رواية فتاة العمليات الخاصة الجزء الثالث 3 جحر الشيطان الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ندي ممدوح




رواية فتاة العمليات الخاصة الجزء الثالث 3 جحر الشيطان الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ندي ممدوح 


الفصل الـ (٢٤)
جحر الشيطان ج3

جلس خالد في غرفته دافنًا رأسه بين كفيه، قلبه ينزف ألمًا مع رضا بفرحة حبيبته لا يستوعبها. 
كيف له رغم وجعه أن يكون سعيدًا بحق ليس زيفًا! 
كيف لسعادتها ان تترك أثرًا في قلبه رغم إنه وأد كل احلامها التي كان يبنيها ليلًا ونهارًا في يقظته وحلمه. 
تارة وهي بين ذراعيه! 
اخرى زوجته يجمعهما منزل واحد! 
واطفالهما رغم انها ابنته الاولى فمنذُ الأزل وهو يعتبرها ابنته وهل يُلام؟ ألم تنمي خديجة كل المشاعر بداخله أروى كُن لها اخٌ يا خالد لا تُغار منها. 
هو منذُ ما قالته لم يغار يذكر في صغرهما كيف كان يقاسم معها كل شيء يحصل عليه مرة يأتيها بالحلوى، وتارة بهداية، واخرى مصحف، ومرة مسبحةً، ومرة ومرة اشياء كثيرة. 
ترآها تحتفظ بهداياه القديمة أما تخلت عنهم؟! 
كيف للأحلام ان تهدم في لحظة هكذا فتهدمنا معها؟ 
كف والده وضع على كتفه نازعًا إياه من بؤرة حزنة ليرفع رأسه إليه، فجلس عمرو بجانبه وضمه بقوة يدرك تمامًا الم إبنه وجاء ليحتويه كان له الصديق قبل الأب وحان دور الصديق لصديقه. 
ربط عمرو على كتفه مؤزرًا وهو يهمس بنبرة حزينة مكدودة: 
- عارف مدى ألم قلبك دلوقتي بس.... 
قاطعه خالد بقوله وهو يبتعد بنبرة صادقة : 
- ألم؟! اي الم أنا قلبي سعيد وفرحان يا بابا فرحتي هي فرحتها وانا عارف ومتأكد ان حمزة هيحافظ عليها وزي ما ضحى بحبه بسببي انا كمان ضحيت بس مش عشانه بس انا متأكد ان اروى في بداخلها مشاعر ليه انا مبسوط ليهم... 
صوت شهقة من عند الباب لفتت انتباههم لخديجة الواقفة مرتكنة بكامل جسدها على الحائط فلوى عمرو شفتيه برفع حاجب : 
- يا عيلة مبتحبش غير النكد، تعالي يا بنتي شوفي اخوكِ الحزين ده يا بيت فقري بالحزن.. 
- شكلكم سهرنين وقولت اجيب التسالي. 
قالتها ورد وهي تلج بصنية يعلوها المقرمشات واللب والفُشار لا تدرِ ما بإبنها غير انها شاعرة بأمومتها أن قلبه غائر بجرحًا لا تعلمه، انصرفت خديجة لدقائق قلائل ثم عادت جالسة في تخفي خلف خالد الذي يأكل في شرود بعد المقرمشات، فتبادلت مع والدتها ضحكة مكتومة وهي تمد كفيها في ظهر خالد تضع ثلج وهب خالد واقفًا يقفز صائحًا وهو يحاول نزع الثلج من خلف ظهره بينما تعالت الضحكات عليه 
غمغمت خديجة من بين ضحكاتها قائلة : 
- يا عيني على الحكومة لما تبهدلها الأيام، منظرك تحفة يا حضرة المقدم. 
وضربة كفٍ بكف ليتمتم خالد متغاظًا وهو يرمقها بتوعد : 
- دا يا عيني على الحكومة لما تبهدلها اخواتها، الاخت الكبيرة الهبلة، حضرة المقد هيوريكِ هيعمل فيكِ إيه دلوقتي. 
مع قوله كان يهجم عليها بقطة الثلج بعد حصوله عليها من بين ملابسه فصرخت خديجة راكضة منه وهو وراءها والمرح عم المكان
حتى يفجأهم خالد بسفره العاجل لأحدى المهام بعد تلقيه مكالمة هامة... 

                🥀 سبحان الله 🥀

كان المشهد عجيبًا ... مفزعًا. 
والجو كأنما يسوده الغبار بلى غبار... 
الهواء لفحهما فجأة قاطع السكون حولهما... 
سكون مهيب ضرب صداه على قلبيهما ... 
ومشاعر شتى امتزجت بدواخلهما غير مفهومة... 
ارتخت الإيدي في وقتٍ واحد، رمش آجار بجفنيه وقد نسى كل ما حوله، عيناه لا تحيدان عن وجه جان أمامه الذي تنبه من حالته سريعًا ملقيًا السلاح من يده بلا اهتمام، واندفع إلى آجار يمسك بياقتيّ جاكته وهو يصرخ فيه بإنفعال : 
- أنتَ السبب في اختفاءها، أين ناردين يا هذا؟ اين اخفيتها أن حصل لها اي مكروه أدفنك أرضًا! 
كان ما زال آجار غارقًا في صدمته محدقًا بتيه إلى وجه جان، حتى استطاع بالكاد تمالك نفسه ليدفع جان من صدره بعيدًا عنه واولاه ظهره واضعًا كفيه فوق رأسه، فبقى جان محله ليعطيه فرصةً تمالك نفسه وصدمته فـ الأمر ليس بهين ... ليس ابدًا هين. 
إستدار آجار له هامًا بكلامٍ إنحصرَ بحلقه مسح وجهه وهو يجحظ عينيه على وجه جان مليًا، قدميه ساقته ليقف أمام جان قاب قوسين او أدنى منه، فبادر جان قائلًا بنبرة هادئة : 
- حسنًا، أعلم وقع الصدمة في قلبك لكن رجاءً تحل بالصبر نعم نحنُ نشبه بعضنا لكن الآن ثمة ما هو اهم رفيقتي تم خطفها ظنن منهم إني أنا أنت. 
بدى آجار غير منصتنًا لما يقول، أنى له أن يفهم او يعقل شيء كهذا؟ 
يستحيل أن يكون هذا الذي امامه مجرد شبه منه. 
هل ... هل هو أخاه؟ 
عند هذا الخاطر لمعة عينا آجار وهمس بصوت رجراج : 
- أنت .. أنت، اقصد كيف، كيف هذا، أنت انا، هل .. هل أنت أخي. 
صُدم جان من تفكير آجار، لماذا لم يخطر هذا في ذهنه أيضًا؟ 
ربما هذا الماكث امامه اخيه؟ 
ربما لما لا هذا الشبه دليل على إنهم اخوة، وربما مجرد تشابه من يدري. 
لكن لا مستحيل آجار إبن رجل مجرم وهو لا هو ليس بمجرم. 
نفخ جان في ضيق مع عودة الضياع في نظرات آجار فمسك كتفيه وهزه هزة خفيفة متمتمًا بنبرات حازمة: 
- إستمع إليّ يا هذا ليس الآن وقت الصدمات لننقذ رفيقتي ومن خُطف من جهتك ثُم لنفكر في امرنا ونبحث في الماضي علنا اخوة حقًا من يدري. 
اومأ آجار وهو يتذكر منة لتتحول ملامحه للشراسة والحدة وهو يجز على أسنانه هاتفًا : 
- اخبروني إنهم هُنا! 
- لا يوجد احد هُنا. 
- لقد ضحكوا عليّ إذن! 
- لم يضحك عليك احد سيد آجار. 
هتف بها هاتف من خلفه لتتحفز ملامح آجار وجسده وهو يستدير إلى جاك الواقف في برود وخلفه رجاله. 
استل جاك يده من جيب بذلته وهو يتقدم من آجار قائلًا: 
-ذاك المشهد يجب أن يُذاع على جميع شاشات العرض فمن يصدق ان السيد آجار يوجد من يشبهه إلى الحد الذي لا يستطع المرء ان يفرقهما. 
في سورةٍ من الغضب أمسك آجار بياقتيّ قميص جاك صارخًا فيه : 
- أين منة يا جاك اقسم بأن لو مسستها بشعرةً واحدة لأذيقك شتى انواع العذاب دون ان يرف ليّ جفن. 
ومع صراخه كان رجال جاك يشهرن الأسلاحه على رأسه دفعةً واحدة. 
بينما وقف أحدهم موجهًا فوهة السلاح في مؤخرة رأس جان الذي لأول مرة يحيا مثل هكذا أشياء في حياته. 
تلك اشياء يرآها في التلفاز أنى لهُ أن يعرف بأنه سيعيشها يومًا ما فكل ما يحدث لنا يبقى مستترًا في ضمير الغيب وهو سيجهز نفسه ليستقبل كل الصدمات دون صدمة وارتياع! 
فـ القادم يتراءى له كارثي أو فوهة بركان انفجرت بما في جعبتها في وجهه ولا سبيل للخلاص منها. 
- ما الذي تريده يا جاك، أن علم اخي أراس فلن يتركك قبل ان يصفيك ويجعلك كالكلب تتجول في الشوارع. 
كاد جاك أن يهجم على آجار، لولا وصول فئةً من الرجال التي أحاطوا برجاله واجبروهم على ترك أسلحتهم فـ أنصعوا بوجل
تعلقت أعيُن الجميع على باقي الرجال الذين إصطفوا أمام الباب قبل أن ينقسموا لكلا الجانبين ليبرز آركان الذي وقف في برود أمام جاك الذي شحب وجهه وهو يتقهقر للخلف وتصبب العرق من جبهته مع همسه بتلعثم : 
- آر ... آركان، هذا أنت؟ 
- أين الفتاتين يا جاك؟ 
سئل آركان بنبرة باردة تحمل وعيد مستتر فتبسم آجار له في مكر وحاد ببصره إلى آركان الذي أسبل له جفنيه كأنه يطمئنة او يبعث له برسالة خفية بـ ألا يقلق . 
قلب جاك بصره بين الثلاثة، لكن من كان يبعث في أوصاله الرعب حقًا هو آركان فهو لا يهمه أيٍٍَّ كان يصبح وحشًا مرعبًا أن تعلق الأمر بأحد أحبته ولكن بالقانون، ففي لحظة واحدة يمكن ان ينهيه ويزجه أسفل سافلين زهاء طرفة عين. 
- لا تضطرني أن اعيدُ كلامي أكثر من مرة لا أحبُ هذا وأنت تعلم، أين .... 
قاطعه جاك مجيبًا آركان في لهفة : 
- ساخبرك، سأخبرك اين هم لكن ستتركني ارحل بعد ما تنقذهما. 
كلمة إنقاذ أججت النيران بقلب آجار الذي هم ان يندفع نحوه لولا كف آركان الذي ردعه للخلف وهو يجيب بصوتٍ أجش : 
- أخبرني أين هُما لأنه لو حصل لهما شيء فـ... 
- ربما لو اسرعنا نلحق بهما قبل أن تنفجر بهما السيارتين. 
انفعالا الشابين وهما متسعيّ الأعيُن فصدد آركان لكمة إلى وجه جاك الذي تقهقر للخلف وكاد أن يسقط لكن آركان مسك به وهو يزجره ليفصح عن مكانهما فـ أخبره بنبرة مرتعشة ليندفع الشابين للخارج غير عابئيّ بأنفسهما.
كلاهما على شفا الجنون وكلٍ منهما يذهب في طريق إلى احد المكانين المنشودين إذ لم يصلا في الوقت المناسب فـ الفتاتين سيستحلا رمادًا. 

_ وصلَ آجار إلى المكان المحدد، دار ببصره في العراء والصحراء الخاوية أمامه واشتعل كيانه بـ الأمل وهو يرَ السيارة أمامه، لكن أمله تلاشى وهو يتناهى له صريرُ عداد القنبلة المميز لديه، في لحظة خافتة لا إرداية تسرب الخوف لأوردته وهو يتذكر كم من مرة فجر سيارات بمن فيها. 
كم فجر بيوت وشركات. 
كم مرة كان سببًا في موت أُناس بريئة؟ 
لكن هل ينتقم منه القدر في الوحيدة التي دق لها القلب وهام فيها عشقًا؟ 
فيمن أعادة له نبضه وحياته، ضحكاته، وبسماته! 
اتسعت عينيه جزعًا وهو يترجل راكضًا نحو السيارة الذى دار حولها ممعنًا النظر من زجاجها وهو على شفا حفرةً من الجنون لكن فجأة ارتد مصعوقًا ما أن لاحت له غير منة بالسيارة، فلم يسعفه عقله على انقاذها وهو يفكر إنها حبيبة شبيههُ، فسريعًا راح يحاول أن يفتح الباب الذي كان محكم الإغلاق فسودت عيناه وهو يكور قبضته يضرب بها الزجاج وعيناه تطوف بحثًا عن مكان القنبلة التي وجدها بجوارها مباشرةً وفي لمحة أخرى علم ان الوقت ينقذ، فـ ابتعد متلفتًا حوله في الصحراء الخاوية تمامًا من اي شيء حتى وجد صخرة متوسطة الحجم حملها وطفق يخبط بها الزجاج حتى تناثرت شظاياه فرمى الصخرة وبكفيه أخذ يشيل باقي الزجاج غير عابئ بدماءه التي نزفت أثر الزجاج الذي أصابه، فتح باب السيارة من الداخل وسحب نادرين ليرفعها بين ذراعيه مع علو دق بدأ الأنفجار فركض بها وأثناء ذلك كان الأنفجار يدوِِ ليتطاير جسده قبل أن يهوى على الأرض فاقد الوعي.... 

أترانا قد نتعلم من اخطاءنا؟! 
أن نتوب منها ونجلس امام باب الرحمن حتى يهل العفو ويغمرنا! 
أترانا نتراجع عما بدأنا؟ 
أترى ذنوب الماضي قد تقتص منك من أكثر من أحببت؟! 
لتكون الضربة القاضية لقلبك فتعلم أن أدران الماضي لا تُنسى، والقدر لا يُنسى ينتقم عاجلًا أم أجلًا. 
أترى قد يترفق بنا لأنه من ألقانا في هذا الطريق المحال العودة منه؟ 
الجسدين بقا مسجيًا أرضًا آجار منكبًا على وجهه وناردين على ظهرها، وإذ بألسنة اللهب تخمد رويدًا رويدًا منجلية عن سيارة تفحمت فما تبقى منها إلا فُتات، دقائق فقط كانت فاصلة في حياة ناردين التي دخلت شُعلت الأنتقام ظلمًا، الدخان بدأ يتلاشى لكنه يتكاثر من خلفهما أثر السيارة التي ما زال بعضها ينطفئ. 
وتراءت سيارة عن بُعد عنهما تتوقف ليترجل عنها رجلٌ تخطى الخمسين ذو بذلة بنية اللون لا يظهر عليه كُبر السن الذي بلغه خلع نظارته ليتآمل جسد آجار ببسمة ظفر وهو يُمني نفسه بالأنتقام فقد آن آوانه الأخوين إلتقيا العجين أختمر وبقى فقط أن يشكله كما يشاء، أندفع مرةً واحدة بلهفة نحو آجار الراقد وهو يامر رجاله بأن ينقلُه إلى السيارة لكن مجيء آركان حال دون ذلك وهو يدفعه بثبات عن آجار ليأخذه رجاله هو وحمل ناردين بين ذراعيه واقفًا أمام ماهر ونجيب بنظرات تحذير و وعيد قبل ان يتحرك بها. 

_ و عند جان كان قد وصل لتوه بعد بحث وتيه عن المكان المنشود، و وسط مكان تملئه الشجيرات كانت السيارة أمام احداهما كأنها انحرفت الطريق واصطدمت في جزع الشجرة، حث الخطى إليها واتسعت عيناه وهو يرَ شيءٌ يطلق شررًا بداية لأنفجار قادم فصرخ في ارتياع وجسده يرتعد بـ إسم " ناردين "
ظل لسانه يلهج بإسمها وهو يحاول فتح باب السيارة، ومنادته فلحت لجعل منة ترفع رأسها الذي يسيل بالدماء عن عجلة القيادة، نظراتها كانت زائغة، ضائعة لا تدرِ أي شيء فهي كل ما تذكر بشخص فجأة ظهر في غرفتها لم ترَ ملامحه وخدرها ولم تذكّر اي شيء آخر، رائحة بنزين تسربت إلى أنفها لتنظر بهلع حولها وهي ترَ جان امامها يحاول فتح الباب وقد ظنته آجار فـ استنفرت به وشفتيها تلوذ بإسمه وهي تدفع الباب بقواها الخائرة، فجأة اشتعلت السيارة من الخلف فتراجعت ترفع قدمها لتدفع به الباب في خوف لكن دون جدوى، لا شيء يجدي نفعًا، بينما تسمر جان لوهلة وكلمات آجار تضرب قلبه قبيل أتيانه : 
- عدني أن كانت منة هي الموجودة إنك ستعيدها بخير، ستعيد ليّ نفسي لا يمكنني تحمل فقدها. 
فيجبه بوعد صادق: 
- اعدك بأني سأعيدها لك بخير وسأفعل ما بوسعي، وعدني انت؟ 
- أعدك. 
فهاج فجأة وكأن قوته اذدادت قوة واشتغل عقله ليبحث حوله عن شيء يكسر به زجاج السيارة فوجد جزع نخلة اخذه وشرع يضرب بيه الزجاج ومنة تهز رأسها من الداخل بأنه لا يوجد فائدة نظراتها تودعه، ودموعها تكوي قلبه كيًا وتفطر روحه وفجأة فُتح الباب وحده فـ القى جان الجزع وهرع ليسحبها من السيارة ويركض بها بعيدًا مع تأجج النيران في مؤخرة السيارة وما هي إلا دقائق وكان صوت الأنفجار يدوي يرجف الأبدان ويهز الأرجاء ويدك الخوف دكًا، تسمرا منة وجان يشاهدان احتراق السيارة قبل ان تفقد منة الوعي. 
غير مصدقة انها نجت! 
انها كانت على شفا حفرةً من الموت! 
لم يفصلها عن الموت إلا دقائق .. دقائق وكانت جثه متفحمة حتى لن يكون يتبقى من جسدها شيء يزوره احد. 
لماذا مازالت على قيد الحياة كان الموت افضل لها من هذا الرعب!. 

                  🥀 الحمد لله 🥀

دخلَ جان إلى إحدى المنازل برفقة ماهر الذي أخذه معللًا بأن ناردين معه وأخذ رجاله منة إلى آجار، لج جان إلى المكان وعيناه تجوبان أركان المنزل بحثًا عنها وفي ضجر حدجه بنظرة غاضبة وهو يصيح فيه : 
- أين ناردين يا رجل؟ هل تستهزأ بيّ؟! 
هز ماهر رأسه وقال يهدئه : 
- اهدأ يا بُني الفتاة هُنا وبخير أتيت بطبيب ليطمئن عليها. 
أشار له برأسه على إحدى الغرف : 
- أذهب إليها إنها في هذه الغرفة. 
دون أن ينبس جان ببنت شفه كانت قدميه تركضان نحو الغرفة في لهفة ليقف عند الباب رامقًا رقُدها بشيءٍ من الراحة التي تسللت إلى قلبه فور أن رأته عينه نائمة، بئس الرفيق هو إن كان قد أصابها أذى! 
صوتها الخائف بأسمه جعله يلتهم ما تبقى من مسافة بينهما ليجثو بجوار رأسها لكنها ارتمت في حضنه باكية فشدد من ضمها إليه بدمعتين كانتا عالقتين بين أهدابه أبتا التحرر، بلغهُ صوتها الهامس، الباكي بُكاءً قطع نياط قلبه : 
- لا تتركني يا جان أنا خائفة لنعود إلى دار الأيتام هذا، لماذا كبرنا ليتركونا في هذا العالم؟ أريد العودة هُناك فالخارج مخيفُ يا جان، يا ليتني موت! 
وعند ذكر الموت شدد جان من ضمها، لا يمكن أن يتصور حياته بدونها، لقد كانا معًا في السراء والضراء. 
كانا بكل خطوة معًا، ضحكهما، بكائهما، حزنهما، وفرحتهما! 
هي تلك البسمة التي لو غابت لن تعود له .
وهذا ما لا يتحمله فهي كل ما له في هذه الحياة. 

وعلى الباب وقف ماهر ببسمة خبيثة ترتسم على وجهه الذي استحال شرًا. 

_ وفي منزل جومالي دخل آركان برفقة آجار الذي ركض فورًا إلى مِنة الراقدة فوق إحدى الآرائك بجوارها هنا، هتافه باسمها جعلها تعتدل من راقدها شاهقة بحرقة ليسحقها آجار بين ذراعيه وقد رُدت له روحه مسبلًا جفنيه على عينين متألمتان بخوفٌ من الفراق وقلبه يرجوا إلا يعاقبه الله على كل جرائمه فيها. 
ابتعدت منة عنه وما زالت دموعها تسيل فوق خديها بنهرين جاريان، وراحت تتحسس حروق يده كأنها تؤلمها هي، فـ احاط آجار وجهها بكفيه، شفتيها التي كانت تتحرك دون صوت لامسها بإبهامه مع همسه : 
- أنا بخير، طالما أنتِ بخير فـ انا بخير، لم يصيبني اي اذى ما دامك امامي 
- أنا خائفة آجار! 
- اشش، أنا بجانبك انزعي عنك رداء الخوف، روحي فداءً لكِ حبيبتي، احميكِ بعمري، أنا الآن بجوارك لا يمكن لأي احد ان يفكر بانتزاعك مني لا يستطع اي إنسان خلع قلب من جسد آخر وأنتِ قلبي الذي ينبض بداخلي. 
قالها آجار بوجع حقيقي يدمي قلبه وهو يدثرها بحضنه. 
- سيد آركان لقد جئت بالسيد جاك. 
قالها قائل من أمام الباب وهو يمسك بـ ذراع جاك، وما كاد أركان يخطو إليه إذ كانت هنا تسحب سلاحًا لتطلق رصاصةً في جبهتة ويسقط ارضًا مع صياحها : 
- لا احد، لا احد يأذى اخواتي لا أحد، خذ حقك واعدك ان ما تبقى من نسلك سيلحق بك. 
صفعة أخرستها لترفع عينيها إلى أركان الذي صرخَ فيها بأعيُن تشّع غضبًا : 
- ماذا فعلتِ؟ لماذا قتلتيه؟ متى تفهمين إنه يوجد قانون يأخذ بالحقوق لقد أصبحتِ قاتلة محترفة مثلهم، وانا من ظننت أنكِ ستتغيرين. 
ترقرق الدمع بعينيها وهي تلامس موضع صفعته وتشيع رحيله بعينيه وهو مستشيطًا غضبًا. 
ارتجف جسدها و آجار يعانقها بمواساة مغمغمًا : 
- يحبك، صدقيني يحبك، يفعل ذلك من خوفه عليكِ. 
تبسمت هنا بإيماءة من رأسها، ليقول آجار بنظرة مبهمة : 
- لدي مشوار هام، سأتركما لبعض الوقت واعود لن اتاخر اهتمي بها. 
قبل جبين منة التي استكانت في حضن هنا التي ضمتها بحماية وهي تهون عليها ما مرت به. 

                    🥀الله أكبر🥀

في غبشُ الليل، تهادت سيارة (مالك) على دُجى ظلامه، وبينما هو ينظرُ أمامه صابًا جام اهتمامهُ على الطريق، زممًا شفتيهِ بضيقٌ فقد تأخر بالعودة بسبب خديجة التي انتظرها حتى تنتهي محتسبًا انها ستغادر لكنها أبلغته بأنها ستقضي الليلة هُنالك، وبينما تنهب سيارته الأرض نهبًا رأى أمامه حشدٌ من الناس متجمعون حول شيءٍ ما فـ أوقف سيارته بسبب إنسداد الطريق للتجمع القائم والضوضاء، دقق النظر محاولًا اكتشاف ما يدور قبل أن ينزع حزام الأمان ويترجل من السيارة سائرًا نحو الحشدُ، اندس بين الجميع وهو يشرائب برأسه وفجأة اتسعت عيناه من هول ما وجد فـ إذ بـ فتاة مسّجِيةٍ على وجّهها سابحةً في بركةٍ من الدِماء حولِها فـ اندفع منكفِئًا بِجانبها يقيسُ نبضِها الذي كان ينبض وما زالت على قيد الحياة، فصرخ بعِلو صوّته في الجميع ليكْفو عن الهمس وقد صعقه مشاهدة الجميع لها دون ان يبادر أحد بالمساعدة، إذ اتصلوا بالأسعاف و وقفوا يشاهدون كإنما يشاهدون فيلم سنمائي رائع، تبًا للبشر وجبنهم الذي صار يتحكم فيها لقد خشوا على أنفسهم حين فرّ ضارب الفتاة، أخرج هاتفه متصلًا بخديجة يخبرها بإيجاز حالة الفتاة قبل ان يغلق معها ويعتدل في وقفتهُ مائلًا على جسد الفتاة يعدلها برفق وحذر تعلمه، ليضع ذراع أسفل ركبتيها وآخر تحت رأسها ويرفعها بكل تريث صائحًا في الموجودين أن يفتح احدهما لهُ بابُ السيارة فـ أسرع رجُل فاتحًا له ليضعها بتأنّ وبينما يصعد هو أوقفه صوت لاهث يقبل نحوه لفتاة توقفه : 
- استنى استنى لو سمحت! 
رفع ( مالك ) نظرهُ لها في تساؤل، فتممت قولها وهي تقف على مكثٌ منه : 
- أنا معايا فيديو مُسجل بالحادث، الأنسة دي كانت ماشية زي المتغيبة وسط الطريق كأنها مش في وعيها، ولا عارفة هي رايحة فين؛ والعربية اللي خبتطها كانت قصدها. 
رد ( مالك) بإيماءه بسيطة وهو يعطيها عنوان مستشفى الأميرة وإسمهُ كامِلًا وينطلق في سرعة بسيارته وهو يختلس النظر إلى جسد الفتاة التي لا حول لها ولا قوة. 
لماذا فتاة مثلها تسير في منتصف الليل وفي حالتها تلك؟ 
من وراء الحادث وما الذي يريده منها؟ 
عَمَّ يُفكر هو الآن وفيمَ منشغل لبُه؟ 
في إشفاق رمق الفتاة بنظرة سريعة وهو يسرع من سرعة القيادة. 
بعد الفضول رُبما يكون قاتل! 
ورُبما يسبب لنا عاهة ذات أثر عميق يزعزع ثبات النفس فتترك المرء حائرًا، ضائعًا .. في مفترق طرق لا يستطع متابعة حياته كما كانت، بعد الفضول ليس بهيَّن فهو قد يصبح فجأة سلاح ذو حديين واحدٍ جميلُ كمشكاةً من نور تبقى مرافقةً لصاحبها، وآخر حاد كالسيف ينحر العنق نحرًا دون رحمة. 

                 🥀 لا إله إلا الله 🥀

"في إيه، خِطبة مين؟" 
رددُها ( مُعاذ) مُتعجبًا وهو يقف وسط زملاءه في العمل، وقد كان له يومين لم يذهب لمقر عمله ولم يعد للبيت منذُ ما حدث آخذًا غرفة في فندق مبتعدًا عن مكان هي فيه فرؤياها باتت ملحًا حارقًا لا يذيد الجرح إلا ألمًا ونزفًا، وحتى تسنح له فرصة التفكير في هدوء تام دون مقاطعة من أحد. 
" أنتَ متعرفش؟ غريبة انتوا مش في بيت واحد انت وملك بقا إزاي متعرفش إن شهاب بيه خطبها "
قالتها ( سُهيلة) بتشفي وهي ترنوا إلى ( مُعاذ) الذي صُدم، وصاح فيا بعدم تصديق : 
- أنتِ بتقولي أيه؟ مش ممكن اصلًا.. 
استشاط غضبًا وتميز غيظًا وقال ملوحًا بسبابته في وجهها : 
- دي أكيد كدبة من كدباتك، هنستنى إيه من وحده حقودة زيك؟ 
تنفس في عنف مدركًا قسوة كلماته على سُهيلة التي نظرت له في حزن وهي توليه ظهرها مبتعدة، فتلفت حوله صارخًا بالناظرين إليه : 
- ما كله يشوف شغلُه مش بنقدم فيلم إحنا. 
خطى كم خطوة نحو مكتبه قبل أن يستوقفه نداء شهاب : 
- مُعاذ استنى ... تعالى عاوزك في مكتبي. 
قالها واختفى داخل مكتبه ليكز مُعاذ على أسنانه مسبلًا جفنيه في محاولة على كبح غضبه المستعر وتهدِأت اعصابه، وفور أن هدأ قليلًا حتى لحق بشهاب مستأذنًا وهو يدخل ويغلق الباب خلفه، فـ اشار له شهاب بالجلوس أمامه فـ امتثل معاذ منتظرًا حديثه وهو يهز في قدميه، تنحنح شهاب وهو يعود بظهره لظهر مقعده في تكبر وقال بتفاخر ونبرة ماكرة : 
- أنا وملك اتخطبنا وقرأنا الفاتحة امبارح، بس أنت مكنتش موجود، كنت فين؟ كان نفسي اوي تكون حاضر. 
خفق قلب مُعاذ وهو يلتفت له بعينين مشعتين غضبًا وقال وقبضته تضرب على المكتب : 
- أنت بتقول إيه؟ أنت اتجننت ملك مين اللي وافقت عليك أنت؟ 
قام في نهاية قوله فقام شهاب بدوره و وقف أمامه في أستعلاء هاتفًا ويديه في جِيباي بنطاله : 
- أنا؟ أنا شهاب توفيق النمر إبن توفيق النمر واللي كل البنات تتمنى نظرة منه لو مش عشانه عشان فلوسه ومكانته.. ولا إيه يا إبن قريب مراتي المستقبلية؟ 
ليته ما نطق بها، وما دعى معاذ إلى مكتبه، فقد زأر معاذ مزمجرًا وهو يلكمه بكل قوته ليسقط على المقعد خلفه وقبل ان يتدارك ما حدث انهال عليه مُعاذ صارخًا : 
- مرات مين يلا؟ دي نجوم السما اقرب لك مش ملك، مش ملك اللي تقبل بواحد متكبر زيك كل همه الفلوس وتجمعها، انا هعرفك آزاي تجيب إسمها على لسانك. 

هل كان يضربه حقًا لما تفوه به؟ 
اما إنه لا يريد أن يصدق أن ملاكه وافقت على غيره؟ 
أو رُبما هو ذاك القلب الميتم بها الذي يفضل التوجع ولا يسمع إنها لغيره. 
فضّ الموظفين العراك بينهما الذي انتهى باستقالة معاذ وبصقه فوق شهاب ومغادرة المكان بسورة من الغضب وهو يهندم ملابسه التي تشعثت. 
ومن فوره ذهب إلى المنزل، ودون ان يلقى السلام على أحد على غير عادته، أو يرد على من يحادثه، كان يرتقيّ الدرج مبتغيًا ملك طرق باب شقة حذيفة لتفتح له اسماء باسمة وما كادت ترحب به حتى صاح لاهثًا بعنف : 
- فين ملك؟ عايزها ناديها دلوقتي. 
- طيب يا ابني ادخل الأول؟ 
- لا ناديها دلوقتي لو سمحتِ يلا. 
حدجته أسماء بدهشة وذهبت لتنادي ملك التي كانت ترتجف ما أن سمعت صوته، عيناها جاحظة على الباب في وجل، قدميها مضمومتين لبعضهما واحاطة بهما بذراعيها، لمن قد تشكو الآن خوفها إن لم يكن معاذ؟ معاذ! الذي تسببت بندبة عميقة في قلبه لن تُمحى، صوت والدتها تشعر إنه يأتِ من عالم آخر بعيد، بعيد للغاية، هزتها أسماء فجأة لتنتبه ناظرة لها بتيه. 
فبادرت أسماء قائلة : 
- معاذ برا عاوز يشوفك وشكله مش على طبيعته، أنتِ عملتِ حاجة؟ 
هزت ملك رأسها، فغمغمت أسماء بحيرة : 
- ليكون بسبب أنك وفقتِ على شهاب اللي مش نازل ليّ من زور ده؟. 
زاغت عينا ملك هربًا، وثبت واقفة تؤشر بكفيها بقسوة تخبرها بالإشارة بمعنى : 
- وهو ماله حتى لو وفقت على شهاب انا اللي هتجوز ولا هو، حياته ولا حياتي؟ انا رفضته ما ينساني ويبعد عني هو الحب عافية... 

- لا مش عافية مش عافية يا ملك! 
قالها معاذ رادًا على إشاراتها التى رآها فكانت له كـ أسهم مسمومة تتوالى على قلبه تنزع روحه ببطئ موجع.. وغادر المكان دون كلمة أخرى فقابله مالك وحاول أن يفسر له بأن خشى أن يبلغه فلم يستمع معاذ له او يعيره اهتمام وهو يغادر المنزل بأكمله. 
فصاحت أسماء في ملك : 
- أنتِ شكلك عاوزة تربية من جديد، مش كفاية رفضك ليه بالطريقة دِ قدامنا كُلنا، أنتِ إيه مبتحسيش؟ 
غادرت أسماء أيضًا تاركة ملك جامدة في مكانها وقلبها يصرخ من الداخل : 
- أنا أسفة يا معاذ غصب عني والله غصب عني. 
هوى دمعها وهي تسقط ارضًا مكتفة ذراعيها فوق الفراش دافنة رأسها فيهما... 

بينما تمتمت أسماء وهي تتأملها بعجز من وراء الباب الموارب : 
- ليه بتعملي فيه وفي نفسك كدا يا بنت بطني؟ 
ثُم فجأة قالت في غيظ : 
- هو إيه ياختي العرسان اللي ظهرت مرة وحده كدا للبنات كلهم إلا الفقرية لمياء يا بركاتك يا أروى.. 

           🥀 لا حول ولا قوة إلا بالله 🥀

ها هي ذي تقف أمام مرآتها تطالع هيئتها لا لتعلم مظهرها او تتأكد من جماله، ربما تراقب عمرها القادم بكل ما يحمله من قسوة وخوف وحياة لا تريدها، لقد ظنته لن يأتي! وإنه اعرب عما نوى، لكن ها هو يأتي لخطبتها جالسًا مع اهلها بعد سفر أخيها خالد مباشرةً. 
ترى هل مصادفة أما إنه تعمد سفر خالد لمعرفته برفضه! 
ترقرقت عينيها بدمعتين أبتا الهطول! 
لماذا كُتب عليها ألا تفرح في مثل هذا اليوم! 
هذا اليوم التي تطير فيها الفتيات فرحًا حتى يظنوا أن لا احد يملك الدنيا غيرهم. 
وبينما هي في شرودها أنتزعتها منه كفين صغيرين تربطان نقابها من الخلف لم يكونا إلا لـ "يوسف" الذي لم تشعر متى جاء او دخل او متى وقف على مقعد الزينة. 
_ شوفت خالد قبل كدا بيربطلك النقاب فقولت اكيد لو كان هنا النهاردة كان ربطه ليكِ فجيت عشان متحسيش بغيابه. 
خالد ! آه يا ليته كان ففي وجوده تشعر بالسند، بالقوة. 
ومع ذكرى شبيهه كتلك مع اختلاف خالد من يربط لها نقابها وهو يقبل جبهتها بفخر بيَّن مدتها بالطاقة فجأة لتتنهد بعمق ملتفة نحو يوسف لتضم خصره قائلة بمرح : 
- أنت وخالد عندي واحد سواء انتوا الاتنيين بتمدوني بالطاقة وتحسسوني بالسند. 
تبسم "يوسف" بزهو وهو يلف ذراعيه حول عنقها متمتمًا بما يرآه : 
- أنتِ مش مبسوطة ليه؟ 
وقبل ان تجيب أبتعد برأسه وما زال يطوق عنقها مستأنفًا : 
- لو مش عاوزة هنزل اطرده من تحت عشان يمشي. 
ثُم بتذكر تابع : 
- مش هو دا الراجل اللي كان في المستشفى؟. انتِ مبتحبهوش صح؟ هو بيضايقك؟ 
أدمعت أعيُن خديجة لوهلة قبل ان تدفن رأسها في صدر يوسف الذي شدد من ضمها بتلقائية مستشعرًا حاجتها بالأحتماء فقبل رأسها كم يفعل خالد دومًا معها وقال : 
- انا جنبك يا ديجا. 
هذه لم تكن جملته كانت جملة اخيها لها في لحظة توترها، فلامست فيها الشجاعة وهي تزفر ببطءٍ وهدوءٍ، لتخرج ما يعتمل صدرها وتمسك بكف يوسف متوجهة للأسفل. 
وبالأسفل لم يكن الأمر هادئًا فكان مشحونًا بالتوتر والأصوات العالية وتناهى لها رفض والدها الصارم تزامنًا مع دخولها جلستهم لتقول ببسمة هادئة : 
- بس انا موافقة يا بابا. 
كل الأعيُن حادت نحوها كإنهم يشاهدوا فضائيًا سقط من السماء، 
هب عمرو واقفًا يسئلها في إنفعال : 
- موافقة إيه؟ اطلعي فوق إيه اللي نزلك؟ إحنا مستحيل نوافق عليه! نعرف عنه إيه ده؟ ولا تعرفيه منين! دول بيقولوا عنه تابع لمنظمة إجرامية، هتتجوزي مجرم؟ فلوسه حرام من الأسلحة؟ 
هتفت خديجة بنبرة قوية: 
-- بس أنا موافقة عليه ومش مهم كلام الناس، هو بيحبني وشرايني. 
ارتجفت أهداب عمرو لبرهة فتول عثمان دفة الحديث قائلًا : 
-يا خديجة... 
قاطعته خديجة قائلة : 
- لو سمحت متحاولش انا قولت إني موافقة. 
أشتدت حدت الحديث بين الجميع، تشبث خديجة بموافقتها كان يثير القلق في قلوبهم، رغم كل الجدال القائم لم يكن آراس يفهم اي شيء لكن عيناه لم تحيد عن خديجة منذُ دخولها ربما هايمه فيها جعله في معزلٍ عما يدور.. 
- اسكتــــــــــــوا كلكم. 
قالتها لمار حين فاض بها منهم جميعًا وبالفعل ساد السكون بعد انفجارها وإلتفت كل العيون نحوها تصب كل الاهتمام إليها فبحزم هتفت فيهم: 
- مفيش إي احترام ليا ولا للضيف الموجود خلاص فقدتوا عقولكم كلكم واحترامكم أيهاب عشان مريض مش موجود و زيد عشان رجله مش ببنزل فخلاص مفيش احترام لكبير في البيت ده؟ 
إطلعوا بره! 
قولها أشعرهم بالخزي فعادوا جالسين في اماكنهم وسحبت لمار خديجة تجلسها بجانبها وتنحنحت تجذب انتباه آراس الذي بدا غير موجودًا عيناه كانتا تتابع خديجة بلهفة طفل وجد امه بعد طول انتظار، فـ انتزعته من شروده لمار قائلة : 
- إذن كيف حال والدك هل تحسنت صحته؟ 
رد اراس بإيماءة بسيطة مع قوله : 
- ما زال في غيبوبته لكن صحته مستقرة. 
- ليشفيه الله ويعود سالمًا. 
صمتت لدقيقة وعينا اراس تنطق بمعرفة الإيجابة التي قالتها لمار : 
- بخصوص طلبك فسنفكر ونعطي فرصة لعروستنا بالتفكير وسنرد عليك قريبًا. 
كلمات بسيطة أُختتمت بها الجلسة قبل ان يرحل اراس وتنشب الحرب مجددًا على خديجة من الجميع التي كانت متمسكة برأيها. 

                     *****************

دلفت خديجة إلى المسجد يومُ الجمعة متأخرة قليلًا عن موعد مجيئها المعتاد وقد سبقها الفتيات آتيانًا. 
هُنا تنسى كل ما يُحزنها؟ 
هُنا كأنها تولدُ من جديد بروح لم تثقلها الأيام. 
على اعتاب هذا المسجد تتشح برداء الراحة كالظمآن لشربة ماء بارد. 
راحة تسكن قلبها فتطيبة من كل ما يحواه. 
يا ليتها لا تخرج، يا ليت الراحة تظل تغمدها، ليتها تنسى كل ما يثقلها حتى بعد خروجها. 

تحلقوا الفتيات حول خديجة بعد إن فرغوا من صلاة الظهُر، أخذت خديجة نفسًا عميقًا وعيناها طافت على أوجه الفتيات في لحظة خافتة قبل ان تسبلهما ليشرق وجهها منيرًا ببسمة بزغت على شفتيها، وبدأت حديثها بالبسملة والحمد والصلاة على الحبيبﷺ وقالت : 
- أخذنا فيمَ سبق خروج الروح من الجسد، والقبر و وحشته وظلمته والملكين ربما كل ما سبق لم يُزحزح قلوبكم، لكن الآتي لا ريب سيفعل، أوتدري يا إبن آدم أن الحياة فانية والموت آت والقبر آت واهوال جهنم آتية، " أهوال جهنم" ماذا فعلت بقلبك تلك الكلمة هل شغلت عقلك؟ 
آراك منغمسًا في الدنيا خمولًا، كسولًا .. عن الصلاة تسمع الله أكبر فما تلبي النداء أوَ تعلمون أن الصلاة اول ما سنحاسب عليه يومُ القيامة. 
ما بكَ يا إبن آدم هاجرًا لكتاب الله منشغلًا عنه أوَليس تعلم إنه يأتِ يومُ القيامة شفيعًا لصاحبه؟ 
ما لي آراك تفوت قيام الليل ألا تدري إنه دأب الصالحين، وقربة إلى ربك، ومكفرة للسيئات، ومنهاةٌ للإثم؛ أما إنك قد ضمنت الدنيا بما فيها؟ 
فوق يا إبن آدم ما نحنُ على الدنيا إلا ضيوفٌ والضيف مهما طال جلوسه راحل. 
ما ليّ آراك تلهو وتلعب ناسيًا ظلمت القبر، عذابه، و وحشته. 
وكُلهم آتيه يوم القيامة فردًا. 
ستكون بمفردك لا حبيب ولا صديق، لا امٌ ولا أبٌ، لا أخٍ ولا أختٍ، بمفردك ستبثعت وبمفردك ستحاسب. 

سكتت خديجة لـ هنيهة زافرة زفرة عميقة تدحر عنها كل ما يوترها و تابعت بصوتٌ رخيم : 
- وسنبدأ بـ اهوال يوم القيامة، أخبر الله تعالى عن يوم القيامة وأهواله فقال [ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2].
الأمر جُل مفزع وشديد أن تفكرت فيه، لذلك فلا غرابة بمن بُشر بالجنة في قبره يكون خائفًا وجلًا من هذا الموقف، بلى إن الأنبياء والمرسلون الذين هم في ظل الرحمن يوم القيامة، تفزع الناس إليهم ليطلبوا الشفاعة، فكلٌ يقول نفسي نفسي.. 
نفسي نفسي من لك إذن أيها المؤمن إذ الأنبياء من هم اعلى منك من شدة هول يوم القيامة يقولون نفسي نفسي وأنت؟ 
هل عملت ليومك هذا؟ 
ام إنك ما زالت تظن ان الموت بعيدًا عنك وهو والله قريب لا تدرِ متى يحضر. 

أدمعت أعيُن خديجة بدمعتين وجلتين بقا لثوانٍ يترقرقتان حتى إذ أغمضت عينيها هوتا برهبة، جسدها كله انتفض فجأة مرتعشًا وهي تحاول تأمل يوم القيامة، ما همت بالحديث حتى خرج صوتها مختنقًا بالبكاء فلاذت بالصمت لبعض الوقت قبل أن تكفكف دموعها وتستكمل حديثها بنبرة شبه باكية،خاشعة : 
- ونبدأ بمراحل يوم القيامة وهو البعث من القبور وهنا نحتاج وقفة للتأمل، والتفكر هل تتصور بعد موتك ودفنك وتبعث فجأة عظامك البالية تتجدد ويكسوها اللحم والجلد كانك لم تمت، عاريًا انت وسط الملأ .. تخيل تُبعث مفزوعًا عاريًا حافيًا
والفزع الأكبر هو ما يصيب العباد عندما يبعثون من قبورهم. 
صمتت لبرهةٍ من الزمن واسترسلت قائلة : 
- وقبل أن نسترسل في مراحل يوم القيامة، فوجب عليّ أن اخبركم أن النفخات ثلاث النفخة الأولى نفخة الصعق، والنفخة الثانية هي نفخة البعث التي يقوم فيها الناس لرب العالمين وقال تعالى [وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68]،
وقال تعالى في كتابه الكريم [ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {المجادلة:6}،] 
وبين هاتين النفختين مدة زمنية، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين أربعون، وقد سئل أبو هريرة عن معنى الأربعين فأبى أن يحدد هل هي أربعون سنة، أو أربعون شهرا، أو أربعون يوما.
ومال النووي والبغوي والطبري والقرطبي والشوكاني والألوسي وابن الجوزي إلى أن ما بينهما أربعون سنة.
وذهب بعض أهل العلم إلى إن النفخات ثلاث: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث.
وفي لوامع الأنوار للسفاريني الحنبلي : ونفخة الفزع هي التي يتغير بها هذا العالم، ويفسد نظامه، وهي المشار إليها في قوله تعالى: {وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق} أي: من رجوع ومرد، .. فيسير الله الجبال، فتمر مر السحاب فتكون سرابًا، وترتج الأرض بأهلها رجًّا فتكون كالسفينة الموقرة في البحر تضربها الأمواج، فتميل الأرض بالناس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار فتتلقاها الملائكة، فتضرب وجوهها فترجع، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضًا، وهو الذي يقول الله تعالى: {يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم} [غافر: 32 - 33] فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض، فانصدعت من قطر إلى قطر، فرأوا أمرًا عظيمًا ثم نظروا إلى السماء، فإذا هي كالمهل، ثم انشقت، فانتثرت نجومها، وانخسفت شمسها وقمرها، وهو عذاب يبعثه الله على شرار خلقه، فيمكثون في ذلك ما شاء الله .. ثم تأتي النفخة الثانية: نفخة الصعق، وفيها هلاك كل شيء إلا من شاء الله ـ وهم: حملة العرش، وجبريل، وميكائيل، وإسرافيل ـ .. فإذا ماتوا جميعًا ولم يبق إلا الله الواحد القهار طوى السماء والأرض كطي السجل للكتب، وقال: أنا الجبار، {لمن الملك اليوم} [غافر: 16] " ثلاث مرات، فلم يجبه أحد، ثم يقول لنفسه: {لله الواحد القهار} [غافر: 16] ويبدل الأرض غير الأرض والسموات، فيبسطها، ويسطحها، ويمدها مد الأديم، لا ترى فيها عوجًا، ولا أمتا ... ثم تأتي النفخة الثالثة، وهي : نفخة البعث والنشور، كما قال تعالى {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر: 68] ثم يحشر الخلائق جميعًا إلى الموقف العظيم (والله وأعلم) 

وقد جاء في الصحيحين، وغيرهما، من حديث ابن عباس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا أيها الناس؛ إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة، عراة، غرلا، ثم قال: كما بدأنا أول خلق نعيده. 
وقد ثبت إن الناس يتعارفون إلى بعضهم فقد قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ {يونس:45}. 

صمتت خديجة لوهلة وتابعت : 
-تخيلُ يا إبن آدم إنك يوم البعث ستُبعث عريانًا، حافيًا وتحشر إلى الله وهذا يوم والله عظيم مهيب إذ تنطق جوارحك وتستلم صحيفة أعمالك ألا تفوق؟ ألا تلقي رداء الدنيا عن ظهرك قبل ان تلفظك هي؟ ألا تستيقظ من غفلتك فتلحق ما فاتك من عبادة وصلاح وعمل للآخرة ولبيتك في الجنة، أنتَ لن تحصل على الجنة هكذا فالطريق إليها واعَر وشاق والسائر فيه بحاجة لمشكاة تضيء طريقه وسراجًا ينبعث من قلبه إلى القرآن ليكون ربيعه وجلاء همه وسكنًا لروحه، تحتاجُ إلى الصلاة كي تعينك وتغسل اوساخ قلبك، وتمحى ذنوبك، إياك أن تضيع قرآنك فتضيع عن حياتك ويتلف قلبك ويسود من الذنوب، إياك أن تهجر القرآن فيهجرك ويهجر روحك فتتوه وتتخبط في الطرقات فتفقد نفسك، نحنُ لا نعلم متى ستقوم الساعة فعلمها عند الله وحده، لكن بيدنا أن نصنع لمثل هذا اليوم أن ننجي انفسنا منه، أن نتدارك انفسنا قبل الضياع وقبل الموت، تدارك نفسك يا إبن آدم فما تدرِ متى الأجل لعله كان قريب منك، عسى أن لا يوجد وقت للتوبة ويعاجلك الموت قبل ذلك احذر الدنيا أيها المؤمن ولا تؤثرها على الآخرة فما فيها اطمئنان ولا رضا إننا في اختبار ونذهب لبيتنا الحقيقي تحت الثرى حذاري من الدنيا يا صاح، اليوم نقف إلى هذا الحد، وسأطلب منكم التأمل.. 
هل تستحق الدنيا غفلتك؟ 
هل تستحق الدنيا أن تتمسك فيها، تنغمس في ملاذاتها الزائلة؟ 
ونعيم الجنة دائم لو تعلمون! 
هيا قوم ونهض واستفيق من غفلتك قبل فوات الأوان. 
ونستكمل مراحل يوم القيامة بإذن الله في الدرس المقبل. 
أنهت خديجة وانهالت عليها الاسئلة من كل حدبٍ وصوب حتى غادرت المكان مبتغية المستشفى بعد ان ودعت الفتيات، موافقتها على أراس تمت وقد اتفقوا على ان كتب الكتاب سيكون مع اروى وحمزة في يومٍ واحد وستسافر معه. 

  🥀لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 🥀

كانت ليلة شديدة البرودة مُمطرة، وغيثها كان أملًا لقلب خديجة التي تقيمُ الليل، وفي الشقة الأخرى كانت أروى ترتل القرآن ترتيلًا، ولمياءُ تُسبح، وملك تستغفر، قرع جامد على الباب رافق صوت الرعد فرجف أجساد الفتيات، وأيقظ النائمون حثت خديجة الخطى إلى غرفة والديها في فزع تطرق الباب مع صياحها : 
- بابا، بابا الباب بيخيط والجرس بيرن تعالى شوف مين. 
فتح عمرو الباب ليطالعها بحيرة متمتمًا : 
- مين هيجي دلوقتي في نص الليل. 
ضربة ورد صدرها مع هتافها الملتاع : 
- خالد إبني، ليكون حصل لأخوكِ حاجة يا خديجة؟ 
وتزامن قولها ركضها للأسفل ومن خلفها عمرو وخديجة ليتفاجؤ باستيقاظ كل من بالمنزل. 
فتح مالك الباب وقد كان الأسرع ليدركه فهاله منظر جان أنامه مشعثًا والمياة تتساقط من ملابسه كأنه خرج من أسفل صنبور المياة توًا، وقف أمامه متخشبًا ومن خلفه الجميع بينما ردد جان وعيناه تطوف على وجوه الجميع في لهفة، وشوق : 
- أُمي أريد أُمي، أمي عائشة أنا .. أنا إبنها. 
لو الأعيُن تخرج من محجرها لكانت خرجت كل الأعيُن الجاحظة عليه من وقع الصدمة الغير متوقعة، خيم الصمت كان على رؤوس الجميع الطير فبادرت دارين تقول في لهفة وهي تركض إلى جان : 
- آجار ما الذي تفعله هُنا. 
بأعيُن زائغة رمقها جان بإرتجاف وقال: 
- جان أنا جان. 
دمعتين لمعتا في عينيه مع همسه الخافت : 
- أين أُمي عائشة. 
عيناها تلقائيًا توقفت على لمياء الذاهلة ثُم انصرفتا إلى دارين المحدقة فيه وردد : 
- دارين أنتِ دارين أختي أوَليس كذلك. 
تقهقرت دارين للخلف تقف وراء معاذ وهي تقول ببهت : 
- اخت مين انا مش اخت حد اخواتي ماتوا .. صح يا تيتا، بيقول إيه المجنون ده؟ 
انفجرت في البكاء وهي تخاطب لمار، ورغم عدم فهم جان لما قالت فقد حادت عيناه إلى لمار وهو يسعل ليحدجها بنظرة أنتقامية متألمة. 
استشعر خطوات تقترب منه ليلتفت إلى سجى التي راحت تلامس وجهه مع همسها : 
- أنت مين؟ 
هُنا وسالت عينا جان بحنين مع همسه بصدق : 
- أريدُ ان ارى أمي أين أمي عائشة؟ 
وعلا صوته قائلًا : 
- أنا، أنا إبنها. 

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-