رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني 2 الفصل السادس والاربعون 46 بقلم مريم غريب
صباح الخير و الورد 🤭..
بارت جديد مكمّل لأحداث أمس ♥️
( 46 )
_ آسرًا ! _
خرجت عربة الطعام على نفس الحالة التي دخلت عليها إلى غرفة "هالة"... لليوم الثالث على التوالي لم تضع لقمة واحدة بفمها و الجميع _باستثناء "عثمان"_ جربوا معها كل وسائل الاستجداء و الرجاء.. لكن دون جدوى
كانت الخادمة تجر العربة أمام عتبة الغرفة، و قبل أن تغلق الباب تمامًا أتاها صوت "نبيل" من الخلف :
-هي هالة هانم مش جوا و لا إيه يا آنسة ؟
تشهق الفتاة على إثر حضوره المباغت و تلتفت إليه بسرعة.. أجابت بشحوبٍ لا يخلو من الارتباك :
-لأ يا بيه. هالة هانم جوا.. جوا و معاها صفية هانم
أخفض "نبيل" بصره إلى الطعام الذي لم يلمسه أحد، ثم نظر لها ثانيةً و قال :
-و الأكل إيه نظامه يعني !!
-ده المفروض غدا هالة هانم. بس هي لا فطرت و لا تغديت. حتى امبارح بردو لما وصلت ما أكلتش أي حاجة
عبس "نبيل" معلّقًا :
-ماكلتش كل ده ؟ ليه يعني ؟.. استني ماتاخديش الأكل ده. إرجعي بيه تاني. ورايا !
و تجاوزها ماضيًا إلى داخل الغرفة ...
بدايةً شاهدها و هي ترقد بمنتصف سريرها العريض، بدا عليها الهزل بالفعل، ربما بعض السقم أيضًا.. و كان جلدها مصفرًا و باهت بشكلٍ يبعث على القلق.. كان قد لمح "صفية" تجلس إلى جوارها كما أخبرته الفتاة
كانت تمسك بكأسٍ من العصير الطازج، و بيّد بأنها تحاول أن تجعلها تشربه عبثًا ...
-مساء الفل على أحلى هوانم ! .. هتف "نبيل" ملقيًا بتحيته الطيبة على إبنتيّ العم و هو يقبل نحوهما وئيدًا
إنتبهتا كلتاهما إلى حضوره، و لكن "صفية" فقط التي تمكنت من الرد عليه بصوتٍ خلا من التعابير :
-مساء الخير يا أنكل نبيل.. أهلًا و سهلًا بيك !
-مالك يا حبيبتي ؟!! .. غمغم "نبيل" و هو يدنو من "هالة" ماسحًا على شعرها ثم جبينها ليتحسس من درجة حرارتها
وجدها طبيعية، بينما كانت ترد عليه بلهجة متعبة :
-خالو نبيل ! .. إنت جيت ؟ أنا كويسة. ماتقلقش
يجلس "نبيل" مقابل "صفية" من الجهة الأخرى، فبقيت "هالة" بينهما... قطب جبينه، و خفض يده ممسدًا على خدها بأنامله الغليظة و هو يقول بحنانٍ :
-أظنك شايفاني مش أعمى يا ست هالة.. شكلك مش بيقول إنك كويسة خالص. قوليلي يا حبيبتي مالك ؟ و ليه مابتكليش ؟؟
و إلتفت خلفه موليًا سمعه إليها، ليجد عربة الطعام و قد تركتها الخادمة و عادت أدراجها ...
-أنا ماليش نفس ! .. تمتمت "هالة" عندما رأته يحمل صحن الحساء و يعتزم إطعامها إياه
برز صوت "صفية" في المنتصف موبخًا :
-بطلي دلع بقى يا هالة. إنتي مش شايفة حالتك ؟ هايجرالك حاجة !!
هالة بتضرعٍ وهن :
-ياريت !
امتقع وجه "نبيل".. أما "صفية" فقد اتسعت عيناها ذهولًا و لم يسعها الكلام بعد ذلك ...
أدار "نبيل" وجهه و نظر إلى "صفية" قائلًا بهدوء :
-صفية.. لو سمحتي ممكن تسبيني مع هالة لوحدنا !
أومأت له "صفية" دون أن تزيد بكلمة، قامت و هي تضع كأس العصير فوق الكومود المحاذي للسرير، ثم غادرت معطية لهما مساحة من الخصوصية ...
-إيه الحالة إللي إنتي فيها دي ؟ .. تساءل "نبيل" بجفافٍ و قد أعاد صحن الحساء إلى مكانه
أشاحت "هالة" بوجهها للجهة الأخرى و قالت بصوتٍ أقرب إلى الهمس :
-قولتلك أنا كويسة يا خالو !
يمد "نبيل" يده و يمسك ذقنها ليدير وجهها نحوه و يجبرها على النظر إلبه من جديد ...
-عشان طلقك ؟ .. طرح عليها السؤال مباشرةً و بمنتهى البساطة
-عاملة كل ده عشان طلقك يا هالة ؟!!
ما كانت لتقدم له ردًا بالايجاب أبدًا.. و لكن تلك الدموع الواشية التي سرعان ما تجمعت و ملأت عيناها لتفيض على خديها.. أخبرته الحقيقة و أكدت صدق كلماته ...
يتركها "نبيل" و هو يطرق برأسه مطلقًا زفرة عميقة، و يدمدم لنفسه :
-أستغفر الله. ده إللي كنت عامل حسابه بجد ! .. و تطلع إليها مرةً أخرى
-إنتي بتحبيه يا هالة ؟
نطق لسانها دون ذرة من التردد :
-بحبه.. بحبه يا خالو
ضايقه كثيرًا الاهتزاز و الضعف الذي لمسه بصوتها، فضلًا عن رؤية دموعها.. فكر للحظاتٍ، ثم قال باسلوبه الموضوعي المقنع :
-طيب بصي يا حبيبتي.. أوعدك. أوعدك هارجعهولك.. بس قبل ما أنفذ الوعد ده لازم نصلح الأساس الأول. عشان يفضل كل إللي بنيناه متصان. مش يقع مرة واحدة مع أول هزة في المستقبل
إبتسمت "هالة" بسخرية قائلة :
-هاترجعه ! إزاي ؟ هو حد يعرف هو راح فين ؟ دي أخته نفسها ماتعرفش.. فادي قرر يهرب مننا كلنا !!
نبيل بثقة : قولتلك هارجعه. يبقى هارجعه.. أنا مابقولش كلام و خلاص يا هالة و إنتي عارفة
أراحته "هالة" و تظاهرت بتصديقه، ليستطرد بجديةٍ :
-هاعملك كل إللي إنتي عاوزاه. بس قبل أي حاجة محتاجك. محتاجك تقفي جمبي الفترة الجاية عشان أعرف أجبلك حقك و حق أبوكي من عثمان البحيري
-حاضر ! .. قالتها أيضًا لتريحه
في الحقيقة لم تكن تدرك معناها، أو لعلها فقدت تركيزها من شدة الارهاق و التعب، لتغمض عينيها مستسلمة لأيّ ما كان الذي يتربّص بها ...
لكن "نبيل" لم يكتفي بهذا القدر، فقال بلهجة آمرة و هو يقبض على كفها المُلقى فوق بطنها :
-حاجة كمان.. قومي إلبسي عشان نروح لدكتور يشوفك. و بسبب إللي إنتي فيه و تعبك و رميتك دي حسابي مع العيلة دي هايكون له شكل تاني خالص. إنما بعدين لما أطمن عليكي بس.. يلا يا حبيبتي قومي و أهو نتفسح سوا بالمرة ..
أزاحت جفنيها لتنظر إليه، و جاءت لتعترض، فأسكتها واضعًا اصبعه فوق شفاهها قائلًا بصلابةٍ :
-ملعون أبو أي حد يزعلك. من إنهاردة مافيش أي حاجة ممكن تضايقك يا هالة.. خلاص. خالك جه !
*****
أمام باحة المنزل، يصافح "عثمان" الدكتور "أدهم" متبادلًا و إياه عبارات الوداع الأخيرة ...
-الزيارة دي ماتتحسبش يا دكتور خلي بالك ! .. قالها "عثمان" ملوحًا بسبابته كتعبيرٍ شرطي
-المرة الجاية هاتجيب مدام سلاف و الأولاد. و أوعدك هاوصي الأمن برا يستقبلوكم بالملح و البخور
يطلق "أدهم" ضحكة مجلجلة، عندما فهم على الفور إشارته لحادثة زوجته السابقة و المحرجة... رد عليه بفكاهةٍ تحاكي اسلوبه :
-لأ إطمن.. ما أنا علمتها خلاص. مابقتش تخاف أوي عليهم من الحسد. و بعدين ما قولنا عينك باردة بقى يا أبو يحيى عيب بقى
و ضحكا معًا... ثم يقول "أدهم" بطريقةٍ أكثر جدية :
-عثمان.. مش عايز أمشي و تكون مضايق أو زعلان مني
عثمان بدهشة : أزعل منك ليه الله لا يجيب زعل يا دكتور !!
-يعني عشان موضوع ولاد عمك و خالهم. أنا بس حبيت أفيدك إنت.. رغم إني كنت مقرر اقولك الكلمتين دول بيني و بينك مش قدامه. لكن لما شوفتك بدأت تتعصب على الراجل خوفت الوضع يتطور و الشيطان يدخل بينكو. كانت هاتبقى حاجة صعبة أوي
ابتسم "عثمان" و قال :
-لأ إطمن.. حتى لو ماكنتش اتكلمت. حتى لو كان نبيل قل أدبه كمان.. ماكنتش هامسك فيه. أنا قليل جدًا لما بستخدم العنف بإيدي. لازم أجرب كل حاجة الأول و بعدين أشوف هاضطر أعمل إيه !
-ربنا يلهمك صواب الفعل دايمًا. أتمنى تثبت على موقفك و ماتتهورش. و لو احتجت أي حاجة ماتتردش و كلمني علطول
-أكيد يا أدهم. نورت و شرفت أوي و الله !
و تصافحا للمرة الأخيرة، ثم ذهب "أدهم" منطلقًا بسيارته التي خلّفت سحابة بيضاء من الدخان ...
استدار "عثمان" عائدًا إلى الداخل.. ليصطدم بزوجته الجديدة التي ظهرت فجأة من العدم !!!!
-آااااااه ! .. أصدرت "نانسي" آهة متألمة و هي ترتد بجسمها للخلف بقوة إثر تصادم بـ"بعثمان"
لولا أنه كان سريعًا و لفّ ذراعه حول خصرها و شدها بلا تفكير صوبه ليقيها السقوط.. حبست هذه المرة آهةٍ، من نوعًا آخر حين ارتطمت بصدره و تلاصقا بهذه الطريقة الساخنة ...
من كان ليصدق أن تصير معهما لقطة كهذه ؟ .. و لا حتى بالحلم أخذًا بالاعتبار موقف "عثمان" الصارم منها و النفور الدائم الذي يبديه في وجودها
إنما.. ألا يقول المثل "رب صدفةٍ خيرًا من ألفِ ميعاد !" ...
و لكن هذه تعتبر صدفة بالنسبة له هو، أما بالنسبة لها فلا شيء يحدث بالصدفة.. كل خطوة بتخطيط مسبقٍ و مدروس بإتقانٍ !
في المقابل، ما كان يشغل "عثمان" أيّ شيء من كل الذي يدور برأس "نانسي".. فقط صب جام تركيزه، و غضبه وليد اللحظة على زوجته و على المظهر الذي يراها عليه الآن ...
-ده إنتي لابسة كده و رايحة على فين إن شاء الله ؟؟؟
وجَّه "عثمان" سؤاله ذي اللهجة الحادة ليصيب مسامع "نانسي" جيدًا ...
هبطت "نانسي" بناظريها لتفحص لباسها متصنعة البلاهة، لكنها لم تتمكن من النظر أبعد مِمّ بعد قفصها الصدري، بسبب اطباقه الشديد عليها و تطويقه إياها بذراعيه باحكامٍ شديد
إلا أنها مع ذلك كانت ترتدي ثوبًا قصيرًا من الجلد القاتم، تعلوه نصف سترة من نفس الخامة لكنها مزركشة بعدة ألوانٍ فاتحة ...
-ده Half dress يا حبيبي. إيه ماشوفتش زيه قبل كده ؟!
عثمان برعونةٍ فجّة :
-لأ شوفت يا نجمة النجوم.. بس عليكي إنتي محدش هايشوف المسخرة دي طول ما إنني على ذمتي
ابتسمت "نانسي" بغوايةٍ، رفعت كفها الناعم و أحاطت خده البرونزي المكسو بلحيته الخفيفة و هي تقول بميوعة :
-بتغير عليا يا بيبي !!
قست ملامحه أكثر و هو يهزها يضغط عليها بين ذراعيه قاصدًا إيلامها بينما يغمغم بغضب :
-نانس.. لأخر مرة. بطلي حركاتك دي معايا ! .. و سألها بحدة :
-ثم إنتي أساسًا رايحة فين و منغير ما تقوليلي ؟؟؟
-معزومة على Party في بيت لينا صاحبتي
-أنا مش منبه عليكي مافيش خروج من البيت ده قبل شهر ؟ مش قادرة تستحملي كام يوم لحد ما كل واحد يروح لحاله ؟!!!
إلتوى ثغرها للجانب و هي تسأله بخبثٍ :
-و إنت ليه واثق أوي إننا هانتفارق بعد شهر ؟ إيه عثمان.. نسيت الرهان ؟ الـDeal إللي عملناه ؟!
عثمان بغلظةٍ : لأ مانستش.. بس إنتي كمان ماتنسيش نفسك. أنا لو عاوزك هاجيلك بمزاجي. منغير حركات الرخص دي
ضحكت بدلال و هي تميل عليه مغمغمة :
-إللي أعرفه إن طول عمرك ذوقك بيميل للرخيص. أومال.. ما إنت إبن ذوات. متعود على الحلو كله من صغرك. نفسك بتجزع. ف بتغير علطول.. بس مش آن الأوان تغير عليا أنا بقى. شوية بس يا عثمان.. خليك معايا شوية ب آ ا ..
بترت كلمتها و هي تطلق صرخة قصيرة حين دوى صوت تحطم زجاج قريب جدًا منهما ...
إلتفتا الإثنان معًا.. فإذا بها "سمر" تقف متسمرة عند مقدمة الدرج و قد سالت الدماء من يدها، كان هناك جرحًا طفيفًا نوعًا ما بكفها.. ربما تسبب به الكأس الفارغ الذي كانت تحمله و على ما يبدو أنها أرادت التوجه ناحية المطبخ
لكنها لم توّفق.. بسبب هذا المشهد الذي صعقها كليًا ...
-سمر ! .. خرج إسمها بهمسٍ من بين شفتي "عثمان"
لكنها استطاعت سماعه، و عندما استشفت نيته لم تود أن تمنحه الفرصة، سيكون فوق جثتها... إلتفتت "سمر" بلحظةٍ للوراء و أخذت تتسلّق الدرج بأقصى ما لديها من سرعة
ليفك "عثمان" أسره عن "نانسي" فورًا و يلحق بها هاتفًا :
-سمر... سمر.. سمر إستني !!!
و من خلفه بقيت "نانسي" بمكانها، تنتشي بأول إنتصار مزدوج لم تكن تحلم بتحقيقه بهذا التوقيت.. فهي كانت تطمح في التقرب من "عثمان" و إثارته بأيّ طريقة
الآن فقد أثارته بالفعل، و لكنها أيضًا أضرمت نيران لا تنطفئ بصدر زوجته... نيران الغيرة و الغيرة هي كل ما تحتاجه "نانسي" للقضاء على هذا الحب من اقتلاعه من جذوره !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ...................................