رواية شيخ في محراب قلبي الفصل الثامن بقلم رحمه نبيل
ضع أمرك في ودائع الله " وقل : ( يارب سلمتك أمري وكل ما أملك ) الله وحده من يقدر على تخفيف حملك وحده من سيصلح لك أمرك.
صلوا على نبي الرحمة
_____________
كادت تتقدم منه برعب شديد و قد تأكدت أنها وبالفعل شخص منحوس ...لكن حظها العثر ذاك لا يظهر سوى مع ذلك الممدد ارضًا يصرخ متأوهًا ..
تحرك لؤي سريعًا صوب ابنه يبعد الأواني عنه بينما زكريا شعر كما لو أن رأسه لم تعد تستقر أعلى كتفيه ..تحرك ببطء مستجيبا ليد والده التي تجذبه بينما صوت تأوهات خافتة جدا مازال يخرج من حلقة كل ثانية .
ركضت له وداد وهي تمسكه مربتة على كتفه بحنان :
_ حبيبي إنت كويس ؟؟ دماغك لسه في مكانها ؟؟
رمق زكريا والدته بحنق مجيبا تساؤلها :
_ ايوة يا امي دماغي لسه مكانها الحمدلله .
زفرت وداد براحة ليخرج زكريا من حنجرته صوت متذمر من حديث والدته وكأنه أصبح بلا عقل بسبب سقوط الطنجرة على رأسه ...
سار زكريا مع والديه وهو ما زال يتحسس رأسه بألم شديد لتركض وداد تحضر له بعض الثلج فوجدت فاطمة تقف في المطبخ وحدها بخوف وشعور بالذنب ...تفهمت وداد ما تشعر به لذا اقتربت منها ببطء مربته على كتفها بحنان :
_ اللي حصل قدر ومكتوب متحمليش نفسك أي ذنب ...
نظرت لها فاطمة بأعين دامعة ..ماذا تقول لها ؟؟؟ أنها ليست مرتها الاولى التي تكاد تقتل ابنها فيها ؟؟حسنا بالطبع هي لن تقول ذلك فيكفيها نظرات الشيخ التي تخبرها وبوضوح بأن موته سيكون على يدها يوما ما ......
خرجت وداد تاركة فاطمة وحدها لتعطي ابنها الثلج وتعود لها فيبدو أنها حساسة للأمر كثيرا.....
_ آه بتعمل ايه يا حاج انت ؟؟؟
كان ذلك صوت زكريا المتوجع بسبب يد والده التي ما تنفك تضغط على رأسه المتورمة....أجاب لؤي ببساطة وهو يعيد الكرة :
_ بضغط على البوقليلة يمكن تفس .
نظر له زكريا ثوانٍ دون ردة فعل ثم قال بعد تفكير ساخرا :
_ طب ما تجيب دبوس و تخرمها وبكده تفس بسرعة
ابتسم لؤي باتساع وقد لاقت الفكرة استحسانه ليترك ابنه ويركض لغرفته سريعا يحضر دبوس من عند وداد ليقوم بالأمر بينما زكريا نظر في أثره بصدمة ...هل صدق الأمر حقا ؟؟؟ فزع وهو يرى والده يعود ركضا ببسمة متحمسة بلهاء يشهر أحد الدبابيس الخاصة بوداد قائلا ببسمة تبدو مرعبة كما افلام الرعب :
_ متخافش دي شكة دبوس ........
_________________
كانت الأجواء مشتعلة والنظرات المتبادلة تكاد تحرق الجميع ....ابتسمت ماسة بخبث شديد تسمع صوت خطوات رشدي يقترب من غرفة شيماء بسرعة أعقبها صوته القلق هاتفًا :
_ في ايه يا ماسة ؟؟؟ شيماء حصلها حاجة ؟؟؟
ابتسمت ماسة بخبث وهي تحرك حاجبيها لبثينة دون أن يراها غيرها ....
ثم استدارت سريعا وهي تغير ملامحها بشكل متقن قائلة بقلق مصطنع وكأنها تلقت للتو صدمة عمرها :
_ ازاي متقوليش حاجة زي دي يا رشدي ؟؟؟ انت عارف كويس اوي إن هادي اكتر من أخ ليا .
رمقها رشدي بعدم فهم ...بينما كانت بثينة على وشك السقوط ارضا من كثرة الخوف الذي احتل قلبها للتو .
_ هادي ؟؟؟ ماله هادي ؟؟؟
كانت تلك كلمات رشدي قبل أن يستدير لبثينة يسألها بريبة :
_ ماله هادي يا بثينة حصله حاجة ؟؟؟
هزت بثينة رأسها بسرعة وهي تكاد تتحدث محاولة تدارك الأمر لولا تلك الشهقة التي خرجت من ماسة بجانبها ...
شهقت ماسة برعب شديد وهي تتجه لرشدي تقول بحزن مصطنع مكوبة وجهه بين يديها :
_ انت كمان متعرفش ؟؟؟ اه يا مسكين يا رشدي...يعني لولا بثينة الله يجحمها قالتلنا كنا فضلنا نايمين على ودانا
اشتعلت نظرات بثينة لماسة بينما شيماء كانت تراقب الجميع بخوف من معرفة اخيها فكما يبدو أنه يجهل حقيقة رفيقه .....
نظر رشدي بشر لماسة وهو يهمس من بين أسنانه بغيظ :
_ ماسة بطلي رغي وقولي ماله هادي ...
_ مدمن ...
كانت كلمة سريعة وبدون اي مقدمات خرجت من فم ماسة ببساطة شديدة وكأنها تبلغه بحالة الطقس، ليس أن رفيقه وأقرب شخص لقلبه مدمن .
ثوانٍ عم فيها الصمت المكان كله بشكل مريب والجميع يحدق في ملامح رشدي التي لا توحي ابدا بما يفكر ليطول هذا الصمت ويزداد معه توتر وخوف بثينة التي ابتلعت ريقها وهي تفكر في طريقة للرحيل بها من هنا والخروج من هذا المأزق الذي وضعتها به تلك الماكرة ماسة ...متوعدة لها في داخلها بالويل ...تفكر في طريقة لقتلها وتخليص الجميع منها ...
_ مين قال كده ؟؟؟ أنتِ ؟؟؟
كان ذلك حديث رشدي الذي وجهه لبثينة بنظرات غامضة لم تعلم منها بثينة هل يتساءل فقط أم يتهمها ؟؟؟
ابتلعت ريقها وكادت تجيب سريعا بأي شيء يأتي في بالها لولا صوت منقذتها الذي خرج سريعا مدافعا عنها :
_ لا يا رشدي ده احنا سمعناه وهو بيكلم واحد وعايز منه مخدرات .....
ضيق رشدي عينه بشك :
_ سمعتوه ؟؟؟؟
هزت شيماء رأسها سريعا وهي تقص عليه كل ما حدث غير منتبه لتلك التي كانت تود أن تنهض وتقبلها لإخراجها من ذلك المأزق.....
انتهت شيماء من قص كل شيء على رشدي الذي ابتسم متفهما للأمر لكن و قبل أن يتحدث بكلمة واحدة كانت ماسة تتدخل سريعا تتساءل بتعجب مصطنع :
_ وأنتِ يا بثينة يا حبيبتي محاولتيش تساعديه؟؟؟ ده حتى ابن عمك ومتربيين سوا يا شيخة .
_ لا هي حاولت تساعده وواجهته وهو زعق فيها وقالها ملهاش دعوة بيه وإنه مش هيبطل ....
حسنا هل قالت منذ قليل أنها ترغب في تقبيل شيماء ؟؟؟ الآن تود حقا أن تنهض وتخنقها حتى تخرج روحها بين يديها تلك الغبية تستحق كل ما تفعله بها ...تقسم أن تذيقها الويل هي وابنة خالتها الخبيثة التي ترمقها الان بنظرة وكأنها تخبرها " رديها إن استطعتي "
تحدث رشدي موجها نظرات مخيفة لبثينة يتساءل :
_ أنتِ واجهتي هادي وهو قالك إنه مش هيبطل؟؟؟؟
ابتسمت ماسة باتساع ثم قالت وهي تضرب ضربتها القاضية في مرمى بثينة :
_ انا رأيي تتصل بهادي يارشدي ويجي بنفسه يوضح الموضوع، اظن هو صاحب الشأن ولازم يكون موجود ......
__________________________
_ تمام يا مدام عاليا اهم حاجة تقطعي تواصل نهائي مع اي حد من طرفة ....
ابتسمت تلك الفتاة التي يبدو أنها في نهاية عقدها الثاني متمتمة بامتنان كبير :
_ بشكرك جدا يا استاذ هادي على وقفتك جنبي .
هز هادي رأسه لها بهدوء وبسمة هادئة عملية :
_ ده شغلي يا مدام ...دلوقتي حضرتك كل ما عليكِ تقفي وتتفرجي لغاية معاد الجلسة
نهضت عاليا وهي تبتسم بسعادة فها هي حريتها تلوح لها في الأفق ...تلك العزيزة الغائبة التي ظنت أنها بعيدة بُعد المشرق والمغرب...
_ بشكرك تاني يا استاذ هادي ... هنتظر من حضرتك تبلغني بميعاد الجلسة ابتسم لها هادي وهو ينهض مودعا إياها ثم جلس مجددا على مقعده بارهاق شديد منبعه ذلك الغبي الذي يتوسط صدره وشريكه الآخر الذي يحتل رأسه .....هذان الأحمقان وكأنهما تعاهدا على جعله يعيش حياته كلها في تعب وشوق ...
خرج من شروده بها ومن سواها ملاكه الصغير....على صوت رنين هاتفه الذي يصدح في المكان...نظر له لينتفض سريعا يلمح اسم رشدي ليظن أن شيماء حدث لها ...لذا سريعا رفع هاتفه وهو يجيب بلهفة :
_ الو رشدي ......ايه عايزني دلوقتي ؟؟؟؟.....مش فاهم ...طيب طيب خلاص خمس دقايق وتكون عندك ...تمام تمام .
زفر هادي على غباءه الذي يتلبسه كلما تعلق الأمر بشيماء ...حتى وإن كان حدث لها شيء لما سيحدثه رشدي ؟؟ هل هو وليّ أمرها ؟؟؟
حمل هادي هاتفه وخرج من مكتبه متجها لمنزل رشدي وهو يشير لمساعده :
_ مرتضى عندي مشوار سريع .....خلص الاوراق اللي في ايدك واقفل المكتب .
أنهى حديثه يخرج من المكتب كله متجها للاسفل ...يفكر فيما يريده رشدي .....
_________________
كان زكريا يقف أعلى الأريكة وهو يصرخ كالمجنون حينما رأى الدبوس بيد والده الذي كان مصرًا على أن يضعه في تورم رأسه ....
_ يا حاجة وداد ....يا حاجة وداد اغيثيني ....
ارتفع صراخ زكريا وهو يحاول الهرب بعيدا عن متناول يد والده صارخا به أن يدعه وشأنه ....
زفر لؤي بغيظ شديد وهو يشير لابنه بحزم أن يقترب :
_ اقف متبقاش زي العيال الصغيرة خليني افس البوقليلة .....
_ تفس بوقليلة ايه يا حاج لؤي والله كنت بهزر معاك ....امـــــــــــــاه اغيـــثيــنـي ......
ركضت وداد بفزع شديد جهة صراخ ابنها وهي تحمل مكعبات الثلج بيدها متسائلة بفزع :
_ فيه ايه يا زكريا يابني بتصرخ كده ليه ؟؟؟
أشار زكريا لوالده برعب والذي كان يبتسم بشكل يشبه ابطال افلام الرعب حينما يواجهون ضحاياهم...
_ شوفي جوزك عايز يفسني
ضربت وداد صدرها برعب وهي ترمق زوجها :
_ يفسك ؟؟؟ فيه ايه يا لؤي ؟؟؟
ابتسم لؤي بسمة صغير ثم قال بهدوء شديد وملامح بريئة :
_ فيه ايه يا وداد ابنك بيخرف من الضربة شكله كده ...افسه ايه ؟؟؟
_ وتكذب أيضا ؟؟؟ ويحك يارجل اتقي الله ..لقد كنت على وشك وخزي منذ ثوانٍ لولا صراخي .
نظر له لؤي بعينه يتوعده ثم ألقى الإبرة ارضا ورفع يديه في وجه زوجته :
_ بصي مش معايا حاجة بس هو ابنك اللي بدأ يخرف...
اقترب قليلا من وداد هامسا :
_ بقترح يروح لدكتور نفسي و يشوف دماغه لاحسن بقى يتخيل حاجات كتير .....
تحدث زكريا والذي كان يستمع له ولكل كلمة نطقها :
_ رباه..... من بين جميع رجال العالم كنت أنت أبي...
_ عشان محظوظ .
وكان هذا رد لؤي الذي أجاب بكل بساطة وبسمة واسعة ....
كانت فاطمة تقف في الخلف تشعر أن وجودها لم يعد مهما ....لمحها زكريا ولمح وقفتها المتوترة لذا تحرك بهدوء يهبط من فوق الأريكة ثم اتجه لوالدته وهمس بحرج وخجل فهو لأول مرة يتحدث عن فتاة حتى لو كان حديثه عاديا :
_ ماما معلش روحي شوفي الآنسة فاطمة بلغيها اني كويس و محصلش حاجة لاحسن شكلها خجلانة
ابتسمت له وداد مربته على كتفه بحنان ثم اتجهت صوب فاطمة لتحدثها ببعض الكلمات التي لم تصل لزكريا والذي ادعى أنه غير مهتم بهم لكنه للحق كانت أذنه ترهف السمع لهم حتى وصل لمسامعه صوت بكاء فاطمة ...انتفض من مكانه ينظر لها بتعجب ليجد والدته تضمها وهي تبكي في احضانها وتكرر نفس الكلمة :
_ مش قصدي والله أنا اسفة والله مش قصدي.....
زفر زكريا بتعب وهو يردد بخفوت لكن وصل لها :
_ خلاص يا انسة فاطمة حصل خير ....بس ممكن نأجل الباقي لبكرة معلش ؟؟؟
هزت فاطمة رأسها بإيجاب ثم نظرت له وهي تخلع نظارتها تمسح دموعها عنها مرددة بحزن :
_ انا اسفة والله مش قصدي ....
و للحظة لم ينتبه زكريا أنه شرد في ملامحها ليتنحنح بضيق شديد مما فعل وهو يردد باقتضاب :
_ خلاص حصل خير ولا يهمك .....
ابتسمت وداد وهي تربت على كتف فاطمة وما كادت تتحدث لتراضيها حتى صدحت صرخات عالية في المكان كله ......
_________________
فتح ابراهيم الباب لهادي ببسمة واسعة وهو يدعوه للدخول فالجميع في انتظاره بالداخل ...فقد أخبره رشدي منذ قليل أنهم في انتظار هادي ...
عدلت شيماء من وضع حجابها واعتدلت في جلستها لينظر لها رشدي يطمأن أن كل شيء بخير ثم أذن لهادي الذي يقف على الباب في انتظار إذنه :
_ تعالى يا هادي ..
دخل هادي بهدوء شديد يضع عينه ارضا محمحما ثم رفع نظره ببطء شديد لتقع عينه عليها هي... ولولا وجود الجميع لكانت ارتسمت اكبر بسمة بلهاء على وجهه الآن...حاول ابعاد نظره عنها بصعوبة كبيرة لتقع عينه على وجه بثينة التي كانت تبدو كطالبة مذنبة تنتظر العقاب ....
_ في ايه يا رشدي حصل حاجة ؟؟؟
كان هذا صوت هادي الذي كسر الصمت بين الجميع يشعر بوجود خطب كبير فالصمت المنتشر مقلق بشدة ...أشار رشدي لبثينة وشيماء قائلا :
_ مش كنت تقولي يا هادي إنك مدمن ؟؟؟ ده احنا حتى صحاب يا اخي .
لثواني لم يستوعب هادي الأمر وبقي ينظر له دون ردة فعل ينتظر أن يضحك رشدي عاليا مخبرا إياه أنه يمزح معه لا أكثر...لكن رشدي لم يضحك ولا احد في هذه الغرفة ضحك على هذه المزحة السخيفة ليردد بعدم فهم :
_ مدمن ايه ؟؟؟ إنت هتكدب الكدبة و تصدقها ؟؟؟
ابتسم له رشدي بسمة لكن لم تكن تلك البسمة هي نفسها ما كان ينتظرها هادي في البداية ... أردف رشدي بهدوء :
_ والله قول الكلام ده لبثينة وشيماء لأنهم مصدقين و مقتنعين إنك مدمن كبير وصاحب مزاج ...
لم يستمع هادي لأيا مما قال من بعد كلمة شيماء ....هل تعتقد شيماء أنه مدمن ؟؟؟؟ استدار سريعا لها وهو يسألها ناسيا جميع من معه :
_ أنتِ مفكرة اني مدمن ؟؟؟
بهتت شيماء من سؤاله المفاجئ فهي لم تتوقع أن يحدثها هي أو يوجه لها شيء، ابتلعت ريقها وهي تشير لبثينة قائلة بتقطع :
_ احنا سمعناك وانت .....
لم تكمل حديثها بسبب حديث هادي المنفعل :
_ سمعتوا ايه دي كانت تمثيلية اساسا واخوكي كان معايا في الاوضة وقتها وكمان زكريا وناس تانية ....
كان يتحدث بانفعال شديد لا يصدق أنها كل هذا الوقت تراه مدمنا ....أشار لرشدي بغضب غير متوقع :
_ ما تقولها يارشدي انك كنت معايا ....
وكان رجاء أكثر منه سؤال ليهز رشدي رأسه مؤيدا احدث رفيقه وهو يتحدث :
_ ما ده اللي كنت هقوله فعلا ...هادي مش مدمن ولا حاجة دي مجرد لعبة عملناها كلنا عشان أوقع واحد بيوزع مخدرات فقولت لهادي يمثل دور مدمن عشان يبقى الطعم وكل اللي سمعتوه ده كان هادي بيمثل قدامنا مش اكتر ولو كنتم استنيتوا ثانية كنتم هتسمعوا صوتنا .....
أنهى رشدي حديثه ثم توقف قليلا وبعدها نظر لبثينة وقال :
_ بس بثينة كانت بتقول حاجة تانية عشان كده جبتك بنفسك توضح الموضوع ....
سريعا ألتفت لبثينة والتي كانت تشعر بأن نهايتها قد اقتربت ...تحرك هادي جهة بثينة ببطء مخيف ثم همس لرشدي دون أن ينزع عينه من على بثينة :
_ وهي بثينة قالت ايه ؟؟؟
_ قالت إنها لما وجهتك بالموضوع ده إنت زعقت فيها وقولتلها ملهاش دعوة ومش هتبطل ...
وكان ذلك صوت ماسة التي أرادت المشاركة في هذه الحرب ضاربة بسهمها الذي اخترق قلب بثينة للتو جاعلا إياها تتوعد لها بالجحيم ......
صمت هادي وهو ينظر لبثينة ثوان ...كانت الثواني كساعات طويلة بالنسبة لبثينة ..حتى اخترق صوت هادي هذا الصمت مبددا إياه قائلا بهدوء مخيف :
_ ايه يا بثينة مكنتش اعرف إنك بتصدقي بسرعة كده ؟؟؟
نظر له الجميع بعدم فهم ليبتسم هادي بسمة ظهرت للجميع ممازحة لكن ظهرت لبثينة وكأن موتها يسكن بها .....
تحدث رشدي لا يفهم قصد صديقه :
_ يعني إنت فعلا قولتلها كده ؟؟؟
هز هادي رأسه ببسمة لم تصل لعينيه :
_ أنا كنت بهزر معاها مش اكتر بس مكنتش اعرف انها هتاخد الموضوع جد كده ...فيه ايه يابثينة ؟؟ ده انا ابن عمك حتى يا شيخة تصدقي اني ممكن اعمل كده ؟؟؟؟
كان لوم وعتاب مبطن من هادي الذي خاب أمله في ابنة عمه التي رباها منذ طفولتها ولم يتوانى يوما عن تقديم كل ما يملك لها ...لو كانت طلبت منه حياته لقدمها لها سعيدا والآن تأتي هنا وامام الجميع تنشر عنه اكاذيب بشعة .....
ابتلعت بثينة ريقها وهي تود لو تنشق الأرض وتبتلعها :
_ اصل ...اصل إنت كنت بتتكلم جد ففكرتك ....يعني هو
ضحك هادي بصخب ضحكة لا روح لها استشعرها رشدي ...
_ معلش الظاهر هزاري جه بايخ شويتين خلاص معلش من النهاردة مش ههزر معاكِ تاني ابدا .....
ثم نظر الجميع وتحدث ببسمة :
_ اظن ده كان مجرد سوء تفاهم مني يا جماعة معلش ...
تحدثت شيماء ببسمة صافية :
_ ولا يهمك ...مبسوطة انك مش مدمن ..
نظر لها هادي ثواني ثم ابعد عينه عنها سريعا وبعدها أشار لرشدي :
_ معلش يا رشدي تعالى خرجني عشان عندي شغل مهم سايبه ...
تنفس رشدي بتعب ثم أشار لهادي أن يتبعه، لكن قبل خروجه ألقى نظره سريعة على شيماء...وبعدها تبع رشدي لباب المنزل ....
_ لا حول ولا قوة إلا بالله .. معلش يا بوسي ظلمناكِ ...اقبلي اعتذاري يا قلبي .
انهت ماسة كلماتها تقترب من بثينة سريعا ثم ضمتها بعنف مربتة على ظهرها تهمس في أذنها بنبرة مخيفة :
_ دي بس قرصة ودن صغير عشان تبقي تسرحي بخيالك بعد كده وتفكري تقربي من بنت خالتي يا عقربة....المرة الجاية مش هتكون ابدا قرصة ودن ... المرة الجاية هقطعها خالص يا بوسي .
انهت حديثها وهي تبتعد عن بثينة مبتسمة بسمة ظنتها شيماء بسمة عادية لكن وحدها بثينة من فهمت مقصد ماسة من تلك البسمة ....
مدت ماسة يدها للحقيبة التي أحضرها رشدي للتو وأخذت منها علبة عصير واعطتها لبثينة قائلة ببسمة :
_ خدي يا بوسي اشربي يا قلبي زمان ريقك نشف يا حبة عيني ...
لم تبدي بثينة أي ردة فعل وهي مستمرة في رمق ماسة بشر كبير لتبتسم لها ماسة وتمسك يدها واضعة علبة العصير بها :
_ اشربي ياقلبي خلي الدموية ترد في وشك كده لاحسن يا حبة عيني...وشك مخطوف ...
انهت حديثها تختطف شيء من الحقيبة وهي تقول بحماس شديد :
_ هروح اجهز الفشار عشان السهرة... طبعا يا بوسي مش محتاجة عزومة عشان تقضي السهرة معانا .
انهت كلماتها وهي تخرج تاركة شيماء تبتسم براحة لما عرفته منذ قليل فهي حقا شعرت بخيبة الأمل عندما ظنت هادي مدمنا لكن الحمدلله ظهرت براءته ....
كانت بثينة في غير عالم تفكر فيما ستواجهه عند عودتها للمنزل فلو كان هادي جذبها من شعرها وضربها أمام الجميع لكان اهون عليها من نظرات هادي وما ستلاقيه منه عند عودتها .....
كان هادي يقف أمام باب المنزل مع رشدي يغمض عينه بتعب شديد ...وشعور بالخيبة قد تلبسه ...ابنة عمه تفعل به كل هذا، لكنه لم يكن يوما ليجعلها تظهر أمام الجميع بمظهر المخادعة أو الكاذبة ...لم يكن ليرضى لها يوما أن يشار إليها بإصبع اتهام أو احتقار للافتراء عليه في أمر كهذا ...في النهاية هي ابنة عمه وشرفه وأمانة والده له .....
خرج من شروده على حديث رشدي الذي كان لا يصدق كلمة مما قالها هادي في الداخل فهو أكثر من يعرف هادي ويعرف أنه حتى وإن قالت بثينة ذلك وهي تعلم الحقيقة ما كان ليؤكد على ذلك فهو أكثر الناس معرفة بحرص رفيقه على نساء منزله .....
_ بقولك مش مركز معايا ليه ؟؟؟
كاد هادي يجيب لولا صوت الصراخ الذي ارتفع في المكان مثيرا الرعب في قلوب الجميع ......
ركض الاثنان للاسفل برعب شديد ليجدوا زكريا يركض في مظهر مخيف خلف رجل ما وسيدة تخرج رأسها من إحدى نوافذ بنايته تصرخ بقهر شديد ودموع :
_ اوعى تسيبه يا زكريا يابني ابوس ايدك اوعى تسيبه .....
ودون لحظة تفكير كان رشدي و هادي يسرعون في الركض خلف ذلك الرجل مع رفيقهم دون معرفة حتى سبب ركض زكريا خلفه أو من المذنب لكن في قانونهم ( عدو صديقي عدوي ) دون حتى معرفة السبب ......
كانت الحارة كلها في استنفار وصرخات تلك السيدة وبكاءها يعلو في المكان ليخرج الجميع لنوافذه يراقبون ما يحدث بفضول شديد ......
_ دخل شارع القهوة يا رشدي ....
كانت تلك الصرخة تنطلق من فم ماسة التي كانت تشاهد ما يحدث من الاعلى.... واختفاء الرجل من أمام الثلاث رجال ...لكن تمركزها في نقطة عالية كشقة رشدي جعلها ترى جيدا أين ذهب الرجل ....
وبالفعل ركض الثلاثة رجال يتبعهم أربعة آخرين من رجال الحارة خلف ذلك الرجل .....
كان فرج يجلس على مقعده المفضل أمام القهوة وهو يحمل في يده ورقة وقلم يحاول إيجاد كلمات مناسبة لكتابتها غير واعي بما يحدث في الحارة حوله ......
ركض الرجل نحو القهوة سريعا يحاول التخفي بين الرجال قبل أن يلحق به أحد لكن للأسف لحق به زكريا ورفاقه ......
دار الرجل سريعا حول مقعد فرج الذي كان ينظر للورقة بتفكير مرددا :
_ حبيبتي ام اشرف ......
صمت قليلا لا يستحسن الكلمة :
_ لا ممكن يقع في ايد ابنها ويتقمص من الكلمة ....نخليها عزيزتي ام اشرف اخف شوية .
تحرك الرجل حول القهوة وهو يحمل المقاعد ويلقيها على من يلحق به يحاول التمسك بأى امل للهروب ...والجميع يتجنب المقاعد عدا رشدي الذي اصيب بأحد المقاعد في وجهه ليسقط جوار فرج الذي كان ما يزال في عالمه الخاص :
_ لا اعرف ماذا اكتب لكِ في هذا الخطاب يا قلب فرج فروجك فراريجو
صرخ رشدي في وجهه وهو ينهض بحنق :
_ ولما انت متنيل على عين اهلك مش عارف تكتب بتكتب ليه ؟؟؟ ما تقوم تعمل حاجة بدل عشة الفراخ اللي انت قاعد فيها دي ...
لم يهتم له فرج كثيرا حتى أنه لم يكلف خاطره ويرفع عينه لرؤية ما يحدث واكمل كتابة خطابه المسائي ....
تركه رشدي وقد ازداد غضبه من ذلك الرجل ليخرج سلاحه بعنف شديد ورفعه في وجهه الرجل صارخا فيه بغضب كبير لدرجة أن عروق وجهه كانت بارزة بشكل مرعب :
_ ايـــــــــــــدك فـــــــوق يـــا لا
كان هادي يتربص بالرجل مستغلا انشغاله بكل من حوله وسريعا انقض عليه من الخلف وكاد يقيده لولا أنه ضربه بعنف في قدمه ...صرخ هادي وهو ينحني ارضا بوجع شديد تاركا ذلك الرجل يهرب من يده مجددا بعد أن تمكن من الفرار من جميع الرجال المحيطين به فهو كان يقذف الجميع بالحجارة حتى كاد يتسبب في إصابة أكثر من شاب .....
_ يا من سهرتيني الليل ...يا من شربتيني الويل ...حلوة دي هتعجب ام اشرف اوي .
أخذ فرج يدون ما يأتي في باله غير واعيا للقهوة التي تدمرت حوله ولا الصرخات التي تنطلق من الجميع حوله ..... لكنه رأى هادي ينحني ارضا وهو يضغط على أسنانه بغضب شديد ليقول سريعا :
_ واد يا هادي خلص لعب مع صحابك وابقى فوت عليا اكون خلصت الجواب عشان توديه لام اشرف ...
نظر هادي جهته وهو يمسك قدمه بوجع ثم بصق ارضا :
_ تمام هحلص وارجعلك يا فراريجو و مش بس الجواب هو اللي هيوصل لام اشرف ....
تجاهله فرج وهو يكمل تأليف قصيدته التي من شأنها سرقة لُبّ أم اشرف لتسقط صريعة هواه ..وكأنها
ليست مغرمة به بالفعل ....
_ اه يا حبيبة الفؤاد حبيني زي ما بحبك.... فأنا أكثر العاشقون وجعا
استفز حديثه زكريا وجعله يفتح عينه بصدمة ولو كان في موقف آخر لكان ذهب واقتلع لسان فرج على ما أقترفه في حق اللغة ...بحق الله لقد جعل المضاف إليه _ العاشقين _ مرفوعا ليهمس بغيظ راكضا حلف الرجل :
_ مش هادي اللي هيرجعلك بس يا فرج ...صبرا .
كان الجميع ما يزال يركض خلف ذلك الشاب الذي دخل لأحد الأزقة الضيقة وبشدة لدرجة لا تسمح باثنين للسير سويا بها ...لكن فجأة اصطدم بجسد يسد عليه طريقه أثناء ركضه ...رفع ذلك الرجل وجهه ليجد رجل يرمقه ببسمة مخيفة وفي ثواني كان يلكمه لكمة قوية أطاحت به ارضا ....
استغل هادي انشغال الرجل بالجميع وسريعا أخذ يدخل شوارع كثيرة متداخلة حتى يقابل الرجل من الجهة الأخرى وبالفعل وصل للشارع الذي كان يركض به وتوقف له في منتصفه متوعدا له ....ودون أن يسمح له بقول كلمة واحدة كان يلكمه بعنف شديد مسقطا إياه ارضا ...صارخا به :
_ ده انا هعلقك على باب الحارة يا زبالة
نظر هادي الجميع وهم يتوقفون لالتقاط أنفاسهم قائلا بعدم فهم وبصوت هادي لا يمت لصراخه بصلة :
_ ألا هو احنا كنا بنجري وراه ليه ؟؟؟؟؟
______________________
دخلت فاطمة منزلها ببطء وهي تتنفس بتعب فعندما سمعت صراخ يرج جدران البناية الخاصة بالشيخ ارتعبت بشدة وركضت للمنزل بخوف شديد ....تشكر الله أن لا أحد انتبه لذهابها فهي لا تعلم كيف ستواجهم بعد ما حدث معها ...وما تسببت به لذلك الشيخ حتى وإن أخبرها أنه لا بأس فهي كانت ترى دائما نظرات عينه والتي تجعلها تشعر بالخوف ...حديثه الجاد والصارم يجعل فرائضها ترتعش .....
بمجرد دخول فاطمة للمنزل تحدث بتعب شديد :
_ ماما انا جيت ...هدخل استريح جوا شوية ...
_ اهلا اهلا بالهانم ..واخيرا شرفتي يا ختي ؟؟؟
رفعت فاطمة نظرها برعب لذلك الصوت لتبتلع ريقها مرددة وفرائضها ترتعد عائدة للخلف حتى اصطدمت في الباب قائلة برعب وكأنها رأت نمر على وشك الانقضاض عليها :
_ عمتي ؟؟؟؟؟
_____________
بعتذر عن فصل يوم الخميس لاني هكون في الجامعة و هيكون صعب جدا ليا إني اكتب بس هعوضكم يوم السبت بفصل كبير اكبر من باقي الفصول تعويضا عن إلغاء فصل الخميس ...ارجو تعذروني .
الجاي في الأحداث اكبر باذن الله والجد بدأ في كل القصص سواء زكريا وفاطمة أو هادي وشيماء أو ماسة ورشدي أو بثينة و.........