رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثاني الخاتمه بقلم مريم غريب
خاتمة
_ سَلْ الغَرَاَم ! _
أشهر عديدة مرت... فصول الغرام المتقلّبة.. شهدت على أروع فترة يمكن يشهدها رجلّ يحب امرأته و يعشقها إلى ذلك الحد الجنوني
اليوم يوثقا معًا أهم حدث إنتظراه بشدة ...
صباح باكر كان الجميع قد ذهب وراءهما إلى المشفى الخصوصي، حيث ستضع "سمر" مولودة أنثى خلال الساعات القليلة المقبلة
الكل يجلس بالاستراحة بنفس طابق غرفة العمليات، كلهم عدا "عثمان" الذي أصر على مرافقتها إلى الداخل... أنما بالخارج فقد كان الحضور كالآتي ...
السيدة "فريال".. "صالح" و "صفية".. "هالة" تجلس إلى جوار عائلتها أما "فادي" فيقف في نافذة على مقربة منهم يدخن سيجارته في هدوء
صديق العائلة أيضًا "مراد أبو المجد" و حرمه قد حضرا.. و بدون دعوة من "عثمان"... جلب زوجته و التي تكون شقيقة الشيخ "أدهم عمران" و إبنة عمه.. جلسا في صف وحدهما و بقيا يتبادلان الحوارات المختلفة مع البقية
كل هذا يجري و "فادي" يتظاهر بالمرونة.. كأنه لا يأبه لوجود طليق زوجته و أم طفله... أجل.. طفله... فقد أنجبت "هالة" طفلًا منذ بضعة أشهر في و لادة مبكرة بشهرها السابع.. و بالرغم من الخطر الذي حاق بها و الجنين معًا.. إلا إن الولادة تمت على خير و رُزقت بذكر أعطاه والده إسم "سليم"... و عندما حمله بين ذراعيه لأول مرة فاضت عيناه من الدمع و دعا ربه بأن يجعله خيرًا منه و ألا يرث منه إلا حسن الطبائع فقط.. فذاك الصغير... الآن هو أمل أبيه الوحيد في الحياة و مسؤوليته العظمى
يرتعد "فادي" بخفةٍ حين شعر فجأة بكفٍ رقيق يحطّ فوق كتفه.. يلقي بعقب السيجارة من النافذة و يلتفت ليكتشف بأنها "هالة"... تقف أمامه بكامل بهاءها و جمالها.. و ذلك الوشاح الصغير الذي لفته من الخلف حول رأسها كحجابٍ.. لكنه ليس بحجاب صحيح.. و هذا تلبية و مباردة منها في آن لإرضاء الرب ثم الزوج.. و في الخطوة التالية تأمل من كل قلبها بأن تجد القدرة الكافية لارتداء الحجاب الصحيح ...
-في حاجة يا هالة ! .. تساءل "فادي" بقلقٍ واضح
لتتبسم "هالة" بوجهه في الحال قائلة برقةٍ :
-لا لا مافيش حاجة.. إطمن كله ماشي تمام. لسا أصلًا محدش خرج من العمليات
تنفس "فادي" الصعداء و أومأ لها بصمتٍ.. لتستطرد بشيء من التوتر :
-هو إنت واقف لوحدك ليه ؟ ما تيجي تقعد معانا. و لا في حد مضايقك !
فادي و قد تجهم وجهه بلحظة :
-حد مضايقني.. أنا محدش يعرف يضايقني يا أم سليم
كان يعرف جيدًا إلام هي ترمي، بينما هي تبتسم بخبثٍ مبطن.. إذ علمت بأن تلميحها لوجود زوجها السابق و إمكانية الغيرة منه بقلب زوجها الحالي قد أشعلت النار أكثر بصدر "فادي" ...
-حلوة أوي يا أم سليم دي ! .. تمتمت "هالة" بحبورٍ كبير
لكن "فادي" لم يتجاوز مشاكستها الثقيلة بعد، فظل عابسًا.. لتقول مغيرة مجرى الحديث :
-طيب عشان خاطر سليم. مش عشان خاطر مامته خالص.. ممكن بقى تعيد تفكير تاني و تيجي تعيش معانا في القصر. عشان خاطر إبنك يا فادي
فادي بجدية : إنتي عارفة إن الموضوع ده منتهي بالنسبة لي.. أنا مش هادخل البيت ده إلا ضيف بس
ردت "هالة" و قد إتسمت لهجتها بالجدية ذاتها :
-مابنفعش تفضل عايش بعيد عننا كده. هانربي الولد إزاي.. و لا عاوزة يطلع معقد يعني ؟!!
فادي ببرودٍ : و مين قال إنه عايتربى بعيد عننا.. أنا بشتغل يا حبيبتي. و ماكنتش عاوز أقولك دلوقتي. بس أنا مابقتش عايش في البيت القديم. سيبته و أخدت شقة أكبر و في مكان أحسن. بس على الطوب الأحمر. هاتاخد وقت لحد ما تتشطب.. من هنا لوقتها سايبك في بيت أهلك. لكن لما كل حاجة تخلص هاتيجي إنتي و سليم و تعيشوا معايا فيها
سألته "هالة" مفغرة فاها :
-إنت عاوز تقول إنك عايش في شقة مافيها أيّ ملامح للحياة.. طيب ليه تسيب البيت القديم و تعذب نفسك كده !!!!
تنهد "فادي" بثقلٍ و أجابها :
-أنا و سمر إتفقنا نسيبه.. البيت ده ماشوفناش فيه حاجة كويسة. بالعكس.. كل حاجة وحشة حصلت و إحنا فيه.. جايز نفرح شوية لو غيرنا العتبة زي ما بيقولوا !
و هنا يسمع الجميع صوت جلبة طفيفة بالممر الجانبي.. يقفزا واقفين بترقبٍ... إن هي إلا لحظاتٍ قصيرة و خرج "عثمان" بالبشرى
كان يرتدي البذلة المعقمة و يحمل في كفيه طفلته المقمّطة ببطانية رقيقة... كانت على وجهه ابتسامة كبيرة.. فجار و وقف وسط عائلته و أحبابه هاتفًا و معلنًا بسعادة غامرة :
-فريدة.. فريدة عثمان يحيى البحيري !
و في هذه اللحظة أطلقت التهنئات مختلطة بالضحكات و المباركات... الجميع سعداء.. يتبادلون العناقات و المصافحات... بينما "عثمان" يضع طفلته بين ذراعيّ أمه التي بكت فورًا فضمها إلى صدره مغمغمًا :
-أنا سمعت كلامك و نفذت طلبك.. ماسميتهاش فريال. بس كان لازم أول حرف من اسمها يبقى زي إسمك.. و كان لسمر الاختيار. تنقي لبنتنا اسم يبدأ بحرفك. فبقت فريدة يا فريال هانم !
-تتربى في عزك يا عثمان ! .. قالها "مراد" و هو يمد يده رابتًا على ذراع صديقه
-حمدلله على سلامتها و سلامة سمر
تطلع "عثمان" إليه و إلى حرمه قائلًا :
-الله يبارك فيك يا مراد.. بجد شكرًا على اصرارك و مجيك إنت و مدام إيمان. تعبناكوا
ردت "إيمان" التي ظهرت سعادتها بعلاقتها برجلها في تعابيرها و حتى نبرات صوتها :
-شوف يا أستاذ عثمان.. إللي يحبه مراد نشيله فوق راسنا. و حضرتك ماتعرفش هو بيحبك أد إيه و دايمًا يتكلم عنك
عثمان مبتسمًا : و أنا ماليش في الدنيا غيره.. ده أخويا مش صاحبي !
-لو سمحتوا ممكن البيبي عشان لازم تروح الحضّانة !
كان هذا صوت الممرضة.. جاءت من خلف "عثمان" و طالبت بالطفلة هكذا... لتستدير "فريال" نحوها و تعطيها حفيدتها متمتمة :
-إتفضلي يا حبيبتي.. سمّي بس عليها ...
-إستني بس يا هانم ! .. تدخل "فادي" مقاطعًا ما يفعلوه
إنتبه إليه الجميع، فإذا به يقبل و في يده قلمًا.. إندهشوا كلهم حين شاهدوه يمد يده إلى قدم الطفلة، ليقبض "عثمان" على رسغه هاتفًا باستنكار :
-إنت بتعمل إيه يا فادي ؟!
فادي ببساطة شديدة :
--هاعلّم رجل البنت !
عثمان باستنكار أكبر :
-تعلّمها !!!
-آه.. أحسن تتلخبط في الحضّانة !
إنفجر الجمع ضاحكًا بمن فيهم "عثمان".. أخذ القلم من يد "فادي" و أفسح للمرضة لتأخذ الطفلة و هو يطمأنه قائلًا :
-ماتقلقش يا فادي.. مش هاتتلخبط. في تذكرة في إيدها عليها إسمها. و بعدين هي ساعة و هامشي كلنا بسمر و البيبي !
________
لم تفاجأ كثيرًا عندما قصوا لها شعرها بمركز التجميل الفخم ذائع الصيت ...
فور أن رأت المقص بيد الماكيرا.. لم تسألها حتى و علمت بأنها قد تلقّت الأوامر منه هو... ذاك المختل المجنون.. تحبه... تحبه و لا تعلم سببًا و لا غاية.. فقط تحبه !
لقد أهداه بفستانٍ جميل استطاعت أن ترتديه فور تعافيها من عملية الولادة، و هذا المساء أحضرها إلى هنا و تركها لمدة ساعتين ريثما يذهب و يتجهّز بدوره
لا تعلم إلى أين ينوي أخذها.. لكنها ذهبت معه دون سؤال... لتنعم بالمفاجأة كما هي.. لتسعد كثيرًا.. فهي تستحق السعادة ...
إنتهت "سمر" من الجلسة الجمالية الكاملة و الشاملة تلك.. هبطت من قسم المحجبات... ثم غادرت المركز متهادية الخطوات
لفحها الهواء الطلق بالخارج و جعل ذيل فستانها الحريري الفضفاض يهفهف حولها بلونه الأرجواني المشعّ.. في المقابل كان ينتظرها متكئًا بظهره إلى مقدمة سيارته اللامعة و قد تأنق هو الآخر بحلة سوادء كليًا... ما إن لاحظ حضورها إنتصب واقفًا بطوله الفارع
حبس أنفاسه لثوانٍ و هو يرى حلاها.. جمالها الذي كلما تتقدم بالعمر يزداد أكثر و لا يقل أبدًا... بالنسبة إليه "سمر" الأنثى و المرأة و الإبنة و الحبيبة.. "سمر" هدية حباه الله بها أساء إليها بالماضي.. لكنه اليوم و صاعدًا لن يريها إلا كل الحب.. كل التقدير.. كل السعادة ...
-كل ما بشوفك بتأكد إني أكتر راجل محظوظ في العالم !
ارتسمت على شفهاها ابتسامة رقيقة و هي تستمع إلى الإطراء اللبق
بادلها "عثمان" الابتسامة و أمسك بيدها، رفعها لفمه و لثم كفها بعمقٍ و هو ينظر إلى عينيها المحاطة بكلٍ أسود ساهم بتوسيعهما و إبراز لونهما الأخضر البرّاق
-مش هاتقولي بردو ناوي على إيه ؟ .. سألته "سمر" مستمتعة بالمراوغة بينهما
ليتنهد "عثمان" قائلًا بفتورٍ :
-دلوقتي ممكن أقولك.. هانسافر على القاهرة. معزومين في مطعم بتاع مرات واحد صاحبي. و الدكتور أدهم و سلاف هناك. و صالح و صفية و فادي و هالة كمان
تدلى فكها لأسفل و هي تردد مشدوهة :
-نسافر القاهرة دلوقتي ؟ و هانرجع إمتى.. طيب يحيى و فريدة و ملك !!!
ضغط "عثمان" على يدها متمتمًا :
-ماتقلقيش عليهم. ماما معاهم.. و بعدين يحيى كبر و ملك لوحدها تعرف تشغله. أما فريدة ف ماما هاتاخد بالها منها كويس. حتى و إنتي مش موجودة ممكن تأكلها و تغيرلها و تنيمها عادي جدًا
عضت "سمر" على شفتها و هي تفكر بكلامه بعض الوقت، ثم عادت تقول :
-طيب هانرجع إمتى ؟
عثمان بابتسامته الجذابة :
-بكرة الصبح هانكون هنا.. يلا بقى بقينا المغرب. يدوب نتحرك !
_________
في مطعمٍ فاخر بأحد أرقى ضواحى مدينة "القاهرة" ...
المكان كله خاوي.. فقط قام باستقبال الضيوف الخواص جدًا كما وصفهم "صلاح".. إجتمعوا كلهم حول طاولة كبيرة بالمتتصف.. المقبلات و المشروبات تراصت لهم و الخدمة على أكمل وجه
لا زالوا بانتظار حضور أهم إثنان.. الزوجان "عثمان" و "سمر" ...
حتى انتصف الليل تمامًا.. و قد دخلا متشابكي الأيدي.. ليعلو صوت "صلاح" فور رؤيتهما :
-يا أهلًا و 100 مرحب. أخيرًا وصلتوا.. حمدلله على السامة يا عثمان باشا !
و اقترب منه يصافحه ...
عثمان بابتسامة : صلاح بيه.. مبسوط إني شوفتك تاني
-و هاتشوفني كتير.. إحنا مش بقينا صحاب ؟!
-طبعًا.. تشرفني في أي وقت و أي مكان
-و أنا ماوحشتكش بقى مش كده ! .. كان هذا صوت "أدهم عمران"
نظر "عثمان" تجاهه فورًا و قال و هي يمشي ناحيته :
-إنت ماوحشتنيش عشان دايمًا في بالي يا دكتور !
قام "أدهم" ليصافحه و يعانقه متمتمًا :
-حمدلله على السلامة يا عثمان.. سامع عنك كل الخير. الله يبارك فيك و في أهلك
عثمان بامتنانٍ : ألف شكر يا دكتور. ألف شكر !
ثم حانت منه نظرة ناحية "سلاف" التي قامت بدورها لتستقبل "سمر".. لم يستطع إلا الابتسام على مضضٍ و هو يخاطبها :
-مدام سلاف.. إزي حضرتك. يارب تكوني بخير !
نظرت له "سلاف" من أسفل النقاب و قالت بتكلفٍ هي الأخرى :
-أهلًا.. كويسة.. متشكرة !
تحرج "أدهم" من سلوكها فسدد لها نظرة معاتبة، بينما تعامل "عثمان" بمرونة ليجنبه هذا الحرج و مرر ناظريه هلى الجالسين قائلًا :
-إنتوا مش هاسلم عليكوا لأنكوا في وشي ليل و نهار طبعًا !
ثم أصاب كتف "مراد" بضربة خفيفة مضيفًا :
-و الكلام ليك بردو
رفع "مراد" رأسه معلقًا بتهكمٍ :
-إنت يا بابا إللي مسكت فيا و قعدتني شهر بحاله في بيتك. لولا كده أنا أصلًا ماحبش النوم برا بيتي.. السراير بتاعتكوا مش مريحة
و تهيأ "عثمان" لإمطاره بوابل من السباب على سبيل الدعابة الرجولية :
-يالا يا بابممم ...
كممت "سمر" فمه بكفيها بسرعة و لم تزيلهما إلا حين منحها وعدًا بعينيه.. رمق صديقه بنظرة زاجرة و توعده بصمتٍ، ثم قبض على يد زوجته و توجه بها نحو المقعدين الفارغين لهما
وقف "صلاح" الآن على رأس الطاولة و هتف مبتسمًا بحفاوة:
-منورين يا جماعة. بجد منورين.. معلش بس مراتي متأخرة و هتتأخر شوية لأن إبننا عيان و في معاد دوا بياخده مش هاينفع تسيبه قبل ما تديهوله بايدها.. بس هاتيجي. ماتقلقوش. لكن جزائها هاتتحرم من العشا المفتخر إللي وصيت عليه بنفسي !
و ضحك فشاركه ضحكه الجميع ...
نزل العشاء و قد كان مفتخرًا بحق.. لكن ما من شيء منع "عثمان" من الهمس بأذن زوجته بعبارات الغزل خاصةً وسط إنشغال الجميع :
-شوفي لفيت بلاد و أماكن برا و جوا.. بس مافيش حاجة ليها طعم لو مش منك. الأكل ده مايجيش في عمايل إيديكي حاجة
ضحكت "سمر" بخفوتٍ و نظرت له متمتمة :
-طيب ماتقولش كده بقى أحسن الناس تزعل.. إبقى جاملني لما نروّح
عثمان باستنكارٍ : أجاملك إيه.. سمر أنا مش عارف إسه العملة البيضا إللي عملتها في حياتي عشان أستاهلك. إنتي أصلًا إزاي حبتيني. و ليه بجد ؟!!!
مضغت "سمر" الطعام و ازدردته، ثم نظرت بعمقٍ إلى عينيه و هي ترد عليه بهمسٍ ساحر :
-اسأل الغرام.. القلب مش بيختار إللي بيحبه. كان في ألف سبب يمنعني حتى لو كنت بتقدملي الدنيا كلها و بتاخد بالك مني و من إللي مني.. بس في الأخر و في كل مرة كنت بحبك أكتر. بحبك يا عثمان و ماتسألنيش ليه و لا إزاي. اسأل الحب إللي ربنا خلقه لو تقدر. اسأل الغرام !
تجهم وجهه مع تتمة كلامها و بقى هكذا لفترةٍ... بينما توترت "سمر" و قد ظنت بأنها قالت شيئًا خاطئًا دون قصد.. و لكنها و قبل أن تفتح فمها لتسأله كان قد باغتها بقبلةٍ خاطفة على شفاهها
إبتلعت شهقتها و هي ترتد للخلف شاملة الأخرين بنظرة خجلة.. لحسن الحظ لم يراهما أحد، فحنت رأسها و هي توبخه بصوتٍ خفيض :
-إيه إللي عملته ده.. هاتفضحنا قصاد الناس !!
لكنه لم يعيرها إهتمام... كان ينظر إلى نقطة معينة.. ثم نظر إلى مضيفهم السيد "صلاح" و هتف متسائلًا :
-صلاح بيه.. البيانو ده متاح مش كده !
أومأ "صلاح" قائلًا :
-أيوة طبعًا.. هو أنا مشيت الكل ماعدا الويتر. لكن في موظف بيجي مخصوص عشان يلعب عليه كل ليلة
يمسح "عثمان" يديه بالفوطة أمامه و هو يطلب الأذن منه بلباقةٍ :
-طيب تسمحلي أنا ألعب عليه الليلة !
صلاح برحابة : إتفضل يا باشا مكانك. منغير ما تطلب أصلًا
-متشكر ! .. و قام ساحبًا زوجته خلفه
-بتعمل إيه يا عثمان !!
-شششش يا بيبي.. أقعدي و إسمعي بس. أنا تبت عن الشغل ده من زمان. بس مرة عشان عيونك !
و أجلسها إلى جواره بكرسي البيانو ...
نظرت "سمر" له بذهول و قالت :
-إنت هاتغني ؟ إنت أصلًا بتعرف تغني ؟؟!!
لم يرد عليها، لكنه رمقها بنظرة مزهوّة، ثم فتح غطاء البيانو و تمر ثوانٍ قليلة... ثم بدأت أصابعه باللعب على مفاتيح الآلة السحرية و تدفقت أجمل الأنغام، أعقبها صوته العذب بشكلٍ لم يألف أحدٍ من قبل.. إلا "مراد".. لم يبدي إندهاشًا... و كأنه شهد على هذا من قبل
في الجهة الأخرى، تراقب "سمر" زوجها كالمسحورة و يغني تلك الغنوة التي أسمعها لها في مرةٍ سابقة.. الليلة يهديها نفس الغنوة أيضًا... و لكن بصوته ....
مَغْرَم . . مَغْرَم أَنَا بيك
علطول و أَنَا صَابِر و صَبْرِي فِي هوايا
دَلِيلٌ
لَيْل وَرَا لَيْل
و لَا دوقت النَّوْم
شَوْقٌ و غَرَام
لَا عِتَابَ و لَا لَوْمَ
دَارِي أَنَا دَارِي
حَيْرَتِي و مراري
و أَنْت و لَا دَارِي
يَا لَيْل . . يَا لَيْل . . يَا عَيْنُ
أَنْت الحبيته
و أَنْت اللَّيّ نَادِيَتِه
مِنْ بَيْنِ النَّاسِ
و أَنَا قُلْت خَلَاص
و أَنْت بتهواني
و فِي يَوْمِ تَنْسَانِي
و أَنَا دوقت معاك
طَعْمٌ الْإِحْسَاس
و آه يَا زَمَان . . يَا زَمَانِي آه
آهِ مِنْ الْعَيْنِ و اللَّيْلِ وَ الَآهٌ
الصَّبْر جَمِيل
قَالُوهُ فِي المواويل
و الْقَلْب يَا دَوب
يادوب يَرْتَاح
ليّل يَا شَوْقٌ
مَع صَبْرِي صَبَاح
قَادِرٌ تَنْسَانِي ؟!
طَيَّب إِنْسانِيٌّ ..
صَعُب أَنَا أَنْسَاكٌ
و أَنَا رُوحِي معاك
و أَفْضَل أَنَا إِدَارِيٌّ
حَيْرَتِي و مراري
و أَنْت و لَا دَارِي
يَا لَيْل . . يَا لَيْل . . يَا عَيْنُ يَا لَيْل
مَغْرَم . مَغْرَم أَنَا بيك علطول
و أَنَا صَابِر
و صَبْرِي فِي هوايا دَلِيلٌ ...
إنتهت الغنوة ...
لتصدح التصفيقات و الصافرات من البعض، بينما يلتفت "عثمان" نحو زوجته ذات المحيا الذاهل و المتوّرد.. يحيط خصرها بذراعه و يضمها إلى صدره متمتمًا فوق رأسها :
-بحبك يا سمر !
تتغلب "سمر" على خدر النشوة و العشق الذي غزى كيانها.. ترفع وجهها قليلًا لتلاقي نظراته المتيّمة و هي تقول بصوت مثقل بالعاطفة :
-أنا بعشقك.. بحبك أوي !