رواية عزلاء امام سطوة ماله ج 2 الفصل الواحد والخمسون 51 بقلم مريم غريب
( 51 )
_ حبيبة قلبه ! _
يقود "نبيل" سيارته عودة للقصر ...
لكنه يسلك طريق البوابة الخلفية مثلما فعل عند خروجه... في الكرسي المجاور له جلست "هالة" مسندة رأسها للخلف و متأففة في آن، لتقول بسأمٍ و هي تلمح بطرف عينها العاملين و عربات الإصلاحات لا تزال تتوزع حول منزلها :
-إفففف.. هما لسا الناس دي هنا ؟ لسا ماخلصوش الليلة دي !
يرد "نبيل" عليها و هو يوقف السيارة أمام البوابة الضخمة :
-يا حبيبتي دول ناس شغيلة. ماذنبهمش حاجة. واخدين أوامر من الحكومة و بينفذوها. دلوقتي يخلصوا و يمشوا ! .. ثم أدار وجهه إليها قائلًا :
-معاكي مفاتيحك ؟
أومأت "هالة" له و خفضت رأسها ممسكة بحقيبة يدها، فتحتها و أخذت تنقب بأصابعها عن سلسلة المفاتيح خاصتها.. سرعان ما وجدتها، لتعطيها إلى خالها
أخذها الأخير و ترجل من السيارة، إتجه ناحية البوابة و أمسك بالفقل الضخم.. دفع بالمفتاح الكبير به، ثم أداره مرةً واحدة.. حل السلسلة الحديدية، استخدم مفتاحًا آخر ليفتح البوابة نفسها، ثم دفع بكل قوته فانفتحت بسهولة
عاد إلى السيارة مرةً أخرى، شغل المحرك مجددًا و سار للأمام حنى تجاوز البوابة، نزل مرة أخيرة ليوصدها، ثم عاد من جديد ليستقل بمقعده ...
-شغلانة دي و الله ! .. غمغم "نبيل" متذمرًا، و أردف و هو يعاود القيادة ببطءٍ :
-قصر طويل عريض.. ليه مافيش حراسة أو على الأقل بواب هنا كمان !!
لم تكن "هالة" معه في هذه اللحظات... بل لفت نظرها و إنتباهها بالكامل ذلك المنظر الذي دام للحظاتٍ.. زوجة إبن عمها و حبيبها السابق.. "سمر"... لمحتها و هي تقف في شرفة غرفتها و تطل بجزعها العلوي للأسفل بطريقةٍ غريبة.. ثم ما لبثت أن ارتدت للخلف و ولّت راكضة إلى الداخل !!!
-وقف وقف يا خالو ! .. صاحت "هالة" في خالها
أذعن "نبيل" لها على الفور و أوقف السيارة متسائلًا بريبة :
-إيه يا حبيبتي مالك ؟ تعبانة و لا إيه نرجع للدكتور تاني ؟؟!
لم ترد "هالة" عليه.. بل كانت تتطلع إلى النقطة التي كانت تنظر "سمر" إليها ...
أشرأبت بعنقها في الحال حين شاهدت من بين الشجيرات الصغيرة إبن عمها و زوجته الثانية يقفان في مواجهة بعضهما.. ثم جحظت عينيها بصدمة و هي ترى "نانسي" فجأةً تبدأ بخلع ملابسها بتصميمٍ عجيب و قد بدا عليها الجنون التام !!!!
لم تزيح عينيها عنهما و هي تفتح باب السيارة و تنزل بسرعة هاتفة :
-خالو.. تعالى بسرعة يا خالو !
تقدمت خطوة، بينما يدركها "نبيل" و يكون إلى جوارها في لحظة ...
-إيه هالة مال آ ا ! .. بتر عبارته عندما تتبع نظراتها و وقف عند المشهد الصادم
لكنه أشاح بوجهه قبل وقوع اللقطة الفاضحة ...
-يا نهار إسود. إيه إللي بيحصل ده ؟؟!!!
راقبت "هالة" تطور الوضع بين "عثمان" و "نانسي"... و كيف عمد "عثمان" إلى مهاجمتها لتكف عمّا تفعله.. لكنها قاتلته بشراسةٍ حتى تمكنت من تعرية جسمها بالكامل.. ليحملها هو بين ذراعيه و يندفع داخل غرفة المؤونة و يختفيا هما الإثنان ...
تضاعفت صدمة "هالة".. فأدارت رأسها إلى خالها قائلة بتوترٍ :
-خالو.. لو سمحت. بليز إلحق سمر !
عبس "نبيل" مرددًا :
-سمر !
بيّد أنه لم يفهمها جيدًا، فأوضحت على الفور :
-سمر جاية دلوقتي.. رايحة عندهم. إلحقها و عطلها بأي شكل بليز !!
اكتسى وجهه بتعبيرٍ غريب.. لكنه فهمها الآن... فرفع ذقنه قليلًا و هو يقول باقتضابٍ :
-متأكدة ؟ .. ده إللي إنتي عاوزاه ؟!
أجابت "هالة" بلا تردد :
-أيوة.. عشان خاطري روح بسرعة. عشان خاطري يا خالو !
رماها بنظرة متجهمة أخيرة.. ثم إستدار مهرولًا تجاه المنزل ...
لتطلق "هالة" عنان ساقيها و تعدو راكضة بأقصى سرعة لديها.. إلى أن وصلت حيث كانا يقفان.. كانت ملابس "نانسي" ملقاة أسفل قدميها، إنحنت مطلقة آهة تعبة و إلتقطتهم، ثم إندفعت ثانيةً نحو الغرفة
لكنها تصطدم فجأة بكيسًا رملي لم تراه في طريقها، فتنكفئ على وجهها أمام باب الغرفة مباشرةً ...
-إممممم !!! .. صدرت عنها تلك الغمغمة المتألمة
زحفت يدها إلى أسفل بطنها عندما شعرت بألمٍ شديد يضربها في تلك المنطقة، و ما هي إلا لحظات أُخر و إنفتح باب الغرفة ليطل "عثمان" من وراءه ...
تطلعت "هالة" إليه لاهثةً.. كان شكله مشعثًا و مضطربًا.. لأول مرة تراه هكذا... لكنها لم تصب جام تركيزها عليه كثيرًا
بل أمسكت بقطع الملابس النسائية و رمتهم بوجهه متمتمة بضعفٍ :
-خد.. بسرعة.. سمر جاية !
______________
كلما قفزت صورتهما أمام ناظريها... لم يسعها إلا الركض.. الركض بكل ما أوتيَت من قوة.. حتى لتكاد رئتاها تنفجران من زخم الهواء البارد
بالرغم من ذلك، شعرت بأنها قاصرة عن الإندفاع بالسرعة الكافية.. هل ستلحق بهما ؟ هل ستسمع ماهية الحوار المنفعل الذي يتبادلاه ؟
أخذت "سمر" تنهج و هي تجر ساقيها جرًا نحو التراث الكبير المطل على واجهة الحديقة الخلفية..لكنها على حين غرّة، وجدت نفسها ترتطم بشيء صلب جدًا قد ظهرمن العدم ...
-آاااه !!! .. تأوهت "سمر" بقوة
ارتجفت ساقاها و هددتا بالسقوط، إلا إن ذراعًا قوية امتدت لتحيط بخصرها و تعيدها كما كانت ...
رفعت "سمر" رأسها في الحال لترى من الذي إنضم إليها فجأة.. اتسعت عيناها و قفزت على الفور للخلف و هي تدفع بذراع "نبيل الألفي" عنها و كأنها حيّة سامة
تلعثمت "سمر" و هي تجفل قائلة :
-آ أنا أسفة.. ماخدتش بالي من حضرتك !
إتسمت نظرات "نبيل" لها باللطف و الاحترام في آن و هو يقول بصوته الجدي :
-و لا يهمك. أنا إللي آسف. دخلت كده و طلعت فجأة قدامك.. بس أنا سايب هالة برا و دخلت بسرعة عشان أكلم الدكتور بتاعها. مش معايا رقمه كنت هاخده من فريال هانم. لازم أرجعلها علطول !
ضمت "سمر" حاجبيها بشدة و قد نسيت ما نزلت لأجله و هي تتساءل بقلقٍ :
-خير مالها ؟ البيبي كويس ؟!!
-إحنا كنا لسا راجعين من عند الدكتور. بس مش عارف حصلها إيه فجأة ! .. و إلتفت مرسلًا ناظريه بعيدًا
شاهد إبنة أخته و قد إنضمت إلى "عثمان" بعد أن أخذ منها الملابس و رماها لزوجته بداخل الغرفة ثم أقفل عليها و راح يهتم بإبنة عمه ...
يبتسم "نبيل" بسخريةٍ و هو يواصل النظر نحوهما قائلًا :
-أهو عثمان معاها هناك !
-أنا رايحالهم ! .. قالتها "سمر" بتلهفٍ و إنطلقت راكضة من جديد
تبعها "نبيل" من فوره... و في غضون ثوانٍ كانا قد وصلا عندهما.. و كان "عثمان" قد حمل "هالة" على ذراعيه بالفعل
اعترى "نبيل" نفس القلق الذي ينتاب "سمر" و هو ينظر إلى إبنة أخته و يراها جد متعبة ...
-هالة ! إنني كويسة يا حبيبتي ؟! .. تساءل "نبيل" و هو يمد يده نحوها ماسحًا على شعرها
لم ترد الأخيرة عليه و ألقت برأسها منهكة على كتف "عثمان" الذي نظر إليه مقطبًا و هو يقول بجمودٍ :
-ماتقلقش يا نبيل.. إن شاء الله مافيهاش حاجة. دلةقتي نطلعها أوضتها و نطلب الدكتور يجي يشوفها
رمقه "نبيل" بنظرة عدوانية، لكن "عثمان" لم يعبأ به و سار مسرعًا تجاه المنزل، يتبعانه كلًا من زوجته و "نبيل الألفي" ...
هكذا مشت "سمر" في أعقاب زوجها ناسية أمر تلك الفتاة تمامًا.. بينما بالخلف... ينفتح باب الغرفة التي تقبع "نانسي" وراء بابها ببطءٍ
لقد تقيّدت بأوامر "عثمان" و لم تخرج إلا بعد ذهابهم.. كانت قد ارتدت ملابسها مرةّ أخرى... وقفت مسندة ظهرها إلى إطار الباب و هي تراقبهم من مكانها بنظراتٍ حاقدة
راحت تعض على أصابعها شاعرة بالحنق و الغضب الشديد... لقد كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفها.. لقد جاءت "هالة" و أفسدت كل شيء، لكان "عثمان" الآن زوجها بالفعل
يبدو أنه نجا من قبضتها هذه المرة أيضًا.. و لكن أكانت له سابقة كتلك أصلًا ؟!!
هذه كانت فرصتها الذهبية... كيف ستحصل على مثلها مرةً أخرى !!!!
______________
يمدد "عثمان" جسم "هالة" فوق فراشها، يمسك بيدها و هو يتراجع قليلًا و يجلس على طرف السرير
في الجهة الأخرى تجلس "سمر" بجوارها هي أيضًا، أمام "نبيل" فيقف فوق رأس "عثمان" يرنو إلى "هالة" بنفس نظرات القلق ...
-حاسة بإيه يا هالة ؟!! .. قالها "عثمان" متسائلًا بلطفٍ
لاحت على ثغرها طيف ابتسامة و هي ترد بخفوتٍ :
-أنا كويسة يا عثمان.كويسة أوي ! .. و ألقت عليهم نظرة شمولية مستطردة :
-مالكوا كده.. ماتقلقوش عليا. I'm fine
لم تقتنع "سمر" بادعائها خاصة مع ازدياد شحوبها، فقالت و هي تقوم واقفة في نفس اللحظة :
-أنا هاروح أنادي طنط فريال !
راقبها "عثمان" و هي تخرج، بينما يتحدث "نبيل" بلهجة جافة :
-و أنا مش هاقف أتفرج عليكي.. فين نمرة الدكتور ؟؟
أطلقت "هالة" زفرة يائسة، لكنها مدت يدها بالحقيبة التي لا تزال معلقة بكتفها.. أخرجت الهاتف و فتحته، ثم ناولته لخالها
مضى "نبيل" على الفور نحو الشرفة ليجري الاتصال بالطبيب... فبقيا كلاهما على إنفراد الآن !
-ليه يا هالة ؟! .. هكذا خرج السؤال من فم "عثمان" تلقائيًا
رأت "هالة" بعينيه فضول كبير، فتنهدت و مت له الجواب بهدوء :
-عشان ماتخسرهاش.. عشان ماتخسرهاش يا عثمان و تندم. زي ما أنا خسرته و ندمت !
عقد حاجبيه رامقًا إياها بذهول، فأردفت بنصف ابتسامة :
-أنا عارفة إنك مش مع نانسي زي ما بتبقى مع سمر.. أنا عارفة كل حاجة
إزدرد ريقه بتوترٍ، ثم سألها :
-و عرفتي منين ؟!!
ردت ببديهية : سمر حبيبة قلبك.. قلبك ده إللي مش أي حد يدخله. بعد كل إللي حصل.. عيب لما تسألني عرفت منين !
تقلصت عيناه و هو ينظر إليها باضطرابٍ.. ثم أطرق برأسه تداهمه كلماتها و تفعل به فعل الصفعات... ما الذي كان بصدد فعله ؟ هل كان سيقع حقًا بهذا الشِرك ؟ أين كان عقله ؟ هل كان بحاجة لسماع هذه الكلمات من إبنة عمه ليصحو على الواقع الذي كاد يلطخه بخطيئة لو كانت اكتشفتها زوجته ما كانت لتغفرها له أبدًا ...
ربما هي ليست خطيئة بالمعنى الفعلي... لكن بالنسبة لـ"سمر" ليس لها مسمى آخر حتى لو كان سيفعل هذا مع امرأة تحمل إسمه.. هو يعرف جيدًا كيف كانت لتستقبل شيئًا كهذا
كما يعرف بأنه صار مدينًا لإبنة عمه ...
يرفع "عثمان" رأسه لينظر إلى "هالة" من جديد... يبتسم لها لأول مرة منذ وقتٍ طويل، ثم يقول بامتنان حقيقي :
-شكرًا يا هالة !
فتبادله الابتسامة بهدوءٍ و هي تومئ له برأسها !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ................................................................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!