رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الخامس عشر بقلم مريم غريب
_ إلى البر الثاني ! _
جمد المشهد كله للحظة.. عندما إنبعث ذلك الصوت الهادر من الخلف، لتتصوّب نظرات الجميع نحو المصدر تاليًا، و يا لها من مفاجأة مذهلة
فذاك الدخيل الذي لا ينذر ظهوره المباغت بخير بتاتًا لم يكن سوى "مراد".. الزوج السابق للعروس !!!
أطلق "عثمان" سبة خفيضة و هو يهب واقفًا من مكانه، إنطلق بسرعة صوب صديقه الذي شاهده مقبلًا تجاه جلسة عقد القران مباشرةً بخطى حثيثة و عيناه تقدحان شرارات ملتهبة ...
-إستنى بس يا مراد رايح فين ؟ .. غمغم "عثمان" و هو يعترض طريق "مراد" ممسكًا إياه بكتفيه بقوة
دفعه "مراد" في صدره بعنف لم يبعده عنه إلا بمقدار خطوة واحدة، ثم صاح بغضب شديد :
-إوووعـــى يا و×× من قدامي.. إياك تقرب مني !
ينضم "صالح" إلى إبن عمه قبل أن يرتد إليه طرفه، أراد الحؤول بينه و بين ذاك الهائج كالثور العتي و التصدي إليه
إلا أن "عثمان" أشار له بذراعه ليظل واقفًا ورائه، ثم نظر إلى "مراد" ثانيةً، و رفع كفاه بحركة مسالمة و هو يقول بلطف حذر :
-طيب حاضر مش هاجي جمبك. بس إهدا. إهدا يا مراد و لو عايز تتكلم تعالى نطلع أنا و إنت برا و قول كل إللي إنت عايزه ..
قهقه "مراد" بخشونة و قال :
-نتكلم برا ؟ إنت بتهزر يا عثمان صح ؟ إنت فاكرني جاي لحد هنا عشان أتكلم معاك إنت أصلًا ؟ لا يا صاحبي.. أنا جاي عشان أتكلم قصاد كـل دول. و جرب تمنعني أو تقاطعني. هاقلبلك الفرح ده عزا وقتي
ضغط "عثمان" على شفتيه مطلقًا زفيرًا نزقًا عبر فتحتي أنفه.. لم يتخلى عن وقفته المتآهبة عندما مد "مراد" رأسه و أمالها قليلًا حتى يتسنى له رؤية الجميع بالخلف
مرر ناظريه فوق الوجوه الشاحبة و هو يهتف بسخرية قاسية :
-مساء الخير يا محترمين. إعذروني طبعًا إني طبيت عليكوا زي القضا كده و بوظت اللحظة السعيدة. بس ده كان واجب عليا و لازم أعمله عشان مافيش أي حد يتخدع زي ما إتخدعت سيادتي و أتلعب بيا !
-مــراد !!! .. تمتم "عثمان" بلهجة تحذيرية
نظر "مراد" له مبتسمًا بشر لم يعرف طريقه إليه أبدًا إلا الآن و قال :
-إيه يا صاحبي ؟ مال وشك قلب كده ليه ؟ إنت خايف من إللي هاقوله مش واثق في نفسك و لا إيه ؟!!!
غمغم "عثمان" عبر أسنانه بغلظة مستوحشة :
-متحاولش تلوم حد هنا غير نفسك. محدش قالك طلقها.. إنت إللي مقدرتش تسيطر عليها !
مراد و هو يضحك بتهكم :
-طيب و ليه موطي صوتك أوي كده ؟ أعلى شوية وحياتك. عشان العريس يستفاد من النصيحة و مايغلطش غلطتي
صعدت الدماء إلى وجه "عثمان" و قد إستعد للخطوة التالية رغم أن هذا التصرف أخر ما أراد التعامل به مع صديقه اللدود، و لكن يتحتم عليه أن يحافظ على ماء وجه العائلة مهما كلف الأمر ...
شد "عثمان" على قبضة يده بقوة في إنتظار ما سوف ينبثق من فم ذلك الأحمق.. بينما يرفع "مراد" بصره نحو "هالة" أخيرًا !
إشتبكت نظراتهما في هذه اللحظة تمامًا، و قرأ على وجهها ذاك التعبير الخبيث الموارى خلف إبتسامة هادئة و عينان غدارتان ...
و كأنه قد نسى سبب وجوده، و تلك الكلمات التي حضرها جيدًا ليفضح طليقته و صديق عمره.. رغم إرادته إغرورقت عيناه بدموع الحقد و الغضب و هو يتفرس فيها كضاري يتوق للإنقضاض على طريدته
لكنه بعد كل هذا لم يستطع إلا أن يقول بصوت آجش يختلج إنفعالًا :
-إنتي.. إنتي كنتي غلطة عمري. خدعتيني و عرفتي تمثلي عليا صح. لحد آخر لحظة في حياتنا مع بعض كنتي أشطر ممثلة.. حتى عثمان نفسه مايجيش جمبك حاجة
و ضحك بقساوة مكملًا :
-بس تصدقي ! إنتوا لايقين على بعض أوي. كان لازم تكونوا لبعض من البداية زي ما كان نفسك و هاتموتي عليه ..
تعالت بعض الهمهمات بعد أن تفوه بتلك التصريحات المخزية... كانت "سمر" أول من صعقها هذا الكلام، و أخذت تحملق مصدومة في زوجها تنتظر ردة فعله
على الطرف الآخر.. لم يبدي "فادي" أيّ تأثر، بل بقي هادئًا للغاية و متريثًا حتى نهاية المشهد الدرامي برمته ...
كاد "عثمان" أن يفقد أعصابه في هذه اللحظة و يتهور على صديقه، لولا تدخل "رفعت" بالوقت المناسب و هو يصيح بصوت صارم :
-كفـــايـة.. كله يلزم حدوده هنا !
و قطع المسافة تجاه مثلث العدوان ذاك.. وقف بينهم معلنًا بصوت قاطع لا يقبل المجادلة من بعده :
-مراد ! الموضوع منتهي من زمان. إنت كنت جوز بنتي و خلاص طلقتها بالتلاتة و عدتها خلصت و الليلة دي كتب كتابها على راجل تاني.. إحنا فعلًا بنعتبرك واحد من العيلة منغير أي حاجة. بس أظن وجودك هنا دلوقتي بالذات مش مرحب ييه.. ف ياريت تتفضل تمشي لو سمحت. تقدر تشرفنا في أي وقت بعدين. هانكون سعدا جدًا بإستقبالك
لم تبرح الإبتسامة المائلة الساخرة ثغر "مراد" و هو يستمع إلى خطاب الرأس الأكبر لعائلة "البحيري"... لكنه أظهر عدم إكتراث به و تطلع أمامه إلى الجميع و هو يقول بهدوء :
-أنا شايف Obviously إني إتفهمت غلط.. أنا مش جاي أبوظ الليلة يا جماعة. الكلمتين إللي قولتهم أدوا الغرض. و عمومًا مسألة إنتقامي لكرامتي و رجولتي من واحدة كانت في يوم من الأيام مراتي في نظري ماتستحقش ..
و نظر إلى "هالة" من جديد مضيفًا :
-ماتستحقش أقضي يوم واحد في السجن بسببها !
ران الصمت لبرهة أخرى.. ألقى "مراد" نظرة شمولية أخيرة على الحضور، ثم قال بلهجة مزدرية :
-Have a good night, and congratulate you
on a happy marriage!
و إستدار موليًا إلى الخارج و دمائه تغلي بعروقه، و على عكس قناع البرود الذي رسمه أمامهم في الأخير بإتقان كان في أقصى حالات الغضب و هو يتمتم لنفسه متوعدًا :
-لسا ماخصلناش يا عثمان إنت و هالة.. و ربي و ربكوا لسا ماخصلناش. هادمركوا !!!
كان "عثمان" يقف بمكانه يراقب رحيله، ما إن توارى عن ناظريه حتى إلتفت و صاح بإبتسامته الجذابة اللطيفة :
-كالعادة مافيش جواز بيكمل منغير شوية Melodrama .. بليز نكمل إحتفالنا. و لا كأن حاجة حصلت !
_____________
داخل شقة في أرقى ضاحية من ضواحي المدينة العريقة الجميلة.. عروس البحر الأبيض المتوسط.. _ الأسكندرية _ ...
كانت قد ملأت حوض الإستحمام المطل على شرفة داخلية بقاعة الحمام الفاخرة، مصنوعة من الزجاج المنيع المعتم، و الذي يتيح الرؤية لمن بالداخل أما الذي بالخارج فلا
أمسكت بروموت كنترول صغير و ضغطت زر معين، ليرتفع الستار الذي غطى الزجاج مبرزًا المشهد الساحر على الإطلاق، بحر ثائرة أمواجه، أسفل سماء أكتوبر المعتمة ذات السحب الرمادية المتفرقة.. و القمر يتآوج عليائه ملقيًا بنوره الشحيح فوق رؤوس النجوم المتلألئة من حوله ...
جلست بالحوض على مهل بعد أن أضافت للماء السوائل العطرة الثمينة، و التي سببت رغوة كثيفة أخفت جسمها الناري الذي شكلته سنوات نموها الأنثوي الأخيرة و حولته لشيء مثير حد اللعنة
أمسكت بكأس الشراب البارد الذي تركته خلفها بجوار طبق من المكسرات و الفواكه المجففة.. أخذت تتجرعه على مراحل و هي تأكل من الطبق أطايب ما فيه
تسمع قرعًا على باب الحمام، فتسمح بالدخول دون تلقي بالًا بمن ورائه ...
دلفت فتاة عشرينية، على قدر بسيط من الجمال، لكن عيناها كانتا شديدتي الجاذبية بلونهما العنبري المتألق
أغلقت الباب خلفها، و مشت نحو صديقتها و هي تلوح بهاتفها صائحة :
-الخبر لسا جاي Fresh يا نانو. هالة البحيري إتجوزت فادي حفظي.. و مراد كان هناك !
تطلق "نانسي" ضحكة مغناجة، ثم تنظر إلى صديقتها قائلة بصوتها العذب الموسيقي :
-وااااو.. Sure, it was epic. كان نفسي أشوف وش عثمان حقيقي يا لينا
إنحنت "لينا" صوبها لتريها شاشة الهاتف المضاء بصورة حصرية للحدث، و تمتمت بخبث :
-ماينفعش نانو يبقى نفسها في حاجة و ماتحصلش ..
إسترعت الصورة إنتباه "نانسي" بشدة، فأخذت الهاتف من يد "لينا" و هي تمعن النظر باللقطة التي ضمت "عثمان البحيري" بزوجته داخل سيارته قبل أن يتحرك بها مغادرًا قصر العائلة ...
-هو كده رايح فين ؟ .. تساءلت "نانسي" بإهتمام دون أن تصرف بصرها عن الصورة
لينا و هي تهز كتفيها :
-لسا محددناش بس إللي صور نط في عربيته و زمانه ماشي وراهم.. أكيد هايجبلنا المفيد
أومأت "نانسي" لها، ثم أعادت لها الهاتف و إسترخت من جديد وسط مويجات الحوض الدافئة ...
-تحبي نعمل إيه دلوقتي ؟ Next step هاتكون إيه ؟!
نانسي بفتور : أهم حاجة دلوقتي تعرفيلي خط سيره و المكان إللي رايحه. مش معقول يبقى لسا متلايم على حبيبة القلب و يهرب في ليليتها كده. إلا لو كان ضروري
لينا بطاعة عمياء :
-هاجبلك كل التفاصيل
نظرت "نانسي" لها و قالت بعد وهلة من التفكير :
-و ممكن تكلمي رفعت البحيري كمان
لينا و هي ترفع حاجبها :
-تاني هاتقبلي الراجل المدلوق ده ؟!!
ضحكت "نانسي" قائلة :
-ما دلقته دي في مصلحتي.. كده لعبتي هاتكون أسهل بكتير
لينا بريبة : إنتي ناوية على إيه نانسي ؟؟
تنفست "نانسي" بعمق و أفرغت كأس الشراب كله بجوفها، ثم زفرت بقوة آملة بتخفيف وخزات الكحول بفمها و حنجرتها ...
شردت بأفكارها بالماضي و هي ترد على "لينا" في نفس الوقت :
-ناوية أكرر إللي حصل.. بنفس إسلوب عثمان البحيري. هاجيب حق أبويا و أختي
لينا بحذر : باباكي مش هايبقى مبسوط في تربته لو شافك بتخسري نفسك الخسارة دي حتى لو عشان تنتقمي له
رشقتها "نانسي" بنظرة متآججة و زمجرت من بين أسنانها :
-أبويا مات عشان خسر سمعته يوم ما الـCD بتاع چيچي إتسرب و إتفضحنا كلنا. سمعة رشاد الحداد و بناته Already بقت في الأرض. و أنا عندي فرصة أرد القلم و تبقى عيلة قصاد عيلة
لينا بضيق : فرصة إيه بس ؟ إنتي بتقربي أوي و بتفاجئيني بأفكارك.. إنتي متخيلة عثماااان لو شافك مش هايعرفك يعني !
نانسي بإبتسامة ملتوية :
-كنت صغيرة شوية لما سافرت بعد طلاق چيچي. و ماكنتش بشوف حد منهم كتير أصلًا و لا بروح عندهم.. شكلي أيامها كان عادي و كنت Babyface. إنما دلوقتي زي ما إنتي شايفة كبرت و بقيت Lady.. و آه حتى عثمان لو شافني مش هايعرفني. و بعدين الأهم من عثمان دلوقتي هو عمه.. أخلص معاه و بعد كده الغالي ياخد دوره
-على فكرة إنتي كده مش صح ! .. قالتها "لينا" بعدم رضا
مطت "نانسي" فمها و قالت بلامبالاة :
-مش مهم أبقى صح.. المهم إللي في دماغي يحصل. و بأي تمن !
______________
ظلا صامتين... من بداية الطريق، بعد أن وضعا حقائب الملابس بصندوق السيارة الخلفي و إستقلا منطلقين إلى الوجهة السرية
لم ينبس كلاهما ببنت شفة ..
حتى قررت "سمر" قطع الصمت أخيرًا و إثارة تلك الأجواء المتوترة ...
-هو صحيح إللي مراد قاله ده ؟! .. قالتها "سمر" بلهجة متسائلة هادئة
أشاح "عثمان" ناظريه عن الطريق لحظة ليرمقها بنظرة غامضة، فتابعت :
-هالة كانت بتحبك ؟!
لم يرد "عثمان" فورًا مما رسخ الشك بداخلها أكثر و هي تنظر إليه منتظرة دفاعه عن نفسه، لكنها كتمت أنفاسها عندما سمعت صوته القوي و هي تحدق فيه عبر الظلام :
-إنتي عارفة مراد مجروح أد إيه. و أكيد الكلام إللي قاله ده مايتحاسبش عليه لأنه ببساطة ماكنش في وعيه
سمر بجدية : بس مافيش دخان منغير نار. مش ممكن يقول كده لو ماكنش شاف أو لاحظ حاجة. و بعدين أنا كمان لاحظت كذا مرة نظراتها ليك و طريقة كلامها معاك !
عثمان بضيق : إنتي لاحظتي ده عليها تمام.. لكن يا ترى شوفتي عليا أنا حاجة ؟
-لأ ! .. تمتمت "سمر" و هي تهز رأسها للجانبين
لا يجوز أن تكذب.. فهي بالفعل لم ترى زوجها يتجاوب مع أيّ تلميح أو تصرف مريب تقوم به إبنة عمه ...
تنهد "عثمان" و قال ببرود :
-بصي يا بيبي عشان أريحك.. هالة فعلًا كانت عندها مشاعر من ناحيتي و من زمان أوي. من قبل ما أروح الجامعة. أو على الأقل من وقتها أنا بدأت ألاحظ عليها كده مش عارف لاحظت متأخر و لا لأ بصراحة. بس عايز أقولك إن عمري ما أديتها إهتمام و لا أمل في أي صلة تربط بيني و بينها غير صلة الدم و علاقة الأخوة بس.. أنا طول عمري بعتبرها زي صافي يعني مافيش حاجة تقلقك. و على فكرة تقدري تسألي ماما عشان تطمني. هي عارفة القصة كلها
سمر بإهتمام : طيب إنت ليه مافكرتش فيها ؟ مع إنها بنت ظريفة و جميلة و فوق كده بنت عمك !
أكد "عثمان" لها ثانيةً :
-عمري ما شوفت هالة غير أخت ليا يا سمر.. رغم إني موافق على إللي قولتيه إنها بنت ظريفة و جميلة. لأ و كمان لو كنت إرتبط بيها جايز كانت علاقتنا تنجح. لكن أنا ماكنتش قادر أتقبل الفكرة ببساطة. ماحبتهاش.. عشان كده كنت دايمًا بقول و لسا بقول ماكناش هاننفع لبعض. كانت هاتستحملني عشان بتحبني. لكن أنا ماكنتش هابقى مرتاح معاها
عقدت "سمر" حاجبيها و هي تقول بإستنكار :
-و لما إنت متأكد أوي إنها بتحبك بالشكل ده.. ليه ماقولتليش قبل ما فادي يتقدملها ؟!!
عثمان بإستغراب : مش فاهم كان هايفرق في إيه إذا كنت قلت و لا لأ ؟ بقولك مافيش حاجة أصلًا هانضخم الموضوع على الفاضي يعني و لا إيه !
سمر بحدة : صاحبك عايرها الليلة دي بالحقيقة دي.. الله أعلم أكتشفها إزاي أو هي ممكن تكون قالتله و كانت فاكرة إن الموضوع هايعدي بسهولة.. لكن إنت ماتعرفش فادي ممكن يتصرف إزاي. بالذات لما تكون حاجة تخصك. و دي بقت مراته
نظر لها "عثمان" و قال مبتسمًا :
-عارف.. و عز الطلب !
حدقت فيه بدهشة، فضحك قائلًا :
-جرى إيه يا بيبي. هانفضل طول الليل نتكلم عن أخوكي و بنت عمي ؟ إفصلي شوية. ده أنا هربان بيكي بمعجزة.. مش عايزين حاجة تعكر مودنا خالص اليومين دول
و إنتبهت "سمر" إلى توقف السيارة.. أخذت تنظر حولها بفضول، لترى مرفأ الإسكندرية الذي يكنف مئات السفن و اليخوت و تستمع إلى الأمواج المتلاطمة في هدوة الليل الساكن ...
-رحلة للبر التاني !
إلتفتت "سمر" إليه عندما سمعت صوته الهامس ...
إبتسم "عثمان" و هو يلوح لها بتأشيرتي سفر زرقاوتان و قال :
-جزيرة سانتوريني.. اليونان قدامنا بالظبط. بكرة الصبح هانكون على البر التاني !
______________
كانت المنطقة الشعبية هادئة و ساكنة أثناء عبور السيارة الفاخرة وسط البيوت المتواضعة والعمائر المستحدثة أيضًا ...
أشار "فادي" للسائق حتى ينعطف بالسيارة لتهبط عروسه من الجهة الأخرى، إذ كانت المقهى لا تزال مفتوحة على مقربة منهم و هو لا يريد أن تنال أعين رجال الحارة و غيرهم من جسم زوجته نصف العاري
لا ريب أنه سوف يصلح هذا، فيما بعد لن يضطر للتحايل على الظروف بهذه الطريقة.. فقط يمر هذا الآن ...
و هكذا صعدا بسلام إلى الشقة، و قد جعل "هالة" تتقدمه، كان يرشدها بصوته الآمر المقتضب.. حتى وصلا عند الطابق المنشود، جمدها قائلًا :
-أستني هنا.. وسعي شوية !
و أفسحت له قليلًا ليتقدم و يفتح باب الشقة بمفتاحه الخاص، و إستطاعت أن ترى بأنه كان يعتمد قليلًا على ذراعه الإصطناعية فملأها الذهول
ليلتوي فمه بإبتسامة ساخرة و كأنه رآى وجهها و سمع أفكارها ...
تنحى جانبًا عندما فتح الباب و دعاها للدخول بكياسة :
-إتفصلي !
أجفلت "هالة" و هي ترفع وجهها مستطلعة المكان من الداخل بنظرة مبدئية.. تنهدت بعمق لتهدئ أعصابها، ثم مدت ساقها و مرت من جانبه متسلحة بآنفتها و كبريائها الأرستقراطي المتوارث ...
أغلق "فادي" الباب من خلفهما، بينما تشمل "هالة" البيت الذي صار مقدرًا لها أن تمكث فيه من الآن فصاعدًا
كان أدنى من المتواضع، بل حقيرًا بنظرها، حتى لم يرتقي لمستوى توقعها.. رغم أنه فرش بديكورات حديثة و ثمينة
على كل حال لم يخيب أملها، هذا ما تخيلته تقريبًا ...
-نورتي بيتك يا عروسة !
أفاقت "هالة" من تآملاتها على صوت "فادي" ...
إلتفتت إليه بتعبيرها المتعالٍ، رمقته بنظرة مستخفة و قالت بصوتها الرقبق :
-Thanks.. ممكن بليز تشاورلي على الأوضة إللي هنام فيها ؟
I am very tired و محتاجة أنام
قطع "فادي" المسافة بينهما وئيدًا و هو يقول بصوت متزن :
-طبعًا.. الأوضة إللي على شمالك دي هي أوضة نومنا. كنت متوقع أنك عاوزة تتعشي الأول. بس طالما مرهقة زي ما بتقولي يبقى خلاص.. ننام أكيد. هانعمل إيه تاني يعني في ليلة زي دي !
إزدردت "هالة" ريقها بشيء من التوتر و قالت بجمود :
-لأ إنت فهمت إيه ؟ أنا كلامي كان واضح.. قلت الأوضة إللي هنام فيها. لوحدي !
فادي بهدوء : مافيش لوحدك يا مانجا. و بالذات الليلة دي. ده حتى يبقى عيب عليا
-مانجا !! .. علقت "هالة" بصدمة، و أكملت بإزدراء شديد :
-بص يا فادي. بليز ماتستخفش دمك عليا دلوقتي أنا بجد مش فايقالك.. قولتلك تعبانة و عايزة أنام و Absolutely مش هاكون مرتاحة لو كنت معايا في أوضة واحدة.. عن إذنك !
و إستدارت عنه... لكنها لم تكد تبتعد خطوة، لتجد قبضته تطوق رسغها بقوة آلمتها
شهقت و جحظت عيناها حين شدها نحوه بعنف ..
كانت لتسقط لولا أن ثنى ذراعها و ألصقه بظهرها و هو يطوقها بنفس الوقت، فشعرت بصدره يضغط على صدرها الخافق بقوة، كل هذا أتمه بذراعه السليمة
تسارعت أنفاسها و هي تنظر إليه مدهوشة من قوته و عنفوانه هذا.. لم تكن تتخيل أن يكون بذلك الجبروت حتى و هو في أسوأ ظروفه، و إزداد خوفها المبطن منه أكثر، لكنها حاولت جاهدة أن تخفيه
كان "فادي" يخفض رأسه و هو ينظر لها عابسًا بشدة، تجاهل أنينها المتألم و قال بصوت خافت خطير :
-لو كنتي بنت.. آنسة يعني. جايز كنت عذرتك أو ترجمت تصرفك للمعنى المفهوم في الحالات دي. لكن لا مؤاخذة إنتي واحدة ست. و أنا جوزك و الليلة دي دخلتنا.. و أنا بصراحة كده مش ناوي أقضي ليلة دخلتي حاضن المخدة بدل مراتي
تخضبت وجنتاها بحمرة ملتهبة و قالت بإضطراب شديد :
-إنت لازم يبقى عندك sense و ذوق أكتر من كده. إحنا لسا مش متعودين على بعض و إنت ببساطة عايز ...
و بترت عبارتها و قد شعرت بأن أعصابها سوف تنهار.. ليرد "فادي" عليها مصممًا :
-أيوة عايز.. ده حقي. و مش مشكلتي إنك مش متعودة عليا ده كان طلبك ماتنسيش. إنتي إللي شرطتي نكون بعيد عن بعض طول فترة الخطوبة.. أنا نفذتلك شرطك. و إنتي هاتنفذي آوامري دلوقتي. بالعدل و الإنصاف و أنا مش ظالمك
و تركها فجأة مستطردًا بصرامة :
-إتفضلي.. إدخلي غيري هدومك. قدامك 10 دقايق تحضري فيهم نفسك لإستقبالي.. و على فكرة الأوض ملهاش مفاتيح و لا ترابيس !
شحبت "هالة" مرة واحدة و هي تستمع إلى ما يمليه عليها.. لقد حاصرها من كافة الجهات، إنها ملكه الآن، و هو يطالب بما يملكه
هي التي وافقت على الزواج.. فماذا كانت تتوقع ؟ إنه رجل و هي زوجته الأولى و تجربته الأولى.. بينما يكون نصيبها الثاني و تجربتها الثانية
ترى من سيفوز في تلك المفاضلة هو أم "مراد" ؟ و هل سيجعلها تندم و تعترف بالأثم الشنيع الذي إقترفته بحق طليقها و تمردها على حياتها الرتيبة الهانئة ؟؟؟؟
بئس الحظ الذي أوقعها في كل هذا !!!!!!!! ................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!