رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الواحد والعشرين 21 بقلم سوما العربي
هل جربت يوماً إحساس الطعن بخنجر من الظهر؟ أم انك قد سمعت عنه فقط؟
انه يشق عظم الصدر
نصفين ويخترق القلب، يحتاج لقوة وغل شديد حتى يفعل.
فبينما هو كان يحميها وينقذ حياتها وهو يموت رعباً من ان يمسها مكروه أو تشعر بأي ألم أو إهانه كانت هي تعشق غيره وتخطط معه للهرب من الملك المغفل.
سيطرت عليه شياطينه وتلبسته نيران متقده لن يطقئها نهري دجله والفرات معاً.
وقف عن عرشه يردد بأمر :
-أحضروهما لعندي ، أريدهما تحت قدمي بغمضة عين.
حاولت أنجا التدخل لتصرف تفكيره عن تلك النقطة فأمره هذا لم يكن بحسبانها :
-مولاي ..أهدأ أرجوك..صحة جلالتك أهم بكثير من هاذان الخونا ...مملكتك ورعيتك بحاجة لك مولاي خيراً بكثير من الاهتمام بأمر فتاة لم تهتم بك.
نظر لها بحده فأحنت رأسها بخضوع ثم بدأت تتحدث فيما فعلت كل ذلك لأجله حتى تصل لهدفها :
-مملكتك ورعيتك بحاجه لك وهي أولى بأهتمامك سيدي حتى انك ستجني ثمار تعبك ومجهودك و وقتك بخلاف ما ستجنيه ان أنشغلت بأمر تلك الفتاة البيضاء التي لم تعد على جلالتك سوى بالتعب و الحزن و الإنشغال، وربما....ربما قد حدث كل ذلك من عند الله كي يعطيك درساً وينذرك بالأ تسعى وراء قلبك فجلالتك كنت ترفض كل الفتيات اللواتي نعرضهن عليك سواء جواري أو بنات النبلاء والعظماء أو أميرات ومِلت فقط لتلك البيضاء.
رفع راموس عيناه لها بضعف هو بالفعل لم يمل سوى لها فماذا جنى سوى ذلك الوجع المسموم الذي يخترق أضلعه.
إبتسامة خبيثه تشكلت على جانب فم أنجا وهي تشعر بأنها قد أحسنت إصابة الهدف و أوشكت على الفوز فأكملت:
-ربما ما حدث كان جيد بل جيد جداً لتتعلم يا مولاي.
ناظرها بقوة فشعرت بأنها قد أخذت حريتها في الحديث أكثر من اللازم مع الملك فأخذت تقترب منه وهي تتحدث بلطف:
-عذراً جلالتك ان كنت قد تخطيت حدودي لكن أنا الآن أتكلم بلسان الأخت والشقيقة ورفيقة الصبا، لجلالتك لست مجرد أخ في الرضاعة بالنسبة لي، أنت رفيق طفولتي.
نجحت في الضغط على الوتر الحساس لديه وربما كانت تتكلم بصدق نابع من قلبها تلك المرة،وضعت يدها كل كتفه كأنها تؤازره ثم همست:
-صدقني مولاي مذ اول دقيقة رأيت فيها تلك الفتاة لم تعجبني ولم أرتح لها لكنني آثرت الصمت ما أن لاحظت إعجابك لها..قولت ان الملك رجل ومن حقه التنعم بحياته مع الفتاه التي تعجبه لكنها لم تكن كذلك وخذلتك.
ابتعدت خطوة ثم أكملت بصوت رخيم:
-لقد كان درساً قاسياً راموس..قاسياً جداً لكن جيد فأنا متأكدة أنك قد تعلمت منه ولن يمر مرور الكرام...من يدري ربما ما جرى كان بمصلحتك لتعلم أن حياة الملوك لها قوانين لا يسمح بأختراقها.
هز راموس رأسه إيجاباً فحديث أنجا رغم قسوته إلا أنه صحيح مئة بالمئة.
________سوما العربي________
جلس محمود في شقته أمام أحد زملاء الذي تعرف عليه مؤخرًا وقد ظهرت عليه أمارات عدم الرضا ينظر للهاتف قليلاً ثم ينظر لصديقه :
-إيه يا عم طارق ده الفيديو مش مكمل خمسمية لايك نصهم أصلاً من الأكونتات المضروبه الي عندنا.
عبس طارق مردداً بنزق:
-أعملك آيه يعني
-هؤ آيه الي تعمل أي ما تتصرف يا عم طارق
-أتصرف اعمل إيه هو أنا ساحر
-امال فين كلامك أنا طارق كابو أنا عمهم في السوشيال وفي الآخر مافيش ولا فيديو طالع إكسبلور.
-أعملك إيه أنت الي ريشتك واقع
-هو ايه الي واقع أنا ترند مصر وصوتي مزلزل السوشيال كلها،أنا نجم اليوتيوب يا عم كابور
-ترند خناقه يا حبيبي لما كنت في المسابقه أياها والناس تابعتك على حسها حبه ولولاها لا كان حد سمعك ولا حس بيك أنت صوتك ده كله جعير واحنا عارفين
-ما كلها بقت بتجعر يا عم هي يعني جت على محمود عصفوره وهتقف؟!
وقف طارق بملل قائلاً وقد نفدت طاقته:
-اهو حتى جعيرك مش مقبول قابلين جعير الكل وأنت لا هقول إيه؟...قِرف...سموعليكو.
فوقف محمود على الفور يقول:
-أستنى بس ياعم كابو احنا لسه بنتكلم
-كلامي خلص سلام...كفايه مضيعه للوقت.
غادر طارق وترك خلفه محمود ينظر على صفحاته على كل التطبيقات وهي بالنازل وحالها لا يسر مطلقاً يسأل هل ضاعت كل أحلامه و أماله؟ ألن يصبح نجماً كما أراد؟! لقد ضحى بالكثير في سبيل ذلك ولن يصل في النهاية؟!!! لا ...لا يمكن.
___________سوما العربي________
لحظات صمت ومتابعة طالت من طرف فردوس وزوجها وهما يناظران أبنهما البكري وهو يتناول طعامه بمضض، يتناوله فقط ليظهر بمظهر الناجي بينما الحقيقة أنه غارق في حزنه حتى لو حاول التظاهر بغير ذلك.
لم يستطع شداد ان يصمت وينتظر بل تحدث بشئ من الغضب:
-هو أنت فينك يابني كده مش عارفين نتلايم عليك
أبتلع زيدان كسرة الخبز بصعوبه في حلقه الناشف ثم رد:
-ليه بس مانا موجود اهو
-هو فين الي موجود ده؟ أنا بقالي كام يوم متصل عليك وقولت لك عايزك ضروري؟ وانت من ساعتها عامل فيها مشغول ومش عارف أشوفك إيه الحكاية بالظبط؟
-احمم...حقك عليا يا حاج..أنا معاك أهو قول..في حاجة في الشغل؟
تنهد شداد بغضب فأبنه مُصِر على المراوغة لذا تحدث بحسم في صلب الموضوع:
-طلقت البت ليه يا زيدان
ترك زيدان الطعام من يداه التي أنهبدت على الطاوله من شدة الغضب والحزن والشعور بقلة الحيلة حين يتترق الحديث لعندها.
سحب نفس عميق يتجنب الرد فهتف شداد:
-ما ترد عليا
فرد زيدان بعدما صر على أسنانه وأغمض عيناه:
-عشان هو ده الصح
تدخلت فردوس حينها وقالت برفض تام:
-صح إيه يبني الي بتقول عنه هو خراب البيوت بقا صح دلوقتي؟! حقى بطلو ده وأسمعوا ده.. ماتقول كلام يتعقل يابني
-ساعات بيكون صح
-مين قالك كده هو الطلاق بقا بالساهل كده أمتى وإزاي هانت عليك البنيه ؟ انت بقيت كده أمتى يابني؟
وقف عن كرسيه يهتف بتعب عبر وأخذ يشيح بيديه يعبر عن غضبه ويخرجه:
-ايوه هو ده الصح؟ ماشوفتوش محمود؟ أهو رجع،ماعملتوش حساب رجعته.. هنعيش ازاي معاه في بيت واحد مع الي كانت خطيبته وحب عمره.. ده رجع وبقا بيطالبني بيها كمان وشويه شويه كنا هنتخانق عليها...طب بلاش ...قولولي كانت هتطلع ازاي وتنزل وهو معاها في نفس البيت ولا كل شويه نمسك في خناق بعض؟! ولا كنت هعيش ازاي مع واحده مغصوبه عليا ولولا الي حصل ماكنتش إضطرت تتجوزني ولا أنا يعني عشان عنست زي ما بتقولو ف ماصدقتوا؟؟
وقف شداد عن كرسيه بتروي حتى وصل ووقف أمام أبنه يقول:
-ماشي ...يمكن عندك حق ...بس قولي ذنب البت ايه عشان تفضل سنين مخطوبه لواحد يسيبها في الكوشه فتجوز اخوه اللي بيطلقها بعدها بكام شهر ومن غير سبب...ده كده الناس تقول ان الحكاية فيها إن خصوصاً انك ماطلقتهاش إلا بعد ما محمود رجع...الناس كلها مغلطانا وأحنا تجار وصنايعيه يعني راس مالنا إسمنا...خدنا البت لحم ورميناها عضم وبقي شكلها زي القطران وسط الحاره.
صمت شداد يسحب نفس عميق ثم أردف:
-أنت آبني أنا الي مخلفك مش أنت الي مخلفني ويقولك لو كنت عملت كده عشان تخيرها وترجع لك بس بمزاجها فأحب أقولك انك طينتها ولو بتموت فيك عمرها ما هترجع لك، دي لو عدت من قدام بيتنا حقها ما ترميش السلام حتى وأنت قاعد مستنيها ترجع !!!!!!
وقف زيدان مبهوت مما سمعه دفعه واحده وكان رد فعله:
-؟!!!!؟!!!!!!
_________سوما العربي_________
دفعت حوريه الأوراق من أمامها والإحساس بالفشل والغباء يسيطران عليها لدرجة أنها تحبس دموعها بقوة تردد :
-بقرة في بحر علم
سندت بذقنها على كفّها وبدأت تفكر في التراجع والهرب أن تتقوقع مجدداً في منطقة الراحة لتهمس لنفسها من:
-وارجع أقعد في البيت وأستنى العدّل...لأ وألف لأ..شدي حيلك وعافري شويه بشويه هتوصلي .
رفعت أنظارها لتجد شاب رشيق يجلس على مكتبه المقابل لمكتبها فتنحنحت بحرج قائلة:
-أحمم.. أستاذ مصطفى.
رفع أنظارها له فقالت :
-ممكن تقولي أكمل الشيت ده إزاي
رد ببرود:
-هو مش مستر ياسر فهمك
-أأيوة بس أنا متلغبطة في الخانات قوي ومش عارفة أعمل أي حاجة.
نظر في ساعة يده ثم قال:
-اه...طيب حاضر هجيب بس قهوة من البوفيه وأجي.
ثم خرج من الغرفه وهو يتمتم:
-جايبين واحده مش عارفه لا ورد ولا إكسل وعايزين يشغلوها وتقعد على مكتب لأ وعايزاني أعلمها كمان..أصلها كانت ناقصه هم.
مر الوقت وحوريه تجلس على مكتبها تنتظر لكن لم يعد وقد أوشك الوقت الذي أعطاها إياه رئيسها المباشر ان ينفد فخرجت خلف مصطفى تبحث عنه وذهبت للبوفيه حيث أدعى أنه ذاهب لهناك
دلفت للغرفه لتجد وفاء تقف أمام مكينة الأكسبريسو تصب القهوة في أحد الأكواب وما ان رأت حوريه حتى سألت:
-إيه حورية الشركة بتدور على حد ولا ايه؟
-ايوه ماشوفتيش مصطفي
-مصطفى مين؟
-زميلي في المكتب طلبت منه يعلمني حاجة وخرج من نص ساعه قال لما يجيب قهوة هييجي يعلمني ومن ساعتها مارجعش.
-ومش هيرجع يا حبي ولو رجع هيصدرلك الطرشه ومش هيعلمك حاجه..ماحدش بيعلم حد يا حوريه والقديم المتودك بيسيب الجديد يضبش وبيقعد يتفرج عليه ويقول سيبه يعك أنا هتعب نفسي وأعلمه ع الجاهز ليه أنا كان مين علمني...كله هيقف يتفرج عليكي وهو متمزج وقاعد كمان مستني لك غلطه.
بهت وجه حوريه وهي تستشعر أنها بعالم غريب غير العالم الذي تعرفه..عالم لا تفقه عنه شيء ولا تعرف كيف تجاريه ولا كيف ستكمل فيه..هل تستلم من الآن أم ماذا؟
فهمست بضياع:
-طب والعمل؟
ردت وفاء ع الفور تنصحها :
-تضبشي يا غرقتي يا وصلتي
أكملت وفاء وضع القهوة على الصينيه ثم التفت مغادرة:
-هوصل القهوة دي وأجيلك
تركتها بثبات واتجهت ناحية مكتب عاصم الذي سألها :
-وفاء أيه الأخبار؟ حورية بتعمل ايه؟
-ماشي الحال.
أضاء عقلها بفكره فألتفت له تسأل:
-الشوق غلاب..تلاقيها وحشتك...
صمت عاصم متنهداً فهتفت بحماس:
-والي يجيبها لحد عندك؟
أشتعلت عيناه بالأدرينالين وهتف:
-أدي له عنيا
مدت يدها تبسط كفّها أمامه مطالبه وقالت:
-هعمل أيه بعينك أنا مش بتاجر في الأعضاء أنا عايزه فلوس
-أنتي إييييه يا بنتي...مابتشبعيش؟ منشار؟ كل شويه عايزه فلوس
فصرخت في وجهه:
-إييييييه ..مانا على وش جواز...بجهز إنت عارف التلاجه الواحد وعشرينً قدم بقت بكام دلوقت؟
ناظرها بزهق ويأس ثم أخرج مال من جيبه وأعطاه لها مرددا:
-أظن دول كفايه
-لأ
-نعم؟؟!
-بصراحة أنا عيني من التلاجه أم حنافية
-الي يتنزل تلج صح
-إسم الله عليك...عارفها؟
-عارفها..خدي حار ونار في جتتك.
هبشت منه المال ثم غمزت له:
-هبعتهالك لحد عندك.
اتجهت ناحية الباب وقبلما تغلقه همست:
-ربنا يوفق الدنيا على بعضها ان شاءالله.
أرتمى على كرسيه يهمس:
-منك لله.
ثم دار حول كرسيه وهو يهمس:
-بس كله يهون عشان خاطر حوريه.
___________سوما العربي_________
تمشت في الرواق تعد المال الذي أخذته من عاصم بفرحه كبيرة ، لمحت حوريه مازالت تجلس وهي تنظر للأوراق أمامها بقلة حيله وتعب فدست المال بجيبها وتقدمت منها قائلة:
-أنتي لسه واقفه محتاره
-حاسه إني غرقانه وعبيطة وجاهلة،مش عارفة جبت منين قوة القلب إني انزل أشتغل وأنا ماعرفش الألف من كوز الدرة.
-من الخبطات اللي أخدتيها
إجتاح حوريه شعور بالحزن والضيق ما ان ذكرتها وفاء بما حدث معها فنظرت أرضاً بحزن وشرود لكن وفاء لم تترك لها الفرصه وهتفت بحماس:
-ماتزعليش ولو الي اسمه مصطفى ده مارضيش يساعدك روحي للي أحسن منه
-مين؟!
-مستر عاصم
-مين؟!!
-أيه وقعتي على ودنك...بقولك مستر عاصم
-المدير؟!
-هو
-بتهزري مش كده
-لا بتكلم جد
-بس....
-مابسش أنا كنت لسه عنده بدخله القهوه وبصنعة لطافة كده فتحت معاه الموضوع وبصراحة الراجل كان متفهم جداً وقالي أخليكي تروحي له ومعاكي اللاب بتاعك وهو هيفهمك كل حاجة واحدة واحده
-بجد؟! بس ده المدير يا وفاء يعني المفروض ماحسسوش أبداً إني مش عارفة أ ب شغل.
-ياستي ده بدل ما تحمدي ربنا أنه موقعك في مدير عسليه
-عسليه؟!
ضيقت وفاء عينها تردد:
-الصراحه هو عسليه عسليه يعني ده كفايه ريحة برفانه يخربيت أمه.
نظرت لحوريه وأكملت بإندفاع:
-حد يبقى قدامه فرصه يقعد مع مز زي ده ويقول لأ...أنتي غاويه فقر ليه.
تقدمت بخطوات مترددة من مكتبه تشجعها كلمات وفاء الحماسيّة،فتحت الباب بخفه ودلفت بتوتر ليتهلل وجهه ما أن رأها، للحق حوريه تمتلك هيئة تشرح صدر كل من يراها وذلك هو تأثيرها على الجميع وليس عاصم فقط.
تقدمت بحرج تقول:
-ممكن أسأل حضرتك على كام حاجة في الشغل
-ممكن طبعاً
شجعت نفسها تخبرها انها لابد أن تتعلم وتجتاز كل الحواجز حتى تفهم الشغل وكيف يدار وتتكون لديها خبرة ولو مبدئياً متواضعه حتى تستطيع التحول لفتاة قويه يمكنها الأعتماد على نفسها .
شردت لثواني تتخيل نفسها مثل الفتيات اللاتي تراهن على إنستغرام ترتدي ملابس رسميه وتحمل لاب توب تتقن التعامل معه ،تمشي بخطوات قويه ثابتة حتى تصل لسيارتها الفارهه،تفتح الباب ثم تقودها بخبرة وثبات.
عادت من شرودها على صوت عاصم يناديها فنظرت له وقررت التمادي لتتعلم وتصل لما تريد وتخرج من تلك البوتقة التي وضعت فيها منذ ولدت بسبب خوف والدتها عليها.
ألتف عاصم من خلف مكتبه وجلب أحد الكراسي يضعه بجوار كرسيها كي يجلس بجوارها ثم قال:
-ها إيه الي واقف قدامك .
قررت حوريه إستغلال الفرصه التي ربما لن تسنح لها كثيراً وبدأت تسأل وتستفسر عن كل ما تجهله مستغله حلمه وطول باله معها وعاصم يجيب ويعلمها بهدوء تام وبعينه نظرت إعجاب واضحه لأي فتاة وقد تعمد في إظهار ذلك.
_________سوما العربي________
أستيقظت من نومتها على أرضية سطح السفينة على صوت تهليل وصياح قادم من حولها،انكمشت عيناها من أشعة الشمس وأستغربت فهي وكأنها تعرفت على تلك الأشعة الخاصه من الشمس،تشبه شمس بلادها.
وكأن حتى الشمس وأشعتها تفرق من بلد لبلد فقد تهلل أساريرها ما ان علمت بإحتمالية صدق حدثها وهي تستمع لترديد إسم الإسكندرية وسط هتاف الركاب فهل وصلت الي ميناء الإسكندرية؟
أسرعت تستند بيدها على حافة المركب كي تقف فقوى جسدها باتت لا تسعفها، فعّلت بلهفة وقد أشرقت أخيراً الحياة بداخلها من جديد وهي ترى بوضوح ملامح عروس البحر الأبيض المتوسط التي تحفظها جيداً فقد سافرت لها مراراً.
ساعدتها الفرحة على الإنتصاب على قدميها جيداً رغم هزالها الشديد وبدأت تتنفس بسرعة رهيبه وهي تبكي من شدة الفرحة.
وبعد دقايق نزلت من سلم السفينة وأرتمت على أرضية الرصيف وشرعت تبكي….تبكي بقوة وهيستيريا إنها بأمان الآن أنه الشعور الذي لطالما استمعت عنه ولم تفهمه سوى الآن جمله شامله يقولها الأجانب تجسد تشعر به حاليا بالضبط "bake to home “
_________سوما العربي_________
جلس على كرسيه أمام ورشته ينفس دخان أرجيلته بشرود لا يخلو من الحزن ليتفاجأ بصديقه يجلس بجواره بلا سلام أو كلام فقط جلس لجواره بصمت تام ثم مد يده والتقط مبسم الأرجيله منه يشاركها معه.
ظل زيدان على صمته ينتظر حديث صالح المتواصل،أن يلومه وينهره على ما فعل ويعبر عن غضبه ورفضه الشديد لما جرى لكن لم يحدث نظر له زيدان ثم قال:
-غريبه، ساكت يعني
-مستنيني أقولك حاجه ولا حاجة كفى الله الشر!
-ماعرفتش يعني الي حصل
نفس صالح دخان الأرجيله ثم أردف ببرود:
-لا أزاي بقا ده حتى الحته كلها مالهاش سيرة غير الي عملته أنت وأخوك في حوريه بنت الحاج سعيد.
تحفز زيدان وتململ في جلسته ثم سأل :
-بيقولوا إيه؟
تجاهله صالح ورد ببرود:
-يا عم ولا يشغلك، هو مش أنت عملت الي أنت عايزه والي يريحك سيبك من أم الناس أهم حاجة راحتك يا معلم زيدان، مش أنت مرتاح بردو ولا أيه؟!
-صااالح
-عايز ايه يا زيدان، مالك كده، هو أنت كنت فاكر إيه ولا دماغك كان فيها إيه وأنت بتاخد قرارك لأ وكمان بتنفذه من غير ما ترجع لحد..وأنا قاعد وعارف انك بتغلي دلوقتي وندمان ومستني بقا أنصحك…لا مش هنصحك، مانا ياما نصحتك خليك بقا كده …الدنيا إخيتارات يا زيدان وأنت إختارت تعيش مغلوب على أمرك هعملك إيه …ده لا أنا ولا ميه زيي يقدروا يعملوا لك حاجة طالما أنت من جواك مش عندك نيه للتغيير.
لم يكد صالح ينهي كلماته حتى وجد حوريه تتقدم في الشارع بخطوات متوازنة لا مبالية فأبتسم صالح بمكر هاتفاً:
-أوبااااا..المزة بتاعتك جت أهي.
رفع زيدان عيناه ليجد أنها هي بالفعل بينما وضع صالح يده على فمه يقول مصححاً بسخريه:
-اه صحيح نسيت مابقتش بتاعتك خلاص
زجره زيدان بعيناه غاضباً في نفس اللحظة التي مرأت فيها حوريه من أمامهما وتجاوزتهما دون ان يرمش لها جفن.
فلم يتحمل زيدان وقف عن كرسيه وذهب خلفها بخطوات واسعه وهو يناديها :
-حورية.
كانت تمشي عادي… لكن ما ان أستمعت لصوته يناديها سرت رجفة خوف في جسدها وبدأت تزيد من سرعة خطواتها بطريقه مرعبه ملحوظة أجفل هو شخصياً منها فزاد من سرعة خطواته اكثر ونادها مجدداً:
-حوريه…أستني بقولك.
لكنها لم تمتثل لأمره بل تحولت خطواتها الواسعه إلى الركض ناحية البيت بطريقة مجنونة فأضطرته ان يركض هو الأخر خلفها وانتشل ذراعها يوقفها أمام باب منزلها بغضب وعافيه هاتفاً:
-هو أنا مش بنادي عليكي
التفت تنظر له وقالت برفض قاطع:
-سيب إيدي.
-ولو ماسبتهاش
-سيبها أحسنلك
-حورية؟؟؟ أيه الطريقه اللي بتلكمني بيها دي؟ أنا زيدان
-زيدان مين؟ أنت بالنسبه لي راجل غريب ماسك أيدي
وجعته الكلمه في صميم قلبه وهمس:
-غريب
-والله؟! أمال أنت مفكر أيه؟ قولت لك سيب أيدي
-تؤ
هز رأسه رفضاً ومازال ينظر لها بإشتياق وحنين ثم قال:
-وحشتيني قوي يا حوريه
زلزلتها نظراته والطريقه التي تحدث بها كانت لحظة ساحرة ربما لن تنساها طوال حياتها.
في نفس اللحظة همس طارق لمحمود قائلا:
-هو ده الوقت المناسب
اعترض محمود بخوف
-بس
-مابسش ..ريتشك واقع..أن بتضيع وأخوك واقف يحب في خطيبتك وأنت لسه هتبسبس….أسمع مني دي فرصه العمر اكتر حتى من المسابقه الي سبت خطيبتك في الكوشه بسببها..الناس بتموت في الفضايح والخناقات وترنداتها..ده أنت هتفضل ترند سنه كامله…يالا دوووس..ماحدش بينفع حد.
بالفعل تشجع محمود وتقدم منهما يضع كفه على يد زيدان التي لازالت تقبض على ذراع حوريه ثم قال:
-هي مش قالت لك شيل أيدك؟ ايه هو بالعافية؟
أشتعلت الغيرة بقلب زيدان وقال له:
-أنت إيه الي جايبك هنا وايه الي مدخلك بينا أصلا؟
-نعم؟ شكلك ناسي إنها خطيبتي وكنا يومين وهنتجوز لولا أنك أستغليت الظروف وخطفتها ليك …طمعت فيها لنفسك.
حاول زيدان كظم غيظه وقال من بين أسنانه وهو يكرر قبضة يده:
-خد بالك من كلامك يا محمود أنا مش عايز أتغابى عليك.
-خد أنت بالك عشان دي خطيبتي وانطلقت منك عشان ترجعلي ولا إنت مش واخد بالك ولا إيه ولا أقولك أهي قدامك أهي ردي عليه يا حوريه وقولي له.
احتدت عينا زيدان وقال:
-مالكش دعوة بيها.
-لأ ده أنا أكلمها زي ما أنا عايز أنت سامع ولا لاء.
نظر محمود لحوريه التي تقف بينهم تهتز بصمت وترتعش من الرعب وهتف بصوت عالي:
-ردي عليه يا حورية قوليله أنتي مختارة مين أنا ولا هو؟
-محموووووود…أنا بحذرك لأخر مرة مش عايز أمد إيدي عليك احنا أخوات.
-أيه يا حبيبي مش عايز تسمع الحقيقة وأني اول ما رجعت جريت تطلب الطلاق منك عشاني ولا تكونش مش واخد بالك مثلاً.
نقحت على زيدان كرامته فهتف على الفور:
-مش هي الي طلبت الطلاق أنا الي طلقتها من نفسي.
نظرت له حوريه مصعوقه مما تفوه به وكأنه يتفاخر بأنه هو من فعل.
وإجتاح زيدان الشعور بالندم الكبير عما تفوه به بسبب نظرتها التي لن ينساها طوال حياته.
لم يمهله محمود الفرصه لأي شيء وحاول إزاحة يده عن حوريه بعنف:
-شيل إيدك عنها بقولك
-لم نفسك يا محمود وماتدخلش بينا.
لكن محمود لم يعتبر لحديثه وبادر بلكمه لكمه عنيفه جعلت زيدان يردها له دفاعاً عن نفسه وبدأت حوريه تضع يدها على أذنيها تصرخ بهلع شديد جعل أهالي الحي يجتمعون سريعاً من بينهم شداد وفردوس وأحدهم يسأل:
-هو في أيه من بيتخانق.
ليجيب أخر:
-دول ولاد الحاج شداد….ماسكين في خناق بعض عشان حورية بنت الحاج سعيد الله يرحمه.
زادت حدة المشاجرة ونزلت فردوس وشقيقتها فوزية مفزوعين على صوت العراك كذلك فردوس وزوجها شداد يحاول الفصل بين ولديه ومعه صالح الذي لم يقدر على زيدان وبالخلفية يقف طارق يسجل في بث حي كل ما يحدث.
فيما توقفت سيارة بيضاء وهبط منها شاب وسيم يرتدي ثياب أنيقه ومعه فتاه جميلة،يسند بذراعيه "رنا" بسبب هزال جسدها
فصرخت فوزيه:
-رنااااااا….بنتي…
توقف العراك عم الصمت المكان وهرولت فوزيه تجاه ابنتها لتحتضنها لكنها سقطت معشي عليها بين ذراعي ذلك الوسيم وأحدهم يهتف مطالباً بطبيب في الحال…..