رواية أحببت كاتبا الفصل السادس
سكوناً تاماً يحاوط جدران تلك الغرفه الا بنبضات هذه العجوز الجميله صاحبة الأعين الزرقاء ، والابتسامه الناصعه من ثعر هذه اليتيمه وهي تمشط لها شعرها الجميل ذات الخصلات الفضيه اللامعه
لتتنهد صفا محدثة نفسها : وحشتيني اووي يا ماما ..كنت اتمني تكوني انتي مكانها واسرحلك شعرك واهتم بيكي زيها كده
فتسقط دمعة حارقه من بين جفون تلك المسكينه دون قصد علي كف ناهد .. لتمد ناهد بكفيها فتلامس وجهها النقي دموعها قائله بحنان : انتي بتعيطي ياصفا
فتبتسم صفا من حنان لمساتها علي وجهها ،وتمسح دموعها سريعا قائله : اصل في ناس وحشوني اووي
وتضحك ضحكة بسيطه كي لا تزعج احداً بهمومها
صفا بدعابه : وكده احنا خلصنا ، وعملتلك احلي تسريحه لاحلي الجميلات
لتضحك ناهد بسعاده لحديث تلك المشاغبه ، فمنذ ان أتت من شهرا وهي تسليها وتفرحها بحديثها وكأنها ابنتها
ناهد: بتفكريني بأحمد ابني ، ديما بتمدحوا في جمالي ..مع اني واثقه انه راح مع الزمن خلاص
فتلامس صفا وجنتيها بحب قائله بمزحه لطيفه: عندك حق ياجميلة الجميلات ، هو فعلا راح بس عشان يحل مكانه جمال أحلي
فتبتسم ناهد لتلك الفتاه التي عوضها الله بها بعد حنان ورحيل أحمد ... وتتسطح علي وسادتها بتعب لتغمض عينيها قائلة بألم : هو عامر فين ياصفا
فتحرك صفا رأسها بأسي عند سماع أسم ذلك الأبن الجاف .. فمنذ ان جاءت الي هنا لم تلمحه غير مرة واحده في غرفة والدته ليطمئن بأنها قد نجحت في اختباراتها في ذلك البيت لتكسب ثقة هذا القاسي وليس غير من ذلك
وتدثر ناهد بالغطاء قائله برحمه علي قلب هذه السيده الهادئه
صفا : استاذ عامر بيسألني كل يوم عن حضرتك .. بس هو الايام ديه شكله مشغول في شغله
فتغمض ناهد عينيها بألم وهي تعلم كذب هذه الفتاه، وخوفها علي مشاعرها !
..................................................................
كانت تدور بعينيها في كل ركن من أركان ذلك المكان لتبحث عن طيفه ، الي ان وجدته يردف بقدميه دخل المطعم الذي قد اعتاد عليه منذ ان أردفت قدماه الي امريكا ... فبدء بخلع معطفه الصوفي ..ليلتقطه ذلك الشخص المخصص بهذا العمل
وجلس علي طاولته المحببه اليه ، وبدء يطلب وجبة افطاره المفضله من كعكة وقهوة برائحة البندق
لتتنهد تلك البائسه منه ، ونظرت الي هيئتها عبر مرئات المطعم ، والتي اطغت عليها مساحيق التجميل والملابس العصريه جمالا انثوياً رائعاً
ووقفت بقوامها المتناسق .. وقررت ان تأخذ اول خطوه من خطواتها ،وصارت نحوه بتمايل مدروس
ووقفت امامه بأبتسامة هادئه
أميره : ازيك يابشمهندس
ليرفع احمد بوجهه عن فنجان قهوته ناظرا اليها بتمهل شديد .. الي ان جلست علي احد كراسي طاولته لتقول بنعومه : اكيد حضرتك مش عارفني ، انا اميره مهندسه منتدبه من شركه الامارات العربيه .. للشركه المعماريه الامريكيه هنا اللي حضرتك مساهم فيها بأسهم وتصميمات بجد أهنيك عليها
فيبتسم احمد بدوره لها قائلا : اهلا يابشمهندسه
لتبتسم هي قائله : ممكن اخد فطاري معاك . وتابعت بحديثها ضاحكه : ولا مش هكون قد المقام
لتزداد ابتسامة احمد لها قائلا وهو يشير لنادل المعطم : ها تاخدي ايه
اميره براحه لكسب وده : زي فطارك بالظبط ، اصل هو ده برضوه فطاري المعتاد
..................................................................
بدء صوت ضحكتها يعلو لأول مره منذ أن أردفت قدميها الي ذلك القصر ..بل منذ أن توفي والديها
لتتنفس صفا بصعوبه علي أثر دعابه تلك الخادمه صباح وهي تداعب الخادمة الأخري سعاد
لتقول صفا بصعوبه : والله انتي تموتي من الضحك ياصباح ، بقي تبعتي للراجل صورة ممثله وتقوليله انها انتي
وتأملت صفا تلك المثله الانجليزيه وهي تضحك أكثر
صفا : الخالق الناطق انتي ياسبحان الله !
لتسحب صباح هاتفها الغالي الي قلبها والذي أشترته من مرتب شهرا كاملا قائله وهي تمضغ العلكه بشكل مضحك :
يعني أعمل ايه ياصفا ياأوختي أه بتسلي علي النت ، بس الواد طلع قمر قمر يكونش عمرو سعد وانا مش عارفه
فتبتلع سعاد كلمات صباح بصعوبه من أثر هستريا الضحك التي أصطحبتها لتتحدث أخيرا : وحبتيه علي كده ياصباح
صباح بحالميه : حبيته من اول كلمه
ليضحكوا ثلاثتهم بقوه علي تلك السخفات الحمقاء التي تنتابهم أوقات فراغهم ... فتتذكر صباح اول مره اجتمعت بها بصفا... عندما جاء بها محروس
صباح بطيبه: بس أنا حبيتك اووي ياصفا ، صحيح انا غلست عليكي في الاول أكمنك واحده قمر وشكلك بنت ناس ... والغيره نهشت قلبي وانا اقول ازاي القمر ديه هتجاور القرود دول
وأشارت بيدها علي سعاد التي قد ألتهت في أعداد أحد الواجبات ... وتابعت بمضغ علكتها قائله بعدما قذفتها سعاد بأحدي الشوكات
لتتفادي صباح تلك الهجمه قائله : الله ياسعاد ، مش أحنا قرود برضوه .. الانسان أصله قرد
فتتعالا ضحكتهم ثانية بل أكثر ، لتضع صفا بيدها علي بطنها من كثرة الضحك .. ويصمتوا فجأه عندما جاءت تلك الخادمه صاحبة احد اللغات ، ذات أصول تركيه .. وايضا فرنسيه لا يعلموا كيف هذا ولكن هذا ما تقصه عليهم كل ليله من أمجاد جدودها العظماء
فريده بصرامه وهي تتحدث عربيه غير مرتبه : ضحك ممنوع ، اكل يجهز بسرعه ... واشارت الي صفا بحده
فريده : وانتي مستر عامر عايزك في مكتبه.. ذات اللسان الطويل
...............................................................
كانت هذه هي المره الثالثه التي تردف فيها الي مكتبه العملاق ..ذات الطراز الجامد والمخيف كصاحبه
ليرفع عامر وجهه ، فيجدها تقف كالخائفه المتوتره ، وليست كصاحبة اللسان الطويل كما تدعيها فريده ... وكما أخذ هو أيضا ذلك الانطباع عنها في اول مرتين قد التقي فيهم بها
فيتنحنح عامر بصرامه ، لترفع صفا وجهها قائله : حضرتك كنت عايزني ياأستاذ عامر
ليمتقع عامر من ذلك اللقب الذي أطغته علي أسمه لتشعره وكأنه معلماً أمام تلميذته الحمقاء ..
فيرفع أحد حاجبيه قائلا : كلمة أستاذ ديه مش عجباني غيريها
لتنظر اليه صفا بتمرد قائله : بس ميس فريده بتقولك مستر ، ومستر من استاذ متفرقش
فيترك عامر الأوراق التي أمامه بقوه ويقف بجمود ليظهر جسده العريض ذات الطول الفارع .. قائلا بعند : فريده ديه أستثني ، ديه رئيسة الخدم .. مفهوم!
لتبتلع صفا حديثه الجامد ، قائله : تحب حضرتك أندهك بي ايه
فيتقدم عامر نحوها قائلا : عامر بيه
فترفع صفا وجهها الذي قد كساه الحزن من معاملة ذلك المتعجرف صاحب الاموال والترف : تمام ياعامر بيه
لتطل السعاده في أعينه ، عندما بدء يستشعر بسطوته ..
صفا : علي فكره عمر الأحترام مكان بالألقاب
وابتسمت ببشاشه
صفا : حضرتك كنت عايزني في ايه .. وضغطت علي لقبه قائله : ياعامر بيه
لينظر اليها عامر طويلا قائلا : فريده بتشتكي منك ، بقيتي عامله دوشه في القصر ... مش عشان كسبتي ثقة ناهد هانم يبقي خلاص هتنسي قوانين القصر
فيمتقع وجه تلك البائسه من ذلك الغول الفظ ، لتتحدث بهدوء : حاضرهعرف حدودي كويس ، اي حاجه تانيه تؤمر بيها
لتزداد خشونه عامر وهو يتفنن في كسرها : اتفضلي علي شغلك
وقبل ان تلتف وتترك مكتبه الفخم ، نظرت اليه طويلا لتخرج الكلمات من حلقها بصعوبه ولكن
صفا : ناهد هانم بتسأل ديما عليك ، وفر بس من وقتك دقايق وتعالا شوفها مش هتخسر حاجه
وكاد عامر ان يرد عليها لتجاوزها هذا ، لترفع بوجهها الحزين وقد بدأت الدموع تلمع في عينيها
وعادت تُحادثه
صفا : هيجي يوم وتتمني وجودها ، هتتمني تسمع بس صوتها .. تسمع دعوه حلوه منها ... مبنحسش بقيمة الحاجات الغاليه علي قلوبنا غير لما تروح ، وبيكون الاوان فات
ليرن هاتف عامر فتلك اللحظه وينجدها من براثين مشاعره الهائجه التي حين ستنفجر سيعصف بها اولا من غضب
فتهتز يديه وهو يخرج الهاتف من جيب بنطاله واعينه مازالت عليها تقتحم اعينها كالصقر
ليخرج صوت عامر بصعوبه قائلا بجديه : يعني ايه لسا ملقتيش حد بيتقن اللغه الالمانيه ياهاله
فيأتي صوت سكرتيرته الخائفه عبر الهاتف: يافندم حضرتك مديني يوم واحد بس ، وللاسف معرفتش حتي اعمل اعلان في الجرايد
ليظفر عامر بغضب ، وبعد ثواني معدوده اخرجت صفا كلمتها بتوتر
صفا : انا بعرف ألماني كويس ، انا خريجه ألسن
لتظل كلمة صفا عالقه بينه وبين سكرتيرته التي تثرثر راجيه بأن يعطيها ساعات اخر حتي تنفذ طلبه
فيغلق اتصاله سريعا ، ويتأملها بشده وكأنه يفكر في أمرها ليقول بجديه صارمه
عامر : تجاوزاتك الكتير وطوول لسانك لسا محسبتكيش عليهم
وتحرك نحو مكتبه ذات الأسطح العريضه، وأستند بمرفقيه عليه وهو يعطيها ظهره وتابع بحديثه : بس هأجل العقاب دلوقتي
وتابع حديثه بجدية أقوي : هحتاجك معايا بكره في الشركه ، للاسف مضطر لان الشركه اللي هتكون الصفقه الجديده معاها .. شركه ألمانيه
وبصوت اقوي واقوي قد أرتجفت بسببه اوصالها
عامر : اتفضلي علي شغلك !
...............................................................
نظرت جنه لوجه أمها الباكي ، وتطلعت لحجرة والدها الممتلئه ببعض الفلاحين الذين تألف وجوههم فهم أصحاب والدها
حتي نطقت بصعوبه وهي تلقي بكتبها أرضاً : بابا ماله ياماما
لتزداد والدتها في البكاء ... فتهزها جنه قائله : اوعي تقولي انه ...
فتخرج صافيه صوتها بصعوبه وهي تسمع صوت سيارة الاسعاف
صافيه : ابوكي تعبان اووي ياجنه ، وقع في الارض وهو بيرويها مع الفلاحين .. واحتضنت ابنتها ببكاء : انا خايفه عليه اووي ده قاطع النفس
وبعد دقائق اهتز فيها قلوب هذه الاسره الصغيره
خرج صابر محمولا الي المشفي، وصرخات تلك الزوجه المكلوله وأبنتها خلفه
.............................................................. ..
أرتجفت قدميها وهي تخطو بأول خطوه داخل هذا الصرح الضخم ، فتلمع عيناها من رؤية ضخامة وفخامه هذا البناء الذي يدل علي مكانته العاليه في عالم المال والمعمار
وأرتفعت عيناها لتتأمل كل ماحولها من أناس يعملون كخلية النحل .. فكما يقال ان اصحاب الشركات الخاصه مؤسسات لها ضوابط وأحكام
ليقف امامها احد اشخاص الامن قائلا : افندم ياأنسه
فتتنحنح صفا حرجا قائله : انا عندي ميعاد مع عامر .. وتتذكر رغبته الديكتاتوريه في وضع الالقاب علي حسب ما يهوي
لتعود قائله : عامر بيه
فيرفع الحارس جهازه اللاسلكي ويصطحبها الي باب الاصنصير الخاص ب الموظفين ..
محدثا سكرتيرة ذلك المتعجرف
الحارس : اسمك ايه يا أنسه
صفا بأرتباك : صفا .. اسمي صفا !
.................................................................
تأمل أخر ورقه من أوراق الملف القابع بين يديه
فيغلق الملف بهدوء تام ، مُسترخي بجسده بأرتياح
ليبتسم صديق عمره الذي عاد اخيرا من رحلة غربته في ألمانيا ، ومعه تلك الصفقة التي ستنضم فيها شركة ألمانية معهم في مجال محركات السيارات وهذا بعيدا عن نمط شركات السيوفي
اكرم : ها ياعامر .. فاضل ساعه علي الاجتماع مع الناس وانت لسا بتفكر
فيسترخي عامر اكثر علي كرسيه ويرفع احد الاقلام .. ويبدء بالطرق به علي سطح مكتبه
ويتنهد بعمق قائلا : بس الغربه غيرتك يا أكرم ، بقيت بيزنس مان هايل
ليبتسم أكرم بسعاده ، لموافقة عامر علي الصفقه والتي استنبطها من كلامه الغير مباشر ..
فينهض عامر ليقترب منه ويربط علي احد كتفيه
عامر: انا موافق علي الصفقه يا أكرم .. وتابع بحديثه قائلا :
سمعت انك اتجوزت !
فيقف أكرم هو الاخر ويبدء في أشعال احد سيجارته قائلا وهو ينفث دخانها بعشوائيه: لقيت الشغل والغربه هيسرقوا من عمري فقولت ألحق اتجوز واخلف ... اومال كل النجاح ده هسيبه لمين
ليضحك عامر علي حديث صديقه ليقول ساخراً : عايز تفهمني ان بنات الطبقات العاليه والاصول العريقه .. يهمها تخلف وتربي ... وتابع بسخريه أكثر : ده اهم حاجه عندهم الموضه والحفلات والسفر وتجمعات النوادي الهيفه
فتتعالا ابتسامة أكرم ، متأملا صديقه بأشفاق من تفكيره هذا
وصار بخطي بسيطه كي يقف امام احد الصور المعلقه
أكرم ببتسامه هادئه : انا اتجوزت موظفه عندي .. عجبتني فتجوزتها ... من عيله مصريه مستواها المادي متوسط بتشتغل هي واخوها في ألمانيا .. يعني ولا وسط استقراطي ولا من طبقتي الاجتماعيه .. بصراحه ابهرني تفكيرها وتدينها وحسيت ان هي ديه الزوجه اللي هكون مطمن وانا بديها اسمي .. وتكون ام ولادي ..
وتنهد أكرم بعمق وهو يتأمل تفاصيل الصوره التي أمام اعينه قائلا : عالم الفلوس والشغل بيسرقوا من عمرك ياعامر ليقترب عامر هو الاخر من صورته المعلقه قائلا بمشاعر هائجه : جوازي من اميره زمان فشل ، مقدرتش تستحملني .. مش هظلم واحده تاني .. انا محتاج زوجه تفهمني وتشيل غبار الماضي من علي قلبي
ليطوول الصمت بينهم ، حتي يقول اكرم : مفكرتش مين اللي هيكمل من بعدك ، ويفضل اسمك موجود .. انا أيهم ابني دلوقتي بقي عندي بالدنيا .. وبحاول انجح وانجح عشانه بس بما يرضي الله ، ما انا لازم اسيبله المال الصح اللي يكمل بيه ... ثم ابتسم بسعاده : لسا امبارح كان بيسمع لمامته الفاتحه ، المفعوص عنده سنتين وبيحفظ قراءن
فتزداد ابتسامة عامر من حديث صديقه ، متأكدا بأن صديقه قد أحسن الاختيار في اختيار زوجته !
لتترك سيكرتيرته الباب ، وتردف الي مكتبه بخطي مدروسه وخلفها تلك المرتبكه صاحبة الاعين الخضراء والحجاب البسيط المنمق ، وفستانها الفضفاض ذات الحزام الفضي اللامع الذي يتوسط خصرها
فتقع نظرات عامر وأكرم عليها .. ليطوول تأمل عامر لها وهو يري ارتباكها وهي تفرك كفيها بقوه ، منكسة برأسها أرضا من كثرة خجلها
ليأتي صوت عامر اخيرا، متأملا نظرات صديقه المتسائله : خدي انسه صفا ، وفهميها الاجتماع هيكون ازاي ودورها هيكون ايه .. مافيش وقت ياهاله !
فتخرج هاله اولا لتتبعها صفا .. متذمره اكثر من ذلك الصارم دوما ، صاحب الصوت الجامد .. لتُحادث نفسها بغيظ
صفا: مافيش حتي كلمة اهلا ، شخصيه غريبه
وبعد ان اصبحوا الصديقان بمفردهم ثانيه ، تحدث أكرم هامسا في أذن صديقه : جميله اووي البنت ديه ، بس شكلها صغير
لتلمع عين عامر بقوه مُلتفاً الي صديقه ، أثر تلك المشاعر التي اصبحت متوهجه اليوم بين نبضات قلب وعقل لاول مره يصبح مشتتاً !
لتتنهد صفا محدثة نفسها : وحشتيني اووي يا ماما ..كنت اتمني تكوني انتي مكانها واسرحلك شعرك واهتم بيكي زيها كده
فتسقط دمعة حارقه من بين جفون تلك المسكينه دون قصد علي كف ناهد .. لتمد ناهد بكفيها فتلامس وجهها النقي دموعها قائله بحنان : انتي بتعيطي ياصفا
فتبتسم صفا من حنان لمساتها علي وجهها ،وتمسح دموعها سريعا قائله : اصل في ناس وحشوني اووي
وتضحك ضحكة بسيطه كي لا تزعج احداً بهمومها
صفا بدعابه : وكده احنا خلصنا ، وعملتلك احلي تسريحه لاحلي الجميلات
لتضحك ناهد بسعاده لحديث تلك المشاغبه ، فمنذ ان أتت من شهرا وهي تسليها وتفرحها بحديثها وكأنها ابنتها
ناهد: بتفكريني بأحمد ابني ، ديما بتمدحوا في جمالي ..مع اني واثقه انه راح مع الزمن خلاص
فتلامس صفا وجنتيها بحب قائله بمزحه لطيفه: عندك حق ياجميلة الجميلات ، هو فعلا راح بس عشان يحل مكانه جمال أحلي
فتبتسم ناهد لتلك الفتاه التي عوضها الله بها بعد حنان ورحيل أحمد ... وتتسطح علي وسادتها بتعب لتغمض عينيها قائلة بألم : هو عامر فين ياصفا
فتحرك صفا رأسها بأسي عند سماع أسم ذلك الأبن الجاف .. فمنذ ان جاءت الي هنا لم تلمحه غير مرة واحده في غرفة والدته ليطمئن بأنها قد نجحت في اختباراتها في ذلك البيت لتكسب ثقة هذا القاسي وليس غير من ذلك
وتدثر ناهد بالغطاء قائله برحمه علي قلب هذه السيده الهادئه
صفا : استاذ عامر بيسألني كل يوم عن حضرتك .. بس هو الايام ديه شكله مشغول في شغله
فتغمض ناهد عينيها بألم وهي تعلم كذب هذه الفتاه، وخوفها علي مشاعرها !
..................................................................
كانت تدور بعينيها في كل ركن من أركان ذلك المكان لتبحث عن طيفه ، الي ان وجدته يردف بقدميه دخل المطعم الذي قد اعتاد عليه منذ ان أردفت قدماه الي امريكا ... فبدء بخلع معطفه الصوفي ..ليلتقطه ذلك الشخص المخصص بهذا العمل
وجلس علي طاولته المحببه اليه ، وبدء يطلب وجبة افطاره المفضله من كعكة وقهوة برائحة البندق
لتتنهد تلك البائسه منه ، ونظرت الي هيئتها عبر مرئات المطعم ، والتي اطغت عليها مساحيق التجميل والملابس العصريه جمالا انثوياً رائعاً
ووقفت بقوامها المتناسق .. وقررت ان تأخذ اول خطوه من خطواتها ،وصارت نحوه بتمايل مدروس
ووقفت امامه بأبتسامة هادئه
أميره : ازيك يابشمهندس
ليرفع احمد بوجهه عن فنجان قهوته ناظرا اليها بتمهل شديد .. الي ان جلست علي احد كراسي طاولته لتقول بنعومه : اكيد حضرتك مش عارفني ، انا اميره مهندسه منتدبه من شركه الامارات العربيه .. للشركه المعماريه الامريكيه هنا اللي حضرتك مساهم فيها بأسهم وتصميمات بجد أهنيك عليها
فيبتسم احمد بدوره لها قائلا : اهلا يابشمهندسه
لتبتسم هي قائله : ممكن اخد فطاري معاك . وتابعت بحديثها ضاحكه : ولا مش هكون قد المقام
لتزداد ابتسامة احمد لها قائلا وهو يشير لنادل المعطم : ها تاخدي ايه
اميره براحه لكسب وده : زي فطارك بالظبط ، اصل هو ده برضوه فطاري المعتاد
..................................................................
بدء صوت ضحكتها يعلو لأول مره منذ أن أردفت قدميها الي ذلك القصر ..بل منذ أن توفي والديها
لتتنفس صفا بصعوبه علي أثر دعابه تلك الخادمه صباح وهي تداعب الخادمة الأخري سعاد
لتقول صفا بصعوبه : والله انتي تموتي من الضحك ياصباح ، بقي تبعتي للراجل صورة ممثله وتقوليله انها انتي
وتأملت صفا تلك المثله الانجليزيه وهي تضحك أكثر
صفا : الخالق الناطق انتي ياسبحان الله !
لتسحب صباح هاتفها الغالي الي قلبها والذي أشترته من مرتب شهرا كاملا قائله وهي تمضغ العلكه بشكل مضحك :
يعني أعمل ايه ياصفا ياأوختي أه بتسلي علي النت ، بس الواد طلع قمر قمر يكونش عمرو سعد وانا مش عارفه
فتبتلع سعاد كلمات صباح بصعوبه من أثر هستريا الضحك التي أصطحبتها لتتحدث أخيرا : وحبتيه علي كده ياصباح
صباح بحالميه : حبيته من اول كلمه
ليضحكوا ثلاثتهم بقوه علي تلك السخفات الحمقاء التي تنتابهم أوقات فراغهم ... فتتذكر صباح اول مره اجتمعت بها بصفا... عندما جاء بها محروس
صباح بطيبه: بس أنا حبيتك اووي ياصفا ، صحيح انا غلست عليكي في الاول أكمنك واحده قمر وشكلك بنت ناس ... والغيره نهشت قلبي وانا اقول ازاي القمر ديه هتجاور القرود دول
وأشارت بيدها علي سعاد التي قد ألتهت في أعداد أحد الواجبات ... وتابعت بمضغ علكتها قائله بعدما قذفتها سعاد بأحدي الشوكات
لتتفادي صباح تلك الهجمه قائله : الله ياسعاد ، مش أحنا قرود برضوه .. الانسان أصله قرد
فتتعالا ضحكتهم ثانية بل أكثر ، لتضع صفا بيدها علي بطنها من كثرة الضحك .. ويصمتوا فجأه عندما جاءت تلك الخادمه صاحبة احد اللغات ، ذات أصول تركيه .. وايضا فرنسيه لا يعلموا كيف هذا ولكن هذا ما تقصه عليهم كل ليله من أمجاد جدودها العظماء
فريده بصرامه وهي تتحدث عربيه غير مرتبه : ضحك ممنوع ، اكل يجهز بسرعه ... واشارت الي صفا بحده
فريده : وانتي مستر عامر عايزك في مكتبه.. ذات اللسان الطويل
...............................................................
كانت هذه هي المره الثالثه التي تردف فيها الي مكتبه العملاق ..ذات الطراز الجامد والمخيف كصاحبه
ليرفع عامر وجهه ، فيجدها تقف كالخائفه المتوتره ، وليست كصاحبة اللسان الطويل كما تدعيها فريده ... وكما أخذ هو أيضا ذلك الانطباع عنها في اول مرتين قد التقي فيهم بها
فيتنحنح عامر بصرامه ، لترفع صفا وجهها قائله : حضرتك كنت عايزني ياأستاذ عامر
ليمتقع عامر من ذلك اللقب الذي أطغته علي أسمه لتشعره وكأنه معلماً أمام تلميذته الحمقاء ..
فيرفع أحد حاجبيه قائلا : كلمة أستاذ ديه مش عجباني غيريها
لتنظر اليه صفا بتمرد قائله : بس ميس فريده بتقولك مستر ، ومستر من استاذ متفرقش
فيترك عامر الأوراق التي أمامه بقوه ويقف بجمود ليظهر جسده العريض ذات الطول الفارع .. قائلا بعند : فريده ديه أستثني ، ديه رئيسة الخدم .. مفهوم!
لتبتلع صفا حديثه الجامد ، قائله : تحب حضرتك أندهك بي ايه
فيتقدم عامر نحوها قائلا : عامر بيه
فترفع صفا وجهها الذي قد كساه الحزن من معاملة ذلك المتعجرف صاحب الاموال والترف : تمام ياعامر بيه
لتطل السعاده في أعينه ، عندما بدء يستشعر بسطوته ..
صفا : علي فكره عمر الأحترام مكان بالألقاب
وابتسمت ببشاشه
صفا : حضرتك كنت عايزني في ايه .. وضغطت علي لقبه قائله : ياعامر بيه
لينظر اليها عامر طويلا قائلا : فريده بتشتكي منك ، بقيتي عامله دوشه في القصر ... مش عشان كسبتي ثقة ناهد هانم يبقي خلاص هتنسي قوانين القصر
فيمتقع وجه تلك البائسه من ذلك الغول الفظ ، لتتحدث بهدوء : حاضرهعرف حدودي كويس ، اي حاجه تانيه تؤمر بيها
لتزداد خشونه عامر وهو يتفنن في كسرها : اتفضلي علي شغلك
وقبل ان تلتف وتترك مكتبه الفخم ، نظرت اليه طويلا لتخرج الكلمات من حلقها بصعوبه ولكن
صفا : ناهد هانم بتسأل ديما عليك ، وفر بس من وقتك دقايق وتعالا شوفها مش هتخسر حاجه
وكاد عامر ان يرد عليها لتجاوزها هذا ، لترفع بوجهها الحزين وقد بدأت الدموع تلمع في عينيها
وعادت تُحادثه
صفا : هيجي يوم وتتمني وجودها ، هتتمني تسمع بس صوتها .. تسمع دعوه حلوه منها ... مبنحسش بقيمة الحاجات الغاليه علي قلوبنا غير لما تروح ، وبيكون الاوان فات
ليرن هاتف عامر فتلك اللحظه وينجدها من براثين مشاعره الهائجه التي حين ستنفجر سيعصف بها اولا من غضب
فتهتز يديه وهو يخرج الهاتف من جيب بنطاله واعينه مازالت عليها تقتحم اعينها كالصقر
ليخرج صوت عامر بصعوبه قائلا بجديه : يعني ايه لسا ملقتيش حد بيتقن اللغه الالمانيه ياهاله
فيأتي صوت سكرتيرته الخائفه عبر الهاتف: يافندم حضرتك مديني يوم واحد بس ، وللاسف معرفتش حتي اعمل اعلان في الجرايد
ليظفر عامر بغضب ، وبعد ثواني معدوده اخرجت صفا كلمتها بتوتر
صفا : انا بعرف ألماني كويس ، انا خريجه ألسن
لتظل كلمة صفا عالقه بينه وبين سكرتيرته التي تثرثر راجيه بأن يعطيها ساعات اخر حتي تنفذ طلبه
فيغلق اتصاله سريعا ، ويتأملها بشده وكأنه يفكر في أمرها ليقول بجديه صارمه
عامر : تجاوزاتك الكتير وطوول لسانك لسا محسبتكيش عليهم
وتحرك نحو مكتبه ذات الأسطح العريضه، وأستند بمرفقيه عليه وهو يعطيها ظهره وتابع بحديثه : بس هأجل العقاب دلوقتي
وتابع حديثه بجدية أقوي : هحتاجك معايا بكره في الشركه ، للاسف مضطر لان الشركه اللي هتكون الصفقه الجديده معاها .. شركه ألمانيه
وبصوت اقوي واقوي قد أرتجفت بسببه اوصالها
عامر : اتفضلي علي شغلك !
...............................................................
نظرت جنه لوجه أمها الباكي ، وتطلعت لحجرة والدها الممتلئه ببعض الفلاحين الذين تألف وجوههم فهم أصحاب والدها
حتي نطقت بصعوبه وهي تلقي بكتبها أرضاً : بابا ماله ياماما
لتزداد والدتها في البكاء ... فتهزها جنه قائله : اوعي تقولي انه ...
فتخرج صافيه صوتها بصعوبه وهي تسمع صوت سيارة الاسعاف
صافيه : ابوكي تعبان اووي ياجنه ، وقع في الارض وهو بيرويها مع الفلاحين .. واحتضنت ابنتها ببكاء : انا خايفه عليه اووي ده قاطع النفس
وبعد دقائق اهتز فيها قلوب هذه الاسره الصغيره
خرج صابر محمولا الي المشفي، وصرخات تلك الزوجه المكلوله وأبنتها خلفه
.............................................................. ..
أرتجفت قدميها وهي تخطو بأول خطوه داخل هذا الصرح الضخم ، فتلمع عيناها من رؤية ضخامة وفخامه هذا البناء الذي يدل علي مكانته العاليه في عالم المال والمعمار
وأرتفعت عيناها لتتأمل كل ماحولها من أناس يعملون كخلية النحل .. فكما يقال ان اصحاب الشركات الخاصه مؤسسات لها ضوابط وأحكام
ليقف امامها احد اشخاص الامن قائلا : افندم ياأنسه
فتتنحنح صفا حرجا قائله : انا عندي ميعاد مع عامر .. وتتذكر رغبته الديكتاتوريه في وضع الالقاب علي حسب ما يهوي
لتعود قائله : عامر بيه
فيرفع الحارس جهازه اللاسلكي ويصطحبها الي باب الاصنصير الخاص ب الموظفين ..
محدثا سكرتيرة ذلك المتعجرف
الحارس : اسمك ايه يا أنسه
صفا بأرتباك : صفا .. اسمي صفا !
.................................................................
تأمل أخر ورقه من أوراق الملف القابع بين يديه
فيغلق الملف بهدوء تام ، مُسترخي بجسده بأرتياح
ليبتسم صديق عمره الذي عاد اخيرا من رحلة غربته في ألمانيا ، ومعه تلك الصفقة التي ستنضم فيها شركة ألمانية معهم في مجال محركات السيارات وهذا بعيدا عن نمط شركات السيوفي
اكرم : ها ياعامر .. فاضل ساعه علي الاجتماع مع الناس وانت لسا بتفكر
فيسترخي عامر اكثر علي كرسيه ويرفع احد الاقلام .. ويبدء بالطرق به علي سطح مكتبه
ويتنهد بعمق قائلا : بس الغربه غيرتك يا أكرم ، بقيت بيزنس مان هايل
ليبتسم أكرم بسعاده ، لموافقة عامر علي الصفقه والتي استنبطها من كلامه الغير مباشر ..
فينهض عامر ليقترب منه ويربط علي احد كتفيه
عامر: انا موافق علي الصفقه يا أكرم .. وتابع بحديثه قائلا :
سمعت انك اتجوزت !
فيقف أكرم هو الاخر ويبدء في أشعال احد سيجارته قائلا وهو ينفث دخانها بعشوائيه: لقيت الشغل والغربه هيسرقوا من عمري فقولت ألحق اتجوز واخلف ... اومال كل النجاح ده هسيبه لمين
ليضحك عامر علي حديث صديقه ليقول ساخراً : عايز تفهمني ان بنات الطبقات العاليه والاصول العريقه .. يهمها تخلف وتربي ... وتابع بسخريه أكثر : ده اهم حاجه عندهم الموضه والحفلات والسفر وتجمعات النوادي الهيفه
فتتعالا ابتسامة أكرم ، متأملا صديقه بأشفاق من تفكيره هذا
وصار بخطي بسيطه كي يقف امام احد الصور المعلقه
أكرم ببتسامه هادئه : انا اتجوزت موظفه عندي .. عجبتني فتجوزتها ... من عيله مصريه مستواها المادي متوسط بتشتغل هي واخوها في ألمانيا .. يعني ولا وسط استقراطي ولا من طبقتي الاجتماعيه .. بصراحه ابهرني تفكيرها وتدينها وحسيت ان هي ديه الزوجه اللي هكون مطمن وانا بديها اسمي .. وتكون ام ولادي ..
وتنهد أكرم بعمق وهو يتأمل تفاصيل الصوره التي أمام اعينه قائلا : عالم الفلوس والشغل بيسرقوا من عمرك ياعامر ليقترب عامر هو الاخر من صورته المعلقه قائلا بمشاعر هائجه : جوازي من اميره زمان فشل ، مقدرتش تستحملني .. مش هظلم واحده تاني .. انا محتاج زوجه تفهمني وتشيل غبار الماضي من علي قلبي
ليطوول الصمت بينهم ، حتي يقول اكرم : مفكرتش مين اللي هيكمل من بعدك ، ويفضل اسمك موجود .. انا أيهم ابني دلوقتي بقي عندي بالدنيا .. وبحاول انجح وانجح عشانه بس بما يرضي الله ، ما انا لازم اسيبله المال الصح اللي يكمل بيه ... ثم ابتسم بسعاده : لسا امبارح كان بيسمع لمامته الفاتحه ، المفعوص عنده سنتين وبيحفظ قراءن
فتزداد ابتسامة عامر من حديث صديقه ، متأكدا بأن صديقه قد أحسن الاختيار في اختيار زوجته !
لتترك سيكرتيرته الباب ، وتردف الي مكتبه بخطي مدروسه وخلفها تلك المرتبكه صاحبة الاعين الخضراء والحجاب البسيط المنمق ، وفستانها الفضفاض ذات الحزام الفضي اللامع الذي يتوسط خصرها
فتقع نظرات عامر وأكرم عليها .. ليطوول تأمل عامر لها وهو يري ارتباكها وهي تفرك كفيها بقوه ، منكسة برأسها أرضا من كثرة خجلها
ليأتي صوت عامر اخيرا، متأملا نظرات صديقه المتسائله : خدي انسه صفا ، وفهميها الاجتماع هيكون ازاي ودورها هيكون ايه .. مافيش وقت ياهاله !
فتخرج هاله اولا لتتبعها صفا .. متذمره اكثر من ذلك الصارم دوما ، صاحب الصوت الجامد .. لتُحادث نفسها بغيظ
صفا: مافيش حتي كلمة اهلا ، شخصيه غريبه
وبعد ان اصبحوا الصديقان بمفردهم ثانيه ، تحدث أكرم هامسا في أذن صديقه : جميله اووي البنت ديه ، بس شكلها صغير
لتلمع عين عامر بقوه مُلتفاً الي صديقه ، أثر تلك المشاعر التي اصبحت متوهجه اليوم بين نبضات قلب وعقل لاول مره يصبح مشتتاً !