رواية اوهام الحب الورديه كامله جميع الفصول بقلم بتول

 


 

رواية اوهام الحب الوردية الفصل الاول 1 بقلم بتول علي

أطلقت "إلهام" أغرودة عالية أعقبتها بمزيد من الأغاريد بعدما أخبرها ابنها "رامز" أنه سيعود إلى أرض الوطن في الأيام المقبلة وسوف يستقر ولن يسافر مرة أخرى.

أخذ رامز يضحك وهو يستمع إلى صوت أغاريد والدته عبر سماعة الهاتف قائلا من بين ضحكاته:

-"إيه كل الزغاريد دي بس يا ماما، أمال لو أنا قولتلك أني هتجوز هتعملي إيه؟!"

ابتسمت إلهام قائلة بسعادة لا يمكنها السيطرة عليها فهي قد انتظرت كثيرا عودة ابنها من الغُربة حتى تزوجه وتفرح به:

-"لما يجي إن شاء الله يوم فرحك أنا هعمل حاجات كتيرة أوي بس أنت ترجع بالسلامة وتكتب كتابك على نادين بنت خالتك وشوف بنفسك اللي أمك هتعمله عشان خاطرك يا نور عيني''.

تغضنت ملامح رامز بعدما جلبت والدته سيرة نادين ابنة خالته التي اضطر إلى خطبتها بسبب ضغط أفراد عائلته فهو لا يحبها ولكنه وافق على فكرة الزواج منها وفقا للمبدأ الذي يقول أن الفتاة التي يعرفها جيدا سوف تكون أفضل بالنسبة له من تلك التي لا يعرف أي شيء عنها وعن عائلتها.

هتف رامز بحنق فهو لا يزال حتى هذه اللحظة غير قادر على تقبل فكرة زواجه من نادين لأن صورتها كشقيقة صغرى له لا تزال راسخة في باله: 

-"ربنا يسهل يا ماما، هنبقى نشوف الموضوع ده إن شاء الله لما أرجع مصر، هستأذن منك دلوقتي لأني هروح أخلص شوية أمور لازم تتم قبل يوم سفري".

هتفت إلهام بتفهم وهي تبتسم ظنا منها أنه شعر بالخجل بعدما ذكرته باقتراب موعد زفافه:

-"تمام يا حبيبي، ربنا معاك ويوفقك".

أنهى رامز المكالمة وزفر بضيق وسرح بأفكاره متذكرا ما حدث في الإجازة الماضية التي قضاها قبل عامين وسط عائلته وتحديدا اليوم الذي تحدثت به والدته معه بشأن خطبته من نادين ابنة خالته.

-"رامز أنت دلوقتي بقى عندك سبعة وعشرين سنة وجه الوقت اللي لازم تفكر فيه في الجواز والاستقرار لأن مش معقول أنت ناوي تقضي حياتك كلها في الغُربة والشغل".

نطقت إلهام هذه العبارة بنبرة جادة فظهرت ابتسامة خفيفة على وجه رامز قائلا بلطف فهو يعلم أن والدته متشوقة لرؤية أولاد له يركضون ويلعبون حولها:

-''أول ما ألاقي البنت المناسبة واللي هشوف أنها تنفع تكون زوجة ليا هقولك على طول عشان نروح نطلب إيديها من والدها".

انتقلت إلهام من مكانها وجلست بجوار رامز هاتفة بهدوء عاقدة العزم على تنفيذ ما يدور في رأسها:

-"طيب إيه رأيك بقى أن العروسة المناسبة ليك موجودة وأهلها موافقين عليك ومش ناقص أي حاجة غير أنك تروح تتقدم ليها وتخطبها".

رفع رامز حاجبيه هاتفا بدهشة متسائلا عن هوية تلك العروس التي اختارتها والدته من أجله:

-"ويا ترى مين بقى سعيدة الحظ اللي عجبتك أوي كده وشايفة أنها أحسن خيار بالنسبة ليا؟"

أجابت إلهام تخبره بمن وقع عليها اختيارها وهي تبتسم ظنا منها أن هذا الاختيار سوف يروق لابنها:

-"نادين بنت خالتك، أظن أنت مش هتلاقي واحدة أحسن منها".

سكت رامز ولم تظهر على وجهه أي علامة من علامات القبول أو الترحيب بهذه الفكرة وهذا الأمر جعل إلهام تسأله بدهشة:

-"مالك يا رامز؟ اوعى تكون نادين مش عاجباك!"

هتف بتبرير وهو يحرك رأسه نافيا هذا الأمر محاولا إقناع والدته بالعدول عن هذه الفكرة فهو ليس من مشجعين فكرة زواج الأقارب تجنبا للمشاكل التي قد تنتج عنه:

-"هي نادين جميلة ومحترمة وأصلها كويس وأي واحد يشرفه أنها تبقى مراته بس المشكلة أني عمري ما فكرت قبل كده في حاجة زي دي أبدا، تقدري تقولي كده أني بعتبرها زي أختي".

على الرغم من تفهم إلهام لوجهة نظر ابنها إلا أنها أصرت على إقناعه بخطبة نادين لأنها تحبها كثيرا وترى أنها سوف تكون أفضل زوجة ابن تحصل عليها خاصة بعدما فسدت أخلاق بعض من الفتيات بسبب التأثر بوسائل التواصل الاجتماعي وبالأفكار الغير مستقيمة التي يتم الترويج لها ليلا ونهارا عبر وسائل الإعلام المختلفة وخاصة عن طريق بعض هؤلاء الشباب الذين يُطلق عليهم لقب بلوجر.

تنهدت إلهام وتحدثت بهدوء وجدية قاصدة بهما القضاء على حالة التردد التي يشعر بها ابنها تجاه فكرة ارتباطه بابنة خالته:

-"بص يا رامز وحاول تفهم اللي هقوله ليك، نادين هي أفضل واحدة حواليك وهي زي ما قولت جميلة ومحترمة وكمان أنتِ عارفها وهي تعرفك وفيه بينكم تفاهم كبير وإذا كنت مش شايفها زوجة ليك فالحب والمشاعر ده شيء هيجي لوحده أثناء فترة الخطوبة".

اقتنع رامز حينها بوجهة نظر والدته وذهب برفقتها إلى منزل خالته وطلب الزواج من نادين وبعد أسبوع تم عقد الخطبة وسط جو هادئ مقتصر على حضور المقربين فقط من أفراد العائلتين.

ندم رامز كثيرا على موافقته لرأي والدته في هذا الوقت فقد مر عامان على خطبته بنادين واقترب موعد زفافه بها وهو لم يحبها مثلما كانت تعتقد إلهام.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

أخذت "سمية" تقفز من شدة الفرح بعدما شاهدت نتيجتها فقد نالت التقدير الذي اجتهدت طوال فترة دراستها الجامعية حتى تحصل عليه.

أمسكت الهاتف واتصلت بصديقتها ثم هتفت بسعادة:

-"باركيلي يا نادين، أنا جيبت تقدير عام جيد جدا مع مرتبة الشرف".

ظهرت ابتسامة واسعة على ثغر نادين وفرحت من أجل صديقتها المقربة التي شاركتها رحلة الجد والكفاح على مدار أربع سنوات.

هتفت سمية بتساؤل بعدما جلست على طرف السرير:

-"قوليلي بسرعة، أنتِ عملتِ إيه يا نادين؟"

أجابتها نادين وهي تبتسم بفرحة تضاعفت بعدما علمت من خالتها أن رامزًا سوف يعود قريبا:

-"الحمد لله يا حبيبتي، أنا كمان تقديري العام جيد جدا مع مرتبة الشرف".

فرحت سمية كثيرا بهذا الخبر وأسرعت تهنئها بقولها:

-"ألف مبروك يا قلبي، عقبال ما أجي أباركلك في يوم فرحك".

احمرت وجنتا نادين فقد اقترب موعد زفافها من رامز الذي وقعت في حبه منذ طفولتها وكانت تصلي دائما وتدعو الله أن يقوم بخطبتها وبالفعل تحققت أمنيتها وصارت خطيبته وسوف تكون قريبا زوجته ووالدة أطفاله.

أنهت سمية الاتصال مع رفيقتها بعدما دلفت والدتها إلى الغرفة ونظرت لها بوجوم هاتفة بضيق:

-"سمعتك من شوية وأنتِ بتتكلمي مع صاحبتك وبتقوليلها أنك نجحتِ وجيبتي تقدير عالي".

تحدثت سمية باستغراب وهي تشاهد وجه والدتها المتجهم:

-''طيب وهي دي حاجة تزعل يا ماما؟!"

جلست والدتها أمامها مردفة بتنهيدة فهي لم يعد بإمكانها أن تحتمل حديث الناس عن سمية وقولهم أنها سوف تصل إلى سن العنوسة ولن تتزوج بسبب رفضها لجميع الخُطَاب الذين يتقدمون لها:

-"وهتعملي إيه بالشهادة يا بنت بطني وأنت أخرك هتقعدي في البيت، بصي على كل البنات اللي حواليكِ، هتلاقي فيهم اللي اتجوزت وفيه اللي اتخطبت وهتتجوز قريب زي نادين صاحبتك وأنتِ لحد دلوقتي قاعدة في أرابيزي".

لوحت سمية بيدها هاتفة بحنق فقد أصابها السأم من كثرة سماعها لتلك الأسطوانة المشروخة التي تلقيها والدتها على مسامعها باستمرار:

-"أيوة يعني أنتِ عايزاني أعمل إيه، كل العرسان اللي بيتقدموا مش مناسبين، منهم اللي سنه كبير جدا عليا وفيه اللي مش متعلم أصلا وبيقعد على القهوة وبيشرب مخدرات وحشيش وبلاوي كتير ملهاش أول من أخر، وفيه اللي بيدخن وسمعته زي الزفت وسط الناس وأنا مستحيل أتجوز واحد بيشرب أي حاجة حتى لو كانت سيجارة، وفيه اللي بخيل وجلدة وطمعان في فلوسنا واللي اتقدملي عشان عايزني أشتغل وياخد مني مرتبي بعد ما نتجوز وكله كوم واللي طلع ابن أمه اللي ملهوش كلمة ولا شخصية ده يبقى كوم تاني وأنا مش هتنازل وأربط حياتي بواحد من الأشكال دي مهما حصل".

برمت والدتها شفتيها هاتفة باستنكار يدل على عدم اقتناعها بوجهة نظر ابنتها:

-"وهو أنتِ يهمك في إيه كل دول؟ المهم يا حبيبتي أن اللي يتجوزك يكون معاه فلوس كتير ويقدر يعيشك ملكة".

-"الفلوس عمرها ما كانت بتعمل بني آدم محترم ولا بتشتري راحة البال".

قالتها سمية في إصرار منها على موقفها فزفرت والدتها بنفاذ صبر صائحة:

-"أنا فعلا غلبت فيكِ يا بنتي ومش عارفة أعمل معاكِ إيه".

خرجت والدة سمية من الغرفة وهي تضرب كفيها داعية الله أن يأتي العريس المناسب في وقت قريب حتى تتزوج ابنتها مثل صديقتها.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

مر أسبوع وعاد رامز إلى مصر ورأى فرحة والدته وشقيقته الصغرى بعودته مرة أخرى بعد غياب عامين.

حضرت خالة رامز التي تدعى "منى" برفقة ابنتها نادين حتى تسلم على رامز وفي وسط الجلسة أخذت منى تتحدث عن الأجهزة الكهربائية التي أحضرتها في جهاز نادين.

شعر رامز بالسأم من هذه الجلسة وقرر أن يغادر مدعيا أنه سوف يلتقي بأحد أصدقائه.

ضحكت منى بعد مغادرة رامز وقالت:

-"ابنك ده بيتكسف خالص يا إلهام، تصوري أن من كتر كسوفه مكانش بيكلم نادين غير مرة في الأسبوع".

شعرت إلهام بالقلق من هذا الأمر فهي تعرف طباع ابنها حق المعرفة وتدرك جيدا أنه ليس خجولا مثلما تظن شقيقتها.

نظرت منى إلى ابنة شقيقتها قائلة بابتسامة:

-"عملتِ إيه في النتيجة يا أمنية؟"

ابتسمت أمنية وهي تجيب بسعادة فقد ظهرت نتيجتها أخيرا بعد طول انتظار وحققت هدفها:

-"النتيجة اتأخرت أوي على ما ظهرت وأنا كنت قلقانة جدا وخايفة بس الحمد لله يا خالتي، ربنا كرمني وجيبت تقدير كويس وإن شاء الله هجيب تقدير أعلى السنة الجاية".

وضعت نادين كأس العصير جانبا وهتفت بتشجيع وهي تربت على كف ابنة خالتها:

-"الدراسة هتبدأ خلال شهر وأنتِ لازم تشدي حيلك يا أمنية لأن دي أخر سنة وإن شاء الله هتجيبي امتياز السنة دي".

تمنت أمنية أن يتحقق هذا الأمر داعية المولى عز وجل أن يستجيب لدعوة ابنة خالتها التي تشجعها دائما وتنال تقدير امتياز في هذا العام.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

مر شهر وبدأ العام الدراسي الجديد وقد حرصت أمنية على المذاكرة منذ بداية العام حتى تحقق هدفها على عكس صديقتها ''داليا" التي لم تكن تهتم لهذا الأمر.

داليا فتاة رشيقة وفاتنة الجمال لدرجة أن جميع الشباب المحيطين بها سواء كانوا من أقاربها أو زملائها في الجامعة يسعون للاقتران بها ولكنها ترفضهم جميعا لأنها تسعى للحصول على عريس غني يحقق لها كل ما تتمناه.

لم تكن داليا مجتهدة في دراستها ولم تسعَ للتحسين من مستواها فهي كانت تكتفي بتقدير مقبول والذي كانت تناله بفضل التلخيصات التي تذاكرها في ليلة الامتحان والتي كانت تحصل عليها من أمنية وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعلها تسعى لمصادقتها.

علمت داليا من خلال حديثها مع أمنية أن شقيقها قد عاد من الخليج وقرر الاستقرار في مصر بعدما استطاع تحسين وضعه المادي بشكل ممتاز.

شعرت داليا بالسعادة بعدما سمعت هذا الكلام وقررت أن تبذل مجهودًا كبيرًا لتتعرف على هذا الشاب الذي من الممكن أن يكون مناسبا لتحقيق الأحلام التي تسعى لتحقيقها عن طريق العريس الذي تبحث عنه.

تبخرت أحلام داليا في لحظة خاطفة بعدما استرسلت أمنية في الحديث وقالت أن شقيقها سوف يتزوج قريبا من ابنة خالتها.

لم يكن هذا الأمر مانعا كافيا أمام داليا التي قررت أن تحاول معرفة المزيد من التفاصيل حول رامز عن طريق التفتيش عن اسمه في قائمة أصدقاء أمنية وتصفح صفحته الشخصية على الفيس بوك.

استطاعت داليا أن تعرف أسماء الصفحات التي يتابعها رامز ويتفاعل مع منشوراتها وظلت تنتظر الفرصة المناسبة حتى تتعرف عليه.

جاءت الفرصة التي ظلت تنتظرها داليا بعد يومين عندما علق رامز على أحد المنشورات فقامت داليا بالرد على تعليقه وأخذت تناقشه بطريقة أثارت اهتمامه وجعلته يسقط في فخها ويرسل لها طلب صداقة.

ابتسمت داليا بظفر عندما شاهدت الطلب وقبلته على الفور ثم أرسلت له رسالة وكتبت له بها:

-"واضح أن وجهة نظري مكانتش مقنعة بالنسبة ليك وعشان كده أنت قررت تتكلم معايا خاص".

ابتسم رامز وهو يكتب لها مبررا سبب طلبه لصداقتها:

-"بالعكس أنا اقتنعت جدا بكلامك يا آنسة داليا وبعتلك طلب الصداقة عشان أتابع منشورات حضرتك واللي واضح من خلالها أن عندنا ميول فكرية مشتركة''.

مر الوقت وتوطدت معرفة رامز بداليا من خلال تفاعله وتعليقه على جميع منشوراتها.

شعر رامز بالسعادة بعدما أخبرته داليا أنها تدرس بالفرقة الرابعة في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وعلم من خلال حديثها أنها تدرس في الجامعة نفسها التي تدرس بها شقيقته.

أخبرها رامز باسم شقيقته وازدادت فرحته بعدما علم أنها تكون صديقتها المقربة.

ذهب رامز برفقة أمنية بحجة إيصالها إلى الجامعة بسيارته الجديدة ولكنه في الحقيقة قام بإيصالها حتى يلتقي وجها لوجه بداليا وقد نجحت خطته بالفعل.

تعددت لقاءات رامز بداليا وصار يتحدث معها أكثر من ذي قبل بعدما حصل على رقم هاتفها.

في إحدى المرات صارح رامز داليا بحقيقة مشاعره وأخبرها أنه يحبها ويريد أن يتزوجها فتظاهرت داليا بعدم الموافقة وهي تهتف برفض كان يبدو قاطعا وغير قابل للنقاش:

-"تتجوزني إزاي يا رامز وأنت أصلا واحد خاطب وفرحك يبقى الشهر الجاي؟! أنت أكيد بتهزر معايا".

حرك رامز رأسه بنفي قائلا بنبرة جادة مؤكدا بها حديثه:

-"لا أنا مش بهزر يا داليا، أنا بحبك أوي وبالنسبة لموضوع جوازي ده فأنا هنهي كل حاجة وبعدين هاجي أتقدملك ونتجوز بعد ما تخلصي السنة اللي فاضلالك في الكلية".

تصنعت داليا رفض هذه الفكرة ولكنها بداخلها كانت سعيدة للغاية لأنها اقتربت من تحقيق هدفها.

صمم رامز على موقفه وذهب بالفعل إلى منزل خالته وطلب مقابلة نادين وأخبرها أنه يريد أن يتحدث معها في موضوع مهم.

-"اتفضل يا رامز، قول اللي أنت عايزه''.

قالتها نادين بابتسامة ظنا منها أنه سوف يعترف لها بحبه ولم تتوقع أنه قد أتى إلى منزلها حتى يخبرها أنه لا يريد الاستمرار في هذه الخطبة.

هتف رامز مباشرة وبدون أي مقدمات فقد سيطر عليه حبه الشديد لداليا وجعله كالأعمى لا يدرك مدى فداحة الأمر الذي يقوم به:

-"نادين أنا مش بحبك، صدقيني أنا حاولت بس مقدرتش ومش هينفع أننا نتجوز، إحنا لازم نسيب بعض وننهي الخطوبة اللي بيننا".

صعقت نادين عندما سمعت كلام رامز بينما ضربت منى صدرها صائحة باستنكار وقد سقط كأس العصير الذي أحضرته له من بين يديها:

-"إيه الكلام الفارغ اللي أنت بتقوله ده يا رامز؟! ده أنتم فرحكم فاضل عليه تقريبا أسبوعين والقاعة اتحجزت والدعوات اتوزعت على الناس، أنت عايز تفضحنا وتخلي اللي يسوى واللي ميسواش ياكلوا وشنا؟!"

هتف رامز مبررا سبب إقدامه على هذا الأمر المتهور:

-"أنا مش هينفع أتجوز نادين يا خالتي لأني مش بحبها ولو اتجوزتها هظلمها وعشان كده لازم نسيب بعض دلوقتي وده هيكون لمصلحة نادين قبل ما يكون في مصلحتي".

صاحت به نادين بتهكم والدموع تهطل من عينيها وكأنها شلالات لا يمكن التحكم بها:

-"بقى أنت مش عايز تظلمني، جاي تسيبني قبل الفرح بأسبوعين وبتقول أن ده في مصلحتي!!"

كاد رامز يتحدث ولكنها بسطت كفها الأيمن في وجهه صارخة بحرقة:

-"أنت لسة جاي تفتكر دلوقتي أنك مش بتحبني ولا شايفلك شوفة تانية وعشان كده قررت تسيبني من غير ما تهتم للكلام اللي هيتقال عني بسببك؟"

صمت رامز ولم يرد على سؤالها فارتفع صوت صراخها وهي تزجره:

-"أنت ساكت ليه، رد عليا وقولي تطلع مين دي اللي خليتك عايز تسيبني قبل فرحنا؟" 

تحدث رامز وصعقها بإجابته فقد كانت تتمنى أن ينفي فكرة حبه لفتاة أخرى:

-"أيوة فيه واحدة أنا اتعرفت عليها وبحبها أوي ومقدرش أعيش من غيرها وعشان كده إحنا لازم نسيب بعض".

أخذت منى تلطم خديها وهي تردد:

-"يا مصيبتي، ابن أختي اتجنن وجاي يلغي جوازته من بنت خالته قبل الفرح عشان واحدة غريبة ميعرفش حاجة عن أصلها وفصلها".

جلست منى تبكي بشدة ولم يتحمل رامز هذا الوضع وقرر أن يغادر ولكن أوقفته نادين بقولها:

-"استنى عندك يا رامز، أنت مش هتمشي من هنا غير لما تاخد حاجتك".

التفت لها رامز قائلا بحزن عندما رأى مظهر ملامحها التي تحولت للبؤس الشديد بعدما علمت بسبب زيارته:

-"أنا مش عايز أي حاجة يا نادين، خلي الشبكة وكل حاجة ليكِ واعتبري أنهم اعتذار مني على اللي حصل".

لم توافق نادين على حديثه وأصرت على موقفها وبالفعل لم تمر سوى دقيقة واحدة قبل أن تعطيه الشبكة التي قدمها لها ثم طردته من المنزل وهي تقول بازدراء:

-"متشكرة على ذوقك وكرمك يا ابن خالتي بس أنا مش عايزة أفتكرك أصلا ولو شوفت قدامي أي حاجة من طرفك هحس بالقرف''.

أخذت نادين تبكي بعدما غادر رامز، فاقتربت منها منى تمنعها من البكاء على شخص لا يستحق أن تذرف على رحيله دمعة واحدة:

-"متعمليش كده في نفسك يا قلبي، صدقيني هو ميستاهلش أنك تتقهري عشانه".

شددت نادين من احتضان والدتها قائلة بمرارة:

-"بس أنا حبيته أوي يا ماما وصعبان عليا نفسي واللي جرالي ووجع قلبي بعد ما فرحتي اتكسرت".

ارتفع صوت شهقات نادين فاحتضنتها والدتها وأخذت تربت على كتفها تواسيها بقولها:

-"أنتِ طول عمرك كويسة يا حبيبتي وإن شاء الله ربنا هيجبر بخاطرك وهيفرحك قريب وأكيد فيه حكمة من ربنا في كل اللي حصل دلوقتي وهي أنك أكيد مكنتيش هتبقي سعيدة مع رامز".

رواية اوهام الحب الوردية الفصل الثاني 2 بقلم بتول علي 

سقط الهاتف من بين يدي إلهام بعدما اتصلت بها منى وأخبرتها بالتصرف الذي قام به ابنها.

أمسكت إلهام بالهاتف هاتفة بجدية امتزجت بالذهول الذي شعرت به بعدما سمعت كلام شقيقتها:

-"اهدي يا مني وبلاش تخافي، أنا هتكلم مع رامز أول ما يرجع وإن شاء الله هخليه يجي يتأسف ليكِ ولنادين".

هتفت منى بحرقة قبل أن تقوم بإنهاء المكالمة:

-"حسبي الله ونعم الوكيل في ابنك يا إلهام، نادين منهارة لحد دلوقتي بسببه وعلى العموم هو خلاص مبقاش يلزمها بس عايزة أقولك حاجة ياريت تقوليها لرامز لما يرجع البيت وهي أن كما تدين تدان ولو بعد حين، وربنا هيسلط عليه اللي يجيب حق بنتي منه".

كادت إلهام تتحدث ولكن انقطع الخط فزفرت بضيق وأرادت أن تتصل بشقيقتها مرة أخرى ولكنها توقفت ووضعت الهاتف جانبا بعدما رأت ابنها الذي دلف من باب الشقة والذي تأكد من معرفتها لكل ما جرى بعدما رأى ملامح وجهها المحتقنة.

هبت إلهام واقفة صارخة في وجه رامز بعصبية نتجت عن تلك الكارثة التي اقترفها في حق ابنة خالته التي أحبته كثيرا وكان جزاء هذا الحب هو الخذلان بهذا الشكل البشع:

-"أنت اتجننت يا رامز ولا جرى لعقلك حاجة؟! إزاي قلبك طاوعك تسيب بنت خالتك قبل فرحكم بأسبوع؟!"

زفر رامز بسأم صائحا بنبرة حازمة فهو قد قرر ألا يخضع لضغوطات والدته مرة أخرى مهما حدث:

-"أنا مش بحبها كزوجة وشايف أننا مش هينفع نكون مع بعض فأرجوكِ يا ماما بلاش تضغطي عليا أكتر من كده لأن أصلا كل اللي إحنا فيه دلوقتي ده بسببك أنتِ".

أشارت إلهام نحو نفسها مرددة باستنكار فهي لم تكن تريد سوى سعادة ابنها الذي يقف أمامها الآن ويتهمها بأنها المسؤولة عن كل ما حدث:

-"أنت بتلومني يا رامز؟! بعد كل اللي عملته عشانك جاي ترمي مصيبتك فوق دماغي!! أنا كنت عايزاك تتجوز جوازة كويسة وتعيش مبسوط لأني حسيت بالخوف عليك من اللي بيحصل دلوقتي في الزمن المهبب اللي بقينا عايشين فيه".

هتف رامز بسخرية وهو يجلس أمامها يحيط رأسه بكفيه:

-"خايفة عليا من إيه يا ماما؟! هو أنتِ شايفاني عيل صغير قدامك مش بيعرف يعتمد على نفسه في أي حاجة؟!"

رفعت إلهام بصرها تنظر له وهي تقول بمرارة:

-"لا شايفاك قدامي شاب أهطل ساب البنت اللي بتحبه عشان خاطر واحدة مش محترمة مكانش عندها مشكلة أنها ترتبط بواحد خاطب وعلى وِش جواز".

تجاهلت إلهام نظرات رامز الحادة بعدما وصفته بالبلاهة وتابعت حديثها في محاولة منها لإرجاعه من الطريق المظلم الذي بدأ يسير فيه:

-"أنا كنت خايفة عليك يحصل معاك نفس اللي بيحصل دلوقتي مع الشباب اللي حظهم الوحش بيخليهم يقعوا فريسة لبنات مش محترمات بيدمروا حياتهم وبيخربوا بيوتهم وبيخلوهم يبوسوا الأيادي عشان يشوفوا أولادهم ساعتين في الأسبوع".

صاح رامز مستنكرا تلك الأفكار التي تدور في عقل والدته:

-"أرجوكِ يا ماما حاولي تفهمي أن داليا بنت كويسة جدا بس أنتِ اللي واخدة عنها فكرة غلط وهي على فكرة كانت رافضة ترتبط بيا بسبب موضوع نادين اللي أنا سيبتها عشان عارف أني مش هقدر أسعدها لأن قلبي مع واحدة غيرها".

ربت رامز على كتف والدته محاولا إقناعها بقوله:

-"داليا بتحبني أوي يا ماما وعمرها ما هتفكر تخرب بيتي ومش هيحصل أي حاجة من الحاجات اللي أنتِ بتشوفيها كتير في قضايا الطلاق لأن داليا مش وحشة زي ما أنتِ شايفاها ومحتاجة منك فرصة عشان تتعرفي عليها''.

ضربت إلهام كفيها قائلة بأسى بسبب تعنت ابنها وتشبثه بوجهة نظره الخاطئة:

-"اعمل كل اللي أنت عايزه بس حط في دماغك أن أنا عارفة نادين كويس لأنها اتربت وكبرت قدامي وكنت واثقة أنها مستحيل تكون سبب في تعاستك بس أنت مقدرتش حبها ليك ومشيت ورا شوية أوهام على أساس أنها حب بس أحب أعرفك يا رامز أنك هتندم وهيجي عليك يوم تقول ياريتني سمعت كلام أمي". 

دلفت إلهام إلى غرفتها وهي تشعر بالضيق وتسطحت على السرير وأغمضت عينيها حزينة على حال ابنها فقلبها يخبرها أنه سوف يعاني من تبعات تلك الزيجة المشؤومة التي يخطط لها.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

اتصل رامز بداليا وأخبرها أنه قد أنهى كل شيء يربطه بنادين فابتسمت بسعادة لأن هدفها قد تحقق وهتفت بتساؤل وهي تقف أمام المرآة تمسك الهاتف باليد اليسرى وتضع مورد الخدود على وجنتيها بيدها اليمنى:

-"طيب وأنت هتيجي تتقدملي إمتى يا رامز؟''

أجاب رامز بجدية فهو ينوي بالفعل أن يتخذ خطوة جادة بشأن علاقتهما بعدما تهدأ الأوضاع عنده في المنزل:

-"قريب أوي يا حبيبتي بس مضطر أستنى شوية لحد ما الأوضاع تهدى عندي لأن في الأول وفي الأخر نادين تبقى بنت خالتي والجو مكهرب أوي عندي في البيت".

قررت داليا أن تضغط عليه قليلا حتى لا يفكر في المماطلة فهي تريد أن تتم خطبتها به في أسرع وقت ممكن.

تحدثت بخوف مصطنع حتى يقتنع بوجهة نظرها: 

-"لازم يا رامز تتقدملي بسرعة لأن ماما سمعتني امبارح وأنا بكلمك وعرفت بموضوعنا وكانت ناوية تعمل مشكلة كبيرة بس أنا قدرت أسيطر على الوضع وهي هديت بعد ما قولتلها أنك هتتقدملي بس حلفت عليا لو أنت مجيتش قريب أنها هتروح تقول لبابا على كل حاجة وهو هيطين عيشتي".

حرك رامز رأسه قائلا بتفهم:

-"متخافيش يا داليا، أنا هظبط الأمور عندي وهاجي بيتك الأسبوع الجاي عشان أخطبك".

أنهت داليا الاتصال وهي تشعر بالسرور لأنها تمكنت خلال فترة قصيرة من جعل رامز مثل الخاتم في إصبعها.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

شعرت أمنية بالذهول بعدما أخبرتها والدتها بما فعله رامز مع نادين وضربت كفيها ببعضهما ناظرة إلى هاتفها الذي كانت تراسل من خلاله أصدقائها حتى تدعوهم لحضور حفل الزفاف.

-"ابنك كده شكله اتجنن ومحتاج حد يفوقه لأن واضح أن عقله فوت ونسي أن الجواز مش لعبة وأنه مش من حقه يعمل كده في نادين".

صاحت بها أمنية بنبرة يملأها الغضب وهي تقف بنية التوجه إلى غرفة رامز حتى تقوم بتوبيخه ولكن أوقفتها إلهام بقولها:

-"أنا حاولت أتكلم معاه بس هو مصمم على رأيه ده غير أنه راح الأول عند خالتك وبلغها بقراره وهي اللي اتصلت بيا وعرفتني بالموضوع''.

كزت أمنية على أسنانها غاضبة من أخيها وحزينة على ابنة خالتها وسألت والدتها بصوت حاد:

-"ويا ترى هو قالك مين بنت ستين في سبعين اللي ساب نادين عشان خاطر سواد عيونها؟!"

أجابت إلهام بسخرية لاذعة وهي تنظر إلى وجه ابنتها مترقبة ردة فعلها بعدما تعرف الحقيقة:

-"الأستاذة اللي لفَّت على أخوكِ لحد ما خليته يسيب بنت خالته عشانها هي نفسها داليا صاحبتك الأنتيم في الكلية".

انفرج فم أمنية من شدة الدهشة وأخذت ترمش بعينيها عدة مرات تحاول أن تستوعب حقيقة أن صديقتها التي كانت تساعدها دائما ردت لها الإحسان بالإساءة وغدرت بها.

أمسكت أمنية بهاتفها ثم اندفعت نحو غرفتها واتصلت بداليا التي تجاهلت الاتصالات في البداية ولكنها أجابت بعدما اتصلت بها أمنية عدة مرات:

-"أيوة يا موني، إزيك يا حبيبتي عاملة إيه؟"

قالتها داليا بميوعة جعلت غضب أمنية يزداد ويصل إلى ذروته:

-"أنا عايزة أفهم أنت معجونة من إيه يا بني آدمة أنتِ؟ أنا ساعدتك كتير وفي الأخر بدل ما تردي المعروف تروحي تغدري ببنت خالتي وتسرقي منها فرحتها!!"

استكملت أمنية قائلة بحزن على الخراب الذي حل بالروابط العائلية التي كانت تجمعها بمنزل خالتها:

-"حرام عليكِ يا داليا، ليه عملتِ كده في عيلتي؟! أمي وخالتي علاقتهم باظت وأنا مبقيتش قادرة أبص في وِش نادين وكل ده من تحت رأسك أنتِ".

زفرت داليا بسأم قائلة ببراءة مزيفة محاولة إظهار نفسها بهيئة الضحية وأنه ليس لها دخل بكل ما جرى:

-"صدقيني يا أمنية أنا لما اتعرفت على رامز على الفيس بوك وحبيته مكنتش أعرف أنه يبقى نفسه أخوكِ اللي هيتجوز بنت خالتك ولما عرفت بالموضوع حاولت أبعد عنه وشرحتله أن مينفعش يفسخ خطوبته ببنت خالته عشاني بس هو فضل يطاردني وقالي أنه هيسيب نادين في الحالتين سواء أنا وافقت بيه أو فضلت مصممة على موقفي".

رفعت أمنية حاجبيها قائلة باستنكار:

-"لا يا شيخة!! تصدقي أنتِ فعلا طلعت مسكينة وأنا ظلمتك".

انتبهت داليا للنبرة الساخرة التي نطقت بها أمنية جملتها فتصنعت الأسف وهي تقول:

-"اللي خلاني أوافق على رامز هو أن أمي سمعتني في مرة وأنا بكلمه وبهدلتني أخر بهدلة ومكانش قدامي حل يخليها تهدى غير أني أقولها أنه هيتقدملي لأنها صعبة أوي وأبويا مش هيسكت لو عرف بالموضوع ولو أنتِ مش مصدقاني يا أمنية تقدري تروحي تسألي رامز وهو هيأكد ليكِ أني مش بكدب عليك في أي كلمة من اللي أنا قولتها''.

أنهت أمنية المكالمة وهي تشعر بالحيرة فإذا صدقت داليا في حديثها فهذا يعني أنه لا يوجد لها ذنب في كل ما جرى وأن الخطأ كله يقع على شقيقها الذي ذهب وأحب فتاة تعرف عليها من مواقع التواصل الاجتماعي ولم يحترم رابط الخطبة الذي يجمعه بنادين.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

علمت سمية بما حدث مع نادين فأخذت تسب ابن خالة صديقتها الذي فعل هذا الأمر بابنة خالته.

على الرغم من عدم معرفة سمية برامز فهي لم تره من قبل لأنها لم تحضر حفل خطبة نادين لأنه تزامن مع وجود حالة وفاة في عائلتها إلا أنها صارت تكرهه لأنه مزق قلب صديقتها.

ذهبت سمية إلى منزل نادين وأخذت تواسيها مؤكدة لها أن الله سوف يرزقها برجل أفضل بكثير من رامز الذي حطم قلبها بمنتهى القسوة والجبروت.

نظرت نادين إلى صديقتها قائلة بامتنان:

-"شكرا ليكِ يا سمية على وقفتك جنبي، أنا والله العظيم راضية بقضاء ربنا وواثقة أنه هيعوضني خير''.

انهمرت دموع نادين وتحشرج صوتها وهي تكمل حديثها تحت نظرات سمية المشفقة على حالها:

-"أنا اللي مزعلني هو فرحة أمي اللي اتكسرت واللي بقيت خايفة تخرج للشارع من ساعة ما الجيران عرفوا أن الفرح اتلغى، فيه ناس كتيرة أوي شمتت فينا وقالوا في حقي كلام وحش أوي عمري ما كنت أتخيل أني أسمعه طول حياتي''.

خرجت الكلمات من نادين، وعيناها تدمع وقلبها يتألم بعدما خذلها من أحبته وتركها من أجل فتاة أخرى لا تتفوق عليها سوى في شيء واحد وهو الجمال الخارجي.

روحها تحترق ولا يمكنها أن تصف شعورها أمام أحد فقد رأت نظرات الشماتة في أعين البعض بعدما تم فسخ خطبتها قبل الزفاف بأسبوعين وصار كثير من الناس يطعنون في سمعتها وكل ذلك بسبب ابن خالتها.

احتضنتها سمية وفكرت قليلا في فكرة تُخرج بها صديقتها من تلك الحالة المأساوية:

-"إيه رأيك يا نادين تيجي تشتغلي معايا في مكتب المحاماة اللي أنا بتدرب فيه وأهو منه تغيري جو وتكتسبي خبرة''.

حركت نادين رأسها قائلة برفض فهي أدرى الناس بنفسها وتدرك جيدا أنها ليست مستعدة للعمل في ظل تلك الظروف التي تمر بها:

-"شكرا ليكِ يا سمية بس أنا مش بفكر خالص دلوقتي في فكرة الشغل وحابة أني أقعد لوحدي مع نفسي الفترة دي".

حزنت سمية بسبب هذا الرفض ولكنها لم تضغط على صديقتها وقررت أن تتركها تتخطى الصدمة ثم ستقترح عليها فكرة العمل مرة أخرى.

غادرت سمية بعد مدة من الوقت وتركت نادين تفكر في كل ما جرى معها خلال الفترة الماضية.

وقفت نادين تتأمل ملامح وجهها في المرآة وأشارت إلى نفسها مستنكرة الحال الذي وصلت له بعدما تركها رامز.

لقد تخلى عنها خطيبها قبل موعد زفافهما بأسبوعين وتركها تتعرض لألسنة الناس السليطة التي لا ترحم أي فتاة يتم إلغاء زفافها فقد ترك لها خيارين لا ثالث لهما وهما: إما الانعزال في منزلها أو الانتحار.

هزت رأسها مستنكرة تلك الفكرة فهي لن تقوم بقتل نفسها من أجل شخص سحق القلب الذي عشقه وإذا كان قد حطم قلبها لأنه لا يريد حبها فسحقا له فهي لن تذرف دمعة واحدة من أجله بعد الآن.

كفكفت نادين دموعها وقامت بتمشيط خصلات شعرها ناظرة إلى نفسها بفخر واعتزاز مؤكدة لروحها أنها سوف تنسى كل ما حدث ولن تنهار مرة أخرى. 

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

مر أسبوعان وذهب رامز بمفرده إلى منزل داليا حتى يقوم بخطبتها وعلى عكس المتوقع رحب به والد داليا ولم يسأله عن أفراد عائلته الذين لم يأتِ منهم أحد معه.

لقد رفضت والدته الذهاب برفقته وتشاجرت معه؛ لأنه لم يراعِ مشاعر ابنة خالته التي تركها وأصر على التقدم لداليا في ظل هذا الظرف العصيب الذي يمر به الجميع من تحت رأسه.

قرأ رامز الفاتحة برفقة عائلة داليا بعدما اتفقوا على التفاصيل وقرروا أن تتم الخطبة بعد أسبوع وقد اشترطت داليا على رامز أن يقيم لها احتفالًا كبيرًا يليق بها ويشرفها وسط أصدقائها.

استجاب رامز لطلب داليا وأقام لها احتفالًا ضخمًا في قاعة فاخرة جعل المقربين من داليا يحسدونها؛ لأنها حصلت على عريس مثل رامز.

أخذ رامز ينظر حوله بخيبة أمل فقد خذلته والدته ولم تحضر أيضا حفل الخطبة وكذلك أمنية رفضت الحضور معلنة بكل صراحة عن موقفها الرافض لتلك الزيجة.

أخذت داليا ترقص أمام الجميع وسط أبناء خالتها الذكور وأصاب هذا الأمر رامزًا بالضيق فاندفع نحوها محاولا منعها من مواصلة الرقص ولكنها صدت تلك المحاولات وهي تهمس بحنق:

-"متبقاش خنيق بقى يا رامز، دول يبقوا أولاد خالتي وبعتبرهم زي أخواتي وهم كمان بيعتبروني أختهم الصغيرة''.

-"تعالى يا أبو نسب الشباب عايزين يحتفلوا بيك".

قالها "محسن" شقيق داليا الذي تدخل مانعا المشاجرة التي كانت على وشك الاندلاع وسحبه معه وسط الشباب الذين التفوا حوله يباركون له مؤكدين له أنه محظوظ لأنه قام بخطبة داليا.

انتهت أحداث الخطبة وسط شعور رامز بالضيق؛ لأن داليا لم تستمع لكلمته واستمرت في الرقص وأيضا لأن والدته لم تحضر الحفل وهذا الأمر جعل والد خطيبته يتأكد من أن إلهام ليست راضية عن هذه الخطبة.

عادت داليا برفقة عائلتها إلى المنزل وقبل أن تدخل إلى غرفتها سمعت والدتها تهتف بتبرم:

-"أهل خطيبك محدش فيهم جه على القاعة ولا فكروا يزورونا وكان منظرنا زي الزفت قدام الناس لدرجة أني كدبت على قرايبي لما سألوني عن أهل رامز وقولت أنهم مسافرين".

دلفت داليا إلى الغرفة وهي تشعر ببعض الضيق ولكنها تجاوزت هذا الأمر بعدما وقع بصرها على خاتم الخطبة الذي يزين بنصرها غير مكترثة بمسألة عدم رضا إلهام وأمنية فالأهم عندها الآن هو رامز الذي سيبذل قصارى جهده حتى يقوم بإسعادها وتحقيق جميع أمنياتها.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

جلست أمنية بجانب إلهام تشاهد صور خطبة شقيقها فقد مر شهر على تلك الخطبة المشؤومة ولا تزال غير راضية على ما حدث.

أبعدت إلهام الصور عنها قائلة بضيق:

-"أخوكِ عمل اللي في دماغه وخطب من غير رضايا وأنا كمان هعمل اللي أنا عايزاه ومش هحضر فرحه طول ما هو مصمم على جوازته من البنت دي".

أومأت أمنية مساندة والدتها في موقفها ومؤكدة ذلك بقولها:

-''وأنا كمان مش هحضر فرح رامز لأن اللي عمله مع نادين شيء ميرضيش ربنا وأنا عمري ما أقبل أن ده يحصل معايا ونادين زي أختي بالظبط واللي مش هرضاه على نفسي مش هرضاه عليها حتى لو كان ده هيأثر على علاقتي بأخويا''.

هتفت إلهام بأسف شديد تنعي غباء ابنها الذي استبدل النفيس بالرخيص:

-"أنا زعلانة أوي على رامز لأني عارفة أنه هيندم وزعلانة أكتر على نادين اللي لحد دلوقتي حابسة نفسها جوة بيتها ورافضة تخرج ده غير منى أختي اللي علاقتي بيها اتوترت بسبب اللي حصل''.

هذا الشعور أيضا كانت أمنية تشعر به فهي تعرف داليا جيدا وتدرك أنها تحب المظاهر والرياء وهي بالتأكيد لا تحب رامزًا وإنما ارتبطت به من أجل أمواله.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

ابتسمت سمية وفرحت كثيرا عندما حضر ''مراد" وهو أحد العملاء الذين يتعاملون مع المحامي الذي تتدرب في مكتبه.

لقد تعرفت على مراد قبل فترة قصيرة ولكنها شعرت بانجذاب كبير نحوه ودون أن تشعر وجدت نفسها تسقط في شراكِ حبه دون إرادة منها.

صارت تبتسم كلما رأته ساخرة من نفسها لأنها كانت تؤكد لكل من يسألها في الماضي أن قلبها لن يدق أبدا من أجل رجل مهما كانت مميزاته.

تذكرت والدتها التي كانت تتشاجر معها قبل فترة قصيرة لأنها رفضت عريسًا تقدم لخطبتها وتمتمت بينها وبين نفسها بصوت خافت لم يسمعه سواها:

-"فينك يا ماما تيجي تشوفي بنتك اللي وقعت ومحدش سمى عليها، شكل ربنا استجاب دعواتك يا جميلة يا بنت بثينة وجِه ابن الحلال اللي هيخليني أغير وجهة نظري عن الجواز".

اقترب "مراد" من مكتب سمية وألقى عليها تحية الصباح فردت عليه تحيته وأخبرته أنها ستبلغ السيد "شوكت" بقدومه ونهضت وكادت تبتعد حتى تقوم بهذا الأمر ولكنه أوقفها بقوله:

-"استني يا سمية، أنا مش جاي هنا عشان أقابل أستاذ شوكت".

التفتت له هاتفة بتساؤل فقد أصابتها الحيرة من قدومه بدون موعد وعدم رغبته في لقاء رب عملها:

-"أمال أنت جاي عشان إيه يا أستاذ مراد؟!''

ابتسم وهو يقترب منها قائلا بجدية تاركا العنان للتعبير عن مشاعره نحوها:

-"أنا جاي عشان أشوفك أنتِ يا سمية، جاي أقولك أني بحبك وهكون أسعد واحد في الدنيا لو أنتِ وافقتي تتجوزيني".

رواية اوهام الحب الوردية الفصل الثالث 3 بقلم بتول علي 

تملكت السعادة من سمية بعدما سمعت اعتراف مراد بحبه لها ورغبته في الزواج بها فهي كانت تريد أن تتزوج من شخص يحبها؛ لأنها تكره كثيرا فكرة زواج الصالونات.

صحيح أنها تدرك جيدا أنه توجد علاقات حب فاشلة وأبسط مثال على هذا الأمر هو شقيقها محمد وزوجته "هانيا" فعلى الرغم من قصة الحب الأسطورية التي كانت تجمع بينهما قبل الزواج إلا أن هذا الحب بدأ يتلاشى تحت وطأة المشاكل والمشاجرات التي تحدث بينهما بسبب عناد هانيا لزوجها وعدم مراعاتها لظروفه.

على الرغم من شعور سمية بالفرحة الكبيرة إلا أنها تعمدت ألا تظهر لمراد هذا الأمر وهي ترد بخجل ناظرة إلى الأرض:

-"الكلام ده مش هينفع يتقال هنا يا أستاذ مراد، لو عايز تتقدملي يبقى تكلم محمد أخويا وتاخد منه ميعاد وتدخل البيت من بابه زي ما الأصول بتقول".

انسحبت سمية من أمام مراد وتركته يبتسم متمتما بصوت منخفض:

-"اتقلي عليا براحتك مفيش عندي أي مشكلة، أنا هجيب رقم حضرة الظابط أخوكِ وهتكلم معاه عشان أطلب إيدك منه".

خرج مراد من المكتب وهو يشعر بالراحة؛ لأنه تأكد من موافقة سمية على طلبه على الرغم من تعمدها عدم إظهار مشاعرها أمامه.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

خرج رامز برفقة خطيبته حتى يقوما بشراء بعض الأغراض الخاصة بشقتهما فقد اشترطت عليه أن يشتري أغراضًا جديدة ويقوم ببيع القديمة التي اشتراها في السابق مع نادين.

-"داليا أنتِ مش ملاحظة أن السعر مبالغ فيه شوية؟ يعني ممكن نجيب واحد تاني أرخص من كده''.

قالها رامز معلنا رفضه لفكرة شراء بعض الأشياء التي اقترحتها داليا عليه ولكن الأخيرة لم تستسلم أمام هذا الرفض واستخدمت ذكائها حتى تتمكن من إقناعه:

-"يا حبيبي دي الموضة والحاجة اللي هتشرفك قدام الناس، صحيح هي غالية شوية بس فكر معايا كده، يا ترى هيكون الأحسن لينا أننا نشتري حاجة رخيصة وموضتها تروح بعد سنتين أو تلاتة ولا نشتري حاجة راقية موضتها تفضل موجودة لسنين طويلة؟"

اقتنع رامز بوجهة نظرها مثلما صار يقتنع بحديثها كثيرا في الفترة الأخيرة وكأنه دمية منعدمة الشخصية.

ذهب رامز برفقة داليا إلى أحد المطاعم وتناولا الطعام ثم خرجا وسارا معا وأثناء سيرهما توقفت داليا أمام أحد محلات الملابس وطلبت من رامز أن يرافقها لأنها تريد أن تشتري سترة جديدة.

دلفت داليا إلى المحل وانتقت العديد من القطع التي أعجبتها تحت نظرات رامز الذي استغرب كثيرا لأنه اعتقد أنها سوف تشتري سترة فقط مثلما أخبرته قبل دخولهما.

وضعت داليا القطع التي انتقتها على الطاولة حتى يتم حساب ثمنها وكانت تكلفتها باهظة للغاية واصطنعت داليا الحزن لأن الأموال التي بحوزتها لا تكفي لتسديد ثمن الفاتورة.

همست داليا متصنعة الأسف وهي تذرف بضع قطرات من الدموع حتى يصدق رامز تمثيلها:

-"الظاهر كده أني هضطر أرجع شوية حاجات عشان الفلوس اللي معايا مش هتكفي".

منعها رامز من إعادة الأغراض هاتفا بحزم كادت ترقص فرحا بسببه لأن خطتها قد نجحت:

-"إوعي ترجعي حاجة يا داليا، أنا هحاسب على كل حاجة واعتبريهم هدية مني ليكِ".

امتثلت داليا لطلب رامز وأرسلت رسالة لوالدتها تخبرها بها أن رامزًا قد اشترى لها الكثير من الملابس مؤكدة لها أنها كانت محقة عندما قبلت به رغم معرفتها بمسألة أن والدته ليست راضية عن هذه الخطبة. 

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

صاح محمد بغضب بعدما شاهد فاتورة مشتريات زوجته من إحدى محلات الملابس الراقية التي لا يذهب إليها إلا الأثرياء:

-"ممكن أفهم إيه ده يا ست هانم؟!"

نظرت له هانيا قائلة ببرود أجج غضبه الذي وصل إلى ذروته:

-"فيه إيه يا محمد عمال تزعق ليه كده على الصبح؟! دي فاتورة عادية مش نتيجة تحليل بتقول أني باخد حبوب منع حمل".

لكم الحائط بجواره ثم أشار إلى الكلام المكتوب في الفاتورة صارخا بصوت جهوري أصابها بالخوف:

-"أنا عارف كويس أنها فاتورة يا أستاذة بس اللي معصبني هو الفستان اللي حضرتك اشترتيه بخمسة وعشرين ألف جنيه".

نظرت له هانيا قائلة بذهول شديد فهي لم تتوقع أن يغضب إلى هذا الحد ويصرخ في وجهها وكأنها ارتكبت جريمة خطيرة:

-"لا والله!! بقى هو ده اللي مضايق سيادتك أوي كده؟! يكون في علمك أنا استرخصت واشتريت الفستان ده بالذات لأن سعره قليل عشان حضرتك متتعصبش وبرضه أنت متعصب، أنا بصراحة غلبت معاك ومش عارفة أعمل إيه عشان تبطل زعيق".

ألقى محمد الفاتورة جانبا هاتفا باستهزاء لاذع فقد استفزته بحديثها عندما وضحت له أنها ترى سعر هذا الفستان رخيص للغاية:

-"استرخصتِ!! يعني سعر الفستان ده رخيص بالنسبة لسيادتك؟! أنا مش فاهم إيه اللي خلاكِ أصلا تشتري فستان جديد وأنتِ أصلا عندك كوم فساتين جوة في دولابك؟!"

التقطت هانيا الفاتورة وأجابت بهدوء وهي تتوجه نحو غرفتها غير مكترثة بثورة زوجها:

-"اشتريته عشان أحضر بيه عيد ميلاد شيري صاحبتي لأن مش هينفع أحضر الحفلة بفستان قديم ويكون منظري وحش قدام الشلة كلها".

تمتم محمد بسخرية بعدما ضرب كفيه ببعضهما:

-"أيوة طبعا مينفعش تروحي حفلة الأميرة شيري بفستان قديم، لازم تخربي بيتي وتطلعي عيني عشان مفيش واحدة في شلة التافهات أصحابك تقول عليكِ أنك بتلبسي هدوم موضتها قدمت".

استكمل كلامه رافعا رأسه للأعلى هامسا بدعاء:

-"الصبر من عندك يا رب؛ لأني فعلا تعبت من عمايل هانيا".

حمل محمد سترته وغادر المنزل وهو يشعر بالغيظ من تصرفات زوجته التي ستدفعه حتما إلى الجنون في يوم من الأيام.

أخرج محمد هاتفه من جيب سرواله بعدما سمع صوت رنينه وكاد يرفض المكالمة ظنا منه أن المتصل هي زوجته ولكنه تفاجأ بعدما وجد رقمًا غريبًا لم يتصل به من قبل.

أجاب محمد قائلا باقتضاب:

-"ألو، مين معايا؟"

سمع صوت المتصل وهو يقول:

-"معاك مراد يا أستاذ محمد، أنا قابلت حضرتك قبل كده في مكتب أستاذ شوكت".

أومأ محمد برأسه بعدما تذكر أنه قد التقى به من قبل هاتفا بترحيب:

-"أهلا وسهلا بيك، أقدر أساعدك في حاجة؟"

-"أنا كنت عايز أقابل حضرتك وأتكلم معاك في موضوع يخص الآنسة سمية".

أخبره مراد بغرضه من وراء هذه المقابلة موضحا أنه يريد أن يطلب يد شقيقته للزواج.

في المساء، التقى محمد بمراد وأعجب بطريقة تحدثه ومنحه موافقته على الزيجة ولكن أخبره أن الرأي الأخير بيد شقيقته فهي صاحبة الشأن وهو لا يمكنه أن يجبرها على أي شيء.

فرح مراد كثيرا لأنه قد ضمن سلفا موافقة سمية وهذا يعني أنه حصل على مبتغاه وسوف تُقام الخطبة في وقت قريب بعدما يذهب برفقة عائلته إلى منزل عائلة سمية ويتفق معهم على الأمور الأساسية.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

نشرت داليا صور الملابس التي اشتراها رامز من أجلها على الفيس بوك وانهالت عليها المشاهدات والتعليقات من صديقاتها ومن بينهن أمنية التي اشتعل صدرها من شدة الغيظ فقد أدركت من مظهر تلك القطع أنها باهظة الثمن.

ذهبت أمنية إلى غرفة والدتها ووضعت الهاتف أمامها حتى تريها الصور وهي تهتف بغضب:

-"اتفضلي يا ماما شوفي ابنك الموكوس الأهطل اللي راح اشترى للمحروسة هدوم كلفته فلوس كتير وهي قاعدة تتفشخر بالحاجات على الفيس بوك والأنستجرام".

نظرت إلهام إلى الصور بعدم اكتراث وقالت:

-"سيبك منهم يا أمنية وبلاش تحرقي دمك عشانهم".

صاحت أمنية مستنكرة برود والدتها وعدم اهتمامها بمسألة استغلال داليا لرامز:

-"إزاي يا ماما عايزاني أسكت وأنا شايفة الحرباية دي وهي بتستغل أخويا المغفل؟!"

ردت إلهام بهدوء وكأن الأمر يخص شخصًا غريبًا لا يمت لها بصلة:

-"أنتِ قولتيها بعضمة لسانك يا أمنية، أخوكِ أهطل ومغفل وسايب داليا تسوقه وتستغله وأنا اتكلمت معاه كتير في الموضوع ده وهو عامل نفسه مسيطر وأنه بيعمل كل ده عن طيب خاطر مش ضعف شخصية منه".

تأكدت أمنية من خلال حديث والدتها أن شقيقها سيندم أشد الندم في يوم من الأيام على تركه لنادين من أجل داليا المستغلة.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

أطلقت جميلة أغرودة عالية بعدما أخبرها محمد بأمر العريس الذي تحدث معه من أجل خطبة سمية وأكد لها أنه تحدث مع شقيقته وأخذ موافقتها.

هللت جميلة بفرح بعدما سجدت سجدة شكر للمولى عز وجل:

-"ألف حمد وشكر ليكِ يا رب، وأخيرا سمية وافقت على عريس وهتتجوز وهخلص من كلام الناس اللي قاعدين يقولوا بنتك عنست!!"

ضحك محمد بشدة بعدما رأى ردة فعل زوجة والده التي كانت قد فقدت الأمل في مسألة زواج سمية بسبب كثرة رفضها للخطاب الذين تقدموا لها.

اقترب منها محمد وحاول تهدئتها وهو يهتف من بين ضحكاته:

-"اهدي على نفسك شوية يا طنط جميلة وجهزي نفسك عشان الناس هيجوا عندنا بكرة بالليل".

سيطرت جميلة على انفعالاتها وذهبت إلى غرفة سمية حتى تنتقي لها فستانًا مناسبًا لتقابل به عائلة مراد التي ستحضر من أجل رؤيتها في الغد.

مر الوقت بسرعة وحضرت عائلة مراد من أجل رؤية سمية التي نالت إعجابهم وأثنوا على اختيار مراد لها.

تبادلت جميلة أطراف الحديث الودود مع والدة مراد التي تُدعى "ميرڤت" واتسمت الجلسة بالقبول والراحة وانتهت بقراءة الفاتحة.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

ذهبت أمنية إلى الجامعة وحضرت جميع المحاضرات وعندما انتهى وقت أخر محاضرة حملت حقيبتها وخرجت من المدرج.

توقفت أمنية عن السير بعدما رأت أمامها داليا التي تقدمت نحوها قائلة:

-"إزيك يا أمنية عاملة إيه؟"

لوت أمنية شفتيها وزفرت بضيق قائلة:

-"الحمد لله كويسة جدا، خير يا داليا هو أنتِ عايزة مني حاجة؟"

أجابت داليا بصراحة دون أن تستخدم أي محاولة من محاولات المماطلة:

-"كنت عايزة أخد منك المحاضرات لأن زي ما أنتِ عارفة امتحانات التيرم الأول قربت خالص ولازم أظبط أموري عشان أنجح".

اندفعت أمنية صارخة بغضب فقد فشلت فشلا ذريعا في تمالك أعصابها:

-"وأنتِ حضرتك كنتِ فين طول التيرم يا أستاذة داليا؟! ولا أنتِ مش بتفتكري نفسك غير في أخر السنة وبتفضلي تقضي السنة كلها لعب وفُسح مع أصحابك لأنك عاملة حسابك أن فيه واحدة هتديكِ مجهودها".

رحلت أمنية وتركت داليا تضم قبضتها من شدة الغيظ الذي شعرت به بسبب ردة الفعل التي وجدتها من شقيقة زوجها المستقبلي.

أمسكت داليا بهاتفها واتصلت برامز على الفور وأخبرته بكل ما جرى دون أن تتردد لحظة واحدة في مسألة عدم إخباره.

هتف رامز بضيق فهو لم يكن يتوقع أن تتصرف أمنية مع خطيبته بهذا الأسلوب الوقح:

-"خلاص يا داليا اهدي وأنا هتصرف معاها لما ترجع البيت وهخليها تبعتلك المحاضرات".

ابتسمت داليا قائلة برقة شديدة تتعمد استخدامها عندما تكون محتاجة إلى شيء له أهمية كبيرة من الشخص الذي تحاوره:

-"تسلملي يا حبيبي، ربنا ميحرمنيش منك".

مر بعض الوقت قبل وصول أمنية إلى المنزل وقبل أن تدخل إلى غرفتها أوقفها رامز بصوته الصارم:

-"ممكن أفهم إيه سبب التصرف اللي أنتِ عملتيه النهاردة مع داليا؟!"

التفتت له أمنية ترمقه بنظرات مستهزئة وهي تهتف بتهكم:

-"بسم الله ما شاء الله، هي حبيبة القلب لحقت تتصل بيك وتقولك على اللي حصل!!"

صرخ رامز في وجهها بنبرة أفزعتها وجعلتها تتراجع خطوتين للخلف:

-"احترمي نفسك يا أمنية واتمسي وخلي يومك يعدي، اتفضلي قولي أنت ليه رفضتِ تدي المحاضرات لداليا؟"

رفعت أمنية حاجبيها وهي تجيبه ببرود شديد:

-"لأن ميرضيش ربنا أنا أتعب طول السنة وأحضر المحاضرات وأذاكر وألخص والحلوة خطيبتك تيجي تاخد تعبي على الجاهز لأن حضرتها موجود على إيديها نقش الحنة ومش عارفة تحضر المحاضرات بسببه".

صاح رامز بنبرة حازمة رافضا منها الجدال والمعارضة بهذا الأسلوب الذي صارت تستخدمه في الحوار معه بعدما أعلن خطبته بداليا:

-"كلمي داليا وابعتي ليها المحاضرات لأن اللي عملتيه ده عيب وغلط في حق نفسك قبل ما يكون عقاب لداليا على إهمالها للدراسة".

زفرت أمنية بملل وعقدت ساعديها هاتفة بصرامة فهي لن تسمح لشقيقها أن يجبرها على فعل شيء لا تريده:

-"إذا كانت خطيبتك اللي مش قادر على زعلها عايزة المحاضرات خليها تفتح الواتس وتدخل تنزلها من جروب الدفعة".

دلفت أمنية إلى الغرفة تاركة خلفها رامز يزفر بغضب لأنه لم يتمكن من جعلها تتراجع عن قرارها.

ذهب رامز إلى غرفة والدته وأخبرها بما فعلته أمنية مع خطيبته فردت عليه والدته ببرود:

-"طيب وأنت عايزني أعمل إيه يعني؟! هو أنت متوقع مني أني هروح أضرب بنتي وأجبرها أنها تبعت المحاضرات لخطيبتك اللي مقضياها لعب وسرمحة طول التيرم وجاية دلوقتي تفتكر مستقبلها ودراستها؟!"

استشاط رامز غضبا بعدما أعلنت والدته عدم تدخلها في هذا الأمر فهو كان يريدها أن تضغط على أمنية وتجبرها على مساعدة خطيبته ولكنه فشل في هذا الأمر فشلا ذريعا.

انتظرت إلهام مغادرة رامز ثم ذهبت إلى غرفة ابنتها وأخذت تعاتبها على ما فعلته فبررت أمنية تصرفها بقولها:

-"أنا مش عايزة أتعامل مع داليا وبالنسبة للمحاضرات أنا أصلا نزلتها كلها إمبارح في جروب الدفعة وهي لو عايزة حاجة تقدر تدخل على الجروب وتنزل المحاضرات من غير ما تكلمني ولا أكلمها".

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

أقيم حفل بسيط للاحتفال بخطبة سمية ومراد وقد حضرت نادين الحفل بعدما أخبرتها صديقتها وتمنت لها السعادة من كل قلبها.

-"ألف مبروك يا قلبي ربنا يتمم بخير".

قالتها نادين فردت عليها جميلة وهي تبتسم:

-"الله يبارك فيكِ يا حبيبتي، عقبالك يا بنتي وإن شاء الله نحضر خطوبتك قريب".

التزمت نادين الصمت ولم ترد على حديث جميلة فهي لا تفكر في الزواج في الوقت الحالي لأنها لا تزال حتى هذه اللحظة غير قادرة على تخطي الألم الذي شعرت به بعدما تركها رامز قبل زفافهما بهذا الشكل المهين.

لقد اكتوت نادين بنيران الحب ولكنها لم تستسلم للحزن ونهضت حتى تشاهد بنفسها بداية دمار حياة من تخلى عنها من أجل امرأة أخرى ولكن هذا لا يعني أنها مستعدة في الوقت الحالي لخوض أي تجربة جديدة فهي لا تريد أن تظلم نفسها مرة أخرى ولا تريد أن تكون سببا في تعاسة حياة شخص ليس له أي ذنب في كل ما جرى معها.

حضر حفل الخطبة عدد كبير من الأشخاص المقربين من عائلة سمية ومن بينهم شاب يدعى "آدم" وهو يكون ابن عم سمية وشقيق محمد في الرضاعة والذي ظل طوال الحفل يتابع نادين بنظراته فهي تذكره بملامح أخرى قد عشقها واكتوى بنيران فراقها.

انتهى الحفل وغادرت نادين فاقترب آدم من سمية ومال على أذنها يسألها عن أحوال نادين فاستغربت سؤاله وهمست بدهشة:

-"دي تبقى نادين صاحبتي من أيام الكلية وعلاقتي بيها كويسة جدا لدرجة أني بعتبرها زي أختي بس أنا مش فاهمة أنت ليه بتسأل عليها؟!"

لم يقم آدم بالإجابة عن سؤالها وإنما سألها سؤالًا أخر جعلها تفهم سبب اهتمامه بصديقتها:

-"أنا عارفها والله وعايز أسألك إذا كانت مخطوبة أو متجوزة؟! أنا صحيح لاحظت أن مفيش دبلة في إيديها بس قولت أسألك وأتأكد أحسن من التخمين اللي ممكن يبقى غلط''.

رفعت سمية حاجبيها وابتسمت بسعادة بعدما خطر في رأسها فكرة أن تكون صديقتها زوجة لابن عمها وشقيق محمد من الرضاعة:

-"لا اطمن يا أخويا، نادين حاليا مش مخطوبة ولا متجوزة، يعني لو عايزني أكلم والدتها وأشوفلك معاها ميعاد فأنا تحت أمرك وأهو أبقى وفقت رأسين في الحلال".

حرك آدم رأسه وعبر عن إعجابه بالفكرة قائلا:

-"أيوة ياريت تعملي كده وأهو أكون استفدت منك في حاجة يا لمضة".

ابتعد عنها آدم بسرعة بعدما لاحظ الغيظ الذي ظهر على ملامحها بعدما أطلق عليها وصف "لمضة" فهي لا تحب أبدا أن ينعتها أحد بهذه الكلمة ولهذا السبب يتعمد كل من شقيقها وابن عمها في بعض الأحيان وصفها بهذه الكلمة عندما يريدان المزاح معها.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

مرت امتحانات الفصل الدراسي الأول على خير بالنسبة لأمنية التي نالت تقديرات عالية بسبب اجتهادها، أما بالنسبة لداليا فقد رسبت في إحدى المواد وأخذ رامز يواسيها ويخفف عنها بقوله:

-"بلاش تزعلي نفسك يا داليا، اتجدعني التيرم التاني وإن شاء الله ربنا هيوفقك وهتجيبي تقديرات عالية وبالنسبة للمادة دي ابقي امتحنيها في دور التصفية".

انقضت فترة خطبة رامز وداليا التي تجاوزت خمسة أشهر وأتى يوم زفافهما فقد أصرت عائلة داليا على إتمام الزيجة بسرعة على الرغم من عدم انتهاء العام الدراسي.

تحدث رامز مع والدته أثناء جلوسه في صالون الحلاقة وأخذ يتوسل لها أن تحضر حفل زفافه حتى لا يكون مظهره سيئا أمام عائلة داليا ولكنها تشبثت بموقفها وأبت أن تلبي طلبه.

شعرت إلهام أن قلبها يؤلمها من شدة القهر؛ لأنها لن تحضر زفاف ابنها ولكن لا يوجد لديها أي خيار أخر فهي إذا حضرت الزفاف والتقطت الصور بجوار رامز وزوجته فسوف تتدمر علاقتها بشقيقتها التي لا تزال حتى هذه اللحظة غاضبة من أجل ما حدث لابنتها.

هتفت إلهام بصرامة شديدة بعدما اشتد إلحاح رامز عليها:

-"أنت اتجوزت واحدة أنا مش موافقة عليها ومع ذلك أنت اتجاهلت رأيي وأنا مش هينفع أحضر فرحك لأني لو عملت كده علاقتي بمنى هتخرب أكتر ما هي خربانة".

أنهت إلهام المكالمة فزفر رامز بحنق بعدما قررت والدته أن تتخلى عن حلمها برؤيته واقفا بجوار عروسه في يوم زفافه حتى تحافظ على علاقتها بشقيقتها.

رواية اوهام الحب الوردية الفصل الرابع 4 بقلم بتول علي 

احتفلت داليا بحفل زفافها من رامز في قاعة راقية للغاية كلفت الأخير الكثير من الأموال ولكنها لم تكترث لهذا الأمر فكل ما كان يشغل تفكيرها هو مظهرها أمام أصدقائها وأقاربها.

تغضنت ملامح داليا بعدما رأت التهكم الظاهر في نظرات بعض أصدقائها بسبب عدم حضور أمنية وإلهام للزفاف ومباركتهما للعروس التي صارت فردًا من العائلة.

أعلنت إلهام عن عدم قبولها لداليا عروسًا لرامز بعدم حضورها لزفاف ابنها البِكر وقيامها بتهنئته عن طريق اتصال هاتفي مثلها مثل الغرباء.

تملك الغضب من داليا واستطاعت بصعوبة أن تتمكن من السيطرة على أعصابها حتى لا يفسد مظهرها أمام الناس ولكنها كانت تتوعد بداخلها لكل من إلهام وأمنية وأقسمت أنها سوف تجعلهما تندمان على رفضهما لها من أجل إرضاء نادين ووالدتها.

ابتسمت داليا بتصنع وتظاهرت بعدم الاكتراث لمسألة عدم حضور عائلة رامز لحفل الزفاف فالشيء المهم بالنسبة لها الآن هو أنها قد حصلت على هدفها وتزوجت بشاب ميسور الحال سوف تعيش معه حياة مليئة بالرفاهية والبزخ.

انتهى وقت الحفل وذهبت داليا برفقة رامز إلى شقتهما التي تبعد عن منزل والدته فقد أصرت داليا على عدم العيش في مكان قريب من عائلة زوجها متعللة بعدم حبهم لها وأنه سوف تحدث مشاكل كثيرة في حال حدث اختلاط بينهما في المعيشة.

أمسك رامز بكف داليا وطبع عليه قبلة حانية وهو يبتسم قائلا بفرحة بعدما لكز نفسه حتى يتأكد من أن كل ما يحدث معه حقيقة وليس حلما ورديا سيستيقظ منه بعد لحظات:

-"أنا مش قادر أوصفلك مقدار السعادة اللي أنا حاسس بيها دلوقتي يا حبيبتي بعد ما أنتِ خلاص بقيتِ مراتي".

ابتسمت داليا وهتفت برقة وهي تشعر بالانتصار؛ لأنها ربحت الرهان مع أصدقائها وحظيت بزوج أفضل بكثير من أزواج فتيات عائلتها:

-"وأنا كمان مبسوطة أوي يا روحي لأن حلمنا اتحقق واتجوزنا رغم كل المشاكل اللي واجهتنا الفترة اللي فاتت''.

تعمدت داليا بشكل غير مباشر أن تذكر رامزًا بالأمور التي قامت بها أمنية حتى تمنع هذه الزيجة ولكنها فشلت وحدث ما لم تكن تريده.

شعر رامز بالضيق بعدما تذكر الكلام الذي قالته شقيقته قبل يومين في محاولة منها لإيقاف هذا الزواج:

-"فوق يا رامز واعقل وبلاش تعاند وتكابر، أنت لسة معاك وقت وتقدر تلغي كل حاجة".

صرخ رامز في وجهها مستنكرا حديثها الذي لا يمت للمنطق بصلة:

-''أنتِ اتجننتِ يا أمنية؟! أنا خلاص هكتب كتابي على داليا بعد ساعتين وبعدين أنا مش فاهم أنتِ ليه بتكرهي خطيبتي أوي كده على الرغم من أنها كانت صاحبتك؟!"

خففت أمنية من حدة نبرتها حتى تتمكن من إقناعه لأنها لا تريده أن يتورط في زيجة تعلم جيدا أنها ستكون فاشلة وسوف يكون لها أثار مدمرة على حياته:

-"داليا يا رامز مش بنت جميلة وهادية وطيبة زي ما أنت مفكر، دي واحدة جشعة وطماعة وكل اللي يهمها هو الفلوس والسبب اللي خلاها تفضل معاك حتى بعد ما عرفت أنك خاطب نادين هو ظروفك المادية الكويسة جدا مقارنة بالشباب اللي في نفس سنك".

استرسلت أمنية في الحديث ووصل بها الأمر أن ترجوه حتى يتوقف ولا يقوم بتدمير حياته بيديه:

-"عشان خاطري يا رامز فكر في كلامي وبلاش تنشف دماغك لو سمحت؛ لأن محدش هيتأذي من العناد ده غيرك أنت وصدقني هيجي عليك يوم وتفتكر كل الكلام ده وتتأكد أن كان عندي حق في كل كلمة قولتها دلوقتي".

انتشل رامز من ذكرياته زوجته التي ربتت على كتفه قائلة بلطف:

-"مالك يا حبيبي، إيه اللي خلاك تسرح فجأة كده؟''

ابتسم رامز وهو يجيب فقد قرر أن يتجاهل حديث أمنية وألا يعيد التفكير في كلامها مرة أخرى:

-"مفيش حاجة يا داليا، بلاش تشغلي دماغك وتعالي ناكل أي حاجة من الأكل اللي موجود على السفرة لأني بصراحة جعان أوي''.

سار رامز برفقة زوجته وجلسا على الطاولة وشرعا في تناول الطعام الموضوع أمامهما.

كان رامز يشعر بالسعادة لأنه تزوج بداليا التي أحبها ووقف في وجه الجميع من أجلها ولم يكن يعلم أن تلك الفتاة سوف تقوم بتحويل حياته إلى جحيم وستجعله يعض أصابع الندم على رعونته وتسرعه في الزواج منها.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

جلست أمنية داخل غرفتها تشاهد مقطع فيديو من زفاف شقيقها بعدما تم نشره من بعض الأصدقاء المشتركين بينها وبين داليا على الفيس بوك.

تنهدت أمنية بضيق ووضعت الهاتف جانبا وأخذت تتذكر ما حدث بعدما بررت لها داليا مسألة ارتباطها برامز.

تعاطفت أمنية في البداية مع داليا وألقت اللوم كله على أخيها ولكن سرعان ما تحول رأيها بعدما اكتشفت مدى خبث داليا وأنها استغلت سذاجة رامز حتى توقع به في حبها.

اكتشفت أمنية الحقيقة عن طريق المصادفة وكان ذلك عندما خرجت من المدرج وذهبت إلى الكافيتيريا حتى تتحدث مع داليا بشأن كل ما جرى.

رأت أمنية داليا وهي جالسة على إحدى الطاولات برفقة صديقتها "سيرين" فتوجهت نحوهما ولكنها توقفت قبل أن تصل إليهما وتورات عن الأنظار خلف إحدى السيارات بعدما سمعت داليا وهي تقول:

-"أنا مستحيل أفكر أفرط في رامز مهما حصل حتى لو الموضوع ده هيأثر بالسلب على صداقتي بأمنية''.

ابتسمت سيرين وغمزت بعينيها قائلة بإعجاب:

-"واضح كده أن الصنارة غمزت وشكلك كده وقعتِ يا داليا ومحدش سمى عليكِ".

ضحكت داليا بشدة هاتفة باستنكار شديد فهي ليست من ضمن الفتيات اللواتي يتبعن أوهام القلب ولا تسمح لأحد باتهامها بهذا الأمر:

-"بطلي عبط يا سيرين وفكري بعقلك زي ما أنا بعمل، رامز كان مسافر برة ولسة راجع ومعاه فلوس كتير ده غير أنه بدأ يعمل مشروع جديد وفي خلال كام سنة هيبقى واحد غني جدا ولما أتجوزه هعيش مرتاحة ومش هتبهدل زي بنات خالاتي اللي دايقين المُر والفقر دلوقتي لأنهم اتجوزوا من رجالة إمكانياتهم المادية محدودة جدا".

رمشت سيرين بعينيها محاولة استيعاب الكلام الذي سمعته:

-"كلامك ده معناه أنك اتقربتِ من رامز عن قصد وأنك كنتِ عارفة أنه خاطب بنت خالته وهيتجوزها قريب؟!"

أومأت داليا وبررت تصرفها بردٍ بارد أثار حفيظة سيرين ولكنها قررت أن تصمت ولا تشغل رأسها بأمور لا تخصها:

-"الغاية تبرر الوسيلة يا سيرين، وبعدين رامز مكانش بيحب أصلا بنت خالته وأمه هي اللي اختارتها زائد أني أجمل منها بكتير وأستحق أني أتجوز واحد مستواه كويس يناسب جمالي أما اللي زي نادين مش هتبقى مناسبة لرامز اللي لازم يكون ليه زوجة حلوة تشرفه قدام الناس اللي هيتعامل معاهم في الشغل''.

تلك الكلمات جعلت أمنية تستشيط غضبا وتفعل كل ما في وسعها لإيقاف هذه الزيجة ولكنها لم تنجح بسبب عناد شقيقها وإيمانه التام بصحة اختياره.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

تعجبت منى من حال ابنتها الذي تغير في الآونة الأخيرة فهي لم تظهر أي ردة فعل بعدما شاهدت بعض الفيديوهات التي تخص زفاف رامز وكأنها لم تحبه من قبل.

شعرت منى بالقلق على نادين التي كانت تتصرف ببرود وخشيت أن يكون هذا الأمر بادرة لحالة اكتئاب قد تصيب ابنتها بسبب القهر الذي شعرت به بعدما تخلى عنها رامز وارتبط بفتاة مغرورة وحاقدة مثل داليا.

جلست منى بجوار نادين وقررت أن تخبرها بأمر العريس الذي تحدث معها وطلب يدها للزواج:

-"فيه موضوع مهم عايزة أتكلم معاكِ فيه".

نظرت لها نادين وأظهرت عدم المبالاة وهي تهتف بتساؤل:

-"اتفضلي يا ماما، موضوع إيه اللي عايزة تتكلمي معايا فيه؟"

ابتلعت منى ريقها وتحدثت من بين توترها فهي لا تعلم إذا كانت ابنتها قد تخطت ما حدث لها على يد رامز أم أنها لا تزال تحمل له بعض المشاعر في قلبها الجريح:

-"فيه عريس اتكلم معايا واتقدملك يا نادين ومستني نرد عليه وأنا شايفاه كويس جدا ومناسب ليكِ".

رفعت نادين حاجبيها قائلة ببرود أذهل والدتها التي لم تكن تتوقع أن تكون ابنتها على علم بهوية العريس:

-"وطبعا العريس ده يبقى الأستاذ آدم اللي قرر يتكلم معاكِ بعد ما أنا رفضته بالذوق بس هو مش متقبل فكرة أنه يترفض".

استغربت منى كثيرا بعدما رأت تلك الشراسة التي ارتسمت على وجه ابنتها ورفضها القاطع لفكرة الموافقة على الارتباط بآدم.

-"طيب وأنتِ ليه رافضة آدم يا نادين؟! أنا مش شايفة أي سبب منطقي يخليكِ تصممي على رفضه بالشكل ده".

زفرت نادين بحنق وتنهدت لتحدث والدتها بجدية كاشفة عن بعض من الأوجاع التي تؤلم روحها:

-"بصي يا ماما، الموضوع ملهوش أي دخل بآدم، كل الحكاية هي أني مش مستعدة دلوقتي من الناحية النفسية للارتباط؛ لأني مش عايزة اللي حصل معايا من رامز يتكرر تاني لو آدم اتعرف على واحدة أجمل مني قبل الفرح بفترة قصيرة".

استكملت نادين بنبرة حزينة وهي تحاول قدر المستطاع ألا تذرف الدموع الحبيسة داخل مقلتيها:

-"أنا مش هقدر أسمع كلام تاني من الناس فيه طعن في سمعتي وشرفي".

دلفت نادين إلى غرفتها تحت نظرات منى التي أخذت تُحَسبِن على رامز لأنه كسر قلب ابنتها وجعلها تخاف من فكرة الخطبة لأنها تخشى أن ينكسر قلبها للمرة الثانية.

جلست نادين على طرف الفراش وهي تبكي وتردد بداخل رأسها كلمات سمية التي اتصلت بها بعد يومين من انعقاد خطبتها على مراد وأخبرتها أن آدم ابن عمها قد رآها وأعجب بها ويريد أن يتقدم لها.

اعتذرت منها نادين وأخبرتها أنها ليست مستعدة للارتباط وعندما أبلغت سمية آدم بهذا الأمر لم يقتنع بتلك الأسباب التي رأى أنها تافهة وقرر أن يتحدث مع نادين بنفسه.

ساعدت سمية ابن عمها في اللقاء بنادين التي غضبت كثيرا من تصرف صديقتها ولكنها تمالكت أعصابها وأخبرت آدم أنها لا ترفضه لشخصه ولكنها لا تريد الارتباط هذه الفترة.

رفض نادين المتكرر جعل آدم يصر على خطبتها فهو لم يعتد أبدا أن يتم رفضه وبعد حديث دار بينه وبين سمية قرر أن يتحدث مع منى ويطلب منها التقدم لخطبة ابنتها.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

مر أربعة أشهر على زواج رامز بداليا وكان كل شيء يسير على ما يرام، فقد باشر رامز في مشروعه وفتح شركة استيراد وتصدير وتحسنت أموره المادية مثلما توقعت داليا التي صارت تتحصل منه على كثير من الهدايا وسط حقد وحسد من قريباتها اللواتي نقمن على أزواجهن بسبب عدم حصولهن منهم على الهدايا الثمينة مثلما يفعل رامز مع زوجته.

تخرجت داليا من الجامعة وازدادت فرحتها بعدما علمت أنها حامل وقد فرح رامز أيضا بهذا الأمر الذي دفعه لارتكاب تصرف طائش لم يحسب حسابًا لعواقبه وهو كتابة شقته باسم داليا التي أوهمته بشكل غير مباشر أنه في حال جرى معه أي شيء سوف تلقي بها إلهام هي وطفله في الشارع ولن تكترث لمصيرهما.

احتضنت داليا زوجها وأمطرته بوابل من عبارات الحب والشكر بعدما علمت أنه قد أمَّن لها حياتها وضمن لها ولطفله حياة كريمة في حال جرى معه أمر سيء حتى لا يتمكن أفراد عائلته من إلحاق الأذى بها.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

-"إيه الكلام اللي أنت بتقوله ده يا مراد؟! إحنا مش اتفقنا على كده، إيه اللي خلاك تغير كلامك دلوقتي؟!"

قالتها سمية بصدمة بعدما أخبرها مراد أنه لن يصحبها معه إلى المحافظة التي يعمل بها مثلما أخبرها في بداية خطبتهما فقد قرر الآن أن يتراجع عن وعده بعد عدة أيام من عقد قرانهما وها هو يخبرها أنه سيجعلها تعيش في الشقة التي اشتراها شقيقه فوق شقة والدته.

-"وفيها إيه يا سمية لما تقعدي مع أمي وأخويا هما هيموتوكِ يعني!! أنا مش فاهم أنتِ مضايقة كده ليه؟!"

نبرة مراد الباردة أثناء الحديث جعلت سمية تغضب بشدة وتتشاجر معه لدرجة أنها خلعت محبسها ووضعته أمامه قائلة بحدة:

-"اتفضل دبلتك، أنا مش عايزاك طالما أنت مش هتلتزم بالاتفاق اللي كان بيننا وياريت تبقى تبعتلي ورقة طلاقي''.

صحيح أن سمية تنتمي لعائلة على قدر جيد من الثراء ولكن هذا الأمر لم يمنعها من الموافقة على الزواج بمراد على الرغم من عدم وجود كفاءة بينه وبينها من الناحية المادية والسبب في ذلك هو عدم اكتراثها لأمر المال مثلما تهتم بأخلاق الشخص الذي ستقترن به وتعيش معه المتبقي من حياتها وإذا كان مراد من ضمن هؤلاء الرجال الذين يخلفون وعودهم فسوف تبتعد عنه وتدعس على قلبها ومشاعرها.

عادت سمية إلى المنزل وأخبرت والدتها بكل ما جرى فضربت جميلة صدرها وصاحت بحدة:

-"حرام عليكِ يا سمية، أنتِ عايزة تنقطيني، مش المفروض تسمعي الأول مبرر مراد قبل ما تديله دبلته وتقوليله مش عايزاك؟!"

هتفت سمية بحزن وهي تبكي بشدة فهي لم تكن تتصور أن يحدث هذا الشجار العنيف بينها وبين مراد:

-"أنا فعلا كان عندي استعداد أسمعه بس طريقته في الكلام استفزتني وكأنه بيقولي لو مش عاجبك اخبطي رأسك في الحيط''.


احتضنتها جميلة وظلت بجوارها إلى أن نامت ثم خرجت من الغرفة واتصلت بمحمد وأخبرته بكل ما جرى وطلبت منه أن يتواصل مع مراد ويفهم منه كل شيء.

مر يومان تجاهل فيهما مراد اتصالات محمد وقرر أن ينهي كل شيء يربطه بسمية ولكن تدخلت والدته وتواصلت مع جميلة وطلبت منها أن تلتقي بها حتى تتوصلا لحلٍ لتلك المشكلة التي حدثت بين سمية ومراد.

-"زي ما أنتِ شايفة يا جميلة، الدنيا بقيت غالية أوي والأحوال مزنقة خالص مع مراد الفترة دي وعشان كده هو اضطر يغير كلامه ويقول لسمية تقعد في شقة كريم بعد جوازهم وهو كان هيفهمها السبب ويقولها أن الوضع ده هيبقى مؤقت لحد ما ربنا يصلح الحال بس للأسف الشديد هي اتعصبت ورمت الدبلة في وشه وطلبت الطلاق وهو أخد الموضوع بحساسية واعتبرها إهانة في حقه".

أومأت جميلة بتفهم وهي تشعر بالغضب من اندفاع ابنتها وتسرعها في الحكم على الأمور دون أن تترك لمن أمامها فرصة لشرح وجهة نظره.

اتصلت ميرڤت بمراد وطلبت منه أن يحضر إلى المطعم وكذلك فعلت جميلة مع سمية فقد قررت أن تضع حدا لهذا الخلاف السخيف الذي جرى بين ابنتها وخطيبها.

وصل كل من مراد وسمية إلى المطعم وشعرا بالضيق بعدما اكتشفا حقيقة تعرضهما للخداع ولكنهما جلسا أمام بعضهما وتحدثا سويا بعد إلحاح من ميرڤت وجميلة.

نظرت له سمية قائلة بعتاب شديد فهي كانت تتوقع أن يتصل بها بعدما تعود إلى المنزل ولكنه تجاهلها ولم يفكر في التواصل معها على مدار اليومين الماضيين:

-''ردة فعلي كانت هتختلف لو أنت اتكلمت معايا بأسلوب كويس ووضحتلي الأمور كلها".

أشاح مراد ببصره وهو يرد بضيق لأنها ألقت المحبس في وجهه دون أن تسمع مبرره:

-"أنتِ نرفزتيني ومعرفتش أتكلم بسبب عصبيتك".

استمر الحديث لبعض الوقت وانتهى سوء التفاهم بين سمية ومراد وعادت المياه إلى مجاريها.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

على الرغم من مرور وقت طويل على رفض نادين لآدم ولكن إصرار الأخير على الارتباط بها لا يزال موجودا فهو لم يتوقف عن محاولات التحدث معها وإقناعها بالموافقة عليه.

استغربت نادين كثيرا من إصراره فهو لم يكن يعرفها قبل رؤيته لها في حفل خطبة سمية ولم تنشأ بينهما قصة حب حتى يُصر على الزواج بها بهذه الطريقة.

ظلت نادين شاردة في أفكارها وهي تسير في طريق العودة إلى منزلها بعدما أنهت عملها فهي قد وافقت على اقتراح سمية وذهبت للتدريب في مكتب أحد المحامين.

انتفضت نادين وشعرت بالفزع بعدما وجدت أمامها "حمودة" وهو بلطجي يقوم بترويع جميع السكان القاطنين في الحي.

حاولت نادين أن تسير بعيدة عنه ولكنه وقف أمامها يمنعها من التقدم وهو يصيح بصوته الكريه الذي يثير اشمئزازها:

-"على فين يا أبلة؟! هو أنتِ كنتِ سمعتِ الكلام اللي قولته عشان تمشي؟!"

حاولت نادين إخفاء خوفها منه وهي تقول بصرامة:

-"خير يا حمودة، عايز إيه؟! هو فيه أصلا كلام بيننا يستاهل توقفني كده في نص الشارع؟!"

حاولت نادين أن تتهرب منه فهي تخشى أفعاله الإجرامية بعدما خرج من السجن وصار يتعرض لها أكثر من مرة في الآونة الأخيرة بسبب رفضها له.

-"أنا طلبت إيدك وأنتِ مقولتليش هنعمل الخطوبة إمتى؟"

كزت نادين على أسنانها وهي ترد بنبرة هادئة محاولة قدر المستطاع ألا تغضبه حتى لا يقوم بإيذائها:

-"أنا مش موافقة عليك أصلا؛ لأني مش عايزة أتخطب دلوقتي".

صرخت نادين بعدما أخرج حمودة المدية ولوح بها أمام وجهها صائحا بحدة:

-''نعم يا أختي!! سمعيني كده أنتِ قولتي إيه؟! اسمعي يا بنت أنتِ، أنا خطوبتي عليكِ هتكون الخميس الجاي ولو رفضتِ هقطع وشك ده بالمطوة وابقي قابليني لو حد بص في خلقتك بعد ما أعمل فيكِ كده".

استطرد بنبرة هازئة وهو ينظر إلى ملامحها التي يظهر عليها الذعر:

-"وبعدين احمدي ربنا أصلا أني بصيت في وشك بعد ما ابن خالتك سابك لأنه أخد منك اللي هو عايزه من غير جواز وأنتِ مبقاش ليكِ لازمة بالنسبة ليه".

لم تتمالك نادين أعصابها بعدما سمعت كلمات حمودة الذي طعن في شرفها ولهذا السبب رفعت كفها وهبطت على وجنته بصفعة قوية أدارت وجهه للجهة الأخرى.

توحشت نظرات حمودة بعدما تلقى هذه الصفعة فأخذت نادين تتراجع للخلف بينما هو يتقدم نحوها وهو يشهر المدية في وجهها مؤكدا لها من خلال نظراته أنه سوف يقضي عليها في خلال لحظات لأنها تجرأت على إهانته أمام نساء منطقته اللواتي يتابعن ما يحدث من خلال نوافذ منازلهن.

رواية اوهام الحب الوردية الفصل الخامس 5 بقلم بتول علي 

شهقت نادين عندما أوشك حمودة على طعنها بالمدية ولكن ظهر أمامها آدم الذي أمسك بحمودة وانتشل منه المدية وأخذ يضربه بقوة تحت نظرات بعض النسوة اللواتي يشاهدن ما يحدث وهن يشعرن بالشماتة في حمودة الذي لطالما بث الرعب في نفوسهن.

حاولت نادين إبعاد آدم عن حمودة بعدما لاحظت أنه بالغ في ضربه له ومن الممكن أن يزهق روحه من شدة الضرب الذي يوجهه نحوه.

دفعت نادين آدم صارخة بحدة بسبب استمراره في تسديد اللكمات لحمودة على الرغم من أنها حاولت إيقافه:

-"بس بقى يا آدم كفاية عليه كده، أنت لو فضلت تضرب فيه بالطريقة دي ممكن تموته في إيدك وتودي نفسك في ستين داهية''.

نظر آدم نحوها بقسوة مستنكرا قيامها بتلك المحاولات لإنقاذ حمودة من بين يديه ثم قال بهدوء غريب:

-"اللي يشوفك وأنتِ بتبعديني عنه بالطريقة دي عمره ما هيصدق أنه كان رافع في وشك المطوة من دقيقتين وعايز يخلص عليكِ بيها!!''

التوت شفتا نادين وهي تقول بسخرية:

-"طيب وأنت أصلا إيه علاقتك بالموضوع، هو أنا كنت من بقيت أهلك؟!"

كانت نادين غاضبة من آدم على الرغم من تدخله وإنقاذه حياتها؛ لأنها رأت في أعين أهالي منطقتها نظرات التساؤل وبدأت الأسئلة تتهافت عليها عن هوية آدم وصلته بها.

سمعت نادين صوت إحدى السيدات وهي تتساءل بفضول:

-"هو مين الجدع ده يا نادين؟! واضح كده أنكم عارفين بعض كويس وإلا هو مكانش هيقف قدام حمودة ويعمل فيه كده عشان خاطرك".

لم تتمكن نادين من تبرير الموقف أمام كل تلك التساؤلات فكيف تفعل ذلك وتشرح لهم سبب إقدام شاب غريب عنها على إنقاذها بينما أبناء منطقتها اكتفوا بالمشاهدة ولم يفكر أحد منهم في تقديم المساعدة لها بسبب خوفهم من بطش حمودة.

فهم آدم من نظرات الناس سبب صراخ نادين في وجهه وتعنيفه فقد أدرك أن ألسنة جميع المحيطين بها لن تتركها وشأنها مثلما حدث من قبل بعدما تخلى عنها رامز قبل زفافهما.

نهض حمودة وحاول أن ينال من آدم ولكن تصدى له الأخير وهو يتوعد له أنه سيبيت ليلته في السجن.

صرخ حمودة باستنكار من بين تأوهاته:

-"أنت بتدخل ليه يا جدع أنت بيني وبين خطيبتي؟! هي اتكلمت معايا بأسلوب وحش وأنا كنت بربيها وبعلمها الأدب''.

لكمه آدم بقسوة وهو يصيح بخشونة:

-"هي مين دي اللي خطيبتك يا جربوع، هو أنت هتفرض نفسك عليها بالعافية؟!"

وجه له حمودة الحديث وهو يهتف بصوت جامد وكأنه لم ينل ضربا مبرحا قبل لحظات قليلة:

-"طيب وأنت تطلع مين أصلا عشان تقف قدامي وتدافع عنها وإزاي عرفت أني مش خطيبها وأنت أساسا غريب عن المنطقة وأول مرة نشوفك هنا؟!"

وجد آدم نفسه يرد بمنتهى التلقائية دون أن يحسب حساب لما يقوله:

-"أنا أبقى خطيبها اللي هيخليك تندم على الساعة اللي فكرت فيها تتعرض ليها وترفع المطوة في وشها''.

شهقت نادين بصدمة بعدما استمعت إلى تصريح آدم الذي أعلن أنها خطيبته على الرغم من رفضها له أكثر من مرة.

ازدادت صدمة نادين بعدما ظهرت والدتها التي علمت بتعرض حمودة لابنتها بعدما تلقت اتصالا هاتفيا من إحدى السيدات المشاهدات للموقف.

أكدت منى أمر خطبة آدم من نادين حتى تقضي على نظرات السخرية والاستهزاء التي ارتسمت على وجوه الناس:

-"آدم خطب نادين وأنا كنت هعزمكم بكرة على حفلة الخطوبة أخر الأسبوع''.

على الرغم من الدهشة التي شعر بها الناس إلا أنهم سارعوا إلى تهنئة نادين بالخطبة وتمنوا لها السعادة.

اتصل آدم بالشرطة التي حضرت وألقت القبض على حمودة الذي توعد بالانتقام من آدم والنيل منه.

تمالكت نادين أعصابها بصعوبة شديدة فقد وضعتها والدتها أمام الأمر الواقع وانتظرت حتى عادت برفقتها إلى المنزل ثم انفجرت في وجهها صارخة بعصبية شديدة:

-"إيه اللي أنتِ عملتيه ده يا ماما؟! أنتِ متخيلة حجم الورطة اللي أنا اتحطيت فيها بسببك أنتِ وآدم!!"

ردت منى بحزم متجاهلة غضب ابنتها مؤكدة لها أنه لا مجال للتراجع عن القرار الذي اتخذته أو كما يجب أن يقال الفرمان الذي أصدرته:

-"آدم كان لازم يقول أنك خطيبته وأنا كان واجب عليا أقول أن الكلام ده مظبوط عشان محدش من الناس يتكلم عليكِ بشكل مش كويس زي ما حصل معاكِ لما رامز فسخ الخطوبة''.

كان كيان نادين كله يصرخ بسبب الوضع الذي فُرض عليها ولم تهدأ حتى بعدما أعطتها والدتها المبرر الذي دفعها لتأكيد حديث آدم.

حاولت نادين أن تتحدث مع والدتها حتى تصل معها إلى حل لتخرج به من تلك الورطة دون أن تضطر للارتباط بآدم ولكن فشلت جميع محاولاتها بصراخ منى الحازم:

-"بطلي عناد بقى وفوقي وركزي على اللي بيحصل حواليكِ، الناس مش مبطلين كلام في سيرتك أنتِ ورامز بعد الموضوع اللي حصل بينكم ومفيش طريقة تخليهم يسكتوا غير لو اتخطبتِ لواحد مستواه وإمكانياته أفضل من رامز في جميع الجوانب".

تأففت نادين قائلة بحنق فهي ليست مذنبة حتى يعاقبها الجميع بتلك الطريقة القاسية بل ويسعون لتزويجها برجل لا تحبه حتى لا يتكلم عليها أحد:

-"بس يا ماما أنا مش ...."

قاطعتها منى بصوت صارم مؤكدة من خلاله عدم قبولها للجدال:

-"هو إيه اللي بس يا نادين؟! سبق واتكلمت معاكِ واتأكدت أن مفيش سبب منطقي يخليكِ ترفضي آدم وغير كده ارتباطك بيه هيكون الطريقة الوحيدة اللي هتردي بيها اعتبارك".

رفعت نادين حاجبيها هاتفة بتساؤل:

-"أنتِ تقصدي إيه يا ماما بالظبط من الكلام ده؟!"

جلست منى بجوار ابنتها وربتت على كتفها وهي تجيب برزانة:

-"قصدي أن جه الوقت المناسب عشان تغيظي كل الناس اللي شمتت واتريقت عليكِ بعد ما رامز سابك وقالوا أنك هتبوري واتسببوا في أنك تفضلي فترة طويلة قاعدة في البيت ورافضة أنك تخرجي منه".

اقتربت منى برأسها من وجه ابنتها وهي تهمس بجدية:

-"فكري كده في منظرك قدام الناس اللي عايروكِ قبل كده بعد ما تتخطبي لآدم اللي هو أصلا معيد في الجامعة وهيناقش الدكتوراه قريب ده غير مستواه المادي اللي أحسن من مستوى رامز مليون مرة''.

وبالفعل فكرت نادين في حديث والدتها وأخذت القرار الذي لم تتوقع أن تقدم عليه.

لقد حان الوقت حتى تنتقم من الجميع وترد اعتبارها أمام داليا التي استغلت جمالها حتى تخطف رامزًا منها.

ابتسمت نادين عندما تخيلت مظهر داليا التي سوف تصاب بصدمة شديدة بعدما تعلم بارتباطها من آدم فهي ستثبت لها أن تلك الفتاة التي نعتتها بالقبيحة قد تمكنت من الحصول على زوج أفضل بكثير من رامز.

فكرت نادين في كل ما جرى معها في الماضي فهي نفسها الفتاة التي أحبت بصدق وانتظرت يوم زفافها حتى تفرح مثل بقية الفتيات ولكن تدمرت جميع أحلامها في لحظة واحدة ويتوجب عليها الآن أن تتزوج رغما عنها برجل سبق ورفضته؛ لأن قلبها لم يعد بإمكانه أن يحتمل مزيدا من الألم والخذلان.

أومأت نادين هاتفة باقتناع بعدما سألتها والدتها عن رأيها:

-''أنتِ عندك حق يا ماما، جه الوقت اللي لازم أرد فيه اعتباري قدام الكل''.

اختفت مشاعر التردد التي كانت تشعر بها نادين فهي قد اتخذت قرارها بعدما حكَّمت عقلها وقامت بتنحية قلبها الذي خذلها من قبل عندما أحبت رامزًا وكان جزاء هذا الحب هو سحق قلبها بمنتهى القسوة.

▪▪▪▪▪▪▪
-"خلصتِ يا داليا ولا لسة؟"

نطقها رامز بتساؤل وهو يسير ذهابا وإيابا في صالة شقته منتظرا انتهاء زوجته من تجهيز نفسها حتى يذهبا سويا إلى الحفل الذي أعده رجل الأعمال الغني عن التعريف "عزام الصاوي".

سمع رامز صوت زوجته وهي تجيب:

-"استنى دقيقتين وهكون جاهزة''.

لقد فرح رامز كثيرا بعدما تمكن من التقرب من عزام الذي يطلق عليه جميع المستثمرين لقب "حوت السوق" والعمل معه يعد مكسبا كبيرا لأي شخص يسعى إلى الوصول بشركته لعنان السماء.

خرجت داليا من الغرفة وابتسمت برقة وهي تقول:

-"أنا خلاص جهزت يا حبيبي، يلا بينا نمشي عشان نلحق نروح الحفلة''.

تأبطت داليا ذراع زوجها الذي ابتسم وهو ينظر لها فهي مالكة الفؤاد، ومن سواها ستكون حبيبته التي سرقت قلبه وجعلته يقف في وجه الجميع حتى تكون له. 

خرجا سويا من الشقة ثم صعدا إلى السيارة وانطلق رامز بسرعة قاصدا فيلا عزام.

ابتسم عزام بعدما رأى داليا التي دلفت إلى الفيلا برفقة زوجها وأخذ يحسد رامزًا لأنه يمتلك زوجة حسناء مثل داليا على الرغم من مستواه المادي الذي لا يمكن مقارنته به.

ظهرت ابتسامة ماكرة على وجه داليا بعدما لمحت نظرات عزام الذي يكاد يأكلها بعينيه وازدادت ثقتها في نفسها لأنها تمكنت من الاستحواذ على اهتمام رجل مثل عزام من الصعب الإيقاع به على الرغم من حملها الذي حرصت على ألا يكون له أي تأثير سلبي على مظهرها.

صافح عزام رامزًا ورحب به بحفاوة جعلت الأخير يفرح بشدة فهو لم يكن يعلم بالأفكار الخبيثة التي تستحوذ على تفكير عزام.

تعمدت داليا تجاهل عزام الذي قرر أن يتحدث معها مستغلا وجود رامز أمامه ووقوفه بجوار زوجته.

ربت عزام على كتف رامز قائلا بإعجاب موجها حديثه لداليا:

-"رامز يبقى مثال للشاب المكافح وأنتِ بجد محظوظة يا داليا لأنك اتجوزتِ واحد زيه بيحاول بكل الطرق أنه يبني نفسه ويعمل ليه اسم وكيان في السوق''.

ابتسمت داليا ومطت شفتيها معبرة بذلك عن إعجابها بذكاء عزام الذي لم يستسلم لتجاهلها له وأرغمها على تبادل الحديث معه:

-"عندك حق يا عزام بيه، أنا محظوظة جدا برامز اللي صعب جدا ألاقي واحد زيه في الزمن ده''.

مضى الحفل على هذا المنوال بين محاولات عزام لاستمالة داليا وتبادل الحديث معها وتظاهرها بعدم فهم نواياه أمام عيني رامز الذي يقف كالأطرش في الزفة غير منتبها لما يدور حوله.

▪▪▪▪▪▪
عاد آدم إلى منزله وهو يشعر بالراحة لأن منى اتصلت به أثناء قيادته للسيارة وأكدت له موافقة نادين على الزواج به.

جلس آدم وأخذ يفكر في نادين التي تظنه لم يكن يعرفها من قبل وهو الذي وقع في عشقها من النظرة الأولى بعدما رآها في الجامعة التي تدرس بها وصار قلبه أسيرا لها ونبضاته تردد اسمها الذي يطرب أذنيه وكأنه معزوفة هادئة تجعل عقله يسرح في بحر الأحلام. 

هذه هي المرة الثانية التي يقع بها في الحب ولن يسمح أن يتم كسر قلبه مثلما حدث معه في المرة الأولى.

كان آدم على وشك التقدم لنادين ولكن سبقه رامز الذي لم يقدرها وبدلا من أن يحافظ على وجودها في حياته تركها من أجل فتاة تافهة مثل داليا.

انكسر قلب آدم بعدما علم بخطبتها وصار هائما على وجهه بعدما اقترب موعد زواجها برجل غيره ولكن شاءت الأقدار أن يتركها عريسها مكسورة الفؤاد والآن حان دوره حتى يجبر تلك الكسور.

سوف تكون له، شاءت أم أبت، فقلبه قد اختارها من بين بنات حواء ولن يسمح لها بالابتعاد عنه.

هكذا أقسم آدم فهو قد عشقها وانتهى الأمر ولن يتركها تكون لغيره بعدما جاءت له فرصة الاقتران بها على طبق من ذهب.

▪▪▪▪▪▪▪▪
مر أسبوع وتمت إقامة خطبة آدم بنادين التي حرصت على دعوة إلهام وأمنية كما أنها أرسلت دعوة إلى رامز وزوجته.

لبَّى رامز الدعوة وهو يشعر بالاستغراب الشديد؛ فهو لم يكن يتخيل أن تقوم نادين بدعوته لحضور حفل خطبتها على الرغم من الأذى النفسي الذي ألحقه بها.

نظرت داليا إلى جميع المتواجدين وهي تشعر بالحقد والغضب الشديد؛ لأن نادين ارتبطت برجل أفضل بكثير من رامز على الرغم من مظهرها الذي لا يمت للجمال بصلة.

كزت داليا على أسنانها وهي تشاهد الخاتم الباهظ الذي أحضره آدم من أجل نادين وشعرت برغبة كبيرة في انتزاع الخاتم من بين أصابعها.

تمتمت داليا بغيظ وهو تقبض بشدة على جانبي فستانها:

-''آدم ده إما أنه أعمى أو اتعمله سحر لأن مفيش سبب منطقي يخليه يبص لواحدة معفنة زي نادين ومش بس كده ده كمان مكلف نفسه وجايب عشان خاطرها خاتم تمنه مش أقل من تسعين ألف جنيه ده غير الحاجات التانية اللي جابها".

احتدت نبرة الغيظ في تمتمة داليا وهي تستطرد:

-''إزاي واحدة زي نادين يجيلها خاتم غالي كده وأنا اللي أحلى منها بمليون مرة مجاليش ربع الحاجات اللي جيتلها!!"

لكزت داليا زوجها في كتفه وهمست بحدة أثارت تعجبه:

-"يلا يا رامز خلينا نقوم نمشي من هنا".

استنكر رامز رغبتها في الرحيل وهي نفسها من كانت تلح عليه أن يذهبا إلى منزل خالته من أجل حضور الخطبة بعدما وصلته دعوة نادين:

-"جرى إيه يا داليا؟! أنتِ اللي يشوفك دلوقتي عايزة تمشي مش هيصدق أن أنتِ نفسك اللي أقنعتيني عشان نحضر الخطوبة ونبارك لنادين!"

أجل، لقد ألحت عليه حتى يوافق على حضور الخطبة؛ لأنها أرادت أن تقوم بإغاظة نادين عندما تذهب برفقة رامز وهي ترتدي فستانًا باهظ الثمن ولكنها لم تتوقع أن يكون آدم شخصًا ثريًا وسوف يحرص على أن تعيش نادين حياة مرفهة للغاية.

تظاهرت داليا بالإعياء وهي تقول بخفوت تخفي خلفه براكين من حمم الغيظ والحقد:

-"أنا عايزة أمشي؛ لأني حاسة أني تعبانة أوي يا رامز''.

صدق رامز كذبتها وغادر برفقتها منزل خالته بعدما سلَّم على والدته وشقيقته.

ابتسمت أمنية بتهكم ومالت على أذن والدتها هامسة بضيق:

-"شوفتي يا ماما، داليا وشها قلب إزاي أول ما شافت الشبكة والخاتم اللي آدم جابهم لنادين؟"

أومأت إلهام وردت بهدوء وهي تضرب كفيها ببعضها:

-"أيوة شوفتها يا حبيبتي ولسة هنشوف منها كتير لأنها واحدة حقودة وهتفضل تبص للي في إيد غيرها وعمرها ما هترضى بنصيبها''.

نظرت أمنية نحو نادين التي تجلس برفقة آدم ثم ابتسم وقالت:

-"سبحان الله، داليا اتقربت من رامز واتجوزته عشان فلوسه فربنا عوَّض نادين بواحد أغنى منه مليون مرة''.

على الرغم من ازدحام الحفل بالحضور إلا أن نادين كانت منتبهة جيدا لنظرات الغيط التي كانت تقطر من عيني داليا.

ابتسمت نادين بشدة؛ لأنها تمكنت من ردّ اعتبارها أمام جميع من قاموا بالسخرية منها عندما تركها رامز.

نظرت إلى والدتها التي أشارت لها مؤكدة انتباهها لمشاعر الحقد التي تملكت من داليا بعد رؤيتها للأشياء التي أحضرها آدم.

انقطع حبل النظرات المتبادلة بين نادين ووالدتها بعدما حضرت سمية واحتضنت نادين وهنأتها بقولها:

-"ألف مبروك يا حبيبة قلبي، ربنا يتمملكم على خير".

نظر لها آدم بابتسامة وهتف بوِد:

-"الله يبارك فيكِ يا بنت عمي، عقبال ما نحضر فرحك أنتِ ومراد".

ردت جميلة وهي تربت على كتف سمية:

-"خلاص هانت يا آدم، كلها أربع شهور وسمية هتتجوز وهتفرحنا بيها وإن شاء الله أنت ونادين تتجوزوا على طول وتفرحونا بيكم".

شعرت نادين بالارتباك عندما سمعت حديث والدة صديقتها وحضرت في ذهنها فكرة التراجع عن الزواج بآدم ولكنها نفضت هذه الأفكار بعدما وقع بصرها على نظرات الغيرة التي تراها بوضوح في أعين فتيات منطقتها اللواتي سخرن منها عندما تم إلغاء زفافها العام الماضي.

ظل رامز طوال فترة قيادته للسيارة في طريق العودة إلى منزله يفكر في سبب منطقي يجعل زوجته تغضب إلى هذه الدرجة فهي لم تتوقف عن التأفف بضيق.

اعتقد في البداية أن شقيقته أمنية لها يد في هذا الانزعاج المفاجئ ولكنه بعدما فكر مرة أخرى استبعد هذا الاحتمال ووجد أنه لا يمكن أن يكون لشقيقته أي دخل بهذا الأمر؛ لأنها لم تتحدث مع زوجته من الأساس واكتفت فقط بإلقاء التحية.

أوقف رامز السيارة أمام المنزل، فهمَّت داليا بالخروج ولكن قبض رامز على ذراعها قائلا بحدة:

-"ممكن أفهم أنتِ قالبة بوزك ليه؟! أنتِ قولتي أنك تعبانة وبناءً على كده أنا مشيت من الحفلة، عايزة إيه تاني بقى؟!"

ردت داليا بانزعاج بعدما أزاحت بحدة كفه القابضة على رسغها:

-"مفيش حاجة يا رامز، أنت شايف بنفسك أني حامل والحمل تاعبني ومأثر الفترة دي على نفسيتي وكل اللي محتاجاه منك دلوقتي هو أنك تسيبني أرتاح شوية وأنا هبقى كويسة".

خرجت داليا من السيارة ودلفت إلى البناية دون أن تنتظر زوجها الذي تحكم في أعصابه بصعوبة وضرب كفيه ببعضها فهو لم يقتنع بالمبرر الذي قالته زوجته.

نظر عزام إلى صور حفلته وابتسم بخبث بعدما وقعت عيناه على صورة داليا ورامز وهما يقفان برفقته.

أمسك عزام بالصورة ثم قام بتمزيقها من الناحية التي تفصل بين كل من رامز وداليا وتمتم بهدوء شديد مؤكدا من خلاله أنه يفكر في القيام بعاصفة قوية سوف تغير أوضاع الجميع رأسا على عقب:

-"أول ما تولدي هخلص من رامز وهخليكِ ليا لأن ست جميلة زيك خسارة أصلا في واحد أهطل زي جوزك يا حبيبتي''.

أمسك عزام بهاتفه ثم نقر فوق أحد الأرقام المسجلة ووضع الهاتف جانبا بعدما فتح مكبر الصوت ثم هتف بجمود:

-''إيه أخر أخبار الشحنة اللي رامز ناوي يستوردها من اليونان؟"

أجابه الرجل بجدية بعدما خرج من غرفة نومه حتى لا تنزعج زوجته النائمة:

-"لسة مفيش أي تطورات يا عزام بيه، أول ما الشحنة تخرج من أثينا هبلغك على طول".

أومأ عزام وأغلق الهاتف وهو يتوعد بأن تكون تلك الشحنة سببا في دمار حياة رامز.

رواية اوهام الحب الوردية الفصل السادس 6 بقلم بتول علي 

مر بضعة أشهر على خطبة نادين وآدم وجاء موعد إقامة زفاف سمية وخطيبها وقد اتفقا على إقامة الحفل في قاعة متواضعة تتناسب مع ظروف مراد المادية.

مال مراد على أذن سمية هامسا بابتسامة:

-"أنتِ جميلة أوي النهاردة، هو أنا قولتلك قبل كده أنك حلوة وأني بحبك أوي؟"

ابتسمت سمية وهي ترد بخفوت وقد احمرت وجنتاها خجلا من غزل مراد:

-"أيوة يا مراد، أنت كل مرة تتكلم معايا فيها بتقولي أنك بتحبني".

رفع مراد حاجبيه وشاكسها بقوله بعدما أمسك بكفيها:

-"طيب وأنتِ نظامك إيه يا حرمي المصون؟"

هربت سمية بنظراتها وسحبت كفيها برفق محتفظة بابتسامتها وهي تقول:

-"أنت عارف مشاعري كويس ومفيش داعي أقعد أعيد وأزيد في الموضوع''.

تنهد مراد وتمتم بتبرم فهو كان يريدها أن تخبره بمقدار حبها له خاصة بعدما صارت زوجته ولم يعد هناك حرج في أن تعترف له بمشاعرها ولكنها خالفت توقعاته ولم تستجب لطلبه:

-"يا ستار يا رب عليكِ، هتفضلي طول عمرك قِفل ومش هتخليني أسمع منك كلمة حلوة أبدا''.

كانت جميلة تتابع بنظراتها سمية التي تجلس بجوار عريسها ثم كفكفت دموع الفرح التي هطلت من عينيها داعية المولى عز وجل أن يرزق ابنتها بالسعادة في حياتها القادمة مع زوجها.

ارتفعت أصوات الأغاريد الصادرة من أفواه بعض النسوة فرحة منهن بزفاف سمية ومراد.

كانت نادين تقف بالقرب من سمية التي كانت تبدو كالبدر وكيف لا تكون كذلك وهي العروس التي انتظر الجميع مجيء يوم زفافها بفارغ الصبر!!

استقبل محمد التهاني من جميع أصدقائه وهو يقف في مقدمة القاعة برفقة ابن عمه وترك زوجته جالسة بالداخل برفقة زوجة والده.

كانت هانيا تتأفف بحنق وهي تتطلع إلى القاعة التي تراها من وجهة نظرها رديئة مقارنة بالقاعات التي يقام بها حفلات أصدقائها.

لاحظت جميلة تأفف هانيا ونظرات الاشمئزاز التي توزعها على الحضور فأشاحت بوجهها بعيدا عنها فهي لا تريد أن يربط بينهما أي حديث ولولا أن هانيا تكون زوجة محمد ابن زوجها الراحل وشقيق سمية لكانت قامت بطردها من زفاف ابنتها شر طردة.

حضر "وسام" شقيق هانيا وصافح محمد ثم توجه نحو الطاولة التي تجلس عليها شقيقته ومال على أذنها قائلا بضيق:

-"افردي بوزك شوية واعدلي خلقتك لأن اللي يشوفك وأنتِ قالبة بوزك كده يقول أنك مضروبة خمسين قلم على وشك عشان ترضي تحضري الفرح!!"

تمتمت هانيا بحنق شديد بسبب بساطة شقيقها الذي يتنازل دائما ويتعامل مع من هم أدنى منه بأريحية على الرغم من عمله في الشرطة وانتماءه لعائلة مرموقة:

-"أنت عمرك ما هتتغير أبدا يا وسام، بص شوف المنظر حواليك، القاعة دي ياي خالص ومقرفة أوي، أنا مش عارفة إزاي محمد وافق أن فرح أخته الوحيدة يتعمل في مكان بشع زي ده''.

ضرب وسام كفيه ثم ذهب وجلس في مكان بعيد عن شقيقته التي سوف تتسبب في جنونه في يوم من الأيام بسبب تصرفاتها المستفزة، فهي تتصرف وكأنها ملكة متوجة ويجب على كل شخص أن ينحني أمامها.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪
صرخت داليا بشدة ووضعت يديها على بطنها بعدما بدأت تشعر بألم شديد لا يمكن احتماله يغزو أحشائها بقوة تكاد تفتك بها.

استمر صراخ داليا واستنجدت برامز الذي خرج من الحمام على الفور وتوجه نحوها وهو يسألها بقلق بعدما وجدها ملقاة على الأرض:

-"مالك يا حبيبتي، فيكِ إيه؟"

قبضت داليا على رسغه بشدة وهي تتحدث بصعوبة تدل على قسوة الألم الذي تعاني منه:

-"الحقني يا رامز ووديني المستشفى بسرعة، أنا شكلي هولد دلوقتي''.

اتسعت عينا رامز الذي هتف بذهول وهو يساعدها على النهوض:

-"هتولدي دلوقتي إزاي بس يا داليا وإحنا لسة كنا موجودين أول إمبارح عند الدكتور وقال أن ميعاد الولادة هيكون بعد أسبوعين؟!"

أخذت داليا تضربه في كتفه وهي تردد بحدة من بين صرخاتها:

-"أنت لسة هتقعد تسأل وتقول إزاي ومش إزاي؟! بقولك الحقني أنا بموت".

ساعدها رامز على ارتداء رداء مناسب ثم أجلسها على كرسي متحرك كان قد قام بإحضاره في وقت سابق وأخذ يهدئها ويخبرها أنها سوف تكون بخير.

خرج رامز من الشقة وهو يجر أمامه الكرسي ثم حمل زوجته وأجلسها برفق داخل السيارة وانطلق بسرعة نحو المستشفى.

أثناء قيادة رامز للسيارة اتصل بالطبيب الذي كان يتابع معه حالة داليا وأخبره بالأمر ثم اتصل بحماته وشقيق زوجته وأخبرهم بعنوان المستشفى التي ستلد بها داليا.

وصل رامز إلى المستشفى وكان في استقباله الطبيب وثلاثة من الممرضين قاموا بأخذ داليا إلى جناح الولادة وطلبوا من رامز أن يجلس وينتظر خروجها من الغرفة.

حضر محسن برفقة والدته وسأل رامزًا عما يجرى فأخبره الأخير أنه لا يعلم أي شيء عما يحدث الآن مع زوجته التي تأخرت كثيرا بالداخل.

بمجرد إنهاء رامز لحديثه حضر أحد الممرضين وهو يحمل الصغير في يده ثم ناوله لرامز الذي ابتسم وهو يحمله وقال:

-"بسم الله ما شاء الله، وأخيرا شرفت ونورت يا سي إسلام".

تغضنت ملامح محسن بعدما سمع رامز يدعو ابنه باسم "إسلام" فقد كان يظن أن شقيقته سوف تسمي ابنها على اسمه.

مدت فوقية "والدة داليا" يديها وطلبت من زوج ابنتها أن يسمح لها بحمل الصغير وبالفعل استجاب رامز لطلب حماته ووضع ابنه بين يديها.

هللت فوقية فرحا وهي تتأمل ملامح حفيدها:

-"ما شاء الله، الولد نسخة بالظبط من خاله محسن واللي يشوفهم يقول أنهم فولة واتقسمت نصين".

قصدت فوقية من تلك الجملة أن تأمر زوج ابنتها بشكل غير مباشر أن يسمي حفيدها على اسم خاله وقد فطن رامز لهذا الأمر وأعلن بشكل غير مباشر أنه لن يغير اسم ابنه مهما حدث:

-"عندك حق يا طنط، إسلام فيه شبه كبير أوي من خاله محسن''.

تحدثت فوقية بغيظ مكتوم بعدما ناولت الصغير لرامز:

-"قولي يا رامز، هو أنت ليه مصمم أوي كده على اسم إسلام وأنت أصلا مفيش حد في عيلتك بالاسم ده؟!"

أجاب رامز بجدية متجاهلا ملامح الضيق المرتسمة على وجهها:

-"لأن ماما على طول كانت بتناديني بأبو إسلام وأنا قررت من زمان أني لما أتجوز ويكون عندي ولد هسميه بالاسم ده عشان خاطر أرضي أمي''.

تم نقل داليا برفقة إسلام إلى غرفة عادية بعدما تبين عدم حاجة الصغير لدخول الحضانة، وحضرت إلهام برفقة أمنية بعدما اتصل بهما رامز وأخبرهما بولادة زوجته.

حمل رامز ابنه وأعطاه لوالدته وابتسم قائلا بلطف:

-"اتفضلي يا ماما، سمي الله وشيلي إسلام حفيدك''.

ابتسمت إلهام بشدة بعدما سمعت اسم ''إسلام'' فهي لم تكن تتوقع أن يلبي رامز رغبتها ويسمي ابنه بالاسم الذي لطالما أرادت أن يطلقه على حفيدها الأول.

نظرت إلهام إلى ابنها وهتفت بابتسامة:

-"يتربى في عزك يا أبو إسلام وربنا يفرحك بيه''.

باركت أمنية لشقيقها دون أن تلقي السلام على عائلة زوجته فهي لا تطيقهم لأنهم لا يختلفون كثيرا عن ابنتهم التي لم تقترن برامز إلا من أجل المال.

خرجت أمنية من الغرفة بعدما همست بجوار أذن والدتها ببضع كلمات موجزة تخبرها بها بضرورة مغادرتها حتى لا تتأخر على موعد محاضراتها فقد قررت أمنية أن تكمل دراستها العليا بعدما وجدت اسمها ضمن قائمة الأوائل على دفعتها وأخبرها أحد الأساتذة أنه سوف يتم تعيينها كمعيدة في وقت قريب.

لوت فوقية شفتيها وهتفت بضيق وهي توجه بصرها نحو زوج ابنتها ووالدته قاصدة إهانتهما مثلما أهانتها أمنية بتجاهلها لها ولابنها:

-"سلامة نظر أمنية، أول مرة أعرف أن عندها ضعف نظر للدرجة اللي تخليها تكون معانا في نفس الأوضة ومع ذلك مقدرتش تشوفنا ولا تسلم علينا!!"

أخفض رامز رأسه بحرج فقد فهم قصد حماته التي أرادت أن تقول بشكل غير مباشر أن أمنية قليلة الذوق ولم تهتم والدتها بتربيتها وتعليمها الأصول وقواعد التصرف الصحيح.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪
انقضت إجازة شهر العسل التي أخذها مراد من عمله وعاد برفقة زوجته إلى منزل عائلته وقد استقبلتهما والدته بترحيب حار جعل سمية تشعر وكأنها موجودة في منزل عائلتها.

-"حمد الله على السلامة يا حبايبي".

قالتها ميرڤت وهي تحتضن مرادًا وسمية ثم قامت بدعوتهما للجلوس على مائدة الغداء التي كانت مليئة بكثير من أصناف الطعام المختلفة.

حضر كريم ورحب بمراد وزوجته ثم جلس أمامهما على المائدة وبدأ يتناول الطعام وهو يختلس النظرات من حين لأخر نحو سمية حاسدا شقيقه؛ لأنه حصل على زوجة جميلة مثلها.

نهضت سمية بعدما انتهت من تناول الغداء ثم توجهت نحو المطبخ حتى تساعد حماتها في غسل الأطباق.

ابتسمت ميرڤت وهي تجفف يديها عقب الانتهاء من الغسيل وهتفت بوِد:

-"تسلمي يا حبيبتي، ربنا ما يحرمنيش منك".

دلفت "لميس" شقيقة مراد الصغرى التي تبلغ من العمر خمسة عشر عاما إلى المطبخ وقامت بإعداد العصير ووزعته على الجميع ثم جلست بجوار سمية التي رحبت بها بشدة فهي لم تكن موجودة في المنزل عندما حضر شقيقها.

هتفت سمية بتساؤل وهي تنظر إلى لميس:

-"عاملة إيه في دراستك يا حبيبتي؟"

ابتسمت لميس وهي تجيب بهدوء:

-"الحمد لله، الأمور ماشية معايا كويس إلى حد ما''.

شجعتها سمية بقولها:

-"طيب شدي حيلك واتجدعني عشان تجيبي ثانوي".

ضحكت لميس وهتفت باستنكار شديد بعدما سمعت كلمة "ثانوي":

-"ثانوي إيه بس يا سمية!! أنا أصلا مش عايزة أدخل ثانوي عام حتى لو مجموعي جابه لأنه صعب جدا ومحتاج مذاكرة كتير، أنا إن شاء الله هدخل ثانوي تجاري وهبقى أذاكر أخر سنة عشان أجيب مجموع يدخلني كلية التجارة اللي أنا عايزة أدخلها''.

شاركتها سمية في الضحك ثم تحدثت معبرة عن إعجابها بطريقة تفكير لميس:

-"واضح أن أنتِ حاطة لنفسك هدف معين وعايزة تحققيه بس بأسهل طريقة ممكنة، على كل حال ربنا يوفقك وإن شاء الله تحققي كل اللي نفسك فيه''.

انتهت الجلسة العائلية ثم صعدت سمية برفقة زوجها إلى شقتهما وهي تشعر بالسعادة معتقدة أن حياتها برفقة مراد سوف تكون مثالية.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪
أقام رامز حفل سبوع لابنه لم يقم بمثله أحد من أفراد عائلته وهذا الأمر جعل نظرات الحسد تلاحقه من زوجات أعمامه وأزواج عماته.

همست إحدى زوجات أعمام رامز بنبرة يسودها الحقد وهي تقف بجوار سلفتها:

-"شوفي يا أشجان كوم الحاجات اللي هو جايبها وكأنه هو الشخص الوحيد اللي ربنا رزقه بولد!!"

تمتمت أشجان بغيظ شديد وهي تنظر نحو داليا التي يحيط بها جميع أفراد عائلتها ويتعاملون معها وكأنها المرأة الوحيدة على ظهر الكوكب التي استطاعت أن تنجب طفلًا:

-"أمال هتقولي إيه بقى يا فايزة لو شوفتِ السلسلة الدهب اللي رامز جابها لمراته بمناسبة ولادة ابنهم؟!"

استكملت أشجان حديثها بنبرة متبرمة:

-"يا عيني على نشوى بنتي وعلى بختها المايل، لما ولدت محدش من أهل جوزها عبرها ولا جابوا هدايا ومش بس كده دول خلوها تقضي فترة ما بعد الولادة عندنا في البيت عشان السبوع يكون على حسابنا".

هذا الحفل الذي أنفق فيه رامز بإسراف جعل كثيرًا من النساء يحسدن داليا؛ لأن الحظ حالفها وتزوجت برجل يحبها بشدة، وكما يقال: العين حق، وهذا ما كانت تقتنع به إلهام التي شعرت أن هناك أمر سيء سوف يحدث قريبا مع ابنها بسبب عيون الحساد الذين تمنوا أن تزول جميع النِعم التي أنعم الله بها على رامز.

حضرت منى حتى تلبي رغبة شقيقتها وباركت لرامز متجاهلة زوجته فهي لم تنسَ نظرات الكراهية التي رأتها في عينيها في يوم خطبة ابنتها.

انصرفت منى بعد فترة قصيرة وهي تحمد الله؛ لأنه عوض نادين ورزقها بخطيب مثل آدم والذي سيصبح عما قريب زوجها ورفيق دربها.

انفرجت أسارير رامز بعدما رأى عزامًا الذي حضر حتى يقوم بتهنئته بميلاد ابنه.

اتجه رامز نحو عزام ثم صافحه ورحب به بحرارة قائلا:

-"أهلا وسهلا بيك يا عزام بيه، أنت حقيقي شرفتني بزيارتك".

ابتسم عزام بتصنع هاتفا بودٍ كاذب فهو لم يحضر من أجل تهنئة رامز وإنما حضر من أجل رؤية داليا التي لم يرها منذ فترة طويلة:

-"ألف مبروك، يتربى في عزك إن شاء الله''.

نطق عزام تلك الجملة وهو لديه قناعة تامة بأن هذا الأمر لن يتحقق؛ لأنه لن يترك رامز يفرح بطفله وسوف يدمر حياته ويقلبها رأسا على عقب في وقت قريب.

هتف عزام بنبرة متسائلة بعدما نظر حوله يمينا ويسارا ولم يجد داليا:

-"أمال فين مدام داليا؟ هي مش موجودة هنا في البيت ولا إيه؟"

استغرب رامز من سؤال عزام عن زوجته وشعر ببعض الضيق ولكنه نجح في إخفاء انزعاجه وأجاب بمنتهى الهدوء:

-"داليا موجودة جوة مع عيلتها''.

استفز عزام رامزًا بالطريقة التي تحدث بها بعدما علم أن داليا بالداخل:

-"طيب ناديلها عشان أباركلها".

كاد رامز يرد بقسوة ولكن أوقفه صوت داليا التي تبعته للخارج بعدما لاحظت غيابه:

-"أهلا وسهلا بحضرتك يا أستاذ عزام''.

ابتسم عزام بعدما رأى داليا ثم مد لها يده بعلبة صغيرة جعلت بؤبؤ عينيها يلمع عندما سمعته يقول:

-"دي هدية بسيطة عشانك وأتمنى أنها تعجبك يا مدام داليا''.

فتحت داليا العلبة وابتسمت عندما رأت السلسال الراقي الذي يصعب على زوجها شراء واحد مثله؛ لأن قيمته تساوي ثمنا باهظا من الأموال.

كز رامز على أسنانه وكان على وشك نزع العلبة من بين يدي زوجته وإلقائها في وجه عزام ولكن منعته داليا بنظراتها التحذيرية بعدما لاحظت الغضب المرتسم على وجهه.

غادر عزام وهو يبتسم؛ لأنه نجح في إثارة حنق رامز، فهذه بالنسبة له مجرد بداية والأيام القادمة سوف تكون أسوأ بكثير مثلما تنص الخطة التي وضعها في رأسه.

التفت رامز إلى زوجته وسألها بحنق وهو يوجه نظرات الغضب نحو العلبة التي تحملها:

-"أنتِ إزاي تقبلي هدية غالية من راجل غريب؟! أنا لولا أني فاهم أن أكيد عندك سبب مقنع لتصرفك كان زماني عملت من وشه خريطة وخليته يكره الساعة اللي عرفني فيها".

ربتت داليا على كتفه وهتفت بنعومة محاولة تهدئة غضبه المستعر:

-"يا حبيبي أنا مقدرة شعورك بس إحنا لازم نشغل دماغنا كويس، عزام راجل إيده تقيلة في السوق وأنت لازم تكسبه في صفك ومش هينفع بأي شكل من الأشكال أنك تخليه عدوك، وبالنسبة لموضوع الهدية فأنت عارف وفاهم أكتر مني أن الطبقة الاجتماعية اللي بينتمي ليها واحد زي عزام وأمثاله بيهادوا بعض بهدايا من النوع ده في المناسبات، يعني هو مش قاصد يهينك ولا يجرح كرامتك زي ما أنت فكرت".

اقتنع رامز بوجهة نظر زوجته وهتف بهدوء يتنافى مع طبيعته كرجل شرقي يغار بشدة على زوجته التي يحبها:

-"عندك حق يا حبيبتي في كل كلمة قولتيها".

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

انتهت المُزينة من وضع مستحضرات التجميل على وجه نادين التي كانت تتأمل هيئتها في المرآة بملامح متجهمة يشوبها الكثير من التردد فقد انقضت فترة خطبتها بآدم واليوم سيقام حفل زفافهما وعلى الرغم من ذلك هي ليست واثقة من فكرة أنها اتخذت القرار الصحيح عندما نفذت نصيحة والدتها.

الأمر بالنسبة لها مربك للغاية، فهي لا تحمل في قلبها أي مشاعر لآدم ولهذا السبب قررت أن تنهي كل شيء وتفسخ خطبتها به ولكنها تراجعت بعدما اعترف لها بحبه، فقد أيقنت حينها أنها إذا تخلت عنه فسوف تكون مثل رامز الذي فعل بها الشيء نفسه وهي لا يمكنها أن تسمح بهذا الأمر.

قطعت نادين على نفسها وعدًا بأنها لن تتخلى عن آدم لأنها لا يمكنها أن تحطم قلب إنسان أحبها بصدق مثلما كانت تحب رامزًا الذي دهس مشاعرها بمنتهى البرود ولم يكترث لصلة القرابة التي تجمع بينهما.

نفضت نادين عن رأسها تلك الأفكار التي تشوشها ثم التفتت نحو والدتها التي أطلقت أغرودة عالية وهي تتأمل وجه ابنتها التي ازداد جمالها بعدما ذهبت إلى إحدى طبيبات التجميل وخضعت لبضع جلسات ساهمت بشكل كبير في القضاء على البثور التي كانت تملأ وجهها.

احتضنت منى ابنتها وكفكفت دموعها وهي تقول:

-"بسم الله ما شاء الله، ربنا يحرسك يا حبيبة قلبي ويبعد عنك عين كل حاسد".

حضر آدم برفقة خال نادين وابتسم بعدما رأى عروسه ومنحها باقة الأزهار التي أحضرها خصيصا من أجلها.

تعالت أغاريد صديقات نادين عندما خرجت من صالون التجميل برفقة آدم وصعدت بجواره إلى السيارة التي أخذتهما حيث تقع القاعة التي سيقام بها حفل الزفاف.

-"إيه الجمال والحلاوة دي كلها! بسم الله ما شاء الله أنتِ النهاردة عاملة زي البدر المنور''.

قالتها سمية وهي تحتضن صديقتها وباركت لها وكذلك فعلت أمنية التي ظلت بجوار نادين طوال الحفل ولم تتركها إلا بعدما انتهى الزفاف وصعدت نادين إلى السيارة بجوار زوجها.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪
اتصل رامز بمساعده الذي أكد له أن الشحنة التي قام باستيرادها من اليونان قد وصلت إلى الميناء وسوف يتم الإفراج عنها خلال وقت قصير بعدما يتم الانتهاء من جميع المعاملات الجمركية.

ابتسم رامز قائلا بسعادة فوصول الشحنة بسلام إلى بلاده وبيع تلك البضاعة في السوق المحلي سوف يحسن من مستواه المادي وسيجعله واحدا من أهم رجال الأعمال المتواجدين على الساحة:

-"تمام يا أشرف، أول ما الحاجة تطلع من الجمارك اتصل بيا وعرفني على طول".

أنهى أشرف المكالمة مع رامز بعدما أكد له أنه سيقوم بتنفيذ أوامره، ثم اتصل بعزام وأخبره بأمر وصول الشحنة إلى الميناء.

ظهرت ابتسامة خبيثة على وجه عزام وهو يقول:

-"دلوقتي بدأ العد التنازلي لنهايتك يا رامز ولما اللي في دماغي يحصل ساعتها هقدر أخد داليا منك".

رواية اوهام الحب الوردية الفصل السابع 7 بقلم بتول علي 

مرّ أسبوعان على زواج نادين بآدم وهي ليست سعيدة على الإطلاق مع زوجها، ولكنها ستستمر معه؛ لأنها لا تريد أن تكون نسخة ثانية من حبيبها الذي تركها قبل زواجهما.

لقد وثقت في الماضي بقلبها وتعرضت للخذلان ولن تتبع الآن سوى نداء العقل حتى لو كان ذلك سيجعل فؤادها يبكي دما من فرطِ الحسرة.

اتصلت منى بابنتها حتى تتفقد أحوالها وتطمئن عليها ولكنها شعرت ببعض القلق بعدما تحدثت معها نادين بفتور.

ضيقت منى ما بين حاجبيها قائلة باستغراب:

-"مالك يا نادين، فيكِ إيه يا حبيبتي؟ أنا حاسة من صوتك أنك مش مبسوطة، هو آدم بيتعامل معاكِ بطريقة مش كويسة؟!"

استرسلت منى في الحديث مؤكدة دعمها الكامل لابنتها في جميع الأحوال مهما كانت العواقب:

-"اتكلمي يا قلبي وإوعي تخافي من حاجة، لو آدم بيعاملك وحش قوليلي وأنا هبهدله وهخلي أيامه مهببة لأن أنا مش عندي في حياتي حد أغلى منك''.

نفت نادين جميع الظنون السيئة التي راودت والدتها بسبب تغير نبرة صوتها:

-"اهدي يا ماما واطمني، أنا الحمد لله كويسة جدا وآدم مش بيعاملني وحش ولا حاجة زي ما أنتِ فكرتِ، الموضوع كله وما فيه هو أني أخدت لطشة برد وعشان كده صوتي باين فيه الزعل''.

كذبت نادين على والدتها؛ لأنها قررت أن تكتم مشاعرها داخل قلبها، فهي لن تخبر أي شخص بحقيقة عدم حبها لآدم وأن السبب الوحيد الذي جعلها تتزوج به هو رغبتها في رد اعتبارها أمام جميع الشامتين الذين سخروا منها بعدما تركها خطيبها الأول قبل موعد الزفاف بفترة قصيرة.

ابتسمت منى بعدما أكدت لها نادين حسن معاملة زوجها لها فقد كانت تخشى أن تكون قد ارتكبت ذنبًا كبيرا في حق ابنتها عندما شجعتها على الزواج بآدم.

أنهت منى المكالمة بعدما وصت ابنتها بإرسال السلام لزوجها ثم نظرت إلى إلهام التي كانت تجلس أمامها وقالت:

-"الحمد لله، نادين كويسة ومبسوطة مع جوزها وبتسلم عليكِ يا إلهام''.

ابتسمت إلهام، وهتفت بسعادة فهي كانت تدعو كثيرا في الفترة الماضية لنادين أن يرزقها الله بزوج صالح يعوضها عن الألم الذي سببه لها رامز:

-"الحمد لله، ربنا يسعدها ويهنيها دايما، واضح أصلا أن آدم يبقى ابن حلال وشكله كده بيحبها أوي وعنده استعداد يعمل أي حاجة عشان يسعدها".

لاحظت منى بعضًا من أمارات الحزن على وجه شقيقتها فربتت على كفيها وتحدثت متسائلة عن السبب الذي يجعل إلهام حزينة إلى هذه الدرجة على الرغم من أن الله قد رزقها بحفيد منذ فترة قصيرة:

-"مالك يا إلهام؟! واضح من شكلك أنك مهمومة وقلقانة".

أومأت إلهام مؤكدة هذا الأمر فهي بالفعل لا تشعر بالراحة في الآونة الأخيرة خاصة بعدما أقام رامز حفل السبوع الخاص بابنه:

-"قلبي مقبوض أوي يا منى وعندي إحساس أن فيه حاجة وحشة هتحصل قريب مع رامز؛ لأن نظرات الحسد اللي شوفتها في عيون مراتات أعمامه مش مريحاني خالص".

كانت منى على دراية مسبقة بمدى خوف إلهام من العين والحسد ولم يخفَ عليها حقد أقارب رامز من جهة والده عليه؛ لأنه ناجح في حياته مقارنة بأولادهم الذين فشلوا في عدة مجالات وجلبوا الشماتة لعائلاتهم.

تحدثت منى محاولة أن تبث الطمأنينة في نفس شقيقتها:

-"اهدي بس يا إلهام واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم وبلاش تخوفي نفسك على الفاضي، وإن شاء الله كل اللي أنتِ حساه ده هيطلع أوهام ومفيش منه أي حاجة هتتحقق".

تمنت إلهام أن تكون شقيقتها على حق وأن تكشف لها أحداث الأيام المقبلة أن ما كانت تشعر به مجرد أوهام لا أساس لها من الصحة:

-"يسمع من بوقك ربنا يا منى وإن شاء الله يطلع إحساسي غلط المرة دي".

▪▪▪▪▪▪▪▪▪
تأففت سمية بملل وهي تتابع التلفاز فهي تجلس بمفردها حبيسة في شقتها بعدما سافر زوجها إلى عمله.

على الرغم من ترحيب ميرڤت بسُمية في بداية زواجها إلا أن هذا الوِد اختفى بسرعة بعد سفر مراد فقد اتضح أمام سمية أن حماتها ليست امرأة لطيفة مثلما كانت تظنها في البداية بل هي سيدة خبيثة ولكنها تمتلك ملامح يظهر عليها الوقار والطيبة.

قررت سمية أن تلتزم شقتها وألا تذهب كثيرا إلى شقة حماتها حتى لا تصطدم بها خاصة أنها قد بدأت تشك في أن ميرڤت كانت ترحب بالزيجة في البداية طمعا في أموالها والدليل على ذلك أنها حاولت استمالتها حتى توقع بالنيابة عنها على بعض وصولات الأمانة.

تذكرت سمية هذا الموقف الذي حدث الأسبوع الماضي فقد جعلها شبه متيقنة من هذه الحقيقة بعدما طلبت منها حماتها أن ترافقها إلى منزل أحد تجار الأجهزة الكهربائية.

اتفقت ميرڤت مع التاجر على شراء بعض الأجهزة ولكنها لن تدفع ثمنها في الوقت الحالي وإنما سوف تسدد الأموال في وقت لاحق.

-"تمام يا مدام ميرڤت مفيش مشكلة، ادفعي دلوقتي المقدم، وامضي على نفسك وصولات أمانة بالمبلغ الباقي ولو عايزاني أقسم المبلغ على كذا وصل فده شيء مفيش فيه أي مشاكل بالنسبة ليا".

قالها التاجر وهو يخرج دفتر وصولات الأمانة الخاص به فأومأت ميرڤت ثم التفتت إلى سمية التي كانت تجلس بجوارها وقالت:

-"تعالي يا سمية اقعدي مكاني عشان تمضي على الوصولات".

اتسعت عينا سمية وهتفت باستنكار شديد يدل على رفضها الشديد واستهجانها لهذا الأمر:

-"وأنا إيه اللي يخليني أمضي على وصولات الأمانة دي يا ماما؟!"

هتفت ميرڤت بلطف في محاولة منها لإخفاء الحرج الذي شعرت به بعدما رفضت زوجة ابنها التوقيع على الوصولات:

-"وفيها إيه يا حبيبتي لما تمضي بدالي؟ هو فيه فرق بيني وبينك؟! أنا وأنتِ واحد في النهاية".

شعرت سمية بعدم الراحة وأصرت على موقفها فهي لن تقبل أبدا أن تصبح مدينة لأحد بأموال بسبب أغراض لا تحتاج إليها من الأساس.

هتفت سمية بحزم مؤكدة لحماتها أنها لن تقوم بالتوقيع:

-"أنا مش بحب أمضي على الوصولات نهائي وعمري في حياتي ما وقعت على وصل أمانة ومش هعمل كده دلوقتي''.

نظر لهما التاجر بضيق وهتف بحنق شديد فهو لديه الكثير من الأمور التي تشغله وليس لديه الوقت حتى يستمع إلى تلك الثرثرة التي لا يوجد لها أي قيمة:

-"ها يا ست ميرڤت، هتمضي على الوصولات ولا إيه نظامك؟ شاوري نفسك بسرعة وبلغيني لأن فيه بضاعة هتيجي المحل التاني ولازم أروح أستلمها".

أجابته ميرڤت وهي تشعر بمزيج من الغضب والإحراج لأنه اتضح أمامها أن سمية ليست فتاة ضعيفة الشخصية ولا يمكن السيطرة عليها بسهولة:

-"خلاص أنا همضي يا حاج رأفت، قسم الفلوس على كذا وصل وأنا همضي عليهم كلهم".

وقعت ميرڤت على الوصولات ومنذ ذلك اليوم وهي تعامل سمية بشكل سيء للغاية ولهذا السبب توقفت الأخيرة عن الذهاب إليها والجلوس برفقتها.

تمتمت سمية بحزن وهي تنظر إلى الصورة التي تجمعها بمراد في ليلة زفافها:

-"ياريتك يا مراد تنزل أجازة في وقت قريب عشان نشوف شقة بعيد عن هنا حتى لو هتكون بالإيجار لأن أنا حاسة أني منبوذة وخايفة من كل حاجة بتحصل هنا''.

تسرب شعور الخوف لقلب سمية كان بسبب عدة أمور منها الموقف الذي حدث بينها وبين ميرڤت وأيضا تصرفات كريم الغريبة والتي لا يوجد لها أي تفسير منطقي.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

مسح محمد جبينه الذي يتصبب عرقا بمنديل ورقي فقد كان الجو حارًا للغاية واشتدت الحرارة بالنسبة له بسبب تجوله منذ فترة طويلة تحت أشعة الشمس القاسية.

أخذ يتمتم بعض الأذكار فقد كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة التي يتمكن بها من إمضاء الوقت، فهو يقوم بدورية للبحث عن شخص أجنبي وصل بشأنه بلاغ إلى الشرطة بسبب تصرفاته المريبة التي توحي بأنه قد أتى إلى مصر كسائح ولكنه لا يحترم القانون، فقد تحرش بإحدى الفتيات وعندما تم سؤال الفتاة عنه أخبرتهم أن هذا المتحرش لا يزال موجودا في مدينة الملاهي بعدما قام رجال الأمن بالقبض عليه.

عندما وصل محمد إلى مدينة الملاهي، أخبره رجال الأمن أن الرجل المتحرش قد تمكن من الهرب منهم وقد قاموا بإغلاق المكان حتى لا يتمكن من الفرار وهم يقومون الآن بالبحث عنه ولكنهم لم يتمكنوا من إيجاده.

ارتفع صراخ جميع المتواجدين بشكل مفاجئ وبدأ كل منهم يركض للخارج تحت نظرات محمد الذي لم يفهم حقيقة ما يحدث حوله وعندما استوعب عقله الأمر كان قد فات الأوان حيث إنه لم تمر سوى بضع ثوانٍ قبل انفجار قنبلة قام بزرعها الشخص الذي كان يبحث عنه رجال الشرطة وبسبب قُرب محمد من موضع القنبلة كان هو أكثر المتضررين منها.

حضرت سيارات الإسعاف بعد فترة قصيرة، وبدأ المسعفون في التعامل مع المصابين حتى لا يتأزم وضعهم.

اقترب أحد المسعفين من محمد وكاد يغطي وجهه ظنا منه أنه قد توفي ولكنه توقف بعدما سمع صوت همسات ضعيفة لا تكاد تُسمع.

أشار المسعف لزملائه بأن يقتربوا بسرعة ويحضروا معهم نقالة حتى يتم نقل محمد إلى المستشفى في أسرع وقت ممكن عسى أن يكون هناك أمل ويتمكن الأطباء من مساعدته قبل فوات الأوان.

وصل بلاغ إلى الشرطة بما جرى في مدينة الملاهي فتوجه وسام برفقة مجموعة من الضباط والعساكر إلى مكان الحادث.

باشر وسام بالحديث مع بعض الأفراد حتى يفهم منهم ما جرى بالضبط قبل الانفجار وقد أخبروه أن أولادهم كانوا يلعبون بشكل طبيعي وكل شيء كان يسير على ما يرام حتى سمعوا صوت صراخ إحدى الفتيات وهي تخبر الجميع بوجود قنبلة على وشك الانفجار.

سيطرت الحيرة على وجه وسام وازداد ضيقه بعدما علم أن الفتاة التي رأت القنبلة وحذرت الجميع منها قد أصيبت وتم نقلها إلى المستشفى.

عندما التفت وسام بالصدفة أصيب بصدمة شديدة عندما رأى المسعفين وهم يقومون بحمل محمد على النقالة، فتوجه نحوهم على الفور وسألهم عن حالته، فأخبره المسعف أنه لا يزال على قيد الحياة ولكن يجب نقله بسرعة إلى المستشفى.

لم ينتظر وسام كثيرا فقد ترك كل شيء خلفه بعدما أخبر زملائه بأمر محمد، ثم لحق بسيارة الإسعاف التي توجهت بسرعة نحو المستشفى.

وصلت سيارة الإسعاف إلى المستشفى وتم نقل محمد إلى غرفة العمليات على الفور، ووقف وسام ينتظر خروج أي شخص من الغرفة حتى يطمئن على صديقه وفي هذه الأثناء اتصل بشقيقته وأخبرها بكل ما جرى مع زوجها.

حضرت سمية برفقة والدتها إلى المستشفى، وظلت تنتظر خروج أخيها من العمليات وهي تبكي بشدة.

مر بعض الوقت قبل خروج أحد الأطباء من غرفة العمليات، فتوجهت نظرات الجميع نحوه متسائلين عن حالة محمد.

نزع الطبيب الكمامة، ثم تنهد قائلا:

-"أنا مش هخبي عليكم، حالة المريض صعبة جدا لأن جسمه جه فيه بعض شظايا القنبلة والحمد لله أن هو لسة عايش لحد دلوقتي، ده غير أن حالة رجله صعبة جدا وكانت هتستلزم البتر بس الحمد لله شارك معانا في العملية دكتور متخصص في العظام كان ليه الفضل بعد ربنا سبحانه وتعالى في أن العملية تعدي على خير من غير ما نضطر نلجأ لبتر رجله".

تقدمت نحوه سمية، وهتفت بتساؤل وهي تمسح دموعها:

-"يعني حالته دلوقتي مستقرة؟"

أجاب الطبيب بجدية قبل أن يتركهم ويذهب لتبديل ملابسه:

-"لو الأربعة وعشرين ساعة الجايين عدوا عليه من غير ما يحصل أي مضاعفات فإن شاء الله حالته هتكون مستقرة".

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

نظر آدم نحو زوجته التي تتصفح الإنترنت بشرود فهي تظنه لا يفهمها ولكنها مخطئة، فهو يعلم جيدا أنها تتظاهر أمامه بالسعادة ومن داخلها تصرخ قهرا لأنها تسرعت في الزواج به.

ليته يستطيع تحريرها حتى تتخلص من عذاب روحها ولكن من يا تُرى سيداوي جراح قلبه الذي يتألم بسبب حبها لرجل أخر؟! 

أخذ ينعي قلبه الذي وقع في عشقها وصار يشتاق إليها على الرغم من وجودها معه ولكنه واثق تمام الثقة أن مشاعرها مع شخص أخر.

قلبه يتألم بعدما صار الأمر واضحا أمامه كوضوح الشمس وهو أن زوجته التي يعشقها لا تزال تحب خطيبها الذي حطم قلبها وتركها من أجل فتاة أخرى.

تمنى لو يتضح أمامه في يوم من الأيام أن كل ما يشعر به مجرد وهم وألا يكون هناك مشاعر لرامز في قلب نادين.

نظرت نادين إلى آدم باستغراب شديد بعدما لاحظت تحديقه بها وهتفت بتعجب:

-"مالك يا آدم، بتبص عليا كده ليه؟!"

جلس آدم أمامها وهتف بهدوء وكأنه لم تكن هناك معركة طاحنة تدور بداخله:

-"مفيش حاجة يا نادين، أنا بس استغربت لما لقيتك باصة في الموبايل ومركزة فيه أوي كده''.

هزت نادين كتفيها قائلة ببساطة:

-"مفيش حاجة، أنا كنت بقلب على اليوتيوب في الفيديوهات اللي ظاهرة قدامي".

استرسلت نادين بعدما تذكرت مكالمتها مع والدتها:

-"أنا كلمت ماما النهاردة وأنت برة وهي بتسلم عليك".

كاد آدم يرد ولكن جاءته مكالمة هاتفية فنهض وذهب إلى غرفته حتى يتمكن من التحدث دون أن يثير إزعاج نادين ولكن سرعان ما خرج من الغرفة بعدما علم بما جرى لمحمد وغادر المنزل متوجها إلى المستشفى.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

مضى يومان كاملان ولم يحضر أحد من عائلة مراد إلى المستشفى من أجل الاطمئنان على محمد وهذا الأمر أحزن سمية وجعلها تقسم أنها لن تقف أبدا بجوار أهل زوجها في أي محنة من المحن التي قد يتعرضون لها في المستقبل.

انتظرت هانيا خروج سمية من الغرفة، ثم نظرت بضيق إلى التشوهات التي ملأت ظهر وذراعي وساقي زوجها ثم التفتت إلى شقيقها وقالت:

-"هما هيعالجوا التشوهات دي إمتى؟"

كز وسام على أسنانه بغيظ وتمالك نفسه بصعوبة وهو يقول:

-"هو أنتِ طبيعية زي باقي الناس يا هانيا؟! واحدة غيرك كانت تقوم تصلي ركعتين شكر لأن ربنا نجى جوزها مش تقعد تقول هيشيلوا التشوهات إمتى!!''

تأففت هانيا قائلة بحنق فهي لا تصدق أن شقيقها لا يستطيع أن يتفهم موقفها:

-"أنا بسأل بس لأن بصراحة المنظر بشع أوي وهو أصلا مش هيطيق يشوف نفسه بالشكل ده".

رفع وسام حاجبيه قائلا بحدة فهو لا يستطيع أن يستوعب حقيقة عدم تقدير شقيقته لحالة زوجها وما يعانيه الآن جراء الحادث الأليم الذي جرى معه:

-"تصدقي بالله يا هانيا، أنتِ واحدة معندكيش ريحة الدم، يعني جوزك قدر بالعافية وبعد معاناة بسبب الألم اللي حاسس بيه في كل جسمه أنه ينام ده غير أن الدكتور قال أنه مش هيقدر يتحرك برجله الفترة الجاية لأن الشظايا اللي دخلت في رجله أثرت على بعض الأعصاب وهيحتاج لجلسات علاج طبيعي عشان يقدر يتحرك من غير ما يحس بالألم وأنتِ مش همّك غير بعض التشوهات اللي حصلت بسبب حادثة كان ممكن يروح فيها!!"

زفرت هانيا بغيظ وكادت ترد على شقيقها برد ظنت أنه سوف يفحمه ولكن قاطعها وسام بقوله الصارم:

-"احترمي نفسك يا هانيا عشان عيب أوي اللي أنتِ بتعمليه دلوقتي، التشوهات اللي موجودة دي ينفع أنها تتشال بعمليات التجميل بس ده مش هيحصل دلوقتي لأن وضع جسم جوزك مش هيقدر يستحمل أنه يعمل عمليات كتيرة الفترة دي".

التزمت هانيا الصمت ليس لأنها اقتنعت بحديث وسام وإنما لأنها وجدت أنه لن يؤيدها ويتفهم وجهة نظرها التي استغلت نوم محمد وخروج شقيقته حتى تفصح عنها ولم تكن تدري أن زوجها كان مستيقظا طوال الوقت وسمع كل كلمة قالتها زوجته لشقيقها فهو لم يكن نائما مثلما اعتقد الجميع.

▪▪▪▪▪▪▪▪▪

ذهب أشرف إلى المخزن الذي يخزن فيه رامز بضاعته وقضى بعض الوقت مع الحراس يتحدث معهم ويتفقد أحوالهم.

اقترح أشرف على الحراس احتساء الشاي وقد رحبوا بهذه الفكرة ووضعوا الإبريق على النار.

مضى وقت قصير قبل أن يسخن الماء فاستعد أحد الحراس للنهوض حتى يصب الشاي ولكن أوقفه أشرف وأخبره أنه سيتولى هذا الأمر بنفسه.

ذهب أشرف نحو الموقد، وحمل الإبريق، وقام بإعداد الشاي، ثم نظر خلفه فوجد جميع الرجال منشغلون في الحديث فيما بينهم، فاستغل الفرصة وأخرج من جيبه بعض الأقراص المنومة سريعة الذوبان ثم وضع قرصًا في كل فنجان عدا الفنجان الخاص به.

توجه أشرف بالصينية نحو الطاولة التي يجلس عليها الرجال ثم أعطى كل واحد منهم الفنجان الخاص به وابتسم بخبث بعدما بدأوا في احتساء الشاي.

لم تمضِ سوى بضع دقائق وغرق الجميع في نوم عميق باستثناء أشرف الذي اتصل بعزام وانتظره حتى أجاب ثم أبلغه بأنه قد نفذ جميع التعليمات التي أمره بها:

-"كله تمام يا عزام بيه، أنا حطيت مخدر في الشاي والحراس اللي واقفين على مخزن البضاعة وهما دلوقتي راحوا في سابع نومة".

هتف عزام بجدية وهو يبتسم بشدة فقد جاءت أخيرا اللحظة التي سيدمر بها خصمه حتى ينال داليا:

-"تمام يا أشرف، امشي أنت من عندك وإوعى تتصل بيا الفترة دي لأن خلاص دورك خلص وجِه دلوقتي دور باقي الرجالة".

نفذ أشرف تعليمات عزام وانطلق بسيارته بعيدا عن المخزن ولم يمر سوى بضع لحظات قبل أن يحضر رجال عزام الذين قاموا بسكب البنزين في كل ركن من أركان المكان ثم أشعلوا النيران وفرُّوا هاربين.

اندلع حريق هائل أكل الأخضر واليابس ولم يترك أي شيء في المخزن إلا وقضى عليه ولم يتم اكتشاف أمر الحريق إلا بعد فوات الأوان بسبب موقع المخزن الذي يقع في منطقة صحراوية غير مأهولة بالسكان.

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-