رواية وريث أل نصران الفصل الثالث والعشرون
الفصل الثالث والعشرون ("فريد" يموت مجددا)
بسم الله الرحمن الرحيم
ليلة شتوية هادئة، وكوب ساخن احتضن الكف قبل أن يحتضنه، وصوت مياه الأمطار تتناغم مع دقات فؤادنا
هذه أشياء نبع جمالها من دفئها، وهكذا نحن كلما التقينا بكل ما هو دافئ صار الفرح رفيق دربنا، وكلما اخترق الكره حصوننا يغزو حزننا شتى بقاع الروح.
المكالمة الأولى منذ غيابه، هرعت "كوثر" إلى مكتب "مهدي" حينما أخبرتها الخادمة أنه يتحدث مع "شاكر" في الهاتف، لم تنتظر انتهاء زوجها من الحديث بل جذبت الهاتف منه ووضعته على أذنها حيث قالت بلهفة:
"شاكر" أنت كويس؟
أخبرها بما أعاد انتظام أنفاسها من جديد:
أيوه أنا كويس.
_كان مالنا احنا ومال الهم ده يا شاكر، على أخر الزمن تبقى هربان كده يا بني، وكل ده علشان مين، عارف البت اللي أنت عملت علشانها كل ده روحت وكان ناقص أبوس إيدها علشان تطلعك منها وتقول إنك ملكش دعوة، مدت إيدها عليا... ضربت أمك يا "شاكر"
قالت كلماتها، وعند الجملة الأخيرة علا صوت نحيبها، وقد تزاحمت الدموع على وجنتيها، ولم تعط ابنها فرصة لحديث بل تابعت:
ده غير الواد ابن "نصران" اللي اسمه "عيسى" اللي كل شوية ألاقيه عندنا في البيت بيهددني، كده تبهدل أمك في أخر عمرها وتخلي اللي ميسواش ده يقولها إنه صابر عليها شفقة، وإنه هيحسرني عليك.
نجحت في إشعال فتيل غضبه بالفعل، ذكرت فعلة "ملك" لتزرع البغض في قلبه من ناحيتها، وذكرت معاناتها مع "عيسى" لتجعله يشعر بما تسبب فيه، لحظات صمت مرت تبعها قوله الغاضب:
حقك عندي أنا هرجعهولك، وزي ما مدت ايدها عليكِ أنا هكسرلها ايدها دي، والحسرة اللي هو بيتكلم عليها دي أنا اللي هخلي أبوه يحسها لما اخد روح ابنه التاني كمان.
سمعت ذلك الصوت الذي يدل على انتهاء المكالمة، فصاحت بانفعال:
روح مين تاني يا "شاكر"... حرام عليك هو احنا عارفين نخلص من اللي عملته.
جذب " مهدي" الهاتف منها ليجد أن المكالمة قد انتهت فوبخها بحديثه:
أنتِ ازاي تروحي بيت هادية من غير ما تقوليلي؟
كسا عينيها الحقد، وهي تتذكر أنها أجبرت ابنتها على أن تدلها أين منزل "هادية" ثم ذهبت بإرشاد البعض حتى وصلت...أعطته إجابة غلفها الكره:
روحت علشان ابني، روحت علشان اللي مطمرش فيهم يبهدلوني، وايدهم تتمد عليا ... روحت علشان ابن نصران اللي جالي لحد البيت وقالي ابلغك إن طالما ابنك مظهرش يبقى هو اللي عملها وهيحسرك عليه.
اقتربت منه وهي تتابع:
هتفضل أنت السبب في كل اللي احنا فيه، مهما قولت ومهما عيدت... حسبي الله ونعم الوكيل فيك...
دفعها بضجر وقد قاطع حديثه بكلماته المشتعلة:
أيوه أنا السبب يا كوثر ... ارتاحتي كده؟... سيبيني بقى أشوفلها حل بعد ما بوظتها، و متعمليش حاجة من دماغك تاني بدل ما تتهد أكتر ما هي مهددوة يا بنت الناس.
صمتت بنظرات حارقة، فاستطرد:
روحي شوفي اللي لازم بنتك، جهزي الدنيا علشان تنفذي الوعد اللي ادتيه ل "محسن"، واللي مبقاش ينفع نرجع فيه بعد ما بقى عارف سرنا كله ومخبي الحيلة تربيتك.
صاح بغضب وهو يقول:
يا شيخة ربنا ياخدني وارتاح منكم.
اتجه لمغادرة الغرفة وهو يسمعها تقول بنبرة عالية:
حل اللي عملته فينا الأول يا " مهدي" ، وبعد كده هبقى ادعيلك إنه ياخدك.
أغلق الباب بعنف مما أحدث صوتا عاليا امتزج بصوتها وهي تقول:
في ستين داهية.
قول غاضب، وعينان تُحمله اللوم كله ترمق أثره بضجر.
★***★***★***★***★***★***★***★
هو الآن في سيارة شقيقه حيث حل الصمت على كليهما، سكون الكون قبيل الفجر، والهواء البارد... قطع الصمت صوت "عيسى" الذي سأل أثناء قيادته للسيارة:
ايه اللي خلاك يعني عايزني أوصلك؟
_مليش مزاج أسوق.
قال "طاهر" بملل ثم تابع:
ولقيتك صاحي فقولت أرخم عليك.
ضحك "عيسى" وتبع ضحكه سؤال "طاهر":
مش ترسوني أنكم رايحين على جواز، بدل ما كنت قاعد زي الأطرش في الزفة كده.
أخبره " عيسى" مبررا:
أبوك نفسه راح بمعجزة، وبشروطه كمان... طالما هتجوزها يبقى مش هتطلق حتى بعد ما نلاقي "شاكر".
استدار له " طاهر" يقول بهدوء:
شوف يا "عيسى"، بصراحة أنا مع بابا...أنا أصلا مكنتش شايف إن جوازكم ليه لزمة، بس نوعا ما فهمت أنت عايز إيه... عايز توري " شاكر" إن اللي عمل كده علشانها بتتجوز حد تاني غيره، وزي ما قتل المره اللي فاتت، يجي بقى المره دي ويعمل اللي عنده.
ابتسم "عيسى" هازئا وهو يقول:
ده لو عنده حاجه يعملها أصلا.
_ماهو علشان كده أنا مش موافق، "شاكر" ده مريض يا "عيسى" أنا عارفه وقابلته كذا مره لما الحاج بعتني لأبوه علشان أقوله لا على الأرض.
استوقفه "عيسى" سائلا:
لا استنى... أرض إيه؟
فسر له "طاهر" الحديث بقوله:
دخل فلوسه في شغل مع أبوك، وكسب... جه بعدها عايز أبوك يبيعيله حتة أرض علشان الشغل بينهم يكبر، الراجل ده أصلا كان عايز يبقاله شغل في القرية عندنا على حس أبوك، في ناس كده مهما ادتها بتبقى عايزة أكتر...لكن أنت عارف طبعا، عندنا الأرض في القرية لا بتتباع لحد ولا حد بيشتريها.
صمت ثوان ارتشف فيها من زجاجة المياه الباردة ثم أكمل:
المهم خلينا في كلامنا، كنت بقولك إن "شاكر" ده تحسه مش متظبط، و"ملك" ملهاش ذنب في كل ده... أنا عارف إنك عايز تحسره، كلنا عايزين حق "فريد"... بس هيبقى ظلم لما نخلي " ملك" لعبة في النص.
كان يتابع الطريق حين أردف:
أنا قولتلك إني مش هطلقها حتى لما نلاقي "شاكر".
ابتسم " طاهر" ورفع حاجيه الأيسر سائلا:
ماهو طالما وافقت على شرط أبوك ده، يبقى في سبب تاني لجوازك منها يا "عيسى".
_سبب زي اللي مخليك مش عايز ترجع لمراتك اللي كنت بتحبها مثلا؟
سأل " عيسى" بنفس ضحكة "طاهر" وهو يطالعه فتأفف "طاهر" بانزعاج ثم سمعه يقول:
هو أنت طلقتها امتى أصلا؟
قال "طاهر" بغيظ:
طلقتها قبل وفاة "فريد"... أنا صبرت عليها كتير يا
" عيسى"، صبرت على حسابي وحساب عيل صغير ميفهمش أصلا هي بتعامله وحش ليه... وكان عندي استعداد أديها فرصة تانية بعد طلاقنا لكن هي اللي ضيعتها.
قال "عيسى" ناصحا:
أنا شوفتها لما جت لأبوك، متفكرش كتير سيب الأمور تمشي زي ما مكتوب ليها تمشي... بس على حسب كلامك اللي تستخسر شوية حنية في عيل صغير، يبقى متستاهلش حتى يتبص في وشها.
توقفت السيارة فنزل "طاهر" وتبعه "عيسى" الذي قال مودعا بابتسامة:
مع السلامة، خلي بالك من نفسك.
_خلي بالك أنت من "يزيد"... وبالذات في الموضوع بتاع بكرا اللي حكتلك عنه ماشي؟
تذكر " عيسى" ما سرده له "طاهر" فأخبره مطمئنا:
متقلقش.
انتهى حديثهما، أكمل "طاهر" طريقه وعاد "عيسى" إلى سيارته واتجه عائدا نحو المنزل.
★***★***★***★***★***★***★***★
أخيرا في غرفتها بعد ليلة طويلة مرهقة، نام الجميع وبالأخص والدتها ولم يبق سواها مستيقظة، أنهت "مريم" مذاكرتها، وهرولت إلى الفراش وقد اشتاقت للراحة، فتحت هاتفها تنظر فيه قبل نومها فوجدت رسالة منه، فتحت محادثتهما لتجده أرسل مقطع مصور، ابتسمت باستغراب وهي تفتحه، وقد وضعت سماعات الهاتف في أذنيها لتجده أمامها في ما يشبه المرسم، لوحات هنا وهناك وهو بملابس ملطخة بالألوان... سمعت صوته وهو يقول يلا يا "يزيد" وريها.
أخذ الصغير الهاتف وساعده "حسن" في توجيهه على لوحة بعينها وهو يقول ببراءة:
أنا يا "مريم" دخلت المرسم عند "حسن" ولقيته بيرسم بنت جميلة، وأنا عرفت أنها أنتِ علشان أنا عارفك... مش احنا اصحاب؟
هزت رأسها وهي تضحك بغير تصديق، لتسمع الصغير يكمل حديثه:
أنا قولت لحسن هروح أقول لمريم، فهو خلاني أصورلك الفيديو ده، ثم حرك بمساعدة "حسن" الهاتف على لوحة اخرى قائلا:
بصي راسم صورة كمان.
كانت الصورة عبارة عن مجموعة من الشباب يلعبون الكره، وهي تمر جوارهم وقد ظهرت تقاسيمها جادة للغاية مما جعل "يزيد" يقول:
بس أنتِ مكشرة فيها.
ضحكت وهي تضع كفها على فمها حتى لا يعلو صوتها ثم وجدته يظهر هو ويقول مازحا:
"يزيد" صمم يوريكي المرسم، طبعا أنتِ شايفة البهدلة اللي أنا فيها
كان يشير على الألوان التي لطخت ملابسه وقال:
أكل العيش يا اختي.
تابع القول رافعا رأسه بفخر:
مش محتاج طبعا أقولك قوليلي رأيك في الصور، لأنهم شغلي فأكيد حلوين جدا.
ضغطت على شفتها بغيظ وهي تتابع المشاهدة حتى كسا الخجل وجهها وهو يقول أخر كلماته به:
بس الأحلى منهم أنتِ... تصبحي على خير.
انتهى المقطع، وقد زين ثغرها ابتسامة واسعة، أغلقت الهاتف وهي تتنهد بفرح ثم احتضنت ذراع والدتها وهي تغمض عينيها بسعادة لا يصفها شيء.
سعادة كان هو المتسبب فيها.
★***★***★***★***★***★***★***★
أتى الصباح، وقدم معه الهواء النقي الذي حرك الأشجار المحيطة لمنزل "منصور" هنا وهناك...
كانت "ندى" تنعم بنوم سبقه صعوبة في النوم بسبب عدم تكيفها على النوم هنا، جاورها زوجها "جابر" ... دقات متواصلة على الباب كانت سبب استيقاظها حيث نطقت بضجر:
في إيه؟
_الحاج منصور مستنيكم تحت على الفطار.
قالتها الخادمة ورحلت، فتأففت "ندى" بانزعاج قبل أن تقول منبهة:
جابر... اصحى يا "جابر".
فتح " عينيه" وظهر أثر النوم في صوته وهو يسألها:
عايزة إيه؟
قالت وهي تضع رأسها على الوسادة من جديد:
عمو بيقولك انزل افطر معاه.
استدار ليرى الساعة وهو يتثائب فوجدها اقتربت من الثانية عشر ظهرا، فترك الفراش وهو يسألها قبل دلوفه للمرحاض:
قومي اصحي علشان هتنزلي معايا.
_حاضر
قالتها بغضب داخلي، وهي تعترض داخليا بسبب إزعاجهم لها حتى في فترة النوم.
لم يمر الكثير حتى صارا في الأسفل كل منهم على مقعده أمام الطاولة التي ترأسها والده وهو يقول:
صباح الخير يا "ندى"
رسمت ابتسامة على وجهها وهي تبادله قائلة:
صباح النور يا عمو.
بدأوا في تناول الإفطار، وحل صمتهم حتى قطعه صوت "منصور":
عايزة شوية بقى وأسمع أخبار حلوه.
تصنعت عدم سماعه، وتابعت تناول الطعام حتى هزها " جابر" في كتفها:
أبويا بيكلمك.
زفرت وهي تحاول كتم غيظها، ثم رفعت رأسها له واغتصبت ابتسامة قبل أن تقول:
معلش يا عمو كنت بتقول إيه... مخدتش بالي.
_بقول عايز أشوف عيل ليكم .
قالها "منصور" بجدية، فهزت رأسها ناطقة:
إن شاء الله ادعيلنا.
ضحك "جابر" وربت على كف والده قائلا:
أول عيل هسميه "فضل" إن شاء الله على اسم جدي.
كررت باستنكار وقد ألقت الملعقة:
فضل!...فضل اللي هو اسم جدك ؟
هو أنا مقدرة حبك... بس مفيش حد بيسمي طفل "فضل"
سألها "منصور" ببوادر غضب:
ماله فضل يا "ندى"؟
_مالهوش يا عمو بس قديم شوية.
قالتها مبررة فردعها " جابر":
لما تبقي تخلفي الأول ابقى اتخانقي على القديم والجديد.
رمقته بغضب، تركت بعده مقعدها قائلة باستئذان:
عن اذنكم.
قال "منصور" باعتراض:
قايمة ليه يا "ندى" ما تقعدي.
قالت وهي ترمق بانزعاج "جابر" الذي تابع تناول طعامه:
شبعت.
غادرت المكان واتجهت إلى الأعلى فأردف "منصور":
بالراحة عليها شوية.
_أنت مش شايفها رافعة مناخيرها وشايفه نفسها على الكل ازاي... سيبك منها خلينا في المهم.
انتبه له والده لسماع ما سيقال، فبدأ " جابر" في الحديث مجددا:
أنا جبت كام واحد من رجالتنا في البلد، هينشرو إن "شاكر" هو اللي قتل "فريد" وهربان، و"نصران" وولاده بيدوروا عليه علشان ياخده بطارهم، وقالوا لو مظهرش خلال شهر هيقلبوها على عيلة "مهدي" كلها.
لمعت عينا "منصور" وهو يقول برضا:
عليك نور يا "جابر"... بس أنت متأكد إنهم هينشروا الكلام في البلد كلها؟
رفع إصبعيه وهو يقول لوالده:
يومين بالكتير وهتلاقي الناس هنا مبتحكيش في حاجة غير الموضوع ده.
ربت " منصور" على كتف "جابر" قائلا بفخر:
وأنا واثق فيك.
في نفس التوقيت كانت هي داخل غرفتها، أحاطت رأسها بذراعيها وانخرطت في نوبة بكاء قطعتها حين جذبت هاتفها وأرسلت لابنة عمها:
"بيريهان" أنا مش طايقة القعدة هنا، علشان خاطري اتصرفي وتعالي اقعدي معايا كام يوم.
أرسلتها وأغلقت ثم ألقته جوارها بضيق، شردت في لحظات لم تتركها منذ أمس.. تحديدا منذ اللحظة التي رأته فيها، تستطيع الآن رؤية نفسها وهي تذهب إليه في المكان الذي بدأ إعداده ليصبح معرض سيارات خاص به، دخلت بانفعال وكان هو في ذروة غضبه... قبل أن تتفوه بحرف تحدث:
امشي دلوقتي يا ندى.
كان طلب ولكنه شابه التحذير فأجابت عليه:
لا مش همشي يا "عيسى" غير لما نتكلم... إيه اللي أنت عملته ده؟
صاح بعصبية وهو يضرب على الحائط بقبضته:
قولت امشي دلوقتي.
تحدثت غاضبة:
لا ما هو متبقاش فاهم غلط، وبتزعق كمان يا "عيسى"... أنا عايزة أتكلم دلوقتي.
_وأنا مش عايز.
قالها وهو يلقي كوب زجاجي على الأرضية فتراجعت للخلف محذرة:
مش عايز!...هو انا على مزاجك؟... من حقي أدافع عن نفسي على فكرة.
ضرب بقبضتيه على الطاولة وصاح بنبرة جعلت الذعر يتملك من جسدها:
لآخر مره بقولك امشي من هنا دلوقتي.
نزلت دموعها وهي تسأله:
أنت شايف نفسك؟
ذهب ناحيتها بخطوات منفعلة، وعينين اشتعلتا وجذب مرفقها فصرخت خائفة:
اوعى أنت هتمد ايدك عليا.
ضحك داخله ساخرا وهو يخرجها من المكان غالق الباب خلفها بعنف شديد تبعه جلوسه خلفه بأنفاس متلاحقة لا تتوقف عن السباق.
عادت إلى الواقع تنظر حولها بأسى، وضعت رأسها تحت الغطاء وتذكرت أمر زوجها الذي أهانها في الأسفل فهمست متوعدة:
أنا هوريك يا " جابر".
★***★***★***★***★***★***★***★
يجلسن معا أمام التلفاز، بعد أن انتهى الإفطار، جلست مريم تعد حقيبتها وهي تسأل:
هو أنتِ يا ماما هتفضلي زعلانة لحد امتى؟
ما من إجابة، فسألت "شهد" بريبة:
هو مش "ملك" موافقة يا ماما، ما خلاص.
سمعن صوت شقيقتهم التي احتضنت والدتها من الخلف تسألها بمزاح:
مش هتنزلي تفتحي المحل؟... أنا لبست أهو علشان أنزل معاكِ
ارتفع صوت ضحكات "شهد" و "مريم" أما "هادية" فسألت معاتبة:
ليه يا "ملك" كده؟
_علشان كل حاجة بتقول إن لازم كده اللي يحصل، حتى لو محدش راضي عنه.
قالتها "ملك" وتبع قولها انقطاع الكهرباء وحلول الظلام في الردهة فخرجت صرخة عالية من "شهد" التي تشبثت بوالدتها بخوف.... الظلام ذلك الشيء الذي يحفز عقلها وكامل جسدها لرؤية كل ما هو مخيف والسبب تعلمه جيدا... ذهب عقلها بعيدا حيث سبب هذه الحالة... كانت في العاشرة من عمرها حين وجدت زوجة عمها تجذب زراعها قائلة بشراسة:
أنتِ بتقطعي ل "علا" كراساتها ليه؟
_هي كمان بتعمل كده في حاجتي، و بعدين سيبي ايدي، ماما قالتلي محدش يمد ايده عليكِ.
قالتها "شهد" مدافعة فوجدت "كوثر" تسحبها قائلة بتوعد:
طب تعالي يا بنت "هادية".
كانت غرفة مظلمة جوار المنزل، حيث يخزن عمها بعض الأشياء، تتذكر جيدا كيف فتحتها " كوثر" بينما ارتفع صراخها وهي تحاول التملص منها ولكنها الطرف الأضعف، ألقتها بالداخل وأغلقت الباب من الخارج بالمفتاح وهي تسمح صراخها من الداخل:
لا افتحيلي حرام عليكِ... خلاص مش هعمل كده تاني.
رفعت كفيها الصغيرين تدق على الباب بكل قوتها، وقد انهمرت دموعها وهي تنظر خلفها وكأن وحش سيلتهمها الآن قادم من كلام هذه الغرفة... استغاثت كثيرا، وترجت أكثر ولكن النتيجة هي أنه تم تركها في الداخل أكثر من ثلاث ساعات، همدت بعد النصف ساعة الأول وجلست على الأرضية بذعر، وخرجت أمها وشقيقتها للبحث عنها بعد أن تأخرت في درسها، فخرجت "كوثر" تفتح لها ونشب عراك حاد بين والدتها وزوجة عمها.
عادت إلى الواقع وقد فتحت شقيقتها نوافذ المنزل بأكمله فغمر ضوء الشمس المكان، عاد انتظام أنفاسها فربتت "هادية" على كتفها واحتضنتها، اقتربت "ملك" و "مريم" خوفا عليها ولكن خرج صوتها وهي تقول:
حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ يا حرباية.
علت ضحكاتهن وهن يسمعن دعائها، ودفعتها والدتها قائلة بغيظ:
اوعي خلاص بقيتي كويسة.
تركتهم "هادية" وقامت تحضر مفتاح مكانها بينما في نفس التوقيت وفي منزل "نصران"... خرجت " سهام" لمقابلة الضيفة التي أخبرتها "تيسير" بوجودها، رسمت على وجهها ابتسامة صغيرة وهي تقول:
ازيك يا "حورية" .
"حورية" شقيقة زوجة "طاهر" الأولى، وخالة "يزيد" الشابة التي قضت الكثير خارج البلاد وعادت منذ فترة، ولم تنقطع زياراتها ل "يزيد"....بادلت "سهام" الابتسامة وقالت:
الحمد لله يا طنط... أسفة مقدرتش أجي ساعة الوفاة، مكنتش في مصر.... البقاء لله.
_ونعم بالله... خمس دقايق "تيسير" بتصحي "يزيد" وهتنزلهولك.
قالت "سهام" ذلك وتحركت متجهة ناحية الأعلى، انتظرت "حورية" نزول الصغير بملل من الانتظار، حتى وجدته يقفز على الدرج فهرولت ناحيته بحب:
حبيبي.
احتضنها بحب مصرحا:
وحشتيني أوي أوي يا خالتو.
قبلته من وجنته، وأخذته وقد عادت للجلوس على الأريكة قائلة:
يا روحي أنت كمان وحشتني.
ضحك بفرح ولكن اختفت ضحكته وهي تقول بحزن:
بس أنا زعلانة منك.
سألها بحزن مماثل:
ليه يا خالتو، أنا عملت حاجة؟
سردت أسبابها معاتبة:
مش أنت وعدتني أنك هتقول لبابا أنك عايز تقعد معايا شوية، وبعدين مش أنت قولتلي في التليفون أن طنط فريدة خلاص مشيت، وبابا بيبقى في الشغل، ليه بقى متجيش تقعد معايا؟
قال وهو يحاول مراضاتها:
بس أنا يا خالتو بحب هنا، وبحبك أنتِ كمان.
حاولت إقناعه بطريقة ينجذب لها طفل مثله:
لو جيت معايا هتحب عندي أكتر، وكمان في هناك pool و garden أحسن من اللي هنا بكتير.
_بس هناك مفيش بابا.
صوت أتى من خلفهم، استدارت لترى صاحبه، فجحظت عيناها، وأدركت قول "يزيد" حين أخبرها في الهاتف:
عمو "فريد" راح عند ربنا، بس عمو "عيسى" شبهه بالظبط وبقى قاعد معانا علطول.
الشبه بينه وبين الفقيد جعل القشعريرة تصيب جسدها، أدركت ما قال فحاولت تصحيح قولها:
أنا بس كنت عايزة "يزيد" يقعد عندي كام يوم.
اقترب "عيسى" من "يزيد" ومال ليصبح بمحاذاته وهو يسأله:
"يزيد" أنت عايز تروح تقعد مع خالتو؟
هز رأسه نافيا وهو يقترح:
لا أنا بحب اقعد هنا، وبالليل أنا و "حسن" بندخل المرسم، ولما "رفيدة" بتيجي بنلعب سوا... ممكن خالتو تقعد هي معايا هنا؟
سألها "عيسى" وقد ارتسم على وجهه ابتسامة ماكرة:
ممكن يا خالتو تقعدي مع "يزيد" هنا؟
أدركت ما يفعله، فقالت بحدة:
بس انا شغلي ميسمحش إني أقعد هنا.
استقام "عيسى" واقفا وهو يخبرها مواجها:
وشغلك برضو مش هيسمحلك تدي الطفل ده الاهتمام الكامل، لكن هنا شغل والده بيعوضه وجود كل اللي في البيت،
وقفت "سهام" على الدرج وهي تسمع "عيسى" يتابع:
وأولهم جدته، فياريت تبطلي كلام من نوعية إنه يقعد عندك، حابة تزوريه البيت بيتك، عايزة تاخديه زيارة لبيتك رغم إن ده ممنوع ممكن تاخديه يوم أو يومين، لكن أي حاجة تانية مش هيحصل، وياريت يكون كلامي اتفهم كويس.
ليس مجرد حديث، بل تحذير صريح وجهه لها، بعد أن سمع من "طاهر" ضيقه من شقيقة زوجته التي تسعى بطرق خفية لجعل الصغير يبقى معها.
مسح "عيسى" على خصلات "يزيد" وغادر المكان بأكمله، أما "سهام" فنزلت واتخذت مكانها على الأريكة وقد كررت عدم ترك "حورية" مع "يزيد" بمفردهما بعد ما سمعته منذ قليل.
★***★***★***★***★***★***★***★
اليوم دافئ على عكس الأيام الباردة الماضية، جلسن في الدكان ووقفت "شهد" تزن لإحداهن الأرز قائلة:
يا ماما "تقى" حلفتني وهتزعل... أنتِ عارفة إن "تقى" ملهاش أصحاب كتير.
أعطت السيدة الواقفة الأرز وأخذت المال منها ثم دخلت مجددا وأشارت ل "ملك":
قولي حاجة أنتِ... مش صاحبتك دي؟
كانت تتحدث عن ذلك الاتصال الذي ورد من " تقى" صديقة "ملك" قبل قليل، أجابت "شهد" هذه المرة فوجدتها تطلب منها أن تخبر "ملك" بموعد زفافها، وتلح في طلبها على ضرورة حضورها.
كانت "ملك" في حالة لا تُحسد عليها، حفل زفاف في القاهرة، ستتحول بهجة الزفاف إلى حزن مقيم إذا حضرت هي، فحزنها كاف لسد حاجة الكون أكمله منه، ولكنها صديقتها في النهاية، وستشعر بالحزن إذا لم تحضر.
قطع الحديث حضوره، تركتهم والدتهم وأخبرتهم:
خليكوا هنا.
خرجت ل "عيسى" وقد أحضرت مقعد له وقالت:
اتفضل اقعد.
جذب المقعد وجلس عليه، جلست هي الاخرى وانتظرت حديثه حتى قال:
عاجبني انك خايفة عليها.
طالعته تنتظر المزيد فتابع:
بس أنا اخر حد تخافي عليها منه، ممكن تخافي عليها من "شاكر"، من أمه، من عمها لكن أنا تبقى غريبة شوية.
_بس أنا...
كانت ستتحدث فقاطعها:
" ملك" كانت غالية عند أخويا، وانا الغالي عند أخويا غالي عندي...رفضك اللي من غير مبرر ده بيضرها مش بيقف في صفها.
أخبرته بألم:
وأنا مش عايزة بنتي تتكسر تاني، "ملك" متستاهلش كل اللي بيحصل ده، عارف يعني ايه واحده في سنها ده تكره الفرح، نص وقتها ان مكانش كله قاعدة في أوضتها بتعيط، حياتها باظت مبتتقدمش خطوة فيها، كل ما تقرر تكمل دراسة تقعد متعملش، صاحبتها اتصلت تعزمها على فرحها بكرا، وقاعدة جوا مش عايزة تقول هي هتروح ولا لا، وكأن الفرح ده حرام عليها وهي خايفة تعمله
انا بنتي لو اتكسرت تاني مش هتقوم ليها قومة.
قالت أخر كلماتها وقد نزلت دموعها فصرح هو لما جعل داخلها يطمئن:
وبنتك مش هتتكسر طول ما أنا موجود، متعودتش أوعد حد بحاجة أنا مش هقدر أعملها، لكن اللي أقدر أوعدك بيه إن جوازها في مصلحتها.
ترك مقعده، واستقام واقفا... نظر إلى الداخل حيث تجلس هي وشقيقتها ثم سأل:
فرح صاحبتك فين؟
رمقت والدتها معاتبة ثم أخبرته:
لا أنا مش هروح الفرح.
_في القاهرة
قالتها "شهد" ثم تبعتها بمكان القاعة، وموعد الزفاف على الرغم من نظرات والدتها المحذرة.
قالت باعتراض:
أنا مش عايزة أروح، هباركلها في التليفون.
أشار "عيسى" ل "شهد" وقد وجه حديثه هذه المرة لها:
قوليلها تجهز وأنا هبقى أجي أخدها.
قال أخر حديثه ثم رحل، ليحاوط "شهد" نظرات مشتعلة فهددت:
انا اللي هيقرب ناحيتي هصوت وألم الناس عليه.
جعلت كلماتها والدتها تدخل لها بتوعد بينما في نفس التوقيت، كانت "رفيدة" قد أنهت محاضرتها للتو وتتجه إلى السكن حتى تستعد للرجوع إلى الاسكندرية، وجدت سعد في الخارج والذي بمجرد أن قابلها سأل بتصنع الحزن:
هتمشي؟
هزت رأسها تخبره:
أيوه هحضر بكرا وامشي، كده كده الامتحانات قربت وهقعد الفترة دي في البيت.
أعطاها حقيبة وقد ظهرت ابتسامة مودعة على وجهه:
خدي دي قبل ما تمشي.
_دي ليه؟
سألت وكانت إجابته:
علشان عيد ميلادك اللي الشهر ده، وتقريبا كده مش هشوفك لأخر الشهر.
ابتسمت بامتنان صادق وهي تنطق:
شكرا يا "سعد" دي أول هدية تجيلي في عيد ميلادي ده... علشان كده هيبقى ليها مكانة خاصة.
ودعته ثم أخذتها وغادرت، رمق هو أثرها بضحكة هازئة وقد كسا عينيه الحقد وهو يتذكر... يتذكر حين كان طفل صغير
أخذته والدته وذهبت لمقابلة سيدة في أحد المقاهي الشبابية، تذكر نبرة والدته المتوسلة:
والله العظيم الواد ده ابنه، أنا يا مدام "سهام" اتجوزت أخوكي بعقد عرفي، ووعدني إنه هيتجوزني رسمي، وأول ما حملت رماني، أنا ابني كبر زي ما أنتِ شايفة ومش لاقية أكله ولا عارفة أعمل ايه، لو مش مصدقاني نروح نعمل التحليل.
أخرجت تلك السيدة التي يتذكرها جيدا حفنة من المال ووضعتها أمام والدته قائلة:
خدي دول، ومش عايزة أشوف وشك عند بيتي تاني، علشان أقسم بالله هعملك مشكلة... أنا مليش دعوة بأخويا مشاكلك معاه روحي حليها، وطالما بتقولي الواد ابنه روحي ارفعي عليه قضية نسب، لكن أنا خرجيني برا الكلام ده كله.
وقفت لتغادر ولكنها استدارت وألقت نظرة مشفقة على السيدة وصغيرها، ثم أخرجت أوراق نقدية مجددا من الحقيبة ووضعتها قائلة:
خدي دول كمان.
_أنا مش عايزة فلوس أنا عايزاكي تساعديني.
قالتها السيدة بدموع، فأخبرتها "سهام" بقلة حيلة:
وأنا مقدرش أساعدك غير كده.
أنهت الحديث ثم غادرت، ولكنها غفلت عن عين ترمقها بحقد دفين.
عاد إلى الواقع وألقى لفافة تبغه ثم دهس عليها، اعتبرها الماضي الذي تمنى أن يدهسه هكذا أيضا.
★***★***★***★***★***★***★***★
فستان رقيق من اللون الأسود، زين أكمامه الدانتيل المحاط بها، وانتثرت على قماشته زهور بيضاء صغيرة، وحجاب أخذ من أحد الألوان الموجودة بالرداء، وحذاء عال... أشياء ابتاعتها لها "شهد" من المتجر، كي ترتديها في الزفاف.... ارتدتهم وأخبرتها والدتها كم تبدو رقيقة، جميلة، ناعمة كالقطط ولكن ذلك الشيء الذي يعلمه الجميع ويتجاهله أنها حزينة
هي الآن جوار "عيسى" في سيارته، حيث يتجه إلى القاهرة وتحديدا زفاف صديقتها، كان الليل قد أسدل أستاره، وكذلك خيم الصمت عليهما، حتى وجدها تمد كفها لسحب قلادة وضعها في سيارته، تلك القلادة التي كان يرتديها "فريد" وبها أول حروف اسمها، أخذها من يدها فرمقته باستنكار، أشار على سوار شقيقه الذي حاوط كفها قائلا:
اديتك ده، لكن السلسلة هتفضل معايا.
_على فكرة انا مقولتش إني هاخدها.
قالت جملتها بغضب، فنطق ما أثار غيظها:
وما استأذنتيش قبل ما تشوفيها.
طالعته باشتعال أجبره على الضحك وهو يقول:
لو كانت النظرات بتقتل، كان زماني جثة دلوقتي.
أبعدت عينيها عنه وعادت تنظر أمامها، مر الوقت وكان طويل حقا، هما الآن في القاهرة، وفي طريقه إلى قاعة الزفاف، ولكن في أحد الشوارع الضيقة والشبه خالية من المارة وجد سيارة خلفه، شعر بالقلق، حين وجدها تحاول دفع سيارته، ودقائق وقطعت الطريق عليه لتصبح أمام سيارته.
ارتعدت أوصالها وهي ترى ما يحدث، لم تستطع السؤال بسبب ذعرها، أما عنه فنزل ليرى ما يحدث، ولكنه اصطدم بأربع رجال أخفوا وجوههم وبيد كل منهم عصا خشبية ضخمة، نشب عراك بينه وبينهم، وسددوا له ضربة شديدة بالعصا على قدمه، واستغل اثنان منهم الوضع وذهبا له من الخلف فاستطاعا الامساك به بإحكام، فقال "عيسى" بشراسة للواقفين أمامه:
طالما رجالة أوي كده، ما تشيلوا اللي على وشكم ده.
ضربه أحدهم لكمة عنيفة، وركله الآخر... أما من في الخلف فيحاولا بصعوبة ألا يجعلاه يفلت، فمقاومته شرسة.
صرخت بخوف، وتركت السيارة ونزلت لتهرول ناحيته، ولكن مع نزولها رأت "شاكر" يخرج من السيارة قائلا بضحكة واسعة:
كنت مستني أشوفك هتفضلي في العربية قد إيه... بس خيبتي ظني ونزلتي أول ما اتضرب... اوعي تحبيه هو كمان ازعل أوي
استدار ل "عيسى" الذي أحكم الرجال معه قبضتهم عليه، فأخذ يقاومهم بشراسة... قال "شاكر" ساخرا:
أنا قصادك أهو... بس مش قادر تلمس شعرة مني.
شهقت بصدمة غير مصدقة بينما تابع هو الاقتراب منها:
يا شيخة دي مقابلة برضو بعد كل الغيبة دي؟... طب المشهد ده مبيفكركيش بحاجة؟
زادت المقاومة الضعفين بعد أن لمحه، وسمع صوته
أما عنها فزاد اقتراب "شاكر" منها فصرخت عاليا، وهي تهرول ناحية "عيسى" لكنه لحق بها، مسك ذراعها فبصقت في وجهه، وتملصت منه بشراسة صارخة:
ابعد عني يا حقير...
كل شيء يتكرر الليل، و "شاكر"، ونظراته التي حملت الشر... بقى فقط وعيده وصدق قولها حيث أخرج سلاحه متوعدا:
خطوة كمان هتجريها ناحيته، وهخليه جثة قدامك زي أخوه.
استدارت ترمق سلاحه بانهيار.... هو خلفها وأمامها
" عيسى" وقد اجتمع عليه من هم مع "شاكر" ... لم تفد قلة حيلتها سابقا فخلعت حذائها ولكن قبل أن تضرب به "شاكر" كان قد أحكم الإمساك بها، وثنى ذراعها خلف ظهرها وهي تحاول التخلص منه بكل قوتها... سمعته يقول:
ولما أكسرلك بقى يا لوكا ايدك دي هتفرحي دلوقتي؟... بتضربي حماتك ليه
زاد أكثر من ضغطه على ذراعها الذي جعله خلف ظهرها فخرجت منها صرخة عالية امتزجت بسبها له.... زاد الألم، الكابوس يتكرر لذا أخذت تصرخ عاليا... صرخات بلا انقطاع.
وكأن تلك الليلة أقسمت أن تتكرر الآن حتى تتيقن أنها قضت عليها تماما ولن تنساها أبدا.
إياك والهجر، فإن الهجر قاتلي.
ارحم فؤادي، والله روحك مأمني.
وروحي لا تتسع، وقلبي لا يسمح
إن كنت ترغب مماتي... فاتركني مُهْلِكِي.
بسم الله الرحمن الرحيم
ليلة شتوية هادئة، وكوب ساخن احتضن الكف قبل أن يحتضنه، وصوت مياه الأمطار تتناغم مع دقات فؤادنا
هذه أشياء نبع جمالها من دفئها، وهكذا نحن كلما التقينا بكل ما هو دافئ صار الفرح رفيق دربنا، وكلما اخترق الكره حصوننا يغزو حزننا شتى بقاع الروح.
المكالمة الأولى منذ غيابه، هرعت "كوثر" إلى مكتب "مهدي" حينما أخبرتها الخادمة أنه يتحدث مع "شاكر" في الهاتف، لم تنتظر انتهاء زوجها من الحديث بل جذبت الهاتف منه ووضعته على أذنها حيث قالت بلهفة:
"شاكر" أنت كويس؟
أخبرها بما أعاد انتظام أنفاسها من جديد:
أيوه أنا كويس.
_كان مالنا احنا ومال الهم ده يا شاكر، على أخر الزمن تبقى هربان كده يا بني، وكل ده علشان مين، عارف البت اللي أنت عملت علشانها كل ده روحت وكان ناقص أبوس إيدها علشان تطلعك منها وتقول إنك ملكش دعوة، مدت إيدها عليا... ضربت أمك يا "شاكر"
قالت كلماتها، وعند الجملة الأخيرة علا صوت نحيبها، وقد تزاحمت الدموع على وجنتيها، ولم تعط ابنها فرصة لحديث بل تابعت:
ده غير الواد ابن "نصران" اللي اسمه "عيسى" اللي كل شوية ألاقيه عندنا في البيت بيهددني، كده تبهدل أمك في أخر عمرها وتخلي اللي ميسواش ده يقولها إنه صابر عليها شفقة، وإنه هيحسرني عليك.
نجحت في إشعال فتيل غضبه بالفعل، ذكرت فعلة "ملك" لتزرع البغض في قلبه من ناحيتها، وذكرت معاناتها مع "عيسى" لتجعله يشعر بما تسبب فيه، لحظات صمت مرت تبعها قوله الغاضب:
حقك عندي أنا هرجعهولك، وزي ما مدت ايدها عليكِ أنا هكسرلها ايدها دي، والحسرة اللي هو بيتكلم عليها دي أنا اللي هخلي أبوه يحسها لما اخد روح ابنه التاني كمان.
سمعت ذلك الصوت الذي يدل على انتهاء المكالمة، فصاحت بانفعال:
روح مين تاني يا "شاكر"... حرام عليك هو احنا عارفين نخلص من اللي عملته.
جذب " مهدي" الهاتف منها ليجد أن المكالمة قد انتهت فوبخها بحديثه:
أنتِ ازاي تروحي بيت هادية من غير ما تقوليلي؟
كسا عينيها الحقد، وهي تتذكر أنها أجبرت ابنتها على أن تدلها أين منزل "هادية" ثم ذهبت بإرشاد البعض حتى وصلت...أعطته إجابة غلفها الكره:
روحت علشان ابني، روحت علشان اللي مطمرش فيهم يبهدلوني، وايدهم تتمد عليا ... روحت علشان ابن نصران اللي جالي لحد البيت وقالي ابلغك إن طالما ابنك مظهرش يبقى هو اللي عملها وهيحسرك عليه.
اقتربت منه وهي تتابع:
هتفضل أنت السبب في كل اللي احنا فيه، مهما قولت ومهما عيدت... حسبي الله ونعم الوكيل فيك...
دفعها بضجر وقد قاطع حديثه بكلماته المشتعلة:
أيوه أنا السبب يا كوثر ... ارتاحتي كده؟... سيبيني بقى أشوفلها حل بعد ما بوظتها، و متعمليش حاجة من دماغك تاني بدل ما تتهد أكتر ما هي مهددوة يا بنت الناس.
صمتت بنظرات حارقة، فاستطرد:
روحي شوفي اللي لازم بنتك، جهزي الدنيا علشان تنفذي الوعد اللي ادتيه ل "محسن"، واللي مبقاش ينفع نرجع فيه بعد ما بقى عارف سرنا كله ومخبي الحيلة تربيتك.
صاح بغضب وهو يقول:
يا شيخة ربنا ياخدني وارتاح منكم.
اتجه لمغادرة الغرفة وهو يسمعها تقول بنبرة عالية:
حل اللي عملته فينا الأول يا " مهدي" ، وبعد كده هبقى ادعيلك إنه ياخدك.
أغلق الباب بعنف مما أحدث صوتا عاليا امتزج بصوتها وهي تقول:
في ستين داهية.
قول غاضب، وعينان تُحمله اللوم كله ترمق أثره بضجر.
★***★***★***★***★***★***★***★
هو الآن في سيارة شقيقه حيث حل الصمت على كليهما، سكون الكون قبيل الفجر، والهواء البارد... قطع الصمت صوت "عيسى" الذي سأل أثناء قيادته للسيارة:
ايه اللي خلاك يعني عايزني أوصلك؟
_مليش مزاج أسوق.
قال "طاهر" بملل ثم تابع:
ولقيتك صاحي فقولت أرخم عليك.
ضحك "عيسى" وتبع ضحكه سؤال "طاهر":
مش ترسوني أنكم رايحين على جواز، بدل ما كنت قاعد زي الأطرش في الزفة كده.
أخبره " عيسى" مبررا:
أبوك نفسه راح بمعجزة، وبشروطه كمان... طالما هتجوزها يبقى مش هتطلق حتى بعد ما نلاقي "شاكر".
استدار له " طاهر" يقول بهدوء:
شوف يا "عيسى"، بصراحة أنا مع بابا...أنا أصلا مكنتش شايف إن جوازكم ليه لزمة، بس نوعا ما فهمت أنت عايز إيه... عايز توري " شاكر" إن اللي عمل كده علشانها بتتجوز حد تاني غيره، وزي ما قتل المره اللي فاتت، يجي بقى المره دي ويعمل اللي عنده.
ابتسم "عيسى" هازئا وهو يقول:
ده لو عنده حاجه يعملها أصلا.
_ماهو علشان كده أنا مش موافق، "شاكر" ده مريض يا "عيسى" أنا عارفه وقابلته كذا مره لما الحاج بعتني لأبوه علشان أقوله لا على الأرض.
استوقفه "عيسى" سائلا:
لا استنى... أرض إيه؟
فسر له "طاهر" الحديث بقوله:
دخل فلوسه في شغل مع أبوك، وكسب... جه بعدها عايز أبوك يبيعيله حتة أرض علشان الشغل بينهم يكبر، الراجل ده أصلا كان عايز يبقاله شغل في القرية عندنا على حس أبوك، في ناس كده مهما ادتها بتبقى عايزة أكتر...لكن أنت عارف طبعا، عندنا الأرض في القرية لا بتتباع لحد ولا حد بيشتريها.
صمت ثوان ارتشف فيها من زجاجة المياه الباردة ثم أكمل:
المهم خلينا في كلامنا، كنت بقولك إن "شاكر" ده تحسه مش متظبط، و"ملك" ملهاش ذنب في كل ده... أنا عارف إنك عايز تحسره، كلنا عايزين حق "فريد"... بس هيبقى ظلم لما نخلي " ملك" لعبة في النص.
كان يتابع الطريق حين أردف:
أنا قولتلك إني مش هطلقها حتى لما نلاقي "شاكر".
ابتسم " طاهر" ورفع حاجيه الأيسر سائلا:
ماهو طالما وافقت على شرط أبوك ده، يبقى في سبب تاني لجوازك منها يا "عيسى".
_سبب زي اللي مخليك مش عايز ترجع لمراتك اللي كنت بتحبها مثلا؟
سأل " عيسى" بنفس ضحكة "طاهر" وهو يطالعه فتأفف "طاهر" بانزعاج ثم سمعه يقول:
هو أنت طلقتها امتى أصلا؟
قال "طاهر" بغيظ:
طلقتها قبل وفاة "فريد"... أنا صبرت عليها كتير يا
" عيسى"، صبرت على حسابي وحساب عيل صغير ميفهمش أصلا هي بتعامله وحش ليه... وكان عندي استعداد أديها فرصة تانية بعد طلاقنا لكن هي اللي ضيعتها.
قال "عيسى" ناصحا:
أنا شوفتها لما جت لأبوك، متفكرش كتير سيب الأمور تمشي زي ما مكتوب ليها تمشي... بس على حسب كلامك اللي تستخسر شوية حنية في عيل صغير، يبقى متستاهلش حتى يتبص في وشها.
توقفت السيارة فنزل "طاهر" وتبعه "عيسى" الذي قال مودعا بابتسامة:
مع السلامة، خلي بالك من نفسك.
_خلي بالك أنت من "يزيد"... وبالذات في الموضوع بتاع بكرا اللي حكتلك عنه ماشي؟
تذكر " عيسى" ما سرده له "طاهر" فأخبره مطمئنا:
متقلقش.
انتهى حديثهما، أكمل "طاهر" طريقه وعاد "عيسى" إلى سيارته واتجه عائدا نحو المنزل.
★***★***★***★***★***★***★***★
أخيرا في غرفتها بعد ليلة طويلة مرهقة، نام الجميع وبالأخص والدتها ولم يبق سواها مستيقظة، أنهت "مريم" مذاكرتها، وهرولت إلى الفراش وقد اشتاقت للراحة، فتحت هاتفها تنظر فيه قبل نومها فوجدت رسالة منه، فتحت محادثتهما لتجده أرسل مقطع مصور، ابتسمت باستغراب وهي تفتحه، وقد وضعت سماعات الهاتف في أذنيها لتجده أمامها في ما يشبه المرسم، لوحات هنا وهناك وهو بملابس ملطخة بالألوان... سمعت صوته وهو يقول يلا يا "يزيد" وريها.
أخذ الصغير الهاتف وساعده "حسن" في توجيهه على لوحة بعينها وهو يقول ببراءة:
أنا يا "مريم" دخلت المرسم عند "حسن" ولقيته بيرسم بنت جميلة، وأنا عرفت أنها أنتِ علشان أنا عارفك... مش احنا اصحاب؟
هزت رأسها وهي تضحك بغير تصديق، لتسمع الصغير يكمل حديثه:
أنا قولت لحسن هروح أقول لمريم، فهو خلاني أصورلك الفيديو ده، ثم حرك بمساعدة "حسن" الهاتف على لوحة اخرى قائلا:
بصي راسم صورة كمان.
كانت الصورة عبارة عن مجموعة من الشباب يلعبون الكره، وهي تمر جوارهم وقد ظهرت تقاسيمها جادة للغاية مما جعل "يزيد" يقول:
بس أنتِ مكشرة فيها.
ضحكت وهي تضع كفها على فمها حتى لا يعلو صوتها ثم وجدته يظهر هو ويقول مازحا:
"يزيد" صمم يوريكي المرسم، طبعا أنتِ شايفة البهدلة اللي أنا فيها
كان يشير على الألوان التي لطخت ملابسه وقال:
أكل العيش يا اختي.
تابع القول رافعا رأسه بفخر:
مش محتاج طبعا أقولك قوليلي رأيك في الصور، لأنهم شغلي فأكيد حلوين جدا.
ضغطت على شفتها بغيظ وهي تتابع المشاهدة حتى كسا الخجل وجهها وهو يقول أخر كلماته به:
بس الأحلى منهم أنتِ... تصبحي على خير.
انتهى المقطع، وقد زين ثغرها ابتسامة واسعة، أغلقت الهاتف وهي تتنهد بفرح ثم احتضنت ذراع والدتها وهي تغمض عينيها بسعادة لا يصفها شيء.
سعادة كان هو المتسبب فيها.
★***★***★***★***★***★***★***★
أتى الصباح، وقدم معه الهواء النقي الذي حرك الأشجار المحيطة لمنزل "منصور" هنا وهناك...
كانت "ندى" تنعم بنوم سبقه صعوبة في النوم بسبب عدم تكيفها على النوم هنا، جاورها زوجها "جابر" ... دقات متواصلة على الباب كانت سبب استيقاظها حيث نطقت بضجر:
في إيه؟
_الحاج منصور مستنيكم تحت على الفطار.
قالتها الخادمة ورحلت، فتأففت "ندى" بانزعاج قبل أن تقول منبهة:
جابر... اصحى يا "جابر".
فتح " عينيه" وظهر أثر النوم في صوته وهو يسألها:
عايزة إيه؟
قالت وهي تضع رأسها على الوسادة من جديد:
عمو بيقولك انزل افطر معاه.
استدار ليرى الساعة وهو يتثائب فوجدها اقتربت من الثانية عشر ظهرا، فترك الفراش وهو يسألها قبل دلوفه للمرحاض:
قومي اصحي علشان هتنزلي معايا.
_حاضر
قالتها بغضب داخلي، وهي تعترض داخليا بسبب إزعاجهم لها حتى في فترة النوم.
لم يمر الكثير حتى صارا في الأسفل كل منهم على مقعده أمام الطاولة التي ترأسها والده وهو يقول:
صباح الخير يا "ندى"
رسمت ابتسامة على وجهها وهي تبادله قائلة:
صباح النور يا عمو.
بدأوا في تناول الإفطار، وحل صمتهم حتى قطعه صوت "منصور":
عايزة شوية بقى وأسمع أخبار حلوه.
تصنعت عدم سماعه، وتابعت تناول الطعام حتى هزها " جابر" في كتفها:
أبويا بيكلمك.
زفرت وهي تحاول كتم غيظها، ثم رفعت رأسها له واغتصبت ابتسامة قبل أن تقول:
معلش يا عمو كنت بتقول إيه... مخدتش بالي.
_بقول عايز أشوف عيل ليكم .
قالها "منصور" بجدية، فهزت رأسها ناطقة:
إن شاء الله ادعيلنا.
ضحك "جابر" وربت على كف والده قائلا:
أول عيل هسميه "فضل" إن شاء الله على اسم جدي.
كررت باستنكار وقد ألقت الملعقة:
فضل!...فضل اللي هو اسم جدك ؟
هو أنا مقدرة حبك... بس مفيش حد بيسمي طفل "فضل"
سألها "منصور" ببوادر غضب:
ماله فضل يا "ندى"؟
_مالهوش يا عمو بس قديم شوية.
قالتها مبررة فردعها " جابر":
لما تبقي تخلفي الأول ابقى اتخانقي على القديم والجديد.
رمقته بغضب، تركت بعده مقعدها قائلة باستئذان:
عن اذنكم.
قال "منصور" باعتراض:
قايمة ليه يا "ندى" ما تقعدي.
قالت وهي ترمق بانزعاج "جابر" الذي تابع تناول طعامه:
شبعت.
غادرت المكان واتجهت إلى الأعلى فأردف "منصور":
بالراحة عليها شوية.
_أنت مش شايفها رافعة مناخيرها وشايفه نفسها على الكل ازاي... سيبك منها خلينا في المهم.
انتبه له والده لسماع ما سيقال، فبدأ " جابر" في الحديث مجددا:
أنا جبت كام واحد من رجالتنا في البلد، هينشرو إن "شاكر" هو اللي قتل "فريد" وهربان، و"نصران" وولاده بيدوروا عليه علشان ياخده بطارهم، وقالوا لو مظهرش خلال شهر هيقلبوها على عيلة "مهدي" كلها.
لمعت عينا "منصور" وهو يقول برضا:
عليك نور يا "جابر"... بس أنت متأكد إنهم هينشروا الكلام في البلد كلها؟
رفع إصبعيه وهو يقول لوالده:
يومين بالكتير وهتلاقي الناس هنا مبتحكيش في حاجة غير الموضوع ده.
ربت " منصور" على كتف "جابر" قائلا بفخر:
وأنا واثق فيك.
في نفس التوقيت كانت هي داخل غرفتها، أحاطت رأسها بذراعيها وانخرطت في نوبة بكاء قطعتها حين جذبت هاتفها وأرسلت لابنة عمها:
"بيريهان" أنا مش طايقة القعدة هنا، علشان خاطري اتصرفي وتعالي اقعدي معايا كام يوم.
أرسلتها وأغلقت ثم ألقته جوارها بضيق، شردت في لحظات لم تتركها منذ أمس.. تحديدا منذ اللحظة التي رأته فيها، تستطيع الآن رؤية نفسها وهي تذهب إليه في المكان الذي بدأ إعداده ليصبح معرض سيارات خاص به، دخلت بانفعال وكان هو في ذروة غضبه... قبل أن تتفوه بحرف تحدث:
امشي دلوقتي يا ندى.
كان طلب ولكنه شابه التحذير فأجابت عليه:
لا مش همشي يا "عيسى" غير لما نتكلم... إيه اللي أنت عملته ده؟
صاح بعصبية وهو يضرب على الحائط بقبضته:
قولت امشي دلوقتي.
تحدثت غاضبة:
لا ما هو متبقاش فاهم غلط، وبتزعق كمان يا "عيسى"... أنا عايزة أتكلم دلوقتي.
_وأنا مش عايز.
قالها وهو يلقي كوب زجاجي على الأرضية فتراجعت للخلف محذرة:
مش عايز!...هو انا على مزاجك؟... من حقي أدافع عن نفسي على فكرة.
ضرب بقبضتيه على الطاولة وصاح بنبرة جعلت الذعر يتملك من جسدها:
لآخر مره بقولك امشي من هنا دلوقتي.
نزلت دموعها وهي تسأله:
أنت شايف نفسك؟
ذهب ناحيتها بخطوات منفعلة، وعينين اشتعلتا وجذب مرفقها فصرخت خائفة:
اوعى أنت هتمد ايدك عليا.
ضحك داخله ساخرا وهو يخرجها من المكان غالق الباب خلفها بعنف شديد تبعه جلوسه خلفه بأنفاس متلاحقة لا تتوقف عن السباق.
عادت إلى الواقع تنظر حولها بأسى، وضعت رأسها تحت الغطاء وتذكرت أمر زوجها الذي أهانها في الأسفل فهمست متوعدة:
أنا هوريك يا " جابر".
★***★***★***★***★***★***★***★
يجلسن معا أمام التلفاز، بعد أن انتهى الإفطار، جلست مريم تعد حقيبتها وهي تسأل:
هو أنتِ يا ماما هتفضلي زعلانة لحد امتى؟
ما من إجابة، فسألت "شهد" بريبة:
هو مش "ملك" موافقة يا ماما، ما خلاص.
سمعن صوت شقيقتهم التي احتضنت والدتها من الخلف تسألها بمزاح:
مش هتنزلي تفتحي المحل؟... أنا لبست أهو علشان أنزل معاكِ
ارتفع صوت ضحكات "شهد" و "مريم" أما "هادية" فسألت معاتبة:
ليه يا "ملك" كده؟
_علشان كل حاجة بتقول إن لازم كده اللي يحصل، حتى لو محدش راضي عنه.
قالتها "ملك" وتبع قولها انقطاع الكهرباء وحلول الظلام في الردهة فخرجت صرخة عالية من "شهد" التي تشبثت بوالدتها بخوف.... الظلام ذلك الشيء الذي يحفز عقلها وكامل جسدها لرؤية كل ما هو مخيف والسبب تعلمه جيدا... ذهب عقلها بعيدا حيث سبب هذه الحالة... كانت في العاشرة من عمرها حين وجدت زوجة عمها تجذب زراعها قائلة بشراسة:
أنتِ بتقطعي ل "علا" كراساتها ليه؟
_هي كمان بتعمل كده في حاجتي، و بعدين سيبي ايدي، ماما قالتلي محدش يمد ايده عليكِ.
قالتها "شهد" مدافعة فوجدت "كوثر" تسحبها قائلة بتوعد:
طب تعالي يا بنت "هادية".
كانت غرفة مظلمة جوار المنزل، حيث يخزن عمها بعض الأشياء، تتذكر جيدا كيف فتحتها " كوثر" بينما ارتفع صراخها وهي تحاول التملص منها ولكنها الطرف الأضعف، ألقتها بالداخل وأغلقت الباب من الخارج بالمفتاح وهي تسمح صراخها من الداخل:
لا افتحيلي حرام عليكِ... خلاص مش هعمل كده تاني.
رفعت كفيها الصغيرين تدق على الباب بكل قوتها، وقد انهمرت دموعها وهي تنظر خلفها وكأن وحش سيلتهمها الآن قادم من كلام هذه الغرفة... استغاثت كثيرا، وترجت أكثر ولكن النتيجة هي أنه تم تركها في الداخل أكثر من ثلاث ساعات، همدت بعد النصف ساعة الأول وجلست على الأرضية بذعر، وخرجت أمها وشقيقتها للبحث عنها بعد أن تأخرت في درسها، فخرجت "كوثر" تفتح لها ونشب عراك حاد بين والدتها وزوجة عمها.
عادت إلى الواقع وقد فتحت شقيقتها نوافذ المنزل بأكمله فغمر ضوء الشمس المكان، عاد انتظام أنفاسها فربتت "هادية" على كتفها واحتضنتها، اقتربت "ملك" و "مريم" خوفا عليها ولكن خرج صوتها وهي تقول:
حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ يا حرباية.
علت ضحكاتهن وهن يسمعن دعائها، ودفعتها والدتها قائلة بغيظ:
اوعي خلاص بقيتي كويسة.
تركتهم "هادية" وقامت تحضر مفتاح مكانها بينما في نفس التوقيت وفي منزل "نصران"... خرجت " سهام" لمقابلة الضيفة التي أخبرتها "تيسير" بوجودها، رسمت على وجهها ابتسامة صغيرة وهي تقول:
ازيك يا "حورية" .
"حورية" شقيقة زوجة "طاهر" الأولى، وخالة "يزيد" الشابة التي قضت الكثير خارج البلاد وعادت منذ فترة، ولم تنقطع زياراتها ل "يزيد"....بادلت "سهام" الابتسامة وقالت:
الحمد لله يا طنط... أسفة مقدرتش أجي ساعة الوفاة، مكنتش في مصر.... البقاء لله.
_ونعم بالله... خمس دقايق "تيسير" بتصحي "يزيد" وهتنزلهولك.
قالت "سهام" ذلك وتحركت متجهة ناحية الأعلى، انتظرت "حورية" نزول الصغير بملل من الانتظار، حتى وجدته يقفز على الدرج فهرولت ناحيته بحب:
حبيبي.
احتضنها بحب مصرحا:
وحشتيني أوي أوي يا خالتو.
قبلته من وجنته، وأخذته وقد عادت للجلوس على الأريكة قائلة:
يا روحي أنت كمان وحشتني.
ضحك بفرح ولكن اختفت ضحكته وهي تقول بحزن:
بس أنا زعلانة منك.
سألها بحزن مماثل:
ليه يا خالتو، أنا عملت حاجة؟
سردت أسبابها معاتبة:
مش أنت وعدتني أنك هتقول لبابا أنك عايز تقعد معايا شوية، وبعدين مش أنت قولتلي في التليفون أن طنط فريدة خلاص مشيت، وبابا بيبقى في الشغل، ليه بقى متجيش تقعد معايا؟
قال وهو يحاول مراضاتها:
بس أنا يا خالتو بحب هنا، وبحبك أنتِ كمان.
حاولت إقناعه بطريقة ينجذب لها طفل مثله:
لو جيت معايا هتحب عندي أكتر، وكمان في هناك pool و garden أحسن من اللي هنا بكتير.
_بس هناك مفيش بابا.
صوت أتى من خلفهم، استدارت لترى صاحبه، فجحظت عيناها، وأدركت قول "يزيد" حين أخبرها في الهاتف:
عمو "فريد" راح عند ربنا، بس عمو "عيسى" شبهه بالظبط وبقى قاعد معانا علطول.
الشبه بينه وبين الفقيد جعل القشعريرة تصيب جسدها، أدركت ما قال فحاولت تصحيح قولها:
أنا بس كنت عايزة "يزيد" يقعد عندي كام يوم.
اقترب "عيسى" من "يزيد" ومال ليصبح بمحاذاته وهو يسأله:
"يزيد" أنت عايز تروح تقعد مع خالتو؟
هز رأسه نافيا وهو يقترح:
لا أنا بحب اقعد هنا، وبالليل أنا و "حسن" بندخل المرسم، ولما "رفيدة" بتيجي بنلعب سوا... ممكن خالتو تقعد هي معايا هنا؟
سألها "عيسى" وقد ارتسم على وجهه ابتسامة ماكرة:
ممكن يا خالتو تقعدي مع "يزيد" هنا؟
أدركت ما يفعله، فقالت بحدة:
بس انا شغلي ميسمحش إني أقعد هنا.
استقام "عيسى" واقفا وهو يخبرها مواجها:
وشغلك برضو مش هيسمحلك تدي الطفل ده الاهتمام الكامل، لكن هنا شغل والده بيعوضه وجود كل اللي في البيت،
وقفت "سهام" على الدرج وهي تسمع "عيسى" يتابع:
وأولهم جدته، فياريت تبطلي كلام من نوعية إنه يقعد عندك، حابة تزوريه البيت بيتك، عايزة تاخديه زيارة لبيتك رغم إن ده ممنوع ممكن تاخديه يوم أو يومين، لكن أي حاجة تانية مش هيحصل، وياريت يكون كلامي اتفهم كويس.
ليس مجرد حديث، بل تحذير صريح وجهه لها، بعد أن سمع من "طاهر" ضيقه من شقيقة زوجته التي تسعى بطرق خفية لجعل الصغير يبقى معها.
مسح "عيسى" على خصلات "يزيد" وغادر المكان بأكمله، أما "سهام" فنزلت واتخذت مكانها على الأريكة وقد كررت عدم ترك "حورية" مع "يزيد" بمفردهما بعد ما سمعته منذ قليل.
★***★***★***★***★***★***★***★
اليوم دافئ على عكس الأيام الباردة الماضية، جلسن في الدكان ووقفت "شهد" تزن لإحداهن الأرز قائلة:
يا ماما "تقى" حلفتني وهتزعل... أنتِ عارفة إن "تقى" ملهاش أصحاب كتير.
أعطت السيدة الواقفة الأرز وأخذت المال منها ثم دخلت مجددا وأشارت ل "ملك":
قولي حاجة أنتِ... مش صاحبتك دي؟
كانت تتحدث عن ذلك الاتصال الذي ورد من " تقى" صديقة "ملك" قبل قليل، أجابت "شهد" هذه المرة فوجدتها تطلب منها أن تخبر "ملك" بموعد زفافها، وتلح في طلبها على ضرورة حضورها.
كانت "ملك" في حالة لا تُحسد عليها، حفل زفاف في القاهرة، ستتحول بهجة الزفاف إلى حزن مقيم إذا حضرت هي، فحزنها كاف لسد حاجة الكون أكمله منه، ولكنها صديقتها في النهاية، وستشعر بالحزن إذا لم تحضر.
قطع الحديث حضوره، تركتهم والدتهم وأخبرتهم:
خليكوا هنا.
خرجت ل "عيسى" وقد أحضرت مقعد له وقالت:
اتفضل اقعد.
جذب المقعد وجلس عليه، جلست هي الاخرى وانتظرت حديثه حتى قال:
عاجبني انك خايفة عليها.
طالعته تنتظر المزيد فتابع:
بس أنا اخر حد تخافي عليها منه، ممكن تخافي عليها من "شاكر"، من أمه، من عمها لكن أنا تبقى غريبة شوية.
_بس أنا...
كانت ستتحدث فقاطعها:
" ملك" كانت غالية عند أخويا، وانا الغالي عند أخويا غالي عندي...رفضك اللي من غير مبرر ده بيضرها مش بيقف في صفها.
أخبرته بألم:
وأنا مش عايزة بنتي تتكسر تاني، "ملك" متستاهلش كل اللي بيحصل ده، عارف يعني ايه واحده في سنها ده تكره الفرح، نص وقتها ان مكانش كله قاعدة في أوضتها بتعيط، حياتها باظت مبتتقدمش خطوة فيها، كل ما تقرر تكمل دراسة تقعد متعملش، صاحبتها اتصلت تعزمها على فرحها بكرا، وقاعدة جوا مش عايزة تقول هي هتروح ولا لا، وكأن الفرح ده حرام عليها وهي خايفة تعمله
انا بنتي لو اتكسرت تاني مش هتقوم ليها قومة.
قالت أخر كلماتها وقد نزلت دموعها فصرح هو لما جعل داخلها يطمئن:
وبنتك مش هتتكسر طول ما أنا موجود، متعودتش أوعد حد بحاجة أنا مش هقدر أعملها، لكن اللي أقدر أوعدك بيه إن جوازها في مصلحتها.
ترك مقعده، واستقام واقفا... نظر إلى الداخل حيث تجلس هي وشقيقتها ثم سأل:
فرح صاحبتك فين؟
رمقت والدتها معاتبة ثم أخبرته:
لا أنا مش هروح الفرح.
_في القاهرة
قالتها "شهد" ثم تبعتها بمكان القاعة، وموعد الزفاف على الرغم من نظرات والدتها المحذرة.
قالت باعتراض:
أنا مش عايزة أروح، هباركلها في التليفون.
أشار "عيسى" ل "شهد" وقد وجه حديثه هذه المرة لها:
قوليلها تجهز وأنا هبقى أجي أخدها.
قال أخر حديثه ثم رحل، ليحاوط "شهد" نظرات مشتعلة فهددت:
انا اللي هيقرب ناحيتي هصوت وألم الناس عليه.
جعلت كلماتها والدتها تدخل لها بتوعد بينما في نفس التوقيت، كانت "رفيدة" قد أنهت محاضرتها للتو وتتجه إلى السكن حتى تستعد للرجوع إلى الاسكندرية، وجدت سعد في الخارج والذي بمجرد أن قابلها سأل بتصنع الحزن:
هتمشي؟
هزت رأسها تخبره:
أيوه هحضر بكرا وامشي، كده كده الامتحانات قربت وهقعد الفترة دي في البيت.
أعطاها حقيبة وقد ظهرت ابتسامة مودعة على وجهه:
خدي دي قبل ما تمشي.
_دي ليه؟
سألت وكانت إجابته:
علشان عيد ميلادك اللي الشهر ده، وتقريبا كده مش هشوفك لأخر الشهر.
ابتسمت بامتنان صادق وهي تنطق:
شكرا يا "سعد" دي أول هدية تجيلي في عيد ميلادي ده... علشان كده هيبقى ليها مكانة خاصة.
ودعته ثم أخذتها وغادرت، رمق هو أثرها بضحكة هازئة وقد كسا عينيه الحقد وهو يتذكر... يتذكر حين كان طفل صغير
أخذته والدته وذهبت لمقابلة سيدة في أحد المقاهي الشبابية، تذكر نبرة والدته المتوسلة:
والله العظيم الواد ده ابنه، أنا يا مدام "سهام" اتجوزت أخوكي بعقد عرفي، ووعدني إنه هيتجوزني رسمي، وأول ما حملت رماني، أنا ابني كبر زي ما أنتِ شايفة ومش لاقية أكله ولا عارفة أعمل ايه، لو مش مصدقاني نروح نعمل التحليل.
أخرجت تلك السيدة التي يتذكرها جيدا حفنة من المال ووضعتها أمام والدته قائلة:
خدي دول، ومش عايزة أشوف وشك عند بيتي تاني، علشان أقسم بالله هعملك مشكلة... أنا مليش دعوة بأخويا مشاكلك معاه روحي حليها، وطالما بتقولي الواد ابنه روحي ارفعي عليه قضية نسب، لكن أنا خرجيني برا الكلام ده كله.
وقفت لتغادر ولكنها استدارت وألقت نظرة مشفقة على السيدة وصغيرها، ثم أخرجت أوراق نقدية مجددا من الحقيبة ووضعتها قائلة:
خدي دول كمان.
_أنا مش عايزة فلوس أنا عايزاكي تساعديني.
قالتها السيدة بدموع، فأخبرتها "سهام" بقلة حيلة:
وأنا مقدرش أساعدك غير كده.
أنهت الحديث ثم غادرت، ولكنها غفلت عن عين ترمقها بحقد دفين.
عاد إلى الواقع وألقى لفافة تبغه ثم دهس عليها، اعتبرها الماضي الذي تمنى أن يدهسه هكذا أيضا.
★***★***★***★***★***★***★***★
فستان رقيق من اللون الأسود، زين أكمامه الدانتيل المحاط بها، وانتثرت على قماشته زهور بيضاء صغيرة، وحجاب أخذ من أحد الألوان الموجودة بالرداء، وحذاء عال... أشياء ابتاعتها لها "شهد" من المتجر، كي ترتديها في الزفاف.... ارتدتهم وأخبرتها والدتها كم تبدو رقيقة، جميلة، ناعمة كالقطط ولكن ذلك الشيء الذي يعلمه الجميع ويتجاهله أنها حزينة
هي الآن جوار "عيسى" في سيارته، حيث يتجه إلى القاهرة وتحديدا زفاف صديقتها، كان الليل قد أسدل أستاره، وكذلك خيم الصمت عليهما، حتى وجدها تمد كفها لسحب قلادة وضعها في سيارته، تلك القلادة التي كان يرتديها "فريد" وبها أول حروف اسمها، أخذها من يدها فرمقته باستنكار، أشار على سوار شقيقه الذي حاوط كفها قائلا:
اديتك ده، لكن السلسلة هتفضل معايا.
_على فكرة انا مقولتش إني هاخدها.
قالت جملتها بغضب، فنطق ما أثار غيظها:
وما استأذنتيش قبل ما تشوفيها.
طالعته باشتعال أجبره على الضحك وهو يقول:
لو كانت النظرات بتقتل، كان زماني جثة دلوقتي.
أبعدت عينيها عنه وعادت تنظر أمامها، مر الوقت وكان طويل حقا، هما الآن في القاهرة، وفي طريقه إلى قاعة الزفاف، ولكن في أحد الشوارع الضيقة والشبه خالية من المارة وجد سيارة خلفه، شعر بالقلق، حين وجدها تحاول دفع سيارته، ودقائق وقطعت الطريق عليه لتصبح أمام سيارته.
ارتعدت أوصالها وهي ترى ما يحدث، لم تستطع السؤال بسبب ذعرها، أما عنه فنزل ليرى ما يحدث، ولكنه اصطدم بأربع رجال أخفوا وجوههم وبيد كل منهم عصا خشبية ضخمة، نشب عراك بينه وبينهم، وسددوا له ضربة شديدة بالعصا على قدمه، واستغل اثنان منهم الوضع وذهبا له من الخلف فاستطاعا الامساك به بإحكام، فقال "عيسى" بشراسة للواقفين أمامه:
طالما رجالة أوي كده، ما تشيلوا اللي على وشكم ده.
ضربه أحدهم لكمة عنيفة، وركله الآخر... أما من في الخلف فيحاولا بصعوبة ألا يجعلاه يفلت، فمقاومته شرسة.
صرخت بخوف، وتركت السيارة ونزلت لتهرول ناحيته، ولكن مع نزولها رأت "شاكر" يخرج من السيارة قائلا بضحكة واسعة:
كنت مستني أشوفك هتفضلي في العربية قد إيه... بس خيبتي ظني ونزلتي أول ما اتضرب... اوعي تحبيه هو كمان ازعل أوي
استدار ل "عيسى" الذي أحكم الرجال معه قبضتهم عليه، فأخذ يقاومهم بشراسة... قال "شاكر" ساخرا:
أنا قصادك أهو... بس مش قادر تلمس شعرة مني.
شهقت بصدمة غير مصدقة بينما تابع هو الاقتراب منها:
يا شيخة دي مقابلة برضو بعد كل الغيبة دي؟... طب المشهد ده مبيفكركيش بحاجة؟
زادت المقاومة الضعفين بعد أن لمحه، وسمع صوته
أما عنها فزاد اقتراب "شاكر" منها فصرخت عاليا، وهي تهرول ناحية "عيسى" لكنه لحق بها، مسك ذراعها فبصقت في وجهه، وتملصت منه بشراسة صارخة:
ابعد عني يا حقير...
كل شيء يتكرر الليل، و "شاكر"، ونظراته التي حملت الشر... بقى فقط وعيده وصدق قولها حيث أخرج سلاحه متوعدا:
خطوة كمان هتجريها ناحيته، وهخليه جثة قدامك زي أخوه.
استدارت ترمق سلاحه بانهيار.... هو خلفها وأمامها
" عيسى" وقد اجتمع عليه من هم مع "شاكر" ... لم تفد قلة حيلتها سابقا فخلعت حذائها ولكن قبل أن تضرب به "شاكر" كان قد أحكم الإمساك بها، وثنى ذراعها خلف ظهرها وهي تحاول التخلص منه بكل قوتها... سمعته يقول:
ولما أكسرلك بقى يا لوكا ايدك دي هتفرحي دلوقتي؟... بتضربي حماتك ليه
زاد أكثر من ضغطه على ذراعها الذي جعله خلف ظهرها فخرجت منها صرخة عالية امتزجت بسبها له.... زاد الألم، الكابوس يتكرر لذا أخذت تصرخ عاليا... صرخات بلا انقطاع.
وكأن تلك الليلة أقسمت أن تتكرر الآن حتى تتيقن أنها قضت عليها تماما ولن تنساها أبدا.
إياك والهجر، فإن الهجر قاتلي.
ارحم فؤادي، والله روحك مأمني.
وروحي لا تتسع، وقلبي لا يسمح
إن كنت ترغب مماتي... فاتركني مُهْلِكِي.