رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الثامن عشر 18 بقلم سوما العربي
جلس على كرسيه منكس الرأس ينظر ارضاً ، يرفض النظر لصديقه الذي يجلس قبالته طوال الليل يحدثه ويتسأل بجنون لما فعل ذلك وزيدان لا يرد هو فقط يجلس ينظر على أرضية الورشة يحالفه الصمت والكأبه.
إلى ان فاض صدر صالح وهتف بحدة وغضب:
-أنا بكلمك يا جدع أنت رد عليا عيب الي بتعمله ده مش كفايه عامل كارثه كمان هتقعد ساكت، أنا سايب أبوك في البيت هيتجنن هو وأمك من الي هببته ما تقولي يابني عملت كده ليه.
وقف زيدان بهزال وقال يدعي الجديه والحسم:
-عملت الي عملته أنا حر وهو ده الصح...هو ده الصح .
ثم تحرك وهو مازال يمثل القوة في طريقه للبيت لكن في المنتصف يمر على بيت الحوريه التي سكنت شقته لأشهر وتعلقت عيناه بشرفة عرفتها يرى نورها مشتعل يعني أنها ساهرة قد غفاها النوم.
التصقت قدماه في الأرض وأبت عيناه ان تتزحزح عن مطالعة غرفتها وكأنه يتمنى ان تخرج ويراها ليواجه حقيقة كارثيه لقد إشتاق اليها ولم يمر على إنفصالهم ساعات.
فاض الحنين من عيناه وهو متلهف لرؤيتها يسأل هل تفكر فيه الآن أم ان ما فعله كان فيه خلاصها.
وصل لعنده صالح حتى توقف أمامه ينظر ما يطالعه ثم قال ساخراً:
-لا واضح ان الي عملته هو الصح فعلاً.
أسبل زيدان جفناه بحزن كبير فتنهد صالح ثم قال:
-الفجر قرب يأذن تعالى نروح نصلي وربك يحلها بقا.
تحرك معه زيدان وقلبه معتمر بالحزن يشعر بضبابية الرؤية لا يعلم كيف سيتعايش مع ذاك القرار العصيب.
بينما في بيت حوريه
كانت تجلس على الفراش بصمت تام تضم ساقيها إلى صدرها وتتكأ برأسها عليهم تنطر لنقطة وهمية بشرود لا تتحدث
فذاقت لعندها والدتها تنظر لها بأعين اخطلتط فيهما المشاعر ثم تقدمت لعندها تقول:
-لسه مش عايزة تتكلمي
فسألت حوريه وهي مازالت تنظر أمامها لم تحرك جفناً:
-عايزة تسأليني عن إيه؟
-إيه الي حصل ؟ وليه عمل كده؟ إيه وصلكوا لهنا.
واخيراً رفعت حوريه عينها ونظرت لأمها بخيبة أمل ثم قالت:
-كنت فكراكي جايه تسألي عن حالي لأني واصله لنقطة وحشه قوي في حياتي، وتقوليلي ولا يهمك بكره تتعدل أو أي حاجه، بس أنتي جايه تعرفي أنا عملت إيه وصلنا للكارثه دي وكأن طلاقي كارثه.
-يابنتي أنا أمك و واجبي أنصحك واعقلك إلا يكون رجوع الي ما يتسمى الي اسمه محمود ده هو السبب.
اتسعت عينا حوريه بصدمة مما تسمعه عن ظن والدتها بها فيما أردفت الأم مكملة :
-يا بنتي اعقلي ولازم تعرفي إن الواحده أدام انكتب كتابها على راجل بيبقى هو ده بيتها و مستقبلها وماينفعش تبص كده ولا كده وتشيل كلمة لو دي من مخها خالص .
بكت حوريه وهي تسأل أمها بيأس:
-هو أنتي ليه شيفاني كده؟ يعني أكيد التقصير مني؟مايمشيش معاكي إني ممكن أكون اتظلمت؟! لازم يطلع العيب فيا عارفه ليه عشان يبقى مقدور على العيب، إنتي مش شايفه إن مثلا الوضع كله على بعضه كان غلط؟ ماينفعش أبقى مخطوبه لواحد وفجأه أتجوز اخوه، اخوه هيتقبلني إزاي ولا بأمارة إيه؟ ونعيش ازاي كلنا في بيت واحد قولي لي، العلاقة دي كان هيبقى مستقبلها إيه؟ ماكنش المفروض توافقي من الأول بس أنتي كان كل همك الفضيحة ماهمكيش بنتك.
فقالت الأم بغضب:
-كنتي عايزاني اعمل إيه مش هو ده أختيارك ياما قولت وحذرت وزعقت وقولت الولا ده لا بس أنتي فضلتي مصممة عليه.
زمت حورية شفتيها بيأس وخيبة أمل ثم قالت:
-بالظبط هو ده الي كنت لسه بقولوا… كل همك أن يطلع الحق عليا طب أنا اختارت غلط بس أنا بنتك لو غلط المفروض تحاولي تاخدي بأيدي مش كل همك يبقى الخوف من الفضيحة.
نظرت الأم ارضاً لا تجد ما ترد به لتبطل حجج حوريه كما كانت عادتها دوماً لكنها كذلك كانت مستغربة من ذلك الأنفجار الذي تلقته من أبنتها وألتفت تغادر الغرفه لتتركها قليلاً حتى تهدأ لكن حوريه نادتها :
-ماما
نظرت لها الأم فسألتها حوريه:
-أنتي ليه عمرك ماكنتي بتقولي لي إني حلوة..حلوة قوي.. ليه؟
كان الصمت والتخبط هما الرد الذي نالته حوريه قبلما تغادر والدتها الغرفه وتتركها ربما تهدأ.
________سوما العربي________
كان يشعر بالصدمة وبداية لارتفاع حرارة جسده وهو يحس بجسدها الطري ملتصق بظهره القاسي، تشنجت خلايا جسده وهو يشعر بالقشعريرة تسري فيه من قربها ثم تلتف لها ببطء شديد لترتد خطوة للخلف ثم تنظر ارضاً.
نظر لها من أظافر قدميها المقلمة صعودا الي كل شبر في جسدها الجذاب يلاحظ فقدانها بعض الكيلوغرامات لكنها مازالت فاتنه جدا كما عهدها، تستطيع تحريك إحساسه وبقوة
لكنه ظل على تماسكه و وجهه المتجهم الذي يخفي مشاعره الغزيرة بداخله.
رفعت رنا رأسها ونظرت لعينه ثم قالت:
-لقد أشتاقت إليك.
لكنها لم تتلقى سوى الصمت الرهيب، فأرتبكت قائلة:
-أمازلت غاضب مني؟
ومجددا لم يجيب الملك فهمست:
-ألأنني لم أعتذر من السيدة أنجا؟
نظر لها بجانب عينه ينتظر تكملة حديثها يستخدم الصمت كضغط نفسي عليها إلى أن قالت:
-ح..حسناً أنا مستعدة لأن أعتذر لها الآن حتى ترضا.
نظر لها بإستغراب ولم يتحدث بل نادى الحرس ثم تحدث اخيرا:
-أستدعي السيده أنجا.
وقف بصمت يشبك يديه خلف ظهره ينظر لها بتفرس ورنا عيناها على السجاد الأحمر الذي يغطي أرضية الغرفه لم تتزحزح عنها وشردت متذكره حديث الجاريه لها
عودة بالزمن قليلاً ……
رفعت أنظارها للجاريه وقد خطفها الكلام فسألت:
-ماذا تقصدين؟هل تعلمين شيئاً؟
-بل أشياء .. السيدة أنجا حفرت لك حبه عميقه ووقعتي فيها بالفعل، فقد ذهبت للملك تخبره انك قد تمرعتي وبتي تطلقين الأحكام و تتحدثين بلسان الملك و تخبرين الفتيات والجواري وكل العاملين بالقصر انك من يحرك الملك و أنكي تمتلكين تأثير كبير على كل قراراته ولديك القدرة على ان يغير قراره من نعم إلى لا والعكس وتستدلين بتقريب الملك لكي و تخصيصه غرفه خاصة بكي قريبه منه و إفراجه عنك رغم عصيانك هذا بخلاف يوم ما أمرت الأميرة ماديولا بإعدامك وحضر جلالته ومنع، لذا صدقك الجميع و أصبحتي تتحدثين وكأنك الملك.
كانت رنا تستمع إليها وعينهاها متسعه من الصدمه لكنها سألت بجنون:
-لكن الملك …كيف؟ كيف يصدق أنني قد فعلت ذلك بتلك السهولة ومن اول مرة.
هزت الجاريه رأسها بيأس من سذاجة تلك الفتاة ثم قالت:
-أنتي هنا بحضرة ملك وتلك الأمور لدى الملوك و بالقصور تعد خيانه عظمى عقوبتها الشنق يا سيدتي، سيادة الملك و سلطانه شئ حساس ومهم جداً لا يمكن المساس به أو الاقتراب منه حتى، أي ملك كان سيفكر في الأمر ويشغل عقله خصوصاً أن السيدة أنجا قد جلبت شهود شهدوا ضدك عززوا موقفها و جئتي أنتي برفضك ألأعتذار منها فزاد الأمر سوءاً
شهقت رنا بصدمه …. يا أللهي…كيف ومتي حدث كل ذلك، هزت رأسها بجنون لا تصدق .
نظرت للجاريه بصمت تام كل يوم تدرك ان تلك الحياه ليست لها لا تليق بها وهي التي عاشت طوال عمرها مغواره تعشق المغامرة والتحديات تظن نفسها قويه ولطالما كانت غاضبة من خضوع حوريه وخنوعها تخبرها أنها يجب ان تصبح قويه مثلها لتدرك لتوها أنها أضعف من عيدان الكسفريت.
جذبها حديث الجاريه التي أضافت:
- اتعلمين من كانت ضمن الجواري اللائي شهدن ضدك
-من؟
-سوتي
شهقت رنا تردد:
- سوتي؟!
سكتت لثواني ثم قالت:
-من المفترض الأ أستغرب.. يجب ان أعتاد ذلك واعلم ان حياة القصور كلها غدر وخيانه…….
عادت من شرودها على صوت السيدة أنجا التي وقفت بحضرة الملك تنحني ثم قالت:
- أمر مولاي
-سيدة أنجا ميرورا تريد الأعتذار منكي
حاولت رنا التغاضي عن تعمده مناداتها بذلك الاسم ونكران أسمها الأصلي لكنها تحاملت على نفسها ورفعت عيناها لأنجا التي تطالعها بأعين ثاقبة حذرة تسأل ماذا خلفها إلى أن همست رنا:
-أعتذر منكي سيدة أنجا وآمل ان تتقبلي أعتذاري.
نظرت لها أنجا بتوجس…. رضا تلك الفتاه العنيدة على الأعتذار عن ذنب لفقته هي لها لهو أمر مثير للريبة والأستغراب.
فقالت بحذر:
-وأنا قبلته.
ثم نظرت للملك تستأذن في الرحيل فسمح لها وغادرت على الفور فبقى الملك مع رنا التي نظرت له بتوتر.
ظل واقف ينتظر سؤالها التالي وقد حدث ما توقعته فسألت:
-هل سلمت الفتاة لأهلها
بادلها النظر بجمود وجسد متيبس ثم قال :
-هل تريديني ان أفرج عنها
-ياليت
- وهل أنتي على أستعداد لدفع الثمن
-وهل الملك ينتظر ثمن مقابل الحق
رد ببرود ولا مبالاه:
-نعم
-وما الثمن
-جسدك.
أرتجف جسدها كله من فجاجته وتلك النبرة الجحيمية التي تحدث بها، ودارت بعقلها الأفكار إلى أن هزت رأسها بيأس وأسى ثم قالت:
-موافقة.
ظل على وقفته يشبك يداه خلف ظهره وينظر لها كأنه ينتظر تعالت أنفاسها وزادت ضربات قلبها من الخوف والهلع تحت نظرات عيناه الباردة.
لحظات لن تنساها طوال حياتها وانتظاره يوترها أكثر فشرعت بفك أزرار فستانها الأحمر تخلعه عنها وهي ترتجف وتبكي بصمت تام وقبضت على قميصها الداخلي كي تخلعه كذلك لكن الملك هتف بحده:
-توقفي
بالفعل توقفت عن خلع أخر قطعه تفصله عن التعري فقال:
-من أنتي لتكوني أحن على رعيتي أكثر مني وأعدل.. تلك الفتاة حلت قصتها منذ أيام وسننت قانون يجرم تلك العادة في قبيلتها وما يماثلها من عادات تتعدى على حقوق المرأة والأن هيا غادري لا أريد رؤيتك.
لم تكن تعلم بتلك اللحظة هل تفرح أم تحزن لكنه صرخ فيها:
-هيّا غادري حالاً.
خرجت من عنده بحزن تجر قدميها جراً والحزن واليأس وقلة الحيلة تسيطر عليها.
فيما وقف الملك حزين لأنه رغم ما سمعه عنها مازال لديه حنين تجاهها لا يعلم ماذا يفعل معها.
مرت الأيام وهو يمنع نفسه بالقوة من رؤيتها أو الذهاب إليها
وذات يوم كانت أنجا تجلس في غرفتها تدرس بعض الأوراق المهمه فإذ بها وجدت خادمتها تدخل وهي تلهث ثم قالت:
-سيدتي سيدتي
-ما بكي؟ ماذا جرى؟
-لقد هربت الفتاة البيضاء.
هبت أنجا من مكانها بصدمة:
-ماذا؟! كيف؟
-لا اعلم
-وهل علم الملك
-لا حتى الآن لم يصله الخبر.
وقفت أنجا وعقلها يكاد يجن كيف هربت ومن ساعدها فهي بنفسها سبق أن ساعدتها وفشلت فمن ذا الذي نجح في مساعدتها وكيف ستخبر الملك بما جرى؟؟؟؟