رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني 2 الفصل التاسع والاربعون 49 بقلم مريم غريب



رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني 2 الفصل التاسع والاربعون 49 بقلم مريم غريب 


( 49 )


_ تقلبات ! _


مضى العديد من الأيام... ليس كثيرًا على أيَّة حال.. أسبوعًا أو أكثر. تعاقبت الأيام في وتيرة من التوتر و الجفاء.. ربما الغضب و الكيد أيضًا ! 


منذ اليوم الأول الذي حل فيه "نبيل" فردًا و واحدًا من أهل البيت.. قصر "البحيري"... الجميع يلتزم الصمت و أوامر رجل البيت الأول و كبير العائلة 


توقفت التجمعات العائلية.. الفطور و الغذاء و العشاء يتناول الجميع كل هذه الوجبات على حِدة.. لا أحد يظهر إلا للحاجة... كان هناك تقيّد إجباري للقواعد الجديدة التي فرضها "عثمان".. لكن "نبيل" لم يعبأ بذلك أبدًا، فكان يمارس حياته منذ أول لحظة طبيعيًا بطريقة أزادت من حقد و غضب "عثمان" عليه 


ما دفع "صالح" لقرار المغادرة و السفر إلى القاهرة من جديد، لم يطيق البقاء في الوسط بصراعٍ بين خاله و إبن عمه.. إرتأى أن ذهابه أفضل خيار حتى لو به نزعة من الأنانية 


بالنهاية هو لن يستطع الوقوف ضد كلا الطرفين.. لن يفعلها أبدًا، ليفعلا هما ما يريدان.. لقد أخذ أسرته و عاد إلى حياته و عمله المستقل بالعاصمة.. إنسحب نهائيًا و إنتهى الأمر بالنسبة له ... 


_____________ 


في صباح يوم العطلة ...


يفيق "عثمان" ظهرًا كعادته، و كالعادة أيضًا منذ هجرها يقوم و يساعد نفسه بنفسه.. بدءًا من تحضير الملابس تأهبًا للاغتسال، و حتى طلب الفطور عبر الهاتف الموصول بجناح المستخدمين 


شرب "عثمان" قهوته بعد تناول شيئًا من الطعام، لم يكثر و هذا بالآونة الأخيرة قد إنعكس عليه بصورة واضحة.. إذ صار أنحف، لكنه مع ذلك لم يبدو أكثر حيوية بالنسبة لأيّ وقت مضى.. بالرغم من التفكير المستمر و تقلباته المزاجية و سوء حالته النفسية مؤخرًا.. كان مثيرًا للشفقة حقًا، لكنه حرص ألا يتبيّن أحدٍ من أمره، لا أحد على الاطلاق ... 


يترك غرفته متوجهًا إلى الأسفل، حيث يدور دورته التفقدية كحاله كل يوم.. و لسوء الحظ يرى ما كان لا ينغبي له أن يراه أبدًا، من أجل الحفاظ على هدوء المنزل، و لكن من جهة أخرى لا تعنيه هذه الأشياء.. يرحب جدًا بالمعارك... في الحقيقة يتحرق رغبةً لممارسة بعض العنف، لعل الأوان قد حان !!! 


-صباح الخير يا عثمان !


كان هذا "نبيل".. و كما يراه الآن و هو يلج عبر باب المنزل مهرولًا بجزعه العاري، و مستعرضًا بوضوح بنيته الرياضية المميزة و الجذابة ... 


في المقابل تتصاعد الدماء إلى وجه "عثمان".. فترتفع درجة حرارته و هو ينطلق معترضًا طريق ذاك الذي يسرح و يمرح بمنزله مؤخرًا على نحو يكاد يدفعه لفقدان عقله ... 


-إستنى يباشا رايح فين كده بالحمالات دي !!! .. صاح "عثمان" بخشونة و هو يضع قبضته الحازمة بمنتصف صدر الأخير ليوقفه 


جمد "نبيل" مكانه بالفعل... لكنه حدق بعيني "عثمان" بشجاعة و هو يقول بثقة : 


-في حاجة يا عثمان ؟ 


عثمان بحدة : حضرتك ماشي كده إزاي في البيت منغير هدوم يعني !! 


إبتسم "نبيل" بتصنع و هو يتداهى عليه ممسكًا بقميصه القطني المُلقى فوق كتفه، ثم يقول : 


-آه قصدك عشان قالع التيشرت ؟ أنا كنت بجري حوالين القصر شوية و فجأة الجو حرر. ماستحملتش بقى قمت قلعته 


عثمان باستنكار فظ : 


-حر إيه ده إن شاء الله ! البعيد جبلة و لا إيه ؟ الشتا في مصر بيدخل على اسكندرية الأول و الدنيا ناوّة و غرقانة برا و تقولي حر !!! .. و أضاف و قد تجدد غضبه و تآجج : 


-و بعدين في ستات في البيت ده. إن كنت هاتقعد هنا يبقى باحترامك و إلا مع السلامة. أنا ماقبلش بأي مسخرة تحصل هنا من أي نوع ماحصلش و مش هايحصل طول ما أنا موجود ! 


نبيل ببرود : و الله يا عثمان أنا من ساعة ما جيت هنا ماشوفتش ستات. ده أولًا.. ثانيًا ماتنساش إن ده بقى بيتي أنا كمان. و أنا بصراحة بحب أخد حريتي في بيتي. إللي مش عاجبه مايركزش معايا. أهيه بسيطة أوي. شوفت ؟ 


و غمز له رابتًا على كتفه ... 


-يلا See you ! .. و همّ بالمضي قدمًا مرةً أخرى 


لكن "عثمان" وقف بوجهه ثانيةً، بقى الأخير هادئًا ممعنًا في تبارده، بينما يضم "عثمان" حاجبيه بشدة قائلًا بصوتٍ كالفحيح : 


-هاتخلص يا نبيل.. قريب أوي هاتخلص. لا تكون مفكر إن هاتتني و لا حاجة ... 


ابتسم "نبيل" نصف ابتسامة و قال بلطفٍ : 


-حاشا لله يا أبو يحيى. أنا أهتك بردو ؟ ده لا عاش و لا كان.. عمومًا مستنيك. في أي حاجة ! 


و تجاوزه متوجهًا نحو الدرج راكضًا برشاقة .. 


-يا ابن الـ××××××× ... 


هكذا أطلق "عثمان" سبابًا و ألفاظًا نابية لم تنفك تنهمر من فمه.. لولا أن جاءت من خلفه فجأة و وضعت يدها فوق كتفه !!! 


كتمت "نانسي" صرخة ملتاعة عندما استدار "عثمان" في أقل من ثانية بوجهًا شيطانيًا و نظرات كالسهام المشتعلة ترشق بعينيها مباشرةً ... 


-OMG ! 


عبرت عن ذعرها بتلك العبارة القصيرة، و استطردت متنهدة بعمقٍ : 


-إيه ده يا عثمان.. قالب وشك كده ليه خضتني. الله يسامحك ! 


-عايزة إيه ؟؟؟ .. سألها بخشونة 


توترت قليلًا و هي ترد عليه : 


-هاكون عايزة إيه يعني.. عايزاك إنت. أنا مش بشوفك خالص يا عثمان. و طول الليل و النهار قاعدة لوحدي في الأوضة لما خلاص حفظت الحيطان و الخشب !! 


زفر بقوة مغمضًا عينيه و محاولًا السيطرة على إنفعالاته، ثم نظر إليها من جديد و قال : 


-نانسي.. أنا مش فايقلك خالص. أنا حياتي كلها متعطلة. شغلي نفسه متعطل.. مش ناقصك صدقيني. إنتي آخر حاجة ممكن أنشغل بيها دلوقتي أصلًا ! 


أبيّض وجهها في هذه اللحظة خاليًا من الدماء، كلماته الأخيرة صدمتها، بل صفعتها بقسوة ... 


حتى وقتٍ قريب ظنّت بأن مشاعرها قد ماتت.. لكنها الآن و من حيث لا تدري شعرت بتجمع الدموع بمآقيها و هي تنظر له مقلصة ملامحها بشكل أقرب للبكاء 


أجفل "عثمان" و هو يراها تتحوّل لتصير هكذا.. إرتبك كثيرًا دون شعور و طفق يقول بلهجة أكثر لطفًا : 


-طيب خلاص. خلاص يا نانسي إنتي هاتعيطي ؟ .. معلش أنا عارف إن الوضع بالنسبة لك مش لطيف. بس إحنا بينا إتفاق. أول ما يخلص هاتبقي حرة. و طبعًا لو احتاجتي مني أي حاجة هاكون تحت أمرك. لو عايزة ننفذ الاتفاق دلوقتي و نختصر المسافات و كل واحد يروح لحاله أنا موافق.. بس أرجوكي ماتشيلنيش هم فوق همومي. أنا مش قادر خلاص 


رفعت "نانسي" يدها و أخذت تزيل بأناملها الدموع العالقة بأهدابها الطويلة، ثم غمغمت بخفوتٍ : 


-أوكي يا عثمان.. أنا مش هاتقل عليك. عن إذنك ! 


و جاءت لتمر من جانبه... قبض على رسغها قائلًا : 


-استني طيب ! 


لم تلتفت نحوه، فاستدار هو حولها ليقف في مواجهتها، ثم قال بهدوءٍ ماسحًا فوق رأسها بعطف : 


-أنا خارج كمان شوية.. هارجع على الساعة 8 أو 9 بالكتير. ممكن تستنيني في المكتب. نقعد و نتكلم زي ما إنتي عايزة.. إتفقنا ؟ في المكتب مش في أوضتك يا نانسي 


كم أحبت لمسته و شعرت إزاءها بالامتنان ... 


ابتسمت "نانسي" برقةٍ و تطلعت إليه بأعين لامعة، ثم قالت : 


-أوك.. هاكون هناك. Thank you ! 


عثمان مبتمسًا بجاذبيته المعهودة : 


-you're welcome ! 


______________ 


-بعد بكرة هاخده للدكتور عشان التطعيم ! .. قالتها "سمر" مخاطبة جدة طفلها أثناء قيامها بكيَّ المناديل و الجوارب الخاصة بالصغير 


كانت "فريال" تجلس على مقربةٍ منها، حولها "ملك" تركض و تلعب، و في حجرها يغفو "يحيى" متنعمًا بدفئها و حنانها الكبير ... 


-طيب أجي معاكي يا حبيبتي ! .. عرضت "فريال" عليها بحماسة 


ابتسمت "سمر" قائلة بلطفٍ : 


-لأ يا طنط خليكي. المشوار مش هاياخد كتير.. ماتتعبيش نفسك 


-أولًا ماتقوليش كده.. مافيش تعب طبعًا. ثانيًا أنا كده كده كنت ناوية أخدك إنتي للدكتور ف دي فرصة 


عبست "سمر" معلّقة : 


-تاخديني للدكتور ؟ ليه يا طنط يا فريال ؟!! 


تنحنحت "فريال" متململة في جلستها قليلًا، ثم سحبت شهيقًا عميقًا و قالت بتمهلٍ : 


-يا حبيبتي إنتي أكيد ملاحظة.. من ساعة ما خلفتي يحيى. ماحصلش حمل تاني لحد دلوقتي. عايزين نطمن بس 


كسا عيني "سمر" غموض كثيف، بقيت تنظر إلى "فريال" دون أن ترد بكلمة... لتستطرد الأخيرة بحيرةٍ : 


-ساكتة ليه يا حبيبتي ؟ و لا تكوني عارفة حاجة أنا مش عارفاها.. إنتي كويسة يا سمر ؟!!! 


انبلجت الابتسامة على وجه "سمر" فجأة و هي تقول : 


-ماتقلقيش عليا يا طنط. أنا كويسة أوي.. أكيد إنتي عارفة إن الخلفة دي حاجة بتاعة ربنا. يعني التأخير مش من عندي. ثم في حاجة مهمة حضرتك ناسياها.. الوضع بيني و بين عثمان مش مستقر. ده بردو بيفرق في حاجة زي دي 


-قصدك يعني عشان باعد عنك بقاله فترة ؟ طيب ما هو مقاطعني أنا كمان.. زي ما زعلان منك زعلان مني بردو 


-لأ مش ده قصدي. أنا بقول عمومًا. المشاكل بينا مابتخلصش .. 


قوّست "فريال" فمها بأسفٍ متمتمة : 


-مش عارفة إيه إللي حصل لينا كلنا.. بس تعرفي. رغم كل ده هو مش مرتاح. و مرة تانية خَيّب ظني و ظنك و مقاطع الهانم الجديدة بردو.. عشان تصدقيني لما أقولك إنها مش فارقة معاه 


رفعت "سمر" حاجبيها و لم تتوقف عن الابتسام... عملت على مجاراتها و هي تقول برقةٍ : 


-طبعًا يا طنط. حضرتك عندك حق. دايمًا عندك حق ! .. ثم قالت و هي تضع المكواة جانبًا : 


-معلش أستأذنك دقيقة بس أدخل الToilet 


فريال بتأكيد : طبعًا يا حبيبتي إتفضلي ! 


منحتها "سمر" ابتسامة أخيرة، ثم مضت متجهة إلى الحمام الملحق بالغرفة... أقفلت الباب وراءها، و فورًا قفزت أمام خزانة الاسعافات الأولية 


أخذت تنقب عن زجاجة الحبوب التي خبأتها هنا بمكانٍ ما... و بالفعل عثرت عليها خلال وقتٍ وجيز.. أمسكت بها و فتحتها، قلبت محتواياتها في كفها... لكن اتضح بأنها نفذت 


لقد نست أن تجددها، الآن فقط عندما ذكرتها حماتها بشأن الحمل و الولادة.. تذكرتها، أقراص منع الحمل ! 


لقد داومت على تناولها منذ فترة طويلة تجنبًا لتكرار تجربة الأمونة ثانيةً، إذ كانت تخشى مستقبلها مع زوجها و تهاب أن يحدث أيّ شيء و يبعثر استقرارها 


بيّد بأنها كانت محقة.. لقد حدث كل ما حسب حسابه، كله ... 


أعادت "سمر" زجاجة الدواء إلى مكانها و هي تتنهد مطمئنة نفسها، فهي حاليًا ليست بحاجة لها، زوجها يمتنع عنها من تلقاء نفسه.. و على هذا فهي تضمن حدوث أيّ حمل !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ......................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


الفصل الخمسون من هنا

 

تعليقات



×