رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني 2 الفصل الرابع والاربعون 44 بقلم مريم غريب



رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني 2 الفصل الرابع والاربعون 44 بقلم مريم غريب 



( 44 )


_ حطام ! _


استقطبت "سمر" جميع الأنظار لحظة خروجها من السيارة الفارهة التي خصصها زوجها لأجلها بسائقها ... 


كان الرجال و النسوة على حد سواء يرمقونها بنظرات الفضول و الإنبهار، بين ناكر و مستنكر النعمة التي تجلّت عليها كليًا من رأسها حتى أخمص قدميها.. أغلبهم يجد صعوبة في تصديق ما آلت إليه قصتها 


فهي منذ بضعة سنوات كانت مجرد فتاة فقيرة تسير أمامهم بملابس مهلهلة و أحذية رثة.. لكنها الآن كما يرونها بأم العين.. لم تكن سوى "هانم"... "هانم" بكل ما للكلمة من معنى 


رغم الفضيحة التي ألمت بها، بعد إشاعة خبر علاقتها السرية بمديرها الشاب بالشركة و ابن العائلة المرموقة الثرية ذائعة الصيت.. لكن زوجها قد نجح بدحض كل الفضائح بزواجه الرسمي منها ثم جعلها أمًا لابنه 


لقد كمَّت الأفواه تمامًا، إنما العيون... العيون لا تزال تستعر بالحسد و الكيد.. لكنها كالعادة بلهاء.. لا ترى ذلك أبدًا !! 


-تعالي يا لوكا يلا ! .. قالتها "سمر" و هي تمد يدها لشقيقتها الصغيرة لتنزلها من المقعد الخلفي 


تشبثت "ملك" بكف أختها و قفزت برشاقة طفولية، لتستقر أمام السيارة إلى جوارها ... 


أخفضت "سمر" رأسها قليلًا لتنظر إلى السائق الثلاثيني قائلة : 


-ميرسي يا شاكر. لو وراك حاجة أو عاوز تروح لأي مكان تقدر تمشي و أنا لما أخلص هنا هاكلمك 


ابتسم لها الشاب المهذب و قال : 


-تحت أمرك يا هانم.. أنا هاسيب العربية هنا و هاروح أقعد هلى قهوة قريبة فيها جماعة معارف بقالي كتير ماشوفتهمش. حضرتك كلميني بس وقت ما تجهزي هاتلاقيني قصادك في دقيقة واحدة ! 


أومأت له "سمر" و شكرته ثانيةً، أخذت "ملك" و سارت متجهة نحو المنزل.. في طريق صعودها، ينفتح باب شقة السيدة "زينب" فجأة ... 


-معقولة تطلعي منغير ما تبصي عليا حتى ؟! .. هتفت "زينب" من وراء ظهر "سمر" 


و أضافت معاتبة : 


-أخس عليكي يابت كريمة. يا اللي مربياكي إنتي و اخواتك !


تلتفت "سمر" نحوها في هذه اللحظة.. تترك يد "ملك" و تقبل عليها لتحتضنها بشوقٍ متمتمة : 


-ماما زينب ! 


وكزتها "زينب" في كتفها بخفة و هي تعلّق بامتعاض : 


-ماما ! انتي خليتي فيها ماما يا جبانة ؟!! 


ضحكت "سمر" بمرحٍ و تراجعت للخلف قليلًا لتنظر لها قائلة بصوتها الرقيق : 


-طيب و الله وحشتيني. أنا ماكنش قصدي أطلع منغير ما أشوفك.. كنت هافوت أقعد معاكي أنا و لوكا أصلًا. خلاص بقى حقك عليا. مقدرش على زعلك 


زينب بنصف عين : 


-كوليني يابت.. كوليني بكلمتين. الظاهر قعدتك جمب جوزك الكلامنجي ده خليتك تاخدي منه كتير. ما هو إبن الذوات بتاعك ده مش فالح ألا ينيم دماغك بكلامه و إنتي زي الهبلة بتسيحي في إيده من أقل حاجة.. بس أنا بقى مش هبلة زيك و زعلانة 


تهدلت ملامح "سمر" و هي تسألها بحزن : 


-زعلانة ليه طيب..أنا عملت إيه لكل ده يا ماما زينب ؟!! 


-يعني مش عارفة ؟ بقالك أد إيه راجعة لجوزك ؟ من ساعة ما سيبتي البيت هنا و لا بتسألي عليا و رمياني خالص. حتى سماعة التليفون مش بترفعيها عليا. مع إنك عارفة إني قاعدة لوحدي من يوم ما صابر سافر عند أهله.. ماكنش العشم ! 


أغرورقت عينيها بالدموع تأثرًا بكلماتها.. ما إن فرغت حتى سالت تلك الدموع و هي تمد يدها لتقبض على كفها، و تشد عليه مغمغمة في محاول لاسترضائها : 


-و الله ماتزعلي.. أنا آسفة. ما إنتي عارفة إن مايحوشنيش عنك حد. بس إنتي مش عارفة أنا جرالي إيه. أنا لسا مش مستقرة خالص.. لو حكيتلك المصايب إللي حصلت هاتعذريني 


ضربت "زينب" صدرها بكفها و شهقت صائحة : 


-أستر يارب. مصايب إيه يا سمر ؟؟؟ 


سمر مبتسمة بحزنٍ : 


-هاحكيلك على كل حاجة.. بس أطلع أشوف فادي الأول. و أنا نازلة هاعدي عليكي .. 


أمسكت "زينب" بذراعها و هي تستوقفها هاتفة : 


-إستني يا سمر ! 


تطلعت "سمر" إليها عابسة.. فاعترى الأخرى بعض التوتر و هي تقول لها : 


-فادي مش فوق.. لو كنتي بدرتي شوية كنتي لحقتيه. ده لسا ماشي من مافيش ! 


سمر بغرابة : مشي راح فين يعني ؟ ده حتى لو في الشفل كان زمانه رجع.. كان جايلي و لا راح مشوار و لا إيه.. ماقالكيش ؟! 


أومأت "زينب " و هي تقول بتردد : 


-قال.. قال يا سمر ! 


رمقتها "سمر" بنظرة مرتابة... بينما الأخيرة قد عقد لسانها.. رغم أنها لا تعلم شيء عما يدور بينهم.... لكن حدسها يؤكد لها بأن بعد الذي أقدم عليه "فادي" سوف يحدث ما لا يحمد عقباه.. ليس لـ"سمر" فقط.. بل للجميع !!! 


______________ 


تجمعت الأسرة حول مائدة الطعام ... 


الأب بكل هيبته و وقاره يترأسهم، أولاده الثلاثة ذكور التوائم يتراصون بجوار بعضهم على يمينه.. و زوجته تصل لتوها بطبق تقديم اللحم الكبير و تجلس على شماله 


كان وجهه العابس محكم الانقباض منذ يومين، لم يمنحها و لو شبح ابتسامة.. حتى الكلمة كانت على قدر الكلمة التي توجهها له، و باقتضابٍ بالغ كان يفتح فمه معها !!! 


لكن كيلها قد طفح... لم تعد تتحمل منه المزيد.. لذلك تريثت حتى فرغ الجميع من طعامه، لململت السفرة، ثم لحقت به بغرفة النوم حيث كان يتأهب لقيلولة قصيرة قبل آذان العصر 


تقتحم "سلاف" غرفة النوم و تغلقها جيدًا، ثم تلتفت لترى زوجها يخلع خفيه ليستلقي فوق الفراش.. فصاحت و هي تتجه ناحيته بخطواتٍ مهرولة : 


-لحد إمتى هاتعاقبني و تفضل قاطع الكلام معايا كده يا دكتور أدهم ؟؟؟ 


-من فضلك يا سلاف ! .. هتف "أدهم" بصلابة دون أن ينظر إليها 


-أنا راجع من الجامعة تعبان و عاوز أريح شوية. لسا عندي مشوار بالليل و سفر الصبح.. بعد إذنك إطلعي برا و سبيني أرتاح


و بالكاد أمسك بطرف الغطاء ليزيحه، فسارعت "سلاف" و مدت يديها منتزعة إياه من بين يديه و هي تصيح بعصبية : 


-مش هاسيبك ترتاح إيه رأيك بقى !! 


-ســــلاف !!! .. نطق بعنفٍ كبير و هو يستدير بالكامل ليواجهها 


تشابكت نظراتهما المتحدية لبرهة طويلة.. إذ أبى كلاهما التقهقر و لو لطرفة عين، رغم احتراق جفني الأخيرة ببوادر دموعها 


فكان التراجع من نصيب "أدهم" حين شاهد تجمع العبرات بمآقيها، خشى أن يكون سببًا بإلحاق كل هذا الحزن لها.. زفر بقوة مغمغمًا و هو يشيح بوجهه عنها : 


-أستغفر الله العظيم ! 


و انتظر حتى إنحسر انفعاله بالكامل، ثم نظر لها قائلًا بلهجة أقل حدة : 


-عاوزه إيه يا سلاف ؟ أؤمريني ! 


سلاف بصوتٍ أبح : 


-إنت عارف أنا عاوزة إيه .. 


أدهم بحزمٍ : أنا لسا مش صافي من ناحيتك.. سيبيني أهدا و بعدين نتكلم 


ضمت حاجبيها بشدة قائلة : 


-كل ده عشان إللي إسمه عثمان البحيري ؟!!! 


-مش عشان حد ! .. صاح "أدهم" بقوة 


-عشان لأول مرة في حياتك تصغريني. لأول مرة بسببك مابقاش عارف أرد و لا حتى تطلع مني كلمة آسف.. أبويا الله يرحمه علمني و قال بالحرف. يا أدهم ماتغلطش عشان ماتتأسفش. و أنا عمري ما غلط في حد.. بس إنتي جزء مني يا سلاف. بتمثليني. أي حاجة بتعمليها كأني أنا إللي بعملها بالظبط .. 


عضت على شفتها و لم تستطع الرد عليه.. فتابع بخشونة : 


-لما أعرف إن عم الراجل مات و أتصل أعزيه و أقوله هاجيلك بنفسي و يقولي ياريت مدام حضرتك ماتجيش معاك عشان واحد إتنين تلاتة.. و بعد ما يقول كل ده لساني يتلخبط و مابقاش عارف أرد عليه.. متخيلة الوضع إللي حطتيني فيه !!! 


-أنا كنت عايزة أساعد مراته ! .. غمغمت "سلاف" بصعوبة 


أدهم منفعلًا : و إنتي مالك.. إيه دخلك بينهم ؟ ده راجل و مراته ؟ عمرك شوفتيني سمحت لحد يدخل بيني و بينك ؟ إنتي ذات نفسك ممكن تسمحي لحد يمشيكي و يقولك تعملي إيه معايا و ماتعمليش إيه... ردددددددددي عـلــيـــااااا ! 


-لأ ! .. اعترفت "سلاف" فورًا 


ليومئ "أدهم" قائلًا : 


-شكرًا لصراحتك.. و دلوقتي اتفضلي سيبيني لوحدي 


و استلقى فوق السرير و مد يده ليشد الغطاء على جسمه ... 


-أدهم ! .. قالتها "سلاف" بصوتٍ كالأنين و هي تضع يدها على ساعِده 


كرر "أدهم" بهدوء مفتعل : 


-من فصلك يا سلاف.. اطلعي برا. بعدين. بعدين نتكلم ! 


و حط برأسه فوق الوسادة و أغمض عينيه .. 


بقيت "سلاف" بمكانها لبعض الوقت، ليغمرها اليأس بسرعة.. فتصدر نهدة محرقة من صدرها و تولي خارج الغرفة مذعنة لرغبته ... 


______________ 


كان يجلس عند قدميها ... 


لم يتحمل رؤية أمه ترقد بالفراش و كأن خطرًا ما يتهددها، فأصر أن ينهضها بنفسه و يجعلها تجلس فوق مقعدها الواسع المفضل، و المصمم خصيصًا من أجلها و لأجل راحتها.. إذ جمع بين أقمشة الحرير القرمزية البراقة، و الوسائد و الظهر بحشو ريش النعام الوثير المريح 


أحضر لها ما طلبته و ما أشتهته نفسها.. حلوى "الكستناء" المشوية و "الباس ديبيس" اللذيذ بالزنجبيل و العسل الأبيض ... 


كانت تأكل من الحلوى بتلذذٍ و تأنيب ضمير في آن.. لقد قلق إبنها عليها كثيرًا و لا زال قلقًا كما يبدو... فهو لم يبارح مكانه أسفل قدميها لقرابة الساعة حتى الآن.. كان يضع رأسه فوق فخذها، و يطوق خصرها النحيل بذراعيه بشدة و كأنها سوف تطير بلا عودةٍ لو أفلتها !!! 


-عثمان ! .. تمتمت "فريال" و هي تداعب فروة رأسه الكثيفة الملساء بأناملها الطريّة 


انبعث صوت "عثمان" شبه مكتومًا كأنما على شفا النعاس : 


-إممم.. عاوزة حاجة يا ماما ؟ 


فريال بحنان : عاوزاك بخير علطول يا حبيبي.. قوم بقى من على الأرض. كفاية كده رجلك توجعك ! 


صمت قصير... ثم رفع "عثمان" رأسه لينظر بوجه أمه قائلًا : 


-فريال هانم.. مش رجلي بس. ده أنا كلي على بعضي كده فداكي 


عانقت "فريال" وجهه بكفيها و قالت : 


-ربنا ما يحرمني منك ! 


يمسك "عثمان" بيدها باللحظة التالية و يضعها فوق شفاهه ليلثمها مغمغمًا : 


-و لا منك.. أنا مقدرش أستحمل عليكي أي حاجة وحشة. أنا بحبك أوي يا ماما. أكتر من أي حاجة في الدنيا.. أكتر من نفسي. حتى و أكتر من إبني و حياتي كلها ! 


ابتسمت له بحلاوةٍ و قالت : 


-طيب.. ممكن تقوم و تقعد قدامي بقى ؟ عشان عاوزة أتكلم معاك بخصوص إبنك ده إللي بتحبني أكتر منه 


عقد "عثمان" حاجبيه، لكنه إنصاع لها و قام واقفًا من فوره.. جلس قبالتها و هو يقول بصوته العميق : 


-خير يا فريال هانم.. ماله يحيى ؟؟ 


طمأنته "فريال" في الحال قائلة : 


-ماتقلقش عليه.. يحيى زي الفل. بس أنا مش عاجباني وحدته دي ! 


-مش فاهم !!.. ردد "عثمان" ببلاهةٍ 


تنهدت "فريال" بصبرٍ و قالت : 


-أقصد يعني إن يحيى لازم يبقاله أخ أو أخت كمان. واحد منهم على الأقل.. ليه مافكرتش تخلف تاني من سمر يا عثمان ؟ 


-هو أنا فاضي أبص ورايا حتى يا ماما ؟ رفاهية التفكير في الأمور اللي زي دي للأسف مش متاحة بالنسبة ليا بالذات في الفترة الأخيرة 


فريال بتشكك : يعني إنت مش مانع مراتك من الخلفة يا عثمان ؟! 


-مانعها من إيه !!! صاح "عثمان" مستنكرًا، و تابع بغضبٍ : 


-هي قالتلك كده ؟؟! 


-لأ طبعًا ماقالتش حاجة ! .. هكذا سارعت "فريال" بالرد عليه، ثم قالت : 


-أنا بس إللي ملاحظة.. يحيى قرب يكمل 3 سنين. و أظن في بداية علاقتكوا الحمل حصل بسرعة. ف كان لازم أفكر.. إيه مانعه دلوقتي المدة دي كلها !! 


شرد "عثمان" بكلام أمه للحظاتٍ، ثم قال و هو يسترخي فوق المقعد واضعًا ساق فوق الأخرى : 


-مش عارف بصراحة. بس أعتقد الخلفة دي رزق. جايز ربنا مش مقدر دلوقتي. و بعدين طالما حصل مرة. يبقى أكيد إن شاء الله هايحصل تاني. يعني مافيش حاجة نقلق منها ! .. و أضاف بتفكه : 


-مع إني مش عايز أزود قلقك بس في أول مرة سمر كانت بتاخد حبوب منع الحمل. أنا كنت بحط الحباية في بؤها بإيدي و سبحان الله حملت بردو


و ضحك ... 


تجازوت "فريال" دعابته و قالت بتصميم : 


-عثمان.. صدقني يا حبيبي إنت لازم تخلف من سمر في أقرب وقت 


نظر لها بدهشة قائلًا : 


-عشان إيه الاصرار ده كله يا ماما ؟!! 


-عشان مصلحتك. و مصلحة إبنك. و مصلحة سمر. مصلحة العيلة كلها يابني 


بدا غير قادرًا على فهم ما ترمي إليه، فأوضحت أكثر : 


-الرباط إللي رابط ما بينكوا بدأ يضعف. لازم تقويه أكتر. في الأيام إللي فاتت حصلت مشاكل كتير بينك و بين مراتك. و قدام عنيا.. شوفت حاجات مش هبالغ لو قولتلك خلعت قلبي من مكانه. إنت مابقتش زي زمان يا عثمان. دلوقتي في طفل متعلق في رقبتك. و خد كلامي في اعتبارك. نفسية يحيى و سلوكه و هو بيكبر أهم من أي حاجة. استقرارك مع مراتك هو إللي هايحدد إن كان إبنك هايطلع إنسان سوي و لا لأ.. ماينفعش يشوف خلافاتك مع أمه و كل شوية يحصل نزاع بينكوا عليه.. إنت شوفت أخر مرة حالته كانت عاملة إزاي. ربنا يستر و الحاجات دي ماتتخزنش في عقله. و لازم تبدأ بنفسك عشان ده مايتكررش تاني 


عثمان بضيق: يعني أعمل أكتر من إللي بعمله.. ما إنتي بتشوفيها بردو بتستفزني ساعات إزاي. يا ماما سمر على أد طيبتها و حنيتها نكدية جدًا. و أنا بستحملها عشان بحبها 


-إنت يمكن فاكرها نكدية.. مع إنك لو فكرت ممكن تلاقيه حب مش نكد 


-حب !! 


-آه حب.. ياريتك كنت شوفتني مع باباك و تصرفاتنا و شكل حياتنا و إحنا أدكوا كده. إوعى تكون فاكر إن حياتنا كانت بمبي كلها.. أنا كنت بحب باباك جدًا و كنت بغير عليه جدًا.. و هو كمان كان كده. في وقت من الأوقات كانت حياتنا مع بعض جحيم 


-بسبب الغيرة يعني ؟ الغيرة بس !! 


تنهدت "فريال" و ردت عليه بهدوء : 


-بص يا عثمان.. هاقولك حاجة تفهمها و تحاول تفهم سمر كمان. الغيرة يا حبيبي مش حاجة حلوة.. حتى لو على شخص بتحبه. لو سمحت للغيرة تتملك منك. هاتفتح مجال للشك. و لو في شك.. إنتهى الحب. الشك و الحب عمرهم مايتجمعوا مع بعض. لو بتحبها بجد أعمل بنصيحتي دي.. و نفذ طلبي الأولاني عشان خاطري 


عثمان بهدوءٍ مماثل و هو يفكر بكلماتها : 


-إللي هو ؟! 


فريال بصرامة : تجيبلي حفيد أو حفيدة.. في أقرب وقت يا عثمان ! 


______________ 


أولجت "سمر" مفتاحها الخاص داخل القفل.. ثم أدارته ببطءٍ... دفعت باب الشقة بتملٍ و هي تنظر بالأرض، و كأنها تخشى مواجهة شيء معيّن، أو لعلها استشعرت أمرًا ! 


لكن بالنهاية حتامًا عليها المواجهة.. لا مهرب لها، أبدًا ... 


أخذت ترفع رأسها شيئًا فشيء.. لا يزالا جفناها مسدلان... لتباعد بينهما في الأخير و تعبئ نفسًا عميقًا برئتيها، ما لبثت أن حبست تلك الأنفاس .... 


عندما وقعت عيناها على كل هذا الخراب الذي ألم بالشقة.. أغلقت "سمر" الباب بسرعة و استندت إليه بظهرها دون أن تتوقف لحظة عن التطلع حولها 


لم تتحملها قدماها... فسقطت جالسة فوق الأرض بكل ثقلها


كل شيء قد خرب هنا.. الأثاث مبعثر و محطم، الأغراض كلها، حتى الجدران.. بها تكسير و شروخات كثيرة... بدا الأمر كما لو كانت حرب أقيمت هنا !!!! 


تسللت يدها إلى حقيبة ذراعها الكبيرة، فتحتها بأصابع مرتعشة و أخرجت المظروف الذي أستلمته من السيدة "زينب"... أفرغت محتوياته، فسقط بكفها مفتاحًا كالذي معها 


أعادته إلى الحقيبة، ثم أمسكت بالورقة التي طويت بثنايا المظروف.. فتحتها و بدأت تقرأ بعينيها الكلمات التي خطتها يد أخيها ... 


"سمر.. أنا مش عارف إذا كان إللي بعمله دلوقتي صح و لا غلط. و مش عارف كمان لو من حقي أخد قرار زي ده لوحدي و لا كان لازم أشركك معايا... بس عايز أقولك كل ما كنت بفكر بالشكل ده عقلي كان بيقولي دايمًا. هي أختك بردو. بس لما راحت و عملت كل ده و خدت قرارات مهمة في حياتها ماكلفتش نفسها حتى تاخد رأيك. أو تلمح. أو تعمل أي حاجة تحسسك إن ليك دور و قيمة...أنا مش ببدأ كلامي معاكي بالعتاب أو اللوم. لأ.. أنا بس حبيت أبررلك موقفي. يمكن تعذريني.. أنا ماشي يا سمر.. ماشي و مش راجع تاني. سايبك و سايب معاكي ملك و أنا مش قلقان. إنتي عايشة دلوقتي حياة اخترتيها بنفسك. مع إنسان اخترتيه و وثقتي فيه لدرجة إنك سلمتيه نفسك في الأول.. دلوقتي أنا شايف إنك مستقرة و عايشة حياة سعيدة. أتمنى تدوم السعادة دي يا سمر و تكوني بخير.. مش عايزك تزعلي مني. كده احسن بكتير... وجودي هنا بقى مستحيل. عمري ما هقدر أتكيف مع الأوضاع دي. عمري ما هقبل اني اتفرض على حد. و لا أقبل شفقة أو أحسان من حد. مش أنا الشخص ده يا سمر.. أكيد إنتي عارفة. طاقتي خلصت لحد هنا.. مابقتش مستحمل تاني. كل حاجة هنا زي ما تكون طوق حبل و بيلف حوالين رقبتي.. أنا بهرب يا سمر. بهرب من كل حاجة. من البيت. بيتي إللي اتربيت فيه و عيشت مع ابويا و امي و انتي و ملك تحت سقفه. و منك. و منهم. و من نفسي.. جايز أخلق مني واحد تاني في المستقبل. مين عارف.. أوعدك لو ده حصل. ممكن نتقابل تاني. بس دلوقتي... أنا آسف. بنسحب يا سمر. بنسحب قبل ما أدمر إللي باقي مني زي ما دمرت ذكرياتي و الماضي كله قبل ما أمشي ... " ..... 


فرغت "سمر" من قراءة الرسالة و هي بالكاد تشعر ببركة الدموع التي صنعتها فوق خديها و صدرها من شدة بكائها ... 


حتى البكاء لم تكن تشعر به ! 


لكنها بدأت تشعر الآن، عندما أفاقت على الصدمة و تقبلتها... إنهارت أكثر.. و للأسف ليس معها من يوقفها.. و يبدو أنها لن تتوقف أبدًا .... 


______________ 


بدأ القلق يساوره... عندما حل الليل و توغلت ظلمته، و زوجته لم تعود بعد 


حتى أنها لا تجيب هاتفها، و شقيقها هاتفه مغلق !!! 


كان قد أحضر صغيره ليمكث برفقة جدته حتى تهتم به في غياب أمه، بينما كان يقف في الجهة الأخرى للجناح أمام الشرفة المفتوحة 


لا ينفك يجري الاتصال بها و بأخيها.. و لكن من دون جدوى ... 


-لسا مابتردش ؟! 


إلتفت "عثمان" حتى ينظر لأمه.. أجاب سؤالها بصوتٍ لا يخلو من الاضطراب : 


-لأ يا ماما. لسا.. حتى السواق الزفت مابيردش هو كمان ! 


فريال بقلق لا يقل قلقه : 


-طيب جرب تاني. مش معاك رقم حد عندهم غير أخوها ؟ مالهمش حد خالص !!! 


-قولتلك قبل كده يا ماما سمر مالهاش غير اخواتها. مالهاش حد 


تمتمت "فريال" : ربنا يخليك ليها يا حبيبي 


ازدادت قسمات وجهه انقباضًا.. حتى أضاءت برأسه الفكرة فجأة، فصاح : 


-آاااه افتكرت ! 


فريال بتلهفٍ : إيه يا عثمان ؟؟ 


-جارتهم الست زينب دي.. معايا رقمها. صحيح لما اتصل بيها تشوفهالي فين ! 


-اتصل يا حبيبي. كلمها .. 


و للفور بحث "عثمان" عن رقمها بالهاتف حتى وجده سريعًا، أجرى الاتصال بها و بقى قيد الانتظار لثوانٍ... إلى أن جاء ردها.. فأجاب "عثمان" في الحال : 


-آلو.. أيوة معايا مدام زينب ؟ أنا عثمان البحيري ! 


و صمت فجأة يستمع إليها ... 


على الطرف الآخر تراقب "فريال" تحوّل ملامحه من القلق إلى الذعر.. رغم أنه حاول أن يخفي ذلك قدر استطاعته، لكنها لم تنخدع بتظاهره 


أنهى "عثمان" المكالمة بكلماتٍ مقتضبة، ثم اتجه إلى الطاولة المجاورة لأمه ليلتقط سلسلة مفاتيحه ... 


-في إيه يا عثمان ؟؟؟ .. تساءلت "فريال" بخوف 


عثمان بلطفٍ : مافيش حاجة يا حبيبتي. ده فادي بس تعبان شوية باين. أنا هاروح أشوفه دلوقتي 


قطبت "فريال" قائلة بجزعٍ : 


-يا حبيبي. بعد الشر عليه.. طيب. طيب يا عثمان روح. بس إبقى طمني عشان خاطري ! 


أومأ لها "عثمان" و استدار منطلقًا نحو الخارج ... 


°°°°°°°°°°°°°°°°° 


وصل "عثمان" إلى محل اقامة زوجته القديم في وقتٍ قياسي ... 


ترجل من سيارته و أغلقها بسرعة، رآى السيارة التي أهداها لزوجته تقف أمام المنزل و لكن السائق لم يكن بداخلها... تصاعدت الدماء إلى وجهه و هو يغمغم متجهًا إلى المنزل : 


-بس لما أشوفك يا شاكر بيه ! 


صعد بسرعة حتى وصل عند الشقة المغلقة، كانت "زينب" تقف هناك بجوارها الصغيرة "ملك" تبكي على بكاء أختها المسموع بالداخل ... 


-إيه إللي حصل ؟؟؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل و اللهاث يتسرب عبر شفاهه المنفرجة بقوة


اقترب من الباب واضعًا كفه على لوحه المتآكل، بينما ترد "زينب" بوجلٍ : 


-فادي قبل ما يمشي الصبح عطاني جواب و قالي وصليه لسمر لو جت. لما جت بعده بشوية عطيته ليها. من ساعة ما خدته و طلعت هنا ماخرجتش و نازلة عياط و صراخ و مش راضية تفتح لحد ! 


لم ينتظر "عثمان" حتى تتم جملتها و بدأ يضرب الباب بقبضته و هو يصيح : 


-ســمــــر ! إفـتـحــي الـبـــاب... سـمــــــــــــر. بقولك إفـتـحــي !!! 


و لما يأس منها تراجع للخلف قليلًا، و بخطوات مدروسة، رفع ساقه و سدد بقدمه ضربة قوية و عنيف جدًا نحو الباب ... 


نجحت محاولته من المرة الأولى و إنكسر القفل تمامًا.. ليلج "عثمان" فورًا تتبعانه "زينب" و "ملك" ... 


-سمر !!! .. هتف "عثمان" بتلهف عندما شاهد زوجته متكومة أمامه فوق الأرض بمنتصف غرفة المعيشة 


مشى نحوها و هو يركل بقدمه قطع أثاث مكسورة اعترضت طريقه و بعض حطام متعدد الأشكال و الأنواع.. وصل إليها أخيرًا، ركع فوق ركبته بجانبها و أمسك بكتفيها و شدها ليرفعها إليه ... 


-سمر ! مالك ؟ فيكي إيه يا حبيبتي ؟؟! 


كان يتمتم متسائلًا بلطفٍ و هو يمسح على وجهها المبلل بالدموع تارة، و يحاول أن يعدل لها الحجاب الذي خرب فوق رأسها تارة أخرى ... 


-سمر ماتجننيش !!! .. قالها "عثمان" من بين أسنانه عندما لم تمنحه ردًا 


تضاعف القلق بداخله و هو يلح عليها بلغظةٍ : 


-إيه إللي حصل يا سمر ؟؟؟؟ 


كانت تحملق بعينيه و كأن لا أحد غيره أمامها و معها في هذه اللحظات... و رغم أن الغصة سدت منفذ حنجرتها تمامًا.. لكنها وجدت متسعًا هناك لتمرير كلمتان فقط إليه ... 


-فادي مشي ! .....

 الفصل الخامس والاربعون من هنا

تعليقات



×