رواية من نبض الوجع عشت غرامي الفصل السابع 7 بقلم فاطيما يوسف



رواية من نبض الوجع عشت غرامي الفصل السابع 7 بقلم فاطيما يوسف 


 #بسم_الله_الرحمن_الرحيم

#لا إله_إلا_الله_وحده_لاشريك_له_يحي_ويميت_له_الملك_وله_الحمد_وهو_علي_كل_شئ_قدير


#البارت_السابع

#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي

#بقلمي_فاطيما_يوسف


ثم همس بصوت رجولي خشن :


_ سكون .


أجابته بنفس الهمس برقة :


_ نعم .


انطلق فاهه بالكلمة التي انتظرتها سكون أخيراً:


_ أني عايز أتجوزك على سنة الله ورسوله ، عايز أجيب الحاج سلطان والحاجة زينب وأجي أطلب يدك مقادرش أصبر أكتر من إكده واصل .


صارت قشعريرة بجسدها أكمله من طلب عمران ، وبات قلبها تدق ابوابه الطبول وتلقائيا وضعت يدها على قلبها تهدأ من ضرباته السريعة فهي لم تصدق أن عمران طلبها للزواج بتلك السرعة ، ياإلهي أذالك عشق العمران مختلف ، يالله لقد زارتك السعادة أخيرا سكون وطاب قلبك بطلب عمرانك ، 


احقا عشقتِ رجلا لن يراكي إلا حلالاً ولن يتمناكي إلا أميرة على قلبه ، 


لاحظ سكونها فهتف بهمس :


_ وه مسمعتش ردك ياسكوني معايزاشي عمران ولا ايه ؟


دلفت الي غرفتها وارتمت على تختها وخلعت حجابها ثم نظرت إلي السقف وقالت بتلهف

ودمعت أعينها بفرحة وخللت أصابع يديها بين خصلات شعرها وهي متوترة وخجلة :


_ لااا طبعاً ، بس كل الحكاية إني مكسوفة شوي .


بدا شبح ابتسامة خفيفة على ثغره وهتف إليها وهو في بحر لهفته عليها:


_ مسمعتش ردك إياك ؟

اجيب الحاج سلطان والحاجة زينب وأجي ولا عايزة تفكِري وتاخدي وقت وتدرسي عمران ؟


أراحت جسدها المهزوز من أثر كلماته على الكرسي الذي تجلس عليه وأجابته وهي تداعب خصلات شعرها:


_ هقول لماما وأبلِغك بالمعاد وتقدر تاجي وقتها وتنوِر بيتنا .


ارتسمت البسمة على محياه وتحدث بحب :


_ مشتاق أووي إني أشوف المكان اللي اتولدتي فيه أكيد هيُبقى حاجة رقيقة إكده زي اللي ساكناه .


ارتبكت بشدة من غزله بها فحقا محبتها له كانت صادقة وقلبها انتقى خليله ببراعة وأردفت بنبرة رقيقة :


_ لا والله ده مكان عادي شقة صغيرة إكده علي قدنا انا وأمي وأختي الصغيرة أما الكبيرة اتجوزت .


استمع إليها باهتمام ثم سألها:


_ إنتي والدك متوفي امته ، وإنتي صغيرة أووي ولا من قد ايه ؟


أخذت نفسا عميقا وزفرته بحزن عندما ذكرها بأبيها وأجابته :


_ بابا ميت من ١٢ سنة مات وسابنا واحنا في عز احتياجنا ليه ووجوده جمبنا ،


وتابعت كلماتها عن والدها بحنان واشتياق لذكراه :


_ أني كنت متعلِقة بيه كتييير أووي ، وكان بيحبنا إحنا التلاتة وعمره ماحسسنا غير إننا حوريات ومكانش مضايق علشان خلفته بنات لاااا كان حنين علينا حنية الدنيا بحالها .


انزعج كثيراً من نبرتها الحزينة وهي تتحدث عن والدها وشعر بالحزن لأجلها وردد :


_ تعيشي وتفتكري معلش قلبت عليكي الأحزان ، وربنا يبارك في ست الكل ربت أحسن تربية ومقصرتش وياكو وطلعتكم بنات زينة ينضرب بيها المثل في الأخلاق.


اندهشت من طريقة كلامه عنهما وكأنه يعرفهما منذ زمن وسألته :


_طريقة كلامك وكأنك عارفنا كويس مع إننا منعرفش بعض من كَتييير أووي .


ابتسم لذكائها وهتف:


_ وه مش سألت عنيكم وعرفت كل حاجة ، مش اللي بيحب حد بيحب يعرف عنيه كل حاجة واصل ولا ايه ياداكتورة.


مطت شفتيها بدلال وسألته:


_ طيب عرفت ايه بالظبط ياحضرة عمران بيه ؟


ضحك بخفة على دلالها وأجابها:


_ سيماهم على وجوههم والجواب باين من عنوانه وانتي إكده كانك الطيبة عنوان ملامحك والهدوء هو جارك والطلة اللي تشبه الملايكة سكنك .


لااا عمران ارئف بحالتي ولا ترميني في بحور عشقك وأنا لم أتعلم السباحة بمهارة ، 


فأنا لست خبيرة ولا قلبي يستطيع أن يلاحق قلبك ويجاريه بجدارة ، 


استجمعت شتات مشاعرها المبعثرة على يد ذاك العمران ورددت :


_ كلامك جميييل أووي ياعمران ومقدِرش عليه براحة على قلبي .


ابتسم على هدوئها و رقة بدائية مشاعرها وهتف:


_ لا من الأولة إكده هتفرفري واحنا يدوب بنقول بسم الله ، لاااا عايزك تُبقي لينة معاى ومتوهيش مني ده اني خلاص هبقي جوزك .


دق قلبها بوتيرة سريعة وأردفت بخجل قبل أن تغلق الهاتف معه :


_ لاا لحد إكده وكفاية مهتحمَلش ، واللي عايزه ربنا هو اللي هيكون ، هكلمك أبلغك بالمعاد ، في رعاية الله .


استمع إليها بدقات قلب تنبض عشقا لتلك الساحرة التي أسرته برقتها ونطق بعشق :


_ واني في انتظارك ياسكوني ، في رعاية الله.


أغلق الهاتف كل منهما وظلا ينظران إليه ثم احتضناه كل منهم وكأنه شاهد على التقاء الأحبة ، 


هبط عمران الأدراج وجد والديه يجلسان يشاهدان أحد المسلسلات ، 


فحمحم قائلاً:


_ السلام عليكم ، كيفكم ياأبوي ؟


ردا كل منهما السلام بابتسامة مشرقة ، ثم جلس عمران بجانب والدته ودفن حاله داخل أحضانها ، وتلك الحركة تعشقها ولكنها استفزت أبيه الذي ردد باستنكار:


_ وه بعد عنيها ياواد إنت ، هو إنت مفكر حالك لساك صغير ولا ايه .


رفعت زينب حاجبها باستنكار وردت هي عليه وهي تشدد من احتضان ولدها الوحيد :


_ وه أه صغير وهيفضل صغير ومهيفارقش حضن أمه واصل حتى لو علامات الشيب علمت على كل ملامحه ، 


وتابعت كلماتها بمشاغبة وهي تنظر إليها نظرات ماكرة انثوية:


_ قول بقي إنك غيران عليا منيه ياحاج سلطان ولا معتعترفش .


نفض جلبابه و أجابها وهو يشعر بالضيق:


_ وه ، زينب سبيكي من كيد النسا ده مهياكلش معاي ، 


وبعدين أه بغير هو إنتي مش مرتى عاد ولا ايه .


ضحك عمران وكاد أن يتحدث إلا أن والدته أبعدته عن حضنها وهتفت باعتذار :


_ معلش بقى يانن عيني مهقدرش على زعل بوك ده هو وزعله في كفه والدنيا بحالها في كفة تانية ، 


وتابعت كلماتها وهي تراضي ذاك السلطان:


_ خلاص بقي ياأبو عمران سيبته أهه بس متزعلش واصل.


ابتسم عمران على محبتهم وفرح لكونهم قريبين من بعضهم رغم كل السنوات إلا أن قلوبهم لازالت تنبض عشقا ، وتخيل حاله هو وسكونه حينما يصل بهم الزمان إلي ذاك السن فهل سيكونان مثل أبويه أم سيغيرهم الزمان ، 


وحينما أتت سكون إلى باله تحدث لوالدته متسائلاً:


_ إلا قولي لي ياأم عمران إيه أكتر حاجة تتمنيها في الدنيا دي ؟


اتسعت مقلتيها وأردفت بذهول:


_ اوعى تقول انك خلاص نويتها ياولدي وأخيراً هتفرِح قليب أمك ياحبيبي .


أماء برأسه بموافقة على كلامها وأردف بابتسامة:


_ نويت ياأمي خلاص ، وعايزك إنتي وأبوي تروحوا تخطبهالي .


هللت بسعادة عارمة وانطلق لسانها بالزغاريد وهي تردد :

_ ياألف نهار أبيض ، يانهار الهنا والفرحة الكبيرة هتاجيكي يازينب وهتشوفي ولدك الزين عريس ، 

وأكملت باستفسار:

_ اوعي تكون بتشتغلني ياواد ورب الكعبة هدبسك في أي واحدة من اللي اختارتهم لك قبل إكده .


أشار بكف يداه وهو يردد برفض قاطع:


_ لاااا واحدة مين ، أني خلاص نقيتها ياأمي وهتعجبك قوووي وهتشوفي بقي نقاوة ولدك عمران عاملة كيف .


تحدث سلطان بفرحة وهو يسكت زينب:


_ خلاص بقى يازينب اهدى إكده وخلينا نعرفوا هي مين وايه الحكاية عاد ،


ثم نظر إلى عمران وأكمل :


_ تُبقى مين ياولدي والله فرحت لك يابوي .


ربت على ظهر أبيه بحنو واردف بتوضيح:

_ تعيش وتفرح يابوى ، هي اسمها سكون محمد المهدي بوها الله يرحمه كان شغال موظف في الوحدة المحلية تبعنا وسألت عنيه لقيته راجل كُمَّل ومحترم والخلق كلياتها شهدت بأخلاقه .


هتف سلطان مباركا له وهو يربت على فخذيه بحنو :


_ مبارك ياولدي طالما سألت عنيها وطلعت زينة وبنت ناس وكماني تكرم لجل يُتْمِها ، والمصونة متعلمة ولا معاها ايه ؟


أماء برأسه بموافقة وأجابه :


_ أمال يابوي داي داكتورة نسا وتوليد وحاجة عال أووي ولما تشوفها هتقول لي يازين ماختارت بصوح .


هللت زينب وقامت من مكانها وانطلقت بالزغاريد وهي تدور حول نفسها في بهو القصر وهي تتغنى فرحا بعروس ابنها :


_ الله أكبر اسم الله عليك ياولدي ربنا يجعلها عروسة الهنا والسرور ويبعد عنيك العيون ، اسم الله اسم الله .


ابتسم كلاهما على سعادتها والتعبير عنها بشراهة ، ومن ثم هبطت رحمة من الأعلى على صوتها وأتت وجد من بيتها المجاور لهم على تهليلها وهي تتسائل حيرة عن مكنون تلك الزغاريد ، فتسائلت رحمة :


_ وه إيه الزغاريد دي كلها ياحاجة زينب هو العيد بكرة ولا ايه فرحينا معاكي عاد .


وضعت يدها على صدرها تهدأ من ضربات قلبها ثم اجابتها بعيون تشع سعاده :


_واكتر من العيد يا بتي باركي لاخوكي اخيرا هيفرح قلب امه وهيتجوَز .


كانت تلك الوجد تقف على اعتاب المنزل وما ان استمعت الى كلمات زينب حتى ابتعدت عن الباب وتنحت جانبا وهي تضع وجهها بين يديها والذي اصبح لونه بلون الجمر مما استمعت اليه ولم ياتي بمخيلتها فقد باءت جميع محاولتها بالفشل ،


ولكنها جزت على اسنانها بغ،ضب شديد وتوعدت داخلها بان ستجعل هذا المنزل يضيء بالن،ار بدلا من الكهرباء مما ستفعله بهم ، فعمران بالنسبه لها عشقها التي حلمت سنين وسعت لأن يكون زوجها الأخير زوج العمر، است بأن الني،ران تشب بين ضلوعها وتكاد تأكلها اكلا بل ان وجع الني،ران اهون من وجع ذاك الخبر الذي سمعته للتو ،


هدات من حالها ورسمت وجه الحرباء التي تتلون بألوان مختلفة كي تخدع عدوها وتنقض عليه كي تفترسه ودلفت اليهم وهي تسأل بجدية مصطنعة وكأنها لم تعلم:


_فرحينا معاكي يا حاجة يونوبك ثواب الفرحة بقى لها سنين مدقتش بابنا.


اخبرتها زينب بفرحة عارمة:


_افرحي يا بت يا وجد اخيرا عمران ولدي هيتجوَز وهيجيب لي الحفيد اللي ياما بحلم بيه منيه هو مخصوص .


كان عمران ينظر اليه بنظرات تحدي وكأنه يخبرها بأنه وعد ونفذ وبأنها لم تكن له سوى جارة فقط وليس لها وجود في قلب وعقل العمران ،بادلته نظراته بنفس التحدي وهي تردد بوجه مرتسم عليه الهدوء والسعادة بحرفية :


_مبروك يا عمران ربنا يتمم لك على خير وتُبقى عروسه الهنا والسعد .


رد عليها مباركتها بفتور وهو ينظر جانبا قاصدا فعلته تلك كي يشعرها بانها ليس لها مكانة ولا أهمية بالنسبة له وتبعد عنه:


_ الله يبارك فيكي .


بعد تهاتفهم جميعا على عمران بالمباركات قامت وجد من مكانها وهي تقصد المطبخ قائلة بفرحة مصطنعة:


_انا هقوم أعمل شربات ونشرب حلاوة الخبر الجميل ده هو عمران ولد سلطان اي حد واصل لا ده زينه شباب الناحية بحالها .


ربتت زينب على ظهرها بحنو وهي تردد بامتنان:


_منحرمش منيكي يا بتي وعقبال ما نجملوكي في الافراح يارب .


بادلتها الاخرى نفس الابتسامة المصطنعة ورددت :


_ما تقوليش إكده يا حاجة كلكم اهنه زي اخواتي وعيلتي التانية واللي اول حد بلجأ له لما اكون تعبانة ولا في حاجة واصل .


دلفت الى المطبخ بخطوات تتهادى فيها وكأنها تخبره بأنها لن تستكين ولن تستسلم وحر،ب عشقها لن تمل منها وحينما دخلت صارت تضرب بقبضتي يديها على الحائط بعنف ولكن راعت ان لا يسمعها احدا من بالخارج،


ولكن حاولت ان تهدئ من حالها قدر الامكان كي لا تنكشف ثم دارت بأعينها تبحث عن قنينه المشروب كي تصنعه لهم وكانها تصنع عصائر جرح قلبها تصنعه بألم ، تصنعه بمرارة ذاقت طعمها في حلقها،


اما في الخارج قام الحاج سلطان من مكانه وهو يتجه ناحيه المطبخ قائلا:


_هدخل الحمام واجي لكم نشوف هنروح امتى يا ولدي وهنعمل ايه جاي لك تاني.


وخطى من امامهم ودخل الحمام ولم يلبس فيه نصف دقيقه وخرج وتوجه ناحيه المطبخ وكأن قدماه هي التي تسوقه لا عقله ،


فمنذ ان فاتحه صديقه بالزواج من تلك الوجد وعيناه تراقبها في كل مكان منذ اسبوعين وهو على حاله ذاك حتى بات يتتوق لرؤيتها ،


دلف الى المطبخ قاصدا اياها قائلا بصوت خفيض:


_ما ننحرمش من عمايل يدك الغالية يا وجد وعقبال ما نفرحوا بيكي عن قريب ان شاء الله .


تلقائيا ارتعبت من صوته الذي فاجأها به ورددت وهي تضع يدها على صدرها:


_بسم الله الرحمن الرحيم، هو انت يا حاج اعذرني اتخضيت واتلبكت لما سمعت صوتك فجأه وراي ما تاخذنيش .


ابتسم لها وتحدث معتذرا:


_واه اتخضيتي عاد ده انت قلبك على اكده خفيف ، امال عايشه لوحدك كيف وانتي قلبك رهيف اكده ومهتتحمليش الهوا واصل.


ارتبكت في الحديث ولكن ترى نظراته لها غريبة وعلى غير المعتاد لاحظت أنه يتأملها على غير العادة وينظر اليها نظرات تفهمها جيدا فاستغلت الفرصة التي وضعت أمامها على طبق من ذهب كي تدلف ذاك المنزل وتكن بجانب العمران فحتما لن تتركه، 


ثم اقتربت منه رويدا وهي تجيب بنبرة صوت يكسوها الدلال :


_والله عنديك حق يا حاج اني من كتر الوحدة وأني حاسه باختناق مفيش ونيس ولا جليس يهون عليا ليلي طويل اللي ما بيعديش بالساهل واصل نهاري بقضيه ويا الحاجة شوية في شغل البيت شويه وبلهي نفسي اما الليل حاجه صعيبة قوي .


أحس ذلك الشائب العجوز بمقصدها وشعر بانه اقترب من طلبه وانه لن يحتاج وقتا طويلا كي توافق وانه حينما سيبادر بطلبها حتما ستوافق وهذا كل ما كان يؤرقه ان رفضت ستكون الن،ار اتفتحت عليه دون جدوى ولا فائدة ولكن ان وافقت فهلا بالن،ار في حضرة تلك الصغيرة التي ستعيده شبابه من جديد ،


واقترب هو الاخر رويدا وهو يمنيها:


_ما تقلقيش ربك لما يريد الحال هيتعدل وهتلاقي اللي يبقى جارك ويسندك بس وقتها ما تتمنعيش على الخير اللي هيجي لك وتوكلي على الله .


ادعت عدم الفهم وهتفت بشفاه ممطوطة بنفس الدلال:


_قصدك ايه يا حاج سلطان جايب لي عريس ولا ايه ؟


اجابها بصدر رحب:


_حاجه شكلك اكده بس نطمنوا على عمران ولدي الاول وبعدين نعدل للولايا اللي زيك يا وجد .


كم احتقرت ذاك السلطان الذي دوما تراه قيمة وقامة فمجرد حركات اغرائية منها بسيطة جعلته يلهث ويريدها بشدة ونظراته كانت تؤكد ذلك،

لم ياتي بمخيلتها ابدا ان يكن ذاك السلطان بتلك الدرجة من المراهقة التي تأتي للشيوخ ذو الشعر الابيض، ولكنها ستبدا رحلتها في ذاك المنزل مع ذاك السلطان ولم تضع في بالها زينب التي احبتها كبناتها وآوتها في منزلها ولم تشعرها يوما من الأيام بكونها غريبة عنهم ولكنها الدنيا تثبت لنا ان الخيانة لا تأتي الا من اقرب الناس الينا فلنرى في رحلتنا تلك كيف ستصل وجد الى مقصدها دون كلل او ملل ، 


ثم حمحم بصوته الخشن قائلا :


_ تمام اتفقنا على إكده عاد هخرج للجماعة بره بقي وإنتي هاتي الشربات وحصليني .


وتركها وغادر المطبخ وهي تصنع المشروب ومن ثم خرجت اليهم وهي متصنعة الابتسامة والفرحة مثلهم ووزعت عليهم الأكواب الى ان اتت الى عمران واعطته الكوب قائلة:


_مبروك يا عمران وعقبال الليلة الكبيرة وتتهنى بعروستك .


اخذ منها الكوب وهو يردد بفتور كي لا يجعل الجميع يأخذ باله من نظرتهم لبعضهم البعض ،


فود ان لا يأخذ منها شيء ولا يحاكيها اي حرف ولكن سيتحملها الى ان تأتي سكون الى ذاك المنزل وحينها ستبعد عنه مرغمة ،


________________________________


في منزل ماجدة الجندي كانت سكون متوترة للغاية وخجلة ان تخبر والدتها بقدوم عمران اليها كي يطلب يدها ،فدوما والدتها تأتيها تحاكيها عن من يطلب يدها اما اليوم فهي التي ستخبرها تجلس على تختها وتحدث حالها :


_قومى اتشجعي وقولي لها ما تتكسفيش عاد يا سكون وعجلي بفرحتك كفاياكي انتظار لحد اكده .


سارت تتقلب يمينا ويسارا الى ان قامت فجأه من مكانها وهي تجبر حالها ان تنحي الخجل جانبا وخرجت الى والدتها وجدتها تجلس امام التلفاز تتابع برنامجها المفضل،


جلست على الأريكة وهي تفرك بجسدها الى ان لاحظت والدتها فتحدثت باستنكار:


_مالك عاد يا دكتورة عمالة تفركي يمين وشمال ومش على بعضك قولي اللي نفسك تقوليه وانا هسمعك وسيبيكي من عادتك المنيلة دي .


لقد فهمتها والدتها فهي تعرفها بشدة حينما تريد مهاتفتها عن شيء ما ثم استدعت الهدوء وتحممت قائلة :


_ أممم.. في عريس عايز يجي يتقدم لي وقال لي اخذ ميعاد من حضرتك عشان يجيب ابوه وامه وياجي .


امسكت ريموت التحكم بالتلفاز واغلقته والتفتت بكامل جسدها واصبحت مقابلة ابنتها ورددت بسعادة :


_بصحيح الكلام ده يا داكتورة اخيرا قلبي هيفرح بيكي بعد كل الرفض ده لما يتقدم لك عريس ،


ابتسمت بخجل وهي تضع اعينها ارضا فسكون تخجل بشدة حتى من والدتها واجابتها:


_صحيح يا ماما حاسه بارتياح من ناحيته فقلت اتوكل على الله واللي فيه الخير يقدمه لي ربنا .


جذبتها ماجدة الى احضانها بسعادة وتحدثت وهي تربت على ظهرها:


_والله قلبي سعيد وفرحان بيكي يا حبيبتي الف مليون مبروك ويجعله قدم السعد عليكي يارب ،هكلم خالك النهاردة واقول له ياجي طوالي، على يوم الجمعة ان شاء الله يقدروا ينورونا ،بس قولي لي بقى مين ده اللي خطف قلب الدكتورة الفرسة بتاعتنا ؟


ابتسمت عيناها فور ان سألتها والدتها على حبيبها عمران وأجابتها:


_اسميه عمران سلطان المهدي والده الحاج سلطان اكيد تسمعي عنه، كان جايب اخته تتابع اخر حملها واتعرفت عليه وقال لي ان هو عايز يجي يتقدم لي واني اخد منك معاد .


سألتها ماجدة بفضول:


_قولي لي شكله عامل كيف طول بعرض اكده يملى العين ويشرح القلب ولا ايه بالظبط طمني قلبي .


انزلت بصرها خجلا من سؤال والدتها ولكن ضربتها ماجدة بخفه على يدها وهتفت :


_هتتكسفي من امك عاد في وشك هيقلب ميت لون ، احكي عاد يالاا ان مكنتيش تحكي لأمك هتحكي لمين يامخبولة إنتي .


تشجعت سكون من حديث والدتها ورددت بحالمية فور ان تاتي سيره العمران وتتحدث عنه:


_طلته كيف القمر يا امي وبسم الله طول بعرض وراجل وشكله إكده بيحبني قوي وغير كل ده عاد ابن ناس ومحترم وهيراعي ربنا فيا .


رفعت ماجدة حاجبها واردفت باستنكار:


_ولحقتي عرفتي ده كله عنيه من مرة جاب اخته فيها يا بت انتي اتكلمي عاد .


تحممت وأجابتها بصوت هادئ من التوتر:


_ أممم .. ما هو يا امي كلمني في التليفون كذا مرة عشان يعرفني بس والله ما كلمتوش تلت مرات على بعض وبعديها طلب مني ياجي يتقدم لي على طول .


فرحت ماجدة لسعادتها ثم امسكت هاتفها واتصلت بأخيها وما ان آتاها رده حتى تحدثت:


_كيفك يا اخوي عامل ايه توحشتك قوي من بقالك شهرين مجيتش تشوفني ولا تطمن على البنات ومش عادتك يعني ؟


اجابها اخيها:


_انا بخير يا خيتي معلش أني عارف اني مقصر معاكي بس والله ما باليد حيله انتي عارفه الشهرين دول جمع المحصول في الارض عندي وببقى ملخوم فيهم لشوشتي بس خلاص كلها جمعة واجي لك على عيني. 


تفهمت حديثه ورددت بدعاء لأخيها الغالي الذي لم يتركها يوما منذ وفاة زوجها:


_ولا يهمك يا اخوي الله يعينك على حالك ومالك ويرزقك الخير كله يا رب ،بس معلش عايزاك تاجي الجمعه الجاية في ضيوف جايين يطلبوا يد الدكتورة سكون وطبعا لازم تكون موجود وهات اخوي جمال كمال وبلغه عايزاكم تكونوا جاري في اليوم ده ،واني كمان هبلغ عم البنات ولو اني ما بطيقهوش واصل .


سعد أخيها لذاك الخبر الجميل وردد بمباركة :


_يا الف نهار مبروك للدكتورة سكون والله فرحت لها قوي قوي ده اني أجيلها راكب طيارة على عيوني باذن الله يوم الجمعة هاجي اصليها عنديكم مبروك مقدما لحبيبة خالها .


وظلت تتحدث معه كل يطمئن على الاخر حديث الاخوه الاحباء المعتاد، 


وسكون قلبها يكاد يقفز من بين ضلوعها من شده الفرحه فاخيرا ستنال مرادها وترتبط بمن عشقت منذ عامين في الكتمان ولكنه عنايه الله التي حاوطتها، 


وجلست تحاكي والدتها كثيرا الى ان مر الوقت ودلفت مكه اليهم واخبروها بذاك الخبر فجرت اليها مسرعه واحتضنتها بسعاده قائله:


_مبروك يا حبيبتي فرحت لك من كل قلبي الف مبروك يا سكون ربنا يجعله نصيب زين يا قلبي ،


ثم خرجت من احضانها وفجأه ذرفت الدموع من عيونها بغزارة مما استدعى دهشتهن وهي تردد:


_يعني خلاص هتمشي من اهنه انتي كمان وهبقى لوحدي ما اقدرش اعيش في الشقة دي من غير وجودك جاري ياسكون بس ربنا العالم اني فرحت لك من كل قلبي فرحة السنين بحالها .


جذبتها سكون الى احضانها وتحدثت كي تهدئها:


_بس يا بت انا ما هسيبكيش واصل ما تعيطيش انا متجوزة جارك الفرق بينا خمس دقايق مشي وكل شويه هتلاقيني نطالك اهنه وبعدين هسيبك تنفردي بالأوضه لوحدك عشان خاطر ما تنزعجيش مني بعد إكده .

شددت مكه من احتضانها وهي تدعو لها بالسعاده والتوفيق، 


ثم هتفت سكون فجأه:


_واه نسيت ابلغ مها اتصل بيها اقول لها عاد عشان تجيب ولادها وتاجي يوم الجمعه من بدري .


وامسكت هاتفها وقامت بالاتصال على اختها وما ان اتاها الرد حتى ابلغتها بذاك الخبر السعيد الذي أفرح قلبها وتحدثت بمباركة :


_ الف مبروك يا غاليه الف مبروك يا دكتورة ربنا ينعم عليك بالفرح ،اخيرا هتفرحي قلبنا وهتتجوزي وهتبقي احلى عروسة في الكون كله ، وما تقلقيش يوم الجمعة من الصباحيه هاجي لك يا قلبي على عيوني اني والقردين الصغيرن دول ، 


ظلتا تتحدثان بضع دقائق ثم جلسن يتسامرون مع بعضهن الام وبناتها في جلسة عائلية وهم سعداء بخبر سكون التي القته عليهم اليوم .


_____________________________


في منزل مها بعد أن أغلقت الهاتف مع أختها استمعت إلي صوت يصعد السلم ، فخرجت تري من بالخارج ففتحت الباب وإذا بها تراه أمامها ، أما هو رأى خروجها فحمحم قائلاً وهو يضع عيناه أرضاً:


_ السلام عليكم ، كيفك ياأم الغاليين وكيفهم هما كمان ؟


رفعت حاجبها باندهاش نظراً لأنه لم ينظر إليها وأردفت:


_ والله عاد لسه متجوزتش ولا اختارت بت الحلال وبتكلمني وإنت مش باصص في عيوني ، هو أني شكلي مبقاش عاجبك دلوك يابن الحلال ؟


وضع كف يداه أسفل رأسه من الخلف وهو ينظر في نفس الجهة وأجابها وهو يتمتم بصوت خفيض:


_ مش الحكاية يامرت أخوي .


_ مرت أخوك ! .. جملة تهكمية نطقتها تلك المها بعيون غاضبة وتابعت بامتعاض:


_ دلوك عرفت إني مرت أخوك عاد ياحضرت عامر بيه ؟


أخذ نفسا عميقا ثم زفره بهدوء ونطق بكلمات متعقلة وهو يثبت عيناه داخل عيناي تلك التي حيرته وجعلته يرتكب جرما ماكان يستحق أن يرتكبه يوماً من الأيام:


_ أظن إحنا متفقين على إكده من أخر مرة اتكلَّمنا فيها وكنا حاطين النقط على الحروف ولا ايه عاد يامرت أخوي .


اتكأ في نطقه على كلماته الأخيرة وهو قاصداً ذلك كي يجعلها تستفيق وخاصة عندما رأى تلك النظرة التي يحفظها ويفهمها عن ظهر قلب ، ولكن فوجئ بها تشده من يداه وأدخلته شقتها وأغلقت الباب ووقفت وراه ، وكل ذلك حدث في بضع ثواني جعلته ذهل من فعلتها ، فسألها بذهول :


_ ايه اللي عملتيه ده يامجنونة إنتي ! مخيفاش أخوي ياجي دلوك وتبقي وقعتنا مربربة ، لساكي متهورة زي مانتي يامها ؟


صار صدرها يعلو ويهبط وهي تنهج من فعلتها تلك فجسده ضئيل عليها حين جرته من يداه ،


ولكن هدأت من حالها وتبدلت نظراتها نقيضا واقتربت منه وعلي حين غرة هتف لسانها بوحشة :


_ ياه اتوحشتك قووي قووي ياعامر ، مكنتش اعرف إني لما أشوفك هضعف أوي إكده وأحس باللهفة اللي اني حاسة بيها دلوك .


ضرب كفا بكف فهو عائداً من الخارج وكله تصميم على أن لايجاريها وكما أنه التزم في صلاته واستغفر ربه على فعلته الذنب الكبير معها تلك المرة الوحيدة منذ سنوات ، ذلك الذنب الذي تهتز له سبع سموات ، 


ثم تحدث وهو عاقدا حاجبه باستغراب لحالتها تلك :


_ لساكي زي مانتي عواطفك غالبة عليكي !

لساكي قلبك وإيمانك ضعيف يامها وبتجري ورا شهواتك ، فوقي يابت الناس عنديكي ولدين متحمليهمش العار وتشيلي ذنبهم ده إنتي روحك فيهم .


اقتربت منه وأمسكته من تلابيب قميصه واردفت بغضب عارم وهي تجز على أسنانها :


_ وه كانك مصدِق الحديت اللي بتقوله ده !

بقي اني بجري ورا عواطفي وشهواتي !

كانك متعرفش المرار اللي بعيشه كل يوم والتاني مع اخوك اللي معندهوش ذرة إحساس ، الكلام ده فات أوانه ياعامر ومبقاش له عازة دلوك .


كانت تهزه بعنف وهي متأثرة بكلامها ، اما هو قبض على كفاي يداها بشدة وأجابها :


_ متعلقيش أخطائك على شماعة خايبة ملهاش عاز يامرت أخوي ، كل اللي بتقوليه ده مبقاش يشغلني ولا بقيت ألتمس لك اي عذر بيه واصل ، 


وتابع كلماته وهو يخفض يداها من على قميصه بحدة خفيفة هو قاصدها كي تستفيق :


_ خلاص الصغير كبر وفهم وأني من سنين قبل ما اسافر من اهنه ساعة ماجيتي لي واشتكيتي لي مر ايامك صدقتك وجريت وراكي بدون ذرة عقل لكن المرة دي كبرت وعرفت اني غلطت ، بس دلوك مهكررش الغلط ده مرة تانيه واصل مهما يحصُل يامرت أخوي.


أدمعت عيناها وتحدثت وهي تضرب بقبضتي يديها على المنضدة:


_ مش بمزاجك تبديها وبمزاجك تنهيها ، 


ثم أكملت بضعف وهي تنتحب بشدة :


_أني إنسانة من لحم ودم وبموت إهنه بالحيا مع راجل معندهوش أي ذرة إحساس تجاهي ، بيهملني بالشهور وبتطلبوا مني أتحمل كيف ياعالم ! حرام والله العظيم حرام حرام .


أحس بضعفها واحتياجها ، مز قته دموعها ،ود لو يحتضنها ويخفف عنها ، ود لو كانت في ظروف غير ذلك أو كانت امرأة غيره ، ولكن ماباليد حيلة ، فخفف عنها قائلا :


_ اتكلمي معاه ، زني على ودانه كتييييييير الحريم مبيغلبوش ، طالبي بحقوقك مرة واتنين وتلاتة وعشرة ومتمليش لحد مايستجيب ، متدوريش على طريق الحرام وتستسهليه ، طرق ربنا الحلال كتير يابت الناس .


أدارت جسدها للخلف وهدرت به بنفاذ صبر وطاقة فقدتها مع فقدان أنوثتها طيلة الأيام:


_ ياه ده انت الحل بالنسبه لك سهل قوي !

ده اني اتحايلت عليه علشان ياخد باله مني ويحافظ عليا بعدد شعر راسي ، كل يوم والتاني اكلمه مرة باللين ومرة بالشدة ومرة بالخصام ومرة بالاهمال في حقوقه المنزلية ولا حياه لمن تنادي ، خلاص الصبر زهق من صبري .


بهدوء حسم أمرها وردد :


_ خلاص اتطلقي منيه وشوفي حالك طالما مبقاش عنديكي قوة تحمل .


ثبتت نظرة عيناها داخل عيناه وتفوهت :


_ وتتجوَزني ؟


فتح فمه من كلمتها ، وتابعت هي :


_ مالك إكده تنحت وفتحت لي بقك على وسعه ، ولا أني بالنسبة لك رخيصة ؟


أجابها بتصميم :


_ إنتي مرت أخوي يامها .


بعيون قوية أردفت :


_ هطلق منيه وهبقي حرة وأحل لك .


ربع ساعديه أمام صدره وهتف برفض :


_ مهما كان مهكسرش اخوي ، مينفعش.


اقتربت بخطواتها وتحدثت بنفس التصميم:


_ اخوك ميفرقش معاه اخوة من أبوة من بنوة بارد معندهوش حب غير لحاجة واحدة بس حب المال حب كبير .


ابتلع أنفاسه بصعوبة وردد :


_ مهما يكون عمري ماعملها علشان متعلقيش نفسك بوهم كداب .


لفت بجسدها من أمامه ووقفت بمحازاة كتفه ورددت :


_ مهتعرفش تحب غيري ولا واحدة هتسعدك غيري ياعامر .


بنفس لفتتها تحرك ووقف بمحازاة كتفها الاخر مرددا بضياع من تأثيرها عليه :


_مين قال لك إكده كنتي بتتحكمي في القلوب عاد ووليتي حالك أمر ربنا وبقيتي بتعرِفي تقلبي القلوب علي كيفك .


أمسكته من كتفيه بقوة في حركة جريئة منها وهتفت بقوة :


_ لا ماهوَلِيش حالي ولا حاجة ، بس قلبك مفاتيحه بإيدي ، أني اللي ربيته وأني اللي علمته كيف يحب وأني بس اللي أقدر أتحكم فيه مش أي مرة تانية.


نزع يداها من على كتفيه وأردف متمنعا:


_ لااا كان زمان يامها ، بس دلوك أنا أبعد لك من نجوم السما.


جزت على أسنانها بغضب من عنده وتمرده عليها ورددت :


_ نجوم السما مبقتش بعيدة ولا حاجة بيوصلو لها وبيعيشوا جواها وبيكتشفوا كتيير وكتيير من أمورها المخفية بحبة قوة وصبر وطاقة بسيطة .


أعلن وجهه عن غضبه الجم من كلماتها وأردف بتصميم:


_ خلاص لحد يوم الدين والقيامة تقوم يابت الناس مهعرفكيش ولا هبص لك حتي. 


بصوت عالي وبنفس غضبه :


_ مش هتقدر ، ومش هسيبك لواحدة غيري تتهني وياك وأنا اللي علمتك ألف باء في الحب والعشق .


رفع حاجبه وردد بثقة:


_ الأيام بيننا وهنشوف مين الغالب ومين المغلوب ، بس قبل أي شئ فكري في المتعلقين برقبتك هيضرك خسارتهم إنتي مش أنا وهتبكي بدل الدموع د م يابت الناس .


جحظت عيناها من تهديده الغير صريح وهتفت بفك يهتز بسخرية :


_ إنت بتهددني إياك ! طيب يمين الله على كل لحظة حب اديتهالك ماههنيك على أي حاجة تعملها في طريقك اللي بعيد عني .


أخرجته عن شعوره وهدر بها بحدة وهو يمسكها من ذراعها ويهزها بعنف :


_ إنتي إيه شيطان رجيم يابني آدمة إنتي! إزاي تُبقي بالأذى ده ومشفتكيش على حقيقتك طول السنين دي ، 


وتابع حديثه بتهديد صريح :


_ طيب يمين على يمينك ياقليلة الحيا إنتي لو مبعدتيش عن طريقي لا ههد المعبد على دماغك قبلي ، ومش بس إكده هخلي قنا كلياتها ملهاش حديت غير عنك ياأم الولاد ، اني معنديش حاجة أخاف عليها ولا عيل ولا حد أخاف عليه ، أنا قلت لك أها بعدي عني أحسن لك وإلا اللي هيحصل هيد مِرك قبلي .


ألقى كلماته اللاذعة ونفضها بحدة جعلتها سقطت أرضا وهي تتوجع بألم من أثر سقوطها ثم غادر المكان صافعا الباب خلفه بحدة ، 


أما هي دفنت رأسها بين يديها تتأوه جراح الروح ، وتبكي بدون صوت وكأن البكاء يعزف ألحانه بهدوء صامت يدمي قلبها ،


_________________________________


مع شروق شمس يوم جديد، فعند شروق الشمس وحلول الصباح تتفتح قلوبنا كما تفعل الأزهار في الحقول، وتبدأ أمنياتنا كالعصافير ترفرف باحثة عن سبيل لتحقيقها ،


ما أجمل أن نراقب الشمس عند حلول الصباح، فهي لا تنعكس على مرآة عيوننا فقط، بل على مرآة القلب، فنشعر أن القلب ذاته يشرق مع حركة الشمس ،

إن شروق الشمس في الصباح الباكر هي لحظة يجب على كل منا أن لا يفوتها ولا يسمح لها بأن تضيع دون أن يكون حاضرًا وشاهدًا عليها ،

فتعلمنا الشمس مع إشراقتها في كل صباح أن النور لا بد أن ينتصر، وأن لكل ظلام نهاية مهما طال أو استمر ، 


تهبط رحمة الأدراج وهي في كامل اناقتها بنشاط وجدية فاليوم ستحضر محاضراتها ثم تذهب إلي المكتب كي تباشر عملها فمنذ ثلاثة أيام لم تذهب وذلك للعطلة الرسمية ، 


ماإن رأتها والدتها متعجلة حتي مطت شفتيها بامتعاض وأردفت:


_ وه السنيورة متلهوجة إكده ليه ، هو معاد الوزارة فاتك ولا حاجة ؟


لوت الأخري فمها بملل ورددت بسماجة:


_ أها بالظبط إكده ، صباح الخير ياحاجة زينب .


ردت صباحها بفتور وهتفت :


_ ايوه خوديني في دوكة ، اني مش قلت لك بالليل يابت إنتي نضفي المطبخ علشان ام حسين تعبانه ومش هتيجي لمدة اسبوع ، وأني تعبت لوحدي ولا البعيدة معندهاش د م. 


ضر بت على جبينيها بنسيان مصطنع وهتفت وهي تميل عليها تقبلها من وجهها :


_ وه نسيت خالص واتلهيت في المذاكرة ونمت على نفسي ، معلش ياحاجة زينب سماح النوبة دي ، 


وتابعت كلماتها وهي تحمل حقيبتها على عجالة :


_ اني متأخرة لما اجي هشوفه الموضوع ده ادعيلي ياحاجة .


ألقت كلماتها وتركتها وغادرت المكان ، واستقلت سيارتها وذهبت إلي جامعتها ،


دلفت الي الجامعة وألقت السلام على صديقاتها بتعجل ، 


اندهشوا من سلامها العاجل وهتفت احداهن بصوت عال وصل إلي مسامعها :


_ أيوة أيوة على الناس اللي اشتغلت وعليت وبقت تسلم على الماشي وتجري .


أدارت جسدها إليهم ورددت بعيون متسعة دون إحراج :


_ وه هتحسدوني إياك يابت منك ليها ولا ايه ، بقت عيني عينك إكده !


شعرن بالإحراج من صريح عباراتها وهتفن بوجه محمر كي يحفظن ماء الوجه :


_ بنهزروا وياكي ياست رحمة ولا إنتي بقيتي تبصي لنا من مناخير عالية بقي .


عبست ملامح وجهها من هرائهم الذي يضيع لها وقتها وهتفت وهي تشيح بيدها في وجههم :


_ بقول لكم إيه يالا عندينا محاضرة مهمة وسيبوكم من الكلام التافه ده ، متضيعوش وقت عاد .


ألقت كلماتها وسبقتهم إلي محاضرتها كي تنهي المهم في يومها الجامعي وتذهب إلى عملها ، 


فرحمة لم ولن تتهاون في دراستها فلديها حلم لابد أن تصل إليه ، 


أنهت رحمة يومها الدراسي وخرجت من الجامعة قاصدة مكتب المحاماة التى تعمل به ، 


كانت تجلس على مكتبها منهمكة في تفاصيل العمل الذي لم ولن ينتهي في ذاك المكتب الشاق ولكن تحبذ ذلك بشدة ، 


وأثناء انهماكها في العمل سمعت صوت ماهر الغاضب يردد عبر الهاتف :


_ إنتي ياهانم ياللي برة فين قهوتي ! خمس دقايق تكون على مكتبي وحسابك عسير معايا .


انتفضت من مكانها وهي تنظر في ساعة يدها ووجدت أن ميعاد قهوته مر علي وقتها أكثر من نصف ساعة ، هرولت سريعاً وقامت بصنع القهوة بنفسها عندما لم تجد الساعي ، 


أنهت صنعها وذهبت على عجالة إلى مكتبه وكادت أن تتعثر في خطواتها بضع مرات من شدة التوتر ، 


دلفت إلى مكتبه ونظرت إلى وجهه وشهدت علامات الغضب على وجهه بشدة ، 


وما إن وصلت إليه حتى تعثرت قدماها في طرف السجادة المفروشة على الأرض وطارت القهوة من يدها وانسكبت على بدلته ، 


وقعت الصينية بمحتوياتها أرضا وتهشم الزجاج ، 


أما هو نظر إلي ماحدث بذهول وهو يحاول نفض حلته من ما حدث لها ، وهتف موبخا إياها:


_ إنتي ايه يابني آدمة إنتي اللي عملتيه ده !

وايه اللبخة اللي انتي فيها دي هو إنتي مش عارفة إنتي شغالة مع مين ! الظاهر إني غلطت واتسرعت في شغلك معايا وانك مستهترة .


أدمعت عيناها من عصبيته وكادت أن تقوم وسندت بيدها أرضاً وإذا بها تص رخ صر خة عالية جعلته انتفض من مكانه ، 


لقد دخل الزجاج وملأ باطن يديها مما جعلها تشهق شهقتها العالية والتى أدمت يداها بشراهة ،


هبط لمستواها عندما رأي أذيتها ، و أمسكها من يدها وهو يحاول إخراج الزجاج من يدها مرددا بطمئنة لها فقد صعبت عليه :


_ معلش اهدي ، هحاول اشيله لك بس اتحملي يارحمة .


ثم بدأ بنزع الزجاج من يدها بهدوء ويداه تحتضن يداها ، كانت لأول مرة تنظر إلي ملامحه عن قرب ، نظرت إليه وتاهت في ملامحه الرجولية وتنفست رائحته بعمق ، 


ولأول مرة يدق قلبها الصغير بعنف ، فقد شعرت ابنة العشرين بالإعجاب للأربعيني الأعذب ، وفجأة اعتلى صوتها بصرخة عالية :


_ أاااااااه ، يدي بتوجعني أووي .


حرك رأسه بحزن على توجعها وأردف :


_ معلش يارحمة اهدي قربت أهو .


وبعد دقائق أنهى نزع الزجاج من يدها ثم سندها كى تقوم من مكانها ، وأجلسها على الكرسي ثم تركها ودخل إلى الحمام الخاص بالمكتب وأخرج علبة الإسعافات الأولية ، 


وخرج إليها وجدها تمسك يداها وتتوجع ، 


تحدث إليها:


_ معلش اتحملي شويه ، هاتي يدك أطهر لك الجرح .


أعطته يداها التي ترتعش بشدة من خجلها منه قبل وجعها ، لأول مرة تشعر ذاك الشعور الذي ألفه قلبها ، لأول مرة تترك لعيناها العنان أن تنظر لرجل ، 


احتضن كف يداها مرة ثانية وبدأ بتضميد جراحها وبعد أن انتهي نظر إليها مرددا بحنو شعر به تجاه تلك الصغيرة التي حركت سريرة ذاك المتجمد ، وهو يهتف :


_ خلاص ياستي كله تمام ، قومي بقي روحي على بيتك ومتجيش الا لما يدك تخف .


ابتسمت إليه وشكرته بامتنان:


_ أنا بشكر حضرتك جدا يافندم ، ومتأسفة علي اللخبطة اللي حصلت للمكتب بسببي .


عاد إلي كرسيه وهو يجيبها :


_ مفيش لخبطة ولا حاجة ، أنا اللي اتعصبت زيادة عن اللزوم ومكنتش أعرف أنك بتتوتري وبتخافي أووي اكدة ، 


عموما حصل الخير واتفضلي يالا روحي .


استنوني يوم الأحد بإذن الله في بارت جديد دمتم في رعاية الله وأمنه 🥰 


#انتهي_البارت

#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي

#بقلمي_فاطيما_يوسف

#مستنية_رأيكم_وتوقعاتكم 


#بسم_الله_الرحمن_الرحيم

#لا إله_إلا_الله_وحده_لاشريك_له_يحي_ويميت_له_الملك_وله_الحمد_وهو_علي_كل_شئ_قدير


#البارت_السابع

#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي

#بقلمي_فاطيما_يوسف


ثم همس بصوت رجولي خشن :


_ سكون .


أجابته بنفس الهمس برقة :


_ نعم .


انطلق فاهه بالكلمة التي انتظرتها سكون أخيراً:


_ أني عايز أتجوزك على سنة الله ورسوله ، عايز أجيب الحاج سلطان والحاجة زينب وأجي أطلب يدك مقادرش أصبر أكتر من إكده واصل .


صارت قشعريرة بجسدها أكمله من طلب عمران ، وبات قلبها تدق ابوابه الطبول وتلقائيا وضعت يدها على قلبها تهدأ من ضرباته السريعة فهي لم تصدق أن عمران طلبها للزواج بتلك السرعة ، ياإلهي أذالك عشق العمران مختلف ، يالله لقد زارتك السعادة أخيرا سكون وطاب قلبك بطلب عمرانك ، 


احقا عشقتِ رجلا لن يراكي إلا حلالاً ولن يتمناكي إلا أميرة على قلبه ، 


لاحظ سكونها فهتف بهمس :


_ وه مسمعتش ردك ياسكوني معايزاشي عمران ولا ايه ؟


دلفت الي غرفتها وارتمت على تختها وخلعت حجابها ثم نظرت إلي السقف وقالت بتلهف

ودمعت أعينها بفرحة وخللت أصابع يديها بين خصلات شعرها وهي متوترة وخجلة :


_ لااا طبعاً ، بس كل الحكاية إني مكسوفة شوي .


بدا شبح ابتسامة خفيفة على ثغره وهتف إليها وهو في بحر لهفته عليها:


_ مسمعتش ردك إياك ؟

اجيب الحاج سلطان والحاجة زينب وأجي ولا عايزة تفكِري وتاخدي وقت وتدرسي عمران ؟


أراحت جسدها المهزوز من أثر كلماته على الكرسي الذي تجلس عليه وأجابته وهي تداعب خصلات شعرها:


_ هقول لماما وأبلِغك بالمعاد وتقدر تاجي وقتها وتنوِر بيتنا .


ارتسمت البسمة على محياه وتحدث بحب :


_ مشتاق أووي إني أشوف المكان اللي اتولدتي فيه أكيد هيُبقى حاجة رقيقة إكده زي اللي ساكناه .


ارتبكت بشدة من غزله بها فحقا محبتها له كانت صادقة وقلبها انتقى خليله ببراعة وأردفت بنبرة رقيقة :


_ لا والله ده مكان عادي شقة صغيرة إكده علي قدنا انا وأمي وأختي الصغيرة أما الكبيرة اتجوزت .


استمع إليها باهتمام ثم سألها:


_ إنتي والدك متوفي امته ، وإنتي صغيرة أووي ولا من قد ايه ؟


أخذت نفسا عميقا وزفرته بحزن عندما ذكرها بأبيها وأجابته :


_ بابا ميت من ١٢ سنة مات وسابنا واحنا في عز احتياجنا ليه ووجوده جمبنا ،


وتابعت كلماتها عن والدها بحنان واشتياق لذكراه :


_ أني كنت متعلِقة بيه كتييير أووي ، وكان بيحبنا إحنا التلاتة وعمره ماحسسنا غير إننا حوريات ومكانش مضايق علشان خلفته بنات لاااا كان حنين علينا حنية الدنيا بحالها .


انزعج كثيراً من نبرتها الحزينة وهي تتحدث عن والدها وشعر بالحزن لأجلها وردد :


_ تعيشي وتفتكري معلش قلبت عليكي الأحزان ، وربنا يبارك في ست الكل ربت أحسن تربية ومقصرتش وياكو وطلعتكم بنات زينة ينضرب بيها المثل في الأخلاق.


اندهشت من طريقة كلامه عنهما وكأنه يعرفهما منذ زمن وسألته :


_طريقة كلامك وكأنك عارفنا كويس مع إننا منعرفش بعض من كَتييير أووي .


ابتسم لذكائها وهتف:


_ وه مش سألت عنيكم وعرفت كل حاجة ، مش اللي بيحب حد بيحب يعرف عنيه كل حاجة واصل ولا ايه ياداكتورة.


مطت شفتيها بدلال وسألته:


_ طيب عرفت ايه بالظبط ياحضرة عمران بيه ؟


ضحك بخفة على دلالها وأجابها:


_ سيماهم على وجوههم والجواب باين من عنوانه وانتي إكده كانك الطيبة عنوان ملامحك والهدوء هو جارك والطلة اللي تشبه الملايكة سكنك .


لااا عمران ارئف بحالتي ولا ترميني في بحور عشقك وأنا لم أتعلم السباحة بمهارة ، 


فأنا لست خبيرة ولا قلبي يستطيع أن يلاحق قلبك ويجاريه بجدارة ، 


استجمعت شتات مشاعرها المبعثرة على يد ذاك العمران ورددت :


_ كلامك جميييل أووي ياعمران ومقدِرش عليه براحة على قلبي .


ابتسم على هدوئها و رقة بدائية مشاعرها وهتف:


_ لا من الأولة إكده هتفرفري واحنا يدوب بنقول بسم الله ، لاااا عايزك تُبقي لينة معاى ومتوهيش مني ده اني خلاص هبقي جوزك .


دق قلبها بوتيرة سريعة وأردفت بخجل قبل أن تغلق الهاتف معه :


_ لاا لحد إكده وكفاية مهتحمَلش ، واللي عايزه ربنا هو اللي هيكون ، هكلمك أبلغك بالمعاد ، في رعاية الله .


استمع إليها بدقات قلب تنبض عشقا لتلك الساحرة التي أسرته برقتها ونطق بعشق :


_ واني في انتظارك ياسكوني ، في رعاية الله.


أغلق الهاتف كل منهما وظلا ينظران إليه ثم احتضناه كل منهم وكأنه شاهد على التقاء الأحبة ، 


هبط عمران الأدراج وجد والديه يجلسان يشاهدان أحد المسلسلات ، 


فحمحم قائلاً:


_ السلام عليكم ، كيفكم ياأبوي ؟


ردا كل منهما السلام بابتسامة مشرقة ، ثم جلس عمران بجانب والدته ودفن حاله داخل أحضانها ، وتلك الحركة تعشقها ولكنها استفزت أبيه الذي ردد باستنكار:


_ وه بعد عنيها ياواد إنت ، هو إنت مفكر حالك لساك صغير ولا ايه .


رفعت زينب حاجبها باستنكار وردت هي عليه وهي تشدد من احتضان ولدها الوحيد :


_ وه أه صغير وهيفضل صغير ومهيفارقش حضن أمه واصل حتى لو علامات الشيب علمت على كل ملامحه ، 


وتابعت كلماتها بمشاغبة وهي تنظر إليها نظرات ماكرة انثوية:


_ قول بقي إنك غيران عليا منيه ياحاج سلطان ولا معتعترفش .


نفض جلبابه و أجابها وهو يشعر بالضيق:


_ وه ، زينب سبيكي من كيد النسا ده مهياكلش معاي ، 


وبعدين أه بغير هو إنتي مش مرتى عاد ولا ايه .


ضحك عمران وكاد أن يتحدث إلا أن والدته أبعدته عن حضنها وهتفت باعتذار :


_ معلش بقى يانن عيني مهقدرش على زعل بوك ده هو وزعله في كفه والدنيا بحالها في كفة تانية ، 


وتابعت كلماتها وهي تراضي ذاك السلطان:


_ خلاص بقي ياأبو عمران سيبته أهه بس متزعلش واصل.


ابتسم عمران على محبتهم وفرح لكونهم قريبين من بعضهم رغم كل السنوات إلا أن قلوبهم لازالت تنبض عشقا ، وتخيل حاله هو وسكونه حينما يصل بهم الزمان إلي ذاك السن فهل سيكونان مثل أبويه أم سيغيرهم الزمان ، 


وحينما أتت سكون إلى باله تحدث لوالدته متسائلاً:


_ إلا قولي لي ياأم عمران إيه أكتر حاجة تتمنيها في الدنيا دي ؟


اتسعت مقلتيها وأردفت بذهول:


_ اوعى تقول انك خلاص نويتها ياولدي وأخيراً هتفرِح قليب أمك ياحبيبي .


أماء برأسه بموافقة على كلامها وأردف بابتسامة:


_ نويت ياأمي خلاص ، وعايزك إنتي وأبوي تروحوا تخطبهالي .


هللت بسعادة عارمة وانطلق لسانها بالزغاريد وهي تردد :

_ ياألف نهار أبيض ، يانهار الهنا والفرحة الكبيرة هتاجيكي يازينب وهتشوفي ولدك الزين عريس ، 

وأكملت باستفسار:

_ اوعي تكون بتشتغلني ياواد ورب الكعبة هدبسك في أي واحدة من اللي اختارتهم لك قبل إكده .


أشار بكف يداه وهو يردد برفض قاطع:


_ لاااا واحدة مين ، أني خلاص نقيتها ياأمي وهتعجبك قوووي وهتشوفي بقي نقاوة ولدك عمران عاملة كيف .


تحدث سلطان بفرحة وهو يسكت زينب:


_ خلاص بقى يازينب اهدى إكده وخلينا نعرفوا هي مين وايه الحكاية عاد ،


ثم نظر إلى عمران وأكمل :


_ تُبقى مين ياولدي والله فرحت لك يابوي .


ربت على ظهر أبيه بحنو واردف بتوضيح:

_ تعيش وتفرح يابوى ، هي اسمها سكون محمد المهدي بوها الله يرحمه كان شغال موظف في الوحدة المحلية تبعنا وسألت عنيه لقيته راجل كُمَّل ومحترم والخلق كلياتها شهدت بأخلاقه .


هتف سلطان مباركا له وهو يربت على فخذيه بحنو :


_ مبارك ياولدي طالما سألت عنيها وطلعت زينة وبنت ناس وكماني تكرم لجل يُتْمِها ، والمصونة متعلمة ولا معاها ايه ؟


أماء برأسه بموافقة وأجابه :


_ أمال يابوي داي داكتورة نسا وتوليد وحاجة عال أووي ولما تشوفها هتقول لي يازين ماختارت بصوح .


هللت زينب وقامت من مكانها وانطلقت بالزغاريد وهي تدور حول نفسها في بهو القصر وهي تتغنى فرحا بعروس ابنها :


_ الله أكبر اسم الله عليك ياولدي ربنا يجعلها عروسة الهنا والسرور ويبعد عنيك العيون ، اسم الله اسم الله .


ابتسم كلاهما على سعادتها والتعبير عنها بشراهة ، ومن ثم هبطت رحمة من الأعلى على صوتها وأتت وجد من بيتها المجاور لهم على تهليلها وهي تتسائل حيرة عن مكنون تلك الزغاريد ، فتسائلت رحمة :


_ وه إيه الزغاريد دي كلها ياحاجة زينب هو العيد بكرة ولا ايه فرحينا معاكي عاد .


وضعت يدها على صدرها تهدأ من ضربات قلبها ثم اجابتها بعيون تشع سعاده :


_واكتر من العيد يا بتي باركي لاخوكي اخيرا هيفرح قلب امه وهيتجوَز .


كانت تلك الوجد تقف على اعتاب المنزل وما ان استمعت الى كلمات زينب حتى ابتعدت عن الباب وتنحت جانبا وهي تضع وجهها بين يديها والذي اصبح لونه بلون الجمر مما استمعت اليه ولم ياتي بمخيلتها فقد باءت جميع محاولتها بالفشل ،


ولكنها جزت على اسنانها بغ،ضب شديد وتوعدت داخلها بان ستجعل هذا المنزل يضيء بالن،ار بدلا من الكهرباء مما ستفعله بهم ، فعمران بالنسبه لها عشقها التي حلمت سنين وسعت لأن يكون زوجها الأخير زوج العمر، است بأن الني،ران تشب بين ضلوعها وتكاد تأكلها اكلا بل ان وجع الني،ران اهون من وجع ذاك الخبر الذي سمعته للتو ،


هدات من حالها ورسمت وجه الحرباء التي تتلون بألوان مختلفة كي تخدع عدوها وتنقض عليه كي تفترسه ودلفت اليهم وهي تسأل بجدية مصطنعة وكأنها لم تعلم:


_فرحينا معاكي يا حاجة يونوبك ثواب الفرحة بقى لها سنين مدقتش بابنا.


اخبرتها زينب بفرحة عارمة:


_افرحي يا بت يا وجد اخيرا عمران ولدي هيتجوَز وهيجيب لي الحفيد اللي ياما بحلم بيه منيه هو مخصوص .


كان عمران ينظر اليه بنظرات تحدي وكأنه يخبرها بأنه وعد ونفذ وبأنها لم تكن له سوى جارة فقط وليس لها وجود في قلب وعقل العمران ،بادلته نظراته بنفس التحدي وهي تردد بوجه مرتسم عليه الهدوء والسعادة بحرفية :


_مبروك يا عمران ربنا يتمم لك على خير وتُبقى عروسه الهنا والسعد .


رد عليها مباركتها بفتور وهو ينظر جانبا قاصدا فعلته تلك كي يشعرها بانها ليس لها مكانة ولا أهمية بالنسبة له وتبعد عنه:


_ الله يبارك فيكي .


بعد تهاتفهم جميعا على عمران بالمباركات قامت وجد من مكانها وهي تقصد المطبخ قائلة بفرحة مصطنعة:


_انا هقوم أعمل شربات ونشرب حلاوة الخبر الجميل ده هو عمران ولد سلطان اي حد واصل لا ده زينه شباب الناحية بحالها .


ربتت زينب على ظهرها بحنو وهي تردد بامتنان:


_منحرمش منيكي يا بتي وعقبال ما نجملوكي في الافراح يارب .


بادلتها الاخرى نفس الابتسامة المصطنعة ورددت :


_ما تقوليش إكده يا حاجة كلكم اهنه زي اخواتي وعيلتي التانية واللي اول حد بلجأ له لما اكون تعبانة ولا في حاجة واصل .


دلفت الى المطبخ بخطوات تتهادى فيها وكأنها تخبره بأنها لن تستكين ولن تستسلم وحر،ب عشقها لن تمل منها وحينما دخلت صارت تضرب بقبضتي يديها على الحائط بعنف ولكن راعت ان لا يسمعها احدا من بالخارج،


ولكن حاولت ان تهدئ من حالها قدر الامكان كي لا تنكشف ثم دارت بأعينها تبحث عن قنينه المشروب كي تصنعه لهم وكانها تصنع عصائر جرح قلبها تصنعه بألم ، تصنعه بمرارة ذاقت طعمها في حلقها،


اما في الخارج قام الحاج سلطان من مكانه وهو يتجه ناحيه المطبخ قائلا:


_هدخل الحمام واجي لكم نشوف هنروح امتى يا ولدي وهنعمل ايه جاي لك تاني.


وخطى من امامهم ودخل الحمام ولم يلبس فيه نصف دقيقه وخرج وتوجه ناحيه المطبخ وكأن قدماه هي التي تسوقه لا عقله ،


فمنذ ان فاتحه صديقه بالزواج من تلك الوجد وعيناه تراقبها في كل مكان منذ اسبوعين وهو على حاله ذاك حتى بات يتتوق لرؤيتها ،


دلف الى المطبخ قاصدا اياها قائلا بصوت خفيض:


_ما ننحرمش من عمايل يدك الغالية يا وجد وعقبال ما نفرحوا بيكي عن قريب ان شاء الله .


تلقائيا ارتعبت من صوته الذي فاجأها به ورددت وهي تضع يدها على صدرها:


_بسم الله الرحمن الرحيم، هو انت يا حاج اعذرني اتخضيت واتلبكت لما سمعت صوتك فجأه وراي ما تاخذنيش .


ابتسم لها وتحدث معتذرا:


_واه اتخضيتي عاد ده انت قلبك على اكده خفيف ، امال عايشه لوحدك كيف وانتي قلبك رهيف اكده ومهتتحمليش الهوا واصل.


ارتبكت في الحديث ولكن ترى نظراته لها غريبة وعلى غير المعتاد لاحظت أنه يتأملها على غير العادة وينظر اليها نظرات تفهمها جيدا فاستغلت الفرصة التي وضعت أمامها على طبق من ذهب كي تدلف ذاك المنزل وتكن بجانب العمران فحتما لن تتركه، 


ثم اقتربت منه رويدا وهي تجيب بنبرة صوت يكسوها الدلال :


_والله عنديك حق يا حاج اني من كتر الوحدة وأني حاسه باختناق مفيش ونيس ولا جليس يهون عليا ليلي طويل اللي ما بيعديش بالساهل واصل نهاري بقضيه ويا الحاجة شوية في شغل البيت شويه وبلهي نفسي اما الليل حاجه صعيبة قوي .


أحس ذلك الشائب العجوز بمقصدها وشعر بانه اقترب من طلبه وانه لن يحتاج وقتا طويلا كي توافق وانه حينما سيبادر بطلبها حتما ستوافق وهذا كل ما كان يؤرقه ان رفضت ستكون الن،ار اتفتحت عليه دون جدوى ولا فائدة ولكن ان وافقت فهلا بالن،ار في حضرة تلك الصغيرة التي ستعيده شبابه من جديد ،


واقترب هو الاخر رويدا وهو يمنيها:


_ما تقلقيش ربك لما يريد الحال هيتعدل وهتلاقي اللي يبقى جارك ويسندك بس وقتها ما تتمنعيش على الخير اللي هيجي لك وتوكلي على الله .


ادعت عدم الفهم وهتفت بشفاه ممطوطة بنفس الدلال:


_قصدك ايه يا حاج سلطان جايب لي عريس ولا ايه ؟


اجابها بصدر رحب:


_حاجه شكلك اكده بس نطمنوا على عمران ولدي الاول وبعدين نعدل للولايا اللي زيك يا وجد .


كم احتقرت ذاك السلطان الذي دوما تراه قيمة وقامة فمجرد حركات اغرائية منها بسيطة جعلته يلهث ويريدها بشدة ونظراته كانت تؤكد ذلك،

لم ياتي بمخيلتها ابدا ان يكن ذاك السلطان بتلك الدرجة من المراهقة التي تأتي للشيوخ ذو الشعر الابيض، ولكنها ستبدا رحلتها في ذاك المنزل مع ذاك السلطان ولم تضع في بالها زينب التي احبتها كبناتها وآوتها في منزلها ولم تشعرها يوما من الأيام بكونها غريبة عنهم ولكنها الدنيا تثبت لنا ان الخيانة لا تأتي الا من اقرب الناس الينا فلنرى في رحلتنا تلك كيف ستصل وجد الى مقصدها دون كلل او ملل ، 


ثم حمحم بصوته الخشن قائلا :


_ تمام اتفقنا على إكده عاد هخرج للجماعة بره بقي وإنتي هاتي الشربات وحصليني .


وتركها وغادر المطبخ وهي تصنع المشروب ومن ثم خرجت اليهم وهي متصنعة الابتسامة والفرحة مثلهم ووزعت عليهم الأكواب الى ان اتت الى عمران واعطته الكوب قائلة:


_مبروك يا عمران وعقبال الليلة الكبيرة وتتهنى بعروستك .


اخذ منها الكوب وهو يردد بفتور كي لا يجعل الجميع يأخذ باله من نظرتهم لبعضهم البعض ،


فود ان لا يأخذ منها شيء ولا يحاكيها اي حرف ولكن سيتحملها الى ان تأتي سكون الى ذاك المنزل وحينها ستبعد عنه مرغمة ،


________________________________


في منزل ماجدة الجندي كانت سكون متوترة للغاية وخجلة ان تخبر والدتها بقدوم عمران اليها كي يطلب يدها ،فدوما والدتها تأتيها تحاكيها عن من يطلب يدها اما اليوم فهي التي ستخبرها تجلس على تختها وتحدث حالها :


_قومى اتشجعي وقولي لها ما تتكسفيش عاد يا سكون وعجلي بفرحتك كفاياكي انتظار لحد اكده .


سارت تتقلب يمينا ويسارا الى ان قامت فجأه من مكانها وهي تجبر حالها ان تنحي الخجل جانبا وخرجت الى والدتها وجدتها تجلس امام التلفاز تتابع برنامجها المفضل،


جلست على الأريكة وهي تفرك بجسدها الى ان لاحظت والدتها فتحدثت باستنكار:


_مالك عاد يا دكتورة عمالة تفركي يمين وشمال ومش على بعضك قولي اللي نفسك تقوليه وانا هسمعك وسيبيكي من عادتك المنيلة دي .


لقد فهمتها والدتها فهي تعرفها بشدة حينما تريد مهاتفتها عن شيء ما ثم استدعت الهدوء وتحممت قائلة :


_ أممم.. في عريس عايز يجي يتقدم لي وقال لي اخذ ميعاد من حضرتك عشان يجيب ابوه وامه وياجي .


امسكت ريموت التحكم بالتلفاز واغلقته والتفتت بكامل جسدها واصبحت مقابلة ابنتها ورددت بسعادة :


_بصحيح الكلام ده يا داكتورة اخيرا قلبي هيفرح بيكي بعد كل الرفض ده لما يتقدم لك عريس ،


ابتسمت بخجل وهي تضع اعينها ارضا فسكون تخجل بشدة حتى من والدتها واجابتها:


_صحيح يا ماما حاسه بارتياح من ناحيته فقلت اتوكل على الله واللي فيه الخير يقدمه لي ربنا .


جذبتها ماجدة الى احضانها بسعادة وتحدثت وهي تربت على ظهرها:


_والله قلبي سعيد وفرحان بيكي يا حبيبتي الف مليون مبروك ويجعله قدم السعد عليكي يارب ،هكلم خالك النهاردة واقول له ياجي طوالي، على يوم الجمعة ان شاء الله يقدروا ينورونا ،بس قولي لي بقى مين ده اللي خطف قلب الدكتورة الفرسة بتاعتنا ؟


ابتسمت عيناها فور ان سألتها والدتها على حبيبها عمران وأجابتها:


_اسميه عمران سلطان المهدي والده الحاج سلطان اكيد تسمعي عنه، كان جايب اخته تتابع اخر حملها واتعرفت عليه وقال لي ان هو عايز يجي يتقدم لي واني اخد منك معاد .


سألتها ماجدة بفضول:


_قولي لي شكله عامل كيف طول بعرض اكده يملى العين ويشرح القلب ولا ايه بالظبط طمني قلبي .


انزلت بصرها خجلا من سؤال والدتها ولكن ضربتها ماجدة بخفه على يدها وهتفت :


_هتتكسفي من امك عاد في وشك هيقلب ميت لون ، احكي عاد يالاا ان مكنتيش تحكي لأمك هتحكي لمين يامخبولة إنتي .


تشجعت سكون من حديث والدتها ورددت بحالمية فور ان تاتي سيره العمران وتتحدث عنه:


_طلته كيف القمر يا امي وبسم الله طول بعرض وراجل وشكله إكده بيحبني قوي وغير كل ده عاد ابن ناس ومحترم وهيراعي ربنا فيا .


رفعت ماجدة حاجبها واردفت باستنكار:


_ولحقتي عرفتي ده كله عنيه من مرة جاب اخته فيها يا بت انتي اتكلمي عاد .


تحممت وأجابتها بصوت هادئ من التوتر:


_ أممم .. ما هو يا امي كلمني في التليفون كذا مرة عشان يعرفني بس والله ما كلمتوش تلت مرات على بعض وبعديها طلب مني ياجي يتقدم لي على طول .


فرحت ماجدة لسعادتها ثم امسكت هاتفها واتصلت بأخيها وما ان آتاها رده حتى تحدثت:


_كيفك يا اخوي عامل ايه توحشتك قوي من بقالك شهرين مجيتش تشوفني ولا تطمن على البنات ومش عادتك يعني ؟


اجابها اخيها:


_انا بخير يا خيتي معلش أني عارف اني مقصر معاكي بس والله ما باليد حيله انتي عارفه الشهرين دول جمع المحصول في الارض عندي وببقى ملخوم فيهم لشوشتي بس خلاص كلها جمعة واجي لك على عيني. 


تفهمت حديثه ورددت بدعاء لأخيها الغالي الذي لم يتركها يوما منذ وفاة زوجها:


_ولا يهمك يا اخوي الله يعينك على حالك ومالك ويرزقك الخير كله يا رب ،بس معلش عايزاك تاجي الجمعه الجاية في ضيوف جايين يطلبوا يد الدكتورة سكون وطبعا لازم تكون موجود وهات اخوي جمال كمال وبلغه عايزاكم تكونوا جاري في اليوم ده ،واني كمان هبلغ عم البنات ولو اني ما بطيقهوش واصل .


سعد أخيها لذاك الخبر الجميل وردد بمباركة :


_يا الف نهار مبروك للدكتورة سكون والله فرحت لها قوي قوي ده اني أجيلها راكب طيارة على عيوني باذن الله يوم الجمعة هاجي اصليها عنديكم مبروك مقدما لحبيبة خالها .


وظلت تتحدث معه كل يطمئن على الاخر حديث الاخوه الاحباء المعتاد، 


وسكون قلبها يكاد يقفز من بين ضلوعها من شده الفرحه فاخيرا ستنال مرادها وترتبط بمن عشقت منذ عامين في الكتمان ولكنه عنايه الله التي حاوطتها، 


وجلست تحاكي والدتها كثيرا الى ان مر الوقت ودلفت مكه اليهم واخبروها بذاك الخبر فجرت اليها مسرعه واحتضنتها بسعاده قائله:


_مبروك يا حبيبتي فرحت لك من كل قلبي الف مبروك يا سكون ربنا يجعله نصيب زين يا قلبي ،


ثم خرجت من احضانها وفجأه ذرفت الدموع من عيونها بغزارة مما استدعى دهشتهن وهي تردد:


_يعني خلاص هتمشي من اهنه انتي كمان وهبقى لوحدي ما اقدرش اعيش في الشقة دي من غير وجودك جاري ياسكون بس ربنا العالم اني فرحت لك من كل قلبي فرحة السنين بحالها .


جذبتها سكون الى احضانها وتحدثت كي تهدئها:


_بس يا بت انا ما هسيبكيش واصل ما تعيطيش انا متجوزة جارك الفرق بينا خمس دقايق مشي وكل شويه هتلاقيني نطالك اهنه وبعدين هسيبك تنفردي بالأوضه لوحدك عشان خاطر ما تنزعجيش مني بعد إكده .

شددت مكه من احتضانها وهي تدعو لها بالسعاده والتوفيق، 


ثم هتفت سكون فجأه:


_واه نسيت ابلغ مها اتصل بيها اقول لها عاد عشان تجيب ولادها وتاجي يوم الجمعه من بدري .


وامسكت هاتفها وقامت بالاتصال على اختها وما ان اتاها الرد حتى ابلغتها بذاك الخبر السعيد الذي أفرح قلبها وتحدثت بمباركة :


_ الف مبروك يا غاليه الف مبروك يا دكتورة ربنا ينعم عليك بالفرح ،اخيرا هتفرحي قلبنا وهتتجوزي وهتبقي احلى عروسة في الكون كله ، وما تقلقيش يوم الجمعة من الصباحيه هاجي لك يا قلبي على عيوني اني والقردين الصغيرن دول ، 


ظلتا تتحدثان بضع دقائق ثم جلسن يتسامرون مع بعضهن الام وبناتها في جلسة عائلية وهم سعداء بخبر سكون التي القته عليهم اليوم .


_____________________________


في منزل مها بعد أن أغلقت الهاتف مع أختها استمعت إلي صوت يصعد السلم ، فخرجت تري من بالخارج ففتحت الباب وإذا بها تراه أمامها ، أما هو رأى خروجها فحمحم قائلاً وهو يضع عيناه أرضاً:


_ السلام عليكم ، كيفك ياأم الغاليين وكيفهم هما كمان ؟


رفعت حاجبها باندهاش نظراً لأنه لم ينظر إليها وأردفت:


_ والله عاد لسه متجوزتش ولا اختارت بت الحلال وبتكلمني وإنت مش باصص في عيوني ، هو أني شكلي مبقاش عاجبك دلوك يابن الحلال ؟


وضع كف يداه أسفل رأسه من الخلف وهو ينظر في نفس الجهة وأجابها وهو يتمتم بصوت خفيض:


_ مش الحكاية يامرت أخوي .


_ مرت أخوك ! .. جملة تهكمية نطقتها تلك المها بعيون غاضبة وتابعت بامتعاض:


_ دلوك عرفت إني مرت أخوك عاد ياحضرت عامر بيه ؟


أخذ نفسا عميقا ثم زفره بهدوء ونطق بكلمات متعقلة وهو يثبت عيناه داخل عيناي تلك التي حيرته وجعلته يرتكب جرما ماكان يستحق أن يرتكبه يوماً من الأيام:


_ أظن إحنا متفقين على إكده من أخر مرة اتكلَّمنا فيها وكنا حاطين النقط على الحروف ولا ايه عاد يامرت أخوي .


اتكأ في نطقه على كلماته الأخيرة وهو قاصداً ذلك كي يجعلها تستفيق وخاصة عندما رأى تلك النظرة التي يحفظها ويفهمها عن ظهر قلب ، ولكن فوجئ بها تشده من يداه وأدخلته شقتها وأغلقت الباب ووقفت وراه ، وكل ذلك حدث في بضع ثواني جعلته ذهل من فعلتها ، فسألها بذهول :


_ ايه اللي عملتيه ده يامجنونة إنتي ! مخيفاش أخوي ياجي دلوك وتبقي وقعتنا مربربة ، لساكي متهورة زي مانتي يامها ؟


صار صدرها يعلو ويهبط وهي تنهج من فعلتها تلك فجسده ضئيل عليها حين جرته من يداه ،


ولكن هدأت من حالها وتبدلت نظراتها نقيضا واقتربت منه وعلي حين غرة هتف لسانها بوحشة :


_ ياه اتوحشتك قووي قووي ياعامر ، مكنتش اعرف إني لما أشوفك هضعف أوي إكده وأحس باللهفة اللي اني حاسة بيها دلوك .


ضرب كفا بكف فهو عائداً من الخارج وكله تصميم على أن لايجاريها وكما أنه التزم في صلاته واستغفر ربه على فعلته الذنب الكبير معها تلك المرة الوحيدة منذ سنوات ، ذلك الذنب الذي تهتز له سبع سموات ، 


ثم تحدث وهو عاقدا حاجبه باستغراب لحالتها تلك :


_ لساكي زي مانتي عواطفك غالبة عليكي !

لساكي قلبك وإيمانك ضعيف يامها وبتجري ورا شهواتك ، فوقي يابت الناس عنديكي ولدين متحمليهمش العار وتشيلي ذنبهم ده إنتي روحك فيهم .


اقتربت منه وأمسكته من تلابيب قميصه واردفت بغضب عارم وهي تجز على أسنانها :


_ وه كانك مصدِق الحديت اللي بتقوله ده !

بقي اني بجري ورا عواطفي وشهواتي !

كانك متعرفش المرار اللي بعيشه كل يوم والتاني مع اخوك اللي معندهوش ذرة إحساس ، الكلام ده فات أوانه ياعامر ومبقاش له عازة دلوك .


كانت تهزه بعنف وهي متأثرة بكلامها ، اما هو قبض على كفاي يداها بشدة وأجابها :


_ متعلقيش أخطائك على شماعة خايبة ملهاش عاز يامرت أخوي ، كل اللي بتقوليه ده مبقاش يشغلني ولا بقيت ألتمس لك اي عذر بيه واصل ، 


وتابع كلماته وهو يخفض يداها من على قميصه بحدة خفيفة هو قاصدها كي تستفيق :


_ خلاص الصغير كبر وفهم وأني من سنين قبل ما اسافر من اهنه ساعة ماجيتي لي واشتكيتي لي مر ايامك صدقتك وجريت وراكي بدون ذرة عقل لكن المرة دي كبرت وعرفت اني غلطت ، بس دلوك مهكررش الغلط ده مرة تانيه واصل مهما يحصُل يامرت أخوي.


أدمعت عيناها وتحدثت وهي تضرب بقبضتي يديها على المنضدة:


_ مش بمزاجك تبديها وبمزاجك تنهيها ، 


ثم أكملت بضعف وهي تنتحب بشدة :


_أني إنسانة من لحم ودم وبموت إهنه بالحيا مع راجل معندهوش أي ذرة إحساس تجاهي ، بيهملني بالشهور وبتطلبوا مني أتحمل كيف ياعالم ! حرام والله العظيم حرام حرام .


أحس بضعفها واحتياجها ، مز قته دموعها ،ود لو يحتضنها ويخفف عنها ، ود لو كانت في ظروف غير ذلك أو كانت امرأة غيره ، ولكن ماباليد حيلة ، فخفف عنها قائلا :


_ اتكلمي معاه ، زني على ودانه كتييييييير الحريم مبيغلبوش ، طالبي بحقوقك مرة واتنين وتلاتة وعشرة ومتمليش لحد مايستجيب ، متدوريش على طريق الحرام وتستسهليه ، طرق ربنا الحلال كتير يابت الناس .


أدارت جسدها للخلف وهدرت به بنفاذ صبر وطاقة فقدتها مع فقدان أنوثتها طيلة الأيام:


_ ياه ده انت الحل بالنسبه لك سهل قوي !

ده اني اتحايلت عليه علشان ياخد باله مني ويحافظ عليا بعدد شعر راسي ، كل يوم والتاني اكلمه مرة باللين ومرة بالشدة ومرة بالخصام ومرة بالاهمال في حقوقه المنزلية ولا حياه لمن تنادي ، خلاص الصبر زهق من صبري .


بهدوء حسم أمرها وردد :


_ خلاص اتطلقي منيه وشوفي حالك طالما مبقاش عنديكي قوة تحمل .


ثبتت نظرة عيناها داخل عيناه وتفوهت :


_ وتتجوَزني ؟


فتح فمه من كلمتها ، وتابعت هي :


_ مالك إكده تنحت وفتحت لي بقك على وسعه ، ولا أني بالنسبة لك رخيصة ؟


أجابها بتصميم :


_ إنتي مرت أخوي يامها .


بعيون قوية أردفت :


_ هطلق منيه وهبقي حرة وأحل لك .


ربع ساعديه أمام صدره وهتف برفض :


_ مهما كان مهكسرش اخوي ، مينفعش.


اقتربت بخطواتها وتحدثت بنفس التصميم:


_ اخوك ميفرقش معاه اخوة من أبوة من بنوة بارد معندهوش حب غير لحاجة واحدة بس حب المال حب كبير .


ابتلع أنفاسه بصعوبة وردد :


_ مهما يكون عمري ماعملها علشان متعلقيش نفسك بوهم كداب .


لفت بجسدها من أمامه ووقفت بمحازاة كتفه ورددت :


_ مهتعرفش تحب غيري ولا واحدة هتسعدك غيري ياعامر .


بنفس لفتتها تحرك ووقف بمحازاة كتفها الاخر مرددا بضياع من تأثيرها عليه :


_مين قال لك إكده كنتي بتتحكمي في القلوب عاد ووليتي حالك أمر ربنا وبقيتي بتعرِفي تقلبي القلوب علي كيفك .


أمسكته من كتفيه بقوة في حركة جريئة منها وهتفت بقوة :


_ لا ماهوَلِيش حالي ولا حاجة ، بس قلبك مفاتيحه بإيدي ، أني اللي ربيته وأني اللي علمته كيف يحب وأني بس اللي أقدر أتحكم فيه مش أي مرة تانية.


نزع يداها من على كتفيه وأردف متمنعا:


_ لااا كان زمان يامها ، بس دلوك أنا أبعد لك من نجوم السما.


جزت على أسنانها بغضب من عنده وتمرده عليها ورددت :


_ نجوم السما مبقتش بعيدة ولا حاجة بيوصلو لها وبيعيشوا جواها وبيكتشفوا كتيير وكتيير من أمورها المخفية بحبة قوة وصبر وطاقة بسيطة .


أعلن وجهه عن غضبه الجم من كلماتها وأردف بتصميم:


_ خلاص لحد يوم الدين والقيامة تقوم يابت الناس مهعرفكيش ولا هبص لك حتي. 


بصوت عالي وبنفس غضبه :


_ مش هتقدر


بقية البارت السابع 

مش هتقدر ، ومش هسيبك لواحدة غيري تتهني وياك وأنا اللي علمتك ألف باء في الحب والعشق .


رفع حاجبه وردد بثقة:


_ الأيام بيننا وهنشوف مين الغالب ومين المغلوب ، بس قبل أي شئ فكري في المتعلقين برقبتك هيضرك خسارتهم إنتي مش أنا وهتبكي بدل الدموع د م يابت الناس .


جحظت عيناها من تهديده الغير صريح وهتفت بفك يهتز بسخرية :


_ إنت بتهددني إياك ! طيب يمين الله على كل لحظة حب اديتهالك ماههنيك على أي حاجة تعملها في طريقك اللي بعيد عني .


أخرجته عن شعوره وهدر بها بحدة وهو يمسكها من ذراعها ويهزها بعنف :


_ إنتي إيه شيطان رجيم يابني آدمة إنتي! إزاي تُبقي بالأذى ده ومشفتكيش على حقيقتك طول السنين دي ، 


وتابع حديثه بتهديد صريح :


_ طيب يمين على يمينك ياقليلة الحيا إنتي لو مبعدتيش عن طريقي لا ههد المعبد على دماغك قبلي ، ومش بس إكده هخلي قنا كلياتها ملهاش حديت غير عنك ياأم الولاد ، اني معنديش حاجة أخاف عليها ولا عيل ولا حد أخاف عليه ، أنا قلت لك أها بعدي عني أحسن لك وإلا اللي هيحصل هيد مِرك قبلي .


ألقى كلماته اللاذعة ونفضها بحدة جعلتها سقطت أرضا وهي تتوجع بألم من أثر سقوطها ثم غادر المكان صافعا الباب خلفه بحدة ، 


أما هي دفنت رأسها بين يديها تتأوه جراح الروح ، وتبكي بدون صوت وكأن البكاء يعزف ألحانه بهدوء صامت يدمي قلبها ،


_________________________________


مع شروق شمس يوم جديد، فعند شروق الشمس وحلول الصباح تتفتح قلوبنا كما تفعل الأزهار في الحقول، وتبدأ أمنياتنا كالعصافير ترفرف باحثة عن سبيل لتحقيقها ،


ما أجمل أن نراقب الشمس عند حلول الصباح، فهي لا تنعكس على مرآة عيوننا فقط، بل على مرآة القلب، فنشعر أن القلب ذاته يشرق مع حركة الشمس ،

إن شروق الشمس في الصباح الباكر هي لحظة يجب على كل منا أن لا يفوتها ولا يسمح لها بأن تضيع دون أن يكون حاضرًا وشاهدًا عليها ،

فتعلمنا الشمس مع إشراقتها في كل صباح أن النور لا بد أن ينتصر، وأن لكل ظلام نهاية مهما طال أو استمر ، 


تهبط رحمة الأدراج وهي في كامل اناقتها بنشاط وجدية فاليوم ستحضر محاضراتها ثم تذهب إلي المكتب كي تباشر عملها فمنذ ثلاثة أيام لم تذهب وذلك للعطلة الرسمية ، 


ماإن رأتها والدتها متعجلة حتي مطت شفتيها بامتعاض وأردفت:


_ وه السنيورة متلهوجة إكده ليه ، هو معاد الوزارة فاتك ولا حاجة ؟


لوت الأخري فمها بملل ورددت بسماجة:


_ أها بالظبط إكده ، صباح الخير ياحاجة زينب .


ردت صباحها بفتور وهتفت :


_ ايوه خوديني في دوكة ، اني مش قلت لك بالليل يابت إنتي نضفي المطبخ علشان ام حسين تعبانه ومش هتيجي لمدة اسبوع ، وأني تعبت لوحدي ولا البعيدة معندهاش د م. 


ضر بت على جبينيها بنسيان مصطنع وهتفت وهي تميل عليها تقبلها من وجهها :


_ وه نسيت خالص واتلهيت في المذاكرة ونمت على نفسي ، معلش ياحاجة زينب سماح النوبة دي ، 


وتابعت كلماتها وهي تحمل حقيبتها على عجالة :


_ اني متأخرة لما اجي هشوفه الموضوع ده ادعيلي ياحاجة .


ألقت كلماتها وتركتها وغادرت المكان ، واستقلت سيارتها وذهبت إلي جامعتها ،


دلفت الي الجامعة وألقت السلام على صديقاتها بتعجل ، 


اندهشوا من سلامها العاجل وهتفت احداهن بصوت عال وصل إلي مسامعها :


_ أيوة أيوة على الناس اللي اشتغلت وعليت وبقت تسلم على الماشي وتجري .


أدارت جسدها إليهم ورددت بعيون متسعة دون إحراج :


_ وه هتحسدوني إياك يابت منك ليها ولا ايه ، بقت عيني عينك إكده !


شعرن بالإحراج من صريح عباراتها وهتفن بوجه محمر كي يحفظن ماء الوجه :


_ بنهزروا وياكي ياست رحمة ولا إنتي بقيتي تبصي لنا من مناخير عالية بقي .


عبست ملامح وجهها من هرائهم الذي يضيع لها وقتها وهتفت وهي تشيح بيدها في وجههم :


_ بقول لكم إيه يالا عندينا محاضرة مهمة وسيبوكم من الكلام التافه ده ، متضيعوش وقت عاد .


ألقت كلماتها وسبقتهم إلي محاضرتها كي تنهي المهم في يومها الجامعي وتذهب إلى عملها ، 


فرحمة لم ولن تتهاون في دراستها فلديها حلم لابد أن تصل إليه ، 


أنهت رحمة يومها الدراسي وخرجت من الجامعة قاصدة مكتب المحاماة التى تعمل به ، 


كانت تجلس على مكتبها منهمكة في تفاصيل العمل الذي لم ولن ينتهي في ذاك المكتب الشاق ولكن تحبذ ذلك بشدة ، 


وأثناء انهماكها في العمل سمعت صوت ماهر الغاضب يردد عبر الهاتف :


_ إنتي ياهانم ياللي برة فين قهوتي ! خمس دقايق تكون على مكتبي وحسابك عسير معايا .


انتفضت من مكانها وهي تنظر في ساعة يدها ووجدت أن ميعاد قهوته مر علي وقتها أكثر من نصف ساعة ، هرولت سريعاً وقامت بصنع القهوة بنفسها عندما لم تجد الساعي ، 


أنهت صنعها وذهبت على عجالة إلى مكتبه وكادت أن تتعثر في خطواتها بضع مرات من شدة التوتر ، 


دلفت إلى مكتبه ونظرت إلى وجهه وشهدت علامات الغضب على وجهه بشدة ، 


وما إن وصلت إليه حتى تعثرت قدماها في طرف السجادة المفروشة على الأرض وطارت القهوة من يدها وانسكبت على بدلته ، 


وقعت الصينية بمحتوياتها أرضا وتهشم الزجاج ، 


أما هو نظر إلي ماحدث بذهول وهو يحاول نفض حلته من ما حدث لها ، وهتف موبخا إياها:


_ إنتي ايه يابني آدمة إنتي اللي عملتيه ده !

وايه اللبخة اللي انتي فيها دي هو إنتي مش عارفة إنتي شغالة مع مين ! الظاهر إني غلطت واتسرعت في شغلك معايا وانك مستهترة .


أدمعت عيناها من عصبيته وكادت أن تقوم وسندت بيدها أرضاً وإذا بها تص رخ صر خة عالية جعلته انتفض من مكانه ، 


لقد دخل الزجاج وملأ باطن يديها مما جعلها تشهق شهقتها العالية والتى أدمت يداها بشراهة ،


هبط لمستواها عندما رأي أذيتها ، و أمسكها من يدها وهو يحاول إخراج الزجاج من يدها مرددا بطمئنة لها فقد صعبت عليه :


_ معلش اهدي ، هحاول اشيله لك بس اتحملي يارحمة .


ثم بدأ بنزع الزجاج من يدها بهدوء ويداه تحتضن يداها ، كانت لأول مرة تنظر إلي ملامحه عن قرب ، نظرت إليه وتاهت في ملامحه الرجولية وتنفست رائحته بعمق ، 


ولأول مرة يدق قلبها الصغير بعنف ، فقد شعرت ابنة العشرين بالإعجاب للأربعيني الأعذب ، وفجأة اعتلى صوتها بصرخة عالية :


_ أاااااااه ، يدي بتوجعني أووي .


حرك رأسه بحزن على توجعها وأردف :


_ معلش يارحمة اهدي قربت أهو .


وبعد دقائق أنهى نزع الزجاج من يدها ثم سندها كى تقوم من مكانها ، وأجلسها على الكرسي ثم تركها ودخل إلى الحمام الخاص بالمكتب وأخرج علبة الإسعافات الأولية ، 


وخرج إليها وجدها تمسك يداها وتتوجع ، 


تحدث إليها:


_ معلش اتحملي شويه ، هاتي يدك أطهر لك الجرح .


أعطته يداها التي ترتعش بشدة من خجلها منه قبل وجعها ، لأول مرة تشعر ذاك الشعور الذي ألفه قلبها ، لأول مرة تترك لعيناها العنان أن تنظر لرجل ، 


احتضن كف يداها مرة ثانية وبدأ بتضميد جراحها وبعد أن انتهي نظر إليها مرددا بحنو شعر به تجاه تلك الصغيرة التي حركت سريرة ذاك المتجمد ، وهو يهتف :


_ خلاص ياستي كله تمام ، قومي بقي روحي على بيتك ومتجيش الا لما يدك تخف .


ابتسمت إليه وشكرته بامتنان:


_ أنا بشكر حضرتك جدا يافندم ، ومتأسفة علي اللخبطة اللي حصلت للمكتب بسببي .


عاد إلي كرسيه وهو يجيبها :


_ مفيش لخبطة ولا حاجة ، أنا اللي اتعصبت زيادة عن اللزوم ومكنتش أعرف أنك بتتوتري وبتخافي أووي اكدة ، 


عموما حصل الخير واتفضلي يالا روحي .


الفصل الثامن من هنا

تعليقات



×