رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الثامن و العشرون 28 بقلم مريم غريب





 رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الثامن و العشرون 28 بقلم مريم غريب


_ مثل ملاك ! _


لم تجلس دقيقة واحدة منذ العودة إلى البيت.. كانت في حالة نشطة غريبة... ربما كانت مسرورة لأنها ستذهب لزيارة منزل عائلتها.. لعلها افتقدت الجميع هناك.. و لعلها أيضًا متلهفة لاستعراض علاقتها الزوجية السعيدة مع "فادي" أمام الجميع و خاصةً أمام "عثمان".. إبن عمها الذي قدمت له نفسها مرارًا على طبقٍ من ذهب، لكنه في كل مرة يأبى و يعرض عنها بقساوةٍ


في الحقيقة هو لم يعد يهمها.. و لا بأيّ حالٍ من الأحوال... أدركت هذا بعد كل الذي فعله بها، و الغدر الذي رأته منه و الخداع المبين.. لقد أعماها حبها إليه لذلك لم تستطع رؤية نواياه الحقيقية.. لكنه أصبح فصلًا من ماضيها.. فصلًا.. فصلًا لم تنهيه بعد... لكنها بصدد ذلك !!!


كانت "هالة" تباشر باعداد غرفة المعيشة بطريقة تناسب ذوق زوجها حتى يجلس مستمتعًا بمشاهدة المباراة المرتقبة، و أيضًا كانت تقوم بتحضير بعض المأكولات الخفيفة و المسليات ريثما يعود "فادي" من الخارج ...


لكنه تقريبًا قد عاد.. إذ هدر صوت جرس الباب في هذه اللحظة، لتترك "هالة" ما بيديها و تهرول ناحية الباب و هي تهتف :


-أيوة.. أيوة أيوة حبيبي جاية أهو ..


و فتحت مبتسمة ...


-بابي ! .. صاحت "هالة" متفاجئة


تشكلت الابتسامة على ثغرها مرةً أخرى و هي ترتمي بين أحضان أبيها قائلة :


-إيه المفاجأة الحلوة دي ؟ إنت عارف إن فادي كان هايجبني عندكوا إنهاردة ؟ بس إنت سبقتني و جيت عندي الأول.. مش مشكلة نمشي سوا كلنا


بدأت "هالة" تشعر بخطبٍ ما بوالدها، بالأخص عندما ظل صامتًا هكذا... إرتدت عنه للخلف قليلًا و قالت و هي ترمق وجهه الشاحب بقلق :


-بابي ! إنت كويس ؟ في حاجة حصلت ؟!!


و بالصدفة لمحت بطرف عينها تلك الحقيبة الكبيرة أسفل قدميه.. أخفضت "هالة" نظراتها لترى أخرى مثلها بالجانب الآخر و لكن أصغر حجمًا ...


-مافيش حاجة يا حبيبتي إطمني ! .. قالها "رفعت" لما لاحظ نظراتها و انقباض ملامحها


تطلعت "هالة" إليه، بينما يستطرد بابتسامة طبيعية :


-أنا بس مسافر إنهاردة. طالع على لندن ف قلت أجي أشوفك و أسلم عليكي قبل ما أروح المطار


عبست "هالة" بقلق أكبر و هي تسأله :


-مسافر ؟ مسافر ليه ؟ مسافر فجأة يا بابي.. ليه ؟؟!!!


رفعت بلطف : طيب تعالي ندخل و نتكلم جوا يا حبيبتي. أنا لسا قاعد معاكي شوية.. يدوب سلمت على أخوكي و مرات عمك و شوفتهم كلهم و بعدين أستأذنتهم. قولتلهم هاروح أقضي الوقت إللي باقي كله مع هالة.. إنتي عارفة غلاوتك عندي عاملة إزاي غير أي حد ..


و بالفعل ولجا معًا إلى الداخل، و نقل "رفعت" حقائبه بالمدخل بجوار الباب.. ثم مشى مع إبنته نحو الصالون المقابل، جلسا متلاقصين تقريبًا و قد جللت الصدمة معالم "هالة" إلى حدٍ ما.. و كأنها قد بوغتت بقسوة... مجددًا !!!


-إنت هاتسيبني و تمشي ؟ .. تساءلت "هالة" بآلية و هي ترنو لوالدها بنظراتٍ حديدية


مسح "رفعت" على رأسها بحنو و هو يقول :


-لأ طبعًا.. أنا عمري ما أسيبك. دي هي مجرد فسحة.. إيه يعني ؟ مش من حقي ؟ خصوصًا بعد ما بقيت لوحدي تقريبًا.. أخوكي إتجوز و خلف و بقى له حياته. و إنتي كمان إتجوزتي. و بكرة هايبقى عندك ولاد و هاتنشغلي بحياتك أكتر


هالة بغصة مريرة :


-أنا عمري ما أنشغل عنك.. إحنا طول عمرنا مع بعض يا بابي. عمري ما سيبتك. حتى لما كنت متجوزة مراد و سافرت معاه. ماكنتش بتسيبني و كنت علطول بتجيلي


إزدرد "رفعت" ريقه بتوتر و قال محاولًا الابتسام :


-ما أنا هاكون معاكي بردو. هابعتلك تجيلي إنتي و جوزك في الاجازات. انتي عارفة إنك ممكن تجيلي في أي وقت أصلًا.. نص ساعة بالطيارة ممكن تيجي تفطري معايا و ترجعي مع وقت رجوع جوزك من الشغل !


و ضحك بخفة ليروّح عنها هذا الضيق و العبوس، لكنه لم يفلح.. فأطلق نهدة عميقة من صدره و قال و هي يربت على يدها الملقاة بحجرها :


-هالة.. مش عايز أمشي و إنتي مضايقة. أنا قولتلك مسافر عشان أفصل شوية و أستجم.. الموضوع مش غريب يا حبيبتي. أنا طول عمري بسافر. ماقعدتش في بلدي أكتر ما قعدت برا


و هنا خانها تماسكها و فرت دمعة حارة من عينها و هي ترد عليه بصوتٍ متهدج :


-بس كنت معاك.. طول عمري و أنا معاك إنت. أنا ماشوفتش مامي و مش فاكرة شكلها و لا ريحتها حتى.. لكن فاكراك إنت. إنت بس يا بابي !


-أووف يا هالة أوووف !!! .. غمغم "رفعت" بنبرة معذبة


شدها لصدره و أطبق عليها بين أحضانه بقوة و هو يهدئها قائلًا :


-بس يا حبيبتي.. بليز بلاش عياط. أنا مافيش حد ممكن يوجع قلبي غيرك.. كل إللي بتمناه إن أشوفك كويسة و مبسوطة. أنا عملتلك كل حاجة. أو عملتلك كل إللي أقدر عليه.. نفسي ألاقي مردود تعبي عليكي السنين دي كلها. نفسي تثبتيلي إني ماضيعتش عمري عليكي في الهوا !


تنهدت "هالة" بحرارة فتشنج جسمها قليلًا.. ثم رفعت وجهها لتنظر إلى أبيها متمتمة و الدموع تسيل من عينيها الجميلتين :


-خلاص يا بابي.. سافر. سافر و إتفسح و عيش حياتك.. ماتشغلش بالك بيا


أمسك "رفعت" وجهها بين يديه و هو يقول بلهجة خفيضة مؤكدًا :


-إنتي أكتر حاجة ممكن تشغلني.. ماعنديش أغلى منك يا هالة. فاهمة و لا لأ ؟؟


حدقت فيه عبر نظراتها الكسيرة.. ابتسمت بسخرية واضحة.. فتزعزع ثبات أبيها للحظة... لينتبها معًا في اللحظة التالية إلى وصول "فادي" المفاجئ


ترك "رفعت" إبنته و إستدار قليلًا حين أغلق باب الشقة و رافقه صوت "فادي" المنشرح :


-الله ! رفعت بيه عندنا.. إيه المفاجأة الحلوة دي يا أهلًا و سهـ آ ا ..


و بتر عبارته.. عندما شاهد زوجته تجلس وراء أبيها و كأنها كفّت للتو من نوبة بكاء، إذ بدت منهارة للغاية ...


-هالة !!! .. هتف "فادي" و هو يلقي الأغراض التي كان يحملها في يديه فوق الطاولة بإهمال


مضى صوب زوجته و جلس على طرف المقعد المجاور لها و قال و هو يمد يده السليمة ليزيح خصلات شعرها المبعثرة عن وجهها :


-مالك يا حبيبتي ؟ إنتي كنتي بتعيطي ؟ إيه إللي حصل ؟؟؟


أتاه الرد من "رفعت" على الفور مطمئنًا :


-مافيش حاجة يابني.. هي كويسة ماتقلقش. أنا بس جيت أودعها قبل ما أسافر ف ماستحملتش. خصوصًا إن سفري جه فجأة. يدوب قررت من يومين و محدش كان يعرف إلا إنهاردة.. كده كده مابحبش لحظات الوداع. بس هالة وضع مختلف. طول عمري مش بتحرك في مكان إلا بيها عشان كده كان لازم أجي أشوفها. الله أعلم هانزل تاني بعد أد إيه !


كان "فادي" خلال استماعه لتفسير "رفعت" قد إنتقل إلى جوار زوجته، حيث صارت بينه و بين والدها.. أمال رأسها على صدره و أخذ يمسد على كتفها بحنان و هو يقول :


-خلاص يا هالة.. إهدي يا حبيبتي. عاملة كل ده عشان باباكي مسافر ؟ طيب ما أنا معاكي أهو. أنا عمري ما هاتحرك من جمبك و لا أروح أيّ مكان. و إللي إنتي عايزاه أنا هاعملهولك.. بس ماشوفكيش في الحالة دي أبدًا ..


كان "رفعت" يراقبهما مبتسمًا برضا... كما كان إطمئنانه عظيمًا.. فقد استطاع أن يرى رآىَ العين استقرار إبنته و محبة زوجها الواضحة.. في كل الأحوال هي فقط من كانت تشغل باله و الخوف يتملكه من ناحيتها


لكنه الآن صار مرتاحًا.. "فادي" سيعتني بها، و أخيها، و "عثمان" أيضًا إن لزم الأمر ...


_______________


كانت أمه هناك... عندما عاد رأها تجالس ضيوفه و قد كانت بمفردها دون أن تصحب معها طفله كالمعتاد.. لم يخفى عليه توترها الذي حاولت مدارابإبتسامتها الرقيقة


لكنه أقبل عليهم و هو يهتف بصوته العميق و في نفس الوقت محافظًا على ابتسامته الدبلوماسية المعهودة :


-كنت لسا هاعتذر عن الشوية إللي غيبتهم. بس خلاص طالما جيت و لاقيت فريال هانم بنفسها مكاني كأني كنت موجود و أكتر ..


و أضاف معرفًا حين وصل عند أمه و انحنى ليقبل رأسها :


-دي أمي يا دكتور. و أغلى حاجة في حياتي كلها.. و دول ضيوفنا يا فريال هانم. من طرف مراد


أومأت له "فريال" و هي تخصه وحده بنظرتها الصلدة القاسية :


-أيوة يا حبيبي عارفة.. لسا متعرفين حالًا و عرفت خبر جواز مراد بردو.. يا محاسن الصدف و الله. زي بعض دايمًا إنت و صاحبك من و إنتوا في التختة. و لا إيه يا عثمان ؟


فهم "عثمان" ما ترمي إليه جيدًا، لكنه تجاوز تلميحاتها و قال مشيرًا نحو ضيوفه :


-و أنا راجع وصيت الطباخين يحضروا أحسن غدا ممكن يتعمل عشان حد مهم و عزيز زي الدكتور أدهم و حرمه و أولاده.. بس تحت اشرافك هاكون مطمن أكتر يا فريال هانم


فريال بنعومة : ماتقلقش خالص يا حبيبي.. عندي. إطمن.. و كلنا هانكون موجودين طبعًا. ما عدا سمر. المسكينة تعبانة و مش هتقدر تسيب أوضتها.. و عمك رفعت كمان.. أظن ماعرفتش إنه قرر يسافر فجأة الليلة دي !


بقى "عثمان" هادئًا في مواجهة كلمات أمه التي لم تعمد إلا لإثارة حفيظته.. لكنه لطالما كان منيعًا ضد المثيرات بكافة أنواعها، فقابل كل تصرف و كل كلمة منها برحابة صدر و دون أن تهتز ابتسامته طرفة عين ...


-أستاذ عثمان !


للمرة الثانية ينقذه أحدهم من حوارًا بمثابة المأزق ...


إلتفت "عثمان" إلى صوت السيدة "سلاف".. كان زوجها ينظر إليها باهتمام لما تريد قوله تاليًا، بينما يرد عليها "عثمان" بتهذيبٍ :


-تحت أمرك يا مدام إتفضلي !


سلاف باسلوبها الواثق :


-ممكن أشوف أم يحيى.. فريال هانم قالت قبل ما حضرتك تيجي إنها مريضة. تسمحلي أزورها ؟


و هنا ارتبك "عثمان" لأول مرة طوال هذا اليوم، خاصةً عندما لاحظ زوجها يتململ في جلسته و كأنه يرغب بتوبيخها لطلبها لكنه لا يستطيع في وجودهم.. سمعها تكرر عليه نفس الطلب مرةً أخرى و بإلحاح أشد :


-زيارة المريض صدقة و واجب يا أستاذ عثمان.. أنا عايزة أشوف أم بحيى و أطمن عليها إذا سمحت !


في وضع نادرٍ كهذا، لم يعرف "عثمان" كيف يتصرف.. فنظر إلى أمه مستجديًا منها مساعدة أو حتى الرد نيابة عنه... لكنها و بمنتهى البرود و الهدوء أشاحت عنه و قامت و هي تقول ببشاشة :


-عن أذنكم.. هاروح أشوف أخبار المطبخ بس. مش هتأخر !


_____________________


مرّ الوقت.. قليلًا ...


حتى و لو كان مروره ثقيلًا.. حتى و لو كان كالكابوس، منذ متى لم تكن حياتها كلها كالكابوس ؟ لقد عاشت في مأساة طوال عمرها، لم ترى يومًا هنيئًا.. إلا معه هو.. لسخرية القدر كانت أجمل أيام حياتها تلك التي عاشتها معه


و لكن لماذا ؟ هل لأنه ثريًا ؟ لأنه ذا سطوة و نفوذ ؟ لأنه يملك الدنيا و بامكانه تحقيق أحلامها قاطبةً و المستحيلة منها أيضًا ؟ .. هل أحبته من أجل أمواله حقًا كما صرح لها ذات مرة في إحدى المشاجرات بينهما خلال فترة ما بعد حادث أخيها مباشرةً !


إنها لا تعلم مدى صحة إدعائه هذا.. لعلها كانت تراه طوق نجاة لها و لأخويها، مرساة تنقذها من دوامة الفقر و الذِلة التي كادت تغرق فيها و تهلك قبل أن تراه و يسجلها بقائمته.. على رأس أولوياته


صحيح أنها لم تغرق بفعل الفقر، إذ نجح فعلًا بإنتشالها منه هي أخويها و رفعهم جميعًا إلى مستوى لم تكن تجرؤ على الحلم به لنفسها فقط.. لكنه أيضًا نجح و بجدارة في أن يجعلها تغرق بمحض إرادتها بمستنقع آخر، كانت تظنه حتى وقت قريب جدولًا عذبًا من الغرام و العشق.. إلى أن أفاقت متأخرًا و اكتشفت بأنه لم يكن سوى خداع.. مرارة و غدر أهلكت فيهم نفسها بنفسها عن جهالة


و لكن هل فات الأوان ؟ هل فقدت ذاتها و أصبحت دميته التي يروق له أن يلهو بها ساعة يشاء ؟ .. يا لروعة الوصف


إنها حقًا كالدمية.. منذ تعرفت عليه... اشتراها أولًا، ثم بدأ يفعل بها كل ما يشتهي.. يكسوها و يعريها.. يزينها و يشوهها... و في الأخير.. ها هو قد كسرها.. مع أنها ليست المرة الأولى.. فمتى إذن.. متى سيُلقي بها بالنفاية ؟ أو يدعس عليها بقدميه و يمر فوق حطامها ناسيًا أمرها إلى الأبد ؟ ما الذي ينتظره ليقدم على تلك الخطوة النهائية ؟ لقد مضى وقت طويل بالنسبة لرجل سريع الملل مثله !!!


كانت "سمر" لا تزال على حالها منذ تركها زوجها بالغرفة ...










كانت لا تزال تفترش الأرض بجسمها المتكور، كانت في أقصى حالات ضعفها، ضعفها الذي لطالما أجاد إستغلاله ضدها جيدًا.. و الذي لم تعد تأبه إذا رآه عليها الآن


لا مزيد من التظاهر بالقوة أو ما شابه.. لقد خسرت كل شيء، حتى ابنها، لا تملك فيه شعرة، رغم أنها أمه التي حملته و ولدته... لكن كونه إبن "عثمان البحيري" لا يعطي لأحدٍ غيره و عائلته امتيازات عليه حتى و لو كانت هي !


من مكانها... إلتقطت "سمر" صوت صرير خفيف لباب الغرفة، لكنها لم تعير ذلك أدنى اهتمام و قد اعتقدت بأن أيًّما كان الذي دخل عليها الآن سيتسبب في جلبة لمرآها هكذا


لكن لا شيء.. لم يحدث أيّ شيء، و بقت الأجواء هادئة ...


حتى شعرت فجأة بظل كبير يميل صوبها، و بكفٍ رقيقة تحط فوق كتفها... كانت موقنة بأن هذا الذي يصير معها.. كل هذا اللين و الدفء المفاجئ لا يمت لعائلة "البحيري" بصلة


لذلك دفعها فضولها للاستدارة و إلقاء نظرة مستطلعة ...


تفاجأت حين رأت هذا السواد، و ربما انقبض قلبها لوهلة.. لكنها ما لبثت أن اطمئنت عند رؤية ذلك البريق الفيروزي اللامع عبر فتحتي حجاب الوجه المسدل فوق رأس تلك المرأة الغريبة !!!


ثوانٍ و وجدت "سمر" لسانها ينطق من تلقاء حاله :


-إنتي مين ؟!


كان صوتها بالكاد يخرج واضحًا لشدة الدموع الحبيسة التي زاحمته بداخلها ..


في هذه اللحظة ارتفعت يد المرأة، لتكشف عن وجهها الأشبه بقرص البدر المنير.. ابتسمت لها بوداعة و قد بدت لها مثل الملاك، دون أدنى مبالغة ...


-أنا سلاف ! .. قالتها المرأة بصوتها العذب و هي تمد يديها لتساعدها على القيام


و بالفعل... عاونتها باصرار حتى وضعتها في سريرها و هي تربت عليها متمتمة بلطفٍ :


-ألف سلامة عليكي يا أختي.. ربنا يكشفه عنك إن كان ضر أو ضيق.. أنا عارفة إللي في صدرك و تعبك يبقى إيه. بس إنتي أده يا أم يحيى !


نظرت لها "سمر" عندما نادتها بتلك الكُنية بالذات ...


-قولتي إيه ؟!! .. رددت "سمر" مقطبة بشدة و عيناها تلتمعان بالدموع


خلعت "سلاف" قفازها السنيك و مسحت على رأسها بالبسملة، ثم قالت بابتسامتها اللطيفة المهدئة :


-قلت يا أم يحيى.. مش ده إسم إبنك ؟ ربنا يجعله قرة عين و بار لأمه. و يحفظه و يبارك لك فيه و يجعله من أهل الصلاح و التقوى.. قولي أمين يا أم يحيى ..


كل الكبت الذي مارسته على نفسها خلال تلك الساعات المنصرمة، جاءت هذه و بكبسة زر أبطلته... ليفلت ثباتها و تتحرر الدموع من مآقيها، فتنهار رامية بنفسها بين ذراعي تلك الغريبة و هي تجهش بالبكاء


بكاء كثير و حار... خالت بأنه لن ينتهي أبدًا، و مع ذلك لم تتخلى عنها الأخيرة و بقيت إلى جوارهة تؤازها... و كأنها ملاكًا بحق.. ملاكًا أرسلها الله إليها في هذا اليوم و هذه الساعة بتدابيره و حكمته العظيمة.. و كأنها مكلفة بابلاغها تلك الرسالة... التي لم يكن مفادها سوى التأكيد بأنها ليست وحيدة..و ليست بعزلاء كما ظنت أمام سطوة زوجها و سلطته... لطالما كانت هناك دائمًا قوى علية لا تقهر أبدًا تهتم لأمرها و ترعاها كما في كل الأوقات منذ وجدت على ظهر هذه الحياة.. حتى في ذلك الوقت الذي اعتقدت بأنه لا ناصر لها و لا مغيث من نوائب الدهر المدمرة.. لربما كان هذا إختبارًا و كان عليها أن تصبر قليلًا... و أيضًا ربما هذا كله تكفيرًا عن خطيئتها و جريرتها بحق نفسها.. ربما .... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! .................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

         الفصل التاسع والعشرين من هنا 

تعليقات



×