رواية وريث ال نصران الفصل الخامس عشر 15 بقلم فاطمه عبد المنعم


 رواية وريث ال نصران الفصل الخامس عشر

الفصل الخامس عشر ( يلاحقها "عيسى"!)
#رواية_وريث_آل_نصران
بسم الله الرحمن الرحيم

هل تظن أنك أصبحت تعلم كل شيء؟
يؤسفني أن أتسبب في سقوط أملك أرضا، لأنه لا يوجد بشري على الإطلاق يعلم كل شيء.... جميعنا نجهل أمر ما، إشارة ما، شيء أمامنا لو دققنا فيه لعرفنا حقا أننا لسنا إلا حمقى لعب بهم جهلهم فجعلهم يظنوا أنهم أعلم العالمين.

أطبق الصمت على منزل "نصران" بعد قول ابنه الذي نجح حقا في سلب انتباه الجميع ، أما عن "عيسى" فداهمه ذلك السباق في دقات قلبه، أغمض عينيه وهو يستمع إلى "سهام" تقول باعتراض:
يعني إيه الكلام ده؟

_بابا عايزك لوحدنا
خرجت منه حادة، تخبرها برسالة غير مباشرة أن تلتزم الصمت... مد "طاهر" كفه وربت على كتف شقيقه سائلا باهتمام:
عيسى أنت كويس؟

حرك "عيسى" رأسه بالإيجاب يخبره أنه بخير أو ربما يتصنع أنه بخير، تحرك نحو مكتب والده قائلا:
بابا هستناك أنت و"طاهر" في المكتب.

دخل المكتب وأغلق الباب خلفه فانطلق حديث "سهام" الرافض لما يحدث:
"نصران" البنت دي نواياها مش كويسة،
هي مش كانت بتحب "فريد"؟... هتتجوز أخوه ازاي؟
أرجوك يا " نصران" من فضلك خد موقف.

_ماما "عيسى" مش صغير... ده طبعا مينفيش إني مش موافق على اللي بيحصل ده
قالها "طاهر" وهو يرى محاولاتها المستميتة لإقناع والده برفض ما طلبه "عيسى"، وأيد قوله " نصران" حين تحدث مشيرا لها:
أظن سمعتي كلام ابنك يا "سهام"، وأظنك كمان عارفة إن كبير البلد دي وجوزك مبيعملش غير الصالح....خلي " تيسير" تعملنا قهوة.
وتحرك "طاهر" معه حينما تابع:
ويلا أنت معايا يا "طاهر".

في أثناء خطواتهما إلى غرفة المكتب سمعا صوت شيء يُهشم فأسرعا في خطواتهما نحو الداخل بينما هي بقت وحيدة أنفاسها تتسارع، إن ما يخطط له " عيسى" ليس هين أبدا ويجب أن تعد له جيدا... قطع شرودها صوت ابنتها القادم من الخلف وهي تقول باشتياق:
ماما أنا رجعت... وحشتيني أوي.

استدارت لها و احتضنتها بحب مبادل وهي تقول:
أنتِ كمان يا رفيدة وحشتيني... هخلي "تيسير" تحضرلك الأكل كلي، و ارتاحي شوية.

اعترضت "رفيدة" وهي تطلب برجاء:
لا ماما لو سمحتي عايزة أتكلم معاكي.

ابتسمت "سهام" وهي تربت على كتف ابنتها معتذرة:
معلش مش وقته... أنا مش فاضية دلوقتي.

كسا الحزن تقاسيم "رفيدة" وهي تكرر طلبها بإلحاح:
أرجوكي يا ماما أنا محتاجة أتكلم.

_بالليل هجيلك ونتكلم.
قالتها "سهام" وهي تتجه ناحية المطبخ غير ملاحظة لتعبير الحزن الذي غزا عيني ابنتها، راقبت "رفيدة" حركتها حتى اختفت تماما من أمامها، فعدلت من وضع حقيبتها واتجهت نحو الأعلى بقلب دهسه التجاهل ولم يرحمه.

★***★***★***★***★***★***★***★

إن السيارة على وشك التوقف، لا يعلم ما ذا دهاها ولكنه سأل عن أقرب مكان لإصلاحها وأدله أحدهم على _ورشة_ إصلاح هنا في القرية يملكها شاب يُدعى "عز" ... توقف "باسم" أمام المكان وخرج له شاب في نفس عمره تقريبا بدا على وجهه أثار مهنته وقد انتهى للتو من إصلاح سيارة ما، ولكن ذلك لم يخف بشرته السمراء، وشعره المموج، وعينان باللون الأسود المميز
لم يدم تعرف "باسم" على من أمامه طويلا حيث سأله"عز":
خير؟

أخبره "باسم" بأمر سيارته و أنهى حديثه بقوله:
أنا عندي مشوار هنا... شوفهالي وأنا لما أخلص هرجعلك.

اقترب "عز" من السيارة يتفحصها فأخرج "باسم" نقوده ليدفع له جزء قبل رحيله ولكن سمع سؤال "عز":
أنت شكلك مش من هنا...أول مره تيجي هنا صح؟

هز " باسم" رأسه بالإيجاب فابتسم "عز" قائلا:
أنا قولت كده برضو... رجع فلوسك يا أستاذ أنت ضيفنا، البلد دي كبيرها الحاج "نصران" يعني الواجب كله، ومن الحاجات اللي احنا ماشين عليها هنا إن الضيف مبيتحاسبش طالما أول مره يدخل عندنا.

_بس ده حقك!
قالها "باسم" وقد انكمش حاجبيه باستغراب فقال "عز":
وأنا قولتلك دي قوانينا... أول مره ملهاش حساب.
حضرت والدته بالشاي من أجله فابتسم وأخبره وهو يتجه ناحيتها:
ابقى تعالى المره الجاية وأنا هدفعك دم قلبك.

أصبح أمام والدته يتحدث معاتبا على فعلتها:
أنا قولتلك اعملي شاي وهاتيه، ما أنا لو عايز هجيب من على القهوة.

ضربته بغيظ في صدره وهي تناوله الحامل المعدني:
تجيب من على القهوة، و الورشة جنب البيت...ضحكت متابعة:
ربنا يخليني وخيري يفضل مغرقك.

بادلها الضحك وتحرك مهرولا إلى عمله ليرى أن هذا الغريب القادم قد غادر وترك سيارته، استعد للعمل بها حتى يرى عطلها ويكون رده حاضر حينما يعود صاحبها لاستلامها.

بينما في نفس التوقيت رأى " نصران" الكوب الزجاجي المهشم على الأرضية داخل مكتبه وسأل "طاهر":
ايه اللي كسر الكوباية كده؟

برر " عيسى" وهو يجلس على أحد المقاعد:
وقعت من ايدي وأنا بشرب.

اتجه "نصران" إلى مقعده وجلس "طاهر" أيضا وهو يسمع "نصران" يقول:
خلاص مش مهم... "تيسير" تبقى تلمها لما نخرج.

أشار "نصران" ل "عيسى" بنظرات متلهفة يحثه على القول:
قول اللي عندك يا "عيسى" .

دخل حرب، نعم هي حرب لم تكن هينة أبدا وهو يسرد عليهم تفاصيل مقتل فقيدهم، كان جسده متأهب للانفجار في أي ثانية وفي أي أحد، لم تنزل دموعه هذه المرة بل استبدلها ببريق لا يُخبر بأي شيء سوى أنه يريد الانتقام.
وما إن انتهى حتى دخلت "تيسير" بعد أن استأذنت تخبر الجالسين بالضيف القادم:
حاج "نصران" الراجل اللي اسمه "مهدي" اتصل على تليفون البيت وقال نديك خبر إنه جاي.

تبادل ثلاثتهم النظرات التي قطعها قول "عيسى" الحاد:
بما إنه بجح بقى، روح يا "طاهر" هات "ملك" وأختها... علشان اللي "ملك" قالته قدامي تقوله قدام عمها، علشان ميبقاش يفتح بوقه لما يشوف دم ابنه.

أيد "طاهر" ما قاله "عيسى" حين قال:
فعلا يا بابا كلام "عيسى" صح... لازم الاتنين يبقوا قصاد بعض واللي عنده حاجة يقولها.

سيطر الغضب عليه هو الآخر، فالمشهد المسرود مزقه كما مزق "عيسى" من قبل ووالده الآن.

غادر المكان لإحضار "ملك" و "شهد" فالأمر الآن متوقف على حديث يخرج منهما، ومواجهة طرفها الآخر هو "مهدي".

★***★***★***★***★***★***★

هنا حيث ضواحي القاهرة المزدحمة، والسيارات التي تتسابق على الطريق سباق شرس... اتجه " جابر" ناحية إحدى العمارات، وصل إلى الطابق المنشود ودق الباب ليستمع إلى أحدهم يخبره من الداخل بأنه قادم،
فتح "شاكر" الباب فتوسعت عيناه بدهشة وهو يرى أمامه ابن أحد كبار قريتهم إنه "جابر" ابن "منصور" قطع دهشته صوت "جابر" يسأل:
مش هتقولي اتفضل ولا إيه؟

أفسح له "شاكر" الطريق وهو يقول مرحبا:
اتفضل طبعا... بس هو أنت عرفت البيت منين؟

شرح له "جابر" أثناء جلوسه على الأريكة:
سألت أبوك عليك وقالي على التجار اللي بتخلص شغل معاهم، فسألت وجيت.

تأفف "شاكر" بانزعاج وهو يتجه ناحية المطبخ لإحضار شيء لضيفه... هو نبه والده ألا يخبر أحد بمكانه فما هو ذلك الشيء الهام الذي جعله يخبر "جابر".
انقضت دقائق خرج بعدها يحمل كوبين من العصير، وضعهما على المائدة وجلس في مقابلة " جابر" يسأله:
خير يا "جابر" عايز ايه؟

_بنت عمك... عايز أتجوزها.
قالها "جابر" وتبعها بابتسامة ماكرة فسأله "شاكر" بقلق:
بنت عمي مين فيهم؟
كان "جابر" يعلم جيدا أثر ما سيقوله على الجالس فقال منتظرا رؤية ردة الفعل:
"ملك"

ترك "شاكر" مقعده وقد جن جنونه وهو يصيح في الجالس أمامه:
لا أنت كده بتغلط... معروف البت لابن عمها، و "ملك" البلد كلها عارفها إنها على اسمي، فإنك تيجي تطلبها مني اسمها بجاحة.

ضحك "جابر" عاليا فلقد كان انفعال "شاكر" مثلما توقع تماما وزاد هو هذا بقوله:
وأنت فاكر إنك هتعرف تطولها وهي متحامية في "نصران".

أدرك " شاكر" أن لحديث ضيفه مغزى أخر فجلس مجددا وهو يسأل مستجوبا:
أنت عايز إيه يا "جابر"؟

تناول " جابر" كوب العصير الخاص به وقد راق له الحديث عند هذه النقطة فبدأ في كشف أوراقه:
حلو السؤال ده.
التقت عيناه بعيني "شاكر" متابعا:
أنت عايز "ملك" ، واحنا عايزين نرجع الكبار تاني في قرية "نصران" زي ما كنا زمان .
أنت تاخد "ملك" واحنا نحط رجلنا جوا... وده طبعا مش هعمله لوحدي، أنا وأنت و أبويا وأبوك ده غير اننا هنحتاج يبقى لينا ودان كمان في قرية "نصران".

إنه عرض مغري حقا ولكن هناك سؤال يلح على ذهنه الآن:
ليه من زمان وكله عايز ياخد حتة أرض عند " نصران" ... أبويا كان هيموت على حتة أرض هناك، ودلوقتي أنت وأبوك عايزين تاخدوا الأرض كلها وتبقوا الكبار هناك، القرية دي فيها أيه يخليكوا ميتين عليها كده؟

_ميخصكش.
قالها "جابر" وهو يضرب على الطاولة أمامه متابعا بحزم:
أنا جاي أعرض عليك عرض يا اه يا لا، وخلي بالك أنا عرضي مش ساري... يعني الإجابة تتقال دلوقتي.
تبع انتهاء جملته رنين هاتف "شاكر"، كان والده، ضغط على زر الإجابة وهو يتابع " جابر" بعينيه باهتمام ولكنه سمع من والده على الجهة الاخرى ما جعل دقات قلبه كالطبول.
كانت انهيار "مهدي" واضحا وهو يخبر ابنه:
عيسى نصران جه يدور عليك و أمك وأختك قالوا إن شكله كان ناوي على الشر، أنا رايحلهم... نصران شكله عرف كل حاجة، "محسن" هنا جالي المضيفة وكان متكسر، قالي إن "عيسى" سأله يعرف إيه عن علاقتك بملك وإذا كان يعرف حاجة عن "فريد" ولا لا ... الكلام ده معناه انهم عرفوا...استطرد منبها:
سيب البيت اللي أنت فيه وارمي الشريحة دي بعد المكالمة.

لم يخف على "جابر" تلك التغيرات التي أصابت وجه الجالس أمامه، لو أن أحدهم يخبره بوفاة والده لما تغير وجهه هكذا، إنه أمر هام... و ربما يكون سبب في قلب كافة موازينهم.

★***★***★***★***★***★***★

دقات الباب امتزجت بدقات قلب "هادية" وهي متوجهة لفتحه، رأت من النافذة أن القادم "طاهر"... خوفها الآن على فتياتها لا يضاهيه خوف وستحارب من أجلهم بكل شراسة، فتحت الباب بكل ثبات وسألت دون خوف:
في إيه يا " طاهر" ؟

رغم أنها تخفيه استطاع رؤية خوفها وهي تسأله لذا قال بهدوء حاول هو استحضاره:
مفيش حاجة يا مدام "هادية"، أنا هاخد " شهد" و "ملك" نص ساعة و هيرجعوا تاني.

انقبض فؤادها فسدت الطريق أمامه ناطقة بصدق:
أنا بناتي معملوش حاجة يا "طاهر".

حرك رأسه متفهما وهو يوضح لها أنه لا داعي لخوفها هذا فنطق بنبرة معاتبة:
لو اللي " ملك" قالته هو اللي حصل يبقى ألف شكر...
مع إن كان عشمنا إن متفضلوش مخبيين شهر ونص وعارفين إن اللي قتل أخويا قايم، نايم ولا كأنه عامل حاجة.

أنهى عتابه المنفعل مكررا طلبه:
لو سمحتي اندهيلهم، و متقلقيش عليهم هما هيبقوا في بيتنا يعني أمان أكتر من وهما هنا.

أدركت من حديثه أن "عيسى" لم يخبرهم أن مصدر معرفته لم يكن "ملك" وحدها بل سبقها أحدهم وأخبره، كما سردت لها "ملك"....خرجت "ملك" وشقيقتها وقد استمعتا إلى الحوار من الداخل، ألقى عليهم نظرة قبل أن يشير نحو الخارج قائلا:
اتفضلوا.

تقدمت "ملك" لتخرج أولا ولكن جذبت ذراعها والداتها تهز رأسها بنفي، فروحها تتآكل عليها
ولكن "ملك" أصبحت فاقدة لكل شعور، هي الآن تريد أن تتحرر فقط من كل هذا، لا يسيطر عليها سوى رغبتها في تحرير روحها و اشتياقها لفريد ، لذا قالت تبث الطمأنينة لوالدتها:
متخافيش يا ماما.

أيدت "شهد" قول شقيقتها حين قالت و نظراتها مصوبة ناحية "طاهر":
وتخاف ليه، احنا معملناش حاجة نخاف منها.

لم يخف عليها التعبير الساخر الذي ارتسم على وجه " طاهر" ... قتلها ولكنها تظاهرت بعدم الاهتمام وتحركت مغادرة مع شقيقتها بعد وعد أعطاه "طاهر" لوالدتها أن يعيدهما بنفسه.

كان رفيقهم الرابع في الطريق القصير هو الصمت، جافاهم الحديث فلم يعرفوا له طريق، لمح "طاهر"، " تيسير" فناداها طالبا منها أن ترافق "ملك" إلى غرفة المكتب، وأخبر "ملك" بأنه سيلحق بها مع شقيقتها.
كانا أمام المنزل بجوارهم هذه البقع الخضراء حيث الأراضي الزراعية، والشمس منعكسة عليها...ظهرت نظراته المعاتبة بوضوح فسألته:
بتبصلي كده ليه؟

وجه بصره ناحية أحد الأشجار وهو يخبرها:
لما قالولي مصدقتش... فكرت إن لو في حاجة فعلا زي كده كنتِ هتقوليلي الأول.

يكفي شعورها بالذنب، وضميرها المعذب... هذه النظرات القاتلة لا تقدر عليها لذا حاربتها بما جعله يستدير لها:
هو أنت ليه بتبصلي على أساس إن أنا اللي عملت كده، حاولت تحط نفسك مكاني؟... بس لا محدش بيحط نفسه مكان التاني احنا شاطرين بس نعاتب بعض ونحسس بعض بالذنب، وندوس على بعض لكن نحس ببعض لا دي مش موجودة.

بادلها الحديث بنبرة منفعلة تشبه خاصتها الهجومية:
أنا لو حطيت نفسي مكانك هتطلعي صغيرة أوي في عيني يا "شهد"... هتبقى إجابتي على سؤالك اللي سألتيهولي قبل كده هو الناس هما اللي وحشين ولا أنا اللي وحشة... أن أنتِ اللي وحشة.

سألته بتهكم، وعينان أوشكا على نزف الدموع:
بجد أنا وحشة؟... طب شكرا أوي يا سيدي بس أنا عايزاك تعرف حاجة واحدة بس أنا يوم اللي حصل ده كنت أنا اللي راحة أبلغ عن " شاكر" بس أنت معاشرتش "شاكر" علشان تعرف هو قد إيه إنسان وحش... شاكر لو كنت بلغت عنه كان بسهولة جدا هيلبسني فيها.... أنا لو كنت اتحطيت في موضع اتهام مكانش حد هيبرأني على فكرة... عايزاك تستنى كده وتسمع "شاكر" هيقول إيه لما يعرف إنكم عرفتوا... وشوف اتهاماته ليا لو كانت اتقالت قبل ما تعرفني كنت هتصدقها ولا لا.

تابعت حديثها وهي تتجه نحو الداخل:
وطالما أنا وحشة بقى متتكلمش معايا تاني... أحسن الوحاشة معدية اليومين دول فخاف على نفسك علشان متتعديش مني.

لحق بها نحو الداخل فاصطدم بوالدته التي توقفت بالحامل المعدني للمشروبات أمام هرولة ابنها خلف هذه الفتاة.... شملهما نظراتها المحتدة، مما جعل "شهد" تتراجع وتستدير له تسأل:
مالها ؟

أخذ الحامل من والدته متجاهلا نظراتها وطلب من "شهد" اللحاق به ففعلت ذلك ولم يخف عنها نظرات "سهام".

بينما في نفس التوقيت كانت " رفيدة" تبكي بصمت في غرفتها، شعرت بحاجة ماسة للبكاء فلا أحد يشعر بها، هي الفتاة الوحيدة في المنزل... لا تستطيع إنكار حنان جميع من في المنزل، الحب والحماية والاهتمام ولكنها وبكل أسف تشعر بالوحدة كلما طلبت الحديث مع والدتها ولم تجدها.
فتحت هاتفها لتجد اتصال من رقم لا تعرفه، انكمش حاجبيها باستغراب وأتت لتغلق الهاتف بملل ولكن الاتصال تكرر بإلحاح شديد، مما دفعها لمعرفة من المتصل... فأجابت.

★***★***★***★***★***★***★***★

إن أخر شخص توقعا وجوده هنا هو أول شخص وقعت عيناهما عليه، إنه عمهم... تقابلت نظرات "ملك" مع "مهدي" والذي هب من مكانه سائلا باستنكار:
بقى "شاكر" هو اللي قتل "فريد" يا "ملك" .

استغربت هذا، هل حقا وصل التبجح إلى هذا الحد... إن تمثيله متقن، إذا شاهده أحد لا يعرف عن الموضوع شيء لصدقه وكذبها هي... سمعته حين صاح متابعا:
ما تنطقي... برأي ابن عمك اللي اتربيتي في بيته.

أتت "شهد" لتجيب باندفاع ولكن منعتها "ملك" حين وقفت أمام عمها تقول بتحدي:
أيوة هو اللي قتله، وأنت عارف، وكداب، و بجح.

ابتسم "عيسى" فلقد أظهرت القطة المسكينة شراستها الآن، حينما كانت لحظة المواجهة لم تعد للبكاء بل ثارت في وجه عمها الذي كذب ما تقول بعنف:
أنتِ يا بت أنتِ اتجننتي ولا جرا لعقلك إيه؟

تقدمت "شهد" تساند شقيقتها ناطقة:
هي مبتكذبش، و أيوة شاكر ابنك هو اللي قتل، وأنت وهو هددتوني ومش مرة واحدة لا مرتين إني لو جبت سيرة ولا بلغت عنه هتشيلوني الليلة معاه.

أشاح "مهدي" بكفه موجها الحديث هذه المرة لنصران يقول بشراسة:
محصلش، ولو عايز تصدق يا حاج نصران كلام عيلتين زي دول، وتكدبني أنا أنت حر... لكن هتفتح على الكل باب دم مش هيتقفل.

ترك "عيسى" مقعده وتوجه ناحية "مهدي" يسأله بسخرية:
لا دي مكدبتش بقى لما قالت عليك بجح، بتهددنا ولا إيه؟

_أنا مهددتش حد، وبقولك العيال دي كدابة وده مش جديد عليهم... أصلهم تربية الست.

تصدى "طاهر" لحديثه بقوله المعنف:
عيبة في حقك يبقوا متربيين في بيتك وتقول عليهم كده.

قاطعه "نصران" وقد صوب نظراته ناحية "مهدي":
خلاصة القول... ابنك يحضر هنا والكلام يبقى في حضوره، غير كده هيفضل بالنسبالي هو اللي عملها وكلام " شهد" و "ملك" صدق.

برر "مهدي" عدم حضور ابنه بانفعال:
"شاكر" بيخلص شغل معرفش هو فين و هيرجع امتى، وابني مش متهم ، هاتلي دليل ان "شاكر" اللي قتل غير كلام العيلتين دول و ساعتها هجيلك بكفنه على ايدي.

ابتسم "عيسى" قبل أن يقول:
لا هو أحنا لو لقينا دليل تاني مش هتلحق تيجي بالكفن أصلا.

أشار "مهدي" لنصران يحكمه قائلا:
عاجبك كده يا حاج "نصران"؟

قال " نصران" كلماته الأخيرة بحزم:
روح يا "مهدي" ولما يبقى ابنك يظهر، يبقى لينا قعدة تانية.

قطع حديثهم صوت الخادمة تقول من الخارج:
في واحد اسمه "باسم عراقي" عايز الأستاذ "عيسى" برا.

الوقت سريع، لا ينتظر أحد، صدق من قال أنه سيف... سيف حاد جدا، مر عدة ساعات بعد هذه المواجهة، وكالعادة الليل يفرض نفسه على الأجواء... تتذكر هذا المشهد جيدا، حين هرولت في المرة الأولى هربا من بيت عمها إلى هذه القرية متمنية أن تلمح طيف حبيبها المفقود، والآن هي تهرول أيضا ولكن إلى أين لا تعلم.... تريد أن تبتعد فقط وتعلم أنه بالتأكيد خلفها يلاحقها ... سمعت نباح الكلاب ولكنها تابعت الهرولة على الرغم من ذعرها، مرت سيارة من جوارها فتوقفت لها وقال صاحبها بلطف:
اتفضلي يا أنسة اركبي أوصلك المكان اللي عايزاه بدل ما بتجري كده.

كانت سترفض ولكن ارتفع صوت النباح أكثر، ورأت سيارة "عيسى" آتية من بعيد بسرعته المهولة، لذا خرجت منها صرخة وهي تركب جوار هذا الغريب مسرعة، وقد أغلقت الباب كمن سيفتك به أحد الآن فيحاول الاختباء منه...قاد مجاورها السيارة مسرعا فاعتذرت له عدد كبير من المرات، ابتسم فهو يعلم هوية الراكبة علم جيد، بل ورأي سيارة من تهرول منه أيضا فتحدث:
لا ولا يهمك... أنتِ اسمك إيه؟

لم تجب ، استغرقت وقت كبير في الإجابة فقال هو مزيلا الحرج:
أنا "باسم عراقي".

إن الخوف مقيت، يسلبك كل ما لديك و يصبح طلبك الوحيد هو الأمان، ولكن الأبشع هو الخوف من المجهول، والأكثر بشاعة ألا تجد من يربت على كتفك ليخبرك أن كل شيء سيكون على ما يرام.
أقرب أناس ابتعدوا.... تلك الليلة التي بدلتنا فأصبحنا بعدها أشخاص لا ننساها أبدا.

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-