رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل السادس عشر بقلم مريم غريب
_ الجزيرة البيضاء ! _
و كأنها غفت لألف عام ...
هكذا أفاقت "هالة" من نومها و تلك الفكرة تداهمها بشدة.. إذ الثقل الذي ألم برأسها، و الخدر الذي سرى بأوصالها، و أجفانها التي باعدت بينهم بصعوبة كبيرة، كل هذا إنتابها بوطأة شديدة
كان شعرها البني الغامق يغطي وجهها و جزءًا من الوسادة، و كانت ترى بإختلال بادئ الأمر.. و إستغرقها الأمر بضعة لحظات، أخذت خلالهم تغمض و تفتح عينيها، تعتصرهما بقوة.. حتى إتضحت الرؤية إلى حد كبير ...
رفعت يدها لتزيح الشعر عن عينيها، و في برهة قصيرة شاهدت أثاث فاخر لغرفة بمساحة قاعة الحمام الملحق بغرفتها التي خلفتها البارحة في قصر عائلتها !!!
لم تع واقعها بعد من شدة سيل الذكريات الذي إندفع مرة واحدة بقوة و تداخل كل شيء ببعضه، و مضت ثانية أخرى.. فطنت بعدها إلى ما هي عليه
لتقفز جالسة فوق السرير و هي تسحب الغطاء لتستر جسمها ...
كانت تحدق بذعر عبر الغرفة الصغيرة المضاءة بآشعة الشمس، تبحث عنه في كل مكان.. لكنه من حسن حظها ليس هنا، كما ترى !
تنفست "هالة" الصعداء و قامت فورًا متجهة نحو المشجب الخشبي لتجلب روب قميصها القصير و المصنوع من الستان الأبيض، تركت الغطاء يسقط و إرتدت القميص بينما يعمل عقلها مكافحًا بضراوة آثار السبات ...
لقد كانت ليلة مروّعة.. تلك التي عاشتها بالأمس معه... كانت مرتعبة، و قد كان وحشًا بمعنى الكلمة، إنه حتى لم يمهلها العشر دقائق لتتجهز من أجله كما قال
بل أنه إقتحم الغرفة قبل أن تمر الدقيقة الثانية و جهزها بنفسه بالطريقة التي إرتأها مناسبة ..
كم كان همجيًا بربريًا في التعامل معها، و كم كانت محظوظة لأنها لم تكن تجربتها الأولى بعكسه، لكانت النتائج وخيمة لو كانت كذلك... لعل هذا ما جعله يتصرف هكذا، أو.. لعله ظنها تراه ناقصًا بسبب إعاقته و أنه لن يبلي حسنًا بالإختبار الأول الذي سيحدد إنطباعها الدائم عنه
لكن رغم كل شيء... لا تستطيع أن تنكر.. بأنه كان رائعًا !
و أنها كانت مبهورة و مشدوهة، أن يعاملها رجلًا بهذه الطريقة التي مزجت العنفوان بالشغف و الحميمية... لأول مرة تشعر بكينونتها الأنثوية، لأول مرة تكتشف كنوزها التي نقب عنها زوجها البارحة و إستخرجها كلها
لقد كانت زوجة لرجل قبله، لكن ذلك الرجل لم يريها نصف ما رأته أو شعرت به مع "فادي" ...
-مع فادي !!! .. تمتمت "هالة" لنفسها مصدومة من أفكارها
ألقت نظرة على الفراش الكبير المبعثر، تضاعفت صدمتها حين رأت اللوح العريض بمقدمة السرير مكسورًا و مائلًا لليمين، و إحدى الرافعات قد تركت مكانها ليظهر هبوط ملحوظ بالمنتصف !!!
رباه ...
كيف حدث كل هذا و لم تشعر ؟؟؟
تسللت إلى أنفها رائحة طهي شهية، حتى قبل أن تفتح باب الغرفة و تخرج بخطوات مترددة ...
وجدت نفسها تقف بالصالة مباشرةً التي هي مفترق طرق إلى الغرف و دورة المياه و المطبخ، حيث كان المكان الأول الذي طارت نظراتها ناحيته
سمعت جلبة ناجمة عن أدوات الطبخ، و صوت المقلاة كان واضحًا أيضًا.. و في هذه اللحظة أصدرت معدتها زئير الجوع، عندما تغلغلت رائحة تلك البهارات العحيبة إلى داخلها أكثر
و بدافع الفضول فقط لمعرفة ماهية ذلك الشيء الذي يطبخه زوجها بنفسه، سارت متبعة عبق الطعام حتى أوصلها عنده ...
-آااي ! .. تآوهت "هالة" متألمة حين إصطدمت بمادة صلبة جدًا لدى دخولها ساحة المطبخ الصغيرة
لحسن حظها كان هناك الجدار ورائها تمامًا، أسندها عندما إرتد جسمها بعنف.. أطلقت آهة أشد و هي تضع يدها خلف ظهرها، الموضع الذي يؤلمها
لم تمر ثانية أخرى و شعرت بذراع "فادي" تحاوط خصرها و تجتذبها نحوه فورًا ...
-إيه مالك حصلك إيه ؟!! .. قالها "فادي" بصوت بم يخفي نبرة القلق فيه
رفعت "هالة" وجهها إليه، حبست أنفاسها لبرهة و هي ترنو إلى عينيه الخضراوتين الشبيهتين بعيني أخته ...
تأتأت قليلًا و هي ترد عليه :
-كـ كنت داخلة.. ماعرفش إنك واقف بالشكل ده.. إتخبط فيك. بس مافيش حاجة !
إسترخت تعابير "فادي" المتقلصة الآن، و أخرج تنهيدة حارة من صدره و هو يبتعد عنها خطوة، فإستندت إلى الجدار مرةً ثانية.. بينما تسمعه يقول بصوته البارد ذي البحة المثيرة :
-عمومًا كويس إنك صحيتي. أنا كنت جايلك عشان أصحيكي بنفسي.. لما لاقيتك إتأخرتي أوي كده في النوم
و عاد إلى عمله من جديد
كانت تراقبه و هو يعمل أمام الموقد بحرفية رغم أنه يستخدم يد واحدة و قليلًا ما يستخدم الإصطناعية ...
رفعت حاجبها بإستغراب و هي تسأله :
-ليه هي الساعة كام دلوقتي ؟!
فادي بإقتضاب : العصر لسا مآذن من شوية. تقريبًا 3 و نص
سمع شهقتها المذهولة، لكنه لم يعيرها إهتمام، لتقول تاليًا بعدم تصديق :
-أنا نمت كل ده ؟ دي عمرها ما حصلت !!
هز "فادي" كتفيه و قال بهدوء :
-أهي حصلت إنهاردة ! .. ثم إلتفت إليها مكملًا :
-أنا طبعًا صحيت بدري زي ما متعود دايمًا و فطرت حاجة خفيفة كده. و لما لاقيتك مطولة في النوم قلت أسلي نفسي و أحضر الغدا. بس دي حركة جدعنة مني عشان كان شكلك مرهق أوي و إنتي نايمة ماحبتش أتقل عليكي في أول يوم ليكي معايا. المهم ماتاخديش على كده.. لأني من بكرة لازم آكل من إيديكي
إنزعجت "هالة" من لهجة الأمر التي يتحدث إليها بها، لكنها ردت في الأخير :
-بس أنا مابعرفش أطبخ. أخري الـFast Food !
فادي بفتور : التلاجة قدامك مليانة و فيها كل حاجة ممكن تعوزيها. و باقة النت لسا دافعها من يومين يعني تقدري تفتحي الـYouTube و تعيشي حياتك. ملايين الفيديوهات تعلمك إزاي تطبخي أكلة معينة. مالكيش حجة أهو و أنا معاكي لغاية ما تتعلمي الطبخ و نفسي طويل.. ماتقلقيش هاكل إللي هاتعمليه حتى لو عكيتي 100 مرة. المهم آكل من إيد مراتي
أجفلت "هالة" عدة مرات و هي تزفر عاجزة عن رد كلماته، لم تشأ الإنخراط معه في هذا الحديث أكثر.. فمضت تجاه الموقد و نظرات الفضول تتقافز من عينيها
لترى أخيرًا ما كان يعده.. القدر المصنوع من الجرانيت الأزرق حوى بداخله قطعة المعكرونة المحشوة بالجين و المغطاة بالصلصة البيضاء، و بجانبها صينية من البلور متخمة بالصوص الأبيض الممتزج بالزبدة.. لم تعرف "هالة" ماهية هذا الشيء فإلتفتت إليه عاقدة حاجبيها
و قبل أن تسأله حزر و أجابها :
-دي كوسة بالباشميل.. كنت طالبها من سمر بقالي كام يوم بس شكلها نسيت. قلت أعملها بالمرة طالما واقف في المطبخ. أصل نفسي فيها أوي
إلتقطت "هالة" ملعقة صغيرة و دستها بالصينية، ثم إلتقمت قطعة ساخنة ألهبت لسانها.. لكنها أبتلعتها و هي تستطعم نكهتها بتلذذ ...
نظرت إليه من جديد، رمقته بنظرة متعجبة، فإبتسم ببساطة... و فجأة إنبثق من فمها سؤال كان تائهًا عنها منذ أن إستيقظت و رأته :
-بقولك صحيح.. السرير إللي جوا ده آا ا ..
-أيوة أيوة عارف ! .. قاطعها و هي يومئ برأسه مرة واحدة
و شملها بنظرة جريئة بغتة، لترتبك من فورها، بينما يقول بلهجة ذات مغزى :
-شوفته.. أخدت بالي منه أول ما وقع. ماتقلقيش هايتصلح و هايرجع أحسن ما كان. في نجار تحت البيت بعد ما نتغدا هاطلعه يشوفه
أشاحت "هالة" بوجهها عنه متمتمة بصوت متوتر :
-مش عارفة ده إتكسر كده إزاي ؟ نوع الخشب بتاعه Original و متين !!
شعرت به يكبت ضحكة، فإنتفضت مغمغمة بإحتدام :
-أنا داخلة آخد شاور !
-ياريت ما تتأخريش عشان الأكل مابيردش
تنهدت "هالة" بنزق، ثم مرت من جانبه مسرعة و هي تجتنب النظر إليه حتى لا تثور أعصابها أكثر، فقد عبث معها بما فيه الكفاية خلال ذلك الوقت القصير برفقة بعضهما.. فماذا سيكون الحال في القابل من الأيام !!!!
__________________
كانت ثيابها التي حضرتها للصباح مؤلفة من قميص أبيض قصير، و تنورة زهرية مزركشة، و قد وضعت وشاح رأسها بلون الخف البني الرقيق الذي تنتعله بقدماها، و إعتمرت قبعة من القش مزينة بالزهور الصغيرة، ذلك إعمالًا بنصيحة زوجها لتقيها حرارة الشمس الحارقة على الجزيرة
الجزيرة البيضاء.. المعروفة بإسم "جزيرة سانتوريني" حيث روعة المعمار الإغريقي و الجمال الذي تغنى به الشعراء من عهد أفلاطون حتى يومنا هذا ...
كان هواء البحر يبعثر شعره متوسط الطول، بينما كان منكبًا فوق طاولة الفطور التركي يلتهم الطعام اللذيذ تحت أنظار زوجته المتأملة
كان الفطور عبارة عن كرواسون بحشو الشوفان و الجبن، أومليت بالطماطم و الخضروات المتنوعة، بعض من المعجنات المحشوة بالسجق و الموزاريلا، خبز محمص، و جرة زيتون أخضر مع كأسين من الحليب البارد كامل الدسم، و قطعتي بان كيك و فطائر محلاة .. و رغم كل هذا لم تكن لدى "سمر" أيّ شهية
لاحظ "عثمان" سكون زوجته و أنها لم تمد يدها أبدًا إلى الطعام، فرفع بصره إليها و قال و هو يبتلع ما بفمه :
-إيه يا بيبي.. مابتكليش ليه ؟ الفطار مش عاجبك أطلبلك حاجة تانية ؟ الطباخ إللي جبته معانا ممكن يعملك إللي تحبيه في أي وقت بس تقولي
شملته "سمر" بنظرة فاحصة أخرى.. كان جميلًا هذا الصباح، و وجه يشع جاذبية و نضارة، و ذلك الطقم الأبيض المصنوع الكتَّان و المكون من سروال و قميص خفيفين.. لائمه تمامًا
شتت ذهنها صدره البارز من خلف قمصيه المفتوح و المخضب بحمرة دافئة مثيرة، فأشاحت بوجهها ناحية البحر الذي يحاصرهم من كل إتجاه و قالت :
-أول مرة أطلع معاك على اليخت ده و معانا ناس !
عبس "عثمان" قائلًا :
-عشان دي أول مرة نطلع رحلة سفر بيه. كان لازم يبقى معانا كابتن و الطاقم بتاعه و أكيد مش هاخليكي تشوفي طلباتهم ف جبت طباخ يهتم بينا و بيهم.. إيه المشكلة بقى و إيه إللي مضايقك ؟
هزت "سمر" رأسها سلبًا و قالت :
-لأ أنا مش مضايقة خالص.. أنا كنت بسأل بس
-أنا بعرف أعمل Sailing باليخت على فكرة و أخدت دورات قبل ما أحط رجلي فيه و كنت أقدر أطلع بالرحلة لوحدي. بس أنا وعدتك إني مش هاسيبك لحظة طول الفترة دي إللي هانقضيها لوحدنا بعيد عن كل المشاكل و الضغوطات
إبتسمت "سمر" له و قالت بحب :
-أنا فاهمة كل ده.. و بشكرك على كل حاجة. إنت دايمًا بتاخد بالك عليا و مهتم بيا في أوقات بكون مش شايفة نفسي أصلًا
مد "عثمان" يده عبر الطاولة ليمسك بيدها بقوة، ثم قال بلطف :
-حببتي أنا عارف إن بالك مشغول على إخواتك. و خصوصًا فادي.. بس خلاص بقى. هو إتجوز دلوقتي و آن الأوان ترمي مسؤليته إللي شايلاها فوق كتافك. إنتي من حقك تستريحي و تعيشي حياتك شوية. سمر أنا نفسي تفضيلي دماغك من كل حاجة اليومين دول. عايزك تركزي معايا أنا و بس.. ممكن تعملي كده ؟
بدون تردد أومأت له "سمر" موافقة، فإبتسم قائلًا :
-حلو. كلي بقى. لسا قدامنا حاجات كتير هانعملها .. ثم أشار لها بذقنه للأمام :
-شايفة النقط البيضا إللي هناك دي !
أدارت "سمر" رأسها لتنظر حيث أشار، و بالفعل عندما دققت النظر إستطاعت أن ترى بشيء من الوضوح، تلك الجزيرة التي تقف على سلسلةٍ من الصخور العالية جدًا بحيث تحميها من أمواج البحر الثائرة هناك ...
-دي سانتوريني.. الجزيرة البيضا !
نظرت "سمر" له من جديد، فأضاف و هو يلقي نظرة بساعة يده :
-كمان نص ساعة بالظبط و هانكون هناك
سمر بحماسة : ياريت بجد عشان البحر خلاص دوخني أوي
عثمان بإبتسامته الجذابة :
-أنا حاجز في فندق مشهور أوي على حافة جبل بيطل على البحر علطول.. معلش بقى لسا هادوخي تاني يا بيبي
سمر بدلال : مش مهم. طالما معاك مش مهم أدوخ عادي.. أنا من يوم ما شوفتك و أنا مش متزنة أصلًا
و ضحكا الإثنان معا ...
___________________
في قصر "البحيري" ...
يستقبل "رفعت" رسالة نصية من تلك الصبية الساحرة التي تناوشه منذ فترة، كان يشارك العائلة على مائدة الفطور.. لكنه إنسحب فجأة ليرى الرسالة التي كان فحواها أن يحضر فورًا بذلك العنوان، لربما تتخذ تلك العلاقة المبهمة شكلًا جديدًا
لم يفكر كثيرًا و صعد إلى غرفته، حيث تأنق بأفخم ثيابه و نثر من ذلك العطر الذي يذكره بمرحلة شبابه، و كم هو تواق لإستعادة تلك المرحلة.. بأي ثمن ...
نزل "رفعت" من غرفته و هو يدندن غنوة قديمة كان معتادًا على الإستماع إليها بالأيام الخوالي.. يقابل زوجة أخيه بمنتصف الدرج
لتستوقفه صائحة بإستغراب :
-رايح فين يا رفعت ؟!
إلتفت "رفعت" إليها و قال متظاهرًا بالحيادية :
-خارج أقابل ناس صحابي ماشفتهمش بقالي سنين يا فريال
رمقته "فريال" بتفحص و قالت بتشكك :
-بس إيه الشياكة دي كلها ؟ كل ده لأصحابك ؟!!
قهقه "رفعت" بمرح قائلًا :
-قصدك إنها راحت عليا يعني ؟ لعلمك أقل واحد فيهم بيعمل في نفسه أكتر من كده. و بعدين أنا ماكبرتش أوي. دول هما يدوب 60 سنة
فريال برقتها المعهودة :
-ربنا يديم عليك الصحة و العافية يا رفعت و يخليك لينا
إبتسم "رفعت" و هو يخصها الآن بتلك النظرة التي تحمل كل مشاعره النبيلة تجاهها و قال بتقدير بالغ :
-ربنا يخليكي إنتي فوق راسي يا فريال. خلاص ماعادش ليا غيرك فاضلي من ريحة الحبايب
ردت له الإبتسامة و لم تضف كلمة أخرى، ليلوح لها مودعًا و هو يقول :
-يلا سلام دلوقتي.. عاوزة حاجة ؟
لوحت له قائلة :
-سلامتك يا رفعت !
و تبعته بناظريها و هو يعدو إلى الخارج حتى إختفى تمامًا.. أطلقت نهدة مطولة، ثم إستأنفت صعودها قاصدة غرفة الصغير "يحيى" ...
__________________
إنتهى عامل النجارة الذي إستقدمه "فادي" من أسفل البيت من رد قطع السرير إلى مواضعها، تأكد بأن كل شيء قد عاد إلى ما كان عليه، ثم جمع أدواته و هو يخاطب "فادي" ...
-خلاص يا بشمهندز. كله بقى آلايسطا ( تمام ) ! .. ثم قال بدهشة :
-بس أنا مش مستوعب لسا إزاي سرير شديد كده يجيب درفه على الأرض و هو لسا بالسوليفانة بتاعته
سحب "فادي" بضعة أوراق نقدية من جيبه و أعطاهم للرجل و هو يقول بلهجته الفاترة :
-أهو إللي حصل يا ريس عبده. بتحصل.. مش كده و لا إيه ؟
رفع المدعو "عبده" حاجبيه و هو يرمقه بنظرة مشدوهة، و خاصةً موضع إعاقته و قال :
-أيوة و الله ساعات كتير بتحصل. ليه لأ ! .. و إبتسم مضيفًا بلهجة موحية :
-ألف مبروك يا عريس. إن شاالله تتهنى يارب
و غادر ...
ليصيح "فادي" مناديًا زوجته التي أمرها بالتواري بالغرفة الأخرى طوال مدة مكوث الرجل الغريب ..
خرجت "هالة" إليه، كانت ترتدي ثوب أصفر قصير يصل إلى منتصف الفخذ، بلا أكمام و له حزام جلدي يطوق الخصر بإحكام.. و قد كان شعرها المصفف بعناية مرفوعًا على شكل ذيل حصان، فأبرز جمالها و نعومتها أكثر بشكل لا يمكن تجاهله
لكنه فعلها الآن.. لم يبالي بها أبدًا و مضى نحو غرفة المعيشة ليجلس أمام التلفاز و يشاهد إحدى قنوات الرياضة ...
قلبت "هالة" عينيها عندما رأته يتصرف بهذا البرود، إذ و كأنه يقلب الطاولة عليها.. على الأقل لم يكن هكذا بالأمس غير مكترثًا حتى لوجودها
زفرت "هالة" بقوة و لحقت به، جلست في كرسي محاذي له و تناولت طبق ملآن بالمكسرات، وضعته في حجرها و بدأت تأكل منه و هي تضع ساقًا فوق ساق
مرت اللحظات و هم على نفس الصمت و الهدوء.. حتى ضاقت "هالة" ذرعًا و هتفت بسأم :
-طيب أنا هقوم أعمل نيسكافيه.. ممكن أعملك معايا لو عايز !
لم يرد "فادي" على الفور.. مما أضرم فيها نار الغيظ، لكنها هبطت فجأة حين صوب نظراته الحادة إليها و قال بصوت جمد الدماء بعروقها رغم هدوئه و بساطته :
-هو طليقك كان يقصد إيه صحيح.. لما قال إن إنتي و إبن عمك كنتوا لايقين على بعض و إنك كنتي هاتموتي عليه ؟ .................. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!