رواية عزلاء امام سطوة ماله الجزء الثانى الفصل الثالث عشر بقلم مريم غريب
_ هادم اللذات ! _
كان الثوب النسائي المثير من الحرير الأسود الإيطالي، و كان بلا أكمام، فقط حمالتي كتف رفيعتين، و بقصة طويلة خلف الظهر و الصدر مع أشرطة حمراء تبدأ من عند الخصر الضيق و حتى الذيل الذي يصل إلى كعب القدم تمامًا ...
كانت "سمر" تقف أمام مرآة غرفتها الطويلة المثبت بها مصابيح صغيرة و التي غالبًا ما تستعملها للتزين، كانت تلف حول نفسها تارة و تقف لتمعن النظر بشكلها الكامل تارة أخرى... شعرت بالحماسة الشديدة إلا إن بعض التوتر لم يخلو منها
فهي لم ترتدي ثوبًا مميزًا كذاك منذ الأيام الخوالي التي كانت فيها مجرد إمرأة على هامش حياة رجل عاش زيرًا للنساء منذ إشتد عوده و أدرك معنى رجولته.. خاصةً و أن جميع العناصر اللازمة للحياة و الرفاهيات التامة أيضًا كانت كلها متوفرة لديه حتى و هو ببطن أمه
لكنه الآن زوجها
هذه حقيقة لا مهرب منها، لا تنكرها و لا تبغضها... بل هي في الواقع أمست مغرمة به حد الجنون، و لولا بعض الذكريات القاسية لكانت ممتنة للظروف التي أفضت بها إليه.. لكن ليت الأمر كان بهذه البساطة !!!
إرتعدت "سمر" بخفة حين سمعت باب الغرفة ينفتح فجأة.. إلتفتت مسرعة، لترى زوجها مقبلًا عليها بعد أن ركل الباب بقدمه و أغلقه ثانيةً ...
-إنتي مطمنة على إبنك يعني مع الست إللي إسمها زينب دي ؟! .. هكذا سألها "عثمان" بصوته العميق و هو يمشط جسمها بنظراته
أطرقت "سمر" رأسها عندما أخجلتها الطريقة التي ينظر إليها بها، و قالت بإرتباك :
-آه طبعًا دي ماما زينب إنت بتقول إيه.. دي هي إللي مربياني أنا و إخواتي. ماتقلقش هاتعرف تاخد بالها كويس من يحيى !
-أوك ! .. تمتم "عثمان" بخفوت، و تابع :
-ملك معاه تحت عندها.. وصلتهم بنفسي و إطمنت عليهم
أومأت "سمر" له، و ما لبثت أن كتمت شهقة تاليًا حين شعرت بذراعه يلتف حول خصرها ليضمها بقوة إليه ...
تطلعت إلى وجهه بعينين متسعتين ترقبًا، بينما كان يتفرس مليًا بتفاصيل ملامحها الجميلة المغطاة الآن بمساحيق التجميل الفاخرة التي أصبحت تستخدمها منذ صارت زوجته
لم يعجبه طمس طبيعتها الأكثر جاذبية وراء طبقات من الجمال المستعار، فمد يده ليسحب منديلًا ورقيًا من فوق طاولة الزينة، و فورًا طفق يمسح طلاء شفاهها الأحمر ببطء مصمم
هذا السلوك العابث يتلف أعصابها في لحظات كهذه، لكن لا بأس.. كل ما يفعله تحبه، تشعر معه و كأنها تلج إلى عالم آخر مليئ بالمفاجآت و المشاعر العنيفة الرائعة ...
-قولتلك عشرين مرة مابحبش كده ! .. غمغم "عثمان" مسبلًا عيناه صوب وجهها
-إوعي أشوفك حاطة ميك آب تاني.. إنتي مش محتاجاله
ردت "سمر" بصوت أبح لا يخلو من الإضطراب :
-زمان.. قبل الجواز الرسمي ماكنتش بتقول كده !
تنهد "عثمان" منزعجًا من ذكرها المستمر لتلك القضية التي أقفلت و إنتهى أمرها بالفعل، لكنه قال بصوت أكثر حدة :
-أيامها ماكنتش متخيل إني ممكن أحبك و أتجوزك بجد. ماكنتيش فارقة معايا ..
نظرت له بصدمة، ليبتسم مستطردًا على الفور :
-بس دلوقتي بقيتي كل حاجة بالنسبة لي.. مقدرش أستغنى عنك أبدًا يا سمر. قبل ما أشوفك كنت إستحالة أصدق إن في حاجة إسمها حب و عشق. بس بعد ما شوفتك ...
و صمت ممررًا نظراته على صفحة وجهها و عنقها الناعم الطويل، عليها كلها، ثم قال غامزا :
-إنتي أدرى بقى !
إبتسمت "سمر" رغمًا عنها، رفعت كفيها لتضعهما فوق صدره و قالت برقة :
-أنا بقى عمري ما عرفت و لا فهمت كلمة راجل غير لما شوفتك. رغم الحاجات الوحشة إللي حصلت معانا.. بس إنت جواك مش وحش يا عثمان. مش وحش أبدًا !
نظر لها بحب و ضمها بقوة في حضنه، غطى رأسها بكلتا يداه فإنتثر شعرها القصير بين أصابعه، بينما شعر بذراعيها تطوقان عنقه أيضًا، فإتعست إبتسامته أكثر و هو يهمس لها بحميمية :
-كويس أوووي إن أخوكي هايسهر برا زي ما قولتيلي. المرة إللي فاتت مالحقناش نقعد مع بعض.. هادم اللذات ده إللي طالعلي في البخت !
غالبت "سمر" ضحكتها و لكمته على كتفه قائلة :
-بس بقى بزعل عليه و الله ! .. و أخذت تدفعه بلطف عنها
إستجاب لها و إرتد للخلف قليلًا، لتقول بإسلوب فضولي :
-صحيح قولي.. إنت مابتتكسفش خالص و إنت بتجيب الحاجات دي ؟ أقصد ده لانچري يعني !!
و أشارت إلى ثوب الفاضح الذي كساها نوعًا ما ...
رفع "عثمان" حاجبه و هو يقول بصوته القوي :
-بصي هو أولًا أنا مابتكسفش. عمرها ما حصلت معايا يعني.. ثانيًا بقى أنا بجبلك الحاجات دي On Line عشان بختار بمزاجي أكتر. لكن لو كنت ماشي بالصدفة مثلًا في أي مكان و شوفت حاجة زي دي عجبتني كنت هاشتريها عادي. و ماكنتش هابقى مكسوف و لا حاجة بالعكس
تخضبت وجنتيها بحمرة شديدة و هي ترمقه مذهولة، ليضحك على شكلها و يقول متفكهًا :
-خلاص ماتتصدميش أوي كده. المفروض تكوني إتعودتي على تصرفاتي
هزت "سمر" كتفيها و قالت :
-المفروض !
إبتسم "عثمان" من جديد و إنحنى قليلًا ليرفعها كما هي هكذا بين ذراعيه.. لم يكد ينتقل للخطوة التالية، ليسمع الزوجان ذلك النداء غير المتوقع بالمرة ...
-سمــــــر !
جمد كليهما في هذه اللحظة، لم يحركا ساكنًا من شدة الصدمة.. فتكرر النداء ثانيةً بصوتٍ أعلى :
-سمــــــر أنا رجعـــت إنتي فيـــن ؟؟؟
تبادل كلًا من "عثمان" و "سمر" النظرات المشدوهة و قالا معًا :
-إيـــه !!!
إنتفضا عندما سمعا القرع المستمر على باب الغرفة يزامنه صوت "فادي" :
-إطلعيلي يا سمر عايزك. فين العشــا إللي قولتي هاتعمليه ؟!!!
و هنا ينزلها "عثمان" ليضعها فوق قدميها مجددًا و هو يقول بخشونة و قد إكفهر وجهه بشدة :
-قولتلك إيه أنا ؟
أومأت "سمر" دون أن تنظر إليه و قالت مؤيدة كلمته :
-هادم اللذات !
_________________
في قصر "البحيري" ...
بصالون القريب من ردهة الإستقبال.. جلست "هالة" صامتة أمام أخيها، بينما كان يمضي أمامها جيئة و ذهابًا و هو يصيح بغضب متفاقم :
-طفشتي الراجل. هزأتيه. يعتبر كمان شتمتيه.. افيش كلمة قولناها إلا و عملتي عكسها !
و توقف في هذه اللحظة متطلعًا إليها يعنيان تقدحان شررًا و قال من بين أسنانه :
-إنتي خلاص عيارك فلت. لو فضلنا ساكتين عليكي هاتحفري قبورنا واحد واحد بس أنا مش هاسيبك ..
و لم يكد يتخذ خطوة واحدة نحوها، ليسمره صوت والده مكانه فجأة :
-صـــالح !
إستدار "صالح" نحو "رفعت" بوجهه ذي المحيا القاتم ...
كان "رفعت" يجلس مقابل إبنته، يسند مرفقيه إلى ذراعي الكرسي التركي الأثري، كان يتابع هدوء "هالة" بمثله.. إلى أن شاهد "صالح" و قد شارف على فقدان أعصابه
خرج عن صمته و أشار إليه حتى يجلس ...
على مضض شديد أطاعه "صالح" و جلس في محاذاته، بينما علا صوت "رفعت" بركازة :
-إنتي عايزة إيه يا هالة ؟
كانت و كأنها مبرمجة حالتها على السكون التام من البادئ، ما إن سمعت أبيها رفعت بصرها إليه ...
-نعم يا بابي !
رفعت بإبتسامة ملتوية :
-سألتك عايزة إيه يا روح بابي ؟
هالة بفتور : حضرتك عارف أنا عاوزة إيه.. بس عشان أختصر عليك عثمان خلاص مابقاش في دماغي. لكن جواز من إللي إسمه فادي ده مش هايحصل
صمت "رفعت" لبرهة مقيمًا كلماتها، ثم قال بهدوء :
-تمام. موضوع عثمان كويس خلصنا منه.. و طبعًا إنتي إستحالة ترجعي لمراد.. و قولتي مش هاتتجوزي فادي ؟
هالة بإصرار : No Way
أومأ "رفعت" قائلًا :
-أوكي يا حبيبتي.. طبعًا أنا مش ممكن أجبرك على إنسان إنتي مش عايزاه. طالما مش قبلاه خلاص مافيش جواز و هاقول لعثمان يبلغه الكلام ده
إلتمعت عيني "هالة" بإنتصار و جاهدت كي ما تخفي إبتسامة راضية، ليكمل "رفعت" بلهجة مشروطة قضت على فرحتها الوليدة :
-بس طالما مالكيش جواز يا هالة.. يبقى مالكيش حاجة تانية تخرجي عشانها من البيت ده
تلاشى إرتياح "هالة" كله في هذه اللحظة، و عبست محدقة بأبيها و هي تقول بتساؤل :
-يعني إيه الكلام ده يا بابي ؟!!!
رفعت بصرامة : يعني إنتي واحدة مطلقة يا روح بابي.. أخدتي شهادتك و إتجوزتي و سافرتي و بعدين إتطلقتي. و أنا راجل إسكدراني ماكملتش تعليمي أصلًا و مخي متربس زي جدك البحيري الكبير الله يرحمه. ماعنديش بنات تنزل تشتغل. و طالما رافضة تتستري في بيت راجل قابل وضعك ده يبقى هاتفضلي قاعدة معززة مكرمة في بيتك مش هاتتنقلي منه أبدًا. لا سفر و لا خروجات خلاص إنتهى
أفغرت الصدمة فاها و هي تحملق فيه بذهول ...
جربت أن تنظر بأخيها عسى يكون له رأيًا آخر، لكنها رأته يبتسم إليها بتشفٍ و كأنه على علم مسبق بحكم أبيها في حال رفضها
و هكذا وجدت "هالة" نفسها مجردة من كافة أسلحتها، و شل عقلها عن التفكير.. ورائها زيجة بغيضة إن قبلتها تحط من شأنها، و أمامها أبيها و أخيها يقفان لها بالمرصاد و يحددان مسار حياتها فس حلقة ركيدة
ماذا تفعل الآن ؟ ماذا تختار ؟!!!!!!!!! ....................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!