رواية خان غانم الفصل الثاني والعشرين 22 والأخير بقلم سوما العربي
في ظهر اليوم التالي
تململت في الفراش تتمطأ ثم تتثائب بخمول و هي تبتسم براحة تفتح عيناها رويداً رويداً.
و ما أن فتحت عيناها حتى أغلقتهما مجدداً و ارتمت على الفراش تتصنع النوم.
فهتف بشر : شوفتك صحيتي و فتحتي عينك كمان .
أضطرت لأن تفتح عيناها مجدداً و تردد بتوتر : صباح الخير.
فردد بضيق شديد: كان المفروض نقول صباحية مباركة بس إزاي و أنا عروستي طول الليل مرعوبة مني كأني هولاكو .
أبتلعت لعابها بتوتر و قالت بتأتأه و تقطع : ماهو.. ماهو أنت بردو الي قلعت مرة واحدة ، و بعدين كنت بتجري ورايا كأنك بتجري ورا فرخة ، و كمان.. كمان إنت.. أنا يعني.. ماهو.. أصل أنا أول مره أشوفك كده و أنت خضيتني و.
زم شفتيه يسب نفسه على غباءه ، لكن ماذا يفعل فلقد تمالك نفسه بصعوبة كل تلك الأشهر التي مرت و هي زوجته قبل العرس علاوة على الفترة التي قضتها أثناء عملها في بيته و هو يعشقها .
و ما أن أعلنا الزواج حتى ترك اللجام لرغبته أن تتحرر فأخافها و ها هي الآن تنتفض مرتعبة منه .
سحب نفس عميق لا يعرف كيف يتصرف الآن معها .
وضع يده على خده كمن سُكب طبخها و قال : و الحل ؟
أبتلعت لعابها من جديد و قالت بترقب : أنت تديني وقتي .
ملامح وجهه تنم عن أنه لا يستصيغ الفكرة بتاتاً ، فأنكمشت حول نفسها و أكملت: و ما تقربش مني تاني و النبي.
أغمض عيناه بصدمة ، حلا في أقصى درجات الرعب منه ، على ما يبدو أنه غبي متهور و قد أخافها .
مد يده يحاول تهدئتها فأنكشمت أكثر و أكثر على نفسها فقال و هو يربط على كتفها: مش هعمل حاجه و الله ، ده انا عايز أتبططب عليكي.
رفعت عيناها تنظر له بترقب الصدق فابتسم لها ثم قال: إيه رأيك نقوم نعمل فطار مع بعض ؟
و أخيراً أبتسمت له تهز رأسها موافقة فقال : طب يالا أسبقيني .
أزاحت الغطاء عنها لتنكشف منامتها الشتويه الواسعة ذو الخامة الثقيلة جداً فسأل مستنكراً: حبيبتي... الشتا خلص خلاص...هو أنتي سقعانة أوي كده ؟
حلا : لأ.. أه.. أه
فهم عليها فقال : طب يالا على المطبخ.
وثبت سريعاً من على الفراش و مرت أمامه تعطيه نظرة مطولة مفسرة لجسدها الغض الممتلئ.
فردد بعويل : يا نهار أسود ، يا رب أعرف أمسك نفسي.
مر الفطور بسلام و غانم يحاول منحها الفرصة بعد هجومه عليها بالأمس.
لكن الفرصة طالت و اليوم تعدى لأربع .
كانت تجلس بجواره على الأريكة تحاول الإندماج مع الفيلم و هي تلاحظ نظراته عليها فتتهرب منها .
لكنها لم تستطع أن تكمل و تلاقت عيناها بعينه فسألت : في حاجه ؟
ذم شفتيه و قال : لا يا حبيبي و لا حاجة.
قام عن مقعده و جلس بجوارها يلتصق بها ثم سأل: حلا حبيبتي ، أحممم، أنا شايف قمصان نوم كتير حلوة اوي جوا ، مش بتلبسي منهم ليه دول عجبوني أوي مش هما ذوقك بردو .
نظرت له و هي على وشك البكاء و قالت : لا يا أخويا ، أخاف ألبسهم فتتغرغر بيا .
رمش بأهدابه : أخوكي ؟! أه ما ليكي حق .
صمت ينظر لنفس المنامة التشويه التي تعتمدها منذ أول يوم زواج ثم قال: طب و الترننج ده إيه هيفضل ثابت معانا ؟
حلا : ايوه... أصله.. أصله بيريحني
غانم: ولا عشان ده أوسع ترنج عندك.
وقفت تحاول الهرب من الإجابة و دلفت لغرفتهم فذهب خلفها فقالت : أنا هدخل أخد دش.
أبتسم بإتساع يحاول أخذ أي فرصة مردداً: أجي معاكي بقا .
هزت رأسها سريعاً و هرولت ناحية المرحاض ، هم ليدخل لكنها أسرعت بغلق الباب .
و إستشاط غضباً و هو يسمع صوت غلق قفل الباب من الداخل .
مسح على وجهه بضيق شديد ثم خرج من البيت نهائياً .
فخرجت حلا من المرحاض بعدما وصلها صوت صفق الباب من الخارج.
تقدمت من الشرفة المطلة على الشارع لتراه و هو يفتح باب سيارته بحزن ثم إستقلها و غادر.
تقدمت تجلس على الفراش بتوتر تضم يديها معاً بضيق تفكر بأنه قد طال صبره عليها كثيراً ، لا تعلم لما تخشى تلك الخطوة و هي تحبه ؟!
ربما عليها نسيان الخوف و التوتر ، و ما أن يعود و تراه تنظر له و لا تفكر سوى بأنها تحبه و أنه زوجها.
وقف في أرضه الممتدة على مدى النظر لا آخر لها يراقب العمال و هم يجمعون محصول المانجو من الأشجار .
ليبتسم بحنان و هو يتذكر عشقها الخاص جدا للمانجو و كم من مرة كان يراها في مطبخ بيته تأكلها على هيئة قطع ، أتسعت ابتسامته هو يتذكر ذلك اليوم حين أخبرها أن للمانجو أصول خاصة في التناول لكنها اخبرته أيضاً أن تلك هي طريقتها الخاصة التي تمتعها بالمانجو.
تنهد بتعب و قد قتله شوقه لها ، يهز رأسه بجنون فهي و بعدما صارت زوجته بات إقترابه منها في غاية الصعوبة ، قبلما تصبح زوجته كان قريب منها أكثر و الله.
إلتف لكي يغادر و ذهب ناحية سيارته ليجد سيارات صلاح عيسى تشق الطريق شقاً حتى توقف أمامه و ترجل منها .
ضحك غانم و هو يرى صلاح يترجل بسيارته بنفس الطريقة الدرامية ككل مرة و يقف من جديد أمامه بعصبية يردد : أنت ياض أنت واطي ليه ؟ مافيش فايدة فيك ؟
حاول غانم التوقف عن الضحك و هو يردد : و هو كان في فايدة فيك عشان يبقى في فايدة فيا ؟ كل مرة لازم تدخل عليا بدخلة الشبح دي ؟ ماخلصنا بقا و لا إيه يا عم الكاريزما ؟
أزاح صلاح نظارته من على عينه و قال : لا ما خلصناش ، و بعدين أهو أنا كده ، خلقتي كده، ربااني ، كاريزما ماشية على رجلين .
غمز له غانم بإحدى عينيه و ردد بعبث : و أما هو كده ، مش عارف تظبط ليه ؟
أرتبك صلاح في وقفته و حمحم مردداً: أحمم، تصدق أنا غلطان إني حكيت لواحد واطي زيك .
غانم:وماله ياعم مقبوله منك .
صلاح : يخربيت برودك يعني مش كفايه مالكش كلمة و بعد ما قولت لي مش هقدم على مزاد الأرض الجديده ألاقيك قدمت يا زبالة.
زم غانم شفتيه يدعي البراءة ثم قال: كده؟ و أنا إلي كنت ناوي أجيب المدام بتاعتي و نيجي عندك ل.. ل.... أنت قولت لي أسمها إيه ؟
تهلل وجه صلاح ونسى ما جاء لإجله و ردد بلهفة: ريم ... ريم مراتي... أسمها ريم .
رمش غانم بأهدابه غير مصدق لما يراه من صلاح الذي لطالما كان صلب جامد و شديد .
فردد ببهوت : أنا و حلا هنيجي نتعشى معاكم على أساس إنك عازمنا عندك بعد الجواز و كده و حلا تحاول تتكلم معاها إيه رأيك ياسيدي .
كاد صلاح أن يقفز من الفرحة ، تحول لطفل صغير ، لم يكن قادر على أن يتحكم في فرحته و الأمل الذي دب في جسده القشعريرة .
فهناك أمل أن يصبح أحدهم في صفه ، فبقصته مع ريم كل الأشخاص ضده حتى أقرب الأقربين و الظروف أيضاً حتى ريم نفسها.
بدأ يتحدث بسعاده و إمتنان واضح : أنا .. أنا مش عارف أشكرك أزاي .. بجد مش عارف... أنا... أنا بص.. أنا هسيب لك المزاد ده.. لأ و مش بس كده... ده أنا هظبطهولك عشان تاخده لوحدك و بص ...
كان يتحدث سريعاً بلهفة و فرحة رجل لأول مرة يشعر بما يسمونه الحب .
و غانم مشفق عليه كثيراً و قد ذاق لوعته ، حاول الإقتراب منه يمسك يديه التي كان يشيح بهما في الهواء وهو يعبر من فرط سعادته .
و قال غانم بينما يقبض على عضديه : أهدى ، أهدى بس يا صلاح، أنا مش عايز منك حاجه ،انا بعمل كده عربون صحوبية مابينا ،انا لسه ما نسيتش إلي عملته معايا .
صمت صلاح يبتسم لغانم الذي أبتسم هو الأخر يقول: و عشان أنا حاسس بيك و جربت كل ده قبل كده.
هز صلاح رأسه متفهماً ممتن في نفس الوقت و قال برجاء: هستناكوا.. اوعوا تتأخروا ، مابقاش وقت و أمها عايزها تاخدها و هي مسافره .
غانم : أهدى ، إن شاء الله خير.... أنا و حلا هنبقى عندك بالليل.
غادر صلاح سريعاً لسيارته لكنه إلتف لغانم يقول : على فكرة أنا حفرت لجميل قبره إلي هينزله برجله قريب أوي مسألة وقت مش أكتر .
أبتسم غانم بتشفي بينما قاد صلاح سيارته عائداً للبيت و هو سعيد، سيذهب ليخبر ريم أن تتجهز لأن لديهم ضيوف ، إنها حجة رائعة كي يدخل غرفتها يتأمل جمالها الذي حرمته عليه والدته و والدتها ، لأول مرة يتفقا على شىء كان هو .. فقد اتفقا عليه.
كانت تجلس على الأريكة تفرك أصابعها ببعض تفكر في حل لمشكلتها ، عليها أن تتغلب على خوفها إن رغبت في إسعاد نفسها و إسعاد زوجها .
شعرت بصوت فتح الباب... زمت شفتيها بحرج ، لقد زادت في الأمر و تمادت ، بالتأكيد رجل گ كل الرجال و قد نفذ صبره خصوصاً و أنه قد صبر عليها كثيراً.
طوال كل الفترة التي مدت و هما متزوجان و هو مراعي حنون ، متفهم لأقصى حد و قد ترك لها فرصتها تماماً كما طلبت رغم أن الأمر لم يسلم من بعض التحرش ، ليس بعض ، بل غانم متحرش طوال الوقت.
كانت تتطلع لوجهه متوقعه أمارات العبوس عليه ، لكن... رمشت بأهدابها و أنشرح صدرها و هي تراه يحمل في يديه علبة كبيرة من الكارتون تظهر منها حبات المانجو الصفراء .
أتسعت عيناها فرحة و سال لعابها ما أن أبصرت المانجو أمامها.... و زادت فرحتها أضعاف و هي تجده على عكس ما توقعت أو فكرت .
فقد أقترب منها و هو يبتسم مردداً: المانجا يا مانجا.
أنهى كلامه بغمزة عابثة ، إنشرح صدرها ورفعت عيناها له تردد : أنا مانجا ؟
غانم : أيوه ملقوظة و مسكرة زيك و كل الناس بيحبوها .
أنكمشت على نفسها بخجل لا يخلو من السعادة بسبب غزله الممتاز بنكهة خاصة عليها بصمة غانم صفوان .
وضع يده أسفل عنقها و قربها منه يقبل رأسها مردداً: يالا بقا غيري عشان خارجين.
حلا : بجد ؟ فين؟
غانم : صاحبي إلي حكيت لك عنه ، صلاح عيسى ، فكراه .
شردت متذكرة اول يوم رأته حينما كانت مجرد خادمة عند غانم و يوم حضر للحفل هو و تلك الفتاة التي لم تنسى ملامحها المميزة حتى الآن.
و قالت: أيوه فكراه ، بس هنروح ليه ؟
غانم : هقولك بس و إحنا في الطريق ،أنتي دلوقتي تقومي تلبسي عشان مافيش وقت ، أوكي ؟
أبتسمت له و وقفت منصاعة لطلباته لكن توقفت في منتصف الصاله و إلتفت له تقول: غانم .
غانم: يا عيون غانم.
ضحكت بميوعة و قالت: شكراً على المانجا .
إلتهب وجهه و قال بنفاذ صبر : يا صبر ايوووب ، روحي من قدامي يا حلا بدل ما افترسك .. روحي.
هرولت بسرعه لغرفتهما تغلق الباب كي تبدل ملابسها ثواني و صرخت بأسمه : غااانم .
دلف لعندها سريعاً يسأل برعب : إيه في إيه ؟
نظرت لإنعكاس صورتها في المرأة حيث كتفها و تلك العلامة الزرقاء عليه من جديد فرددت بخوف: بص تاني .. تاني ... لا أنت بيتك فيه حاجه ، أنا مش بيحصل لي كده غير لما ببقى في بيتك .
حاول تهدئتها قليلاً و هو يشير لها بيديه أن تهدأ ثم قال: أهدي بس علامة إيه ؟ في ايه ؟
أشارت له على كتفها و هي تردد : سلام قولا من رب رحيم ، حابس حابس ، لااأ و الله أكيد في حاجه.
وقف لثواني ينظر عليها و يراقبها بصمت إلي أن انفجر ضاحكاً عليها يملئ الغرفة بقهقهاته مما زاد من سخطها و هتفت بعصبية : أنت بتضحك على إلي أنا فيه... لأ أنا لازم أروح لشيخ أو زار .. ايوه أنا أعمل زار .
غانم : ههههه ... حي.
حلا: و كمان بتتريق عليا.. ده بدل ما تولع لي حتتين فحم و تجيبلي شوية بخور.. أوعى كده من سكتي.. اوعى.
حاولت الخروج من الغرفة لكنه شملها بذراعية يحتضنها يحبت محاولتها في الإفلات منه و هو مازال يقهقه مردداً: فحم إيه إلي اجيبه عشان البخور ، المفروض نجيب فحم لقعدة مزاج حلوة ده إحنا لسه عرسان ، بس هقول إيه بقا و أنا عروستي قاطعه عليا نور و ماية .
رفعت وجهها تحاول تغيير الموضوع مرددة : بقولك في بتاعة في كتفي ،انا خايفه أوي... مش أول مره تطلع لي ، كانت بتطلع لي لما كنت بشتغل في بيتك.
عض شفته السفلى و قال : عشان أنا إلي كنت بعملها و مانجتي .
أتسعت عيناها بصدمة و هو هز رأسه مؤكداً فسألت: إزاي ؟
أبتسم بوقاحة و مال على أذنها يهمس لها بما كان يفعله و قد كرره ليلة أمس و هو يتقلب على الفراش كأنه الجمر بينما هي غافية و لا تبالي بحرقته و لوعه .
أحمر وجهها و شهقت بصدمة تنظر له بإتهام واضح فهز رأسه يردد : حصل.
بدأت تضرب فيه مرددة: أه يا سافل ، بتستغفلني ، أطلع برا ... برا .
كانت تدفعه للخلف كي يخرج و هو يردد مدافعاً عن نفسه: إيه بس دي حاجة حلوة أوي و لذيذة أوي أوي.
أغلقت الباب في وجهه و هي تصرخ: يا قليل الأدب