رواية ولادة من جديد(جميع فصول الرواية كاملة )بقلم مجهول


 رواية ولادة من جديد الفصل الاول بقلم مجهول

بعد مرور سنتين على قوله "ها قد عادت، أريد أن أطلقها. والمنزل لكِ"، عاد إلى المنزل المهجور ليجد مذكرة تحكي فيها طليقته عن حملها
 حامل
‏مدينة السدى.‏
‏المستشفى العام.‏
"ألف مبروك، أنت حامل. والجنين بصحة جيدة."
‏أطبقت يد فايزة صديق على التقرير وهي تحدق بذهول في وجه الطبيب.
حامل؟ إنها حقاً مفاجأة سعيدة. لا يمكنها أن تصدق أذنيها.‏
‏"تذكري أن تأتي للمواعيد الدورية. أين والد الجنين؟ اطلبي منه المجيء، فلدي بعض التعليمات له."
استفاقت من أفكارها على كلمات الطبيب، وأجابت بابتسامة يشوبها الاحراج: "زوجي ليس معي اليوم."
اندهش الطبيب صائحاً: "بصراحة، حتى لو كان مشغولاً، يجب أن يكون مع عائلته."
كانت السماء تمطر عندما خرجت أخيراً من المستشفى، فتلمست بطنها.
كان هناك الآن حياة جديدة تنمو في داخلي، طفل ينتمي لي و حسام.
اهتز هافتها، فأخرجته. كانت رسالة من زوجها  حسام منصور.
"إنها تمطر. آتيني بمظلة في هذا العنوان."
ألقت نظرة سريعة على العنوان المرسل، كان نادي النخبة الريفي.
ما هذا المكان؟ أليس لديه اجتماع اليوم؟ ‏
ومع ذلك، لم تسأل كثيراً وطلبت من سائق عائلة منصور أن يقلها إلى النادي الريفي.
قالت للسائق عندما وصلا: "يمكنك العودة الآن." ‏
"ألا يجب أن انتظرك، يا سيدة منصور؟"
صمتت للحظة قبل أن تهز رأسها: "لا داعي لذلك. سأنتظر حتى أعود إلى المنزل مع حسام."
حيث أنها كانت قد جاءت هنا من أجله، فقد قررت أن تعود إلى المنزل معه.
‏وبهذا، سرعان ما عادر عبدو السائق.
كان المطر قد بدأ رذاذاً، لكنه تحول الآن إلى عاصفة شديدة.
فتحت المظلة لتحملها فوق رأسها، ثم سارت نحو مدخل النادي الريفي.
كان نادياً فخماً للجولف، إلا أنه تم إيقافها عند المدخل.‏
قال الموظف: "اعتذر، يا سيدتي، ولكن هل يمكنني رؤية بطاقة العضوية الخاصة بك؟"
فكرت للحظة في الخطو التالية التي عليها اتخاذها، قبل أن تقرر أخيراً ارسال رسالة إلى حسام.
"لقد وصلت هنا. متى تنتهي من العمل؟ سأكون في انتظارك في الطابق السفلي."
عندما انتهت من ارسال الرسالة وقفت بالقرب من المدخل تحت المظلة. وبينما كانت تحدق في المطر، أخذت تفكر في تقرير الحمل ذاك.
هل تخبره عندما يخرج؟ أم تنتظر لتفاجئه يوم عيد ميلاده؟
كانت غارقة في أفكارها، حتى أنها صارت، دون علمها، محط سخرية لمجموعة من الأشخاص في الطابق العلوي.
كانوا يلتصقون بالنافذة وهم يتطلعون إليها.
سأل أحدهم: "ليست زوجتك فعلياً، لكنها تقوم بالدور بمهارة فائقة. لقد جاءت فعلاً بمظلة؛ لأنك طلبت منها ذلك. إنها لا تتوقع أنك قد تمشي تحت المطر، أليس كذلك؟"
"هل هي مغرمة بك إلى هذا الحد حتى أنها نسيت كل أشكال المنطق؟"
جاء صوت هادئ من ركن بالغرفة قائلا: "يا لها من سخافات!"
كان صاحب الصوت رجل طويل القامة، بارد الوجه، وأبرزت بشرته الفاتحة، وعيناه الواسعتان المسحوبتان جاذبيته الأخاذة. كان يرتدي بدلة رمادية تم تفصيلها خصيصاً، وجلس واضعاً ساق على أخرى.
رفع يده، فكشف عن الساعة الفخمة الفاخرة بمعصمه: "اعطني اياه."
لم يكن أمام الصديق الذي قام بالمقلب خيار سوى أن يعيد الهاتف إلى صاحبه. فعلق أحدهم: "توء. هل سنعيد الهاتف بهذه السرعة؟"
"كفى. لو لم تكن رهف هنا، لما كان لديك حتى فرصة لمس هاتفه."
واصلت المجموعة المزاح والضحك وهم يديرون أنظارهم نحو المرأة الجميلة الجالسة بجوار الرجل. كانت ترتدي فستاناً أبيض اللون، جعلها تبدو لطيفة ورقيقة.
عندما سمعت ذلك، ضمت شفتيها في ابتسامة وقالت بلطف: "حسناً، كان من الخطأ استخدام هاتف  حسام لهذا المقلب، والآن تستهزءون بي أنا."
لم يكن لدى الأصدقاء نية التوقف عن إغاظتها وهم يهتفون: "يعلم الجميع أنك الشخص الأهم بالنسبة  لحسام، يا رهف."
"هذا صحيح، أليس هذا رأي  حسام  ايضاً؟"
لم تستطع رهف عبد الرؤوف إلا أن تلقي نظرة عابرة على  حسام عندما سمعت ذلك.
ابتسم  حسام ، ولم ينكر. وعندما رأت المجموعة هذا، تفاقم التهكم.
"قلت لك أنه لا يوجد من هو أهم من رهف بالنسبة  لحسام!"
وبينما استمر الأصدقاء في التهكم، ألقى نظرة على الهاتف وأرسل رسالة سريعة إلى فايزة. "لم أعد بحاجة إلى المظلة. اذهبي إلى المنزل."
احتارت فايزة عندما تلقت الرسالة، وبعثت ترد: "هل حدث شيء ما؟"
نظرت إلى هاتفها فترة طويلة، لكن لم يأتها أي رد. ربما كان مشغولاً جداً.
قررت أن تعود إلى المنزل أولاً.
نادى شخص ما فجأة من خلفها: "انتظري." التفتت لترى شابتين أنيقتين تمشيان نحوها.
نظرت الشابة الأكثر طولاً إليها، وسألتها بازدراء: "هل أنت فايزة صديق؟"
نظراً لأن العداء كان يتجلى على وجه تلك المرأة، لم تتردد فايزة في الرد سريعا: "ومن تكونين أنت؟"
"ليس اسمي المهم. المهم هو أن رهف قد عادت. فإن كنت ذكية، ستبتعدين عن حسام ."
ضاقت عيون فايزة دهشةً. لقد مر وقت طويل منذ أن سمعت هذا الاسم. مر وقت طويل حتى أنها كادت تنسى وجود رهف.
كان رد فعلها واضحاً جلياً، فرمقتها المرأة الاخرى بنظرة استهجان. "لماذا كل هذه الصدمة؟ هل أصابتك البلاهة بعد أن تظاهرت طيلة عامين بأنك السيدة منصور؟ هل ظننت حقاً أن هذا الوضع الاجتماعي من نصيبك؟"
عضت فايزة شفتيها، وقد غطى الشحوب وجهها. وتحولت مفاصل أصابعها التي أطبقت على يد المظلة أيضاً إلى اللون الأبيض.
قالت واحدة منهما: "انظري إلى وجهها! هل تعتقدين حقاً أنها قادرة على خطف رجل رهف اشباعاً لضغينة؟"
"وهل تقدر حقاً على ذلك؟"
تحركت فايزة مبتعدة، لا تبالي بالانصات إلى ما ستقوله الشابتين. وساعد المطر المنهمر على اسكات صيحاتهما.
عندما عادت إلى مقر سكن عائلة منصور، شعر الخادم فتحي عبود بالصدمة عندما وجدها مبتلة حتى النخاع على عتبة الباب، وعندما أدرك من تكون، صاح قائلا: "السيدة منصور! ماذا حدث لك؟ تفضلي، ادخلي."
كانت فايزة تشعر بالبرودة الشديدة حتى أن أطرافها أصابها الخدر، ولم تمر ثوان قليلة منذ دخلت المنزل، حتى وجدت حولها مجموعة من الخدم قاموا بلفها في منشفة ضخمة وقاموا بتجفيف شعرها.
"حضري للهانم حماماً ساخنا!"
"جهزي فنجاناً من الشاي."
‏كان الخدم يهرولون في حالة من الذعر بسبب مياه الأمطار التي أغرقتها، فلم يلحظ أحد منهم مرور سيارة عبر البوابات، ولم يلحظ أحد منهم الشخص الطويل الذي وقف على الباب بعد وهلة قصيرة.
إلى أن تردد صوت بارد في أرجاء الغرفة.
"ماذا حدث؟"
‏عند سماعها نبرة الصوت، انتفضت فايزة من مكانها الذي كانت تجلس فيه على الأريكة. لماذا كان حسام  قد عاد إلى المنزل؟ أليس من المفترض أنه مع رهف؟
قال فتحي: "فاجأ المطر الهانم، يا سيدي."
فاجأها المطر؟ التفتت عيون حسام  الداكنة إلى الهيئة الضئيلة التي كانت منكمشة على الأريكة، وتقدم نحوها. ثم عبس عندما اتضحت له حالتها.
كانت حالياً كما الفأر المبتل، وكان شعرها الناعم باهتاً يلتصق ببشرتها الشاحبة، وكانت شفتاها، اللتان عادة ما تزدهران بلون وردي، شاحبتين أيضاً.
هتف بها بصوت حاد: "ماذا حدث لك؟" وقد اشتد تجهمه.
انتظرت برهة إلى أن استعادت السيطرة الكاملة على انفعالاتها قبل أن ترفع عينيها إليه وتبتسم ابتسامة شاحبة، ثم قالت: "فرغت بطارية هاتفي، وفي طريق العودة صادفت طفلاً مبتلاً بالمطر ودون مظلة."
انطفأت عيناه فجأة في برود، "هل جننت؟"
تجمدت ابتسامتها على شفتيها.
استطرد قائلاً: "اعطيت المظلة للطفل، وانتهى بك الأمر تمشين في المطر! كم عمرك؟ هل ظننت أنني سأمدح فعلك هذا؟"
نظر الخدم من حولهما إلى بعضهم البعض، ولم يجرؤ أي منهم أن ينطق بكلمة.
انسدلت رموش فايزة،  وكانت دموعها قد بدأت في زغللة رؤيتها، لكنها أجبرت نفسها على التزام الصمت وكبت دموعها.
ونجحت في ذلك، إلى أن جاء حسام  وحملها بين ذراعيه كأنها عروس، ثم سمحت لدموعها أن تنهمر، وسقطت قطرة منها على ظهر يدها.
الفصل 2  فلننتهي إلى الطلاق
قام  حسام بدفع فايزة في الحمام وغادر. فظلت حانية رأسها، في انتظار أن يخرج من الغرفة، قبل أن ترفع رأسها ببطء وتمسح دموعها عن خديها.
ومرت بعض اللحظات.
ثم قامت لتغلق باب الحمام، وأخرجت تقرير المستشفى من جيبها، والذي ابتل بمياه المطر فلم يعد مقروءاً، وقد تشوهت كل كلمة فلم تعد واضحة للقراءة.
كانت تنوي مفاجأته بالتقرير، لكنه بدا الآن عديم الفائدة تماماً.
لقد عاشرته طيلة عامين، وكانت متأكدة أنه ليس من النوع الذي يترك هاتفه من يده. كما أنه ليس النوع الذي يستدعيها للحضور، ثم يطلب منها العودة إلى البيت.
لذا فإن الاحتمال الأوحد هو أن شخصاً ما قد أخذ هاتفه، ليرسل لها رسالة حتى يجعل منها أضحوكة. 
وربما كان هناك مجموعة من الناس يضحكون عليها، بينما كانت كالبلهاء تنتظر خارج النادي الريفي، وفي يدها المظلة.
حدقت طويلاً في التقرير المشوه، قبل أن تقهقه ساخرة من نفسها، ثم بدأت في تمزيقه ببطء.
مرت نصف ساعة.
و خرجت فايزة في هدوء من الحمام. 
كان  حسام يجلس على الأريكة، واضعاً ساقيه الطويلتين بثبات على الأرض، بينما كان منهمكاً بتركيز في الحاسوب المحمول الذي أمامه، وبدا مشغولاً بعمله.
عندما رآها، أشار إلى كوب الشاي الموضوع بجانبه. 
"اشربي هذا."
"حاضر."
اقتربت، وامسكت بكوب الشاي. لم تشربه على الفور، بل بدت منشغلة بفكرة ما جالت بخاطرها قبل أن تنادي اسمه: " حسام".
كان صوته بارداً وهو يقول: "ماذا تريدين؟"، بينما ظل مركزاً على الشاشة التي أمامه.
نظرت إلى فكه المنحوت وملامح وجهه، وتحركت شفتاها الباهتتان.
بدا وكأنه فقد صبره، فقد رفع رأسه فجأة لينظر إليها، والتقت عيونهما.
 كانت لتوها قد أخذت حماماً، فكانت بشرتها وردية، ولم تعد شفتاها شاحبتين كما كانت من قبل. وعلى الرغم من ذلك، ظلت تبدو مريضة بعض الشيء، ضعيفة وكأنها ستنكسر بلمسة. ربما كان ذلك لأنها كانت قد تعرضت منذ قليل لسيول من المطر.
بنظرة واحدة، انتشأت رغبته فيها.
أما بالنسبة لفايزة، فكانت مشاعرها في حالة صراع داخلها، فلم تدرك مشاعره. وكانت منهمكة في محاولة صياغة ما تود قوله.
وأخيراً، توصلت إلى قرار، وقالت: "أنت ... ممم!"
ما كادت تفتح فمها، حتى أمسك بذقنها، وأخذ يقبلها كما لو أنه فقد السيطرة على نفسه. وتحت وطأة أصابعه الخشنة، احمرت بشرتها من فورها..‏
كانت أنفاسه كاللهب على بشرتها، وسرعان ما انقطعت أنفاسها. كانت على وشك أن تدفعه بعيداً عنها، إلا أن هاتفه بدأ يرن على الطاولة. 
تجمد الاثنان، وتلاشى الشغف في التو واللحظة. وأخذ يتراجع عنها، وهو لا يزال يعض شفتيها بلطف، وكأنه لم يشبع بعد. عندما نطق ليتحدث، كان صوته مبحوحاً: "اشربي الشاي، ونامي مبكراً."
التقط هاتفه وخرج من الغرفة. كان عليه أن يرد على المكالمة.
انزلق باب الشرفة لينغلق.
جلست على الأريكة للحظات في حالة ذهول من القبلة، قبل أن تقف ثانية. لم تتجه إلى غرفة النوم، وإنما سارت نحو الشرفة.
لم يكن الباب الزجاج مغلقاً باحكام، فحملت نسمة الليل الباردة صوت  حسام  إليها.
"لن أرحل."
"ما الذي يدور برأسك؟ هيا، كوني مطيعة واخلدي إلى النوم."
كان صوته حنوناً عطوفاً.
‏ظلت واقفة تنصت لدقائق قليلة، ثم قهقهت.
إنه قادر إذا أن يكون حنوناً ولطيفاً، ولكن للأسف، فلست أنا المتلقي لمشاعره هذه.
التفتت، وتوجهت إلى غرفة النوم، وجلست على طرف السرير وقد خلى وجهها من أي تعبير.
كان زواجهما خطأ منذ البداية، ولم يكن سوى صفقة على أية حال.
فقد كانت عائلتها، عائلة صديق، قد أفلست قبل عامين، وانحدر وضعها الاجتماعي بين ليلة وضحاها، وأمست اضحوكة المدينة. وكانت عائلة صديق تتمتع بنجاح باهر، وأصبح لهم فائض من الأعداء. لذا تسارع الجميع، في أعقاب سقوطهم، إلى اذلالهم. بل أن أحدهم تباهى بأنه قادر على انتشال العائلة من ديونها، إذا ما قدمت نفسها له.
وقبل سقوط العائلة، حاول عدد لا يحصى من الرجال مغازلتها. إلا أن أحد منهم لم ينجح في لفت انتباهها، ومع مرور الوقت، بدأ الناس يصفونها بأنها متكبرة ومغرورة.
والآن، وقد اصابها العار والذل، فكر الكثير من الرجال في استغلالها، فاستهلوا مزاداً سرياً، ليحددوا من سيحظى بها.
وعندما وصلت إلى أدنى مستوى من الذل والهوان، عاد  حسام  إلى الظهور.‏
تولى  حسام  أمر الرجال المشاكسين، وجعلهم يدفعون ثمناً باهظاً لأفعالهم. وبعد أن ساعد عائلة صديق في سداد ديونها، قال لها "لنرتبط."
حدقت فيه وهي مصدومة. وعندئذ، مد يده ليربت على خدها. 
وسألها: "لماذا تفاجأتي؟ أتخشين أن اقوم باستغلالك؟ لا تقلقي، إنه زواج صوري فقط، فجدتي مريضة وهي تحبك، وستسعد برؤيتنا مخطوبين. كما أني سأساعدك على استعادة مجد عائلة صديق."
إنها زيجة صورية، إذاً، أي أنه لا يحبني. كل ذلك لجعل جدته سعيدة.
وعلى الرغم من ذلك، وافقت على الزواج منه.
كانت مدركة أنه لا يهتم بها، ومع ذلك وقعت في غرامه. وأصابتها الخطوبة بمشاعر متضاربة في داخلها. فالتغير المفاجيء الذي طرأ على العلاقة بينهما، من أحبة في الطفولة إلى مخطوبين، جعلها تشعر بالغرابة.
لكنه لم يبد أي انزعاج، فقد كان يحضر كل الفعاليات وحفلات العشاء وهي بجانبه. وبعد مرور عام، تدهورت حالة جدته فضيلة مرسي، مما دفعهم للانتقال إلى مرحلة عقد القران، فأصبحت السيدة منصور، وأمست موضع حسد من الجميع. وكان الجميع يردد أن أحباء الطفولة مقدرين لبعضهما البعض.
عندما استفاقت من تأملاتها، بدأت تضحك من تلك الأفكار التي راودتها. فللاسف، لم يكن هذا قدرهما فعلياً، فقد كان زواجهما مجرد صفقة اتفق عليها الطرفان.
فجأة سمعت  حسام  يقول: "لا تزالين مستيقظة."
وسرعان ما استقر ثقله على البقعة التي بجانبها على السرير، بينما ملأت نفحات عطره المنعش أنفها.
وقال: "لدى أمر أريد أن أخبرك به."
‏لم تستدر نحوه، فقد خمنت ما كان يريد قوله.
واستطرد قائلا: "لنحصل على الطلاق."
على الرغم من أنها كانت تتوقع ما قاله، إلا أن نبضات قلبها تسارعت. قامت بكبت عواطفها، وحاولت قدر الإمكان أن تحافظ على هدوئها، وهي تسأله: "متى؟"
كانت، وهي مستلقية في مكانها، تبدو هادئة لا مبالية، وكأنها تتحدث في أمور معتادة.
قطب حاجبيه لرد فعلها، لكنه أجاب قائلاً: "عما قريب. سننتظر إلى أن تنتهي جدتي من العملية الجراحية."
أومأت برأسها وقالت: "حسناً."
بعد برهة صمت سألها: "أهذا كل ما لديك؟"
التفتت إليه متساءلة: "ماذا؟"
كانت عيناها واسعتين وصافيتين لدرجة أنه أصابه الذهول من سؤالها. ابتلع ريقه قبل أن ينفجر في ضحكة صامتة. 
"لا شيء، أيتها القاسية."
يقول الناس إن الزواج رباط بين شخصين، وكان زواجهما قد استمر لمدة عامين، وعلى الرغم من ذلك ظلت هادئة جداً عندما طرح عليها الطلاق.
حسناً، لم يكن زواجهما سوى صفقة على أية حال، وقد فاز كل منهما بما كان يحتاجه من الآخر.
كان هو مجرد شخص عمل على ابعاد الخطّاب عنها.
مر عامان، لكنها على الأرجح كانت ستقطع علاقتها بي قبل ذلك، لولا حالة جدتي.
تغاضى عن عدم الارتياح الذي انتابه من هدوئها، واستلقى بجانبها وأغلق عينيه.
نادت اسمه فجأة: " حسام."
فتح عينيه فوراً، ولمعت أعماقهما في الظلام وهو يحدق بها، وقال: "نعم؟"
فتحت شفتيها وأغلقتهما، وأخذت بدورها تحدق به. ثم انفجرت قائلة: "شكراً لك ... على العامين الماضيين."
عندما سمع ذلك، اكتنفت عيونه المزيد من الغيوم، وزم شفتيه قائلاً: "أنت كثيرة الكلام."
هل كانت فعلاً؟
أزاحت عينيها عنه، فقد اعتقدت أنها لن تتمكن من القيام بذلك بعد وقوع الطلاق.
الفصل 3 أخذت حبة دواء خاطئة
‏عندما استيقظت فايزة صباح اليوم التالي، اكتشفت أنها اصيبت بنزلة برد، فمدت يدها إلى الدرج، لتأخذ بعض أدوية الحمى، وصبت كوباً من الماء الدافئ.
وفي تلك اللحظة عندما وضعت حبة الدواء في فمها، أدركت أمراً جعل عيناها تتسعان ووجهها يشحب. اندفعت سريعاً إلى الحمام، لتبصق حبة الدواء، ثم انحنت فوق الحوض، تبصق من فمها وتتمضمض مراراً وتكراراً، حتى تتخلص من آخر بقايا الحبة التي ذابت في فمها.
"ماذا حدث؟ لماذا اندفعت إلى هنا؟ هل أنت مريضة؟" عندما سمعت صوت  حسام  المميز يتردد من باب الحمام، رفعت فايزة عينيها ناظرة لأعلى في دهشة.
أما  حسام ، فقد عبس وجهه وهو يحدق بها.
فور أن التقت عيونهما، سارعت بتجنب النظر إليه، وبعد لحظة من الصمت، أجابت: "لم يحدث شيء. لقد تناولت حبة دواء خاطئة، هذا كل ما في الأمر." ثم مسحت قطرات الماء عن شفتيها، وخرجت من الحمام.
إلا أن  حسام  راقب فايزة وهي تخرج بنظرة تأمل حذرة. إنها تتصرف بغرابة منذ عودتها إلى المنزل أمس.
بعد تناولهما للافطار، غادر الزوجان المنزل معاً. وعندما لاحظ وجهها شاحباً، سألها: "هل تودين ركوب السيارة معي؟"
كانت فايزة قد استيقظت هذا الصباح وهي تشعر بشيء من الوعكة، وذلك بعد المشي تحت المطر في اليوم السابق. إلا أنها قبل أن توميء برأسها موافقة، رن هاتفه.
ألقى  حسام نظرة على هاتفه، ورأى أنها مكالمة من رهف. أراد أن يعود إلى داخل المنزل للرد على الهاتف، لكن عندما رفع رأسه، وجد أن فايزة كانت قد غادرت بالفعل.
على الرغم من أنهما متزوجان، إلا أنهما لا يتشاركان ذات الاهتمامات؛ ولذلك، لم تكن تهتم بالانصات إلى مكالماته الهاتفية. وقد كان هذا أسلوب حياتهما على مدار العامين الماضيين.
وعلى الرغم من ذلك، فإن سرعة هروبها قبض على قلبه في ذلك اليوم، وإن تلاشى الألم سريعاً عندما رد على المكالمة الواردة. 
وقفت فايزة، في هذه الأثناء، على بعد أمتار قليلة، تراقب  حسام . وعرفت من النظرة التي علت وجهه من المتحدث، فقد على وجهه اللطف والحنان، وهو جانب منه لم تره من قبل.
فأخذت نفساً عميقاً، وكبحت الشعور بالغيرة الذي بدأ يتفاقم داخلها. ثم اتجهت نحو المرأة، وأخرجت هاتفها.
بعد مرور خمس دقائق، أنهى المكالمة، والتفت من حوله، لكنه لم يجد أحداً يقف بجانبه. ثم نظر بسرعة في اتجاهات مختلفة، لكنه لم يجدها.
في تلك اللحظة اهتز هاتفه معلناً وصول رسالة جديدة: "مضطرة أن اذهب إلى المكتب للضرورة، لذلك غادرت أولاً." نظر حسام  إلى نص الرسالة، واكفهر وجهه.
في هذه الأثناء، أجبرت فايزة نفسها على التغلب على عدم ارتياحها والذهاب إلى المكتب، إلا انها في اللحظة التي جلست فيها إلى مكتبها، وانهارت على سطح المكتب.
يا للصداع الذي أصاب رأسي!
ومع ذلك، فإنها تدرك أنها لا يمكنها أخذ أي مسكنات، حتى وإن أرادت؛ لأنها حامل.
أحياناً، لا تعرف بماذا تفكر، خاصة أن حياتها الزوجية مع حسام  كانت دربا من الخيال. حتى وإن كانت حامل، فإن الوحيدة التي ستفرح لها بصدق هي فضيلة. وكانت فايزة تعلم أيضاً أن ما من شخص آخر، بما في ذلك حسام ، سيشعر بالسعادة عند ولادة طفلها.
كانت، حتى الأمس، تأمل أنه عندما تخبره بأنها حامل، سوف يتقبل الطفل، وتقوي زيجتهما. إلا أنها عندما علمت أن رهف قد عادت، أدركت أنه لا يزال يكن بها ذات المشاعر كما كان في السابق. بل، إذا علم حسام  بالأمر، فإن رد فعله الأول سيكون أن تقوم بعملية اجهاض، خوفاً على مستقبل علاقته برهف. أما الصوت الذي بداخلها، فكان ينصحها بأنها إما تقوم بالاجهاض فوراً، وإلا لن ينالها من الأمر سوى الخزي والعار.
"سيدة فايزة." كان الصوت العذب لامرأة تناديها عن كثب، فاستفاقت من تأملاتها. ورفعت رأسها لتجد يارا مسعد، مساعدتها.
اعتدلت فايزة في جلستها، ووضعت ابتسامة مثالية قائلة: "صباح الخير. لقد حضرتِ."
أما يارا فلم ترد الابتسامة، وإنما اعتلى القلق وجهها وهي تنظر إلى فايزة وتقول: "يبدو عليك التعب، يا فايزة، هل أنت مريضة؟"
فاجأ السؤال فايزة، لكنها سرعان ما هزت رأسها نفياً وقالت: "أنا بخير. كل ما في الأمر أنني لم أنم جيداً ليلة أمس." 
"حقاً؟" لم يبد أن يارا تصدقها، وقالت: "إنك شاحبة جداً. هل أنت بخير فعلا؟ ربما يجب أن تأخذي اليوم أجازة وتراجعي الطبيب."
أجابت فايزة: "أنا بخير، هل انتهيت من عمل الأمس؟"
وقفت يارا عاجزة أمام اصرار فايزة المستمر على التحول إلى العمل، وقامت، في نهاية المطاف، بتسليمها المستندات التي سبق أن رتبتها من مكتبها، وصبت لفايزة بعض الماء الدافئ.
"حيث أنك ترفضين الذهاب إلى الطبيب، فلتشربي هذا، ليدفئك."
كانت فايزة هي من قامت بتوظيف يارا، وبينما كانت موظفة متفانية في عملها، إلا أنه من النادر أن تفاعلت المرأتان خارج اطار العمل.
لذا، شعرت فايزة بالدهشة لقلق يارا عليها. ثم شعرت بسريان الدفء إلى قلبها عندما ارتشفت قليلاً من الماء. فقد كانت تشعر بالبرد من قبل، أما الآن، وبعد تناول بعض الماء الدافئ، فقد شعرت بتحسن كبير.
ظلت يارا تحدق فيها بقلق: "سيدة فايزة، لماذا لا أقوم أنا بتسليم التقرير اليوم، بينما ترتاحين أنتِ هنا؟"
ردت فايزة قائلة: "لا بأس" وأخذت تهز رأسها، "يمكنني القيام بذلك."
ما هي إلا ارتفاع بسيط في الحرارة، وأنا لست مدللة بهذا القدر. إن أخذت عطلة، وقمت بتوزيع مهامي، كلما شعرت بوعكة، فإنني سأصبح متعجرفة في نهاية الأمر. وكيف سأتصرف مستقبلاً إذا ما أصابني مرض، ولم أجد من يساعدني؟
انتهت فايزة سريعاً من ترتيب مستنداتها، ثم اتجهت إلى مكتب  حسام . وكان موقع مكتبها يعد بعيداً نسبياً عن مكتبه، وعلى الرغم أن هذا كان عادة أمر لا بأس به، إلا أنها في ذلك اليوم شعرت أن الطريق إلى مكتبه كان مرهقاً، وأرجحت أن ذلك بسبب وعكتها الصحية.
دق دق دق !
"تفضل."
‏‏انتظرت إلى أن سمعت صوته الرخيم البارد قبل أن تفتح الباب.
دخلت فايزة، ورأت شخصاً آخر في المكتب. كانت رهف، والتي كانت ترتدي فستاناً أبيض اللون، يبرز خصرها النحيل. كانت تبدو كالملائكة، وتدلى شعرها الناعم حتى خصرها، وأشعة الشمس المتدفقة عبر النافذة الكبيرة الممتدة من السقف إلى الأرض تحيطها بدفئها.
تجمدت فايزة عندما أدركت هوية الشخص الآخر، أما رهف فهتفت مرحبة: "أوه، فايزة،" ثم اقتربت منها بابتسامة عريضة، وقبل أن تجد فايزة الفرصة لترد، كانت رهف تعانقها.
وتجمد جسد فايزة بشكل أكبر، بينما نظرت في عيني  حسام مباشرة من فوق كتف رهف.
كان  حسام  يتكيء إلى مكتبه، ويركز عينيه الداكنتين عليها، لكن كان من الصعب قراءة ما يدور في ذهنه.
استعادت فايزة رباطة جأشها، إلا أن رهف كانت قد تراجعت عنها بالفعل.
"أخبرني  حسام  بما ألم بك، لقد كان وضعاً صعباً عليكِ". ظهر تعبير من القلق على وجه رهف، التي أضافت: "يجب أن تخبريني إن كنتِ بحاجة إلى أي مساعدة."
لم تتوقع فايزة هذا الكلام. هل أخبر  حسام  رهف بكل شيء؟
لكنها سرعان ما أدركت السبب وراء ذلك، فقد كان الجميع يعرف بأمر زواجها منه، كيف لهم، إذاً، أن يخفوا الأمر عن رهف؟ وحيث أنه لم يكن هناك مجال للحفاظ بالأمر سراً، فقد لزم عليه أن يكون واضحاً معها. كما أنها كانت مدينة لرهف.
تجاهلت فايزة المرارة التي كانت تشعر بها، وبسطت شفتيها بابتسامة، قائلة: "شكراً لكِ. متى عدتِ؟"
أجابت رهف: "وصلت أمس بالطائرة."
أمس؟ أي أن  حسام  قد ذهب لرؤيتها فور عودتها. فلا مناص من أن رهف هي حب  حسام  الأكبر في الحياة.
سألتها رهف فجأة: "لماذا أنتِ شاحبة هكذا؟ هل أنتِ مريضة؟"
كان  حسام يتكيء في تكاسل إلى مكتبه، إلا أنه عند سماعه هذا، استدار فجأة ليحدق في فايزة. قطب جبينه عابساً، بينما قام بمسحها بنظرة سريعة.
"هل السبب أن مياه المطر اغرقتك أثناء عودتك إلى المنزل ليلة أمس؟"
ارتبكت رهف وسألت: "مياه المطر أغرقتها؟"
تنهدت فايزة، وكانت على وشك أن تشرح ما حدث، عندما هتف  حسام في برود: "لماذا تجبرين نفسك إن لم تشعري بتحسن؟ إن الشركة لا تحتاج إليك بهذا الشكل. اذهبي إلى البيت واستريحي."
عندما سمعت رهف هذا، التفتت بصورة غريزية إلى  حسام . ما هذا الاضطراب المفاجئ الذي اصابه؟

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-