رواية الصندوق الفصل التاسع و الاربعون بقلم الهام عبده
#قصة_خاتم_الصندوق
ظل سالم ممسكاً بيدها حتي خرجت من باب منزله و مرا بالحديقة ثم أمام الباب الخارجي أرادت إفلات يدها من يده لكنه أبي و قال : الوقت متأخر .. هل أوصلك ؟!
كاريمان : لا داعي .. سأعود مثلما أتيت
سالم : لا ... هناك فارق كبير بين مجيئك منذ قليل و ذهابك الآن فهناك تقدم كبيير في المنتصف !!
ابتسمت كاريمان و قالت : معك حق و لكن اخشي أن جذوة فرحتنا هذه تكون أبعدتنا عن الواقع قليلاً !!
سالم بتساؤل : ماذا تقصدين ؟!
كاريمان : أقصد والدي ووالدتك ؟! هل سيمَررون الأمر مرور الكرام ؟!
سالم: والدتي أنا كفيل بها أما أنتِ فمهمتك إقناع والدك .. فهل ستستطيعين؟! أم سأعود خائباً غداً و طلبي سيُرفض؟!!
كاريمان بقلق : لا أعرف و لن أستطيع الضغط كثيراً الان عليه من اجل حالته الصحية
سالم : إذن.. سأنتظر خبراً منكِ قبل المساء كي أعرف هل سآتي أم لا ؟!
كاريمان : لا ؟!! معني ذلك أنك ستتراجع إن لم يوافق !!
سالم : بالطبع لا و لكن حتي يقتنع لن آتِ بصحبة والدتي و أجعلها تعود بالرفض!!
كاريمان: لنري أيضا كيف ستقنعها ؟!
سالم : لا تقلقي من ذلك .. العقبة الكبري هي عائلتك و إن لم تنجحي في حلها بمفردك فسنحلها معاً فلا تقلقي أيضاً علي أية حال .
ابتسمت كاريمان و قالت : اذن سأرحل الآن.. إلي اللقاء
سالم : ليس هنا .. لنودع بعضنا أمام قصركم يا أميرة
ركبا عربتها المكشوفة ذات الخيول و اتجها نحو قصر الراعي و هما في تناغم و ارتياح ..
في تلك الليلة التي لاتُنسي لكليهما، بعدما عادت كاريمان لقصرها و هي لا تشعر بقدميها و لا تستوعب أنها منذ قليل اوضحت موقفها و قبلت أن يأتي سالم لطلبها من والدها رسمياً، جلست علي مهدها و أرخت ظهرها ثم بدأت تستعيد ما حدث في عقلها و تبتسم لكنها تذكرت والدها و موقفه المعارض و كذلك ثريا !! ربما والدته أيضا ستكون معارضة لكنه قال انه سيقنعها !! أصابتها الحيرة فكيف ستناقش الأمر مع والدها الذي خرج حديثاً من وعكة صحية و هل تلك العلاقة سيُسمح لها أن تتم دون معوقات ؟!!يبدو أن الأمر لن يكون سهلاً !! ..
في منزل سلامة و شفيقة قبعت فاتن في غرفتها و رفضت الخروج منها خشية التعرض لمحاولات ضغط أخري من والديها و خاصةً والدتها شفيقة فهي حادة الطباع و عنيفة إلي درجة أن فاتن عادت لتخاف منها مجدداً مع أنها لم تكمل عندهم يوماً واحداً !!
أخبروها في ساعة الغداء و العشاء أن تنضم إليهم لكنها رفضت و تعللت بحاجتها للنوم لكن شفيقة هددتها من جديد قائلة : أكلتِ او لم تأكلي، تحدثتي أو لم تتحدثي فسوف نذهب غدا عند حفيظة هانم اختي و سينكشف كل شئ !! لعل فعلتك شنيعة و مخجلة حتي أنكِ تخجلين منها هكذا !!
ظلت منتظرة حتي هدأ البيت تماما و قلت الحركة حتي أصبحت شبه منعدمة بعدما نام جميعهم فيما عدا فؤاد الذي ظل منتظراً علي سريره حتي اللحظة المناسبة .. لم تنسي شفيقة هانم أن تغلق الباب جيدا و تأخذ المفتاح و تضعه في صدرها كما اعتادت كل مساء!!
عندما تأكد فؤاد أن فائق أخيه الأكبر غط بالنوم بشكل عميق تحرك في هدوء و خرج من غرفته ثم فتح الباب بحذر علي فاتن فوجدها واقفة في قلق بجوار أغراضها التي حزمتها من جديد في استعداد للهرب !!
أشار لها بالصمت و الحذر ثم أخذ بعض الأغراض و تركها تحمل الباقي و اتجه ناحية المطبخ و فاتن في إثره مباشرةً، اقترب من نافذة صغيرة في المطبخ صُنعت للتهوية، فتحها ثم ألقي بالحقائب واحدة تلو الأخري ثم نظر لفاتن و أشار لها بمعني اقتربي لتقفزي فحملقت بعينيها و تسَّمرت في مكانها فنبهها لإمكانية أن يستيقظ احد و ينتهي مخطط الهرب للأبد حينها فأقبلت فإذ هي قصيرة علي أن تشب بيديها و تصل للنافذة فأسرع و جلب كرسي خشبي صغير صعدت عليه فطالت النافذة بصعوبة و تشبثت بالحائط فرفعها فؤاد من أسفل و دفعها للخارج، سمع صوت أنينها عندما سقطت علي الأرض جزءا منها سقط فوق الأمتعة و جزء آخر قابل الطريق القاسي فتألمت من ركبتها بشدة، قفز فؤاد خلفها بسهولة لاعتياده علي الأمر ثم ساعدها لتقف، أغلق النافذة ثم حمل امتعتها و ذهب معها ليعبرا الطريق مبتعدان عن البيت حتي وصلا أول الطريق العمومي و هنا قال لها فؤاد : أظن أنني الآن نفذت اتفاقي أين المقابل !!
فاتن : حاضر
خلعت خاتمها و أعطته له فخبأه علي الفور في جيب بنطاله..
ظلا جالسين علي احد عتبات منزل مغلق ليس به سكان و مع أول خيوط الفجر عادا للطريق حيث بدآ في سؤال العربات المارة لعل إحداهن يوافق اصحابها بايصالها معهم و بالفعل ركبت في إحدي العربات و هنا عاد فؤاد الي بيته مثلما خرج منه تماما ...
سؤلت فاتن عن وجهتها فلم تجد سوي عنوان المزرعة لتعطيه !! لسان حالها كان يقول من جحيم الي جحيم !!
مع اشراقة الشمس التي أدفئت الأجواء الباردة غادرت كاريمان غرفتها و أخذت شالا صوفياً وضعته علي كتفيها ثم جلست في حديقة القصر الخلفية تنتظر بشغف ممتزج بقلق، طلبت من أحد الخادمات تحضير كأس شاي مع ليمون كي يعطيها استفاقة مع ارتخاء أعصاب لأنها لم تغمض عينيها منذ ليلة مبيتهما بالقاهرة سوي لدقائق قليلة متقطعة !!
استيقظ والدها و عرف من احد الخدم عن استيقاظها و جلوسها في الخلف فطلب قهوته الصباحية و ذهب باتجاهها، تعانقا ثم قال منصور بك : لم أكن أتوقع عودتكِ هكذا سريعا يا ابنتي!! و لكن لحسن الحظ أنكِ لم تتأخري !!
كاريمان بقلق : لمَ .. هل حدث شئ ؟!
منصور بك بحزن : نعم .. ثريا حالتها ليست جيدة و لا أعلم كيف ستصحو اليوم؟!
كاريمان : بسبب غياب ابنتها بالطبع !
منصور بك : أسوأ ما قد يتعرض له الانسان هو التعلق في الأمل ثم الاصطدام بالواقع المؤلم !!
كاريمان بتعجب : ماذا يعني هذا؟!
منصور بك : توقعت مكان كما قلتي لها قبل سفرك فذهبنا اليه علي الفور و كانت متأملة كثيراً و كأنها ستضع هدي بين ذراعيها حين تصل و لكنها واجهت خيبة أمل كبيرة عندما وجدنا ذلك البيت فارغ ليس به أحد !!
كاريمان بتساؤل : و ماذا فعلت عندها ؟!
منصور بك : بكت و ناحت و انهارت فحاولت مواساتها و اعطائها بعض القوة و الدفع ثم عدنا في نفس الطريق و أثناء ذلك لم تقل كلمة واحدة حتي أنها ذهبت لغرفتها علي الفور بعدما وصلنا هنا و عندما حاولت التحدث معها رفضت و قالت انها متعبة و ستنام !! أنا قلق بشأنها كثيراً
كاريمان : لا يكفي يا أبي .. يجب أن نفكر أين يمكن أن نجده ثم نعيد لها هدي في أسرع وقت ..ليس عدلاً أن يهرب و يحرمها رؤية ابنتها!!
منصور بك : كلام صحيح و لكن أين؟؟ نحتاج لنقطة بداية !!
كاريمان : الوقت يمر صعباً للغاية عليها فيجب أن نحاول و نحاول و نحاول حتي نجدهما ..
منصور بك : تري في أي جحر يختبئ
هنا قاطعته ثريا و انضمت اليهما ثم عانقت اختها و هي مقطبة الجبين يائسة الملامح و قالت : الحمدلله ع سلامتك .. هل حللتما موضوعكم مع الانجليز ؟!
كاريمان: نعم .. الحمدلله و أخيراً و لكن حزنت مما قاله لي أبي بخصوص سفركما أمس !!
تاوهت ثم جلست في وهن و قالت : تأملت بأن أجدها و آخذها بين ذراعيَّ و لكن للأسف ...
كاريمان : لا تيأسي فسوف تعثرين عليها قريبا .. يفترض بنا أن نحاول و نحاول و لا نتوقف ابداً
ثريا : هل انشقت الارض و ابتلعتهما ؟! لا أعرف !!
منصور بك : سأعيَّن شخصاً متخصصاً يتحري عن الأمر و يسافر في البلدات و القري المحيطة حتي يعثر علي أثر لهما .. عليكي بالصبر يا حبيبتي ..
في تلك الاثناء فكرت كاريمان في فتح موضوع سالم معهما لكنها ترددت لأن الجو العام لا يساعد ابدا علي فتح جبهات صراع جديدة، ثريا حزينة من اجل ابنتها و عزيز مطرود و لا يعرفون أين هو و منصور بك خرج حديثاً من وعكته فماذا عساها أن تفعل ؟!
اخرجها عن حيرتها تلك، خطاب قدمه لها أحد الخدم معنَّون باسم الطبيب إيفان مانويل ..
فتحته باهتمام و قرأت الآتي " إلي الأميرة كاريمان .. وددت أثناء تواجدي بالمنصورة أن أراكِ و أناقش معكِ ما سيحدث بخصوص المبرة الجديدة فلدي اقتراح جيد سينفعنا كثيراً و لكنكِ تأخرت بالرد و ذلك لظروفكِ الخاصة .. ليعينك الله عليها و لكنني اضطررت للعودة لعملي و انتظر قدومك في أقرب فرصة لمناقشة الأمر ووضع النقاط فوق الحروف .. رجاء لا تتأخري..
الطبيب/ ايفان "
نظر لها والدها بفضول و قال : ممن تلك الرسالة؟!
كاريمان : من إيفان.. يجب أن أذهب لأسوان في اسرع وقت لحل أمر المبرة الجديدة
عندما سمعت ثريا اسم المبرة خجلت و طاطأت رأسها لأسفل لكن كاريمان لم تعلق علي ما فعلته بسبب ما تمر به
منصور بك : لكنك لم تستريحي بعد من عناء ما حدث!! هل ستسافرين علي الفور ؟!
كاريمان : نعم .. سأنهي بعض الترتيبات هنا ثم أغادر .. هل تأتون معي ؟!
منصور بك : لن يكون مناسبا فلازلت أفكر في خطوات العثور علي فاضل و حفيدتي هدي
كاريمان : اذن لأسافر انا ثم بعد ايجاد هدي تلحقون بي
ثريا : يا ليت .. فهي أحبت أسوان كثيرا فعندما أجدها سآخذها و نأتي اليكِ علي الفور
كاريمان : بإذن الله ..
ثم جاء الخادم و دعاهم الي طعام الإفطار
علي مائدة الإفطار في منزل سالم، جلس في مزاجٍ جيد و شهية مفتوحة علي رأس المائدة و عن يمينه والدته و عن يساره أمينة التي سألته و قالت : كان غريبا جداً ما حدث ليلة أمس ؟؟ أليس كذلك؟!
أجاب سالم و قال : تقصدين مجئ كاريمان ل هنا ؟!
أمينة باستنكار: نعم !! جاءت بمنتصف الليل تطلبك عاجلاً !! فهل كان هناك ما يستحق !!
ابتسم سالم و قال : دعكِ من أمس و سببه .. دعونا نتناول افطارنا باستمتاع و في رواق ثم بعد ذلك أود الانفراد بسيدتي الجميلة / بثينة لاحتساء القهوة معها في الحديقة لأنني احتاجها عاجلاً جداً
أمسك يد والدته و قبَّلها فقالت بتعجب : لعله خيراً يا بني .. قلت أمس أنك حللت أمر الانجليز فهل يجب أن أقلق بشأن أمر آخر ؟!!
سالم : لا بل علي العكس .. سنتحدث قليلا فقط يا أمي .. ألم تشتاقي لابنك أم ماذا ؟!
السيدة بثينة : بالطبع اشتقت و لكن اريد الاطمئنان فقط
سالم : اطمئني فلا شئ يدعو للقلق !!
وصل عزيز لأسوان بعد غياب طويل و الآن هو حر من قيود فاتن و من عائلته و من كل ما كان يكبله و لم يبقي له سوي تسويه موضوع الخطف ليريح رأسه بعدها و يستمتع !!
ذهب و حجز غرفة في الفندق الذي يقيم به محقق حفيظة " ايلاريون " كي يبقي قريبا من طرف الهدف لكنه عقد النية علي أنه لن يقيم فيه طويلا و سيعثر علي منزل خاص به قريبا كي يستقر به ..
تسَّلم الغرفة و أخذ حماما ثم أبدل ملابسه و نزل لموظف الاستقبال و سأله قائلا : هل السيد ايلاريون مازال مقيما هنا ؟!
الموظف : نعم .. هو يبقي هنا منذ فترة لكننا لا نعرف ماذا يفعل أو لماذا أتي ؟!
ابتسم عزيز و قال : هل يتناول افطاره هنا ؟!
الموظف : نعم .. كل يوم في الثامنة صباحاً يكون بالمطعم و بعدها يذهب و لا يعود إلا بعد الواحدة ظهراً .. رجل غامض و غريب !!
مد له عزيز قطعتين ذهبيتين و قال : حقاً .. شكرا لك
ابتسم الموظف و اخذهما بسعادة و قال : علي الرحب و السعة !!
وصلت فاتن مزرعة حفيظة هانم في الصباح الباكر تقريبا في نفس توقيت بدأ العمل في قطف الفاكهة، وقفت أمام الباب و طلبت من الحارس السماح لها بالدخول فقال: هناك تعليمات من السيدة كرامات بعدم ادخالك بعدما حدث منكِ أول أمس !!
ردت فاتن بانفعال : عجباً .. هل نسيتم أن تلك المزرعة لخالتي ؟! اذهب و قل لها او ل لطفي أفندي أنني لن أذهب من هنا و أنني يجب أن أدخل .. هيا !
ذهب الحارس ثم عاد بعد دقيقتين و قال لها : تفضلي .. لطفي أفندي و السيدة كرامات في انتظارك بالداخل !!
تعجبت فاتن من القبول السريع غير المتوقع فدخلت و هي تمشي ببطء و عدم استقامة من ألم ركبتها من أثر سقطة أمس !!
وصلت إلي عندهما حيث كانا جالسين في بداية الحقل يتناولان افطارهما علي طاولة صغيرة بينما يراقبان سريان العمل علي قدمٍ و ساق !!
قالت كرامات بتهكم : أهلا بفاتن هانم .. خيرا ؟!
فاتن باستنكار : أود العودة للعمل هنا ..
رفعت كرامات حاجبها و قالت : ماذا ؟! ألم أقل لكِ أنه إن ذهبتِ فلا عودة !! لماذا عدتِ ؟! هل تلك المزرعة مشاع ليس لها ضابط أو رابط ؟! اذهبي من حيث أتيتِ .. انت من اخترتي الذهاب اول أمس و دفعتي سل الفاكهة بقدمك!! أليس كذلك ؟
قالت فاتن بانفعال : تلك مزرعة خالتي و كنت من قبل آتِ معها و جميعكم تقومون بخدمتي.. لا تنسي هذا ؟! فحتي لو قست عليَّ خالتي فأنا سأظل ابنتها و يمكنني دخول هذا المكان متي شئت !!
ضحكت كرامات باستهزاء و قالت : مع الأسف لا يمكنك .. لفظتك خالتك خارجا.. اخرجي يا فتاة من هنا بدلا من اخراجك بالقوة و رميك خارج الأسوار !!
دمعت عينيَّ فاتن فقال لطفي أفندي : لنتركها تعود للعمل يا كرامات .. لن يحدث شئ إن عادت !!
كرامات : لا بل سيتجرأ الجميع علينا مثلما فعلت .. لا يمكن !!
استدارت فاتن و قد ثقل ألم ركبتها كثيراً ثم غادرت و الدموع تتساقط عن عينيها في صمت و ألم !!
أما صدقي باشا و بسمة و ايفان و سيمون فقد وصلوا للتو، دعاهما إيفان للبقاء في منزله و لكن صدقي باشا رفض و أصر علي البقاء في فندق فقالت بسمة: أما أنا فسأعود لمسكني في المبني الملحق بالمبرة
صدقي باشا : غير ممكن !! هذا السكن فقير الامكانيات و أنا لا يمكنني تركك فيه بعد الآن.. ألم تصبحي ممرضتي و مساعدتي الشخصية ؟!
بسمة : نعم و لكن ...
صدقي باشا : سنقيم في فندق و سأحجز لكِ غرفة منفصلة مجاورة لي .. لن أقبل بحل خلاف هذا
بسمة : شكرا لك يا سيدي ...
إيفان: إذا سنذهب للفندق لاتمام الحجز و بعدها أترككم و أعود لمنزلي مع سيمون
صدقي باشا : و هو كذلك..
بقيت سيمون بالعربة بينما اصطحبهم إيفان لنفس الفندق الذي يقيم به ايلاريون و عزيز لانه يعد الفندق الأفضل في أسوان و يستقطب علية القوم و النبلاء من الزوار !!
حجز لهما غرفتين منفصلتين و طلب منهما أن يستريحا و في المساء يقابلهما في كازينو الزهرة ..
قال صدقي باشا : بل أولا لنتناول شيئا يسيرا في المطعم ثم بعدها نستريح
إيفان: عذرا منكما و لكنني احتاج فقط للراحة و النوم و اختي تنتظرني في العربة بالخارج..
صدقي باشا : كما تريد يا حضرة الطبيب ..
تركهما إيفان و ذهب بينما توجها هما نحو المطعم ليجلسا في طاولة بزاوية أخري من المطعم مقابلة لتلك التي جلس عليها ايلاريون ثم أقبل عليه عزيز و انضم اليه !!
في حديقة منزل سالم ارتشفت السيدة بثينة رشفتها الأولى من القهوة و قالت بفضول : هيا أخبرني بما تريد قوله لي من بكرة الصباح ؟!
سالم : سأقول لكِ خبراً سيسعدكِ كثيراً في بدايته و لكن ...
السيدة بثينة بقلق : و لكن ماذا ؟!
سالم : اسمعيني في البداية ثم نتناقش بعدها بالتفاصيل
السيدة بثينة : و هو كذلك .. تفضل
سالم : قررت أن أتزوج !
السيدة بثينة بدهاء : و التفاصيل تحمل اسم الأميرة .. أليس كذلك ؟!
سالم : انتِ لا تحتاجين لشرح اذا ؟!
السيدة بثينة : هل اتفقتما علي ذلك في القاهرة؟!
سالم بتعجب : لا .. هذه التفصيلة فقط من توقعاتك غير صحيحة !! قد اختلفنا في القاهرة ثم عقدنا صلحاً و مصارحة هنا أمس !!
السيدة بثينة : في زيارة منتصف الليل؟ !!
سالم بابتسامة : نعم .. بالضبط !! ماذا ستقولين اذاً ؟
السيدة بثينة : لا شئ فأنت متعلق بها إلي حد كبير و متخذ لقرارك و الآن جاء وقت ابلاغي !!
اقترب سالم من والدته و أمسك بيديها بحب و قال : أمي .. تعرفين مكانتك عندي و أنه لو لا تتقبلين الأمر فلن أفعله فلا تقولين ذلك من فضلك !!
السيدة بثينة : حتي و إن عارضت زواجك بالأميرة !!
سالم بقلق : نعم ...
السيدة بثينة : أنت وحيدي و حبيبي يا سالم و لا رغبة لي في الحياة سوي رؤيتك سعيدا و لهذا أخشي عليك منها !!
سالم : تخافين من شخصية كاريمان و من وسطها و عائلتها !! أليس كذلك ؟!
السيدة بثينة : أخاف أن يبقي بداخلها شعور أنها تخلت أو ضحت من اجل الاقتران بك !! خاصةً بعد ارتباطك بوصيفتها !! لطالما حلمت لك بزوجة تراك أروع أحلامها و تضعك تاج فوق رأسها و لكن تلك الأميرة لديها عديد من التيجان بالفعل !!
سالم بتساؤل : عروس مثل من .. مثل أمينة؟!
السيدة بثينة : و لمَ لا .. هل بها شئ لا بعجبك ؟!
سالم : لا بل هي جيدة جدا و لكنه قلبي الذي لا مكان لها به و لن أكرر خطأ بسمة مرة أخري .. سأتمسك بحبي و بمن تروي بنظراتها نياط قلبي !!
السيدة بثينة : لا يسعني قول شئ طالما أن الأمر تعلق بقلبك و مشاعرك !! و أتمني لك حياة سعيدة و موفقة و حتي إن اتعبتك تلك الأميرة و عائلتها فأنا معك و سأقف خلفك دائما..
احتضنها سالم بسعادة و قال : كما توقعت بالضبط فأمي لن تقف في طريق سعادتي قط !! هل إن جاءتني البشري تذهبين معي اليوم لطلبها من منصور بك الراعي ؟!
السيدة بثينة : نعم .. سأذهب معك بالطبع و لكن ما تلك البشري ؟!
سالم : أنتظر تحدثها مع والدها فأنا لن أذهب دون موافثة مبدئية كي لا يتم ردي مرة اخري ؟!!
السيدة بثينة : معك حق .. لننتظر البشري اذن سريعا لأنني أود العودة للديار في أقرب وقت .. اشتقت لبلدي و هواءها و أهلها و لكل شئ فيها
سالم : لتتم الخطبة ثم سنعود علي الفور .. أنا أيضا اشتقت بشكل غير معقول !!
السيدة بثينة : و لكن ...
سالم بقلق : ماذا؟!
السيدة بثينة : كيف سنبلغ أمينة ؟! بالتأكيد ستحزن
سالم بلوم : اسمحي لي يا أمي و لكن انت من أتي بها من منزلها لمنزلنا هناك ثم اصطحبتها لهنا أيضا، فتعلقت بالطبع!! عليكِ حل الأمر معها كما ترين !!
السيدة بثينة : نعم .. سأخبرها علي مهل و لن اتركها الا و هي في يد عريس تحتفي به أسوان كلها، لأعوضها عما حدث
سالم : جميييل ..
في تلك الأثناء جاءت كاريمان و رآها سالم قادمة من بعيد فأشار لوالدته فقالت : إنها البشري!
سالم بقلق : لا .. أظن أنها أتت بنفسها و لم ترسل أحدهم كي تعتذر .. ربااااه !!
السيدة بثينة : قلت لك !!
سالم : اتظنين أنني لم أتوقع ذلك !! بلي .. توقعته و لكن حتي و إن كان الأمر شاقاً فلن أتركه حتي اتممه و هذا عهد مني أمامك !!
تعجبت السيدة بثينة من اصراره ثم وقفت لتستعد للانصراف و قالت : اذن لاتركك مع حبيبتك قليلا حتي تعدان الجولة القادمة !!
اقتربت كاريمان اليهما و قالت : صباح سعيد !!
السيدة بثينة: صباحك سعيد يا أميرة.. تفضلي بالجلوس و انا سأرسل لكما الضيافة
جلست كاريمان أمام سالم و علي وجهها تغير واضح جعله يتوقع الأسوأ !!
خرجت فاتن من المزرعة و قدميها لا تقويان علي حمل جسدها ربما من المذلة التي عايشتها منذ قليل و ربما لأنها لم تذق الا أقل القليل من الطعام منذ يوم ضبطها مع عزيز في القبو بالإضافة إلي ذلك ركبتها المصابة التي وضعت عليها ثقلا اضافياً !!
قطعت الطريق الطويل المؤدي لقصر خالتها برغم الألم و التعب، تعرقت بشدة و لكنها واصلت و لم تتوقف فغضبها كان أشد من ضعفها !!
رأي الحراس هيئتها الرثة و ثيابها التي تلطخت من أثر سقطة الأمس و ووجهها الواهن الذي ظهر عليه الاعياء الشديد ففتحوا لها علي الفور و طلب أحدهم من خادمة هناك أن تساعدها في الدخول ثم تجلسها و تهتم بها ..
توكئت علي تلك الخادمة حتي وصلت لكرسي في الردهة الكبيرة فجلست عليه ثم جلبت لها كوب ماء لترتوي بعد ذلك التعرق و المجهود العنيف الذي بذلته ..
قالت لها الخادمة في شفقة : سيدتي .. انتِ بحاجه لطبيب !! حالتك ليست جيدة !!
رآها شوكت فتعجب جدا لما وصلت اليه فذهب علي الفور لابلاغ سيدته ..
في مطعم الفندق و علي طاولتان كانت المسافة بينهما ما يقرب من
ستة أمتار!! جلس صدقي باشا مع بسمة يتناولان افطارهما و أيضا جلس عزيز مع ايلاريون بعد ان تظاهر بأنه رآه عن طريق المصادفة و قال : صباحك سعيد يا سيد ايلاريون .. امازلت هنا في أسوان ؟! ظننتك أنهيت مهمتك و غادرت منذ زمن ؟!
تعجب ايلاريون و قال : مهمتي ؟! و ما ادراكَ بي و بعملي ؟!
عزيز بخبث : دعك من هذا يا سيد ايلاريون فأنا أعرف انك تعرفني جيدا و اعرف لمَ انت هنا و لكن ما لا أفهمه لماذا لم تنهي مهمتك خلال كل ذلك الوقت الذي مضي ؟! ستغضب منك حفيظة هانم و انا أعرف أن غضبها سئ !!
تلفت ايلاريون حوله و قال بصوت خافت : سيد عزيز .. تلك مهمة سرية، ربما ابلغتك خطيبتك عن تلك التفاصيل و لكن لا تتدخل بعملي اذا اردت !!
أشار عزيز للنادل و طلب قهوة ثم قال له : ليكن بعلمك أنا وددت مساعدتك بما أعرف و ثق أن حفيظة هانم لن تعرف أي شئ عن تلك المساعدة ، هذا بالطبع إن أردت أنت ذلك !!
رد ايلاريون بفضول : كيف ستساعدني ؟ و لمَ ؟! ما هو غرضك ؟!! إن كان لديك معلومات فلمَ لم تقولها لها مباشرةً
عزيز : ساشرح لك .. حتي وقت قريب لم أكن اعرف شيئا عن الحادثة و الآن أنا قد انفصلت عن فاتن و لم يعد هناك اتصال بيننا و لذا رغبت في مساعدتك بالمعلومات التي عرفتها مؤخراً كي تصل للخاطفين و من يقف خلفهم !!
ايلاريون : اشرح لي ما تعرفه ؟!
عزيز : اليوم صباحا عندما وصلت رأيت شخصاً مريباً من نافذة عربتي يحمل أوصافا مطابقة للتي قالتها فاتن عن احد الخاطفين، نظرت له بتفحص فنظر لي بارتياب و خوف ثم مر من أمام عربتي بشكل طبيعي، ترجلت عن العربة و ذهبت خلفه دون أن يشعر فوجدته يدخل بيت علي اطراف البلدة بمنطقة نائية بعيدة فزاد الشك داخلينحوه فذهبت و طرقت الباب و عندما فتح و رآني لاز بالفرار من نافذة مفتوحة !! هنا تأكدت انه له علاقة بما حدث !!
ايلاريون باهتمام: هل يمكننا الذهاب لذلك المكان ؟!
عزيز : بالطبع !!
ايلاريون : هيا بنا اذن !!
سألها سالم : كاريمان .. هل رفض والدك زواجنا ؟!!
ردت كاريمان : للمرة الاولي لم تقل لي يا أميرة !!
سالم : أيهما تحبين أكثر !!
كاريمان : كلاهما جميل و لكن هل سيفاجئك قول أنني لم أتمكن من فتح الموضوع معهما من الأساس؟!!
سالم : و لمَ ؟!
كاريمان : الحال في القصر ليس جيد كثيراً لاسيما بعدما حدث أمس !!
سالم : ماذا حدث ؟!
كاريمان : ذهبا للبحث عن فاضل و هدي في بيت بالشرقية كان قد اشتراه من فترة لكنهما لم يجداه فانهارت ثريا و ساءت حالتها و الآن هم يضعان كل تركيزهما علي تكثيف البحث لايجادهما باي ثمن .. اليوم ابي سيعَّين محققا لاقتفاء أثرهما!!
سالم : شئ مؤسف حقاً و لكن إلي متي ستؤجلين فمسألة ابنة اختك ليس واضحا متي ستنتهي ؟!!
كاريمان : لم أكمل لك باقي ما عندي !! أنا سأسافر لأسوان بعد قليل!!
تعجب سالم و قال : بعد قليل ؟! ماذا حدث ؟!
سالم : كانت ثريا قد افسدت حفل افتتاح المبرة الجديدة عندما كنا محتجزين في حادثة التفجير ثم جاء إيفان للمنصورة في اليومين الفائتين و لم أتمكن من مقابلته بسبب الاحداث المتلاحقة فعاد لأسوان و هو ينتظرني هناك عاجلاً لحل الأمر!!
سالم : هل الأمر مستعجل الي تلك الدرجة ؟!
كاريمان : سالم . بقائي هنا لن يفيد الآن لأن الوقت غير مناسب لمصارحة ابي فقلت أن أعود و احل أمر المبرة مع ايفان ثم نفتح أمر الخطبة معاً و ربما حينها تكون الظروف تحسنت و هدي عادت لنا !!
سالم : إذن لنعود معاً لأسوان فأنا لن أتركك وحدكِ هناك ثم أنني بقيت هنا حتي الآن فقط من اجلك !!
كاريمان : اذن هل سنغادر معاً !!
سالم : نعم.. سنعد عُدتنا و نحزم امتعتنا و سنرحل معاً في عربتي
كاريمان : مع والدتك و أمينة!! بنفس العربة !!
سالم : والدتي وافقت علي الزواج فلا مشكلة معها بعد الآن أما أمينة فربما تبلغها والدتي الان أو وقتما تشاء .. تجاهلي أمرها !!
كاريمان : و لم لا نسافر بعربتان !! من اجل الراحة !!كي لا تتضايق أو تختنق النفوس !!
سالم : ليكن يا أميرة .. من اجل راحتك فعربة ستقلنا نحن و عربة لأمي و أمينة خلفنا مباشرة و عربة ثالثة للأمتعة!!
كاريمان : حسنا . سأتركك لتخبرهما الآن و لتستعدون ثم نلتقي في قصرنا
سالم : إلي اللقاء
أقبلت حفيظة هانم سريعاً علي وقع الخبر الذي أبلغها به شوكت أفندي، رأت حال فاتن المزري بعد عدة أيام فقط من فضيحة القبو !! أسرعت نحوها و قالت : ماذا جري لكِ هكذا ؟!!
ردت فاتن بصوت يجمع بين الضعف و اللوم و قالت : هذه قصة طويلة و لكنها انتهت بطرد زوجة مدبر مزرعتك لي !!
حفيظة هانم : كيف ؟!! طردتك من مزرعتي !!
فاتن : نعم .. بفضل توصيتك الغالية و تعليماتك في تلك الرسالة !!
توترت حفيظة هانم و شعرت بالذنب ثم قالت : هذا ليس وقت ذلك الكلام .. سيحاسبا علي فعلتهما لكنك بحاجة لطبيب فوراً لانه يظهر عليكِ الاعياء الشديد !!
نظرت لشوكت و قالت : استدعِ لي طبيب حالا
ذهب شوكت أفندي مسرعاً أما حفيظة هانم فجذبت فاتن من وسطها و لفت ذراعها حوله و اصطحبتها نحو غرفتها حتي يأتي الطبيب !!
وصل عزيز و ايلاريون الي المنزل المزعوم فقال له عزيز: كي لا يهرب منا يجب علينا الاحتراس و التخطيط للامساك به جيداً
ايلاريون : نعم . لأطرق انا الباب لانه لا يعرفني و انت يمكنك الانتظار في الخلف فربما يلجأ للهرب مرة أخري!!
عزيز : ارخِ قبضتك عليه قليلا كي تصل للمعلومات التي تريد!!
ايلاريون : لا تقلق فأنا عملي هو التحقيق و لكن الحذر واجب
عزيز : و هو كذلك سأنتظر في الخلف.. عملاً موفقاً
اتجه ايلاريون نحو الباب و طرق عليه عدة مرات ففتح الرجل و نظر له بغرابة و كأنه لا يعرف ما يدور و قال : خيراً .. من تريد ؟؟!
ايلاريون : أريدك في أمر ستكسب منه مالا وفيرا ان اتفقنا به فهل ستسمح لي بالدخول ؟!
الرجل : أمر ماذا ؟! أنا لا اعرفك !!
ايلاريون : لكنني اعرفك جيدا و كما قلت لك .. لا داعي للقلق فأنا سأتحدث معك قليلا و ربما نتفق و يكون لك نصيب في قطع ذهبية كثيرة !!
نظر الرجل بتأمل و لمعت عيناه و قال : إذن.. تفضل لنري !!
دخل ايلاريون و أغلق الباب ثم جلس علي كرسي أمامه منضدة صغيرة و قال : هل تعرف ما هي مهنتي ؟!
الرجل : بالطبع لا .. لا أعرف اسمك حتي !!
ايلاريون : أنا اعمل محققاً خاصاً و أود منك مساعدتي في فك طلاسم حادثة معينة حدثت هنا منذ قرابة شهر و نصف !!
الرجل : قل لي اولا.. كيف عرفتني و كيف وصلت لمسكني ؟!
ايلاريون : لتهدأ قليلا حتي أشرح لك كل شئ ..
زفر الرجل بقلة صبر و قال : حسناً .. قل ما لديك
ايلاريون : جئت إلي هنا كي احقق في جريمة خطف لفتاة عشرينية ثم عرفت من خلال مصادري الخاصة أن واحدا من الرجال الذين نفذوا الخطف يقطن هنا في هذا البيت !!
رفع الرجل حاجبه ثم وقف معترضا و قال بانفعال : تقصدني انا ؟! ماذا تقول أنت ؟! هل جئت لهنا كي تلقي علي بجريمة ؟!! ما دليلك علي ذلك ؟!
ايلاريون : لا يا اخي .. لم أقصد ذلك و لو أردت هذا لكنت بلغت الشرطة عنك و لكنني أود فقط مساعدتك
الرجل : كيف ؟!
ايلاريون : أريد اسم الرجل الذي استأجركم لتلك العملية ؟! فقط لا غير !!
رد الرجل باستهزاء : طلب بسيط للغاية !!
ايلاريون : انظر !! السيدة التي وكلتني للتحقيق ستفهم أنكم مأجورين و ليست لكم علاقة شخصية بالأمر .. هي تريد فقط اسم المحرض لتعرفه و تفهم نواياه و تستريح ففكرة الخاطف المجهول تلك تؤرقها بشكل كبير !! حفيظة هانم هي السيدة الثرية و تبحث عمن وراء خطف ابنه اختها فاتن .. هل تذكرتهما ؟!
فكر الرجل و قال : و إن قلت لك .. ما الذي يضمن لي سلامتي ؟!
ايلاريون : اطلب الضمان الذي تريده ..
الرجل : حسناً .. ستجلب لي المال الذي أريده و تتركه هنا الليلة ثم غداً في نفس هذا التوقيت تأتي هنا و ستجد ورقة مكتوب بها اسم المحرض !!
ايلاريون بقلق : و ما الذي يضمن لي أنا أنك ستنفذ ما قلت بعدما تحصل علي المال ؟!
الرجل : لا ضمانات لدي .. اذا أردت معرفة المحرض " عدو السيدة الثرية تلك " عليك بالمخاطرة!! ماذا قلت ؟!
فكر ايلاريون قليلا ثم قال : موافق !!
أقبل الطبيب و فحص فاتن و رأي ما حل بركبتها فقال : هناك كدمة شديدة و لكن لحسن الحظ ليس هناك كسر و لكن هناك حالة ضعف عام تحتاج لرعاية و راحة لمدة لا تقل عن اسبوعين و يجب الالتزام بغذاء جيد خلال تلك الفترة ..
حفيظة هانم : حسنا يا حضرة الطبيب سنفعل كل ذلك بالطبع و لكن أمر ركبتها بسيط.. أليس كذلك ؟!
الطبيب : نعم .. ليس هناك شيئا خطيرا و الحمدلله
حفيظة هانم : الحمدلله. شكرا جزيلا لك
انصرف الطبيب فجلست حفيظة بجوار فاتن علي سريرها و قالت : لا تخافي .. ستصبحين بأحسن حال، وأفضل مما كنتِ
عادت فاتن للبكاء و النحيب فقالت لها خالتها : لا تحزني يا فاتن فربما بعض مما عانيته كان بسبب أخطائك!! لكن لن أتركك ثانية يا ابنتي فأنا لن أستطع التفريط بكِ كما فعلتِ أنت و طاوعتي ذلك الشيطان و جعلته يسرقني!!
فاتن بأسف : آسفة يا خالتي جدااا .. أنا استحقيت كل ما حدث لي !! حتي هو تركني في أول محنة دون أن يرف له جفن !!
حفيظة هانم : هءا لانه ابدا لم يحبك و قلت لك ذلك عدة مرات
فاتن :أخطأت يا خالتي بحقك خطئا كبيرا .. ما فعلته معي كان قليلا !!
حفيظة هانم : لا بل إن غلطتك الوحيدة هو سماحك لذاك الثعبان باستغلالك لصالح أطماعه!! ما يهمني أن تكوني قد تعلمتِ مما حدث و اخذتي درساً
فاتن : نعم .. تعلمت .. سامحيني يا خالتي ..
حفيظة هانم : نسيت كل شئ حدث منذ رأيتك ع هذه الحال و لكن قولي لي ماذا حدث لركبتك و كيف تجرأت عليكِ كرامات لتلك الدرجة ؟!!
فاتن : سأروي لكِ
حزمت عائلة سالم الأمتعة و انطلقت العربة في الطريق حتي توقفت أمام قصر الراعي ..
دخل ثلاثتهم للداخل من اجل أن السيدة بثينة رغبت في السؤال عن حال منصور بك ..
استقبلهم منصور بك أما ثريا فكانت في غرفتها تحاول النوم و الاسترخاء..
تم تقديم الضيافة و أثناء ذلك كان الخدم ينقلون أغراض كاريمان هانم لعربتها في الخارج
منصور بك : أنا مسرور لتشريفكم قصري و شكرا كثيرا للسيدة بثينة من اجل السؤال ع صحتي
السيدة بثينة : لا شكر علي واجب
منصور بك : جيد أن كاريمان ستكون بصحبتكم في السفر لأنكم خير رفيق
سالم : نعم .. ستكون في رعاية الله ثم رعايتي
رمقته السيدة بثينة بنظرة ضاحكة قليلا بينما نظرت أمينة لكاريمان باستنكار !!
السيدة بثينة : لنذهب اذن في طريقنا الطويل كي لا نتأخر !!
وقفوا ثم وَّدعهم منصور بك حتي العربات التي ستقلهم..
لم يستطع سالم الجلوس في عربة كاريمان أمام والدها فذهب في عربته مع والدته و قريبته و انطلق الموكب في الطريق ..
بعد مرور دقائق أشار سالم للحوذي بالتوقف فقالت السيدة بثينة: سترافق الأميرة بالطبع !!
سالم : نعم .. شعرت بالحرج أمام والدها و لكنني أريد التحدث معها في أمور مشتركة بيننا
أمينة باستنكار : عجباً .. ألم تسافرا معا للقاهرة ثم عدتما معا؟! أين كان والدها اذا .. ان كان يخاف عليها هكذا فلمَ سمح لها بالسفر من قبل و كيف تركها تأتي إليك في منتصف الليل؟ !!
رد سالم مدافعا بحدة : أمينة .. راعِ كلامك من فضلك فوالد كاريمان يثق بها كثيرا و لا يخاف عليها من مرافقتي و لكنه شئ من حدود الذي يليق و الذي لا يليق !! سفرها معي للقاهرة كان اضطراريا لأمر خطير و لذا جاءت معي بالإضافة إلي أننا اتفقنا ع الزواج و اعلان ذلك هو مسألة وقت !!
أمينة بثبات : أخبرتني ابنة العم .. مبارك لكما ..
رمقها سالم بغضب ثم ترك العربة و نزل
دخل إلي عربة الأميرة و جلس مقابلها بارتياح ثم قال : أهلا برفيقة السفر !!
كاريمان : أهلا بك .. لم أحب تصرفنا هكذا كمراهقين يخفيان علاقتهما عن الأهل و لكن لا بأس لأنها مسأله وقت ..
ضحك سالم و قال : بالنسبة لي فأهلي الآن يعرفون و يتفهمون و لم يبقي سوي جانبك أنتِ !!
كاريمان : احقاً ؟! هل تفَّهمت أمينة ؟!
أري في نظراتها لي غضباً و ضيق !!
سالم : دعكِ منها فهي ضحية تخطيط أمي .. هي من زجت بها لحياتي كي اتزوجها
كاريمان : هل مر عليك وقت و فكرت بالزواج منها ؟!
سالم : لا .. قلت لكِ أنني لا أحب تكرار الخطأ و أنا عرفت وجهة قلبي منذ زمن !!
كاريمان : ربما أزادتها هديتك تعلقاً فصدمتها بخبر اليوم !!
ابتسم سالم و قال: تلك كانت مجرد هدية ..
كاريمان : انتظرتك حينها أكثر من نصف ساعة !! اخترت هديتها بعناية!!
نظر سالم داخل عينيها و قال : أتذكرين الخاتم الذي أهديته لكِ يوم خطبتي لبسمة ؟!
امتعضت كاريمان و قالت : نعم ... ما الذي جعلك تتذكره الآن !! أنا أريد أن انسي كل ما يتعلق بتلك الفترة !!
سالم: ذلك لأنكِ لا تعرفين !!
كاريمان : لا أعرف ماذا؟!!
سالم : هل هو معكِ الآن؟!
كاريمان : لا .. احتفظت به في صندوق به درج سحري خبأته به !!
ضحك سالم و قال : و لمَ خبأته؟!
كاريمان : لأنني وقعت في حيرة، أردت الاحتفاظ به لانه منك و في الوقت نفسه كرهته لأنك أعطيتني اياه من اجل رد هديتي لبسمة !!
سالم : الم أقل لكِ أنكِ لا تعرفين !!
كاريمان : أزدت فضولي !! ما الذي تخفيه بشأن ذلك الخاتم !!
سالم : ذلك الخاتم اهداه لي أحد فناني صقل المشغولات و المجوهرات في القاهرة .. المعلم رمسيس صاحب محل المصوغات الذي وقفنا أمامه كي اجلب خاتم أمينة
كاريمان : ثم !!
سالم : ذلك الرجل كان صديق أبي و هو ماهر جدا بعمله، جمعتني به صداقة و محبة و ود .. بعد وفاة زوجتي مررت بكآبة فذهبت للقاهرة كي أبدل الهواء و أخرج من حالة الحزن و هناك قابلته و جلسنا معاً و رآني في حالة سيئة فقال لي أن الحزن يولد كبيرا ثم يصغر و ها الايام ستمر و سيدق الحب باب قلبي من جديد
كاريمان : اوووووه .. رجل حكيم !!
سالم: نعم .. بعدها ذهب نحو خزنته و جاء بذلك الخاتم و حكي لي أن صاحبته أميرة من بلاد الفرنجة، أهداه لها زوجها بعدما صنعه خصيصاً لها بعد قصة حب أسطورية جمعتهما و قال لي : حين تجد حبك الاسطوري البس نصفك الاخر ذلك الخاتم و تذكر كلماتي !!
كاريمان : ماذا تقول ؟! هل أعطيتني الخاتم بذلك القصد حتي بعدما مضيت بخطبة بسمة !!
سالم بأسف : نعم .. كنت احبك حتي و انا ماضٍ في زواجي ببسمة .. كان خطئا كبيرا بحقها و بحق نفسي لكن من الجيد أنني أصلحته و افترقنا !!
كاريمان : كان قلبك ينبض لي بالحب حتي في تلك اللحظات .. لا أصدق !!
سالم : نعم .. فعلت خطئا كبيرا حينها بارتباطي ببسمة و لكن ذلك لأنكِ صدمتني بكلماتك في ذاك الخطاب الذي بعثته لفاتن
كاريمان : نعم .. لأن قلبي تأخر في فهم ماذا يريد و ما الذي يناسبه، دخلت معك للعمل و أبصرت معك في المياة الغميقة فكشفت عن نبلك و شهامتك و محبتك الغالية !!