رواية فتاة العمليات الخاصة الجزء الثالث 3 جحر الشيطان الفصل الرابع عشر 14 بقلم ندي ممدوح
الفصل الرابع عشر
جحر الشيطان ( ما زال للعشق بقية)
« ذو الهيئة السوداء»
دار رأسه مصدومًا إلى جسد والده وهو يذدرد لعابه في مرار كـ الحنظل، استمع لصوت فتاة في الأسفل تُسئل عنه يليها وقع اقدامها على الدرج .. كانت ( أروى ) التي وقفت مكانها تتطلع له في دهشة .. إلى وقوفه الغريب، و وجهه الشاحب وعيناه الغائرتين، تساءلت في إرتباك وهي تنظر له في اهتمام :
- أراس أأنت بخير .. هل حصل شيء؟
لم تتلق ردًا، فتابعت في إرتباك أشد وحرج :
- لقد أتيت لأخبرك أن .. أن حمزة لا يعلم عنك شيء و... يا إلهي ما هذا ؟؟
صرخت في زعر وهي تبصر جسد مُلقى أرضًا والدماء تسيل من جسده على إثر عدت طلقات نارية، أرتقت باقي الدرجات متجاوزة أراس دون ان تعيره اي اهتمام، ومالت على جسد السيد جومالي تتحسس نبضه قبل ان تصرخ في أراس الذي تطلع لها ممتقع الوجه، لم يتحرك قيد انملة ينظر لها في ترجي لـ تخبره ان والده بخير، فصرخت فيه عن ضرورة نقله للمشفى حالًا، كان نجيب قد وصل إليها وحمل جومالي تتبعه اروى التي صرخت في وجه اراس قبل ان تهزه صائحة :
- والدك سيكون بخير يا اراس فوق يا هذا.
تنبه اخيرًا لها وهبط الدرج مهرولًا وهي خلفه، كانت لمار في طريقها إليهم حين أبصرت ما يجري فـ اسرعت معهم إلى السيارة توجه نجيب للطريق إلى المشفى.
أسرعن الممرضات بنقل جومالي وتم فحصه سريعًا من قِبل الطبيب قبل أن يؤمر بنقله إلى غرفة العمليات حالًا
جلس أراس والقلق والخوف من فقدان والده يأكل شغاف قلبه، خفق قلبه خفقانًا عظيمًا وجِلًا، و وابل من الأفكار عصفت به فتلقائيًا حاد ببصره نحو ( لمار) الواقفة بجانب حفيدتها في صمت..
هل ( لمار) هي من قتلت والده ؟
حين خرج من المنزل لم يكن أبيه موجودًا فما الذي جعله يعود.؟
هل لحق مقابلة لمار بهذه الدقائق المعدودة.؟
وما الذي حدث دفع لمار لـ قتل أبيه؟
شعر باحتياجه الشديد لصب جام غضبه في شيء فقفز واقفًا وراح يلكم الحائط هائجًا مزمجرًا، لولا ( نجيب) الذي احاط بجدعه ليبعده لكان حطم أنامله في الحال.
في خلال ثوانٍ كان يدفع ( نجيب) بقسوة من خلفة، وينطلق إلى ( لمار) مأشرًا بسبابته في وجهها .. ويصيح بوجهًا مسود :
- لمـــــــــــاذا لماذا قتلتيه ما الذي فعله لكِ ؟ ما الذي اخبرك به دفعك لقتله؟ لماذا يا لمــــــــــار.....
بُتر كلماته ما أن ظهرت ( خديجة) حائلًا بينه وبين ( لمار) هادرة في وجهه :
- لماذا تصرخ يا هذا ؟ ومن قتل من؟ هل تدرك ما تتفوه به .. ان كانت قتلته فلماذا ستنقذه؟
كان ينظر إليها في تشتت وانفاسه متلاحقة، أنزل كفه ما ان تنبه أنه يرفع سبابته بوجه ( خديجة) وبدا عليه الأقتناع .
أستدار دون أن ينبس وذرع الرواق جيئة وذهابًا بذهن يكاد ينفجر.
وقف ساكنًا حين قالت ( لمار) وهي ساهمة :
- ذهبت للمطعم المتفق ان نلتقي فيه ولم أجده فقررت ان انتظره على مضض لكن وصلت ليّ رسالة أن تم هجموم على المنزل وتذكرت أن الرجال جميعهم بالخارج وهم فقط في البيت فخرجتُ في هلع حتى وصلت والباقي أنت تعلمه.
حدجها بنظرة حادة قبل أن يُصرح قائلًا في حيرة :
- قبل الهجموم بدقائق خرج أبي بالتحديد قبل خروجك بثوانٍ بسيطة اي انه من المفترض أن يصل قبلك فما الذي حصل؟
لم يتلق إجابة مباشرة لدقائق قبل ان تقول لمار بعد ما تجليّ على ملامحها التفكير العميق :
- ثمة تحليل واحد لِمَ جرى .. هناك شخص لم يريد ان نتقابل فخطط للهجموم على المنزل وإرسال رسالة ليّ لأتوجه مباشرةً عائدة، وقتل والدك ليظهر إني السبب.
أمعنت النظر في وجهه قبل أن تقول :
- ثمة شخص يعلم ماهية الأسرار التي اراد والدك البوح ليّ بها ولم يريدني ان اعلمها!
نهضت وأقبلت نحوه، وقالت :
- ما الذي اراد والدك ان يخبرني به؟
إذادت دقات قلب ( أراس) وهو يهمس في ضياع :
- لم يخبرني باي شيء متعللًا انك اول من يعرف وأنه ذنب أراد أن يتوب عنه.
سألته ( لمار) تلقائيًا وقد لمعت عيناها بغتة :
- بخصوص زين ؟!
- من زين؟
- يبدوا انك لا تدري شيء.
عقد ( اراس) ذرعاه وهو يقول ساخرًا :
- بالطبع لا ادري من انا لأعلم... من زين هذا؟
علا رنين هاتفة مقاطعًا حديثهم، فـ رد وهو يبتعد ولم يلبث ان عاد بوجه لا يفسر كأنه فقد روحه وتخطاهم نحو ( نجيب) الذي رنا إليه يسئله في قلق :
- هل حدث شيء اخر.
لم يجب اراس ولم تتلاش نظرة الصدمة من مقلتية، فسئل نجيب مترقبًا :
- هل حدث شيء لـ هنا؟
صمت هُنية وسئل مجددًا :
- آجار؟
تجمعت الدموع بحدقتا ( اراس) فصاح ( نجيب) فزعًا:
- ما الذي حصل له؟ هل هو بخير؟ ماذا حدث تحدث، قُل شيئًا!
أنهار ( اراس) على اقرب مقعد وراح يقص له ما عرفه توًا
بينما نظرات الثلاثي تتابعهم في فضول، قبل ان تتلقى ( لمار) أتصال قلب ملامحها وهي تصيح :
- بتقولي إيه؟ دارين مالها..... طيب طيب تعالي ... اهدي يا حبيبتي خير انا هروح اتابع بنفسي.
ما همت بإغلاق الرد حتى انهالت عليها اسئلت البنتين في قلق، قبل ان يسئل اراس وهو يقف :
- هل احد يقرب لكم كان في الطائرة التي لا اثر لها؟
اومات ( لمار) في تيهة قبل ان تهمس بقلب متهاوي :
- دارين .. حفيدتي.
شهقا الفتاتين في صدمة وهم يكمما شفتاهما بعدم تصديق....
🌹 اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك 🌹
دارين»
كان الأمر كـ انسحاب الروح من الجسد حين تهاوت الطائرة للأسفل كأن ثمة مغناطيس يسحبها لعمق المحيط .. لم أشعر بأي شيء بعد ما دوى الصراخ حولي يكاد يصم أذني ، قبل أن أفتح عيناي في ثقل وأنا أسعل لأتذوق طعم لاذع في فمي فـ أنتفضت لأرفع رأسي لأجد نفسي على الشاطئ ساقطه على بطني و وجهي وملابسي مدرجين تمامًا بالرمال، وبدا ليّ إن امواج البحر العاتية هي من قذفت بيّ لشاطيئها، وثبت واقفة انظر حولي لأجد المكان خالي تمامًا من الحياة إلا من الأشجار التي بدت اوراقها مخيفة، واغصانها كـ اشباح ليلٌ مستتر، أنساب الخوف في عروقي، وخفق قلبي.. الآن فقط احسست بالجائحة التي أصابتني، وكيف السبيل للعودة الآن؟ لقد ضاقت بيّ السبل في هذا المكان الساكن، الهادئ هدوء القبور.
داهمني البرد بغتة فضممت جسدي بذراعي وقررت ان اسير ربما اجد ذورقًا للنجاة ، لا بد ان اجد أحد يرشدني للخروج.
تقدمت كمن أصيب بالشلل أقدم قدم وأأخر الأخرة .. وسرت متوغلة بين الأشجار وانا اتلفت حولي ودموعي تسيل على وجنتاي في خوف جم، هبت رياحٌ عاتية فجأة هزت غصون الأشجار لأجفل صارخة في ارتعاب قبل ان يعلا صوت نحيبي وانا اتابع السير منتفضة، تارة انظر للشمس الموشكة على المغيب، وتارة أنظر امامي خشيت ان يظهر ليّ أي حيوان ويلتهمني..
ورن في خلدي خاطر مخيف .. ماذا سأفعل ان حل الليل ؟
كيف اسير في الظلام بمفردي وانا في هذا المكان؟
أقسم إني سأموت رعبًا لن أتحمل.
بدأت قدماي في الركض، لكن الطريق لا ينتهي وانا لا ادري إلى أين سيأخذني المطاف، وهل هو الدرب الصحيح ام لا. وماذا سأوجه.
رويدًا رويدًا بدأ الليل يسدل رداءه الحالك والقاه على قلبي تمامًا الذي أحسست أنه توقف عن النبض لوهلة و وقفت ساكنة قبل ان أبكي مجددًا بنحيب ونشيج يمزق فؤادي والرعب يُسرى في اوصالي .. كان الظلام قد خيم على المكان، أكاد لا ابصر يداي ولا قدماي، وكأن أحد ألقى بيّ في مقبرة توًا، فجثوت على الأرض واخذت أتلمس ايّ جزع نخلة أحتمي به، اسندت ظهري إليه وتكورت على ذاتي في هيئة تصيب الناظر بالشفقة، كان جسدي ينتفض ويرتجف مع كل نسمةً هواء تحرك اوراق الشجر الذي بدا كـ الأشباح...
فـدفنت رأسي في قداماي أبكي كمن استسلم لمصيرة، أنا هالكة لا محالة...
لا أعرف كم مضى وانا بتلك الحالة ، حتى أحسستُ بحركة مفاجأة تحوم حولي، وما ان رفعت رأسي في حدة ممسكة عن بكاءي مر طيف سريع امام نظري فـ اجفلتُ واقفة اكففف دمعي وانا اذدرد ريقي في رهبة، اضطرب قلبي مع صوت غريب مخيف صدح فجأة قرب أذني فبتُ اتلفت حولي قبل ان اركض بكل ما اوتيت من قوة صارخة استغيث باي احد لكن صدى صوتي كان يتردد فما يصيبني إلا خوفًا....
بدأ ركضي يضعف .. ويضعف وصرتُ منكهة للغاية أكاد لا أتنفس من الوهن الذي استعر بيّ، لكني كنت اواصل الركض أحسُ باحد يتبعني، وبينما أتلفت وراءي صُدمت بجسدٌ ما طرحني ارضًا فـ اغلقت عيناي في عنف خشية أن ارَ موتي أمامي، ولا اكادُ اتخيل ما الذي ينتظرني وددتُ الموت فقط دون ان انظر لشبح الموت المتمثل امامي، كان قلبي يخفق في عنف وأزحف للخلف وفمي يبسمل..
وصوتًا أخر تناهى ليّ يستعوذ .. مهلًا هذا الصوت سمعته قبلًا اوقن من هذا، فتحت أحدى عيناي ببطئ فرأيته الشاب الذي صُدمت به في هذا الصباح في المطار كان يستعوذ وهو مطبق الأجفان .. أنتظمت انفاسي، وهدأ روعي قليلًا ما ان ابصرته ففتح عيناه وصرنا ننظر لبعضنا البعض ذاهلين
صرخ مستهجنًا ما أن استوعب إني امامه :
- إنتِ ؟!
لم استطع ان ارد عليه فنهضت مقتربة منه وما ان رَ دموعي العالقة في اهدابي حتى لاذ بالصمت وأطراق، فقولت والدموع تنساب من عيناي بينما اشير إلى المكان الذي جئت منه :
- يوجد .. يوجد احد كان يتبعني.
اذدرد ريقه وهو ينظر ليّ في قلق، وقال كأنه يحاول طمئنت نفسه المضطربة :
- احتمال انه احد الراكبين الذين كانوا في الطائرة.
نفيت برأسي سريعًا قائلًا :
- لا هذا ليس بشر.
اتسعت حدقتيه وغمغم في خوف حذر :
- لا بد إنك تتوهمين من شدة خوفك.
كدت ان أجيبه حين دوى صوتٌ غريب مخيف كزمجره او صرخة لم ندرك كنهه فتيبست أقدامنا ونحن نلتصق في بعضنا ...
وفجأة شهقنا متراجعين ما ان ظهر امامنا جسدٌ ضخم مفرط الطول يرتدي عباءة سوداء كاحلة كـ وجهه المظلم تمامًا كأنه مسحة ظلام لولا بياض عيناه الأحمر وبؤبؤهما الأبيض لمَ كنا نعرف أين وجهه من جسده او الظلام بمعنى أصح.
تراجعنا بخطوات وائيدة وهو يمسك في كفي، قبل ان يصيح الشاب فزعًا :
- أركـــــضـــــــــــــــي! يا الله ما هذا؟ بسم الله الرحمن الرحيم.
ركضنا بكل ما اوتينا من قوة ونحن نمسك بأكفف بعضنا نعبر بين الأشجار كريشتين تتقازفهما الرياح صرنا نُبسمل بصوت عال نحن الأثنين قبل ان يهجم كف ذو الهيئة السوداء ممسكًا بيّ يرفعني من ملابسي للأعلى وهو يخنق على عنقي، بينما دموعي تسيل وانا انظر إلى عيناه المخيفة وقد عقد لساني.
تلفت الشاب حوله قبل أن يقفز نازعًا غصن نخلة وفي لمحة خاطفة كان يقفز قفزعة عالية ادهشتني غارسًا الغصن في أعين ذو الهيئة السوداء قبل ان يصرخ صرخة مجلجة تصم الآذان وهو يتقهقر للخلف قبل ان انذلق من قبضته ساقطة ارضًا زاحفة للخلف، فهرع الشاب إليّ وساندني على الوقوف وامسك بقفي وهرعنا هاربين
واثناء ركضنا بعد فترة وجيزة مر طيف غير مرائي اوقعنا أرضًا مندفعين للخلف على وجوهنا .. وإذ فجأة كان الشاب يطير بقوة خفية في الهواء رافعًا رأسه ممسكًا بعنقه كأنه يختنق واخرج لسانه وراحت قدميه تتحركان في عشوائية وأزرق لونه فوثبت واقفة وأحسست بكفين ترفعاني للأعلى فصرختُ وسبحان من الهمني ذكره في تلك اللحظة أسرعت بقراءة القرآن قبل ان ترج المكان صرخة مخيفة رجت لها قلبي رعبًا، وفجاة سقط الشاب على وجهه، في آوان ذلك أحسستُ إن جسدي يرتفع ثم طار في الهواء قبل أن يهوى أرضًا ... طرفت بعيناي قليلًا وأنا أعلق بصري بالشاب الفاقد وعيه تمامًا قبل أن يثقل جفناي ولا اشعر بشيءٌ أخر.
🥀 اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقني عذاب النار 🥀
لم يدركا كم مر عليهما وهم غائبي الوعي، تململ ( آجار) وهو يئن في ألم وكل عضلة في جسده تصرخ من شدة التعب، أطلق آهة وجع وهو يعتدل جالسًا ينظر حوله في تشتت وقد غمر ضوء الشمس المكان حوله، تنهد حامدًا الله وتعجب من ضياء الشمس كيف تبثُ الأطمئنان للقلوب وتدفئها، جال في ذهنة ( دارين) وقد نساها في لحظة إستيقاظه، هب واقفًا باحث بعينيه وهو يسير حتى وجدها راقدة على وجهها، إندفع إليها بقوة ودار جسدها فهاله وجهها الملطخ بالدماء إثر السقطة الساحقة، فمسح وجهها بكفه ليزيل عنه الأتربة وانتصب واقفًا، خلع قميصه ولفه حول جذعه قبل أن يميل واضعًا ذراع اسفل رأسها وآخر اسفل ركبتيها ورفعها بين ذراعيه، دار حول نفسه في تيهة خائفًا من ان يقطع الطريق الخاطئ، أطبق جفناه مفكرًا للحظات، وفتحهما وقد استقر على أن يتجه إلى البحر مجددًا، وخطى متوكلًا على الله، ظل يسير لوقت لا بأس به، حتى لاح له زرقة البحر من بعيد وصدى امواجه المتلاطمة فحث الخطى نحوه، تركها جانبًا وأسرع يملأ كفيه بالماء ليمسح وجهها يزيل الدماء العالقة فيه، وأخذ يلطم على وجنتها حتى تململت وهي تفتح جفناها قبل ان تنشقع الغشاوة عنهما لتبصره فـ أنتفضت جالسة تتلفت حولها في رعب، فهدأها قائلًا :
- لا تخافي نحن على الشاطئ.
تطلعت فيه للحظات تستشف صدق عبارته كأنها لا تصدق عينيها الناظرة للبحر أمامها ، وقالت متلعثمة :
- ما الذي حصل .. هل ما حدث حقيقي ام كابوس.. هل ما زلنا على قيد الحياة
أشفق عليها فـ ابتسم ماسحًا على خصلاتها بحنو قائلًا :
- مجرد كابوس وانتهى يا صغيرة.
ثُم اردف في تهكم :
- اظن اننا موتى!؟ هل عقلك ما زال موجود ام فقدتيه أننا بخير لم يحصل لنا شيء
نظرت له شزرًا قبل ان تدفع كفه صائحة بأنفعال :
- من الصغيرة يا هذا .. أنت تقصدني ؟ انا صغيرة أأنت أعمى ام ماذا! يقول صغيرة سيصيبني بالجنون.
قالت أخر جملتها محدثة نفسها بصورة مضحكة، استفزته كلماتها فـ لوى جانب فمه مغمغمًا بسخط :
- فيمَ تفكرين يا بنت، أنظري اين نحن وفكري فيمَ قد يحصل لنا، وانظري إلى نفسك على ما تعترضين بالفعل أنتِ معتوهة. انا مخطئ اني حملتك حتى جئت بكِ إلى هُنا.
قالها وقد نهض مهتاجًا يضع كلا كفيه في جذعه يتنفس في سرعة، فرمقها برفع حاجب حين ترقرقت الدموع في مقلتيها، وقالت بنبرة متهدجه مختنقة بالبكاء :
- هل ساعود لأهلي مجددًا ؟ ايمكنني رؤيتهم مرة أخرى ؟
يا ترى كيف حال والدتي الآن؟
رفعت بصرها إليه، وقالت والدموع تنساب على وجنتيها :
- أقسم بأن أمي قد جُنت او قد غادرتها روحها مع خبر فقدي، أظنها تظن أني ميتة الآن.
غطت وجهها بكفيها وعلا نحيبها وشهقاتها وهي تتابع :
- أخشى ان نموت هنا ولا نعود، نحن لن ننجو.
رق قلبه لها، كلماتها ضربت في أذنه كـ السوط تنهد في عمق، وقال :
- سننجو وسنخرج من هنا انا على يقين من ذلك، لن يخيب من قال يا رب.
- يا رررب، الآن ما خطوتنا التالية، إذ لم ننج من هذا المكان وتقتلنا اشباحه سنموت جوعا لا محال.
نظر لها في تهجم، معها حق فيمَ قالت لكن لا ضرر من المحاولة إذ كان الموت يحوطهم هكذا عاجلًا ام آجلًا.
قفز فجأة متسلقًا الأشجار يخلع اغصانها قبل أن يقفز مجددًا ويسنن مقدمتها، فساءلته مندهشة :
- ماذا تفعل ؟
- اصنع ما يمكن أن يحمينا في سيرنا يا فتاة.
ابتسمت في تهكم وقالت مستنكرة :
- أنت أبله وهل هذه ستحمينا.
لم يعيرها اهتمامه وصب كل تركيزه على ما يفعل، حتى انتهى فتقدم منها وناولها واحدة وهو يقول في جدية :
- أن حدث شيء وتفرفنا، وظهر أمامك أي وحش فقط اغرزي هذه في عينيه ليفقد البصر واهربي.
تساءلت في جزع :
- وهل سنفترق؟
هز كتفيه وقال :
- لا ندري ما الذي يخبئه لنا هذا المكان، كل شيء وارد.
أشار لها لتسير خلفه وفي هذه المرة اختاروا طريق آخر طال بهم المسير، في تلك الأثناء استرحا قليلًا منهكِ القوة، يكادا يموتان جوعًا، كان يسترحا ليستردا انفاسهم ويتابعا السير، وما زال على حالهما حتى لاح من بعيد صحراء جافة ذات أرض صلدة، فتلفت آجار حوله مذهولًا وقد تنبه غياب الأشجار، لاحظ تشبث دارين به فسئل تلقائيًا وهو يشد على يدها يطمئنها :
- ما إسمك؟
- دارين.
وقفا ساكنين يتأملا الصحراء في دهش، فقالت دارين في احباط :
- ماذا سنفعل ، هل سنعود؟
هز آجار رأسه قائلًا :
- العودة ليست آمنة، واعتقد أننا قد نجد إحدى الجزر التي قد يساعدنا اهلها لطريق العودة.
اومات موافقة على كلامه، وخطيا معًا، لفح دارين القلق اكثر فضغطت على كف آجار الذي شدد من ضم كفها في راحته وفجأة وبينما يسيرا إنزلقت قدم آجار مصحوبًا بصرخةً دارين، قبل أن تتسع حفرة وانزلق جسده بداخلها خلفه دارين التي لم تكف عن الصراخ وهما ينزلقا على منزلق رملي في سرعة فائقة.
كانا ينزلقان بسرعة شديدة في هوة عميقة.
سقط آجار فوق رأسه منقلبًا وخلفه دارين مباشرةً اصطدما جسديهما سرعان ما تماسكا. ونظر ذاهلين للفجوة والمنزلق اللذان تلاشى ولا أثر لهم، رمشا بأجفانهم في حيرة وقلق
ونهضا فورًا ينفضَ الغبار عن ملابسهما، ودار بصرهما في الصحراء الذهبية المفترشة أمامهما، تبادلا النظر في قلة حيلة وعجز، قبل ان يكررا السير، أقشعر جسدها فبادرت بوضع كفها في راحت كفه فأبتسم يطمئنها.
🌷 اللهم اصرف عنا عذاب جهنم ان عذابها كان غراما 🌷
طال بهما المسير، قلبيهما امتلاء بالرجفة والأضطراب، وأرواحهما أستسلمت تسليمًا عظيمًا للموت في أيةً لحظة، وتسرب الرعب في أوردتهما، وفجأة تراقص قلبيهما فرحًا، وتهلل وجهيهما سرورٍ، والأمل بددد الخوف في أفئدتهما، قرب آجار ساعة معصمه دون تصديق وهو يهتف بـ لهفة ونظره معلق على دارين التي صاحت صيحة فرح وهي تتطالعه في ترقب :
- أراس يا هذا أنت تسمعني أم أني اهزي فقط.
- أيها الوغد قُلت لك ألا تسافر لماذا تصر على موتي بسكتة قلبية، اقسم لك أني كدت افقد روحي ما ان سمعت بخبر الطائرة...
وصاح منفعلًا صيحة أرجفت دارين :
- أيـــــــــــــــــــن انت يا هذا اقسم بأني سابرحك ضربًا ما أن أراك....
قاطعه ( آجار) قائلًا وعيناه تجوب الصحراء الممتدة أمامه :
- أهدأء يا هذا أظن إني سأموت حقًا، انا لا ادري اين انا كم إني معي بنت.
سئل ( أراس) في ترقب:
- من ، هل تعرف دارين زين القاضي.. هل كانت معك على متن الطائرة
هُنا صاحت ( دارين) في لهفة :
- انا.. انا هي، من انت، تعرفني؟
وأستطردت في نبرة على وشك البكاء :
-لو سمحت اخبر جدتي لمار الشرقاوي أنني على قيد الحياة أخبرها ان تنقذني في اسرع ما يمكن.
ربت ( آجار) على كتفها، بينما قال ( اراس) بنبرة هادئة :
- لا تقلقي يا بنت معك آجار أكبر زعيم مافيا لا يهاب من اي شي وبخصوص جدتك ساخبرها برسالتك، ولا تقلقا سأرسل من يبحث عنكم حتى تعودا.
كان يتابع حديثه بينما ارتجفت ( دارين) وهي متسعت العينين في ( آجار) وكلمة واحدة تضرب في اذنيها ( زعيم مافيا) هل هكذا ستطمئن حقًا وهي مع رجل مافيا؟
يقتل يسرق يتلذذ بقتل ضحاياه كيفما يشاء لا بد أنه معتوه هذا الاخر.
إذدرد ( آجار) لعابه وهو يبتسم لها في بلاهة، وقال :
- اراس يا هذا ما بك تقولها بفخر يا رجل.
رنتين حادتين أعلنتا عن إغلاق الساعة في وجه أراس بعد فقدانها الشحن وهربت هي الأخيرة كأنها لا تريد إنصفهما... ولا نجاتهما.
فتبادلا النظرات المفعمة بالأحباط، وأقترب ( آجار) منها قائلًا :
- ماذا سنفعل؟ هل نتابع السير ام ننتظر هُنا؟
قالت ( دارين) وهي تمعن النظر في وجهه :
- هل حقًا انت زعيم مافيا.
اومأ برأسه في برود فتقهقرت للخلف محدقةً فيه، أُفتر ثغره ببسمة باردة وقال متهكمًا :
- لن أأكلك يا بنت انا لست من آكلي لحوم البشر ولا استغيثه.
اشمئزت ملامحها، بينما تابع :
- لا تهابيني لا أأذيكِ وخاصةً ان اراس يعرفك فـ اطمئمي، أنا لا أأذي الجنس الرقيق.
أشاح بوجهه وأتمتم ساخرًا :
- رغم إنك بعيدة كل البعد عن الجنس الرقيق.
تدلى فكها من فرط الصدمة، وقالت وهي تؤشر لنفسها بسبابتها :
- أنا ؟! انا يُقال ليّ بإني بعيدة كُل البعُد عن الجنس الرقيق.
هز رأسه في برود ولاعب حاجبه في إستفزاز، فـ اندفعت تدفعه من صدره وهي تصيح :
- إيها المجنون لا بد إنك اعمى القلب واعمى العين حتى لا ترَ كتلة الجمال هذه أمامك.
تراجع بخطواته مبتعدًا عن سيل ضرباتها، ورفع كفيه في إستسلام مُرددًا :
- حسنًا، حسنًا إيتها الفاتنة اردت فقط أستفزازك لأشعر اننا على قيد الحياة.
تخصرت وهي تنفث غصبها في زفره عميقة وزمت شفتيه مغمغمة :
- أعتدل يا سيد ولا تثير جنوني فـ انا حين أفلت اعصابي أصبح مخيفة لا يغرك تلك الرقة.
قالتها وهي تزجر وتكشف عن أنيابها مثل نمر يتربص الانقضاض على فريسته.
فضحك عليها وغشاهما السكون للحظات، قطعته ( دارين) وهي تمسك بطنها مدمدمة بأسى :
- إني جائعة .. يبدوا إننا سنموت جوعا هُنا؟
نفى بثقة يحسد عليها وهو يشير لها برأسه لتتبعه، وقال :
- كفاكِ كسل وهيا نتابع السير أما الموت أو ان نجد اي شيء يسد جوعنا، لن نستسلم وربما وجدنا بعض الركاب الذين كانوا معنا، هيا بنا.
سارت خلفه تترنح من إثر الإنهاك بينما كان يسير هو في حماس ويحثها على الإسراع.
وقفت مجددًا واستوقفته ليستدير لها في سخط، فتجاهلت سخطه وغمغمت وهي تزم شفتيها كطفلة :
-انا عاوزة اكل يا بغل أنت، أنا إيه ذنبي إنك ثور مبتحسش وجسمك يستحمل ... في رأيك الجسم السكر العسل الرقيق ده يتحمل زيك، دا أنا بذوب زي السكر في الشاي والله حرام.
بدا على ملامحه التهجم وأنه لم يفهم أي حرف مما تفوهت به، فضيق عينيه وقطب حاجباه وردد منهدهشًا :
- ماذا تقولين؟ لا افهم، أعدلي فمك وتكلمي جيدًا.
في سَورة من الغضب صاحت ( دارين) غاضبة :
- أقــــــــــــــــــــول إني جائعة اريد أن أأكل، جسدي الرقيق هذا لا يتحمل مثلك، تصرف.
رمقها بنظرة سريعة من رأسها لأخمص قدميها في إذدراء زائف وهمس :
- من تعنين بصاحبة الجسد الرقيق؟ أنتِ؟!.
ثُم صاح ليتجنب أنفعالها الغير مبرر بمثل هذا الوقت وتلك النكبة :
- إنك فاتنة يا بنت ولست جميلة.
أبتسمت وهي تنكس رأسها في حياء، فـ اتفل عن يمينه وهو يدمدم :
- سحقًا للفتيات، وسحقًا لوجودهم معنا، وهم في اصعب لحظاتهم ومصائبهم يهتمون بانفسهم وبمن يلقي على مسامعهم كلمات غزل، ويصبحون وحوش ان قلل أحدهم بجمالهم .. أوغاد.
- ماذا تقُل .. هل قُلت شيئًا؟
تنبه فورًا وهز رأسه في عنف :
- لا لا لا ماذا قد أقول أنا فقط....
بُتر كلماته صهيل أحصنه وأزيز حوافرها يصدر صوتًا يرج الأرض رجًا من اسفلها، بينما عاصفة من الغبار والضباب كانت تعبئ المكان فجأة ، فدنت منه ( دارين) هامسة بأنبهار :
- ما هذا؟
ثُم انفجرت اساريرها وقالت وهي تقفز :
- الحمد لله يا رب في ناس، في حد هينقذنا هييييه.
صمتا وارتكزت أبصارهما نحو الأحصنة التي راحت تتقدم في سرعة نحوهما، مرت الثوان محملة بكل مشاعر الخوف والترقب .. منتظرا عما سيسفر هذا المشهد المهيب .. وفجأة اتسعت أعينهما وفغرت أفواههما وهما يُمعنا النظر بالرجال ذو الهيئة الغريبة وقلنسوات أغرب، واندفعت الأحصنة تدور حولهم وهم يدوروا حول نفسهم كما تدور وبغتهما صوت مهيب يهتف :
- من أنتما.؟
لم يردا من فرط زهولهما، اصتفت الأحصنة جوار بعضهما، قبل أن يتجلى أحدهم ويقترب منهما متأملًا إياهما بفترة، وقال :
- من أين أنتم ؟
هتف صوت احد الرجال من خلفه :
- يبدوا إنهما غريبان يا سيدي وخطرين!
تبادلت ( دارين) النظر دهشة مع ( آجار) قبل ان يعلقا بصرهما في الواقف امامهما يروح ويجئ عاقدًا كفاه خلف ظهره متفكرًا، وعلى غرة وقف وإلتفت إليهما لتصيح ( دارين) فجأة :
- الأميرة ميليا ... مين دي؟ وإيه الأسم الغريب ده. ما كانوا سموها ملايين أحسن.
صاحت صيحة دهشة حين أسرع الرجل بوضع كفه موضع قلبه والأخر ظل خلف ظهره وإنحني برأسه قائلًا بوقار :
- مولاتي، أين هي ؟
ترقع بانامله وفوجئ ( آجار) بالرجال تندفع خلفه ليجبرُه على الركوع أرضًا فلكم احدهم من فرط عصبيته فـ إنهالوا عليه ضربًا بأقدامهم، في حين كانت ( دارين) تتأمل الرجل في انبهار مغمغمة في أبتهاج :
- أميرة.؟ من هي الأميرة أيها الوسيم ؟
صاح ( آجار) مستغيثًا :
- ايتها الساذجة أنا سأموت أنقذيني، افعلي شيءٌ.
شوحت بكفها دون النظر إليه، وتابعت تحديقها في القابع امامها في إجلال :
- من هي الأميرة ؟
رد الرجل في هدوء وهيبة :
- كيف من هي ؟ اين الأميرة ؟ نحن لم نكف عن البحث عنها!؟
انتفضت فجأة تخبره ان يأمر الرجال بترك آجار، فتركوه فورًا، وظل يسبها وهي غير مبالية به البتًا.....
بينما قال الرجل الذي امامها في نبرة حادة وقورة :
- يجب أن تري الأمير حالًا!
- أمير !!!!
رددتها ( دارين) مبهوتةٌ قبل أن يجرو ( آجار) عنوة ويسحبها الشاب في رفق...
🌺 اللهم إني اسالك الجنة واستجيرك من النار 🌺
لم يهدأ لهم بال بالبحث عن ( دارين) حتى أن ( لمار) أستغلت مكانتها في إرسال طائرة للبحث عنها وعن المفقودين، ألهبت الصدمة قلوبهم وخاصةً قلب ( سجى) التي تعتبرها ابنتها التي لم تلدها، فهي التي اهتمت بها منذُ الصغر، كان جو البيت مشحون بالكآبة...
طرق ( أراس) على باب حجرة مكتب ( خديجة) في المستشفى و وقف في إنتظار أن تدعوه للدخول الذي لم يطل وجاءه صوتها المحبب ياذن له ففتح الباب وطل منه، لتنظر إليه في وجل وهي تترك الملفات من يدها، تنحنح من سطوة تأثيرها الطاغي عليه وتقدم تاركًا الباب خلفه مفتوحًا وجلس أمامها دون ان تأذن له بذلك.
غشاهما السكون لدقائق، كانت خلالهما تنقر بالقلم على المكتب في توتر، قال وهو ينظر لها فجأة :
- دارين قريبتك بخير!
لم تستطع كبح لهفتها وهي تنظر له منتفضة :
- جد ؟ كيف عرفت ؟ من اخبرك.
إذدرد لعابه متنهدًا من لهفة نظرتها الخاطفة إلى عيناه وغمغم :
- هي بخير، مع آجار، وقد حادثتها.
هتفت ( خديجة) بحنق وقد خالجها شعور أنه يكذب :
- حقًا ؟ وكيف حادثتها اخبرني!
نظر لها شزرًا وقال وهو يجز على اسنانه :
- لا تتلفي اعصابي يا خديجة بسخريتك.
وهدأت نبرة صوته مستطردًا :
- اردت فقط ان اطمئنك لتطمئني أهلها أنها بخير وطالما آجار برفقتها فهي ستعود سالمة.
سالته خديجة وهي تصرف كل جوارحها بعيدًا عنه :
- اود ان اعرف كيف علمت بذلك، وهل يمكنك التواصل معهم، هل تعرف مكانهم.
قال ( اراس) وهو ينظر لساعة مرفقه المستند إلى المكتب :
- لدي انا وآجار وهنا ساعة قادرة على بث اصواتنا لبعضنا في اي مكان كان.
رفعت ( خديجة) حاجبيها وقالت في إستنكار :
- هذا عجيب؟ وهل الساعة تعمل بعد سقوطهم!
نهض ( أراس) في إشارة لغلق النقاش ويقول :
- الساعة من صنع آجار، وهأنذا أخبارك دارين بخير وستعود حتمًا أنا اعمل ما بوسعي لأصل لمكانهما.
هم ان يغادر لكنها استوقفته منادية بأسمه، وهتفت وهي تقوم :
- هل يمكنني ان أحادثها ؟
قال دون أن يلتفت :
- يؤسفني أن بطرية ساعته قد انتهت.
قالها وتقدم حتى ما أن وصل إلى الباب قال :
- سأأخذ أبي ما ان تستقر حالته وأسفره لأطمئن وحينها سأفضي للحديث معك فــ حان الوقت...
انصرف فور جملته، تاركًا أياها تنظر لاثره مبهوته تتوجس خوفًا، وقد فُطنت ان كلامه الغامض مغلف بقرارت تبغضها ، ماذا يريده منها ؟ وما سيفعله؟
زفرت في إستسلام للقادم وعادت جالسه خلف مكتبها تتذكر صياحها وهي في عمر الثانوية في ياسين ومشاكستهما امام الباب التي انتهت بنزولها الدرج قائلة بتذمر مرِح :
- ظباط ، العيلة كلها ظباط ومفيش ولا ظابط بص في خلقتنا ولا عريس نط في وشنا..
ثم تابعت في هيام :
- ولا مجرم خطفني و وقعنا في غرام بعض وعشنا جو من الأكشن والمغامرات ، يااااه عيلة فقر.
اجترت بعض الزكريات الأليمة وفاقت منها ببسمة اليمة هامسة في نفسها :
- يبدوا أن كلامي التافه اللي مكنش له معنى هيتحقق.
وتابعت في ثقة وكره :
- بس انا مستحيل احب مجرم، مستحيل قلبي يدق لـ اراس مهما كان ..
أنتشلها من دوامة نكبتها طرقات على الباب، فرفعت عينيها تأذن للطارقة ببسمة مرحبة وهي تتقدم نحوها وعانقتها وهي تدعوها للجلوس، كانت والدة لأحدى الحالات لديها، جلست تفرك كفيها في توتر، فحثتها خديجة ببشاشة :
- ليه التوتر يا ام يمنى قولي على طول إحنا أخوات.
بشاشة ( خديجة) جعلت المراة تهش وتبش وابتسمت وهي تردف لها وإمارات القلق على وجهها :
- فكرة كتير قبل ما أقرر اجيلك، والصراحة انا مترددة لأن الموضوع مش بخصوص يمنى ولا حتى علاجها دا موضوع شخصي ومش هلاقي افضل منك ينصحني فيه؟
انصتت خديجة إليها كليًا ومالت بجذعها في اهتمام، لتذدرد المرأة ريقها وتابعت في حذر يشوبة التوتر :
- معايا اخت يمنى الكبيرة، والدها جَب لها تلفون وعملها صفحة على الفيسبوك بغرض أنها تنشغل عشان متصابش بحالة نفسية بعد بُعد اختها وحجزها في المستشفى، فـ لاحظت امبارح بالصدفة لما رجعت اجيب هدوم انها بتكلم شباب.
سكتت المراة تستشف رد فعل خديجة التي بدت هادئة للغاية ومترقبة لتتمة الحديث مما شجعها لتتابع :
- لحظة عليها كمان أنها ليل نهار قاعدة عليه، حتى على الاكل بتأكل وهو في ايدها تنام على نفسها وهي ماسكة، مبتسبهوش غير على الصلاة اللي بقيت تقروتها وتصلي في سرعة وتقعد تمسكة.
صمتت برهة وقالت في رجاء :
- حاسة أن بنتي بضيع مني! اعمل إيه؟
ردت ( خديجة) في حكمة وهي تضم ذراعيها وتتراجع لظهر المقعد :
- الحكاية كلها عاملة زي إننا بنرمي الطفل في النهر ونقول له يا اما تسبح وتعوم وتخرج يا هتغرق وبنتك غرقت ملقتش ذورق نجاة ينجيها،وتخلتوا عنها كلكم وسبتوها تغرق لوحدها من غير ما تعلموها إزاي تعوم، ودا حال التلفون عامةً والفيسبوك، طالما بندي عيالنا تلفون وخد العب واعمل ما بدالك من غير ما نوجه ونعرفه الغلط من الصح فطبيعي العيل يتوه وينغمس في حاجات جديدة عليه مش فاهمها
صمتت لهُنية وقالت موضحة اكثر :
- كان لازم حد كبير يقعد مع العيل ساعة على الأقل يعلمه اضرار الفيس بوك وخطورته، يعلمه ان زي ما فيه حلو في وحش وزي ما ليه مميزات ليه اضرار مينفعش ارمي ابني في النار وأكتف ايدي وأتفرج، كدا هيضيع ومش هو السبب الغلط الأكبر بيبقى مننا إحنا الكبار،مينفعش اعاتبه وامنعه واحرمه من التلفون واعاقبه لان قبل كل دا الغلط يكمن من الأكبر لأنهم بيحتاجوا توجيه.
بنتك مكنتش بتتكلم ولا كانت تعرف يعني ايه فيس ويعني ايه مسنجر ولا كان في حد يوجها، فبالتالي هي لقيت عالم تاني لقيت حد يكلمها ويشاركها يومها هي عارفة ان ده غلط بس بترجح انه عادي طالما والدها عملها الصفحة متعرفش أضرار دا كله عليها وتسليت الشباب احتويها وخدي مهلة كوني جنبها وصاحبيها وعرفيها الصح من الغلط، هتلاقيها بدال ما بتتكلم بتغير الدفة هتقرا كلام مفيد وهتتعلم من غلطها وتستعمله في الخير متسمحيش لبنتك تنغمس اكتر في العالم المخيف ده والحقيها.
انهت خديجة كلامها والبسمة تزين ثغرها، فشكرتها المرأة وسالتها بضع اسئلة قبل ان تنصرف، اعقبها إنصراف خديجة لتخبرهم بما قاله اراس.....
🏵 اللهم أني اعوذ بك من العين والحسد 🏵
بعد إصرار ( عائشة) التي جاءت منذُ ساعات من السفر لم تجد ( أروى) بُدًا من أن تصتحبها إلى منزل ( أراس) فبعد ما علمت من ( خديجة) ما قاله جن جنونها وثارت وترجتها لتذهب بها إليه، فقبلت قسرًا واخذتها خفية دون ان يعلم أحد...
رنت ( اروى) الجرس و وقفت في انتظار أن يفتح لها بجوارها ( عائشة) الشاحبة شحوب الموتى، لم يدم إنتظارهما طويلًا وإذ بـ ( أراس) يهل من فرجة الباب ورمقهما في دهشة لكنه سرعان ما ابتسم لـ ( أروى) مرحبًا وتنحى جانبًا وهو يشير لهما بالدخول :
- تفضلا ، تعالي يا أروى تفضلي.
دخلت أروى في توتر في اثرها عائشة، اغلق اراس الباب ودعاهم للجلوس لكن باغتته عائشة منفجرة في البكاء هاتفة بقلب منفطر :
- هل حادثت ابنتي صدقًا، هي بخير ؟ ستعود ام انها ستم....
لم تستطع أتمام عبارتها وظلت تنتحب فـ أجفل أراس وقال في حنو :
- رفقًا بقلبك يا امي أبنتك بخير ثقي في كلامي .. فلتجلسي اولًا.
ضمتها أروى واخذتها لتجلستا فغادرهما اراس وعاد سريعًا بكوبًا من الماء ناوله لـ عائشة لترتشف منه قليلًا وأعادته له فجلس على حافة الطاولة أمامها ومال بجذعه وأردف :
- أنتِ بخير الآن، احسن؟
اومأت عائشة وكانت قد هدأت نوبة نحيبها وشهقاتها وكفكفت دموعها وهي تقول :
- بخير.. دارين إبنتي هي بخير حقًا.
أدمعت عينيها وهي تتابع بصوت مبحوح :
- أنا لن استطع ان اخسر احد مجددًا، لم يعد ليّ قلب ليتحمل، ما حصل لوالدها وأخويها ما زال يوجعني امات قلبي.
ان رحلت سأفقد روحي.
أدمت كلماتها فؤاده فقال بلطف :
- لا تتحسسي ندوب قلبك يا أمي، الراحلون ليسُ موتى هم احياء في القلوب ينيرون عتمتها، دارين بخير هي مع اخي.
صمت لبرهة وغمغم :
- لا أدري ان كان معهم احد اخر، لكن ثقي ان أخي معها وسيحميها وستعود لكِ، كما انني لم يهدأ لي بال وارسلت من يبحث عنهم لن يغمض ليّ جفن قبل ان يعودا بخير، حتى لو اضطررت لقلب العالم بحثًا عنهم سأفعل لكن أنتِ طمئني قلبك ليس هناك فُقد مجددًا وستعود بحضنك قريبًا وهذا وعدٌ مني.
- سأثق بك فلا تخيب ظني يا بُني.
- ثقي بأني سأعيدها إليكِ يا أمي.
شكرته أروى وعائشة ورحلتا وقد انقلب حال عائشة وتبددد حزنها وقلقها لأمل الآن تعلم ان أبنتها على قيد الحياة..
وليست بمفردها وهذا يكفي.
ستتضرع إلى الله ليل ونهار حتى تعود، سيعيدها الله إليها هو اعلم بحال قلبها المكلوم وسيجبره ولن يخيب ظنها فيه أنه مجيبٌ قريب..
💐 اللهم أنك عفوًا كريم تحب العفو فـ اعفو عني 💐
تجمعن الفتيات في جلسة مليئة بالبهجة والسرور ممزوجة بالقلق القاتل الذي يحاولون وأده بأشد الطرق، الفرحة لم تكاد تسعهم وخاصةً بعد مجيئ وعد هي الآخرى التي ما ان جاءها الخبر حتى حضرت في خلال ساعات برفقة رحيم ..
بينما تجمع الرجال في حديقة المنزل يتسامرون هم والشباب
قررن ان يصلوا قيام الليل معًا تامهم خديجة، فوقفن جميعهم الفتيات والكبار في شقة ( ياسين) بينما جلست ( وعد.) لتصلي على مقعدها المتحرك، بدأت خديجة الصلاة وما هم صوتها بأختراق أذن ( وعد.) حتى صارت تتنهد في صورةٌ غير طبيعية، وصدر عنها صوتًا مهيب مخيف وهي متسعت الحدقتين حتى كادتا بؤبؤهما ان يخرجا من محجريهما، صار راسها يتحرك يمنة ويصدر وقبضتيها تضرب في ذراعي المقعد، لم تكن تدري بذاتها فهي قد سُحبت او بالاحرى سُجنت لدى عالم آخر في روحٍ اخرى ...
تناهى لهن صوت غريب يصدر من وراءهم فلم تلتفت أيًا منهن او تعطي له بالًا، إذ كانت خديجة في خشوع تام وقلبٌ مرفرف يبكي كدموعها التي بدأت تهوى هويًا إلى وجنتيها....
بعد ما فرغن إلتفتن جميعًا ليعرفن مصدر الصوت فهالهم منظر( وعد) التي بدأت تزوم وهي تنظر في سورة من الغضب إلى خديجة تحدق فيها بهيئة غريبة كأنها ستنقض عليها الصدمة شلت أقدمهن ، رويدًا رويدًا بدات وعد تغلق عينيها وتهدل جسدها تمامًا وسكن فهرعن نحوها مزعورين، وراحت خديجة تضرب بخفة على خدها فراحت تهمهم بعد دقائق من القلق الذي استعر بقلوبهم ..
فتحت مقلتيها في وهن وهي تمسك رأسها بصداع حاد كاد ان يفجرها وداهمها دوار جعل رأسها تميل على جانب واحد ولم تنطق ببنت شفة غير :
- آه رأسي أنا... انا دايخة.
اسرعت ( أروى) إلى المطبح واعدت كوب ماء محلى بالسكر وسقته لها على مهل، فشكرتها وعد وانفض الجمع وعادوا ليتسامرون معًا رغم ضحكاتهم وأظهارهم المرح ألا ان القلق والخوف كان يغلف افئدتهم...
وَقفت ( خديجة) أمام المشعل تعد العشاء للجميع، لم يكن هُنالك غيرها، وبينما هي تعد وتقلب ما أمامها، ظهرت ( وعد) بغتة خارج المطبخ على مقعدها بمقلتين تقدح شرارًا و وجهًا يطفر غضبًا، حدقت في النار المشعلة اسفل الإناء فإذا بنار مهيبة مخيفة ترتفع