رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني الخاتمه بقلم مريم غريب
_ زفاف أبيض ! _
لقد كان ضربًا من الجنون.. لكنه في الواقع أجمل جنون يمكن أن تعيشه امرأة حرمت من السعادة طويلًا مثلها ...
كان الزفاف الذي قرره "عثمان البحيري" حديث المدينة بأكملها.. بل البلد كلها... زواجه للمرة الثالثة من زوجته الثانية و إجراء حفل ضخم يقال بأنه سيكون أعظم من زفافه الأول على طليقته إبنة السياسي الراحل.. "چيچي رشاد الحداد"
بدأ الحفل في مراسم تمهيدية.. بدأت بطقس الحناء الذي إرتدت فيه العروس فستانًا مخمليًا باللون الأحمر و قد إلتقطت لها مجموعة صور هي و زوجها من داخل قصر العائلة سمح بادراج بعضها إلى الصحف و المجلات
بعدها قام "عثمان" باصطحابها من منزلها القديم الذي تركته هي و إخوتها بالفعل.. صمم أن تذهب إلى هناك.. ففعلت، ليأتي لها بزفة طبول لفرقة راقية على الطريقة الشعبية، ثم يأخذها بسيارة مكشوفة و يطوف بها ضواحي و أحياء المدينة و الزفة و الأهل و الأقرباء خلفهما.. في جهة أخرى إصطف المواطنين بالشوارع ينظرون لهما بانبهارٍ و مهابة
فالجميع يعرف عائلة "البحيري" أيّ شخص لديه فكرة عن حجم ثراءهم و سلطانهم.. و لكن أول مرة يروا هذا على مرآى و مسمع... كان شيء عظيم.. و موقف جليل
في النهاية إنتقلا الزوجان إلى القصر.. و بقت ليلة واحدة على الزفاف الكبير الذي يترقبه الجميع و يحجزون أماكن خارج أسوار القصر، للوقوف و التفرج على الفقرات و المشاهير من مختلف الأنشطة و المجالات
ليلة واحدة فقط على الحدث المنتظر ...
___________
بالكاد إستطاعت التنفس و هي تصعد الدرج حاملة طفلها البالغ من العمر تسعة أشهر على ذراع، و الصندوق الكرتوني الضخم على الذراع الآخر.. لحسن الحظ أنها قابلته أثناء هبوطه من الأعلى.. لعله كان مكلفًا بمهمة هو أيضًا ...
-فادي ! .. تمتمت "هالة" بصوت أقرب إلى الهمس من شدة لهاثها المرهق
-إلحقني ...
هبط لها مسرعًا و هو يغمغم بحنقٍ :
-يادي النهار إللي مش فايت ده.. إنتي إتجننتي ياست إنتي. إزاي طالعة بالمنظر ده و إبنك على دراعك ؟!!!
ترد "هالة" و هي تنهج بينما يأخذ من يدها الصندوق فورًا :
-معلش بقى إنهاردة الكل مشغول و لازم كلنا نساعد بعض
أخذ "فادي" يقلب الصندوق بيده السليمة و يهزَّه قائلًا بغرابةٍ :
-فيها إيه العلبة دي ؟!
-فيها فيل ! .. قالتها "هالة" بمزاحٍ لم تستطع كبته و إنفجرت ضاحكة
أما "فادي" فرمقها بسأمٍ حقيقي، لتكف عن الضحك بأسرع ما أمكنها، ثم تقول معتذرة :
-أنا آسفة.. بجد آسفة كنت بهزر. العلبة فيها فستان سمر. الآتيليه لسا باعته حالًا
فادي بنزقٍ حاد :
-ماطلعتيش في الأسانسير ليه ؟؟
-عطلان يا سيدي.. كل حاجة إنهاردة معكوسة. و العيون كلها علينا. ربنا يستر و تعدي الليلة على خير !
غمغم "فادي" بتذمرٍ و هو يستدير صاعدًا من جديد :
-أنا عارف فستان إيه و كلام فارغ إيه إللي بيحصل ده.. و بعدين عين إيه و حسد إيه بلا خيبة. دي حاجة ماشوفتهاش و مش هاشوفها
تبعته و هي تحاوط طفلها بذراعيها و تحدق في ظهره بنظراتٍ عابسة.. و لم تستطع إلا القول بدهشةٍ أثناء سيرها الحثيث خلفه :
-هو إنت ليه بتقول كده يعني.. إيه الكلام الفارغ هنا مش فاهمة و خيبة إيه دي !!
أجابها "فادي" على الفور دون أن يلتفت إليها :
-كل إللي بيحصل ده تفاهة و منظرة فارغة مالهاش أي 30 لازمة.. يعني إيه أصلًا إتنين متجوزين بقالهم أكتر من 3 سنين و مخلفين عيلين يجوا إنهاردة و يعملوا فرح من أول و جديد. إيه المسخرة دي ونبي !!!
بررت له "هالة" داعمة القضية من أساسها :
-على فكرة دي حاجة عادية جدًا. مش غريبة أبدًا و بتحصل يا فادي.. ده في ناس متجوزين بيعملوا فرح كل سنة في عيد جوازهم. و ناس أعرفهم شخصيًا كمان
ضحك "فادي" و هو يعلّق ساخرًا :
-ما طبعًا لازم الناس دول تكوني عارفاهم شخصيًا و من محيط المجتمع بتاعكوا. هما بردو بنفس التفاهة إللي قصدتها.. قال بعد ما شاب ودوه الكُتَّاب !
و ضحك بإنطلاقٍ شديد ...
هالة بذهولٍ : شاب إيه دول لسا في عز شبابهم. إيه إللي إنت بتقوله ده ؟!!
لم يرد عليها.. لكنها واصلت إتباعه و هي تفيض إستنكارًا على أفكاره الغريبة المجحفة دون أيّ مبرر.. حتى وصلا عند جناح العروسين !!!
أُجبرت على الصمت لهنيهة، بينما يقرع "فادي" الباب ثلاث مراتٍ متفاوتة... دقيقة واحدة و فتحت له فتاة ليست من آل البيت.. لكنه عرف بسهولة أنها بالتأكيد تكون ضمن فريق مركز التجميل الذي بعث صهره لإستحضاره خصيصًا للإشراف على تجهيز عروسه
عروس... "سمر" عروس.. بعد أن صارت زوجة و أمًا لطفلين... يا للسخرية !!!!
-أفندم حضرتك ؟! .. قالتها الفتاة و هي تححز الباب من الداخل بقدمها
فادي بتجهمٍ : أفندم إيه أنا داخل لأختي. ناديلي سمر لو سمحتي !
إبتسمت الفتاة بتصنعٍ واضح و هي ترد عليه ببرود :
-سوري حضرتك مدام سمر مش فاضية دلوقتي. بتعمل ساونا و سكراب و لسا في مساچ كمان
فادي مفغرًا فاهه ببلاهةٍ :
-ساونا و مساچ ؟ مافيش چاكوزي بالمرة !!
-في حضرتك. في كل حاجة إن شاء الله ! .. ثم نظرت إلى ما يحمله على يده و قالت بمرحٍ مفاجئ :
-إيه ده أخيرًا الفستان وصل.. و بنفسك جاي توصله. ميرسي أوي لحضرتك !
و تناولت الصندوق منه و تراجعت للداخل مغلقة الباب بوجهه ...
بُهت "فادي" لوهلةٍ، ثم تضرج وجهه بدماء الغضب و أمسك لسانه عن السباب بأعجوبة.. ليلقى بنظرة جانبية على زوجته، فإذا بها تنظر إليه عاقدة الحاجبين، ثم تقول بعدم رضا :
-مافيش فايدة فيك.. مافيش فايدة أبدًا !
تأفف "فادي" بسأمٍ، في نفس اللحظة يصدر صوت بكاء الطفل "سليم" و هو يسند رأسه على كتف أمه و يبكي.. لتتلاشى كل معالم الحنق من وجه أبيه و هو يقترب خطوة منهما قائلًا :
-ماله الولد.. ماله في إيه. صرخ مرة واحدة ليه ؟!!
أجابته "هالة" و هي تؤرجح صغيرها يمنة و يسرة لتهدئه :
-أصله عاوز ينام.. من نص ساعة كده حميته و أكلته. هو بعد ما بياكل لازم ينام شوية ...
-طيب هاتيه. هاتيه مش ساكت معاكي يمكن يسكت معايا أنا !
إنصاعت له "هالة" و أعطته الصغير، ثم قالت :
-هو عاوز ينام عشان كده مش ساكت.. تعالى معايا نوديه أوضة يحيى و فريدة. في Sitter هناك قاعدة بيهم و كده كده كنت هاسيبلها سليم عشان تاخد بالها منه و أنا بجهز نفسي ...
و ألقت نظرة على ساعة الحائط أمامها مرددة :
-الساعة 10 و نص. يدوب أصلًا كلنا نجهز عشان الفوتوجرافر هايجي بدري يبدأ تصوير السيشن وسط النهار. يلا يلا !
و مشت أمامه ...
كما أخبرته كانت هناك جليسة الأطفال الأجنبية، كانت تقف عند سرير "يحيى" الذي جلس وسط ألعابه مزقزقًا بنشاطٍ كبير.. بينما تنام شقيقته الرضيعة بالسرير الآخر فوق رأسها تقف "ملك" تراقبها و تتأملها بنظراتها العطوفة البريئة
إنحنى "فادي" ليقبّلها على رأسها أولًا و يطلب منها التنحي قليلًا لتفسح له حتى يتمكن من وضع طفله إلى جوار إبنة أخته بعد أن يغفو على ذراعه ...
جرى كل هذا أمام أعين "هالة".. بقيت على مقربة منهم تتمعن برؤية تلك اللحظات الثمينة... جانب آخر من زجها و الرجل الذي أحبته بشكلٍ لا يمكن تفسيره أو شرحه.. حب قام على تعقيدات كثيرة... لكنه أستمر.. و بإرادة منها بيّد أنه لن ينضب بسهولة أبدًا
حيث أنها و خلال هذه اللحظات و هي تراه قد تحوّل إلى رجلٌ بالكاد تعرفه، رجلٌ حنون.. قادرًا على العطاء و الحب إلى أبعد الحدود.. ترى "هالة" كل هذا فلم يسعها إلا تذكر أكثر المواقف بينهما تميزًا و صدقًا.. على الإطلاق ...
Flash Back ...
أول ولادة لها قضى القدر أن تكون عسيرة.. لكنها مرت على خير بعناية من الله وحده ...
أخر لقطة تذكرها هو حضوره إلى المشفى قبل أن تدخل غرفة العمليات بلحظة واحدة.. كان وجهه الشاحب اللاهث أخر وجه رأته قبل أن يُغلق الباب لبدء العملية فورًا
لا تعرف المدة التي قضتها.. لكن بمجرد أن فتحت عينيها مرةً أخرى... كان وجهه أيضًا هو أول وجه رأته أمامها
أخذ الوعي يتسرب إلى حواسها تدريجيًا، بينما تحس به يقترب منها بجسمه.. إذ كان يجلس في كرسي محاذي لسريرها تمامًا
رأت اللهفة في عينيه، بينما يمتد كفه ليمسح على شعرها و هو يدنو منها قائلًا بصوتٍ هامس :
-حمدلله على سلامتك.. حمدلله على سلامتك يا هالة !
عبست بشدة و تكوّنت الأحرف متثاقلة فوق لسانها :
-فادي ! إنت.. جيت ؟!
راح يشبع نظراته منها و هو يقول بلهجته الحنونة :
-طبعًا جيت.. إزاي يعني ماجيش يا هالة. إزاي ؟!
-و جيت ليه أصلًا ؟!! .. سألته بصوت فظ
نظر لها مذهولًا، و سرعان ما تحوّل ذهوله إلى وجومٍ و هو يرد عليها بحدة :
-يعني إيه جيت ليه.. إنتي مراتي. و بقيتي أم إبني.. و لا نسيتي يا هانم أنا أكون إيه بالنسبة لك !!!
ظلت عيناها معلّقتان بعينيه... مرت لحظات من الصمت المتوتر.. رغم أنه هو بدا ثابتًا و هو ينظر لها بقوة
لتقطع هي ذلك الصمت فجأة صائحة بصوتٍ أبح :
-هو فين.. إبني فين ؟؟!
قبض على كفها بأصابعه الغليظة و هو يطمأنها بحزمٍ :
-ماتخافيش.. الولد كويس. الممرضة خدته للحضّانة. قالوا لازم يقعد فيها شوية عشان نزل في السابع. بس هو كويس ماتقلقيش
صدقته "هالة" بسهولة... فهو ليس من النوع الذي يكذب.. تنفست الصعداء و هي تسترخي مجددًا فوق السرير.. ربما لا تشعر الآن بآلام القطب الخاصة بالعملية.. لكنها تعلم جيدًا بأنها ستشعر بها كلها قريبًا جدًا
يعاود "فادي" سلوكه الطيب معها، فيرفع يده رابتًا على خدها بلطفٍ، ثم يقول معبرًا عن مشاعره باسلوبٍ كما لو أنه آخذ حبوب شجاعة أو ما شابه :
-أنا كنت قلقان عليكي جدًا. بصراحة.. كنت خايف أوي. بس الحمدلله. رجعتيلي بالسلامة إنتي و سليم
-سليم ! .. علّقت "هالة" مجفلة بارتباكٍ سببته كلماته و تصريحه الأخير
ليؤكد لها "فادي" ما سمعته قائلًا :
-أيوة.. أنا سميت الولد سليم. بعد إذنك طبعًا أنا عارف إنك أمه و من حق تختاري إسمه معايا. بس عاوز أقولك أول ما شيلته و الدكتور سألني على إسمه.. قسمًا بالله الأسم خرج من بؤي لوحده.. لكن لو مش عاحبك آ ...
-لأ حلو ! .. قاطعته و هي ترنو له في حالة تامة من السلام و السكون
ظلا على هذا النحو لبرهةٍ.. قالا كل شيء دون أن ينطقا... لكن أهم شيء هو أن "هالة" قد أدركت الآن بأنه قد عاد إليها هذه المرة، مقدمًا فروض الحب و الولاء
إذ أن الرابط بينهما لا يقتصر على شخصان.. لقد صاروا ثلاثة.. الطرف الثالث جمع بينهما برباطٍ لا يمكن فكه.. لقد تورطا ببعض رسميًا الآن !
Back
-سرحانة في إيه ؟!
أفاقت "هالة" من الذكرى على صوته ...
نظرت له فإذا به يقف أمامها مباشرةً، كان قد أتم مهمته و وضع صغيره بالمهد بعد أن ضمن سباته.. إستغرقها الأمر ثوانٍ حتى تمكنت من التركيز معه من جديد
فابتسمت برقةٍ قائلة :
-و لا حاجة.. يلا بينا بقى. تعالى نجهز سوا !
______________
ترقرقت دمعة بعين السيدة "فريال" و هي تقف متأنقة في ثوبها الرمادي اللامع بوسط البهو السفلي.. تأثرها يزداد و هي تباشر عقد ربطة العنق السوداء لإبنها
كان "عثمان" يقف بين يديها بكامل وقاره و هيبته، يرتدي حلة الزفاف.. سترة بيضاء فوق قميص أبيض، و سروال أسود و جذمة كلاسيك سوداء
تماسك "عثمان" طوال هذه المدة مراعيًا مشاعرها الأمومية، لكنه لم يتحمل لحظة فرار الدمع من عينيها... أمسك بيديها و قبلهما مغمغمًا :
-ليه اشوف دموعك دلوقتي طيب ؟ إنتي عارفة إن كل ده بيتم عشانك إنتي و سمر.. إيه ممكن يزعلك في يوم زي ده يا فريال هانم ؟!!
إبتسمت "فريال" له رغم الشجن الذي يغير بصدرها، و قالت بلهجة كسيرة تشوبها سعادة :
-أنا فرحانة يا عثمان.. عمري ما كنت فرحانة أد إنهاردة. أخيرًا شايفاك مستقر في حياتك و مبسوط و مكون أسرة خاصة.. بس فراق أبوك. فراق يحيى في يوم زي ده ممكن ينقص فرحتي شوية.. مش بإيدي يا حبيبي. سامحني !
-تتسم نظراته لها بحزنٍ مماثل.. لكنه يبدده بسرعة بابتسامة خفيفة و هو يمسك بوجهها بيديه، يدنو برأسه قليلًا و يطبع قبلة عميقة فوق جبهتها و يهمس :
-ربنا مايحرمنيش منك يا ماما.. إنتي أكبر نعمة في حياتي. أنا منغيرك أصلًا و لا حاجة !
-يا حبيبي ! .. تمتمت "فريال" و هي تعانقه ممسدة على ظهره بحنانٍ
لحظات و إستمعا إلى صوت الجلبة الخفيفة الآتية من الأعلى و قرع النعال... إستدارا معًا.. فإذا بـ"سمر" تظهر عند منتصف الدرج الضخم بفستانٍ أبيض كالثلج.. ضيق من أعلى و منفوخ من أسفل... مرصع بالكامل بفصوص من الماس البرّاق و قد صمم خصيصًا على يد أشهر خبير أزياء ليناسب وضعها كامرأة محجبة
أخيرًا "سمر" تطل بالأبيض.. لم يكن حتى حلمًا تجرؤ على معانقته ليلًا... لكنه يتحقق اليوم
على يمينها كلًا من "فادي" و "هالة".. و على شمالها صغيرها "يحيى".. ينزل على قدميه ممسكًا بيد خالته "ملك" ...
بدت "سمر" رغم جمالها الخارق مخطوفة الأنفاس.. مرتبكة إلى أقصى حد... مع هذا لم يرها "عثمان" أكثر جمالًا و لم تكن بعينيه أشد بهاءً إلا بهذه اللحظة.. و كأنها عروسه للمرة الأولى... و كأنه يزف للمرة الأولى
كان مسحورًا بها.. حتى وصلت عنده ...
أرخت قبضتيها عن فستانها الكبير و وقفت أمامه يتسرب اللهاث المتوتر من بين شفاهها، بينما يخرج الاطراء تلقائيًا على طرف لسانه :
-سحرتيني !
أطلقت نهدة مرتعشة باللحظة التالية و إبتسمت باضطرابٍ، أخفضت رأسها قليلًا و قالت بصوتٍ خفيض أقرب إلى الهمس :
-إنت مجنون.. أنا خايفة و متوترة جدًا. شكلنا إيه دلوقتي قدام الناس.. هايقولوا علينا إيه !!!
عثمان مبتسمًا بجاذبية :
-هايقولوا واحد و مراته.. بيعشقوا بعض. لدرجة يحتفلوا بجوازهم بالطريقة دي. و خلي بالك.. كل سنة في إحتفال زي ده !
رمقته بنظراتٍ شاخصة، لتتسع ابتسامته أكثر... أنقذت "فريال" اللحظات الحرجة قبل تفاقمها حين جاءت من خلف إبنها هاتفة بهدوء :
-عثمان.. المصوّر جاهز. يلا يا حبيبي إحنا مش أد مزاج فريدة هانم. عاوزينها تضحك في الصور
و ضحك الجميع بمرحٍ ...
إلتفت لها "عثمان" و قال بابتسامته عينها :
-،أوكي يا فريال هانم.. جايين. إسبقونا إنتوا دقايق بس و هانحصلكوا
أذعنوا له جميعًا و خرجوا ليتركوهما بمفردهما قليلًا ...
بقيت "سمر" مترقبة، فلم يجعلها "عثمان" تنتظر طويلًا.. ما إن ذهبت العائلة حتى أمسك بيدها و دعاها بلباقةٍ :
-تعالي معايا يا بيبي !
مشت وراءه مسلوبة الإرادة.. تفعل فقط ما يقول... إلى أن وصلا داخل غرفة المكتب.. تركها "عثمان" بالوسط و توجه ناحية الخزنة المقفلة بأرقام سرية.. فتحها و أخذ منها بعض الاشياء.. ثم أقفل عائدًا إلى زوجته
تبيّت "سمر" لدى عودته بأنها لم تكن سوى بضعة أوراق و علبة مجهورات كبيرة مبطنة بالمخمل الأسود ...
-إنفضلي يا سمر !
نظرت "سمر" للأغراض، ثم له و قالت :
-إيه دول ؟!
ناولها مجلد الأوراق قائلًا :
-ده File.. في كشف حساب باسمك في البنك. دلوقتي بقى معاكي 3 مليون جنية. تقدري تعتبري المبلغ هو المؤخر بتاعك. إحنا متجوزين فعلًا بس ظروف جوازنا في الأول ماسمحتش أخد بالي من نقطة زي دي.. بس دلوقتي الظروف إتغيرت. و ده حقك عليا و دين في رقبتي ليكي ...
و تحت نظراتها الذاهلة استطرد و هو يفتح الملف و يسحب ورقة معينة :
-و ده كمان عقد فيلا في سيدي كرير. العقد مكتوب باسمك.. مش فاضل غير نروح نوثقه بس. و كمان شوفتلك عربية آ ا ...
-بس بس بس ! .. قاطعته "سمر" مبهورة الأنفاس
نظر لها بصمتٍ، فقالت مشدوهة :
-إيه كل ده ؟ و ليه.. ليه تعمل كل ده.. أنا ماطلبتش منك تعمل كده !
هز "عثمان" كتفيه قائلًا ببساطة :
-مش لازم تطلبي.. دي حقوقك. هو بس ماكنش في مناسبة أعمل كده أول ما اتجوزنا.. لكن إنهاردة أنسب وقت. دي أقل حاجة ممكن أقدمهالك أصلًا و أقل تقدير ليكي. أنا مهما عملت مش هاوفيكي مجرد وجودك في حياتي يا سمر. أنا بحبك. و دي لوحدها بالنسبة لي تكفَّي و كبيرة أوي
-بس ...
-مابسش ! .. قاطعها هو هذه المرة واضعًا اصبعه فوق شفاهها
و قبل أن تعترض مرةً أخرة فتح علبة المجوهرات و أسندها فوق طاولة محاذية، ثم تناول أولى قطع طقم الألماس و هو يتمتم مستأذنًا :
-تسمحيلي ! دي شبكتك الحقيقية.. كل حاجة بتتم إنهاردة حقيقية يا سمر. إوعي ترفضي أي حاجة أو تبوظي إللي بيحصل. عيشي مع التفاصيل بس.. إفرحي. أنا عاوزك تفرحي !
لا شعوريًا تجمعت الدموع بمآقيها، لكنها ما لبثت أن كبحتها مخافة على زينة وجهها.. إزدردت ريقها بغصة ثقيلة علقت بحلقها، ثم وجدت بعدها القدرة على الابتسام مرةً أخرى
لتتركه يتمم ما نوى عليه دون أن تعترض أو تفه بكلمة واحدة.. ستفعل ما قاله... ستأخذ بنصيحته
ستفرح.. ستفرح فقط ...
______________
في حفل زفاف وصف بالأسطوري إحتضنته عروس البحر الأبيض المتوسط.. إذ كان أعظم و أفخم من سابقه الذي أقيم هنا بنفس القصر منذ قرابة أربعة أعوام
حضرت وسائل الاعلام لتصوير لقطات حيّة منه، و قد تحدثت أيضًا عن تكلفة خيالية و مبالغ ضخمة أنفقت في هذا الحفل الذي حضره نخبة المجتمع من مشاهير و سياسيين و أثرياء من كافة أنحاء العالم.. فالعريس ليس بالرجل الهيّن و إسمه وحدة علامة يعرفها الجميع هنا أو بالخارج
توالت الفقرات الممتعة و كانت أبرزهم فقرة الألعاب النارية التي أحالت سماء المدينة ظهرًا مشرقًا.. كما ساهم باحياء الاحتفال العديد من المطربين المشهورين محليًا و أفتتحا العروسين الحلبة بالرقصة الأولى على أنغام غنوة "Can't Take My Eyes Off You".. لم تكن "سمر" بارعة في تأدية الرقصة... لكن "عثمان" جعلها تبدو متقنة أكثر من المألوف عنها
و مضى الوقت بين الرقص و الاستمتاع بالخدمات الفندقية الممتازة.. بينما كانا العروسين يجلسان في المقعدين المخصصان لهما و توافد عليهم المهنئين
حتى وصل "مراد" و زوجته.. فذهبت الزوجة لتبارك للعروس، بينما "مراد" يتوجه إلى صديقه مباركًا و مازحًا في آن :
-مبروووووك يا أبو الصحاب. يلهوي يا عثمان مش بتتهد خالص كده.. نروح جمبك فين يابني
-قل أعوذ برب الفلق ياخويا مالك كده ! .. و ضحك "عثمان" مقهقهًا
مراد مشاكسًا : لا و الله بتكلم جد. ده أنت فاجر يا أخي.. غير علاقاتك إللي حطمت بيها الأرقام القياسية قبل ما ربنا بهديك. كده متجوز 3 مرات.ناوي على الرابعة إمتى ؟!
و غمز له
زجره "عثمان" قائلًا بتقريعٍ :
-رابعة إيه يابني آدم. أنا خلاص توبت. سمر مِسك الختام يا حبيبي.. خلاص قلبي قفل عليها
-يا راجل ! متأكد ؟! .. ثم صاح و كأنه تذكر :
-آاااه صحيح.. إنت ماقولتليش عملت إيه مع نانسي. هي لسا على ذمتك ؟؟
رمقه "عثمان" من علو و قال بخبثٍ شيطاني :
-مين دي إللي على ذمتي ؟ أنا ماتجوزتش نانسي يوم واحد أصلًا يا مراد.. كل إللي حصل ده فيلم من إخراجي عشان أهاودها بس. نانسي مين إللي أتجوزها و تشيل إسمي يا مراد !
نزلت صدمة كلماته على صديقه كالصاعقة، ليقول غير مصدقًا :
-يابن الأبلسة. معقول تعمل كده ؟!!! .. ثم ما لبث أن قال بسخرية :
-صحيح أنا ليه مستغرب.. أنا أكتر واحد يشهد على تاريخك المجيد !
و ضحكا الإثنان معًا
تبادلا العناقات مرةً أخرى... ثم ذهب "مراد" و زوجته ليختلطا بالحضور.. بينما تميل "سمر" ناحية زوجها متسائلة بفضول مرتاب :
-كنت بتقول إيه لصاحبك ؟!
إبتسم لها و شبك أصابعه بأصابعها، ثم قال واعدًا :
-بعدين هقولك.. ماتقلقيش. كل حاجة هاتعرفيها يا حبيبتي !
-مبروووك !
إرتفع رأسيهما معًا لينظرا نحو مصدر الصوت الأنثوي ...
فإذا بها السيدة "يارا شهدي".. تطل مبتسمة و مزدانة بأجمل الثياب و الزينة
شهقت "سمر" من فرط السعادة لحظة أن رأتها، قفزت واقفة على الفور و عانقتها بتلقائية ...
-مدام ياراااا.. مش مصدقة عنيا. إنتي هنا بجد !!!!
ضحكت "يارا" و هي تبادلها العناق قائلة :
-أيوة يا سمر. أيوة أنا هنا بجد.. عثمان بيه عزمني على الفرح. أنا كنت إديتله الكارت بتاعي و وصيته يوصلهلك !
و ألقت نظرة مشككة صوب "عثمان"... ليقول الأخير بهدوء و قد قام واقفًا بدوره :
-أنا كنت عاوز ظهورك تاني في حياتها يكون تأثيره كده بالظبط.. عشان كده حبيت يبقى مفاجأة. نورتينا يا يارا هانم
وحنى رأسه لها تبجيلًا ...
يارا برقتها المعهودة :
-ده نور سمر يا عثمان بيه.. فعلًا أجمل عروسة شوفتها. و ماتتخيليش فرحتي بيكي
أغرورقت عينيّ "سمر" بطبقة خفيفة من الدموع و هي ترد عليها بامتنانٍ :
-أنا مش عارفة أقولك إيه أو أشكرك إزاي.. بجد شكرًا على كل حاجة !
يارا مؤنبة بلطفٍ :
-ماتقوليش كده.. ماتزعلنيش منك. المهم دلوقتي إني شايفاكي كده. بتضحكي و مبسوطة. ألف مبروك يا حبيبتي
و عانقتها مرة أخيرة، ثم إلتحقت بدورها إلى صفوف الحاضرين.. و قد كان هناك بعض الأشخاص الذين تعرفهم شخصيًا سعدوا كثيرًا لرؤيتها
أما "سمر" فاستدارت نحو زوجها قائلة بلهجة استجوابية :
-ممكن أعرف خبيت عني الكلام إللي قالته ده ليه ؟!
رمقها "عثمان" بطرف عينه و قال بلهجة ذات مغزى :
-زي ما إنتي خبيتي عني تفاصيل معرفتك بيها.. أنا ماسألتكيش و كنت مستني تيجي تقوليلي. بس لما ماحصلش عرفت بنفسي !
شحبت "سمر" خاصةً حين لمحت نظرة العتاب و الغضب تتراقص بعمق عينيه.. لتقول بتلعثمٍ :
-آ أنا.. أنا ماعملتش حاجة غلط. أنا كنت آ ا ...
-ششششش إسكتي يا سمر ! .. أسكتها بصرامةٍ
-مش وقته كلام في موضوع زي ده. خلينا نتعاتب فيه بعدين.. بس أهم حاجة لازم تعرفيها دلوقتي حالًا إن مهما حصل بينا. إوعي تفكري تسبيني أو تتخلي عني. لأننا مالناش غير بعض.. ماينفعش حد فينا يبعد يا سمر. فهماني ؟!
أومأت له مرتان ...
فمنحها نصف إبتسامة و رفع كفه ليمسد على خدها برقةٍ.. و لكن يقاطع هذا المصوّر الذي قفز أمامهما فجأة و طالبهما بصورة حميمية
إستجاب له "عثمان" على الفور و طوقها بذراعيه، أما هي فتشبثت بكتفيه و أسندت رأسها فوق صدره العريض.. و بينما كان المصوّر يلتقط لهما أكثر من صورة، كانت نصيحته تصدح بأذنيها من جديد
أن تتناسى كل شيء في هذه اللحظات.. و تنعم فقط بالليلة التي لطالما حلمت بها و ظنت بأنها أبدًا لن تنالها... إلا أنه و كعده دائمًا مثل عرَّابًا سحريًا.. يتواجد بحياتها فقط ليحقق لها أمانيها ....
انتهت احداث الرواية نتمني أن تكون نالت اعجابكم وبانتظار آراءكم في التعليقات شكرا لزيارتكم عالم روايات سكير هوم