صمتت وهي تومئ برأسها و تتلفت يمينًا و يسارًا و على شفتيها ابتسامة واهنة تحمل أثار الخزي كما لهجتها حين قالت
_ انا عرفاهم كلهم . اعرفهم واحدة واحدة . حفظاهم .
بتر صوت القلب و كُممت فاهه لتعلو راية الأنتقام في تلك اللحظة وهو يُجيبها قائلًا بنبرة جافة مُتحجرة
_ للأسف أنا مش ابن ولا واحدة فيهم . انا ابن الست الوحيدة اللي متمنتش اكون ابنها !
لم يكُن هُناك بُدًا من نزع الستار عن الحقيقة فقد جاءت مشيئة الله لتحسم جدل عقله لذا أطلق عبارات التحذير قبل إضرام النيران
_ هارون يبقى ابنك أنتِ و ناجي يا عمتي .
هكذا تحدث« سالم» واضعًا سيف الحقيقة الباتر فوق عنقها فبرقت عينيها للحظات غيبتها عن الواقع كل تلك الشهقات المصدومة و العبارات المُستنكرة التي قطعتها كلماته التي تحمل من الأسى ما يُذيب أعتى القلوب
_ لا . مسميش ابنها . اسمي كبش الفداء . القربان اللي قدمته همت هانم الوزان للشيطان عشان تفضل عايشه في مملكتها للأبد . معلش يا سالم بيه أنا بحب اكون دقيق في كلامي .
وجه جملته الأخيرة إلى «سالم» بنبرة ساخرة و أعين تتلوى بلظى الجحيم مما جعل الأخير يُطلق صفير إنتهاء تلك الجولة
_ قولت اللي جيت عشانه . بعد كدا انت اللي هتسمع .
_ يسمع ايه ؟ هو في ايه ؟ اللي انا بسمعه دا حقيقي ؟ انتوا ساكتين ليه ؟
كان هذا صوت« شيرين» التي اجتاحتها نوبة جنونية من فرط الصدمة و شاطرتها «سما» الجنون حين قالت ساخطة
_ هو انتوا مش وراكوا إلا احنا . كل شويه حد ييجي يتسلى علينا ؟ هنفضل نتأذي لحد امتى بسببه ؟ ارحمونا بقى .
تدخل «مروان» يحاول تهدئتها
_ اهدي يا سما عشان تعرفي الحقيقة كلها.
_ حقيقة ايه يا مروان ؟
كان هذا أول شيء يصدر منها ليُثبت أنها ما تزال على قيد الحياة التي انتزعت منها كل ماهو جميل سابقًا و الآن تُعيده بأقسى الطرق و أشرسها
التفتت الى ذلك الجسد الضخم و التحمت أعينهم معًا للحظات قبل أن تقول بنبرة هادئة
_ انت يا ابني بتقول ايه ؟ أم مين ؟ و قربان ايه ؟ انا مش فاهمه حاجه . معلش انا ست كبيرة و يمكن عقلي مبقاش يشتغل زي الأول . احكيلي الراجل دا عمل فيك ايه ؟ ماهو أصله أذينا كلنا مش انت لوحدك .
كانت نبرتها هادئة يشوبها الارتجاف بفعل صدرها الذي كان يعلو و يهبط بجنون يوازي جنون أنفاسها و عبراتها المُنسدلة تحفر خطوط الوجع فوق معالمها فبدت لوحة حية لشخص يُجاهد للهروب من شياطين الحقيقة التي أن طالتها ستُجهز حتمًا عليها .
_ اللي سمعتيه و بتحاولي تنكريه بينك و بين نفسك عشان تفلتي من ذنبك أو يمكن عشان تحاولي تنقذي صورتك البشعة قدامهم .
اندفعت الكلمات من شفتيه كالأعيرة النارية التي وجب إيقافها في الحال لذا و ما أن أنهى جملته حتى تفاجيء بتلك اليد التي سحبته من ياقة قميصه ليلتفت إلى الجهة الأخرى و إذا بلكمة قوية اصطدمت بأنفه فكان وقعها عنيفًا حد تدافُع الدماء بغزارة لم يلتفت لها «سالم» الذي صاح بصوتًا جهوري أرعد الجميع
_ كنت عايز أكرمك يا ابن عمتي بس الظاهر انك لازم لك رباية من أول و جديد .
شهقات متتالية تلاها صوت« فرح» التي اقتربت منه بلهفة
_ سالم .
تجاهل ذلك الضجيج ووجه حديثه الى «طارق» آمرًا
_ الواد دا يتربط جنب الخيل زيه زيهم لحد ما ننضفه من جينات ناجي .
بلمح البصر كان «طارق» يُكبل ذلك الذي أوشك على الانقضاض على «سالم» ليقول الأخير بنبرة غليظة قادرة على بث الرُعب في النفوس
_ و بعدها نبقى نعمله احتفال يليق بيه ، و بينا .
زمجر «هارون» بشراسة
_ متقلقش يا سالم يا وزان . اللي يليق بيكوا ده عندي انا ، و قريب اوى هعرفكوا كلكوا مقامكوا.
لم يُقاوم و إنما ترك «طارق» ليقوده بسلاسة كانت مُدهشة للجميع ممن لم ينتبهوا على تلك التي ترتجف في الزاوية ليأتيهم صوت «سالم» الصارم حين قال
_ خدي الضيفة يا فرح و وديها على أوضة تليق بيها ، و تتعامل أحسن معاملة . ماهي بردو تخصنا .
قال جملته الأخيرة بنبرة فظة مُرعبة تحمل الكثير من المعاني فلم تجد بُدًا من إطاعته ولكن فجأة تسمر الجميع حين شاهدوا تلك التي افترشت الأرض غائبة عن الوعي الذي كانت تُجاهده منذ أن سمعت تلك القنبلة التي لم يتسع عقلها لأستيعابها ولم يحتمل جسدها كل ذلك الضغط فسقطت بين يدي «مروان» الذي حال دون ارتطام رأسها في الأرض و صرخ مُجفلًا
_ عمتي ..
_ ماما . همت . عمتو ..
كل تلك الصرخات اندلعت من أفواه الجميع رِعبًا على إمرأة أغتيل قلبها ذات يوم على يد جبان ظنت أن بإمكانها أن تصنع منه رجلاً يستحق ودها لم تكُن تعلم بأنها قدمت قلبها قربانًا لـ شياطين الجحيم التي تلاعبت بمصيرها و أسقطتها في بؤرة الأسى الذي لون حياتها بظلام دامس تاهت عنه شمس الأمل
بعد مرور نصف ساعة غادر الطبيب الي أخبرهم بأنها تُعاني من صدمة عصبية و وصف لها عقار مُهديء حتى تتجاوز تلك المرحلة بسلام مع وصايا قوية بعدم تعرضها لأي ضغط عصبي
_ ممكن افهم ايه اللي بيحصل دا ؟ يعني ايه دا اخونا ؟ و يعني ايه ضحية ؟ انا مش فاهمه حاجه خالص !
هكذا تحدثت «سما» بنبرة يتساقط منها القهر كما تساقط الدمع من مآقيها على كل تلك الكوارث التي تحدُث معهم لتُضفي المزيد من اللوعة و الأسى على حياتهم ولكن كان هناك من يشاطرهم الألم أضعاف فجاء مجرورًا من قلبه ليحتوي وجعها بين جنبات صدره في عناق دافيء حنون يُشبه لهجته حين قال
_ قبل اي حاجه لازم تهدي . مينفعش تنهاري بالشكل دا . مش هتحمل .
كانت كلماته تحمل طابع التوسل الذي لامس قلبها المكلوم فـ خر بين ذراعيه يذرف شكواه بأسى ليتدخل «سالم» حاسمًا الأمر بنبرة جامدة حين قال
_ هارون يبقى اخوكوا شقيقكوا.
_ ازاي؟ دا تقريبًا اللي يشوفه يقول اكبر مني !
طرأ هذا الاستفهام بنبرة مقهورة كانت ل«شيرين» التي حاوطتها يد.«طارق» الحانية ليقول مُهدئًا
_ اهدي عشان تسمعي و تقدري تفهمي .
تابع «سالم» سرد الحقائق بأعين يتراقص بهم الغضب و نبرة يشوبها الجمود
_ من فترة طويلة واحنا حاطينه تحت المراقبة لحد ما قدرنا نعرف أن في حاجة مهمة مخبيها في قصره في ألمانيا ، و الحاجه دي كنا فاكرينها بنته الغير شرعية من ست أجنبية.
تعالت الشهقات من فم الجميع و اندفعت «أمينة» باستنكار
_ يا ساتر يارب اعوذ بالله . بقى كمان له بنت غير شرعية؟
_ دا اللي كنا مفكرينه لحد ما عرفنا بوجود هارون .
اندفعت «فرح» لتفكيك قطع الأحجيه بسلاسة
_ كانوا مفكرين أن البنت اللي جت معاه دي هي بنته اللي مخبيها لكن طلع دا تمويه عامله ، و ابنه فعلا هو هارون..
صمتت لثوان وقد لمع وميض قوي بعقلها و سُرعان ما رفعت رأسها تُطالع «سالم» بنظرات ذات مغزى لتُتابع بتفكير
_ طب انتوا لسه عارفين موضوع بنته دا من كام شهر لما لاحظتوا تحركاته المُبهمة . معنى كدا أنه مكنش عايش معاه قبل كدا .
اندفع« مروان» قائلًا بإعجاب
_ تصدقي صح . احنا فعلًا ملاحظناش أي حركة غير طبيعيه في تصرفاته غير من وقت قريب . زي ما يكون قاصد يعرفنا أنه مخبي سر .
تدخل «سالم» موجهّا حديثه إلى «شيرين»
_ تعرفي حاجه عن القصر بتاعه اللي في مقاطعة … بما انك كنتِ عايشة هناك ؟
صمتت لثوان تحاول الرجوع بالذكرى الى البعيد لتقول بضياع
_ معرفش حاجه عنه اوي . مكنش بيحكيلي غير اللي عايزني اعرفه . لكن كان له دايمًا تحركات غامضة انا معرفهاش و مكنش سامحلي أسأله .
اومأ «سالم» بكدر قبل أن يُتابع بجفاء
_ بعد ولادة سما عمتي حملت و ولدت بنت و قالوا إنها ميتة البنت دي تبقى هارون . طبقًا التقارير اللي وصلت لنا و التحاليل اللي عملناها هو فعلًا اخوكم ، و دا كل اللي نعرفه لحد دلوقتي .
_ يعني دا ابني ؟ دا فعلًا ضنايا ؟
كان هذا الاستفهام المُشبع بالأسى و الحرقة ل«همت» التي لم تفلح المُهدئات في إخماد ثورة قلبها المُلتاع لتقف على أعتاب غرفتها تستمع إلى حديثهم المرير الذي انفطر له فؤادها حد تقاذف الدمع من مآقيها و هوان أقدامها التي جعلتها تتربع على الأرض أسفلها فاندفعت الفتيات إليها لـ يحاوطنها بحب و تعاطف كان له نصيب كبير في قلب «سالم» الذي اقترب بخطٍ حملت طابع اللهفة و جاءت لهجته مُشعجه حنونة
_ ايه يا همت يا وزان ؟ فين الجبروت و القوة اللي كنتِ معروفة بيهم ؟ طلع عندك ابن بعد السنين دي كلها . مفروض تفرحي . واجعه قلبك كدا ليه ؟ مش كفاية حرقتك السنين اللي فاتت دي كلها ؟ بتكملي عاللي باقي منك .
_ مبقاش باقي مني حاجه يا سالم ؟ قلبي قايد نار . و كأن حد خبى فيه جمرة لا قادره اطفيها ولا قادر امحيها . بقى كل السنين دي وانا عايشة بكسرتي و قهرة قلبي ، هو في ايده مية اللي تطفي ناري و حايشها عني ؟
ارتفعت بعينيها تُناظر ذلك الجدار الفولاذي الذي أعماه الغضب و لكن الثبات دربه الوحيد فتابعت بلهجة محشوة بالوجع
_ هان عليه حسرة قلبي يوم ما جابولي حتة لحمة حمرا و حطوها في أيدي وقالولي بنتك ماتت ! دانا كنت ببكي من قلبي قبل عنيا . طب ليه ؟ طب مانا مش بور ، طب مانا مش ناقصة زي ما كان بيصورلي دايمًا . ليه عمل فيا كدا ؟
ارتفعت أنظارها إلى الجميع تتفرق بينهم بضياع و أسى شاب لهجتها حين قالت بشفاه ترتجف ألمًا
_ دا وصلني لمرحلة اني اخاف ابص لـ ولاد اخويا لأحسدهم . خد ضنايا مني. و حرق قلبي عليه و حرق قلبه بكذبه و افتراه عليا . طب انا عملت في ايه ؟
رفعت رأسها إلى« أمينة» تقول بنبرة محفوفة بالألم
_ أمينة. أنتِ كنتِ شاهد على كل حاجه . انا كنت وحشة ؟ انا أذيته ؟ انا محبتش غيره في حياتي .
بترت شهقاتها الكلمات من على شفتيها فأخذت ترتجف بقلب ينفطر ألمًا فاقترب «سالم» يحتوي رأسها بين ذراعيه وهو يقول بقلب يحترق كمدًا
_ العيب مش فيكِ . هو اللي حقير و كان عايز ياخد كل حاجه و ينتقم مننا عشان كنا مرايه لفشله .
خرجت منها آهه حارقة لا تسمن ولا تغني من چوع فقد فاض الألم في قلبها للحد الذي جعلها تقول بشفاه مُرتجفة
_ يا حسرة قلبي على شبابي اللي ضاع و بناتي اللي اداسوا بالرجلين ، وابني اللي أتيتم وانا على وش الدنيا .
غيب الألم عقلها فأخذت تلطم خديها بعنف ارتج له قلوب الحاضرين ليحكم «سالم» الإمساك بكفوفها وهو يقول بقلبٍ مُلتاع و لهجة محرورة
_ حقك دين في رقبتي يا عمتي ، و رحمة أبويا ما هسيبه ، و هرجعلك ابنك تاني حضنك و هدوقه حرقة قلبك أضعاف . بس متعمليش في نفسك كدا .
كانت قلوب الفتيات تحترق ألمًا لم يفلح شيء في مداواته خاصةً و أن تلك المُسجاة أرضًا والدتهم لذا اقتربن منها يحاوطنها بنحيب صامت أدمى قلوب الجميع حولهن فكان المشهد أكبر من قدرته على الاحتمال خاصةً مع كل تلك النيران المُندلعة بجوفه حقدًا على ذلك المسخ الذي حول حياتهم إلى جحيم لذا غادر المكان بأكمله متوجهًا إلى غرفة مكتبه غافلًا عن تلك التي قادها قلبها إليه هلعًا من غضب لم تره منه قط و ما أن دلفت إلى غرفة مكتبه حتى سمرها في مكانها ذلك المقعد الذي شاهدته يطير في الهواء ليسقط فوق النافذة محطمًا إياها إلى أشلاء.
_ سالم .
همست بذعر حقيقي يجوب قلبها منه و عليه فقد خابرت اليوم إحدى حالته النادرة التي توحي بأنه شيطان قدم من الجحيم الذي كان يُلون حدقتيه في تلك اللحظة بصدر يعلو و يهبط من فرط الأنفعال و ملامح وجه مكفهرة حد الفزع الذي جمدها بمكانها لثوان قبل أن تخطو إليه بقلب لهيف يبغي سحبه من بؤرة الجنون التي تكاد تُطيح به في تلك اللحظة
_ اهدى يا سالم . اهدى يا حبيبي.
لم تتبدل معالمه انما كانت تزداد قتامة و تضيق عينيه بوعيد مُفزِع جعل عقلها ينهار فصرخت بمليء صوتها
_ سااااالم .
اعاده صُراخها من عالمه الأسود إلى حيث يقفان و قد تبدلت الرؤية أمامه ما أن رأى ارتجافها و ذعرها الذي جعل أسنانها تصطك ليحاول تنظيم أنفاسه قبل أن يقول بنبرة خشنة مقيتة
_ اهدي . انا كويس . مفيش حاجه .
زاد ارتجافها و انهارت العبرات كصخور مُدببة تنشب حوافها فوق خديها ليقترب هو بهدوء يحاوطها بذراعيه فتفاجيء بها تعانقه بقوة لم يعهدها منها و جاءت كلماتها لتصدمه حين قالت
_ فوق يا سالم . ارجوك فوق . كل حاجه هتتحل بس متعملش كدا .
حاول تهدئتها قائلًا بنبرة خشنة
_ اهدي يا فرح .
همست بحروف مُبعثرة من فرط ارتجافها
_ حاسة قلبي هيقف من الخوف.
كانت كلماتها كـ قنبلة نووية تفجرت بقلبه الذي لان حد اللهفة التي تجلت في نبرته حين قال
_ هششش . بعد الشر عنك . متقوليش كدا تاني .
«فرح» بتلعثم من بين عبراتها
_ انت ممكن تضيع مني في لحظة . انت من شويه بس كان ممكن تبقى مجرم . انا مش هتحمل كدا . انت مشوفتش نفسك كنت عامل ازاي ؟
ارتفعت بانظارها و كفوفها الحانية لتحتوي وجهه بين يديها وهي تقول بشفاة مُرتجفة
_ انت مش كدا . انت مش مجرم . انت سالم الوزان اللي مفيش حد يقدر يقف قدامه . طول عمرك حاكم كل حاجه بعقلك مش هتيجي دلوقتي تتخلى عنه . أرجوك يا سالم . أوعى اشوفك كدا تاني . احنا محتاجينك . ابنك محتاجك و أنا هموت من غيرك .
كان حنانها و كلماتها و مدى إحساسها الذي وصله كإسفنجة سريعة الإمتصاص أخذت جميع ما علق بصدره من غضب ليحل محله هدوء و سكينه بعد أن أعادت كلماتها إليه رشده ليزفر بقوة نافضًا آخر ذرة جنون كانت تتملك منه وهو يضع رأسها بجوار قلبه الخافق بعنف قبل أن يقول بخشونة
_ متخافيش . انا كويس . مفيش حاجه من دي هتحصل . كانت لحظة شيطان و راحت لحالها .
شددت من احتوائها لخصره حتى آلمتها أوتارها و صبغت لهجتها بالهدوء حين قالت
_ استغفر ربنا ، و أنا واثقة ان ليها حل . صدقني أن شاء الله ليها حل . عمتو همت قويه ، و هي بس اول ما تفوق من الصدمة هتفرح .
رفعت رأسها تغمره بالأمل النابع من نظراتها و لهجتها حين قالت
_ اه هتفرح . عندها ابن بعد السنين دي كلها . هيكون عوض ليها عن كل العذاب دا . يبقى لازم تفرح . بس كل حاجه بتاخد وقت ، وانت سيد العاقلين وعارف أن مفيش حاجه بتيجي خبط لزق كدا . مش دا كلامك ؟ سيب الناس تستوعب الصدمة ، و بعد كدا كل حاجه هتتحل أن شاء الله.
على الرغم من بعثرة كلماتها إلا أنها حملت رائحة السلام الى قلبه الذي رق على حالها فقربها منه بغتة محاولًا إضفاء العبث في نظراته ولهجته حين قال
_ طب ما تجمدي بقى خلاص في ايه ؟ معرفش أن قلبك ضعيف كدا .
«فرح» بلوعة
_ قلبي كان هيقف وانا متخيلة انك لو قدامك ناجي كنت قتلته . لا مش هخسرك . مش هقدر . حط الموضوع دا في دماغك ، و أفهمه كويس يا ابن الوزان .
ترقرقت رخات المطر على قلبًا فاض به الوجع وطغى ، لتأتي إمرأة بنكهة الجنة ترتشف عبق آلامه و ثقل أحماله لتُضفي السلام على حروب و معارك يخوضها منذ سنوات و تُبدل بلمح البصر رماديه عالمه إلى ألوانًا زاهية تُشبه خضرة عينيها التي سكن الفؤاد بعمقها و أهتدى
_ ابن الوزان بيعشقك يا فرح .
إجابتها كانت مُدمرة مُباغته كـ فيضان ضرب سدًا قويًا فأسقطه كما أسقطته أسيرًا بين شفاهها ترتشف عشقه من خمر ريقه العذب و كفوفها أسفل رقبته تقربه أكثر و أكثر حتى لا يفصلهما شيء ولو كان نسمة هواء دخيلة على التحامهم الذي لم يدُم طويلًا فقد كانت قبلة خاطفة عذبة تؤكد حقوقها به وسطوتها على قلبه و تحمل تحذيرًا صريحًا بعد تفريطها بما هو ملكٍ لها .
اللهم اني أسألك الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه و ما لم أعلم ♥️
★★★★★★★★
_ عملت ايه ياعمار في اللي طلبته منك ؟
هكذا تحدث «صفوت» فشرع« عمار» في الإجابة بسلاسة
_ الراچل ده مالوش في حاچة واصل . من بيته لشغله و من شغله لبيته . لكن المرة الحية اللي عندِك دي هي اللي وراها الجرار كله .
_ ازاي ؟
«عمار» بتفكير
_ يعني جاعده اهنه و سايبه دارها و و عيالها ليه ؟ الچيران لما سألناهم جالوا أن شوكتها جوية عليه ، و أنه يوم العاركة كان راچع من شغله و چايب وكل و حاچات كتير لولاده دا اللي هما جالوه . ازاي هيكون ضربها و عِمل كلات دا فيها و ليه ؟
«صفوت» بسخرية
_ كنت واثق من كدا أول يوم جت فيه . مرتحتلهاش ولا حسيت أن نجمة بتطمن معاها . بس المشكلة هنا اننا لازم نعرف ايه مصلحتها من ورا خدمة ناجي . فلوس مثلًا ؟
«عمار» بنفي
_ لاه . أني جلبي حاسس ان في حاچة اكبر ، و متوكد أن الراچل ده ميعرفش باللي هي بتعمله ، و خصوصي أنها كانت چاية من عند اهلها جبل ما ييجي بكام ساعه . حاسس في إنه في الموضوع.
«صفوت» باستفهام
_ هما أهلها دول من عندكوا ولا منين ؟
«عمار» بنفي
_ لا دي من الغچر و كانت متچوزة راچل تاني من العرباوية و كانت عايشة في الجبيلة بتاعته جبل لما ينحبس .
اندفع «صفوت» قائلًا بلهفة
_ لحظة واحدة . عيد اللي قولته كدا تاني . مين اللي من الغجر ، وعرب ايه اللي هي كانت متجوزة منهم ؟
«عمار» بتفسير
_ الولية دي كانت من الغچر اللي بيلفوا في الموالد ، و لافت على حد من البدو و اتچوزها و راحت تعيش معاه اهناك في الجبيلة بتاعته بس الراچل جوزها ده كان ليه في تچارة المخدرات ، و اتجبض عليه و مات في السچن معرفش ايه اللي رماها علينا و اتزوجت الچنايني بعدها .
أخذت الاستفهامات تطن برأسه كالذُباب تتقاذفه الأفكار يشعر بأن هُناك أشياء كثيرة كانت تُحاك خلف ظهورهم لا يعلم لما قام بربط الأحداث مع بعضها البعض ليتوقف فجأة عقله عن العمل حين دلف« سليم» من باب الغرفة قائلًا بمرح
_ اهلا يا عمار ازيك .
صافحه «عمار» بود يشوبه العتب حين قال
_ اهلًا يا وزان عاش من شافك يا راچل . بقى أجده تاچي لحد أهنه و متزورناش لا انت ولاچنة ؟
«سليم» بمُزاح
_ خلاص يا عمار ما انت عارف اللي فيها ، و بعدين احنا لسه هنا . هجيب جنة و نيجي نشوف الحاج عبد الحميد و نشوف حلا والجماعه كلهم .
_ يبجى الغدا عندينا النهاردة.
هكذا اقترح «عمار» بود فوافقه «سليم» بدون نقاش ليلفت انتباهه «صفوت» الغائب كـليًا عن حديثهم فحاول« سليم» لفت انتباهه قائلًا
_ ايه يا سيادة اللوا فينك ؟ مش معانا ولا ايه ؟
«صفوت» بشرود
ـ لا انا معاكوا . صباح الخير ، كنتوا بتقولوا ايه ؟
تمتم «عمار» مازحًا
_ ياريت تفضل تايه كدا كتير خليني اعرف أشم نفسي شوي.
ابتسم «سليم» على كلماته قبل أن يلتفت قائلًا ل«صفوت»
_ انا هروح انا وجنة نتغدى مع الجماعه عشان على بالليل هنسافر أن شاء الله .
_ و مستعچلين على ايه ؟ مش هتجعدوا معانا كام يوم ؟
هكذا تحدث «عمار» باستنكار فأجابه «سليم» بقلة حيلة
_ الوضع مش مظبوط يا عمار ، ولازم نكون كلنا متواجدين و مصحصحين الفترة دي .
«عمار» بمؤازرة
_ الله يكون في العون . اني رجبتي سدادة لو احتاچتوني في أي وجت اني في ضهركوا .
«سليم» بامتنان
_ راجل يا عمار ، و قد الناس كلها.
التفت إلى «صفوت» قائلًا
_ طب هنمشي احنا بقى و نتقابل بالليل تمام ؟
«صفوت» بشرود
_ ماشي يا سليم . مفيش مشكلة .
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ♥️
★★★★★★★★
_ بص بقى انت ليك حق تزعل ايوا . لكن انا ليا حق اني احتفظ بشويه أسرار تخص عيلتي و خصوصًا اني مش متطفلة ولا باجي أسألك عن حاجه تخص أهلك كدا ولا لا ؟
هكذا تحدثت «حلا» بانفعال بعد أن اقتحمت غرفة المكتب بعد علمها بأنه متواجد وحده هناك فقد خاصمها منذ يومين حين استفهم عن هوية «لبنى» فاختارت اغبى عُذر يُمكن أن يُقنع رجل مثله .
_ دي . دي واحدة قريبتنا ، و حصلتلها حادثة فاحنا جبناها تعيش معانا . عطف يعني.
غضب يومها و أعطاها نظرة تحمل اللوم و الخيبة معًا قبل أن يقول بسخرية
_ لما تحبي تكدبي عليا دوري على حجة مقنعة عشان انامش عيل صغير قدامك .
مر يومان وهو لا يزال يتجنبها حتى قرضها الشوق من الداخل ولم يعُد قلبها يطيق مُر هجره و قد شعر بقرب انهيارها لذا نصب عوده يقترب منها وهو يقول بلهجة شائكة ارسلت ذبذبات خافتة إلى سائر أوصالها
_ لا مبتسأليش . بس لو سألتي يا هجاوبك يا مش هجاوبك . انما اضحك عليكِ و استغباكِ دا اسميه ايه ؟
احتقنت وجنتاها بدماء الخجل فهو مُحق ولكن لا حيلة لها أمام اندفاعها و غبائها الذي جعلها تتفوه بتلك الترهات لذا رفعت رأسها وهي تقول بلهجة حاولت إضفاء الثبات عليها
_ سميه اني اتلخبطت وانت بتستجوبني زي القطر و معرفتش ارد عليك اقولك ايه .
بهتت ملامحه من كلماتها فصاح باستنكار
_ مين دا اللي بيستحوبك زي القطر ؟ دا هو سؤال واحد مفيش غيره
«حلا» باندفاع
_ ايوا ما هو انت كنت بتبصلي بعينيك اللي بتلخبطني دي و بتخليني مش عارفه انا بقول اي.
ضيق نظراته فقد ألهبت كلماتها العفوية جمر الشوق بقلبه فاقترب منها بخطٍ وئيدة و نظرات داكنة جعلتها تفطن إلى فداحة ما تفوهت به ولكن حواء بداخلها استخدمت كل ذرة دهاء لديها لتُخفض بصرها بحزن مُفتعل بات يعرف ملامحه جيدًا فتوقف بعد أن أصبحت أسيرة بجسده الصلب و الجدار خلفها و قال بنبرة خطرة
_ بقى عنيا بتلخبطك ؟
اومأت برأسها بوداعة أهلكت حواسه ولو كان يعلم كل العلم بأنها مُخادعة ، و لكنه لم يحرم نفسه لذة الاندماج معها في لعبتها حين قال بلهجة شغوفة
_ و بتخليكِ مش عارفة بتقولي ايه ؟
أومأت للمرة الثانية بصمت تلاه صرخة خافته حين قست أنامله على خصرها وهو يقول بنبرة خطرة
_ غلطانين . عايزين يتعلموا الأدب . مفروض بعد كدا اغميهم عشان سيادتك تعرفي تستغفليني كويس.
إن كان يظن نفسه قادرًا على أن يُفاجئها فهي دائمًا ما تبهره حين قالت بلطافه أودت قلبه في قاع الجحيم
_ لا اوعى تعمل كدا . حتى لو بيوتروني أنا بحبهم اوي ، و خلاص سامحتهم
دام صمت مطبق من جانب ذلك الذي تصنم أمام طريقتها في قلب الأمور ليُصبح هو بدلًا من المُتدعي للمُتدعى عليه . ليصل بالنهاية الأمر إلى خروج ضحكة مدوية من جوفه لم يستطِع ردعها إثر مظهرها و مدى البراءة التي تدعيها فقام بعناق خصرها ليجعل أقدامها تتأرجح في الهواء كما تتأرجح دقات قلبه الهادرة عشقًا لها فقامت لاحتواء رقبته وهي تناظره بهدوء يحمل استفهامًا مُثيرًا
_ هل تستطِع مُجابهتي ؟
_ اعمل فيكِ ايه ؟
«حلا» بدلال جعل عظامه تأن من فرط التأثر
_ هاتلي بطيخ نفسي فيه .
برقت عينيه من كلماتها و قال باندهاش
_ هو الحمل ليه قالب معاكِ بكل الممنوعات كدا ؟
تبلور الحماس بنظراتها حين صاحت بلهفة
_ ممنوعات . الله . تصدق فكرة .
صمتت لثوان قبل أن تُطلِق استفهام مُريع نال من ثباته بقوة
_ ياسين هو انت ليه مبتشربش حشيش ؟
_ هاه .
تدلى فكه من فرط الصدمة من استفهامها الذي لم يتخيله بحياته لتقترب هي بكل ما تملك من رقة و تزين أسفل شفاهه بقبلة دافئة قبل أن ترفع رأسها و تقول برقة
_ كدا انا صالحتك الدور عليك تصالحني ، و طبعًا انت عرفت دلوقتي انا نفسي في ايه .
بقى واقفًا كالصنم ينظر إليها لتمر بجانبه وهي تتوجه إلى باب الغرفة قبل أن تلتفت قائلة بمرح
_ و خلي بالك مش هقبل بأي بديل .
أنهت كلماتها و اندفعت إلى الخارج لتتركه يحدق بالفراغ كالأبله.
رب أوزعني أن أشكر نعمتك الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ♥️
★★★★★★★★
_ البنات فين ؟
هكذا تحدث «مروان» إلى «أمينة» التي كانت تجر أقدامها لتصل إلى الأريكة فهب «مروان» يُساعدها لتربت على يديه قائلة بتعب
_ نايمين في حضن امهم . يا حبايبي مش قادرين يسبوها.
زفر «طارق» بحرقة تجلت في نبرته حين قال
_ ربنا يستر عليها و ميجرلهاش حاجه .
«أمينة » بأسى
_ طول عمرها حمالة أسية . انا كنت ساعات بسأل نفسي هي ازاي قادرة تقف على رجليها بعد كل اللي شافته ؟ اتاري اللي جاي أشد و أصعب.
استنكر حديثهم و ذلك الألم الكبير الناتج عنه فهتف بحنق
_ كفاية بقى . همت قويه ، و هتقدر تعدي كل حاجه وهتبقى زي الفل . دي العفاريت و الجن بيخافوا منها ياستي.
«أمينة» بشفقة
_ جن ايه و عفاريت إيه يا مروان قصاد عمايل الشيطان اللي كانت متجوزاه .
كان الألم يزحف الى قلبه رغمًا عنه و تحترق روحه حزنًا عليها ولكنه حاول نفض كل ما يعتريه وهو يقول بتهكم
_ الصراحة هي حظها أسود راجل ابن كلب و عيل ابن ستين كلب . مفيش غير سمسمتي هي اللي في البيعه .
رغمًا عنه خرجت كلماته غاضبة
_ و مالها شيرين أن شاء الله ؟ مش عاجباك ولا حاجه ؟
«مروان» بسخرية
_ لا. حلوة وبسمسم يا خويا . ماهي كانت قارفة أمنا بردو بسببه . كل واحد من عياله يلفله لفه و ياخد دوره و احنا نستلقى كل قفا أنقح من التاني و منقدرش نقول جاي حتى .
زمجر «طارق» مُحذرًا
_ متهلفطش في الكلام . شيرين ضحيته زيها و زي عمتي بالظبط .شيرين قلبها طول عمره ابيض و من جواها نضيفة.
«مروان» بسخرية
_ هو انا قولتلك جربانه ! ماهي حلوة من بره و من جوا بت بيضا و عنيها ملونه و شعرها اصفر اكيد قلبها اخضر شبه الخساية يعني.
قام «طارق» بقذف أحد الوسائد في وجهه فاعتدل «مروان» مُستندًا عليها براحة وهو يقول بامتنان
_ الله يباركلك والله كنت محتاج اقعد و اتجعص كدا عشان اعرف افكر صح .
تدخلت «أمينة» بسخرية
_ و ياترى فكرت في ايه ياخويا بعد ما اتجعصت ؟
«مروان» بجدية
_ اتأكدت مليون في الميه أن البغل اللي اسمه هارون دا ابن عمتي .
«طارق» باستفهام
_ اشمعنا ؟
_ غشيم زيها .
«أمينة» بحنق
_ تصدق انك عيل جزمة.
_ والله ما بهزر تحسيه قطر كدا . لما وقفوا قدام بعض تحسيه ابنها . هو بس اللي حلوف شويه لكن الملامح ، نظرة العين ، و حتى لما بتشفطر ببقها كدا و هي بتهزقني شبهها بالظبط .
أجابته «أمينة» بحماس
_ تصدق يا واد يا مروان عندك حق . دا شببها فعلا
«مروان» بحماس
ـ و خدي دي مني . الواد دا مش وحش . بغض النظر عن البكابورت اللي طفح في وشنا من شويه . بس الواد دا شارب المُر كاسات انا قلبي حاسس .
زفر «طارق» بحنق وهو يُتمتم ساخطًا
_ مش كان ناقصنا غير سي هارون دا كمان !
«مروان» بسخرية
_ لا و شوف الرخامة اسمه هارون !
«أمينة» باستفهام
_ وانت الاسم يفرق معاك اوي يعني ؟
تشدق ساخرًا
_ ايوا مش هيبقى خال العيال ، و بعدين انا هنتظر ايه من واحد اسمه ناجي هيسمي هيثم مثلًا !
صمت لثوان قبل أن يُتمتم بسخرية
_ الحمد لله أن جدي مسبهوش يسمي سما . كام زمانه سماها نازك . كان زمان فضيحتي بقت بجلاجل.
نهرته «أمينة» بغضب
ـ بطل ياد انت يا أبو لسانين .
«مروان» ساخطًا
_ انا غلطان اني قاعد معاكوا هروح اشوف الكبير زمان فرح كلت ودانه وهي مدخنه من غير حاجه . يارب اروح الاقيه بلعها و ريحنا.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك ♥️
★★★★★★★★
كان يحتضن كفوفها بحُب بينما يُتابع حديثه مع «عمار» في الجهة الأخرى إلى أن وصلت السيارة إلى قصر جدها الذي كان يستقبلهم بحفاوة شديدة و ما أن رآها حتى أخذها بين ذراعيه في ترحيب كبير
_ يا أهلًا بالغاليه . اتوحشتك يا بت الغالي.
_ انت كمان وحشتني أوي يا جدو.
قام بتقبيل جبينها قبل أن يلتقط الطفل من بين يديها يناظره بحنو واضعًا قبله بسيطة فوق جبهته ليلتفت مُرحبًا ب«سليم» بحفاوة
_ نورتنا يا سليم .
_ نورك يا حاج عبد الحميد .
تبادل الجميع السلامات قبل أن يتقدمهم كُلًا من «عبد الحميد» و«عمار» للداخل لـ تستقبلهم «حلا» بفرح لا حدود له فأخذت تتعلق برقبة «سليم» كالطفلة وهي تصيح بفرح
_ سليييم . وحشتني اوي اوي . مش مصدقة اني شيفاك بجد .
«سليم» بحنو
_ انتُ كمان وحشاني أوي . عارف أننا مقصرين في حقك
وضعت يدها تمنعه من الاسترسال في الحديث قائلة بحنو
_ الله يكون في عونكوا يا حبيبي . مفيش اي تقصير . انا بكلم ماما على طول و بطمن عليكوا
قبل جبينها بعرفان قبل أن يأتيهم صوت« جنة» المازح
_ شيلي ايدك من على رقبة جوزي لو سمحتي . انا بغير .
قهقه الجميع على مزاحها فاندفعت «حلا» تُعانقها بقوة وهي تقول بشوق
_ لو مكنتيش وحشاني مكنتش سبت رقبته على فكرة.
تبادل الجميع السلامات و أخذت «حلا» تُغدق« محمود» بقبلات مُشتاقة قبل أن تقول بحب
_ ياه لو اجيب بيبي قمر زيك كدا . دانا مش هبطل اكل فيه.
_ ربنا يستر عليك يا محمود عمتك الحمل جاي معاها بالاكل احتمال لو جاعت تاكلك يا ابني.
كان هذا صوت «ياسين» الذي كان قادمًا لتوه للترحيب بهم فقهقه الجميع على كلماته فاندفعت «حلا» قائلة بتخابُث
_ لا مانا قررت اغير اهتماماتي . همتك بقى معايا.
_ وه يعني ايه يا حلا هتغيري نشاطك . هتاكلي بني آدمين بعد كدا ولا اي ؟
كان هذا استفهام «تهاني» فتعالت القهقهات حولهم لتندفع «جنة» قائلة بمُزاح
_ براحتك يا حلا لو يلزمك كتف ياسين خديه . كله فدا البيبي .
_ أصيلة يا بنت عمي .
هكذا أجاب «ياسين» بمُزاح فتدخل «عبد الحميد» قائلًا بفخر
_ ولا يغلى عليكِ و على حفيدي اي حاچة يا حلا كتف كتف دوسي ولا يهمك أني في ضهرك .
اعجبها دلال جدها ل«حلا» وفرحته بحملها و اندلعت رغبة قوية في التنعم بذلك الدلال هي الآخرى و الذي حُرِمت منه في حملها الأول لذا اندفعت قائلة
_ طب خلي بالك بقى عشان تبقى في ضهري انا كمان . انا …
بتر فرحتها اندفاع «سليم» الذي قاطعها قائلًا بجمود يُنافي بسمة كاذبة كانت ترتسم على شفتيه
_ أنتِ الناس كلها في ضهرك يا حبيبتي ، وانا أولهم ولا ايه ؟
شعرت لوهلة بضيق قوي في صدرها خاصةً حين قست أنامله على خاصتها بقوة لم تؤلمها بقدر ما آلمها تلك الفرحة التي بُترت على أعتاب شفتيها من قبله و التي تجاوزت عنها بشق الأنفس حين أومأت بصمت لـ يأتيها صوت «عبد الحميد» المُشجع
_ زي ما جالك سليم كلنا في ضهرك أنتِ و محمود بس شدي حيلك يالا و خاويه.
جاءت إجابته لحظية حين قال بمراوغة
_ شويه كدا يا حاج عبد الحميد . يكون محمود شد حيله و هي كمان تسترد صحتها.
_ أن شاء الله .
تبادل الجميع السلامات وسط ضحكات متبادلة بين الجميع عداها فذلك الثُقل الذي كان يرسو في قلبها حجب عنها الاستمتاع بوجودها بين عائلتها إلى أن جاء الوقت و طلب منهم الجميع الاستراحة قليلًا قبل موعد الغذاء فتبعته للأعلى إلى أن وصلت إلى غرفتها و قام بإغلاق الباب لتلتفت تناظره بعتب لم يخفى عليه ولكنه حاول تجاهله و خلع جاكيت بذلته ليقصد دورة المياة في تجاهل تام لم تفشل في فهمه ولكنها تحاملت على ذلك الألم الضاري الذي غزا قلبها في تلك اللحظة و أخذت تنتظره إلى أن خرج لـ تداهمه قائلة بنبرة مُتحشرجة
_ ممكن اعرف ليه مردتش تخليني اقولهم اني حامل ؟
كانت نظراته جامدة و ملامحه أيضًا و شابهتهم نبرته حين قال بنبرة أحد من السيف
_ عشان الحمل دا لازم ينزل .