رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني 2 الفصل الخمسون 50 بقلم مريم غريب



رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني 2 الفصل الخمسون 50 بقلم مريم غريب 


( 50 )


_ بَعْضُ مَنْ أَلَمٍ ! _


إنقضى أغلب يومه في مباشرة أعماله الكثيفة و المؤجلة منذ فترة طويلة لإنشغاله الدائم و غوصه بمستنقعٍ من المشكلات و المصائب ... 


صحيح بأن ذلك الضيف البغيض قد وطأ منزله و أستقر فيه.. و طبقًا لبقية اتفاقه مع إبنة عمه فهو أيضًا يملك حصة صغيرة جدًا بمجموعة العائلة التجارية 


لكن كل ما حدث شيء، و شؤون العائلة العملية بالنسبة له شيء آخر، يستطيع أن يتصرف باجرام ما إن حاول "نبيل" ذاك التدخل في هذه المنطقة و لو من بعيد.. و لعل الأخير أدرك ذلك، فارتأى أن يتقي شر خصمه الغضوب لبعض الوقت حتى 


على كلٌ لا ينبغي أن يثير حفيظته باستمرارٍ هكذا، كلاهما ذكيان و يفهمان بعضهما جيدًا، لذلك فهو يعلم تأثير ما يسببه له، و كيف تكون ردة فعله إذا حاول أن يضغط عليه أكثر 


ستكون الخسائر وخيمة، و لن يربح أحدٍ في هذه الحرب الباردة، لربما تنقلب الحرب أصلًا و تدمر الجميع على حد سواء ... 


••••••••••••••••• 


كانت "نانسي"غائصة في إحدى أرائك غرفة المكتب، تمسك بين يديها رواية عاطفية من الطراز القديم، مستغرقة بالمطالعة إلى أقصى حد ... 


إلى أن سمعت نقرة على الباب، ثم صوت "عثمان" الهادئ : 


-مساء الخير ! 


اعتدلت "نانسي" فورًا و إلتفتت ناظرة إليه ... 


-مساء النور ! .. هكذا حيته بابتهاج كأنها طفلة تستقبل أبيها بعد يومًا طويلًا في العمل 


كان يبتسم لها ببساطة، لكنها عبست فجأة عندما رأته و قد بدا عليه الانهاك الكبير...رغم وسامته و وقاره الشديد في تلك البذلة الرسمية.. كانت الإثارة أيضًا تكمن في فتحة قميصه من الأعلى و انحلال ربطة عنقه المخملية القاتمة ... 


-إنت كويس يا عثمان ؟! .. قالتها "نانسي" و هي تطوي الكتاب و تلقي به جانبًا 


قامت على الفور و تقدمت صوبه، بينما يرد عليها بطبيعية : 


-أنا تمام.. بس محتاج أغسل وشي و أشرب فنجان قهوة بسرعة كده. الشغل كان متراكم و كتير جدًا و أنا راسي وجعاني شوية 


نانسي بقلقٍ : تحب نروح مستشفى طيب و لا نطلب دكتور ؟ 


عثمان ضاحكًا بخقة : 


-على إيه كل ده.. مافيش داعي. أنا كويس.. بصي عشر دقايق أطلع أغير و أرجعلك Fresh. أوك ؟ 


نانسي بابتسامة مهزوزة : 


-أوك ! 


و بالفعل ...


ما هي إلا بضعة دقائق قليلة.. إلا و عاد "عثمان" جديدًا مثل زهرة يانعة.. كان أكثر نشاطًا الآن و قد بدل ثيابه الرسمية برداء منزلي رياضي مؤلفًا من قطعتين، أزرق اللون بخطان أبيضان على جانبي السروال و الذراعين، يحمل توقيع الماركة العالمية الأشهر "Adidas" ... 


عقد حاجبيه باستغراب عندما ولج و لم يجدها حيث تركها.. أخذ يتلفت حوله بحثًا عنها... ما من أثر لها أيضًا.. هل يمكن أن تكون قد انسحبت ؟ بسهولة هكذا... تعرض الآن عن رغبتها في تمضية بعض الوقت معه ؟ 


لم يتسنى له طرح مزيد من الأسئلة بعقله، إذ رآها.. عبر واجهة غرفة المكتب الزجاجية.. شاهدها تقف بالخارج وسط الحديقة الخلفية، كانت تلوّح له ما إن دخل، لكنه لم يلاحظها إلا الآن 


تنفس "عثمان" بعمقٍ و توجه إليها في الحال ... 


-خرجتي برا ليه ؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل و هو يفتح الباب الزجاجي عن آخره و يمشي ناحيتها واضعًا يديه بجيبيه 


-الجو شوية و هايبرد.. إنتي نفسك تتعبي بالذات اليومين دول ؟! 


ابتسمت "نانسي" و هي تخفض ناظريها شاملة القطع البسيطة التي ترتديها بنظرة سريعة... تنورة قصيرة من قماش القنب الأحمر.. يعلوه قميصًا رماديًا بلا أكمام و ياقة مثلثة الشكل... أما شعرها فكان مسدلًا و ملقى على كتفها الأيسر بانسيابية ناعمة 


كانت جذابة و أكثر نزعًا لطور الطفولة أو المراهقة كما عهدها ... 


-أنا بحب الجو البارد جدًا ! .. أوضحت "نانسي" له بيساطة، و تابعت : 


-أنا قضيت نص عمري في لندن. جسمي متعود على كده.. ماتخافش مش هابرد. تعالى بقى نتمشى سوا. إنت وحشتني أوي و وحشني كلامنا. بس منغير مشادات أوعدك 


و ضحكت بمرح ... 


ليتنهد "عثمان" و هو يرمقها بنظرات واجمة... كل غريزة فيه أهابت به ألا يطاوعها في أيّ شيء.. حيث بمظهرها ذاك و سيرهما سويًا متقاربين قد يتولد عنه بسهولة جوًا من الحميمية يود هو أن يتجنبه في الأساس ! 


-أوك !! .. هكذا نطق لسانه عكس ما قرره بداخله 


اتسعت ابتسامتها و هي تراه مقبلًا عليها ... 


لم تتضايق "نانسي" حين سار "عثمان" إلى جانبها محافظًا على مسافة بينهما.. بل إنطلقت تحكي معه برقتها المعهودة : 


-قولي بقى ايه إللي شغلك عني طول الفترة إللي فاتت ؟ إحنا بينا إتفاق و ما ينفعش تتهرب مني 


رماها "عثمان" بنظرة جانبية مرددًا : 


-أتهرب منك ؟ مش فاهم تقصدي إيه ! 


أفهمته "نانسي" مستخدمة يديها في التعبير : 


-يعني بما إننا متراهنين على حاجة يبقى لازم نلعب عليها.. لازم تديني فرصتي عشان أوقعك يا عثمان. كده و ببعدك عني لحد المهلة ما تخلص إنت بتغش 


و قهقهت آخذة الأحجية كلها على محمل الدعابة ... 


لكنه لم يفعل مثلها، بل قال باسلوبه الثعباني اللئيم : 


-طيب ما أنا سايبك تلعبي عليا أهو.. أنا قدامك. مديكي الفرصة.. Go ahead يا نانسي. وريني هاتوقعيني إزاي ! 


توقفت عن السير في هذه اللحظة.. ليستدير نحوها بتعابيرٍ مسترخية عكس تعابيرها المكفهرة ... 


تنامى الصمت بينهما للحظاتٍ، قبل أن يقول "عثمان" بجدية : 


-بصي يا نانسي.. أنا بكلمك بجد دلوقتي. إنتي يابنتي مش هاتعرفي تاخدي معايا حق و لا باطل. خلينا متفقين على كده. أنا مش شايفك غير نانا.. الطفلة الصغيرة إللي كنت بحبها زي أختي و بهزر و أضحك معاها. أجبلها شوكولاتة. أخدها معايا فسح لما أجي أزور خطيبتي.. كل الكلام ده. لكن إني أبصلك بنظرة تانية. أبقى عايزك يعني و كده. لأ.. صعب يا نانسي. أصل الحاجات دي بتبقى مزاج كده بالنسبة لي. و إنتي مش مزاجي خالص يابنتي. سامعة أنا بقولك إيه ؟ يابنتي.. بكررهالك تاني. أنا ماليش في الزغلاليل إللي زيك 


رفرفت "نانسي" بأهدابها و هي تحاول الثبات أمام تحديقه الهازئ بها، خاصةً بعد حديثه لها... احتقن وجهها و انكمشت ملامحها.. لكنها سرعان ما تمددت و أفتر ثغرها عن ابتسامة فاترة و هي تقول بحيادية : 


-مالكش في الزغلاليل إللي زيي صح ؟ .. طيب أتجوزتني ليه يا عثمان !! 


ضحك بحرارةٍ و قال : 


-نانسي أنا بشيد بذكائك. ماتخيبيش ظني فيكي.. إيه يا حبيبتي إنتي نسيتي أنا أتجوتك إزاي ؟ مش ليه ؟!! 


انتابها الغضب و إنعكس بعينيها و هما تلتقيان بعينيه القاتمتين، ليستطرد هو بعد برهةٍ رافعًا ذقنه و مسبلًا نظراته قليلًا : 


-بس للحق.. في جزء في سؤالك له إجابة عندي... أنا فعلًا إتجوزتك لسبب ! 


ابتلعت ريقها بتوتر، بينما يضيف بهدوءٍ : 


-أنا محمّل نفسي جزء من ذنبك.. عارف إن يمكن ماليش علاقة و إن ده كان إختيارك... بس مش قادر أتجاهل مسؤوليتي تجاهك.. تصدقي و لا لأ يا نانسي.. أنا أتجوزتك عشان أنقذك. عشان أرجعك تاني زي ما كنتي زمان.. إديتك إسمي. و كان عندي استعداد أحاول معاكي لحد ما تتعافي و تبقي كويسة... بس إنتي و لا مرة إدتيني فرصة. و واضح إنك مش هاتعملي كده أبدًا 


كانت تحملق فيه بتجهمٍ، أصغت لكل كلمة قالها بتمعنٍ.. حتى فرغ ...


لم تدري كيف إنفجرت ضاحكة فجأة.. فأجفلته و جعلته ينظر إليها مستنكرًا بشدة، لتقول من بين ضحكاتها : 


-آه.. آااااه بجد.. ضحكتني يا عثمان... ضحكتني.. بقى أتجوزتني عشان تصلح مني هه ؟ يعني مايمشيش معاك عشان الفيديو بتاع عمك و الفضيحة ؟! 


تجاهل ضحكها و سخريتها منه و قال بغلظةٍ : 


-فيديو إيه يا بت إللي بتكلميني عنه ؟ إوعك تكوني مفكراني خايف بجد من الفيديو.. سبق و قولتلك بليه و إشربي مايته. لو عاوزة تنشريه من بكرة إعملي كده. و لا يهز مني شعرة. ده أنا كمان ممكن أسجنك بيه.. إصحي يا نانسي لكلامك و فوقي كده. إنتي شكلك لسا ماتعرفنيش 


ابتسمت بمرارةٍ و قالت : 


-بالعكس.. ده أنا دلوقتي بس عرفتك كويس أوي. يمكن قبل كده ماكنتش واضح.. لكن بعد الكلمتين بتوعك دول. التهذيب و الإصلاح إللي وصيت نفسك بيهم عليا... شكلك إنت إللي لسا ماتعرفنيش يا عثمان. ماتعرفش أنا مريت بإيه.. ماتعرفش إللي أنا فيه ده وصلتله إزاي. مع إنه بسببك. مهما أقنعت نفسك بعكس ده.. كله بسببك. و في الأخر بتتعالى عليا. مستكبر حتى تبصلي بعين الرضا. قرفان مني صح ؟ حقك 


احتدمت نظراته و هو يقول بصرامةٍ : 


-نانسي.. إياكي. إياكي تلعبي على الوتر ده. فكك من الصعبانيات. مش بتاكل معايا.. أنا مش هالمسك. مش هاربط نفسي بيكي أبدًا.. ماعنديش إستعداد نهائي أجيب لإبني أخ أو أخت من واحدة زيك إنتي فاهمة ؟؟؟ 


-عيال مين بتتكلم عنهم !!! .. صرخت بوجهه ثائرة و هي تود لو تنتف شعرها من شدة إنفعالها و عجزها في آن 


بقى جامدًا مترقبًا ما ستقوله تاليًا، فلم تجعله ينتظر طويلًا و تقدمت منه خطوتين، و هي تعلن بحرقةٍ و قد سالت دموعها لا إراديًا : 


-أنا شايلة الرحم ! 


______________


في ساعة صفاء... إستغلت "سمر" غفوة صغيرها بعد مدة طويلة قضتها تلعب و تمرح معه.. نزلت إلى المطبخ و حضرت لنفسها كوبًا من مزيج الشاي بالنعناع و القرنفل 


ثم صعدت ثانيةً إلى غرفتها، أخذت المذياع الصغيرة الذي قام زوجها شرائه لها من رحلة "سانتوريني".. فهو بالاضافة للعب الأغاني و الموسيقى مصباحًا و بلورة زجاجية أيضًا 


أخذته "سمر" و جلست بالقرب من الشرفة المطلة على الحديقة.. أوصلته بهاتفها و شرعت بتشغيل الغنوة الأقرب إل قلبها هذه الأيام.. بصوت الشجن و العذوبة الخالد كما وصفه كل من سمعه.. السيدة "أم كلثوم" ... 


بدأت الغنوة، فأمسكت "سمر" بكوب الشاي الساخن، تكومت فوق مقعدها و أحاطت نفسها بذراع، و بيدها الأخرى تحتسي الشاي، و كأنه لمسة دافئة تربت عليها أثناء سماعها الألحان الشجية و الكلمات التي تخبر حالها 


و كأنها كتبت من أجلها هي : 


أكتر من مره عاتبتك 


و إديتلك وقت تفكر 


كان قلبي كبير بيسامحك 


إنما كان غدرك أكبر 


أكبر من طيبة قلبي 


أكبر من طولة بالي 


أكبر من قوة حبي 


مع كل الماضي الغالي ... 


أطلقت نهدة حارة من صدرها، و دمعت عيناها مع الانتقال للجزء التالي من الغنوة : 


ماتصبرنيش ما خلاص 


أنا فاض بيا و ملّيت 


بيّنلي إنت الإخلاص 


و أنا أضحي مهما قاسيت 


ده مافيش في الدنيا غرام 


بيعيش كده ع الأوهام 


و الحب الصادق عمره 


عمره مايحتاج لكلام 


و لقيتني و أنا بهواك 


خلصت الصبر معاك 


و بأملي باعيش و لو إنه 


ضيعلي سنين في هواك 


و أهي غلطة و مش ح تعود 


و لو إن الشوق موجود 


وحنيني إليك موجود 


إنما للصبر حدود 


للصبر حدود يا حبيبي ... 


قاطع إندماجها فجأة صوت تلك الجلبة المنبعثة من الأسفل، أسفل شرفتها مباشرةً... خيّل إليها بأنها سمعت صوت زوجها، فقامت مسرعة و أطلت مسندة مرفقها فوق السور الرخامي 


رأته بالفعل ... 


كان يقف في مواجهة تلك الفتاة، يبدو أنهما بصدد شجار، و الصوت مسموع.. لكن الكلمات ليست مفهومة... اعتراها الفضول الشديد خاصةً عندما رأت ضرتها تقترب من زوجها بهذا الشكل 


لم تستطع مقاومة مشاعرها المتهورة، استدارت بسرعة و إنطلقت إلى الخارج ... 


______________ 


يصفّق "عثمان" بيديه محاولًا الظهور بمظهر المحنك بعد تصريحها و قال بخشونةٍ : 


-برافو يا نانسي.. برافو. محاولة مش بطالة.. شايلة الرحم. يعني أقرب منك و أنا مطمن مش كده ؟ و الله إنتي تغلبي چيچي في حوار التمثيل. كان لازم تقدموا في معهد السنيما انتوا الاتنين


عبقت وجنتيها باحمرارٍ شديد، إهتاجت أنقاسها و تدافعت خلال صدرها بعنفٍ و هي تومئ برأسها في حركاتٍ مريبة متمتمة و كأنها على وشك أن تفقد عقلها : 


-أنا بمثل.. أنا بمثل صح... طيب و كده بمثل !!! 


و رفعت يديها بلمح البصر لتشق قميصها بحركةٍ حادة ... 


-كده بمثل ؟ كده بمثل ؟ كده بمثل ؟؟؟؟؟


جحظت عيني "عثمان" و هو يراها تعري نفسها و تنوي التجرد من ملابسها كلها، فصاح بها و هو يمد يديه نحوها محاولًا منعها : 


-إنتي بتعملي إيه ؟؟؟ بس يا مجنونة !!! 


راحت تقاومه بشراسة القطة البرية المتوحشة، إذ أخذت تركل و تعض و تخرمش.. حتى نجحت بالغعل بالتخلّص منه و من ملابسها بنفس الوقت.. فلم يجد بدًا من محاوطتها بذراعيه و البحث بناظريه عن أيّ وسيلة إنقاذ للموقف ... 


لم يرى سوى غرفة المؤونة الملاصقة لخلفية المنزل.. حملها بين ذراعيه و هي واقفة كما هي و توجه بها إلى هناك من فوره.. فتح الباب بيده و دفعه بقدمه، ألقاها بعنفٍ و أغلق الباب خلفه بقوة، ثم إلتفت إليها بوجهٍ سوّده الغضب الشديد !!!! 


لكن غضبه هذا ما لبث أن إنحسر فجأة... عندما وقعت عيناه على جسمها العاري.. فشاهد هذا الكمّ الهائل من التشوّهات المتفرقة... بشاعة.. آثار حرق و جرح.. و إصابات ربما كانت بليغة و قت الإصابة أحاطت ببعض المناطق الحساسة !!!!!


أخرسته الصدمة و جمدت نظراته ... 


في المقابل تنهمر الدموع من عيني "نانسي" و هي تستدير حول نفسها أمامه دون أن تكف عن الدوران للحظة و تتكلم في نفس الوقت بصوتٍ أبح متقطع : 


-مش خسارة فيك.. حتى لو رافض تلمسني. كان لازم تشوف. غيرك ماشفش الحقيقة دي. و إللي كنت دايمًا بداريها.. أو كنت فاكرة إني بعرف أعمل كده. زي ما كنت فاكرة بالظبط إني جاية أنتقم منك.. و أتاري إني بنتقم من نفسي و بكسر فيا بزيادة.. أنا مادمرتش حد غير نفسي يا عثمان. بعد ما دمرتنا إنت و موت أبويا بحسرته. كسرتني مرتين. و جه كمل عليا إنسان كنت فكراه حبني بجد.. إنت معقول متخيل إني وصلت للطريق ده بارادتي ؟ .. أنا هاعمل كل ده في نفسي ؟ .. أنا سفيت التراب بعد أبويا. أنا إتمسحت بيا الأرض.. كل إللي ممكن يجي في بالك و إنت بتبصلي دلوقتي حصلي. أسوأ سيناريوهات إتعملت فيا. و إنت كنت فين ؟ .. بعد إنتقامك من أختي و أبويا.. عشت حياتك. إتجوزت. خلفت. طيب و أنا. مين فكر فيا.. أنا موجودة. بس حصلي إيه.. أنا مت كل يوم ألف مرة. و محدش سمعلي صوت... محدش إهتم. و لا حد.. و لا حتى إنت. و لا إنت يا عثما آ آاااه ... 


بترت كلامها حين إختل توازنها تأثرًا بدورانها المستمر، وقعت فوق الأرض بقسوة، ليهرع إليها "عثمان" و يشدها لتقف على قدميها من جديد .. 


كان جسمها يرتعش.. ليس بفعل البرودة، إنما بفعل مشاعرها و قهىتها التي طفت على السطح أخيرًا و تجلّت في دموعها الحارة و نظراتها المتضرعة.. و الآن في نبرتها الكسيرة : 


-أنا تعبت.. أنا مش عايزة أكمل يا عثمان... تقدر تساعدني ؟ ساعدني أرجوك.. إبعتني لبابا.. عشان خاطر إبعتني عنده ... 


خيّل إليها بأنها شعرت بذراعيه تضمانها، فحاولت قانطة أن تبقي جسمها متقلصًا، لكن طريقته معها شوشت ذهنها و شحذت تجاوبها معه في آن.. فتسربت كآبتها و مقاومتها الركيكة، بينما يشدها إليه و هو يمس شفاهها بشفاهه لأول مرة و عيناه مفتوحتان ! 


كلاهما بنظر للآخر.. نظرات كالطعنات و الشفاء... إلى أن أبى جسمها البقاء في حالة الجمود هذه، فرفعت ذراعيها و طوقت عنقه، بينما يحسم أمره في هذه اللحظة و يدفع بها إلى منضدة جانبية متهالكة.. يضعها فوقها و يعاودا الاشتباك ببعضهما من جديد 


هي في توق، أما هو ففي رثاءً و تعويض.. ربما مواساة.. أخذ يبذل كل ما بوسعه للتخفيف عنها، لمنحها و لو أقل شعور بالسعادة و الطمأنينة... و بالواقع أنه نجح.. هل يمكن ألا يفعل ؟ 


أتت محاولته ثمارها بالطبع و تمكنت "نانسي" من نسيان الدنيا بأسرها بين ذراعيه ... 


إلى أن حطم ضجيج الغرام و المناجاة الحارة صوت ارتطام مكتومًا بالخارج، فجمد كل شيء للحظة واحدة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ......................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

الفصل الواحد والخمسون من هنا

 

تعليقات



×