رواية وريث أل نصران الفصل الاول
الفصل الأول (ألقت نفسها ! )
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)} [الانسان : 1-31]
انتهى القارئ من تلاوة عدد من آيات الكتاب المكرم أمام القبر المتواجد أمام بصره وقد دُوِن على اللوح الرخامي اسم من دُفِن هنا بارزا باللون الأسود
"حسن عبد الباسط فؤاد"
أخرجت النقود تلك السيدة التي قد طغى اللون الأسود على تنورتها الواسعة وما يعلوها وقد بدا عليها وقار من هم في مثل عمرها ربما أوشكت على الخمسين أو أقل عام.
دست الأموال في كف الرجل شاكرة جهده فأخذها منصرفا بهدوء أما هي فعادت لوقفتها أمام القبر تعدل من وضع حجابها.
استدارت ترمق فتياتها الثلاثة، كانت أولاهم "ملك" هبة الله الأولى لها، ملاكها الحاني، ابنتها صاحبة الثلاث وعشرين عام ذات العيون البنية الواسعة والتقاسيم البريئة، جمال هادئ يشبه جمال كثير من بنات جيلها ولكن "ملك" بها ما يميزها بها تلك الرقة التي تجعلك تذوب حين تعطيك ابتسامة فتقسم أنك لم تر قبلها أحد يبتسم قط ، فستانها الأسود الذي رُصِع بزهور بيضاء كأنها النجوم يتماشى مع نعومتها، وحجاب رأسها الأنيق وابتسامتها الهادئة وهي تربت على كتف والدتها ناطقة بحنان:
تعيشي و تفتكري يا ماما.
هزت والدتها رأسها في تأثر وانتقلت عيناها تراقب تعابير فتاتها الثانية "شهد"، مهلكتها تلك التي أنهكت لأنه قد أُنهِكت، شهد التي أتمت عامها العشرين، ابنتها الجميلة ذات العيون التي تجملت باللون العسلي، والخصلات السوداء التي أخفتها هنا فقط بناء على تعاليم والدتها، تملك شقاوة تشيب الرؤوس منها، الشبه بينها وبين شقيقتها الأكبر ليس بالقليل ولكن لكل منهما هالته الخاصة، إنها " شهد" التي تمقت اسمها أشد المقت ولكن إن داهمتها بسؤال " ما اسمك؟ " ستجاوبك في دلال متغنية بحروف اسمها.
أوشكت عيناها على اختراق اللوح الرخامي الذي دون عليه اسم والدها ، ذكريات تداهمها، وقلب شارد لا يعلم ماذا يفعل، عادت بذلك القلب إلى الخلف قليلا، تتذكر في شرود
Flash back
_وأنا مش هطلع بنتي من المدرسة يا "حسن".
=هتطلعيها يا " هادية" علشان مش بمزاجك.
قالها في انفعال واضح مناسب لانفعال زوجته التي اقتربت منه تحارب بدفاع مستميت عن حق ابنتها في التعلم:
حرام عليك يا "حسن"، شهد متعلقة بمدرستها، دي لسه عيلة سبع سنين ليه تحرمها من انها تكون زي اختها وولاد عمها... قولي ايه في راسك طيب.
اقتربت منه أكثر واضعة كفها على كتفه ناطقة برجاء:
البت مبطلتش عياط، علشان خاطري يا " حسن".
كانت الصغيرة تقف خلف الباب بعيون بريئة تترقب الحكم عليها، وقلب مضطرب بين أمل وخيبة، وهوى هذا القلب أرضا حين سمع قول "حسن" الحاسم:
مفيش كلام بعد اللي اتقال... شهد هتطلع.
هنا سقطت لعبتها، وسقط معها الكثير والكثير.
Back
عادت للواقع على يد شقيقتها الأصغر تهزها ناطقة:
شهد أنتِ روحتي فين؟
هزت رأسها بأنها معهم ولكن الأم تعلم أن العكس صحيح، اقتربت "هادية" من أصغر بناتها طالبة:
شوفي حد يسقي الزرع يا "مريم"
هزت رأسها وتحركت تبحث في المكان المحيط بهم تحت نظرات والدتها المهتمة، إنها ابنتها الثالثة "مريم"، إذا وجدت المكان يضج بالحركة فاعلم أن " مريم" حلت به، صاحبة السبعة عشر عام، والمدللة لدى والدتها وشقيقتيها، أكثرهم شبها لوالدتها بلون عيونها الأسود، والوجه الذي اكتسى بالحمرة، و الابتسامة الناعمة، ولكن هل قريبة لها كقرب الهيئة؟
قدم أحدهم يسقي نبتة الصبار، سريعا ما انتهى ورحل، فاختتمن دعائهن لرب أسرتهم في ذكرى وفاته التي لا تمر كل عام إلا وتأتي بهم والدتهم إلى قبره منذ يوم وفاته.
رحلن بهدوء قطعه صوت شهد وهي تخلع الوشاح الذي وضعته على رأسها تنطق بضجر:
هو مش هاين عليه يبعت معانا العربية، صحيح هيبعت العربية والسواق مع الخدامين.
أوقفتها ملك بقولها الصارم:
شهد كفاية كلام من ده بقى، وبعدين الحجاب اللي قلعتيه في الشارع ده مش قادرة تستني لما نروح وتقلعيه.
أوقفتهما والدتهم طالبة منهم الكف عن الحديث وتقدمت "شهد" للطريق الخارجي وهي تهمس لملك بتهكم:
البركة فيكي أنتِ ومريم يا حبيبتي.
كانت تشير لأمر حجابهما ولكن بنبرة حملت سخرية فتجاهلتها "ملك" استوقفن سائق سيارة الأجرة كي ينقلهم إلى المنزل.
لحظات وكان يقف أمامهم فهرولت "ملك" أولا تجاور والدتها في المقعد الخلفي وتبعتها مريم ولم يتبق سوى "شهد" التي سمعت السائق يتحدث في الهاتف ناطقا بحالمية:
بحبك أوي يا رودي... طب ايه يخليكي تصدقي حبي بس؟
تحركت للخلف ومالت على النافذة المجاورة لوالدتها تقول بغيظ:
انتوا هتقعدوني أنا جنب قصة حب الجاهلية اللي قدام دي.
ضحكن على قولها وحستها أمها على الركوب كي ينتهوا فتوجهت لمقعدها وجلست بتأفف... لم يتحرك السائق بل استمر في مكالمته متابعا بنبرة جعلت الجالسة جواره ترمقه باشمئزاز:
يابت ما أبوكي هو اللي وقف في جوازتنا، يرضيكي يفشكل الجوازة علشان الستاير!
همست "مريم" من الخلف وهي تحاول أن تكتم ضحكاتها بصعوبة:
شهد هتولع فيه.
نبهته "شهد" بنبرة مرتفعة:
بقولك ايه يا اسطا الله يباركلك... اتحرك بقى علشان مش عايزين نتأخر وأنا هحللك مشاكلك مع رودي في السكة إن شاء الله.
لم يجبها بل تحرك بالسيارة متابعا مكالمته فاستدارت هي لهم تردد وقد أوشكت على الانفجار غيظا:
مش هنخلص النهاردة.
قالت "ملك" وقد لمعت فكرة في ذهنها بنبرة منخفضة:
شهد هبعتلك مسدج شوفيها.
فتحت هاتفها لترى ما سترسله شقيقتها فارتسم على شفتيها ابتسامة ماكرة واستدارت غامزة لها وقد راقت الفكرة التي أرسلتها "ملك" لها.
تصنعت طلب رقم ما ووضعت الهاتف على أذنها تقول بنبرة عالية كي تجذب انتباه السائق:
ألو أنا آنسة "شهد"، بنت معالي السفير أحمد اسماعيل
شعرت بانتباه السائق لها وسهوه عن مكالمته فتابعت التمثيل ببراعة:
أرجوك تبلغ بابا إن السواق اتأخر فاضطريت اخد تاكسي، أنا بعتله الرقم بتاع العربية زيادة في الأمان.
أغلق السائق هاتفه سريعا وانتبه للطريق أمامه وهم في الخلف يكتمن ضحكاتهن أما هي فبعد نجاح خطتها أغلقت الهاتف بهدوء واثق محاولة ألا تضحك فيفتضح أمرها ولكن عكر صفو كل هذا حين رن هاتف والدتهم برقم عمهم الذي بالتأكيد يستعجل عودتهم للمنزل فكسا الضيق وجوههن جميعا وكأنه الصديق الذي يحل أينما حل شقيق والدهم...
" مهدي" .
***★***★***★***★***★***★***★***★
في إحدى القرى البعيدة، تلك القرى المتفرقة في أنحاء مصر فلا يعلم سكان كل محافظة عنها إلا بمحض الصدفة، تلك القرية تقع في عروسة البحر المتوسط... محافظة الاسكندرية تحديدا شرقها.
هنا على أعتاب منزل كبير بدت الفخامة على واجهته الخارجية العتيقة مما دل على أن ما في الداخل ليس أقل مما في الخارج.
قصر "نصران" لصاحبه "نصران" مالك البيت وربما القرية بأكملها، رجل على مشارف السبعين، اشتهر بحكمته في التعامل مع سكان هذه القرية لتصبح وحدة واحدة خاصة بأهلها ولا علاقة لها بما في الخارج، هنا الجميع يسير وفق ما يريد كبيرهم فلا تعرف أقسام الشرطة لهم طريق ولا تخرج المشاكل عن دائرتهم.
المساحة الخضراء تحاوط المكان فتشعرك بالراحة وخاصة مع صوت أوراق الأشجار التي تضربها نسمات الهواء العليلة، في الداخل عمت الهمة والنشاط إذ أصبحت المائدة مُعدة بالكامل ولم يتبق سوى نزول أهل البيت لتناول الإفطار
خرجت سيدة ترتدي فستان أنيق، ضمت خصلاتها لأعلى بما يناسب سنها الذي قارب من الستين، ملامح حازمة وكانت النبرة أشد حزم وهي تسأل الواقفة أمامها:
الفطار جاهز يا "تيسير"
هزت الخادمة رأسها مؤكدة:
جاهز يا ست هانم، وصحيتهم وهما نازلين.
حركت رأسها برضا وجلست على المقعد المجاور للرئيسي على هذه المائدة، لم يمض الكثير من الوقت حتى نزل "نصران" كبير هذا البيت وتربع على مقعده المترأس للمائدة
تحدث وقد ظهر أنه يبحث بعينيه عن شيء:
هما فين يا "سهام "؟
لم تستطع إجابته لأنهم أتوا بالفعل، ثلاث شباب يتسابقون على الدرج وكأنهم ما زالوا صغار هدف كل منهم هو الوصول أولا.
تقدم أولهم " فريد" شاب في الثلاثين من عمره، كتلة من الطاقة تتحرك هنا وهناك، يخاف والده من تهوره ويخشى أن يقحم نفسه في مصيبة ما دائما، كانت ملامحه تشبه ملامح والدته التي تركتهم منذ سنين، ابتسامة واسعة لا تفارقه، وعين تسلب إرادتك فتنظر لها كالمسحور، لحية مهذبة خفيفة، وشعر مكسو باللون الأسود، وكعادة معظم أهل "مصر" كانت البشرة قمحية.
مال على كف والده يقبله ناطقا باحترام:
صباح الخير يا بابا.
جلس على المقعد المجاور لزوجة والدته ناطقا بشقاوة:
صباح الفل يا "سهام".
ضربته ضربة خفيفة على كتفه ناطقة بتذمر:
يا بني عيب كده.
أشار للواقفين ناطقا باستنكار:
هو ايه اللي عيب؟
ثم استطرد مازحا:
بقى القمر ده يتقاله يا ماما ده اللي يشوفك يقول أصغر مني.
ضحكت وهي ترمقه بنظرات من كشف خدعة أحدهم:
اه يا بكاش.
تقدم الشاب الثاني بابتسامة واسعة حاول بها إخفاء همه المتراكم عليه، إنه " طاهر" أو كما يقال الكابتن "طاهر" ، مهنته هي الطيران فهو طيار مدني، لا يكون بالبيت معظم الأوقات بسبب ظروف عمله فقط عطلته يقضيها هنا مع عائلته وفخره، عينان بنية تشبه عيون والدته "سهام" وبشرة باللون الأسمر ، وجسد يحافظ على كونه رياضي ليناسب دائما المهنة... وخصلات سوداء طويلة بعض الشيء .
قبل كف كبيرهم مرددا بهدوء:
صباح الخير يا حاج.
علم "فريد" أن هناك شيء ما فهذه ليست عادة "طاهر" هذا الصمت التام الذي يحاوطه ربما يوحي بمعركة جديدة مع زوجته، أشار مراد للوحيد المتبقي يسأله بعينه عن سبب تغيره ولكن لم يجد إجابة
إذ اقترب "حسن" من كف والده ومال عليه هو الآخر يفعل كما فعل شقيقاه، إنه "حسن" أصغرهم سنا تخطى العشرين بعامين، يدرس في كلية الفنون الجميلة وربما هذا عامه الثاني في الرسوب، استهتاره شديد، ولهوه أشد، كان مزيج من شقيقيه في الملامح، ولكن مازال لم يملك رضا والده كالذي يملكانه.
جلس على مقعده جوار "فريد" الذي همس له:
طاهر ماله؟
بدا عليه الضيق وهو ينطق بسخرية على زوجة شقيقه:
متخانق مع الست.
_فين مراتك يا "طاهر"؟
قالتها والدته تسأل عن زوجة ابنها وكانت متيقنة من اجابته حيث قال:
نايمة.
تحدثت والدته مجددا وقد اكتسب صوتها الحدة:
غريبة مع أني سمعت صوتها وأنا نازلة، كانت بتقولك ايه بقى؟
تابعت ونظراتها تهاجم ابنها:
بتقولك تاخد شقة بعيد، وتسيب ابنك هنا نربيه احنا صح! .
ضرب نصران على الطاولة ناطقا بحزم:
بس يا " سهام" .
رمق نصران "طاهر" وسأله:
تحب نتكلم هنا يا "طاهر" ولا جوا.
ترك مقعده فعلم "نصران" الإجابة فقاده إلى الداخل طالبا من "تيسير" إحضار إفطارهما إلى داخل الغرفة.
أما "فريد" و "حسن" فتبادلا عن النظرات حول ما حدث، كل من هنا يعلم مأزق طاهر، ذلك الشاب الذي تزوج من سنين من فتاة مرحة تتفنن في إسعاده ولكن سعادته لم تستمر طويلا إذ توفت وهي تنجب ابنهم الأول، وتركته يعاني آلام الفراق، ولكن خففتها بذلك الصغير الذي امتلك قلبه، تلاحقت الأعوام حتى تعرف على إحداهن في رحلة ما كان يقودها، لم يكن حب في البداية بل رأى أنها مناسبة له شابة توفى زوجها ومعها طفلتها الصغيرة التي في نفس عمر ابنه تقريبا، لذلك زواجهم لن يسبب أي مأزق لأي أحد، هي سعت كثيرا في التقرب من "طاهر" رجل أحلامها بجاذبيته ومهنته ومكانته الاجتماعية، حتى تحقق مرادها وتزوجها هو لتكون أما تعوض وليده عن فقد أمه ويكون هو أبا لا بنتها ولكن وعلى العكس المتوقع ظهرت الصعاب بعد مرور سنة واحدة فقط، بعد أن أعطاها قلبه الذي لم يعطه لها في البداية.
_هي مدام "فريدة" مش عارفة إن طاهر اتجوزها علشان يزيد بس.
قالها "حسن" وقد أحزنه افتعالها المتكرر للمشكلات من أجل طفل صغير لا يضرها في شيء.
نطق "فريد" بعد أن مط شفتيه بيأس:
طاهر بيحبها.
وصل "حسن" لذروة ضيقه وهو يقول:
يولع الحب يا أخي.
تحدثت "سهام" هذه المرة وقد فهمت لعبة زوجة ابنها جيدا:
غبية، مفكرة إن ضمان جوازها من طاهر هو إنه يقدر يستغنى عن ابنه علشانها، استغلت الحب غلط.
كانت تقصد بهذا أفعال زوجة ابنها التي صارت تهمل الصغير بصورة متكررة، تهمله على حساب ابنتها المدللة، اختفت المعاملة الجيدة ليحل محلها الجفاء الذي لا يستوعبه صغير في السادسة من عمره، ولم تكتف بل تطلب المزيد بكل تبجح أن تنفصل عن البيت وأن يترك طاهر ابنه هنا.
_طاهر هيطلقها.
قالها فريد وهو يتناول من الطبق أمامه ولم يلحظ نظراتهم التي تسلطت عليه إلا حين رفع رأسه فضحك مؤكدا:
هتشوفوا.
تنهدت "سهام" بسأم ثم قالت وكأنها تذكرت شيء:
فين اختكم... رفيدة منزلتش ليه.
شقيقتهم رفيدة صغيرة هذا البيت في التاسعة عشر من عمرها، مدللة هذا البيت ذات الخصلات التي لُوِن بعضها صناعيا باللون الأزرق مما استفز والديها، حينما يقال اسمها هنا فأعلم أن المقصود هو الجميلة المدللة.
أجابها حسن أثناء تناول طعامه:
خبطت عليها قالت إنها عايزة تنام.
_عال والله... أنا ليا تصرف تاني معاكم من بكرا كله يبقى هنا وقت الفطار مفيش حاجة اسمها نايمة ولا تعبانة، واللي مش هينزل ملهوش فطار يبقى يتفضل يفطر في أي حتة برا.
قالتها "سهام" بعصبية وتركت مقعدها دون أن تكمل تناول طعامها فهمس "فريد" بقلق:
هو اليوم باين من أوله.
لاحظ "حسن" تلك القلادة المصنوعة من الجلد والتي يرتديها شقيقة وقد تدلى منها حرف "m" فنطق بمكر:
مين بقى حرف ال m ده مكانش العشم بتلعب من ورايا يا فريد.
لم يجبه بل هرول حينما سمع نداء والده وقال لشقيقه بغيظ:
خليك في حالك.
والآن حان الوقت لتعرف تفاصيل هذه العائلة
"نصران علي نصران" كبير هذه العائلة تزوج من حبيبته وابنة عمه وأنجب منها ابنه "فريد" وابن اخر
سنعرف عنه في القادم، توفى شقيقه تاركا أرملة شابة معها طفلها "طاهر" والذي كان في نفس عمر فريد ، وكالعادة صار الضغط من والدته حتى يتزوج زوجة شقيقه من أجل ألا يخرج الصغير خارج إطار العائلة المقدس، رفض في البداية ولكن مع مرارة ضغط والدته استسلم اخيرا وتزوج "سهام" لتصبح زوجة ثانية له، توفت زوجته الأولى بعد سنوات تاركة له طفلين ولم يكن هناك من يرعى سوى "سهام" فاعتبرها "فريد" أم له ونسى كونها مجرد زوجة أبيه وطاهر شقيقه وليس ابن عمه، وأنجبت "سهام" بعد ذلك ما ربط الأخوة "حسن" و "رفيدة".
وهكذا صارت الأسرة متكاملة ولكن ينقصها واحد.
***★***★***★***★***★***★***★***★
توقف سائق الأجرة أمام المكان المنشود فنزلن الفتيات تباعا تتقدمهم أمهم إلى داخل ذلك المنزل، منزل شقيق زوجها المتوفي ... " مهدي" و زوجته "كوثر" وابنته "علا" في نفس عمر "شهد"، وابنه " شاكر" الذي تخطى الثلاثين بعام ذلك الذي يشبه والدته في عدوانيتها ومكرها.
دخلن إلى المنزل فاستقبلتهم "علا" بفستانها الأزرق ويدها الموضوعة على خصرها ونظراتها المتهكمة وهي تقول:
كل ده في المقابر انتوا كنتوا بتدفنوه تاني ولا ايه!
تحدثت "ملك" معنفة:
ما تحترمي نفسك يا بت انتِ.
تحدثت "مريم" هذه المرة تقول بضيق:
ما هو العيب مش عليها العيب على اللي رباها على قلة الأدب... لدرجة انها متحترمش عمها الميت.
نطقت "هادية" بتجاهل:
ادخلوا أوضتكم ومحدش يرد عليها.
تحركن بعيون مليئة بالضجر، كانت الأخيرة "شهد" تسير ببطء حتى لمحت "كوثر" تجر ابنتها خلف أحد الجدران.... تركت اتباع والدتها وهرولت تقف خلف الحائط حتى تعلم ما يحدث، دقائق وارتسم على فمها ابتسامة ماكرة حين سمعت زوجة عمها تخبر ابنتها أن تستعد لأن بعد ساعة على الأقل سيصل _عريس_ لها.
****★****★****★****★****★****★****
في غرفة الفتيات، كانت ألوان الغرفة رقيقة ولكنها صغيرة على أربعة، وكأنها لا تمت بصلة لهذا البيت الواسع، كانت "مريم" تهرس الفول في طبق قائلة باستمتاع:
ريحته قمر يلا علشان تفطروا بقى.
أعدن إفطارهن ذلك الإفطار المعروف لدى الشعب المصري في يوم الجمعة، (الفول والطعمية)
ورائحة البخور تغطي الغرفة
جلسن لتناول الطعام فسألت "هادية" عن ابنتها:
هي شهد فين؟... كانت ماشية ورايا.
أجابتها "مريم" وهي تدس اللقمة في فمها:
تلاقيها بتجيب حاجة من برا وداخلة.
اقتحمت الغرفة وأسرعت تأخذ مكانها جوارهم طالبة الصبر:
استنوني متخلصوش.
جلست في منتصفهن وأعطتها والدتها الخبز فقالت وهي تأخذه منها:
عرفت ليكوا حتة خبر بمليون جنيه.
انتبهن لها فهزت رأسها تقول بعناد:
لا مش هقول.
وكزتها والدتها بغيظ ناطقة:
قولي بقى بلاش غلاسة.
تركت "ملك" مكانها واتجهت للخارج تحدثهم:
متخلوهاش تقول لحد ما اجيب الماية واجي.
ذهبت إلى المطبخ تخرج زجاجة ماء من البراد استدارت نحو الأكواب ورفعت يدها تتناول كوب منهم لتجد من يحكم قبصته على خصرها من الخلف فصاحت بهلع، وزاد هلعها حين عرفت أنه ابن عمها الذي اتى للتو من الخارج ورائحة فمه لا تطاق من الخمور، هو ليس في حالته الطبيعية.
حاولت ابعاده بكل ما امتلكت من قوة وهى تعنفه:
انت اتجننت يا "شاكر"
تابعت وهي تبعده صارخة:
يا شيخ بطل قرف بقى
أما هو فلم يتزحزح بل تزداد نظراته تبجح، لمحت شقيقتها تدخل فاستغاثت بها ببكاء، هرولت شهد وجذبت كوب زجاجي هشمته على رأسه فابتعد تلقائيا إثر الدم الذي سال، تجمع الجميع إثر الصوت العالي وتحدثت زوجة عمهم بغضب وهي تهرول ناحية ابنها ترى ما أصابه:
ايه اللي حصل.
ضمت "هادية" ابنتها في حين صاحت "شهد" كي يسمعها الجميع:
البجح ابنك شوفيه شارب في أنهي زريبة وداخل يتهجم على اختي.
اقترب "مهدي" من المطبخ فصرخت زوجته تتصنع الاستغاثة:
تعالى يا "مهدي" تعالى شوف بنت أخوك بتعمل ايه،
ابنك داخل يشرب ومش واخد باله راحت ضرباه على دماغه
كانت نظرات "شهد" مليئة بالاستنكار في حين تابعت زوجة عمها:
عايزين يموتوه، عايزين ياخدوا كل حاجة ولاد حسن، واحدة تقول انه اتهجم عليها، والتانية تبطحه.
_بناتي مش كدابين يا كوثر، ابنك شارب وريحته واصلة لكل اللي واقفين هنا... ربيه ولا تربي ايه بقى ده بقى 31 سنة.
قالتها "هادية" التي مازالت على وضعها تحتضن ابنتها
ثم استطردت:
عاجبك كده يا مهدي، هو ده اللي هيحمي بنات عمه ويضلل عليهم.
اتى اتصال لمهدي هب حين شاهده وهرع نحو الخارج فلحقت به زوجته ومعها ابنها بغضب، فاستغلت "علا" الفرصة وجذبت "شهد" من خصلاتها تنتقم لأخيها، ارتفع الصراخ واقتربت "مريم" تبعدها عن شقيقتها لكن لم تفلح بينما رفعت "شهد" كفها وجذبتها هي الاخرى حتى اسقطتها أرضا فنطقت علا بشر:
هتشوفي يا شهد، والله ما هسيبك.
قالت لها شهد وأمها تجذبها كي تخرج بهم من هنا:
قومي يا حبيبتي وريني.
كانت تعلم "شهد" أن "علا" ليست متفرغة للشجار وتتأهب للموعد بعد أقل من ساعة فقررت أن يكون انتقامها فيه فنطقت:
أنتِ وريني، وأنا هوريكي النجوم في عز الضهر يا "علا".
في، نفس التوقيت
كانت سيارة "طاهر" قد أوشكت على الوصول إلى المكان الذي طلب منه والده الذهاب إليه فسأل "فريد" الذي صاحبه إلى هناك:
هو احنا رايحين ليه؟
قال "طاهر" وتركيزه منصب على الطريق أمامه:
هنبلغ "مهدي" رسالة ونرجع.
تابع "طاهر" مباغتا "فريد" بسؤاله:
هو "عيسى" مش بيكلمك؟
تنهد "فريد" بحزن دفين، شقيقه الذي أقسم على الفراق فتمزق القلب شوقا:
مش علطول، كل شهر مره مثلا.
ربت "طاهر" على قدمه فابتسم له فريد بهدوء
بينما أكملا الطريق إلى وجهتهم المنشودة
***★***★***★***★***★***★***★***★
تحركت تيسير نحو الغرفة الخلفية للمنزل حاملة أكواب الشاي الساخنة لرب عملها "نصران" وضيفه المنتظر والذي قرر أن يستقبله في مضيفته الواقعة خلف المنزل
دقت على الباب حين وصلت وانتظرت الرد فلم تجد إجابة، مطت شفتيها باستغراب وأعادت الكرة ولكن لا إجابة!
اضطرت إلى فتح الباب فالقلق قد نهشها
فتح الباب تبعه صراخها العالي وهي تنطق اسم رب عملها بهلع!
في نفس التوقيت
وقفت "ملك" في شرفتها بنظرات باكية بسبب ما تعرضت له وقعت عينها فجأة على سيارة متوقفة في الخارج، حلت الابتسامة بدلا من الدموع... هو هنا حبيبها هنا لم تستطع إكمال خواطرها بسبب رسالة نصية ولحسن الحظ أنها منه:
وحشتيني... انا زوغت من طاهر لبس هو في عمك ، اخرجي بقى عايز أشوفك.
أجابت و الابتسامة لم تفارق وجهها:
مش هينفع يا "فريد" هنا.
جاوبها برسالة اخرى جعلتها تفكر:
هستناكي عند ابراهيم اللي بناكل عنده الدرة، هتيجي يا ملك.
نظرت أمامها بحيرة تفكر هل تذهب أم لا.
***★***★***★***★***★***★***★***★
كان مهدي يجلس مع ذلك القادم للتلميح لخطبة ابنته في غرفة المكتب، خرجت "شهد" لتوها من غرفتها لتنفذ ما نوته وهو إفساد هذه الجلسة بأي ثمن، سمعت صوت علا الكريه بالنسبة لها يأتي من غرفتها وهي تقول مهللة:
العريس جه يا ماما، أنا شوفته من الشباك.
بينما في نفس التوقيت دخل طاهر، بعد أن طلبت منه الخادمة أن ينتظر "مهدي" دقائق هنا في......
قطع تأمله لمدخل البيت صوت هذه الشابة التي نطقت:
انت العريس!
لم يجب إثر دهشته وسمعت هي صوت بوابة غرفة "علا" تُفتح مما يعني خروجها فأخذت تعبث بخصلاتها سريعا حتى ظهر عليها عدم الترتيب وفي ثوان كانت قد ألقت بنفسها عليه ، لم يستطع "طاهر" فهم أي شيء فقط أحكم قبضته على خصرها حتى لا تسقط
ولكن شهقة من علا والمنظر أمامها كالتالي ابنة عمها بخصلات مبعثرة فاقدة للوعي بين يدي من يتشبث بها بكل قوته...بين يدي الغريب أو من ظنته
عريسها المستقبلي.
شهد شاهدٌ على مصرعِ قلوب
قال أقسم بخالقي إنها من الألمِ تذوب
وتحدث والعين فائضة بالدموع
يا ليت قلبي للعالمين رسول
ينذر بشر آتى رأوه جنة وهو يرمقهم بوجه عبوس.
فتحطمت قلوبهم لأتجرع أنا كأس يا ليت.
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)} [الانسان : 1-31]
انتهى القارئ من تلاوة عدد من آيات الكتاب المكرم أمام القبر المتواجد أمام بصره وقد دُوِن على اللوح الرخامي اسم من دُفِن هنا بارزا باللون الأسود
"حسن عبد الباسط فؤاد"
أخرجت النقود تلك السيدة التي قد طغى اللون الأسود على تنورتها الواسعة وما يعلوها وقد بدا عليها وقار من هم في مثل عمرها ربما أوشكت على الخمسين أو أقل عام.
دست الأموال في كف الرجل شاكرة جهده فأخذها منصرفا بهدوء أما هي فعادت لوقفتها أمام القبر تعدل من وضع حجابها.
استدارت ترمق فتياتها الثلاثة، كانت أولاهم "ملك" هبة الله الأولى لها، ملاكها الحاني، ابنتها صاحبة الثلاث وعشرين عام ذات العيون البنية الواسعة والتقاسيم البريئة، جمال هادئ يشبه جمال كثير من بنات جيلها ولكن "ملك" بها ما يميزها بها تلك الرقة التي تجعلك تذوب حين تعطيك ابتسامة فتقسم أنك لم تر قبلها أحد يبتسم قط ، فستانها الأسود الذي رُصِع بزهور بيضاء كأنها النجوم يتماشى مع نعومتها، وحجاب رأسها الأنيق وابتسامتها الهادئة وهي تربت على كتف والدتها ناطقة بحنان:
تعيشي و تفتكري يا ماما.
هزت والدتها رأسها في تأثر وانتقلت عيناها تراقب تعابير فتاتها الثانية "شهد"، مهلكتها تلك التي أنهكت لأنه قد أُنهِكت، شهد التي أتمت عامها العشرين، ابنتها الجميلة ذات العيون التي تجملت باللون العسلي، والخصلات السوداء التي أخفتها هنا فقط بناء على تعاليم والدتها، تملك شقاوة تشيب الرؤوس منها، الشبه بينها وبين شقيقتها الأكبر ليس بالقليل ولكن لكل منهما هالته الخاصة، إنها " شهد" التي تمقت اسمها أشد المقت ولكن إن داهمتها بسؤال " ما اسمك؟ " ستجاوبك في دلال متغنية بحروف اسمها.
أوشكت عيناها على اختراق اللوح الرخامي الذي دون عليه اسم والدها ، ذكريات تداهمها، وقلب شارد لا يعلم ماذا يفعل، عادت بذلك القلب إلى الخلف قليلا، تتذكر في شرود
Flash back
_وأنا مش هطلع بنتي من المدرسة يا "حسن".
=هتطلعيها يا " هادية" علشان مش بمزاجك.
قالها في انفعال واضح مناسب لانفعال زوجته التي اقتربت منه تحارب بدفاع مستميت عن حق ابنتها في التعلم:
حرام عليك يا "حسن"، شهد متعلقة بمدرستها، دي لسه عيلة سبع سنين ليه تحرمها من انها تكون زي اختها وولاد عمها... قولي ايه في راسك طيب.
اقتربت منه أكثر واضعة كفها على كتفه ناطقة برجاء:
البت مبطلتش عياط، علشان خاطري يا " حسن".
كانت الصغيرة تقف خلف الباب بعيون بريئة تترقب الحكم عليها، وقلب مضطرب بين أمل وخيبة، وهوى هذا القلب أرضا حين سمع قول "حسن" الحاسم:
مفيش كلام بعد اللي اتقال... شهد هتطلع.
هنا سقطت لعبتها، وسقط معها الكثير والكثير.
Back
عادت للواقع على يد شقيقتها الأصغر تهزها ناطقة:
شهد أنتِ روحتي فين؟
هزت رأسها بأنها معهم ولكن الأم تعلم أن العكس صحيح، اقتربت "هادية" من أصغر بناتها طالبة:
شوفي حد يسقي الزرع يا "مريم"
هزت رأسها وتحركت تبحث في المكان المحيط بهم تحت نظرات والدتها المهتمة، إنها ابنتها الثالثة "مريم"، إذا وجدت المكان يضج بالحركة فاعلم أن " مريم" حلت به، صاحبة السبعة عشر عام، والمدللة لدى والدتها وشقيقتيها، أكثرهم شبها لوالدتها بلون عيونها الأسود، والوجه الذي اكتسى بالحمرة، و الابتسامة الناعمة، ولكن هل قريبة لها كقرب الهيئة؟
قدم أحدهم يسقي نبتة الصبار، سريعا ما انتهى ورحل، فاختتمن دعائهن لرب أسرتهم في ذكرى وفاته التي لا تمر كل عام إلا وتأتي بهم والدتهم إلى قبره منذ يوم وفاته.
رحلن بهدوء قطعه صوت شهد وهي تخلع الوشاح الذي وضعته على رأسها تنطق بضجر:
هو مش هاين عليه يبعت معانا العربية، صحيح هيبعت العربية والسواق مع الخدامين.
أوقفتها ملك بقولها الصارم:
شهد كفاية كلام من ده بقى، وبعدين الحجاب اللي قلعتيه في الشارع ده مش قادرة تستني لما نروح وتقلعيه.
أوقفتهما والدتهم طالبة منهم الكف عن الحديث وتقدمت "شهد" للطريق الخارجي وهي تهمس لملك بتهكم:
البركة فيكي أنتِ ومريم يا حبيبتي.
كانت تشير لأمر حجابهما ولكن بنبرة حملت سخرية فتجاهلتها "ملك" استوقفن سائق سيارة الأجرة كي ينقلهم إلى المنزل.
لحظات وكان يقف أمامهم فهرولت "ملك" أولا تجاور والدتها في المقعد الخلفي وتبعتها مريم ولم يتبق سوى "شهد" التي سمعت السائق يتحدث في الهاتف ناطقا بحالمية:
بحبك أوي يا رودي... طب ايه يخليكي تصدقي حبي بس؟
تحركت للخلف ومالت على النافذة المجاورة لوالدتها تقول بغيظ:
انتوا هتقعدوني أنا جنب قصة حب الجاهلية اللي قدام دي.
ضحكن على قولها وحستها أمها على الركوب كي ينتهوا فتوجهت لمقعدها وجلست بتأفف... لم يتحرك السائق بل استمر في مكالمته متابعا بنبرة جعلت الجالسة جواره ترمقه باشمئزاز:
يابت ما أبوكي هو اللي وقف في جوازتنا، يرضيكي يفشكل الجوازة علشان الستاير!
همست "مريم" من الخلف وهي تحاول أن تكتم ضحكاتها بصعوبة:
شهد هتولع فيه.
نبهته "شهد" بنبرة مرتفعة:
بقولك ايه يا اسطا الله يباركلك... اتحرك بقى علشان مش عايزين نتأخر وأنا هحللك مشاكلك مع رودي في السكة إن شاء الله.
لم يجبها بل تحرك بالسيارة متابعا مكالمته فاستدارت هي لهم تردد وقد أوشكت على الانفجار غيظا:
مش هنخلص النهاردة.
قالت "ملك" وقد لمعت فكرة في ذهنها بنبرة منخفضة:
شهد هبعتلك مسدج شوفيها.
فتحت هاتفها لترى ما سترسله شقيقتها فارتسم على شفتيها ابتسامة ماكرة واستدارت غامزة لها وقد راقت الفكرة التي أرسلتها "ملك" لها.
تصنعت طلب رقم ما ووضعت الهاتف على أذنها تقول بنبرة عالية كي تجذب انتباه السائق:
ألو أنا آنسة "شهد"، بنت معالي السفير أحمد اسماعيل
شعرت بانتباه السائق لها وسهوه عن مكالمته فتابعت التمثيل ببراعة:
أرجوك تبلغ بابا إن السواق اتأخر فاضطريت اخد تاكسي، أنا بعتله الرقم بتاع العربية زيادة في الأمان.
أغلق السائق هاتفه سريعا وانتبه للطريق أمامه وهم في الخلف يكتمن ضحكاتهن أما هي فبعد نجاح خطتها أغلقت الهاتف بهدوء واثق محاولة ألا تضحك فيفتضح أمرها ولكن عكر صفو كل هذا حين رن هاتف والدتهم برقم عمهم الذي بالتأكيد يستعجل عودتهم للمنزل فكسا الضيق وجوههن جميعا وكأنه الصديق الذي يحل أينما حل شقيق والدهم...
" مهدي" .
***★***★***★***★***★***★***★***★
في إحدى القرى البعيدة، تلك القرى المتفرقة في أنحاء مصر فلا يعلم سكان كل محافظة عنها إلا بمحض الصدفة، تلك القرية تقع في عروسة البحر المتوسط... محافظة الاسكندرية تحديدا شرقها.
هنا على أعتاب منزل كبير بدت الفخامة على واجهته الخارجية العتيقة مما دل على أن ما في الداخل ليس أقل مما في الخارج.
قصر "نصران" لصاحبه "نصران" مالك البيت وربما القرية بأكملها، رجل على مشارف السبعين، اشتهر بحكمته في التعامل مع سكان هذه القرية لتصبح وحدة واحدة خاصة بأهلها ولا علاقة لها بما في الخارج، هنا الجميع يسير وفق ما يريد كبيرهم فلا تعرف أقسام الشرطة لهم طريق ولا تخرج المشاكل عن دائرتهم.
المساحة الخضراء تحاوط المكان فتشعرك بالراحة وخاصة مع صوت أوراق الأشجار التي تضربها نسمات الهواء العليلة، في الداخل عمت الهمة والنشاط إذ أصبحت المائدة مُعدة بالكامل ولم يتبق سوى نزول أهل البيت لتناول الإفطار
خرجت سيدة ترتدي فستان أنيق، ضمت خصلاتها لأعلى بما يناسب سنها الذي قارب من الستين، ملامح حازمة وكانت النبرة أشد حزم وهي تسأل الواقفة أمامها:
الفطار جاهز يا "تيسير"
هزت الخادمة رأسها مؤكدة:
جاهز يا ست هانم، وصحيتهم وهما نازلين.
حركت رأسها برضا وجلست على المقعد المجاور للرئيسي على هذه المائدة، لم يمض الكثير من الوقت حتى نزل "نصران" كبير هذا البيت وتربع على مقعده المترأس للمائدة
تحدث وقد ظهر أنه يبحث بعينيه عن شيء:
هما فين يا "سهام "؟
لم تستطع إجابته لأنهم أتوا بالفعل، ثلاث شباب يتسابقون على الدرج وكأنهم ما زالوا صغار هدف كل منهم هو الوصول أولا.
تقدم أولهم " فريد" شاب في الثلاثين من عمره، كتلة من الطاقة تتحرك هنا وهناك، يخاف والده من تهوره ويخشى أن يقحم نفسه في مصيبة ما دائما، كانت ملامحه تشبه ملامح والدته التي تركتهم منذ سنين، ابتسامة واسعة لا تفارقه، وعين تسلب إرادتك فتنظر لها كالمسحور، لحية مهذبة خفيفة، وشعر مكسو باللون الأسود، وكعادة معظم أهل "مصر" كانت البشرة قمحية.
مال على كف والده يقبله ناطقا باحترام:
صباح الخير يا بابا.
جلس على المقعد المجاور لزوجة والدته ناطقا بشقاوة:
صباح الفل يا "سهام".
ضربته ضربة خفيفة على كتفه ناطقة بتذمر:
يا بني عيب كده.
أشار للواقفين ناطقا باستنكار:
هو ايه اللي عيب؟
ثم استطرد مازحا:
بقى القمر ده يتقاله يا ماما ده اللي يشوفك يقول أصغر مني.
ضحكت وهي ترمقه بنظرات من كشف خدعة أحدهم:
اه يا بكاش.
تقدم الشاب الثاني بابتسامة واسعة حاول بها إخفاء همه المتراكم عليه، إنه " طاهر" أو كما يقال الكابتن "طاهر" ، مهنته هي الطيران فهو طيار مدني، لا يكون بالبيت معظم الأوقات بسبب ظروف عمله فقط عطلته يقضيها هنا مع عائلته وفخره، عينان بنية تشبه عيون والدته "سهام" وبشرة باللون الأسمر ، وجسد يحافظ على كونه رياضي ليناسب دائما المهنة... وخصلات سوداء طويلة بعض الشيء .
قبل كف كبيرهم مرددا بهدوء:
صباح الخير يا حاج.
علم "فريد" أن هناك شيء ما فهذه ليست عادة "طاهر" هذا الصمت التام الذي يحاوطه ربما يوحي بمعركة جديدة مع زوجته، أشار مراد للوحيد المتبقي يسأله بعينه عن سبب تغيره ولكن لم يجد إجابة
إذ اقترب "حسن" من كف والده ومال عليه هو الآخر يفعل كما فعل شقيقاه، إنه "حسن" أصغرهم سنا تخطى العشرين بعامين، يدرس في كلية الفنون الجميلة وربما هذا عامه الثاني في الرسوب، استهتاره شديد، ولهوه أشد، كان مزيج من شقيقيه في الملامح، ولكن مازال لم يملك رضا والده كالذي يملكانه.
جلس على مقعده جوار "فريد" الذي همس له:
طاهر ماله؟
بدا عليه الضيق وهو ينطق بسخرية على زوجة شقيقه:
متخانق مع الست.
_فين مراتك يا "طاهر"؟
قالتها والدته تسأل عن زوجة ابنها وكانت متيقنة من اجابته حيث قال:
نايمة.
تحدثت والدته مجددا وقد اكتسب صوتها الحدة:
غريبة مع أني سمعت صوتها وأنا نازلة، كانت بتقولك ايه بقى؟
تابعت ونظراتها تهاجم ابنها:
بتقولك تاخد شقة بعيد، وتسيب ابنك هنا نربيه احنا صح! .
ضرب نصران على الطاولة ناطقا بحزم:
بس يا " سهام" .
رمق نصران "طاهر" وسأله:
تحب نتكلم هنا يا "طاهر" ولا جوا.
ترك مقعده فعلم "نصران" الإجابة فقاده إلى الداخل طالبا من "تيسير" إحضار إفطارهما إلى داخل الغرفة.
أما "فريد" و "حسن" فتبادلا عن النظرات حول ما حدث، كل من هنا يعلم مأزق طاهر، ذلك الشاب الذي تزوج من سنين من فتاة مرحة تتفنن في إسعاده ولكن سعادته لم تستمر طويلا إذ توفت وهي تنجب ابنهم الأول، وتركته يعاني آلام الفراق، ولكن خففتها بذلك الصغير الذي امتلك قلبه، تلاحقت الأعوام حتى تعرف على إحداهن في رحلة ما كان يقودها، لم يكن حب في البداية بل رأى أنها مناسبة له شابة توفى زوجها ومعها طفلتها الصغيرة التي في نفس عمر ابنه تقريبا، لذلك زواجهم لن يسبب أي مأزق لأي أحد، هي سعت كثيرا في التقرب من "طاهر" رجل أحلامها بجاذبيته ومهنته ومكانته الاجتماعية، حتى تحقق مرادها وتزوجها هو لتكون أما تعوض وليده عن فقد أمه ويكون هو أبا لا بنتها ولكن وعلى العكس المتوقع ظهرت الصعاب بعد مرور سنة واحدة فقط، بعد أن أعطاها قلبه الذي لم يعطه لها في البداية.
_هي مدام "فريدة" مش عارفة إن طاهر اتجوزها علشان يزيد بس.
قالها "حسن" وقد أحزنه افتعالها المتكرر للمشكلات من أجل طفل صغير لا يضرها في شيء.
نطق "فريد" بعد أن مط شفتيه بيأس:
طاهر بيحبها.
وصل "حسن" لذروة ضيقه وهو يقول:
يولع الحب يا أخي.
تحدثت "سهام" هذه المرة وقد فهمت لعبة زوجة ابنها جيدا:
غبية، مفكرة إن ضمان جوازها من طاهر هو إنه يقدر يستغنى عن ابنه علشانها، استغلت الحب غلط.
كانت تقصد بهذا أفعال زوجة ابنها التي صارت تهمل الصغير بصورة متكررة، تهمله على حساب ابنتها المدللة، اختفت المعاملة الجيدة ليحل محلها الجفاء الذي لا يستوعبه صغير في السادسة من عمره، ولم تكتف بل تطلب المزيد بكل تبجح أن تنفصل عن البيت وأن يترك طاهر ابنه هنا.
_طاهر هيطلقها.
قالها فريد وهو يتناول من الطبق أمامه ولم يلحظ نظراتهم التي تسلطت عليه إلا حين رفع رأسه فضحك مؤكدا:
هتشوفوا.
تنهدت "سهام" بسأم ثم قالت وكأنها تذكرت شيء:
فين اختكم... رفيدة منزلتش ليه.
شقيقتهم رفيدة صغيرة هذا البيت في التاسعة عشر من عمرها، مدللة هذا البيت ذات الخصلات التي لُوِن بعضها صناعيا باللون الأزرق مما استفز والديها، حينما يقال اسمها هنا فأعلم أن المقصود هو الجميلة المدللة.
أجابها حسن أثناء تناول طعامه:
خبطت عليها قالت إنها عايزة تنام.
_عال والله... أنا ليا تصرف تاني معاكم من بكرا كله يبقى هنا وقت الفطار مفيش حاجة اسمها نايمة ولا تعبانة، واللي مش هينزل ملهوش فطار يبقى يتفضل يفطر في أي حتة برا.
قالتها "سهام" بعصبية وتركت مقعدها دون أن تكمل تناول طعامها فهمس "فريد" بقلق:
هو اليوم باين من أوله.
لاحظ "حسن" تلك القلادة المصنوعة من الجلد والتي يرتديها شقيقة وقد تدلى منها حرف "m" فنطق بمكر:
مين بقى حرف ال m ده مكانش العشم بتلعب من ورايا يا فريد.
لم يجبه بل هرول حينما سمع نداء والده وقال لشقيقه بغيظ:
خليك في حالك.
والآن حان الوقت لتعرف تفاصيل هذه العائلة
"نصران علي نصران" كبير هذه العائلة تزوج من حبيبته وابنة عمه وأنجب منها ابنه "فريد" وابن اخر
سنعرف عنه في القادم، توفى شقيقه تاركا أرملة شابة معها طفلها "طاهر" والذي كان في نفس عمر فريد ، وكالعادة صار الضغط من والدته حتى يتزوج زوجة شقيقه من أجل ألا يخرج الصغير خارج إطار العائلة المقدس، رفض في البداية ولكن مع مرارة ضغط والدته استسلم اخيرا وتزوج "سهام" لتصبح زوجة ثانية له، توفت زوجته الأولى بعد سنوات تاركة له طفلين ولم يكن هناك من يرعى سوى "سهام" فاعتبرها "فريد" أم له ونسى كونها مجرد زوجة أبيه وطاهر شقيقه وليس ابن عمه، وأنجبت "سهام" بعد ذلك ما ربط الأخوة "حسن" و "رفيدة".
وهكذا صارت الأسرة متكاملة ولكن ينقصها واحد.
***★***★***★***★***★***★***★***★
توقف سائق الأجرة أمام المكان المنشود فنزلن الفتيات تباعا تتقدمهم أمهم إلى داخل ذلك المنزل، منزل شقيق زوجها المتوفي ... " مهدي" و زوجته "كوثر" وابنته "علا" في نفس عمر "شهد"، وابنه " شاكر" الذي تخطى الثلاثين بعام ذلك الذي يشبه والدته في عدوانيتها ومكرها.
دخلن إلى المنزل فاستقبلتهم "علا" بفستانها الأزرق ويدها الموضوعة على خصرها ونظراتها المتهكمة وهي تقول:
كل ده في المقابر انتوا كنتوا بتدفنوه تاني ولا ايه!
تحدثت "ملك" معنفة:
ما تحترمي نفسك يا بت انتِ.
تحدثت "مريم" هذه المرة تقول بضيق:
ما هو العيب مش عليها العيب على اللي رباها على قلة الأدب... لدرجة انها متحترمش عمها الميت.
نطقت "هادية" بتجاهل:
ادخلوا أوضتكم ومحدش يرد عليها.
تحركن بعيون مليئة بالضجر، كانت الأخيرة "شهد" تسير ببطء حتى لمحت "كوثر" تجر ابنتها خلف أحد الجدران.... تركت اتباع والدتها وهرولت تقف خلف الحائط حتى تعلم ما يحدث، دقائق وارتسم على فمها ابتسامة ماكرة حين سمعت زوجة عمها تخبر ابنتها أن تستعد لأن بعد ساعة على الأقل سيصل _عريس_ لها.
****★****★****★****★****★****★****
في غرفة الفتيات، كانت ألوان الغرفة رقيقة ولكنها صغيرة على أربعة، وكأنها لا تمت بصلة لهذا البيت الواسع، كانت "مريم" تهرس الفول في طبق قائلة باستمتاع:
ريحته قمر يلا علشان تفطروا بقى.
أعدن إفطارهن ذلك الإفطار المعروف لدى الشعب المصري في يوم الجمعة، (الفول والطعمية)
ورائحة البخور تغطي الغرفة
جلسن لتناول الطعام فسألت "هادية" عن ابنتها:
هي شهد فين؟... كانت ماشية ورايا.
أجابتها "مريم" وهي تدس اللقمة في فمها:
تلاقيها بتجيب حاجة من برا وداخلة.
اقتحمت الغرفة وأسرعت تأخذ مكانها جوارهم طالبة الصبر:
استنوني متخلصوش.
جلست في منتصفهن وأعطتها والدتها الخبز فقالت وهي تأخذه منها:
عرفت ليكوا حتة خبر بمليون جنيه.
انتبهن لها فهزت رأسها تقول بعناد:
لا مش هقول.
وكزتها والدتها بغيظ ناطقة:
قولي بقى بلاش غلاسة.
تركت "ملك" مكانها واتجهت للخارج تحدثهم:
متخلوهاش تقول لحد ما اجيب الماية واجي.
ذهبت إلى المطبخ تخرج زجاجة ماء من البراد استدارت نحو الأكواب ورفعت يدها تتناول كوب منهم لتجد من يحكم قبصته على خصرها من الخلف فصاحت بهلع، وزاد هلعها حين عرفت أنه ابن عمها الذي اتى للتو من الخارج ورائحة فمه لا تطاق من الخمور، هو ليس في حالته الطبيعية.
حاولت ابعاده بكل ما امتلكت من قوة وهى تعنفه:
انت اتجننت يا "شاكر"
تابعت وهي تبعده صارخة:
يا شيخ بطل قرف بقى
أما هو فلم يتزحزح بل تزداد نظراته تبجح، لمحت شقيقتها تدخل فاستغاثت بها ببكاء، هرولت شهد وجذبت كوب زجاجي هشمته على رأسه فابتعد تلقائيا إثر الدم الذي سال، تجمع الجميع إثر الصوت العالي وتحدثت زوجة عمهم بغضب وهي تهرول ناحية ابنها ترى ما أصابه:
ايه اللي حصل.
ضمت "هادية" ابنتها في حين صاحت "شهد" كي يسمعها الجميع:
البجح ابنك شوفيه شارب في أنهي زريبة وداخل يتهجم على اختي.
اقترب "مهدي" من المطبخ فصرخت زوجته تتصنع الاستغاثة:
تعالى يا "مهدي" تعالى شوف بنت أخوك بتعمل ايه،
ابنك داخل يشرب ومش واخد باله راحت ضرباه على دماغه
كانت نظرات "شهد" مليئة بالاستنكار في حين تابعت زوجة عمها:
عايزين يموتوه، عايزين ياخدوا كل حاجة ولاد حسن، واحدة تقول انه اتهجم عليها، والتانية تبطحه.
_بناتي مش كدابين يا كوثر، ابنك شارب وريحته واصلة لكل اللي واقفين هنا... ربيه ولا تربي ايه بقى ده بقى 31 سنة.
قالتها "هادية" التي مازالت على وضعها تحتضن ابنتها
ثم استطردت:
عاجبك كده يا مهدي، هو ده اللي هيحمي بنات عمه ويضلل عليهم.
اتى اتصال لمهدي هب حين شاهده وهرع نحو الخارج فلحقت به زوجته ومعها ابنها بغضب، فاستغلت "علا" الفرصة وجذبت "شهد" من خصلاتها تنتقم لأخيها، ارتفع الصراخ واقتربت "مريم" تبعدها عن شقيقتها لكن لم تفلح بينما رفعت "شهد" كفها وجذبتها هي الاخرى حتى اسقطتها أرضا فنطقت علا بشر:
هتشوفي يا شهد، والله ما هسيبك.
قالت لها شهد وأمها تجذبها كي تخرج بهم من هنا:
قومي يا حبيبتي وريني.
كانت تعلم "شهد" أن "علا" ليست متفرغة للشجار وتتأهب للموعد بعد أقل من ساعة فقررت أن يكون انتقامها فيه فنطقت:
أنتِ وريني، وأنا هوريكي النجوم في عز الضهر يا "علا".
في، نفس التوقيت
كانت سيارة "طاهر" قد أوشكت على الوصول إلى المكان الذي طلب منه والده الذهاب إليه فسأل "فريد" الذي صاحبه إلى هناك:
هو احنا رايحين ليه؟
قال "طاهر" وتركيزه منصب على الطريق أمامه:
هنبلغ "مهدي" رسالة ونرجع.
تابع "طاهر" مباغتا "فريد" بسؤاله:
هو "عيسى" مش بيكلمك؟
تنهد "فريد" بحزن دفين، شقيقه الذي أقسم على الفراق فتمزق القلب شوقا:
مش علطول، كل شهر مره مثلا.
ربت "طاهر" على قدمه فابتسم له فريد بهدوء
بينما أكملا الطريق إلى وجهتهم المنشودة
***★***★***★***★***★***★***★***★
تحركت تيسير نحو الغرفة الخلفية للمنزل حاملة أكواب الشاي الساخنة لرب عملها "نصران" وضيفه المنتظر والذي قرر أن يستقبله في مضيفته الواقعة خلف المنزل
دقت على الباب حين وصلت وانتظرت الرد فلم تجد إجابة، مطت شفتيها باستغراب وأعادت الكرة ولكن لا إجابة!
اضطرت إلى فتح الباب فالقلق قد نهشها
فتح الباب تبعه صراخها العالي وهي تنطق اسم رب عملها بهلع!
في نفس التوقيت
وقفت "ملك" في شرفتها بنظرات باكية بسبب ما تعرضت له وقعت عينها فجأة على سيارة متوقفة في الخارج، حلت الابتسامة بدلا من الدموع... هو هنا حبيبها هنا لم تستطع إكمال خواطرها بسبب رسالة نصية ولحسن الحظ أنها منه:
وحشتيني... انا زوغت من طاهر لبس هو في عمك ، اخرجي بقى عايز أشوفك.
أجابت و الابتسامة لم تفارق وجهها:
مش هينفع يا "فريد" هنا.
جاوبها برسالة اخرى جعلتها تفكر:
هستناكي عند ابراهيم اللي بناكل عنده الدرة، هتيجي يا ملك.
نظرت أمامها بحيرة تفكر هل تذهب أم لا.
***★***★***★***★***★***★***★***★
كان مهدي يجلس مع ذلك القادم للتلميح لخطبة ابنته في غرفة المكتب، خرجت "شهد" لتوها من غرفتها لتنفذ ما نوته وهو إفساد هذه الجلسة بأي ثمن، سمعت صوت علا الكريه بالنسبة لها يأتي من غرفتها وهي تقول مهللة:
العريس جه يا ماما، أنا شوفته من الشباك.
بينما في نفس التوقيت دخل طاهر، بعد أن طلبت منه الخادمة أن ينتظر "مهدي" دقائق هنا في......
قطع تأمله لمدخل البيت صوت هذه الشابة التي نطقت:
انت العريس!
لم يجب إثر دهشته وسمعت هي صوت بوابة غرفة "علا" تُفتح مما يعني خروجها فأخذت تعبث بخصلاتها سريعا حتى ظهر عليها عدم الترتيب وفي ثوان كانت قد ألقت بنفسها عليه ، لم يستطع "طاهر" فهم أي شيء فقط أحكم قبضته على خصرها حتى لا تسقط
ولكن شهقة من علا والمنظر أمامها كالتالي ابنة عمها بخصلات مبعثرة فاقدة للوعي بين يدي من يتشبث بها بكل قوته...بين يدي الغريب أو من ظنته
عريسها المستقبلي.
شهد شاهدٌ على مصرعِ قلوب
قال أقسم بخالقي إنها من الألمِ تذوب
وتحدث والعين فائضة بالدموع
يا ليت قلبي للعالمين رسول
ينذر بشر آتى رأوه جنة وهو يرمقهم بوجه عبوس.
فتحطمت قلوبهم لأتجرع أنا كأس يا ليت.