رواية الصندوق الفصل الرابع و الاربعون44 بقلم الهام عبده


 

رواية الصندوق الفصل الرابع و الاربعون بقلم الهام عبده

 
#توقف_أيها_اللص
وصلت العربة التي تقل إيفان و سيمون و بسمة إلي المنصورة و هنا قال ايفان لبسمة : سأقيم مع سيمون في فندق يقع في بداية الشارع القادم علي اليمين فهل ستأتي معنا أم ستبقين لدي أقاربك ؟!
بسمة : لا .. شكرا لك .. سأبقي لدي خالي سعيد 
إيفان: كما تريدين .. أراكِ علي خير .. 
ابتسمت بسمة له ثم قالت : بإذن الله ...
نزل الاثنان أمام الفندق ثم انطلقت العربة حاملة بسمة إلي منزل خالها .. 
في طريقهما إلي الفندق قالت سيمون : الحمدلله أنها ذهبت لقريبها فدمها المتخثر ذلك يثير أعصابي !!
إيفان: قلت لكِ من قبل لا تتحدثي عنها بهذا الشكل السئ، لا يليق بكِ أو بها 
تعجبت سيمون و قالت : أو بها ؟! قل لي إذن ما الذي يليق بها ؟؟!
إيفان بتهكم : أنا حقاً غير مستوعب لاحتقارك لها و تقليلك من شأنها .. كنت تكرهينها هي و كاريمان من قبل  فتغير موقفك من كاريمان بسبب انها اخدتك للعمل أما هذه فلا !!
سيمون : هل تقصد قول أنني مادية و أبني مواقفي تجاه الآخرين علي أساس المنفعة!
إيفان: لم أقل ذلك و لكنني أظن أنه يمكنك تقبلها إذا أردتِ كما تقبلتي كاريمان من قبل !!
سيمون بتحدي : و لمَ تريد مني تقبلها؟! ما الحاجه الي ذلك؟! 
إيفان: قلت لكِ من قبل أنني أحبها و لكن ليس كما في عقلك .. أحبها كصديقة و كإنسانة..
سيمون ب راحة : أرحتني الآن و عامةً سأفكر بموضوع تقبلها فيما بعد .. 
إيفان: أتمني ... 
 
أمام قصر الراعي أشارت ثريا للعربة التي تقلها بالتوقف، لم تفكر بالعودة لقصرها بل أهم ما جاء ببالها هو الاطمئنان علي والدها و اخيها و اختها، دخلت علي عجل و لم تسمع سوي صوت الخدم  و عندما سألت أحدهم روي لها مجمل ما حدث فقد انتشرت الحادثة و دوي خبرها في كل المنازل بالبلدة.. 
صُدمت ثريا بشكل كبير فعائلتها بأكملها مطلوبة لدي سلطة الاحتلال و في اتهام خطير تطير به الرقاب!!
جلست ثم سألت عن فاضل فعلمت بقدومه أمس ثم رحيله فتوقعت بالطبع وجوده في قصرهم فذهبت إلي هناك لتعرف بقية ما عليها معرفته!!   
في قصر ياقوت بك، أقبلت حفيظة هانم مع اليوزباشي جلال بعدما تلقين الخبر السار، وجدا السيدة بثينة و ابنة عمها أمينة في الانتظار بلهفة فضحك ثغر حفيظة هانم و ظهرت السعادة عليها ففهمتا أن الاخبار سارة و هنا قال جلال للسيدة بثينة " مخطط حضرتكم نجح بنسبة مئة بالمئة و اصدر ابراهام قرارا ببراءة الهاربين و تمت الاطاحة بهوارد علي نحو جعله يتألم بشدة .. اهنئك من كل قلبي " 
وقفت السيدة بثينة من مكانها فرحاً و أطلقت من فمها الزغاريد و بعدها احتضنت أمينة بقوة ثم حفيظة هانم 
قالت لجلال : بوركت ايها اليوزباشي فلم يكن سيكتب لخطتي النجاح لولا تنفيذك الدقيق و تصرفك مع العنيد بيلي جلال : لم افعل سوي الواجب 
علي الفور أرسلت حفيظة هانم  لهم ليعودوا إلي أماكنهم بكل ثقة و دون تخفي فالآن لا شئ عليهم يخافون منه ...
السيدة بثينة : كم كان كابوسا سخيفاً و لكنه انقشع 
أمينة : نعم .. سيعود سالم حراً كما كان 
حفيظة هانم : الفضل لخطة السيدة بثينة المُحكمة فالأمومة غريزة قوية يجب أن يُعد لها ألف حساب !!
ضحكت السيدة بثينة و قالت : سالم ليس ابني فقط بل هو حصاد عمري بعد سنين من التعب .. فلنشكر الله علي عودتهم سالمين 
حفيظة هانم : بالطبع فما حدث هو توفيق عظيم من الله ..
أمينة : أنتظر عودتهم بفارغ الصبر !!
حفيظة هانم : سيكون هناك حفل كبير علي شرف عودتهم و اليوزباشي جلال اول المدعوين 
جلال : علي الرحب و السعة 
السيدة بثينة : هذا من لطفك و كرمك يا حفيظة هانم 
حفيظة هانم : هذا أقل ما يليق بالأبطال..   
وصلت ثريا لقصرها و اتجهت لغرفة نومها ثم ايقظت فاضل زوجها بعصبية و انفعال فقام عن نومه فزعاً و فتح عينيه ليجدها أمامه تسأل بغضب : هل ارسلتك إلي هنا حتي آتي و أجدك نائماً ؟!! 
فاضل أفندي : بالطبع لا .. أنا أرسلت لكِ خطابين لعلهما في الطريق إلي أسوان الان .. لكن لماذا أتيتِ و تركتِ المشفي ؟! 
صمتت ثريا في البداية ثم قالت : هذا ليس موضوعنا الآن.. هل صحيح ما سمعت ؟! عائلتي هاربة من وجه الانجليز ؟!
فاضل : بل هناك ما هو أسوأ .. غادروا علي متن سفينة إلي خارج البلاد !!
حملقت عينيّ ثريا ثم جلست و قالت : ماذا؟! هل ذهبوا جميعا و تركوني هنا وحدي ؟! ماذا سأفعل دونهم ؟! لابد أن نعرف إلي أين ذهبوا ثم نذهب إليهم .. لابد أن تبحث و تعرف يا فاضل .. سنسافر لهم في اقرب وقت .. أفهمت؟!
رد فاضل في انفعال غير معتاد منه مطلقاً : لا !!! ليس إلي هذا الحد .. احتملت الكثير يا ثريا و لكن لا تتمادى!! 
اتسع بؤبؤ عينيها من لهجته الجديدة هذه ثم قالت : ثريا !!! منذ يوم زواجنا لم أسمعك تنطق اسمي هكذا يا فاضل !! هل نسيت من أكون ؟! أم أن زواجي منك جعلك تظن أننا سنكون زوجة و زوج حقيقيين و سنتناقش معاً في كل أمر يُتخذ!!
فاضل في انفعال شديد : نعم .. لم أستطع قول اسمك طيلة خمس سنوات زواج و لم أستطع أيضا أن اناديكِ بلقبك لأنني أصبحت زوجك، طوال تلك السنوات رضخت لما أردتي و حققت كل ما طلبتي و لكن لا ... الان بصفتي رب تلك الأسرة أقول لكِ أننا لن نذهب وراءهم و نترك حياتنا فنحن لدينا حياتنا و ابنتنا.. حاولي لمرة واحدة النظر لهذا البيت علي أنه مستقرك و مسكنك، عيشي هنا كأم و زوجة و انسي كل ما بقي .. انا و ابنتك نحتاج إلي اهتمامك فاستفيقي .. طوال الوقت انا و هي علي الهامش من اجل انشغالك بأمور عائلتك و لكن يكفي  !!
ردت ثريا باستهزاء : ماذا تقول أنت؟!! هل جننت اليوم ؟! ماذا جري لك ؟! أصبحت ترفع صوتك عليَّ و تعطيني تعليمات!! ثم ماذا قلت منذ قليل؟؟ بصفتك ماذا ؟؟! رب أسرة منْ؟!! .. أنا اخترت أن أتزوجك كي أكون أنا رب الأسرة و كي أعيش كما يحلو لي و انت وافقت علي ذلك و لعلك سألت نفسك حينها لمَ اخترتك ؟! .. قل لي أنك وجدت الجواب الصحيح و لم تخدع نفسك انك كنت فتي أحلامي ؟!! 
رد فاضل أفندي بحزن : لا ... علمت نواياكِ حينها بالطبع و لكني كنت مخطئاً عندما ظننت أن نسبي لعائلتكم سيضيف لي !! كان اختيارا خاطئاً فلم أجلب علي نفسي سوي تحكمك بي و كأنني دمية و عشت طوال تلك السنوات منفذاً للأوامر!!
ثريا باستخفاف : برأيي لم تفعل شيئا جديداً فأنت من قبل زواجنا و منذ أيام عمل والدك لدينا كنت تفعل ذلك و هو نفسه فعل ذلك من قبلك !! لمَ تعلن العصيان الآن؟!
فاضل : لأنني لن أقضي عمري في بلد غريب لأجل أفعال عائلتك التي اوصلتهم لذلك .. سأعيش انا و ابنتي هنا في مصر، في بلدنا و إن رغبتِ في السفر إليهم سافري بمفردك إذن !!
ثريا بعجب : ماذا تقول أنت !! هل أصبحت أباً الآن و تصنع القرارات لابنتك بدوني !! لا أصدق ما تسمعه اذناي  !!
فاضل : بل صدقي لأنني سأقول لكِ ما هو أكثر الآن... ابنتي لن تسافر و أنا لن أبقي معكِ بعد الآن.. استقلت من العمل لديكي و من الوثيقة التي تجمعنا كزوجين .. سآخذ ابنتي معي كي لا تدخلينها في اهواءك و رغباتك !!
همَ بالذهاب ليأخذ ابنته فأمسكته من ذراعه و قالت : أنت فعلا جُننت !! هل تظن أنني سأترك لك ابنتي لتأخذها لجحر من جحورك !! سآمر الخدم بمنعك من الخروج من القصر و انت الذي ستُقيد حتي يعود عقلك إلي رأسك أيها المخبول!!
أمسكها فاضل بقوة و أغلق فمها بيده، ثم أجلسها علي كرسي في الغرفة بالقوى  ثم أمسك  بحبل سحبه من الخزانة، قيّد يديها و رجليها في الكرسي  ثم جلب وشاحاً من خزانة ملابسها و كمم به فمها ثم خرج و أغلق باب الغرفة و ظهر بشكل طبيعي أمام من رأوه من الخدم ثم قال لواحدة منهم : أحضري بعض أغراض هدي في حقيبة صغيرة لأنها ذاهبة لنزهة ثم بعد ذلك أيقظيها و ألبسيها ثيابا ثقيلة من اجل الطريق .. فقط تعجلي !! 
عاد لغرفته ووجد ثريا تناطح السحاب في محاولات يائسة للتخلص من القيود و الكمامة و لكن دون جدوي !! 
قال لها في تحدي اثناء تبديله لملابسه من اجل الذهاب : أين قوتك الآن أيتها المتعجرفة.. صنعت بكِ هكذا كي تعرفي أنكِ تقولين الكثير و لكنك لا تستطيعين فعل أي  شئ مثل كومة قش منفوشة علي فراغ !! 
تعرفين فقط إعطاء الأوامر و التّسيد علي الناس بالاملاءات و التعليمات!! أين عقلك الآن؟! أين من ستأمرينهم بتقييدي ؟! أنتِ التي تحتاجين الآن لمن يفك قيودك !! سوف تحسبين الدقائق ثم الساعات حتي يأتي أحد ليحررك فسأقول لخدمك قبل ذهابنا أن ثريا هانم نائمة و لا تريد أن يوقظها  احد .. دعوها تستيقظ بنفسها !! 
ارتعبت ثريا و ظلت تشير له بألا يفعل لكنه كان في ثورة غضب كتمها داخله لسنوات  جعلته لا يميز بين الصواب و الخطأ !! 
طرقت الخادمة الباب و قالت : سيدي .. هل أدخل ؟! 
قال فاضل في ثبات : هل هدي جاهزة ؟! 
الخادمة: نعم .. أعددت كل شئ حسب طلبك 
فاضل : اذن .. اذهبي و أنا سأتبعك 
 نظر لهندامه في المرآة بعدما انهي ارتداء ملابسه ثم قال لثريا : سأذهب مع ابنتي الآن بعيدا و سنؤسس حياتنا معاً و سأنسيها من أنتِ يا أميرة التيوس و الأبقار!! إلي اللقاء في الدار الآخرة !!
أوصد الباب عليها و تركها تموت غيظا و خوفا مما يحدث لها، أصبحت عاجزة لا تستطيع فعل شئ !! الآن هي تري من فاضل ما لم تتوقع أبدا أن يفعله لكن الكتمان و الكبت يحَّولان الانسان في لحظة إلي غول بعد ان كان قطا صغيرا !! 
نزل فاضل الدرج و رأي هدي تنتظره في براءة فقال لها : أميرة قلبي .. هل نذهب الآن؟! 
هدي : إلي أين ؟! ألم آت مع امي من السفر للتو ؟! 
فاضل: نعم و لكن والدتك متعبة من السفر و تحتاج للراحة و الآن سآخذك في نزهة جميلة ستسعدين بها كثيرا .. هل تذهبين معي يا اميرتي الصغيرة ؟! 
هدي : بالطبع يا أبي .. 
أمسك فاضل بيدها ثم خرجا معاً من باب القصر ..
العجيب أن فاضل لم يأخذ من القصر قطعة نقود واحدة تخص زوجته بل اخذ نقوده التي تحصّل عليها مقابل عمله فقط !! رفض حتي أن يأخذ عربة من اللواتي تجرهن الخيول من قصرها بل ترَّجل مع ابنته حتي استقل حنطوراً من علي الطريق ليوصلهما !! 
من يقرر الاستغناء يلقي حتي بملابسه التي تحمل عرقاً كان لعملِ لا يخصه !!   
بعدما استقبل الخال سعيد ابنة اخته بسمة في منزله، ذهبت لتخلد للنوم قليلا و تستريح من عناء السفر و خططت أن تذهب لرؤية معلمها كبير الأطباء السيد صدقي في مبرة المنصورة الذي علّمها أساس مهنتها هذه ووقف إلي جوارها كأب، كم اشتاقت لرؤيته و التحدث معه مثل ذي قبل ...    
طار الخبر السار إلي منزل البحر في الإسكندرية في تلغراف وصل لرجل حفيظة هانم في الإسكندرية و هو من دبر أمر السفر و التذاكر سابقاً .. 
بعد وصول الخبر له، ذهب في الحال إليهم ليخبرهم بأنهم لم يعودوا مطاردين بعد الآن !!
كانوا قد استيقظوا و جلسوا علي مائدة الإفطار في فتور و ملل و بينما كانت فاتن تقول : أنا أري أن بقائنا هنا لا فائدة منه، إن لم يأت خبر جيد حتي صباح الغد يجب علينا أن نعيد النظر في مسألة السفر مجدداً 
قبل أن تجيبها كاريمان بانفعال طرق الرجل حامل الخبر الباب فذهب سالم ليفتح له .. 
قال الرجل : صباح سعيد سيد سالم !!
سالم : صباحك سعيد .. تفضل 
دخل الرجل ووقف في المنتصف ثم قال : أحمل لكم خبرا ساراً .. قد تم تحريركم و الآن أنتم لستم مطاردين و لكم مطلق الحرية بالعودة أو الذهاب كيفما تشاؤون !!
سالم بابتسامة و سعادة لا توصف : فعلتها السيدة بثينة .. سيدة المهام الصعبة !!
وقف منصور بك و عانقه بسعادة ثم عانق عزيز و قال : أخيرااا سنعود لديارنا و مكانتنا.. لا أصدق !!
فاتن بفتور : إذن سنعود كما كنا !!
كاريمان بسخرية : نعم فحلم الهجرة مع حبيبك الي جزيرة بعيدة انتهي فاستفيقي الآن و اذهبي لجمع أغراضك و لكن من فضلك .. ع عجل !!
عزيز : أخيرااا انقشعت تلك الغمة و سيعود الانسان حراً يمشي في الشوارع و الطرقات دون خوف .. ما أجمل الحرية !! 
سالم : إذن لنجمع أغراضنا سريعا و نذهب في طريقنا فأنا اشتقت لأمي كثيرا بشكل لا يعقل !!
الرجل الغريب : و انا سأعود لعملي .. دمتم سالمين 
منصور بك : شكرا لك كثيرا 
عانقت كاريمان والدها صن ذهب الجميع لحزم حقائبهم ..  
ذهبت بسمة في طريقها لمبرة المنصورة و بسؤالها عن كبير الأطباء  السيد صدقي قال لها احد العاملين أنه مر بوعكة صحية بعد وفاة زوجته و ابنه في حادث و هو الآن في منزله و بالرغم من استقرار حالته الصحية بعض الشئ لكن نفسيته في حالة صعبة و يرفض الخروج أو العودة للعمل !!
تساقطت دموع بسمة مما سمعت و علي الفور أخذت العنوان و ذهبت قاصدة منزله ..    
أما إيفان و سيمون فبعدما تناولا افطارهما قالت سيمون : متي سنذهب لمقابلة كاريمان ؟! 
إيفان: أنا أفضل أن تذهبي أنتِ إليها أولا ثم نتقابل معاً في الخارج فأنا أستشعر الحرج من دخولي بيتهم مرة أخري بعد ما حدث هناك!!
سيمون : معك حق .. الوضع سيكون حرج أمام والدها  .. إذن لأذهب أنا أولا كما قلت .. لكن أين ستذهب انت اليوم ؟! 
إيفان: إلي المبرة؟! 
سيمون بغير ارتياح : بسمة مرة أخري!!
ايفان : لا بل سأذهب لفحص أسناني عند صديقي الطبيب سعد .. هل تمانعين ؟!
سيمون : بالطبع لا و لكن ماذا أصاب أسنانك ؟! 
إيفان: هناك ألم بأحد الضروس في الناحية اليمني فسأذهب لفحصه 
سيمون : ليكون بالشفاء يا أخي.. لا تنس أن تسلم علي التمرجية المستحدثة من أجلي!!!
إيفان: لا سبيل من التخلص من تهكمك .. 
ضحكت سيمون و قالت : مطلقاً !!!  
وصل الحنطور أمام قصر كبير الأطباء فنزلت بسمة ووقفت لدقائق تتأمل واجهة القصر العظيمة المعدة علي أسلوب العمارة اليوناني !! تماثيل منحوتة تحاكي الطبيعة  كأنها لأناس حقيقيين، زخارف بارزة و غائرة تم إخراجها بدقة و فن !! أربعة أعمدة مرتفعة في شموخ تمسك الواجهة العلوية ثم  رأت درجات سلم لامعة تكاد تري وجهك بها !!
اقتربت بعينين مندهشتين فسالها أحد الحراس : من تريدين يا فتاة؟! 
بسمة : جئت لزيارة معلمي كبير الأطباء السيد صدقي 
رد الحارس بحدة : كبير الأطباء السيد صدقي باشا  من فضلك !!
لم تستوعب بسمة أن ذلك الطبيب المتواضع الذي كان يعلمها كل شئ بيده في هدوء و احتمال هو صاحب كل تلك العظمة و القصر و الأملاك !! هو أيضا صاحب لقب يتهافت عليه النبلاء و عليه القوم، لقب  " البشوية" ..
تذكرت يوم حصل منصور بك علي لقب بك و كم أقيمت الاحتفالات و أعطيت لهم الهدايا فكم بالحري يكون موقع ذلك الرجل الذي رغم بساطة اسلوبه يظهر أنه يملك أضعاف ما تملكه عائلة الراعي !! 
نظر الحارس لشرودها ذاك و قال : صدقي باشا لا يقابل أحد تلك الفترة .  عودي فيما بعد ..
بسمة بحزن : هل حالته متعبة كثيرا بعد ما حدث ؟! 
تعجب الحارس : أنتِ من المشفي اذن !! ما دمت تعرفين ؟! 
بسمة : نعم .. قلت لك  هو معلمي الكبير !!
الحارس : اذن لابد و انكِ تعرفين انه لا يقابل أحد .. ربما تتحسن حالته و يعود للمشفي حينها ترينه !!
بسمة : لكنني أود رؤيته الآن للاطمئنان عليه .. من فضلك اخبره و سيأذن لي بالدخول 
الحارس : غير ممكن .. اذهبي في هدوء من فضلك دون مشكلات و الا سأضطر لاخراجك خارج الأسوار بالقوة ..
بسمة : من فضلك .. اذا سمحت .. أنا واثقة أنه لو سمع باسمي سيسمح لي فهو كان يعاملني كابنته 
الحارس : نعم فهو صاحب قلب طيب و كثيرون يحبونه و يأتون للسؤال عنه و لكنه أصدر أمرا قاطعا بعدم دخول اي احد للداخل  لذا اذهبي الآن من فضلك 
رأت بسمة أنه لا فائدة من الكلام مع ذلك الحارس فذهبت من أمامه ..   
في العربة التي تقطع الطريق من الإسكندرية إلي المنصورة جلس عزيز بين خطيبته و اخته في جانب مقابل منصور بك و سالم في الجانب الآخر.. 
طوال الطريق ظلت النظرات تذهب و تعود بينهما، هي تنظر له بأمل عسي أن يتفهم وضعها و الحرج الذي تعيشه داخلها بينما هو  ينظر لها بألم متمنياً أن تعيد النظر في تفكيرها و خوفها من الوسط الذي تعيش فيه !! 
أما فاتن فلم تترك راحة يد عزيز لحيظة واحدة حتي أفلت يده منها بعد حرج قائلا: قد تعرقت يدي !!
 أخرج منديله ليمسح العرق الذي تعجب الجميع من حدوثه في شهر أكتوبر !
فالهواء البارد اجبرهم علي ارتداء الملابس الثقيلة و القفازات !! 
ضحكت كاريمان في هدوء فلم يتمالك سالم نفسه عندنا نظر لها و بقي ضائعاً في تفاصيل ضحكتها الصغيرة الرقيقة و بأسنانها البيضاء اللامعة التي كشف عنها ثغرها عندما ابتسمت ! 
لاحظت تدقيقه في تفاصيلها فنظرت له بسعادة فقال : يا أميرة .. هناك عشباً علي جانب وجهكِ الأيسر، سحقاً فهذين اليومين أفقداكي رونقكِ قليلاً .. 
بحثت بيدها عن ذلك العشب فأزاله والدها عن وجهها و قال : سنعود لقصرنا و سيعود كل شئ لنصابه الصحيح !!
نظرت كاريمان لسالم بغيظ فهي تعلم أنه قال ذلك ليضايقها بينما كان هو يهرب بذلك القول من ضعفه الذي ظهر تجاهها منذ قليل فبعد ما حدث لا بد و أن يبقي قوياً و علي حدود قاسية معها !!!   
عندما دخل إيفان لصديقه الطبيب سعد، علم منه أثناء فحصه لأسنانه أن بسمة أتت صباحا تسأل عن معلمها لكنه بالطبع غير موجود !! 
ذهب إيفان لقصر صدقي باشا ليسأل هو أيضا عنه بعدما علم بما حل به و اجلسه وحيدا مكتئبا  في منزله !!
في طريقه رأي بسمة جالسه علي جانب احد القصور المجاورة، ظلت  تنظر بأسي نحو قصر معلمها الكبير فذهب ووقف أمامها و قال : بسمة !! لماذا تجلسين هكذا ؟!
وقفت بسمة و قالت : صدقي باشا يرفض مقابلة اي شخص و حاولت ان أقنع الحارس بأن يدخلني فرفض بشكل قاطع و طلب مني المغادرة 
إيفان: و لمَ لمْ تغادري اذن ؟! 
بسمة بحزن : لم أستطع أن أذهب دون أن أراه فأنت لا تعلم كم هو غالٍ و له مكانة خاصة عندي فهو من عَّلمني كل شئ و تعامل معي بعطف و ود لم أره أبدا من احد حتي أنني لم أكن اظن ابدا أنه بذلك الثراء و يمتلك هذا اللقب و المكانة ابداً !!!
ابتسم إيفان و قال : و من يدخلك إلي عنده .. كم تعطينه ؟!! 
نظرت بسمة بأمل و قالت : حقاً ... أتستطيع أن تدخلني ؟! 
إيفان: لأجرب طريقة ما و لنري ...
بسمة : اذن هيا  .. 
إيفان: لا   .. ليس هكذا  .. ستبقين هنا حتي انادي لكِ .. هل فهمتِ ؟
بسمة : نعم .. 
إيفان: انتظريني هنا .. 
ذهب إيفان و ألقي التحية علي الحارس و قال بمنتهى الجدية : صباح الخير.. أود الدخول عاجلا لصدقي باشا 
الحارس: من أنت ؟! 
إيفان: أنا طبيب مرسل من المشفي . هناك خطأ في تركيب دواء السيد صدقي باشا و يجب أن يتم تبديله حالا فهناك خطورة علي حياته!!
بُهت الحارس خوفا و قال : إذن.. هيا بنا علي الفور يا حضرة الطبيب !! و لكن أين هو الدواء الجديد ؟!! 
إيفان: أرسلوني لإحضار  الدواء ثم  اضيف عليه مركب جديد و اعيده إليكم..و لكن لمَ تسألني هكذا كالمحقق ؟!! هل ستتركني هنا علي الباب حتي يحدث شئ للباشا ؟! 
الحارس : بالطبع لا . تفضل !!
سمح له الحارس بالدخول  فدخل إيفان للقصر و قال لأحد الخدم : أين صدقي باشا .. أريده حالا بأمر مستعجل 
الخادم : في الحديقة الخلفية .  تفضل 
اقتاده للحديقة و عندما وصل وجد صدقي باشا في حال ضيق و حزن شديدين، أمامه وجبة الإفطار متروكة كما هي!!  ظهر بذقن و شارب كبيرين و غير مهذبين!! مرتدياً ملابس النوم بشكل غير مرتب !!   
وقف من بعيد متردداً في الاقتراب حتي رآه الباشا فنظر لنفسه و لشكله غير المؤهل لاستقبال ضيف ثم قال له : حضرة الطبيب .. كيف حالك ؟! 
اقترب إيفان و قال : بخير يا معلمي .. آسف للدخول دون خبر فقد اضطررت للكذب حتي أراك و اطمئن عليك 
صدقي باشا : أهلا بك و لكنني شددت عليهم عدم دخول احد لي مطلقا فكيف تمكنت من الدخول ؟! 
إيفان: قلت أن هناك دواءا مسموما بالداخل يجب استبداله 
رد صدقي باشا بأسي : أشكرك من اجل اصرارك لرؤيتي و الاطمئنان علي..
إيفان: في الحقيقة لست انا من أصر ؟! 
صدقي باشا بتعجب : ماذا ؟! 
إيفان:انها  بسمة .. هل تتذكرها ؟! 
صدقي باشا : بالطبع  .. هي تلميذتي الغالية !! 
إيفان: جاءت لتطمئن فمنعوها و الآن هي تنتظر بالخارج و تصر علي الدخول !! فعلت ذلك لأجلها فهل تسمح لها بالدخول ؟! 
صدقي باشا : بالطبع.. سآمر الحارس بأن يدخلها و سأذهب لابدل ثيابي وخلال ذلك انتظراني .. 
إيفان بسعادة: و هو كذلك !!  
ذهبت سيمون لقصر الراعي و لكنها فوجئت بأنه فارغ و فوجئت بالأكثر عندما سمعت من الخدم عما حدث فتركت القصر بخيبة أمل ثم عادت للفندق في انتظار أخيها حتي يعود ..
وصلت العربة القادنة من الاسكندرية أولا إلي قصر ياقوت بك فوجدوا حفيظة هانم و السيدة بثينة و أمينة في استقبالهم أمام باب القصر .. 
احتضنت السيدة  بثينة ابنها بحنو و اشتياق شديدين و قالت له : عدت حراً من جديد يا بني ..
قبّل سالم يديها و قال : بفضلك يا أمي .. 
صافحته أمينة بفرحة صادقة رمقتها أعين كاريمان في غير رضي ..
ارتمت فاتن في حضن خالتها التي قابلتها بترحاب و حفاوة كالمعتاد محاولةً ألا تُظهر ما يدور بعقلها حيال حادث السرقة ثم صافحت عزيز كالمعتاد و دعتهم جميعا للدخول من اجل احتساء الشاي و الاستراحة من عناء الطريق .. 
بعد جلوسهم و تقديم الشاي قال منصور بك : لدي فضول كبير لمعرفة كيف أخذنا حريتنا من جديد !!
حفيظة هانم : السيدة بثينة تملك عقلاً فذاً فاجئني و سيفاجئكم أيضاً عندما تخبركم بخطتها !!
امينة: هذا عقل أم فكرت كيف تعيد لابنها مكانته !!
نظرت لها كاريمان بسخافة و ابتسامة مرقعة و قالت : و انتِ يا أمينة.. ألم تشاركي بالخطة ؟! 
أمينة بتثاقل : كنت أود كثيرا و لكن ابنة العم منعتني بسبب خوفها أن يصيبني مكروه .. 
كاريمان : نعم .. لديها حق 
السيدة بثينة بدهاء  : كانت العقدة كلها في رؤيتك بملابس الخادمة يا أميرة!!
كاريمان : ارتديت هكذا من اجل المساعدة يا سيدة بثينة !!
السيدة بثينة : لكنكم اخترتم أصعب الحلول و اخطرها !! لم تسألا أو تستشيرا أحداً فكدتما أن تضيعا أنفسكما و معكم عائلتك!!
كاريمان : هل هذا لوم لي ؟! 
سالم: كفي يا أمي فالاميرة خاطرت بنفسها و بعائلتها من اجل مساعدتي !!
السيدة بثينة : لم أقل سوي تعليق علي ما حدث و في النهاية هي ساعدت لأجل وطننا جميعا .  أليس كذلك يا أميرة؟!
كاريمان علي مضد : بالطبع !!
فاتن : هذا وطننا جميعا و كل من استطاع المساعدة فعل !!
تضايقت كاريمان و وقفت و قالت : هيا يا أبي لنذهب كي نستريح !!
حفيظة هانم : سوف اترككم للاستراحة الان لبعض الوقت و لكن في المساء  هناك حفلة هنا ستعد علي شرف عودتكم..
كاريمان : شكرا لكِ .  سننصرف الان !!
حفيظة هانم : و هو كذلك !! 
خرج منصور بك و عزيز الذي رمقته حفيظة بعينها طوال الجلسة و كاريمان المتوترة من هجوم السيدة بثينة من ناحية ووجود أمينة المزعج من ناحية أخري و ذهبوا في طريقهم لقصر الراعي .. 
ودَّعت فاتن خطيبها حتي ركب العربة فقال بعد أن تحركت العربة و ابتعد عنها بضع خطوات : يا لك من ثقيلة ساذجة ثم نظر لوالده و كاريمان و قال : كم سأتحمل بعد يا الله فتلك الفتاة غير معقولة في الالتصاق و التعلق !!
ابتسم والده و كاريمان دون تعليق !!  
ذهب احد خدم قصر صدقي باشا للخارج و استدعي بسمة للدخول فذهبت للحديقة و جلست مع ايفان في انتظار قدوم الباشا .. 
أجبره هذان الزائران علي التخلص من مظاهر حزنه و اهماله بنفسه فذهب و تحمم و أبدل ثيابه ثم أمر بتقديم الضيافة لهما غندما كان في طريقه للحديقة حيث يجلسان..
أقبل عليهما فوقفا للمصافحة ثم أذن لهما بالجلوس .. 
رحب ببسمة بشكل خاص فهي عنده في مكانه خاصة ثم اصر علي أن يشربا الشاي و يتناولا شيئا حلوا بجواره و هنا قالت بسمة : متي ستعود للمبرة يا سيدي ؟! 
صدقي باشا بحزن : ليس الآن.  أنا غير مؤهل لذلك بعد 
بسمة : هل يمكنني البقاء معك للاهتمام بمواعيد الدواء و الوجبات !! و سأبقي معك كي لا تبقي وحيدا هكذا!! ألم تقل لي في السابق أن حديثي مسلي كثيراً و أنني أجلب المرح بكلماتي!!
صدقي باشا : نعم لكنني لم أعد كما كنت ففقد أحبتي جعلني إنسانا كئيبا لا يدخل قلبي مرح !!
بسمة : دعني ابقي في رعايتك و أعدك أنني لن ازعجك 
إيفان: بسمة تحب سيادتكم كراعٍ لها فأذن لها بذلك من فضلك 
صدقي باشا : ليكن .. بقاءك هنا لن يزعجني يا بسمة لكنك أنت من سينزعج من رؤية شخص غير الذي اعتدتِ عليه 
بسمة بتأثر : لا عليك يا سيدي فلو بقيت لديك دون أن تقول كلمة واحدة يكفيني .. أريد فقط البقاء بجانبك .. 
صدقي باشا : ليكن يا ابنتي.. أشكرك 
ذهب إيفان مع  بسمة كي تحضر أغراضها كي تبقي ف  القصر، في الطريق شكرته كثيرا لمساعدته لها ..   
عادت كاريمان مع والدها و شقيقها للقصر و هنا تنفست بعمق و ارتياح و قالت : كم هو جميل و ممتع شعور العودة للديار !!
منصور بك : نعم .. إنه الشعور الأجمل علي الاطلاق !
كاريمان : تُري ماذا حدث في افتتاح المشفي في اسوان ؟! هل تم أم لا و هل كان كل شئ علي ما يرام؟؟
عزيز بتهكم : ذهبت ثريا مع فاضل الي هناك و ربما هي الآن تبعث به هنا و هناك ليقوم بهذه او تلك دون أن يفتح فمه !!
منصور بك : لا تتحدث عنه بتلك الطريقة فهو من قال لها أنه يجب عليهما  أن يحلا محل كاريمان حتي تعود !! ربما يكونا نجحا في  إدارة الحفل و خرج بشكل جيد .. من يدري؟!
كاريمان : أتمني يا أبي و لولا حفل الليلة لكنت غادرت علي الفور الي هناك 
منصور بك : اهدأي يا ابنتي و استريحي قليلا مما جري و في الغد تذهبي الي حيث شئتِ 
كاريمان : و هو كذلك .. ساستريح الآن بالفعل لأظهر بمظهر لائق في المساء 
   
عاد ايفان للفندق و علم بما سمعته سيمون من الخدم فحزن لأجل ما صار غير مصدقاً أنهم أصبحوا مطاردين و مختبئين من الانجليز !!
قال : حدث الكثير هنا دون أن ندري!!
سيمون : الآن فهمت لمَ لمْ تأت كاريمان لحفل افتتاح انتظرته كثيراً بهذا الشكل !!
إيفان: لكنه مصير مبهم .. هل سيختبئون طيلة العمر !!
سيمون : ربما .. بدلا من الإعدام!!
إيفان: سأذهب مساءا  للمخفر ربما أعرف تفاصيل أكثر 
سيمون : بماذا سيفيد ؟! 
إيفان: لا أعرف و لكن ربما أستطيع افادتهم بأي شكل أو حتي سأعرف آخر ما تم التوصل اليه حيالهم!!
سيمون : ليكن يا أخي!! 
  
في قصر حفيظة هانم بدأت التحضيرات لحفل المساء و أصبح الخدم و جميع العاملين كخلية نحل يعملون بشكل منظم و سريع، الاطعمة و الزينة و المشروبات اعدت و الطاولات و المقاعد و الشراشف مُدت، فرقة غنائية تم استدعائها علي عجل و بات كل شئ جاهز تقريباً .. 
استفاقت فاتن من نومها مع الغروب و تحممت لتستعد للحفل و تختار كيف ستطل في المساء 
دخلت إليها خالتها بوجهٍ باسم و مدت لها مفتاح غرفة القبو فتفاجئت فاتن كثيرا و قالت : ما هذا يا خالتي ؟! أليس ذلك مفتاح غرفة القبو ؟! 
حفيظة هانم : بلي .. 
فاتن : اذن لم؟ 
حفيظة هانم : سأرسل شوكت في المساء ليعد مكانا جديدا في قصر آخر أكثر أمانا و سرية ليصبح قبوا جديدا للمال و سأجعل لكِ مفتاحا خاصاً له منذ البداية مثلي تماما فأنتِ ابنتي و هذا وضعك و مكانتك الطبيعية 
ازداد احساس فاتن بالغرابة فقالت : مازلت لا أفهم.. لمَ تعطيني ذلك المفتاح و ما السبب في ذلك التغيير ؟! 
حفيظة هانم : اجلسي و سأفهمك كل شئ بهدوء ..
جلست فاتن لتستمع فقالت حفيظة هانم : أدركت خطئي عندما نظرت فوجدت أنني اعطي شوكت مفتاحا علي اموالي و انت ابنتي و من ربيتك علي الامانه أفلا اعطيكِ مفتاحاً ؟!! 
فكرت في صنع مفتاح لهذا القبو خاصاً بكِ و لكنني سأنقل المال بعد انتهاء الحفل  لمكان جديد لذا سأصنع لك مفتاحاً للقبو الجديد و سيبقي مفتاح شوكت معكِ الليلة 
فاتن : و لم ستنقلي المال لذلك المكان الجديد ؟! 
حفيظة هانم : خوفا من اللصوص يا ابنتي فسأضع المال في مكان به حراسة مشددة و أشخاص ساهرين علي الأبواب 
فاتن : هل حدث شئ جعلك تخافين علي المال يا خالتي؟!!
حفيظة هانم : لا .. بل لأجل الأمان ليس أكثر !! كثيرين فعلوا هكذا فلمَ لا نفعل نحن ايضاَ مثلهم و نؤمن مالنا !!
فاتن : لديكِ حق يا خالتي 
حفيظة هانم : من الغد سيكون لكِ مفتاحا خاصا و كلما احتجتِ للمال تذهبين و تأخذين بنفسك 
فاتن : شكرا لك يا خالتي .. يكفيني محبتك لي فانتِ لا تتركيني احتاج شيئاً 
حفيظة هانم بامتعاض في الداخل  : أحقاً ؟! 
فاتن : بالطبع !!
حفيظة هانم : سأتركك الآن لتستعدين و في الغد سآخذك للمكان الجديد لنتفقده معاً 
فاتن : بإذن الله .. 
  
توافد المدعوون علي الحفل ووقفت فاتن إلي جوار خالتها في استقبالهم، أطلت بثوب أبيض منسدل حتي الأسفل ذو ذيل بطول متر واحد خلفها أما حفيظة هانم فارتدت ثوب اسود اللون لامع .. 
بعد قليل أقبل سالم مع والدته و ابنه عمها، بحث بعينيه عن الأميرة التي أحبها و أبغضها في ذات الوقت !! يتوق لرؤيتها من ناحية و يود لو يخرجها من عقله و قلبهمن ناحية أخري!! بعدما فحص كافة أرجاء المكان أيقن أنها لم تأت بعد فجلس منتظراً طلوع القمر في كبد السماء !! 
أقبلت كاريمان في اطلالة تخطف القلوب بثوب أحمر حريري له وشاح من قماش التل بذات اللون!! الوشاح به وردات صغيرات غطت ذراعيها و انسدل الباقي علي كتفها و ظهرها، رفعت شعرها في تسريحة شعر بشكل دائري ليظهر عنقها الأبيض الممشوق، دخلت مع عزيز الذي وقف إلي جوار فاتن فور وصوله
أما منصور بك فاصطحبها للداخل و جلسا معاً في جانب آخر بعيد قليلا عن السيدة بثينة و عائلتها لأجل المشاحنة التي حدثت صباحاً .. 
 
ذهبت حفيظة هانم من أمام الباب للداخل و تركت عزيز و فاتن في استقبال الضيوف .. 
همست له فاتن بسعادة قائلة : عندي أخبار ستسعدك كثيراً 
رد عزيز بهدوء : قولي اذن فأنا احتاج كثيرا لسماع اخبار سارة بعدما حدث مؤخراً 
فاتن : خالتي ستعطيني مفتاح قبو مالها الجديد!! شعرت اخيرا بأنه من العيب أن يكون شوكت لديه صلاحيات ليست لي !!
عزيز باستفهام : لم أفهم.. هل ستنقل المال ؟! 
فاتن : نعم و سيكون عليه حراسة مشددة برجال كثيرون 
عزيز : هل هذا يعد خبرا سارا بالنسبة لكِ ؟!
فاتن : بالطبع فسأجلب لك ما تريد كلما احتجت فسيكون لدينا مفتاحنا الخاص !!
عزيز : و هل خالتك مغفلة كي تتركك تأخذين المال دون أن تعرف لم و أين ستنفقينه ؟!هؤلاء  الرجال سيبلغونها بالطبع !! عزيزتي فاتن حتي و لو امتلكتِ مفتاحاً فستحتاجين تبريرا عن كل قطعة ذهبية تاخذينها.. أفهمتِ ؟! 
فاتن بتجهم : نعم ... فهمت 
عزيز : الآن و مع تلك الحراسة لن نستطيع السلب كما فعلنا من قبل !! ذلك خبرا مشؤوم يا عزيزتي !!
قولي لي .. هل نقلت خالتك المال لأنها شكت بشئ ؟! 

فاتن : لا .. قالت انها فقط تريد تأمين المال بشكل أكبر، انظر لهذا المفتاح أيضا.. إنه مفتاح القبو القديم، أعطته لي حتي يعود شوكت في آخر الليل و يقوم بنقل المال بعد انتهاء الحفل !!
لمعت عيني عزيز و قال : إذن لدينا فرصة ذهبية اليوم، يمكننا اخذ ما نستطيع قبل نقل المال للمكان الجديد 
فاتن : لن نستطيع  فالمال سينقل بعد انتهاء الحفل مباشرةً 
عزيز : المكان ملئ بالمدعوين، يمكننا اختلاس عدة دقائق و الذهاب للقبو و أخذ بعض المال 
فاتن : هذا خطر يا عزيز 
عزيز : نعم لكنها فرصة لن تتكرر . دعينا نستغلها 
فاتن : لنجرب اذن 
عزيز : سأشير لكِ في الوقت المناسب لنبدأ 
فاتن بقلق : ليكن ... 
 
في المخفر جاء الضابط الجديد المدعو كابرييل، دخل إلي جلال و قال له : اهلا ب  جلال .. أليس كذلك ؟؟
جلال : نعم .. اليوزباشي جلال ، انت الضابط الجديد ؟! 
كابرييل : نعم .. اسمي كابرييل و المقربين يدعونني كابي 
جلال : اهلا بك يا كابي 
كابرييل : سمعت عن اطاحتك ب هوارد .. ضربة ناجحة !!
جلال : هو من اوصل الامور لتلك النقطة !!
كابرييل : أعرف هوارد من قبل و لكنني جئت إليك من اجل ان اخبرك بأمر 
جلال باهتمام: ما هو ؟! 
كابرييل : ليس هناك جريمة كاملة!! 
جلال : ماذا تقصد ؟! 
كابرييل : المخبرين وصلوا لصديق سالم و رياض، المدعو صلاح .. تحروا عنه و عرفوا أنه يقود مجموعة متمردة و يجتمع بهم في اجتماعات سرية بالقاهرة !! 
هوارد طلب نقله لدائرة الدرب الأحمر حيث مقر  عمله و منزله و سيتولي التحقيق مع صديقهم هناك عن كثب !! لن يترك ياقتكم هكذا بسهولة فأنا اعرفه جيداً !! 
جلال بتفاجؤ: ماذا تقول ؟!
كابرييل : ما سمعت !! صديقكم سيتم التحقيق معه و ربما يعاد كل شئ من البداية !! لا تسترخي فالجولة الماضية ربما ليست الأخيرة!!
تركه كابرييل و مضي بعدما اقلقه بكلماته كثيراً ، رأي أنه من الضروري إبلاغ المجموعة كي يتم التصرف علي أساس ما جد من معلومات  و ها هو ذاهب لتلبية دعوتهم للحفل و سيخبرهم هناك بما حدث !! 
امام المخفر تقابل مع ايفان الذي سأله عن القضية بصفته صديق و شريك كاريمان بالعمل فشرح له كيف تم إثبات براءتهم و انه ذاهب للحفل المقام  علي شرفهم في قصر ياقوت بك فطلب منه إيفان القدوم معه ال هناك فاصطحبه و ذهبا ..
 
أثناء انشغال المدعوين هنا و هناك في الأحاديث و تناول الطعام و المشروبات تسللت فاتن بصحبة عزيز لطريق القبو و ما إن عبرا السرداب المؤدي لاسفل، ضغط عزيز علي الباب الخفي فأزاحه ثم اخرجت فاتن مفتاحها لتفتح الباب الثاني و الأخير و ما إن انفتح الباب وجدا شوكت أفندي في انتظارهما، تلعثما ووقف الدم في عروقهما و عندما حاول عزيز الهجوم عليه لقتله سمعا صوتاً من الخلف يقول له : توقف أيها اللص فنظرا تجاه مصدر الصوت الذي يعرفانه جيدا  ... انه صوت حفيظة هانم !!

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-