رواية عزلاء امام سطوة ماله الفصل الثامن و العشرين 28 بقلم مريم غريب
_ الضيف ! _
في هدأة الليل ... تجلس "فريال" بغرفتها نصف غافية علي الكرسي الهزاز
عندما إقتحمت وصيفتها جناحها فجأة و هي تهدل بصخب :
-فريآاال هآاانم . يحيى بيه وصل . يحيى بيه وصل !
إنتفضت "فريال" من غفوتها النصفية و وثبت قائمة في لمح البصر ..
-بتقولي إيه يا سعاد ؟ يحيى . يحيى جه بجد ؟؟؟
كانت "فريال" شديدة الإضطراب و الإنفعال ، كان صوتها مهزوزا فيه قدر كبير من الذهول و الفرح و الشك ... فمازال باكرا علي موعد عودة زوجها من السفر ..
أكدت الوصيفة بإبتسامة عريضة :
-يحيى بيه لسا واصل حالا يا هانم أنا أول ما شوفته تحت جريت علي حضرتك علطول عشان أبشرك.
فريال بسعادة مفرطة و هي تغطي فمها بكفيها :
-ميرسي يا سعاد . إنتي بجد تستاهلي مكافأة علي الخبر ده . ليكي عندي هدية.
و أسرعت نحو المشجب الخشبي حيث بعض ثيابها المعلقة هناك ، بينما قالت "سعاد" بإبتسامة خجلة :
-العفو يا هانم . أنا ماعملتش حاجة.
إلتقطت "فريال" روب محتشم منسوجا من الحرير الخالص و إرتدته فوق قميص نومها الغير محتشم و لم تنتظر ثانية أخري
طارت عبر الغرفة و هبطت إلي الأسفل بسرعة فائقة ..
-يحيــــــــــــــــــــــــــــى ! .. هتفت "فريال" عاليا و هي تركض صوب زوجها ، ليلتفت لها "يحيى" مبتسما و يفتح ذراعاه بحركة تلقائية
إرتمت "فريال" بقوة في حضنه
تكورت في صدره و دست رأسها تحت إبطه ، ثم همست بعاطفة ملتهبة :
-حبيبــــي .. حبيبي وحشتني أووي أووووي . يآاااااااااااااااااااااه . ده حضنك واحشني بشكل !
-إنتي كمان واحشاني جدا جدا يا حبيبتي .. تمتم "يحيى" بخفوت و هو يحتضنها بشدة ، لتستعر اللهفة في صدرها و تزيد إلتصاقا به و هي تتنهد بحرارة
بينما مال "يحيى" مبتعدا عن عناقها و هو يحمحم ثم يقول بنبرة رزينة مرتفعة إلي حد مناسب :
-مش هتسلمي علي ضيوفنا و لا إيه يا فريال هانم ؟
في هذه اللحظة إنقشعت الغمامة الوردية التي غلفت حواس "فريال" ..
لقد نست أنهما ليس وحدهما ، ثم أدركت أن طريقة إلتحامها بزوجها الآن ليست سلوكا مهذبا في وجود الآخرين
شعرت بالإحراج ، فإبتعدت نصف خطوة و هي تجوس بنظرها علي وجهي "محمود أبو المجد" و زوجته الأنيقة السيدة "رباب التميمي" ..
-آاا أهلا و سهلا ! .. قالتها "فريال" بقدر من التوتر ، ليرد الزوجين في نفس واحد و البسمة تعلو شفاههما :
-أهلا بيكي يا فريال هانم.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
بعد وقت قصير ... يصعد "يحيى" مع زوجته إلي الغرفة
ينصرف الخادم الذي نقل حقيبة السفر من الأسفل إلي هنا ، لتنفرد "فريال" أخيرا بزوجها ..
-إنت إزاي ماتقوليش إنك راجع إنهاردة .. قالتها "فريال" بغنج و هي تسند يديها علي صدر "يحيى"
ليرد الأخر بإبتسامة و هو يداعب خصلات شعرها اللولبية :
-حبيت أعملهالك مفاجأة . إيه ! كانت مفاجأة وحشة يعني ؟!
فريال برقة شديدة :
-دي أحلي مفاجأة يا قلبي.
و طوقت رقبته بذراعيها و هي تبتسم بحب ، ثم صاحت فجأة :
-و صحيح إيه إللي جاب محمود و رباب معاك ؟ و جبتهم هنا ليه ؟!
يحيى بصوته المخملي الجذاب :
-قابلتهم في المطار يا حبيبتي و كانوا علي نفس طيارتي فإقترحت عليهم يقعدوا عندنا هنا طول مدة سفرهم زي مراد إبنهم كده.
عبست "فريال" قائلة :
-هو بيتنا بقي آوتيل يا يحيى كل من هب و دب هيجي يقعد عندنا.
يحيى بضحك :
-إيه ده يا فريال هانم ! إيه التحولات الغريبة دي . ده إنتي طول عمرك كريمة إيه إللي حصل.
فريال و هي تمط شفتاها و تعكف حاجباها بشئ من الضيق :
-ماقولتش حاجة يا حبيبي . أنا قصدي بس إن بيتنا في أسرار و لازم يبقاله خصوصية . وجود ناس أغراب معانا حاجة مش لطيفة أوي و لا إنت إيه رأيك ؟
يحيى بتفكير :
-بس هما مش أغراب عننا يا فريال . إحنا نعرفهم . ماتنسيش إن محمود صاحبي من زمان أوي ! .. ثم قال بجدية :
-و بعدين إبنهم قاعد معانا بقاله أكتر من شهر ماشوفناش منه حاجة و مافيش سر من أسرار بيتنا طلع برا .. علي ما أعتقد.
تنهدت "فريال" و قالت بإستسلام :
-خلاص يا يحيى . إللي تشوفه !
يحيى بنعومة و هو يسير بأنامله ببطء علي خدها :
-لأ مش إللي أشوفه . إللي نشوفه يا حبيبتي . لو حاسة بقلق ناحيتهم خلاص . أنا مستعد أعتذرلهم و أخليهم يمشوا بكره الصبح.
فريال بإستنكار ممزوج بالحرج :
-يا خبر ! لأ . لأ يا يحيى ماينفعش طبعا . كده يبقي بنطردهم مايصحش لأ .. ثم أردفت بإبتسامة متكلفة :
-خلاص . أنا موافقة يقعدوا معانا . أمر لله بقي !
إبتسم "يحيى" بحب ، ثم قال :
-قلبك أبيض طول عمرك يا حياتي.
فريال و هي ترد له الإبتسامة :
-و إنت طول عمرك قلبي يا يحيى .. ثم قالت بتحذير :
-بس بعد كده ماتبقاش تتصرف من دماغك و تعزم أي حد زي ما عملت إنهاردة . لازم تاخد رأيي في حاجة زي دي الأول.
يحيى بأداء مسرحي :
-سمعا و طاعة يا سيدتي.
ضحكت "فريال" بدلال ، و من جديد إزدادت إقترابا منه ليلتحما ببعض مرة أخري
و لكن هذه المرة دون قلق أو خجل من أن يراهم أحد ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في نفس الوقت بالجهة الأخري ... يسمع "مراد" بخبر مجيئ والديه
يتفاجأ بهذا هو أيضا ، فينزل من غرفته بسرعة ليتأكد بنفسه ..
-بابا . ماما !! .. هتف "مراد" مبتسما بدهشة ، ثم أسرع إلي أحضان أبويه و ضمهما معا و هو يكمل بعدم تصديق :
-إنتوا جيتوا إزاي ؟ ليه ماقلتوش ؟ .. وحشتوني أووي.
ربتت "رباب" علي شعر إبنها قائلة :
-حبيبي يابني . إنت وحشتنا أكتر.
محمود بإبتسامة :
-إحنا قولنا نعملهالك مفاجأة و نطب عليك علي غفلة.
نظر "مراد" إلي والده و قال بحبور شديد :
-و أنا فعلا إتفاجئت . ماتتصوروش إنتوا كنتوا واحشني إزاي .. ثم تساءل بإهتمام عندما لمح الحقائب بجانبهم :
-بس إيه الشنط دي ؟ إنتوا لسا ماحجزتوش في آوتيل و لا إيه ؟!
محمود بجدية :
-لأ يا سيدي . يحيى أصر إننا ننزل عنده هنا لحد ما تنتهي رحلتنا و نرجع تاني.
مراد بإستغراب :
-أنكل يحيى ! هو وصل ؟
-أيوه . قابلناه صدفة في المطار و جينا سوا.
أومأ "مراد" بتفهم ، ثم قال بتردد :
-بس إنتوا هتستريحوا هنا ؟ مش هتبقوا مضايقين يعني ؟
محمود بدهشة :
-و إيه إللي هايضايقنا يابني ؟!
مراد و هو يهز كتفاه بخفة :
-يعني . البيت مش بيتنا و ممكن آا .. و صمت فجأة ، لا يعرف كيف يصوغ عبارته
لتندفع أمه و تقول بنزق ممزوج بالحدة :
-إنت بتقول كده ليه ؟ هو حد هنا ضايقك يعني ؟ حد عملك حاجة ؟ ما ترد آ ..
-إستني شوية يا رباب . قاطع "محمود" زوجته بصرامة دون أن يحيد بنظره عن إبنه ، و تابع :
-إسمع يا مراد . زي ما قولتلك يحيى هو إللي أصـــــر و ألــــــح كمان إننا نيجي هنا .. إحنا تمام هنقعد بس لو حسينا نفسنا مش مرتاحين أو حسينا حد من أهل البيت مش مرتاح لوجودنا هناخد بعضنا و هنمشي فورا . خطتنا ماكانتش الإقامة في قصر البحيري . إحنا كنا عاملين حسابنا ننزل في آوتيل و بعدين كنا هنأجر بيت أو شقة نقعد فيها الفترة إللي هنكون فيها هنا . يعني بالنسبة لنا مافيش مشكلة .. فهمت ؟
مراد بإبتسامة :
-فهمت يا بابا . و عموما حمدلله علي السلامة.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" علي صوت زقزقة العصافير
تنظر إلي ساعة التنبيه ، فتجدها السابعة و النصف صباحا
تزفر بضيق و تتمتم لنفسها : " هيعمل فيا إيه ده لو ماروحتش ؟ يادي المصيبة ! "
و قامت من فراشها و الكدر يغيم عليها كليا ..
تقابل "فادي" بالصالة ، كان يحمل "ملك" التي إستيقظت في وقت باكر كعادتها
بينما كانت تميل الصغيرة برأسها علي كتفه بلا حراك ، تراوغ غفوة راحت تثقل أهدابها الكثة بين الحين و الأخر ..
-صباح الخير يا فادي ! .. قالتها "سمر" بصوت متحشرج من تأثير النوم
إبتسم "فادي" و هو يرد :
-صباح النور يا سمسمة . إيه ! جاهزة ؟
سمر بوجه خالٍ من أي تعبير :
-أيوه يا فادي . هغسل وشي و هحضرلكوا الفطار و بعدين هبدأ في الغدا.
فادي بإمتنان :
-ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي . معلش لو هتعبك إنهاردة و أسف إني عطلتك عن شغلك.
سمر بإبتسامة باهتة :
-و لا يهمك يا حبيبي .. و أكملت بتساؤل :
-بس هو الدكتور بتاعك ده جاي الساعة كام ؟
-جاي علي الساعة 4 كده.
أومأت "سمر" قائلة :
-طيب . يدوب بقي .. شوية و الفطار يبقي جاهز !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
تمر ساعات النهار بسرعة بالنسبة لـ"سمر" ... فقد قامت بإنجاز كبير ، حيث أعدت طعام الغداء الفاخر كله
طبخت أصناف عديدة و شهية في زمن قياسي ، ثم تنفست الصعداء أخيرا و ولجت إلي المرحاض ..
أخذت حماما سريعا ، ثم ذهبت إلي غرفتها
إرتدت ملابس نظيفة و أنيقة تلائم إستقبال الضيف ، و من جديد نظرت إلي ساعة هاتفهها .. أصبحت الرابعة إلا الثلث عصرا
و لكن غريب .. إنه لم يتصل و لا مرة حتي الآن !!
-سمر ! يلا تعالي دكتور أدهم قدامه عشر دقايق و يوصل.
و بعد عدة دقائق كانت "سمر" تقف بجانب أخيها عندما دق جرس الباب
يفتح "فادي" ليظهر الضيف المنتظر ..
كان رجلا في أوائل الثلاثينيات ، ذا وجه وسيم و إطلالة جذابة ، بدت عليه إمارات سعة العيش و الترف بصورة كبيرة ..
ألقي نظرة خاطفة نحو "سمر" ثم توجه إلي "فادي" بالقول ..
أدهم بإبتسامة خفيفة :
-مساء الخير يا فادي.
فادي و هو يصافحه بحرارة :
-أهلا مساء النور يا دكتور . نورتنا .. ثم إلتفت إلي أخته و قدمها له :
-سمر ده دكتور أدهم إللي حكيتلك عنه . دكتور أدهم دي سمر أختي.
صوب "أدهم" ناظريه إليها .. شملها بنظرة فاحصة و البسمة البسيطة تعلو ثغره ..
-إتشرفت بيكي يا أنسة يا سمر .. قالها "أدهم" بنبرة هادئة ، لتومئ "سمر" و هي ترد بإبتسامة :
-الشرف ليا يا دكتور.
و هنا ... دق هاتفهها ، لتري حروف إسمه تضئ الشاشة مع الرنين الصاخب المـُلح !!!!!