رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل التاسع عشر بقلم مريم غريب
_ خطر ! _
إنقضى أغلب اليوم.. و لا يزال "رفعت" كما هو، يجلس وحيدًا أسفل ضوء البهو الخافت، حيث بدت عليه إمارات الضيق و الكرب الشديد
و كأنه لن يتحرك أبدًا من مكانه، لكن مع أول ظهور لإبنه إعتدل في جلسته و هو يصيح مناديًا إياه :
-صــالح !
إقتطع "صالح" سيره المهرول و إستدار نحو صوت والده على الفور، كان وجهه شاحبًا بعض الشيء و لهجته غير واثقة و هو يرد عليه :
-أيوة يا بابا.. في حاجة و لا إيه ؟ مالك قاعد لوحدك هنا ليه ؟!!
-تعالى يا صالح ! .. قالها "رفعت" عاقدًا حاجبيه بشدة
يزم "صالح" شفتيه و هو يرمق الدرج، ثم ينظر إلى أبيه.. حسم موقفه و إتجه نحو "رفعت" و هو يقول :
-خير يا بابا في إيه ؟ أنا مستعجل معلش !
رفعت بإستغراب : إيه يابني مالك ؟ عايزك في كلمتين الدنيا هاطير يعني ؟!
صالح بتململ : مش كده يا بابا بس لازم أرجع المستشفى بسرعة. هي طنط فريال ماقلتلكش إن صافي بتولد ؟
-قالتلي قبل ما تمشي. ربنا معاها و يقومها بالسلامة هي و إللي بطنها
-أنا كنت فاكر إنك هاتيجي معاها لما كلمتها و قولتلها الدكتور هايولدها إنهاردة !
-البيت في طفلين يابني و صحيح معاهم مربية و خدم بس ماينفعش يتسابوا منغير حد فينا ! .. ثم قال بما يشبه الإنفعال :
-ما تقعد يا صالح شوية قلت عايزك في كلمتين. هابوس إيدك و لا إيه !!
يتآفف "صالح" و هو يجلس على مضض قائلًا :
-العفو يا بابا بس لسا قايلك لازم أرجع المستشفى بسرعة. أنا جيت عشان أخد شنطة البيبي و كام غيار لصفية. موضوع إنها تولد إنهاردة مفاجأة مكناش عاملين حسابها.. و مع ذلك تمام. معاك أهو. خير بقى !
أخذ "رفعت" يهدئ من أعصابه المتوترة و هو يفكر، كيف يبدأ معه الحديث في تلك المسألة، ثم إستجمع نفسه مرةً أخرى و قال بلطف :
-كنت عايز أسألك عن جوز أختك
صالح عابسًا بإهتمام :
-فادي ! ماله ؟؟
تردد "رفعت" قليلًا، فحاول أن يمّوه طريقته للوصول إلى مبتغاه :
-مش عثمان عيّنه في الشركة قبل ما يسافر ؟ عايز أعرف حطه فين و شغله ماشي إزاي !
-حطه في الحسابات يا بابا. هايحطه فين يعني و هو مايعرفش حاجة عن شغلنا
-و عامل إيه هناك ؟؟
تنهد "صالح" و قال بحيادية :
-هو كويس بصراحة. ده إللي سمعته من المسؤول عن القسم.. يعني مش بطال و منتظم جدًا
-و أخلاقه مع الموظفين.. محدش إشتكى منه ؟!
رفع "صالح" حاجبه و قال :
-شكوى ! لأ محدش إشتكى يا بابا. ليه سألت السؤال ده ؟!!
تهرب "رفعت" من سؤال ولده المباشر و قال بلهجة طبيعية :
-أبدًا يابني.. مش عشان حاجة. بطمن بس على أحواله ما هو بقى واحد مننا خلاص !
أومأ "صالح" و قد إنطلت عليه.. ثم قال و هو يستعد للقيام :
-أوك. عمومًا أنا لازم أتحرك بسرعة.. آسف بقى يا بابا ممكن نكمل كلام بعدين
رفعت برحابة : إتكل على الله يابني. معلش عطلتك. إبقى طمني بس !
صالح بإبتسامة : و لا يهمك.. حاضر هانبقى على إتصال إن شاء الله. يلا سلام !
و إستدار "صالح" موليًّا تجاه الدرج، بينما يعاود "رفعت" الإستغراق بالتفكير من جديد.. بعد أن أخبره إبنه عن أحوال الصهر الشاب بالعمل و أكد له أنه يبلي حسنًا حتى الآن، لا يرى أن هناك ما يدفعه للضغط على إبنته و نكايتها و تعنيفها بهذا الشكل الذي أطلعته عليه ظهرًا ..
لم ينفك يمعن النظر و يضع إحتمالات للأمر، أراد لو يلتمس له أيّ عذر يبرر به تصرفاته الهمجية.. لكن مع الأسف هو يعلم بأنه على خطأ، و أن إبنته لا يجوز أن تُهان كرامتها و تُجرح هكذا، فهو لم يتنازل و زوجها منه لكي يصب عليها جام غضبه و يفرغ فيها عقد نقصه و قلة ثقته بنفسه كرجل
لن يقبل "رفعت" بذلك أبدًا، في البادئ وقف ضد إبنته، لكنه الآن ينوي التصدي لزوجها.. غدًا سيذهب في زيارة لبيتهما و سينظر بما حدث بنفسه، و سواء كانت "هالة" مخطئة أم لا.، لا بد أن يُلقن ذاك ال"فادي" درسًا لن ينساه
أجل.. هكذا سيفعل !
_________________
لم يعد إلى المنزل إلا بعد حلول المساء ...
حيث قضى ساعات النهار كلها جالسًا بالمقهى المقام بالشارع الرئيسي، يشاهد حلقات من مبارايات كرة القدم العالمية بما أنه يوم عطلته، و أيضًا فضل هذا حتى يمنح لزوجته آريحية التصرف و الحركة داخل البيت قبيل مجيئه
فهو يعلم بأنها لا تود رؤيته أبدًا، و أن نفورها منه قد زاد بعد الذي فعله بها.. لكن مع الأسف هذا كل ما يمكنه أن يفعل لأجل التعويض عليها، أن يترك لها مساحة شخصية من حينٍ لآخر حتى لا تصل بسببه إلى مرحلة ميؤوسة فتقترف الشنائع بنفسها، أو بكلاهما !
لتظل الأوضاع بينهما هكذا، هو يدري جيدًا كيف يتعامل معها ...
يلج "فادي" إلى الشقة مع دقات الثامنة مساءًا، يعيد المفتاح إلى جيبه ثانيةً و هو يغلق الباب خلفه ثم يرفع رأسه ممرًا أنظاره عبر المكان كله
لا شيء يدل على أنها بالقرب.. الأجواء هادئة للغاية... كما لو أن لا أحد هنا !
لكنه عقد حاجبيه فجأة، حين شاهد باب غرفة النوم التي يتشاطارها مفتوحًا عن آخره، و إستطاع أن يرى من مكانه بعض الألبسة و الأغراض مبعثرة هناك فوق الأرض.. و أيضًا وصل إلى مسامعه صوت أنين متألم، أشبه بالنزاع !!!
بدون تردد جذ الخطى في هذه اللحظة متوجهًا نحو الغرفة.. أصابه الذهول عندما دخل و رآى كل هذه الفوضى، تلقائيًا ذهب بصره إلى جهة الشمال، حيث السرير المبثت فوقه ذلك المصباح الأصفر الخافت الذي أنار الغرفة كلها
جمد "فادي" بصدمة عندما وقعت عيناه على زوجته المستلقية فوق الفراش هامدة تمامًا، فقط رأسها تتحرك للجانبين و العرق بتصبب منها غزيرًا، و الشراشف أسفلها كانت عبارة عن بركة من الدماء !!!!!
-هـــالة !!!
صاح "فادي" ملتاعًا و قد جحظت عينيه بشدة، و بلحظة كان يقف عند رأسها، أمسك بكتفها و أخذ يهزها هاتفًا بذعر :
-هالة.. هالة ردي عليا.. مالك فيكي إيه ؟ عملتي إيه في نفسك ردددددي !
تصاعدت آهاتها مع قوة هزه بها، كانت نصف غائبة عن الوعي، لكنها سمعته جيدًا، فردت و قد إختنقت كلماتها و مشاعرها بدموعها الكسيرة :
-آاااااه. آااه.. حرام عليك. سيبني في حالي بقى. إنت عايز مني إيه تاني أنا تعبت. تـــعبت !
لم يقل هلعه مع ذلك و قال بتصميم :
-قوليلي عملتي إيه في نفسك ؟ إيه الدم ده ؟ جه منين الدم ده ؟؟؟!!!
و لم يضيع لحظة أخرى و بدأ يرفع كم كنزتها ليرى معصميها، لربما قطعت شرايينها، لكنه لم يجد شيء.. فمد يده تاليًا ليكشف عن بطنها
لا شيء أيضًا !!!
سمع صوتها قبل أن ينبثق من فمه الكلام و التساؤلات مجددًا ...
-أنا ماعملتش حاجة ! .. قالتها "هالة" بآنة حارقة
-سيبني بليز. إبعد عني الليلة دي كمان و أنا الصبح هابقى كويسة
فادي بإنفعال : أبعد عنك يعني إيه ؟ إنتي مجنونة ؟ إنتي مش حاسة بنفسك ؟؟!!!
-ده معاد الـPMS ( متلازمة سابقة للحيض ) بتاعتي ! .. صرخت "هالة" به بنفاذ صبر
عبس "فادي" ببلاهة، بينما جاهدت للقبض على مزيدًا من الوعي لتحاول إخباره مرةً أخرى ...
-ده نزيف بيحصل كل شهر للبنات و الستات ! .. غمغمت "هالة" بتعب شديد و قد بدأت تفقد قواها شيئًا فشيء
بالجهة الأخرى يرتد "فادي" للخلف قليلًا عندما أصاب جوابها إدراكه أخيرًا.. لبرهة عجز عن الرد و التفكير أيضًا
لكنه ما لبث أن أفاق من تأثير المفاجأة و نظر إليها مجفلًا و هو يقول بلطف لا يخلو من التوتر :
-طيب.. إنتي سايبة نفسك كده ليه ؟ لو ماكنتيش قادرة تتحركي ماكلمتنيش ليه ؟ كنت ممكن أعملك أي حاجة.. هالة. هالة !
كانت قد فقدت وعيها تمامًا الآن و لم تعد تستجيب لنداءاته ..
بدأ القلق يجيش بصدر "فادي" و هو يمد يده متلمسًا وجهها ليقيس درجة حرارتها، لكنها لم تكن حارة أبدًا.. بل باردة كالثلج !!!
-لأ ! .. تمتم "فادي" لنفسه مقتضبًا
-كده الوضع مش طبيعي !
أشاح بوجهه عنها باحثًا بعينيه عن شيء يعالج به هذا الرشح الدامي مؤقتًا، وقعت عيناه على رف المناشف بالخزانة المفتوحة، فتوجه نحوها و إلتقط إثنتين، عاد إلى "هالة" من جديد و بخفة يد تمكن من إفتراش المنشفتين أسفلها
ألقى عليها نظرة قلق أخيرة، ثم إستدار تجاه الخارج ليرى ماذا يتحتم عليه أن يفعل بالضبط ...
______________________
كان القمر بدرًا الليلة... و هنا على متن اليخت التابع لـ"عثمان البحيري" و الذي بدل إسمه المطبوع على مؤخرته بإسم زوجته حديثًا، ستقلع رحلة العودة بعد قليل
على الطرف الآخر.. فوق السطيحة المستطيلة، شرعت "سمر" بتحضير مائدة العشاء وسط الهواء الطلق ذي النسمات الخريفية المنعشة.. أنهت كل شيء، ثم جلست بإنتظار زوجها
فقد ذهب ليجري مكالمة قصيرة مع أمه، لم يخبرها إذا كان سيقول لها بأنهما في طريق العودة إلى الديار أم لا، لكن الأرجح أنه لن يفعل.. إذ بناءًا على معرفتها به خلال العشرة القصيرة بينهما، هو يعشق المفاجآت، يفضل أن يفعلها بنفسه، لكن لا تفعل له !
كانت تحكم غطاء قدر المعكرونة بالصوص الأبيض لئلا ينال منه الهواء فيفقد سخونته، بينما يقبل "عثمان" عليها من الخلف هاتفًا بصوتٍ خلعها من مكانها :
-ســـمــر.. صــافي ولدت يا سمر صافي ولدت !!!
زفرت "سمر" مهدئة من روعها و إلتفتت نحوه صائحة بعتاب :
-حرام عليك يا عثمان. بتزعق كده ليه مرة واحدة فزعتني !
ضحك "عثمان" بمرح و هو يشد مقعده ليجلس قبالتها و هو يقول :
-Sorry يابيبي حقك عليا
بس مقدرتش أسيطر على فرحتي. أنا بقيت أنكل يا سمر
إبتسمت "سمر" له و قالت :
-يعني لما بقيت بابا ماكنش عاجبك بقى ! .. ثم ضحكت مستطردة :
-عمومًا ألف مبروك عليكوا يا حبيبي. و صفية أخبارها إيه ؟!
-كويسة الحمدلله. أنا لسا قافل مع ماما.. طلعت من العمليات بقالها نص ساعة و البيبي زي الفل بردو
-ربنا يقومها بللسلامة و يفرح قلبها يارب.. صحيح هي جابت بنوتة مش كده ؟
عثمان مبتسمًا : أيوة.. ديالا. فريال هانم إختارتلها إسمها
سمر بإهتمام : يعني إيه الإسم ده يا عثمان ؟!
-فريال هانم بتقول إن معناه عند العرب الوردة الجميلة. و عند الغرب الأرض الخضرا العالية
سمر بإبتسامة : الله. حلو أوي.. تتربى في عزكوا الآنسة ديالا الجميلة
تنهد "عثمان" قائلًا بحماسة كبيرة :
-يااااه هاتجنن و أشوفها. عايز أعرف طلعت شبه مين.. مصيبة لو طلعت شبه أبوها مش هاستحمل يبقى عندنا نسختين صالح في العيلة
و إنطلق ضاحكًا بقوة ...
ضحكت "سمر" على دعابته و قالت :
-طيب إنت ماقلتش لمامتك إننا راجعين بكرة ؟ و صحيح يحيى و ملك فين ؟!!
-أنا طبعًا ماقلتش إننا راجعين عشان تبقى مفاجأة. أول ما نحط رجلنا على رصيف إسكندرية هانطلع على المستشفى علطول. و ماتقلقيش على يحيى و ملك. ماما سايبة معاهم Baby sitter في البيت و عمي كمان هناك. ماتخافيش عليهم
-تمام ! .. قالتها "سمر" و هي تومئ له مبتسمة، ثم أضافت و هي تكشف عن الطعام :
-يلا بقى مش هتاكل !
بقالك كتير ماكلتش من إيدي و لو الأكل برد و إتريقت عليا هازعل
عثمان مداعبًا : يا حبيبتي الأكل لو متلج طالما من إيدك هاكله بردو. إنتي بتتكلمي في إيه يا بيبي.. و ريني كده صوابعك إللي بتنقط عسل دي !
و إلتقط يدها و رفعها إلى فمه ليقبل أصابعها، بينما تعلو قهقهاتها و يرتفع معها معدل السعادة المفرطة بداخلها.. سعادة لم و لن تجدها إلا معه ...
____________________
بعد أن أنهى الطبيب الذي جلبه "فادي" فحصه على "هالة".. أمر مساعدته الشابة بوضع الكانولا الموصولة بالمحلول المعلق فوق رأس "هالة" إلى يدها
ثم بدأ يجمع أدواته و هو يملي مزيدًا من التعليمات على الفتاة المتآهبة :
-خلصي شغلك هنا و ساعدي المدام. أنا مستتيكي برا مع الأستاذ ! .. و أشار إلى "فادي" الشاحب كليًا من شدة القلق
خرج الطبيب أولًا، لتستوقف الفتاة "فادي" قائلة :
-من فضلك.. عاوزة شوية غيارات للمريضة و مفرش نضيف للسرير !
أجفل "فادي" و هو يرمق وجه "هالة" النائم بتعاطف، أومأ للفتاة موافقًا، و إتجه على الفةر نحو الخزانة، أحضر لها ما طلبته و سلمها يدًا بيد، ثم خرج لاحقًا بالطبيب ...
-هي دلوقتي بقت كويسة يا دكتور صح ؟! .. تساءل "فادي" ما أن أغلق باب الغرفة و صار أمام الطبيب الأربعيني المخضرم
أجابه الطبيب بلغة مبسطة :
-شوف يا أستاذ.. مرات حضرتك هاتكون بخير إن شاء الله. بس كنت محتاجك تعرف إن أعراض العادة الشهرية للستات مابتجيش بالحدة دي. إللي حصل لمراتك في الطب إسمه (Menorrhagia) غزارة الطمث. بيبقى له عدة أسباب. الأسوأ فيهم أورام ليفية في الرحم لا قدر الله. أو إلتهاب بطانة الرحم. المدام للأسف مش فايقة عشان تقولنا حصل معاها الوضع ده قبل كده و لا لأ. بس ضروري لما تفوق تسألها و لو ردها بيأكد الإحتمال ده لازم حضرتك تاخدها على أقرب مركز تحاليل عشان تطمنوا. الحاجات دي لو ماتعلجتش في أولها بتسبب أمراض خطيرة و خساير كبيرة جدًا ليكوا كزوجين
كان "فادي" يستمع إلى كلماته كمن يتلقى أخبار صادمة، بل هس صادمة بالفعل... وجد لسانه ينطق من تلقاء حاله :
-طيب أنا أعمل إيه دلوقتي يا دكتور ؟ هي هاتفضل تنزف بالشكل ده ؟؟!!
الطبيب بجديته المعهودة :
-أكيد. ده كده كده أول يوم بالنسبة لها و طبيعي يحصل غزارة بس مش بالشكل ده. حضرتك لازم تتابعها أو تطلب حد من أهلها يجي ياخد باله منها لو مش هتقدر أو مابتحبش تتعامل مع الحالات دي
نفى "فادي" من فوره :
-لأ يا دكتور أنا معاها.. هاخد بالي منها طبعًا
-تمام. عامةً المحلول إللي في إيدها بتاخده عشان يعوضها الدم إللي فقدته من جسمها و مايحصلهاش هبوط أو فقدان وعي. تقدر تشيله لما يخلص. ما عدا كده هاتكون محتاجة إهتمام و متابعة طول فترة نومها و تغذية كويسة ! .. ثم أضاف مبتسمًا لأول مرة :
-و إن شاء الله تطمن عليها و تكون بخير !
و هنا خرجت مساعدته، فأخرج "فادي" من جيبه المبلغ الذي حضره و حاسب الطبيب، ثم رافقه حتى الشارع
ذهبا بمفترق طرق، ليتوجه "فادي" نحو أقرب صيدلية، حيث إشترى عبوة فوط نسائية كتلك التي كان يشتريها لأخته دائمًا بظروف مشابهة
و الغريب أنه عكس أغلب الرجال، بل إن لم يكونوا جميعهم.. لم يخجل من الطلب في هذا الأمر، و الآن أيضًا لم يفعل.. إنما إشترى بالإضافة لذلك قِربة جلدية ليباشر وضع الكمادات الدافئة لها ...
صعد "فادي" إلى المنزل مهرولًا، و في الحال ذهب إليها.. وجدها كما هي، تغط بالنوم و علامات التغب و الإرهاق الشديد بادية عليها
لاحظ أيضًا أن تلك الفتاة إهتمت بها بالفعل و بدلت لها ملابسها كلها، و مفرش السرير قد وضبته بطريقة جيدة للغاية و تركت كل شيء نظيف ...
ألقى "فادي" نظرة على المحلول.. لا زال كما هو تقريبًا، يبدو أنه لن ينتهي حتى الصباح... أكلق نهدة عميقة و أستل القِربة من الكيس الذي يحمله
توجه للخارج قاصدًا طريق المطبخ، أشعل البراد الكهربائي و قام بتسخين بعض المياه، ثم صبها داخل القِربة و أغلقها ثانيةً
عاد إلى غرفة النوم و شد كرسي ليجلس محاذيًا للسرير تمامًا، وضع القِربة من يده فوق الطاولة التي تحمل المصباح الصغير و إبريق المياه، أزال الأغطية عن زوجته، ثم رفع ردائها كاشفًا عن منطقة البطن كلها
و في هذه اللحظة حانت منه نظرة إلى وجهها، كانت ملامحها متقلصة دلالة على الشعور بالألم، و لا زال العرق ينضح على جبينها... لم ينتظر أكثر و مد يده ملتقطًا القِربة من جديد
وضعها فوق موضع الآلام كلها، عند جهازها التناسلي المتشنج و الذي يسبب لها كل تلك المعاناة.. لم تمر دقيقة، إلا و إسترخت قسماتها الجميلة
تنفس "فادي" الصعداء و ترك الكمادات كما هي، ليرفع كفه و يمرره على رأسها بحنان متمتمًا :
-سلامتك.. ألف سلامة عليكي يا هالة ! ............................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!