رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الثالث و العشرون 23 بقلم مريم غريب
_ ألا ينتهي ! _
تم إنشاء مقاعد مريحة حقًا لركاب الصف الثالث بالسيارة الـ"lada lagrus" و تم تجهيز كل من صفوف المقاعد الثلاثة بمجاري هواء لتدفئة أقدام الركاب
و لكن سائق زوجها المخصوص قد أزال الصف الثاني من السيارة ليحوّل الجهة الخلفية إلى صالون.. يتيح للسيدة الجلوس بأريحية مع زوجها و أطفالها و أيضًا تلك المربية التي جاءت معهم لتهتم بالصغيرين
لكنهم لم يتحركوا بعد، كانت السيارة لا تزال تقف وسط باحة القصر، و كانت "سمر" ترمق ساعة يدها من حينٍ لآخر و هي تهز قدمها على غير هدى، تنتظر مجيئ زوجها الذي طلب منها استباقه إلى السيارة ريثما يعود ليرى عمه و يعرف ماذا يريد منه بالضبط !
تأففت "سمر" فجأة و أخرجت هاتفها من حقيبة يدها الصغيرة، أجرت الاتصال بزوجها، فأتاها صوته فور أن وضعت الهاتف فوق أذنها ...
-أيوة يا سمر !
أجفلت "سمر" قليلًا عندما سمعت لهجته الجافة المقتضبة... لترد بحذر :
-إيه يا حبيبي إتأخرت ليه ؟ في ناس مستيينا !
ما زال صوته يكنف تلك اللهجة المريبة مع رنة حزم مفاجئة :
-طيب معلش يا سمر قولي للسواق يطلع بيكوا و أنا كمان ربع ساعة و هحصلكوا
استبد بها القلق الآن و هي تسأله :
-في حاجة و لا إيه يا عثمان ؟!
-مافيش حاجة يا حبيبتي مشكلة صغيرة في الشغل بحلها مع عمي. خدي الولاد و اسبقيني و أنا مش هتأخر عليكوا
عبست "سمر" قائلة بامتعاض :
-ينفع ندخل البيت منغيرك يعني يا عثمان !!
عثمان بلطفٍ صارم :
-مش هايجرى حاجة يا سمر دي مسافة ربع ساعة زي ما قولتلك و كده كده راجعين مع بعض.. يلا يا حبيبتي مع السلامة. و إبقي طمنيني لما توصلي !
لم تكد ترد على جملته الأخيرة حتى.. ما لبث أن أغلق الخط، لتصدر عنها نهدة حارة من أعماقها، تنظر بوجه الصغيرين الهادئين بيأسٍ.. ثم تصيح آمرة في السائق :
-إطلع يا أسطى كرم على بيت الأستاذ فادي !
رد السائق بتهذيب :
-تحت أمرك يا هانم
و انطلق متجهًا على الفور إلى منزلها القديم ...
____________________
يا لألاعيب الأقدار !
لم يمضِ على تفكيره بلقائهما الحميمي الأول و الأوحد ساعة واحدة.. ليجد الأوضاع قد انقلبت رأسًا على عقب و صار عكس ما توقعه تماماً
لم يخيّل إليه إطلاقًا أن يفضي حوار قصير بينهما إلى هذا.. لم تكن مجرد قبلة هذه... بل أنها كانت أكبر من قوى التجاذب العظمى حتى.. حيث لم يستطع كليهما مقاومة ما جاء بعدها إلى أن وجدا نفسهما قد وصلا إلى تلك النقطة في الأخير.. حيث الذروة.. منتهى الوصال و التوق !
كان الوسط مبعثرًا.. فوضويًا... مائدة العشاء التي وضبتها خربت بصورة كليّة.. الآواني و أدوات الطعام إنتثرت في كل إتجاه.. المفرش يتدلى يكاد يسقط فوق الأرض
مثلهما تمامًا ...
كانا مستلقيان فوق الأرض الآن.. إلى حدًا ما عرايا... تنام هي فوق صدره و يداعب هو شعرها بيده السليمة غير مصدقًا ما حدث للتو.. هذه أول مرة يراها مقبلة عليه بتلك الحماسة.. أول مرة يستشعر لهفتها و تجاوبها و عطائها المذهل
كانت له ما أراد و تمنى، لدرجة أنه لم يعد يفكر بأيّ شيء، لقد صارت هي كل شيء بالنسبة له في هذه اللحظات، حرفيًا كل شيء ...
-أنا مش فاهم إزاي نزلنا على الأرض كده !! .. قالها "فادي" مغمغمًا و هو يقرب أنفه من رأسها ليتنشق عبيرها أكثر
سمعها تتغنج عليه بضحكتها الصاخبة الرنانة، ثم وجدها تعدل وضعيتها فتستند إلى مرفقها و تطل عليه بوجهها مبتسمة بملاحةٍ و هي تقول :
-و لا أنا In fact.. بس بجد It was amazing !
رمقها "فادي" بنظرات مغرمة.. رفع يده ليحيط بجانب وجهها قائلًا :
-أنا مش مصدق إللي حصل.. لو فضلت من هنا للصبح. مش مصدق !!!
زحفت يدها التي حطت فوق صدره العاري إلى عنقه ثم توقف، لتتلمس بأناملها حدود فكه المثالي و خطوط فمه و هي ترنو إليه برومانسية متمتمة :
-صدق.. كل إللي حصل بجد. صدق يا حبيبي !
فادي بدعابة : كمان حبتيني بالسرعة دي ؟؟؟
بقيت "هالة" هادئة و هي تقول بجدية لا تدع مجالًا للشك :
-لأ.. ماحبتكش بسرعة. بالعكس. أنا ماكنتش طايقاك.. لحد ما اتجوزك.. تحديدًا لحد ما دخلت بيتك. ماعداش عليا يوم واحد إلا و كنت فعلًا بدأت أحس بحاجة ناحيتك. أنت مختلف يا فادي. و مش قصدي بالإختلاف ده المعنى البديهي إللي هاتفكر فيه.. لأ. أنت نموذج من راجل أنا عمري ما قابلته في حياتي. مسؤول و طيب و عدواني شوية. غامض و مش ممكن أفهمك و لا أفهم بتفكر في إيه. يمكن هو ده إللي شدني ليك !
-يعني بعد كل إللي عملته فيكي.. لسا مشدودة ليا ؟ مانزلتش من نظرك خالص يا هالة ؟!!
ابتسمت "هالة" من جديد و دنت منه كأنما ستقبله و هي تهمس :
-إنت عمرك ما نزلت من نظري.. بالعكس. إنت بقيت جوايا. جوا قلبي !
قاطع قبلتهما الوشيكة جرس الباب الذي دوى فجأة دون سابق إنذار.. تباعدا فورًا بينما يصيح "فادي" بتوتر كبير :
-يا خبر أبيض.. سمر.. إزاي نسيت سمر !!!
كان قد وثب واقفًا بلحظة و يرتدي ملابسه الملقاة بجانبه على عجالة، أما "هالة" فلم تبقى ثانية إضافية معه، إنما إندفعت نحو الغرفة حاملة ثيابها على ذراعها، صفقت الباب خلفها بعنف.. و أستغرق "فادي" دقيقة كاملة ليعود إلى حالته السابقة فقط
مضى ناحية باب المنزل هاتفًا ليسكت ذاك الذي يضغط على الجرس بإلحاح :
-أيوة أيوة أيوة.. جاي أهو يا إللي على الباب !
و فتح راسمًا على وجهه ابتسامة خفيفة لا تخلو من التوتر ...
-سمر !
-مبرووووك يا عريس ! .. صاحت "سمر" و هي ترتمي عليه بدون مقدمات
عانقته بقوة و هي تهدل بشوق :
-آه يا فادي.. وحشتني أوي أووي أووووي
بادلها "فادي" العناق و هو يقول ملقيًا نظرة شاملة ورائها :
-إنتي وحشتيني أكتر يا حبيبتي.. أومال فين جوزك ؟
أجابته "سمر" و هي ترتد إلى الخلف ببطء :
-جوزي على وصول. قالي أسبقه أنا و ملك و يحيى لحد ما يخلص حاجة كده مع عمو رفعت
أومأ "فادي" بتفهم قائلًا :
-طيب أدخلي يا حبيبتي. أدخلي أهلًا و سهلًا بيكي ! .. و أفسح لها
تسللت "ملك" في هذه اللحظة من جانب أختها و قفزت على "فادي" صارخة بحماسة و سعادة طفولية، راحا يتبادلان العناق و القبلات الأبوية الحلوة.. بينما تلتفت "سمر" نحو المربية الفلبينية قائلة :
-إدخلي إليانور. خدي يحيى في الليفينج إللي هناك ده و سيبيه نايم زي ما هو. أقعدي جمبه بس و لو صحي ناديلي أجي أخده بنفسي
ردت المربية بعربيتها الركيكة :
-حاتر ( حاضر ). تهت ( تحت ) أمرك مدام !
و دخلت "سمر" في الأخير، أغلقت الباب و سارت وراء أخيها الذي حمل "ملك" على ذراعه.. كان هو أول من صعق لمرآى الفوضى التي حلت بمائدة الطعام التي نسى أن يرتبها بأيّ شكل قبل أن يفتح الباب، لم يتسنى له وقت ليشرح.. صيحة "سمر" المصدومة ألجمته بنفس اللحظة :
-إيـــه ده !!!
إيه إللي حصل هنا ؟ الدنيا مقلوبة كده ليه و السفرة مالها ؟ إيه إللي حصل يا فادي ؟؟؟
تغلب "فادي" على ارتباكه بجهد و هو يستدير في مواجهتها قائلًا برصانة :
-دي حاجة بسيطة يا سمر. هالة بس كانت داخلة تغير هدومها ف مفرش السفر علق في ساعة ايدها و هي ماشية. بعد ما وضبت كل حاجة حصل إللي إنتي شايفاه ده
كانت "سمر" تستمع إليه و هي تنحني ململمة الأشياء المتساقطة فوق الأرض، ثم تنهض و تعدل كل شيء بنفسها قائلة :
-حصل خير.. أنا اتفاجئت بس و اتخضيت. قلت لا تكونوا اتخانقتوا و لا حاجة !
ابتسم "فادي" من قلبه هذه المرة و هو يقول :
-لأ. إطمني.. أنا و هالة تمام مع بعض. تمام أوي !
__________________
لقد مر الوقت دون أن يشعر... المهلة التي طلبها من زوجته ليلحق بها ولّت... مرت ساعة.. اثنان.. و بدأت تنهال عليه اتصالاتها.. لكنه ظل يتجاهلها متعمدًا.. حتى أغلق هاتفه تمامًا
أمسك بهاتف عمه فقط، و كلما أعاد ذلك المقطع الإباحي المحض !!!
إزداد غضبه الدفين و امتلأ صدره حقدًا و غلًا يكاد يفجر غرفة المكتب هذه بكل ما فيها ...
على الطرف الآخر.. بقى "رفعت" صامتًا، مطرق الرأس، الخزي يكم فاهه... حتى انتفض "عثمان" واقفًا فجأة و هو يهدر بغضبٍ شديد :
-دي مش كارثة يا عمي. مش كارثة يا رفعت بيه. دي فضيـحــة. إحنا خلاص إتفضحنا. سامعني ؟ عيلة البحيري. أقدم عيلة في البلد كلها. سمعتنا بقت في الأرض بسببك. بسببك إنت.. إزاي تقع في حاجة زي دي ؟ إزااااااااي ؟؟؟؟
تحمّل "رفعت" توبيخ إبن أخيه مطبقًا فمه و كأنه طفلًا في السابعة تعاقبه أمه.. لم يجرؤ على التفوه بكلمة، حتى وجه إليه هذا السؤال
شعر بضغط دمه يرتفع حين تطلع إليه قائلًا بلهجة كسيرة :
-أنا.. أنا ماكنتش أعرف. أنا إتلعب عليا يا عثمان !
-إتلعب عليك !!! .. علّق "عثمان" مستهجنًا، ثم انفجر ضاحكًا بقوة أثارت ريبة "رفعت" عليه
لكنه ما لبث أن عاود النظر إليه بقساوة أكبر و بصوتٍ غليظٍ و قاتم قال :
-حلوة إتلعب عليك دي. فكرتني ببنات الجامعة الشمال و الله.. بس يا ترى إللي لعبت عليك دي خدرتك و لا عشمتك بالجواز و بعدين خلعت !
رفعت بضيقٍ : إنت بتهزر يا عثمان.. ده وقته ؟ بدل ما تشوف معايا حل للمصيبة دي و آ ا ...
-إنت تقفل بؤك ده خااااالص ! .. قاطعه "عثمان" صائحًا برعونة فجة، و أردف بفظاظة :
-يا راجل عيب على شيبتك دي. رايح تسرح مع زغلاليل أد بنتك و كمان تتـ ...
بتر "عثمان" عبارته كابحًا نفسه بصعوبة كي لا يتممها.. ثم قال بعد أن تمالك أعصابه :
-طب لو كنت شاب صغير كنت قلت طيش. لكن المصيــبـة إنك رااااجل شايب و كبير..ده أنت بقيت جد. أعمل إيه ؟ لو حاجة زي دي إتسربت أتصرف إزاي ؟ أقول إيـه للناس ؟ بلاش الناس.. أقول إيه لأمي و عيالك و لمراتي و أخوها ؟ إحـنا كـنا نـاقصيـن فضيـحـة زي دي ؟؟؟؟؟
-كفـــااااايــة !!! .. صرخ "رفعت" بوجهه و هو يقوم ليقف مقابله
إنفعل كثيرًا حتى تجمعت كل دمائه برأسه :
-أنا كلمتك عشان نحلها مع بعض. مش عشان تديني محاضرة طويلة عريضة.. ماتنساش نفسك يا عثمان. إياك تكلمني بالإسلوب ده تاني. أنا راجل مسؤول عن تصرفاتي و لو إللي في إيدك ده إنتشر أنا المسؤول بردو و إبقوا إتبروا مني كلكوا ساعتها لو عاوزين.. لكن لما تقف قدامي تعرف كويس إنت بتتكلم إزاي. أنا مش عيل صغير معاك !!!
عثمان هازئًا : ياريتك كنت عيل صغير !
استشاط الأخير غضبًا و هو يحملق فيه، ليتجاوزه "عثمان" غير مباليًا بحالته العصبية التي صارت على المحك إلى درجة قد تودي بصحته و صموده الواهٍ
جلس "عثمان" من جديد غائصًا بكرسي الصالون الوثير، وضع ساق فوق الأخرى و شبك كفيه أمام وجهه متمتمًا باقتضاب :
-إتفضل أقعد و أحكيلي إللي حصل
رد "رفعت" بجفاف دون أن ينظر إليه :
-أنا حكيتلك كل حاجة.. عايز تعرف إيه تاني ؟
نظر "عثمان" إليه قائلًا بصوت أجش يحمل الكثير من السلطة الآمرة :
-من الأول.. إحكيلي كل حاجة من الأول. البت إللي كنت معاها دي أصلًا وشها مش غريب عليا !!!!! ................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!