رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الرابع و العشرون 24 بقلم مريم غريب






 رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الرابع و العشرون 24 بقلم مريم غريب


_ كأنه حلم ! _


لم ترى وجهه أبدًا منذ ليلة البارحة.. لم يفي بوعده و لم يلحق بها إلى منزل شقيقها... فجلست هي و تناولت العشاء مع "فادي" و زوجته و أكملت السهرة محاولة ألا تبين حزنها من تصرفات زوجها و خاصةً أمام إبنة عمه.. "هالة" !


عندما عادت إلى البيت تبيّنت بأنه قضى كل هذا الوقت برفقة العم "رفعت".. مع ذلك انتظرته حتى يفرغ.. لكنه لم يعرج على غرفتهما اطلاقًا، بل بقي بالأسفل حتى غفت رغمًا عنها و استيقظت بالصباح التالي و لم تجده


ساورها القلق قليلًا، لكن غضبها لا يزال بمحله.. فقررت أن تنزل و تبحث عنه لترى ما الأمر بالضبط.. تركت صغيرها "يحيى" إلى المربية و ولجت إلى غرفة الحمام لتغتسل... ثم خرجت و هي تشد زنار روب الاستحمام على وسطها


توجهت نحو غرفة الملابس و هي تباشر تجفيف شعرها بالمنشفة السميكة، لكنها سرعان ما جمدت قبل أن تتجاوز عتبة الغرفة... حين رأته يقف أمام خزانته الخاصة عاري الجزع و يهم بارتداء كنزة رمادية فوق هذا السروال الرياضي الغامق ...


-صباح الخير يا سمر !


هكذا بمنتهى الهدوء و البساطة !!!


يلقى تحية الصباح من وراء كتفه ...


رفعت "سمر" حاجبها و مالت مستندة إلى إطار الباب و هي تقول بتعجبٍ :


-لا بجد ! صباح الخير يا سمر !!

هو ده كل إللي عندك ؟ بجد يعني ؟!!!


راقبته و هو يجلس فوق كرسي صغير لينتعل جزمته الزوج تلو الآخر و هو يقول بفتورٍ :


-إنتي عاوزة تنكدي يا بيبي ؟ بقولك صباح الخير عادي.. مالك بقى اتعصبتي أوي كده ليه !


و تطلع إليها ...


-إنت مش حاسس إنك عملت حاجة خالص !! .. سألته مدهوشة


تأفف "عثمان" و هو يقوم واقفًا و قال بضيق :


-عشان ماجتش و إتعشيت عند أخوكي.. عاملة كل ده ؟ مافكرتيش تعذريني أبدًا.. و أنا كام مرة عذرتك !


و أزاحها بلطف حازم من طريقه ليعبر إلى الخارج، ما لبثت "سمر" أن أفاقت من تأثير كلماته الغريبة و تبعته مسرعة و هي تقول ممسكة بذراعه :


-عثمان.. عثمان أقف لو سمحت. أنا بكلمك !


توقف "عثمان" على مضض تحت إلحاحها، استدارت حوله لتقف مقابله.. نظرت له جيدًا و هي تقول بقلق :


-مالك يا عثمان ؟ أنا آسفة طيب.. إنسى كلامي. إنسى عزومة إمبارح خالص.. أنا ماكنش قصدي أجي عليك و أكيد عذراك و هاعذرك يا حبيبي. بس أنا مش فاهمة حاجة.. قولي حصل إيه ماتقلقنيش أكتر من كده !!


أطلق "عثمان" أنفاسًا محتقنة بصدره، رفع يده و مسح على وجهه بقوة.. ثم عاود النظر إليها و هو يقول بصوت أجش :


-سمر.. في حاجة مهمة عاوز أقولهالك


علقت أنفاسها بصدرها فجأة.. حين رأت تلك النظرة الغادرة تطل من عينيه لأول مرة منذ وقتٍ خلى... تنسى أيّ شيء و لا تنسى تلك النظرة أبدًا !!!


-قول يا عثمان ! .. تمتمت "سمر" بصعوبة و بصوت خالي من الحياة


-أنا سمعاك


لم يتأثر تعبير وجهه الصلد أمام انهيارها الوشيك، بل أردف ليحسم الأمر حسمًا صارمًا بحكمًا نهائيًا لا رجعة فيه :


-أنا هاتجوز يا سمر !!!


________________


قبل بضعة ساعات ...


بعد مكالمة هاتفية أجراها عمه و كان إلى جواره يستمع إلى كل شيء.. إلى كل ما قالته الفتاة التي تورط معها... دوّن عنوان منزل قد لقّن عمه بأن يطالبها به ليتقابلا خلال ساعةٍ


لم ينتظر "عثمان" أن يغلق "رفعت" معها و انطلق مسرعًا بسيارته بعد منتصف الليل إلى العنوان المنشود.. وصل في زمنٍ وجيز عند فيلا مؤلفة من طابقين على الساحل مباشرةً


كان يسمع أمواج البحر المتلاطمة قريبة جدًا منه و هو يقف أمام الباب الرئيسي، دق الجرس و انتظر.. ليسمع خلال لحظات صوتًا أنثويًا يصدر عن الانتركم المجاور له :


-اتفضل.. افتح الباب و ادخل !


مد "عثمان" يده إلى المقبض، فانفتح الباب بالفعل من أول محاولة.. ولج و أغلق من خلفه، ثم جذ الخطى صوب باب المنزل


لكنه قبل أن يدق جرس هذا أيضًا وجد الباب يسحب للداخل و تظهر نفس الفتاة التي رآها مع عمه بذلك المقطع المخزي.. و لم يستطع إلا التفرس فيها خلال تلك المدة القصيرة محاولًا معرفة أين رآى وجهها المألوف.. و لكن بلا جدوى... لم يخرج بأيّ شيء !!!


-أهلًا أهلًا يا عثمان باشا ! .. قالتها الفتاة المتبرجة بحفاوة شديدة و هي تقف في استقباله


كانت ابتسامتها الرقيقة واثقة، كما نظراتها التي إتسمت بجرأة غريبة، إذ كانت تشمله بعينيها من أعلى لأسفل بطريقة أثارت اشمئزازه منها، ناهيك عن ملابسها الفاضحة المكونة من قطعة واحدة تمثلت بفستانٍ قصير أسود اللون بالكاد ستر أجزاء بسيطة من جسمها ...


-خطوة عزيزة. منور و الله. اتفضل ادخل !


هكذا دعته للدخول مفسحة له المجال


رماها "عثمان" باحدى نظراته السامة المشهور بها، لكنه لبّى الدعوة بالأخير و دخل متبعًا إرشاداتها، حتى أخذته إلى غرفة المعيشة المطلة على البحر تمامًا ...


-كنت متأكدة إن رفعت بيه هايستنجد بيك أول واحد !


إلتفت "عثمان" إلى عبارتها المتهكمة، لتكمل و هي تعقد ذراعيها العاريين أمام صدرها نصف المكشوف :


-و كنت متأكدة بردو إنك إنت إللي هاتيجي.. مش هو


-إنتي مين و عايزة إيه ؟


سؤال واحد طرحه "عثمان" باسلوبه الهادئ المنذر بالشر ...


ابتسمت الأخيرة بلطفٍ و هي تدعوه للجلوس مرفرفة بعينيها الناعستين :


-طيب اتفضل أقعد. هانتكلم و هاجاوبك على إللي إنت عايزه. بس أقعد تحب تشرب إ آ آاااااااه ...


في لحظة.. كان ظهرها مقابلًا لصدره و ملتصقًا به تقرببًا، بينما ذراعيها محبوسين بقبضته الفولاذية الغاضبة ...


-مابحبش أكرر كلامي مرتين ! .. همس "عثمان" بأذنها بصوتٍ كالفحيح، ثم هدر بعنف :


-انطقي يابت.. إنتي مين و مين إللي زقك علينا ؟ جاية عايزة إيه ؟؟؟


-عايزة انتقم يا عثمان باشا !!!


أجابته رغم صيحة الألم التي كتمتها بسبب ضغطه الشديد على ذراعيها الملتويان خلفها ...


عثمان برعونة فجة :


-تنتقمي من مين يا ××××××.. إنتي مين أصلًا يحطك في دماغه عندنا ؟ إنتي حتة ×××× أخرك تلحسي جزمتي. آل تنتقمي. إنطقي و قولي الحقيقة أحسنلك


ضحكت فأشعلت غضبه أكثر، بينما تقول بلهجة يمزقها الانفعال :


-أنا فعلًا كل إللي إنت قولته.. أنا ××××× و ×××××× كمان بس ما سألتش نفسك ليه ؟ ما سألتش نفسك إللي حصل ده رد فعل لإيه ؟ معقول ماجاش في بالك إللي عملته من 3 سنين ؟ طيب أنا عملت كده مخصوص عشان ألفت انتباهك. كنت تلميذة شاطرة و قلدتك بالظبط. و في الأخر ماتفهمش.. لا يا عثمان. أزعل و الله !


كانت كلماتها تزداد وضوحًا في كل مرة.. حتى اكتملت الصورة تقريبًا بعقله... لكنه رفضها فورًا و هو يدفعها بعيدًا عنه صائحًا :


-إنتي مــين ؟؟؟؟









تستدير إليه في هذه اللحظة، و بابتسامة تنطق بالانتصار قالت :


-نانسي.. نانسي رشاد الحداد يا قلبي. افتكرتني ؟ ده أنت كنت بتجيبلي شوكولاتة و انا لسا بنت صغيرة في المدرسة !


أجفل "عثمان" و هو يرمقها بنظرات غير مصدقة.. أجل تذكرها الآن... تلك الفتاة المراهقة.. الجميلة الرقيقة التي لم تشبه شقيقتها قط _ طليقته _ كانت بعينيه نقيّة، عذبة، هشة مثل حلوى القطن .. ماذا صار لها الآن ؟ كيف آلت بها الحياة إلى كل هذا !!!!


-إنتي.. إنتي إزاي !


لم يستطع اتمام جملته، فضحكت هي و قالت نيابة عنه :


-عايز تقول إزاي وصلت لكده صح ؟ بسيطة أوي يا عثمان باشا.. تعالى نعكس الأدوار و تخيّل مثلًا إني بالتسجيل إللي معايا لعمك و إللي كان معاك أخوه من 3 سنين لأختي. تخيل إني نشرته في كل حتة و فضحته و فضحتكوا كلكوا معاه..و إنه ماستحملش الفضيحة دي يا حرام و مات بحسرته زي أبويا بالظبط من سنتين. تخيل الناس كلها بتعايرك بعمك و بتعاير ولاد عمك بأبوهم زي ما حصل معايا و اتعايرت بأختي و اتمسحت بيا الأرض مع كل راجل دخل حياتي بعد إللي حصل. مش جايز جدًا هالة مثلًا تعمل زيي ؟ هاتبقى عايزة تنتقم زيي طبعًا.. و أيّ حد هايعمل أكتر من إللي عملته. أصل Sorry. دي مش صفقة خسرانة و شركة بنصفيها سوا.. دي حياة و عيلة كاملة دمرتها بإيدك يا عثمان باشا.. و لازم أدفعك التمن لو كان أخر يوم في عمري


-الــCD بتاع أختك اتسرق مني ! .. غمغم "عثمان" عاقدًا حاجبيه بشدة


-أنا مانشرتوش في حتة. إتسرق ضمن حاجات كتير في خزنة شركتي من سنتين. أنا عمري ما أفضح واحدة بالشكل ده. لازم تفهمي ده كويس.. يا نانسي !


قهقهت بخشونة و قالت :


-تعالى إمسح الريالة من على بؤي يا عثمان.. بقولك أنا تلميذتك. الكلمتين دول أضحك بيهم على حد تاني مش عليا أنا. أنا جاية على خراب ببتكم و ناوية دمار ليكوا كلكوا. كلكوا مرة واحدة. زي ما حصل معانا بالظبط


اقترب "عثمان" خطوتبن منها، فأحست بأنفاسه الساخنة تتردد على بشرتها و هو بقول بخفوتٍ خطير :


-أنا مش هاسمحلك.. حياتي كلها قصاد إللي ناوية عليه ده. فاهماني ؟ فاهمة أنا ممكن أعمل فيكي إيه كمان ؟


صمتت "نانسي" لبرهة و هي ترمقه بتفكيرٍ، ثم قالت و ابتسامة مرحة تتراقص على شفتيها :


-بص يا حبيبي.. In Fact ده مش كل حاجة. أنا بس حبيت أعرفك حجمي كويس عشان تعملي حساب و تفتكر أنا في إيدي إيه و ممكن أتصرف بيه إزاي.. مبدئيًا تهديدك مايلزمنيش. أنا مابقتش أخاف خلاص. مابقاش عندي حاجة أخاف عليها. أبويا و مات. و أختي بتتعالج في مصحة نفسية في أمريكا و الدكاترة فاقدين فيها الأمل. من الأخر أنا واحدة بايعة. و مافيش حاجة ممكن توقفني إلا الموت.. لو هاتقدر تموتني أعملها. أما لو مش هتقدر. ف أنا عندي Option تاني. لو وافقت عليه. اعتبر التسجيل ده ماحصلش أصلًا


بردت عينا "عثمان" في هذه اللحظة و عاد الفتور يطل منهما، ليسألها بجمودٍ :


-عايزة إيه يا نانسي ؟


تنفست "نانسي" بعمقٍ، ألقت بذراعيها حول عنقه و تعلقت به مقربة وجهها من وجهه، ثم قالت و هي تركز نظراتها الغاوية بنظراته المرتقبة :


-تتجوزني.. مافيش راجل محترم.. عليه القيمة زي ما بيقولوا هايقبل بيا أنا. غيرك إنت يا عثمان.. هه. قلت إيه !


أطبق الهدوء فجأة










لم يمنحها ردًا... لكنها كانت واثقة، كانت تعرف جيدًا أن مآل الخطة كلها لصالحها، هي المسيطرة، و هو يعلم ذلك ...


________________


الآن ...


ساد صمت متوقع بينهما... صمتٍ سحيق.. حدقت بعينيه دون أن تفهم.. فحدق بعينيها دون أن يتراجع خطوة.. خطوة واحدة عن تصريحاته الأخيرة


كانت إلى حدًا ما مذهولة.. مفغرة الفاه... و قد تاهت الكلمات من عقلها و لم تعد تفهمها.. بالكاد قبض لسانها على كلمتين اثنتين :


-قلت.. إيه ؟!


بدأ الوعي يتملكها و يغزو أعصابها شيئًا فشيء ...


كرر "عثمان" بجدية تكنف قساوةٍ رهيبة :


-قولتلك هاتجوز يا سمر.. هاتجوز. و يوم الخميس الجاي كتب كتابي هنا في القصر. لو مش عايزة تحضري مش هاجبرك طبعًا بس قبل ما عقلك يوديكي و يجيبك في أي مكان لازم تعرفي إن قراري نهائي و إني مضطر أعمل كده. و في نفس الوقت مش مضطر أبرر لك أي حاجة. يكفي تعرفي بس إنها خطوة لازم أخدها بسبب شيء لو ماكنش حصل عمري ما كنت هفكر أعملها و أتجوز عليكي ...


نظر باتجاه الشرفة المفتوحة و أردف بثباتٍ :


-لو عندك ثقة فيا هاتقبلي الوضع و هاتسانديني كمان. لو بتحبيني بجد يا سمر مش هتسألي و هاتفضلي جمبي لأخر لحظة ! .. و نظر لها من جديد مضيفًا بحزم :


-لو الحب إللي بينا مش كفاية هاتفضلي بردو جمبي في كل الأحوال.. مش مسموحلك تبعدي. و أنا عمري ما هاسيبك تبعدي المرة دي زي ما سيبتك قبل كده و احترمت رغبتك و ارادتك.. المرة دي مش هقدر اديكي الميزة دي. مش هاسيبك تخرجي من حياتي أبدًا. سامعة ؟


كانت تستمع إليه و هي تقف كالصنم.. لم تحرك ساكنًا حتى عندما تحرك و ولّى خارجًا من الغرفة كلها... امرأة غيرها لكانت انهارت منذ الوهلة الأولى


لكنها... لم تستوعب بعد.. تعتقد بأنه حلم.. بالتأكيد حلم سوف تستيقظ منه الآن... لماذا لا تستيقظ ؟ لماذا ؟؟؟؟؟

          الفصل الخامس والعشرين من هنا 

تعليقات



×