رواية من نبض الوجع عشت غرامي الفصل الرابع عشر 14 بقلم فاطيما يوسف




 رواية من نبض الوجع عشت غرامي الفصل الرابع عشر 14 بقلم فاطيما يوسف 


#بسم_الله_الرحمن_الرحيم

#لاإله_إلا_الله_وحده_لاشريك_له_يحي_ويميت_له_الملك_وله_الحمد_وهو_علي_كل_شئ_قدير


                #البارت_الرابع_عشر

       #من_نبض_الوجع_عشت_غرامي

           #بقلمي_فاطيما_يوسف


زعلانة منكم قوووي بسبب قلة التفاعل مع إني مش مقصرة وبنزل كل يوم 😥😥 بجد متبخلوش عليا بلايك وريفيو والجروب بنات بس مش مختلط علشان اللي بتتكسف ، وكمان بشوف أغلبكم مبيفوتوش ريفيوهات في جروبات تانية لكاتبات كبيرة ولا أنا علشان لسه مبتدئة 🥺🥺 بجد التفاعل هيفرق معايا في الجروب ادوني حبة أمممل علشان أقدر أكمل ، أسيبكم مع البارت حبيباتي ، قراءه ممتعة 🥰😍


عادت حبيبة من المشفى وهي تستند بوهن على كتف أخيها ويحتضنها بحرص تحت ابطيه ورحمة تمسك طفلا منهم وزوجها يحمل الآخر وحقيبة الولادة الخاصة بها ، 


طلبت منهم أن تنام في نفس غرفة والدتهم التى تمكث بها الآن فالغرفة تحتوي على ثلاث تُخُوتٌ ، 


أدخلها عمران برفق وهو يردد لوالدته بابتسامة:


_ اها ياحاجة زينب بتك جات لك جارك اها زي مانتي رايدة ، 


وتابع وهو يُجلس أخته بحنو:


_ على مهلك ياخيتي براحتك واسندي براحتك على أكتاف أخوكي .


رأته زينب وهو يحنوا على اخته ولمعت عيناها بالدموع من ذاك المشهد الذي أثر فيها وهتفت :


_ ربنا يبارك فيك ياولدي ويخليك لينا وميحرمناش منيك ابدا ، وتفضل طول عمرك ضهر وسند خواتك .


قبلها عمران من رأسها قائلاً:


_ ولا منيكي ياست الدار ، هو أني اطول أحمل خواتي في عنيا ، ده انتم نن العين ياحاجة.


مطت رحمة شفتيها بامتعاض مصطنع ورددت :


_ أه ياحاجة تدلِعي حبيبة وتهنني عمران واني هوا مش متشافة خالص ، 


ثم تابعت استنكارها وهي تعد لها مافعلت على أصابع يديها :


_ ده أني سهرانة جارها من امبارح وعيالها طلعوا روحي ، وقمت بالواجب معاها وزيادة ، ودلوك أهه شايلة العيال لما همدولي دراعي وفي الاخر مبتجبريش خاطري بكلمتين زي ولادك دول ، عموماً شكراً ياحاجة أني مش هعاتبك بس علشان رقدتك داي ، بس اعملي حسابك لما تخفي تاخديني في حضنك وتطبطبي علي زي عمران وحبيبة بالظبط ، مهتنازلش عن اكده ، ده أني اخر العنقود ياناس حسو بيا .


ضحك الجميع بشدة وحتى حبيبة التي أسندت أسفل بطنها من شدة جرحها فالضحك يؤلمها كثيراً من طريقة رحمة الدعابية في شكواها ، 


ثم تحدثت وهي تحاول كبت ضحكاتها :


_ يابنتي كفاية بقي حرام عليكي مقدراش على الضحك بسبب طريقتك داي .


كانوا يتحدثون في جو من الألفة والسعادة ،


سمع صوتهم سلطان وهو يهبط الأدراج وعلامات السعادة بادية على وجهه ، دلف إليهم بوجه منير من سعادته وهو يردد بدهشة عندما قطعوا ضحكاتهم :


_ مالكم بطلتوا ضحك ليه كأنكم شفتوا عِفريت لاسمح الله !


رأى عمران وجه والدته الحزين وهي تنظر إليه فأجابه :


_ لا ولا عفريت ولا حاجة يابوي ، تعالى سلم على حبيبة وشوف التوم الحلوين دول .


تعلقت عيناه بزينب ورأى حزنها ولكنه لم يلقى بالا لجرحها منه وهو يوجه كلماته إليها:


_ كيفك ياحاجة النهاردة ، يارب تكوني زينة واتحَسَنتي عن امبارح ، مبين عليكي إنك روقتي شوي .


أدارت وجهها للناحية الأخرى كي لا تلتقي عيناها بعيناه :


_ نحمد الله على كل شئ .


قالت كلماتها تلك ولم تزيد ، أما هو ردد وهو يخطو تجاه حبيبة:


_ حمد لله على قومتك بالسلامة يابتي .


ردت سلامه بفتور لحزنها على والدتها :


_ الله يسلمك يابوي ، منحرمش منيك .


ابتسم لها ثم تحمحم مرددا :


_ اممم .. وجد كانت عايزة تاجي تطمن عليكي ياحاجة وتبارك لزينب .


تشنج جسدها بغضب من طلبه وحركت يداها بعصبية لاحظها عمران ، الذي أجاب والده بدلاً عنها لما رآه من حزنها : 

_ مَعَلش يابوي امي مرايداش حد يسلم عليها، وقول لها ملهاش صالح بأمى ولا تاجي ناحيتها ولا بخير ولا بشر ، تخليها اهنه في حالها علشان ميُحصُلش مشاكل .


احتدم سلطان غيظا من كلام عمران وهدر به :


_ والله عال ياسي عمران هتحكم على بوك في بيتَه على أخر الزمن ، 


وتابع وهو يضرب عصاه في الأرض بغضب :


_ اني اهنه راجل البيت والكلمة كلمتي وإذا كانت هي امك فهي مرتي واني بس اللي ليا حكم عليها ، 

ولا إيه يازينب ؟


هنا طفح الكيل لزينب فوجهت انظارها مردفة إليه بعناد:

_ إنت خلاص اتجوَزت وشفت حالك ملكش صالح بيا بعد النهاردة ، ربنا يخلي لك العيلة اللى من دور بناتك اللي اتجوزتها علي انت من اهنه متحرم عليا كيف ابويا واخويا .


اشتـ.ـعلت عيناه غيظا وقام من مكانه وذهب إلى مكانها وردد بصوت عال مستنكراً ماقالت :


_ والله عاد ياجدعان الحريم بقت بتحرم الرجالة والآية اتقلبت !


إنتي واعية لحديتك يازينب المخربط ده ولا مواعياش ؟


نحت الخـ.ـوف جانباً وهزت رأسها بتأكيد دون أن تخشى منه ومن نظراته الصارمة :


_ وعياله زين ياخوي ومهتنازلش عنيه ، طول ماالبت داي على ذمتك وجبتها اهنه بيتي علشان تركبها فوق راسي وبعد العمر ده كلياته عايشة تحت رجليك مهتنازلش عن اللي في دماغي يا سلطان.


بصوت غاضب أردف مستنكراً:


_ أخوى مين يامرة إنتي ! إنتي اتخبلتي في دماغك وعايزة اللي يفوقك .


أمسكت بيد عمران وضغطت عليهم بخوف اعتراها داخلياً ثم تمتمت :


_ ايه هتُضـ.ـربني يا سلطان وهتمد يدك قدام ابني وبناتي ؟


كان يدور في الغرفة كالهائج ثم أجابها:


_ ده أني مش هضـ.ـرُبك بس ، ده أني هكسر لك راسك اللي تفكر تحرم مرة على جوزها أبو عيالها ومش بس اكده هقطع لك لسانك كماني لو كررتيه الكلام الماسخ دي تاني .


اعتدلت في نومتها ووجهت له وجنتيها ورددت وهي تشاور عليهما بيدها :


_ وادي وشي اهه اضـ.ـربني ياسلطان وكـ.ـسر لي دماغي ولا مـ.ـوتني وريحني من الدنيا باللي فيها ولا اني اعيش وياك .


أنهت كلماتها ثم انفـ.ـجرت باكية ودموعها غمرت وجهها بغزارة في لحظات ، 


مما جعل رحمة تأتي بجوارها وتأخذها بين أحضانها واردفت وهي توجه حديثها لأبيها:


_ يابوي إنت مش مراعي حالة امي خالص ، الكلام في الموضوع دي ميُبقاش في الوقت دي ولا في حالتها داي ، علشان خاطري يابوي سيبها تهدى شوي وبعدين ابقوا اتحدتوا في الموضوع مرة تانية.


خرجت زينب من أحضان ابنتها وهتفت برفض:


_ لا مهيحصلش طول مالبت داي في بيتي مهقعدش وياك في أوضة واحدة ولا انام جارك على فرشة واحدة ياسلطان .


غـ.ـلى الد م في عروقه واقترب منها وأمسكها من يدها أمام أبنائها وهو يجذبها من على التخت ببعض العـ.ـنف وعمران ورحمة يحاولان فض النزاع بينهم ولكن يد الغاضب قوية ويد المريض واهنة وهو يتمتم بكلمات غاضبة:


_ الظاهر إني دلعتك كتير يازينب ودلعي ليكي خلاكي تقفي قصادي الند بالند وخلاكي تغـ.ـضبي ربك وتخالفي أوامر جوزك ابو ولادك ، يالا قومي وياي على الأوضة بتاعتك ومتخرجيش منيها إلا بإذن مني .


حاول عمران نزع يداه برفق من يداها وهي تهلل بصرامة :


_ الله الوكيل يا سلطان ماهاجي وياك ولا هسمع كلامك إلا إذا طلقتها أو طلقتني اختار مابينا غير اكده مليكش حكم علي ولا صالح بيا .


لم يصدق ماسمعه من زينب الهادئة المطيعة ذات البسمة الحنونة تفوهت في وجهه بتلك الكلمات ، وهدر بها بنفاذ صبر:


_ طيب حلفان على حلفانك يازينب طلاق مش هطلقك لا إنتي ولا هي ، واللي اني عايزه هو اللي هيكون ومش هحاسبك على خربطتك في الحديت دلوك وهراعي تعبك وانك لسه مش مِتقبلة الموضوع لكن عظيم بيمين ماهيُحصل غير إللي اني عايزَه .


بنفس تهـ.ـجمه وبنفس طريقته اعتلى صوتها :


_ والله في سماه يا سلطان ماهتمس شعرة مني طول مالبت داي في داري .


لاحظ عمران أنه سينوى التهـ.ـجم عليها وأن غضبه وصل عنان السماء فوقف بينهم وهو يمنعهم من الحديث:


_ يابوي ، يا امي ، بلاه الحديت دلوك بالله عليكم ، حبيبة والدة ياامي وتعبانة واهه بتعيط ومش متحملة ، وإنت يابوي هي تعبانة دلوك ومدرياناش بتقول ايه من وجعها ، هملها شوي اكده لحد ماتهدى .


نفض سلطان جلبابه بغـ.ـضب واستطاع تهدئة حاله وراعى غيرتها ووجعها وانتوى الخروج لكنه وقف على أعتاب الغرفة عندما استمع كلماتها :


_ له مههداش ياعمران واللي في دماغي في دماغي خليه يستنى العمر كله جار مقصوفة الرقبة داي ويا يطلِقها يا يطلِقني .


جز سلطان على أسنانه بغـ.ـضب ونظر إليها بعيناي يكسوها الجـ.ـحيم وهدر بها قبل أن يغادر المكان :


_ يبقى على جثـ.ـتك إن شاء الله يازينب .


ألقى جحـ.ـيمه في وجههم وغادر المنزل بأكمله بحدة وتلك الوجد تقف على أعتاب الأدراج تبتسم بانتشاء لما استمعت إليه من نـ.ـار اشتعلت بينهم وتلك النـ.ـار نزلت بردا وسلاما على قلبها المريض ، 


خرجت رحمة وراء أبيها كي تتحدث معه وتلومه وجدته قد غادر المكان فدارت بجسدها كي تصعد غرفتها وتأخذ حماما كي يعيد لجسدها حيويته من جلوسها في المشفى ذاك اليومان الماضيان ثم رفعت انظارها وجدت تلك الوجد امام عيناها وعلى وجهها علامات السعادة بادية ، 


فاستغلت خروج والدها وانتوت على خناقها كي تبرد نـ.ـار قلب والدتها الذي حـ.ـرق بسبب تلك الملـ.ـعونة التى دلفت إلى حياتهم بكيدها الواضح من نظرات وجهها ،


ثم تصنعت عدم رؤيتها وصعدت الأدراج وهي تمسك هاتفها في يدها وكأنها لم تدرى بها وعلى حين غرة خلعت حذائها وأمسكتها من ذراعها وبطاقة رهيبة تولدت في جسدها ضـ.ـربتها يميناً ويساراً ، 


والأخرى تحاول الإفلات من يدها بصعوبة لم تعرف فاشتد عويلها حتى اسمع من في المنزل ،


خرج عمران على صراخ تلك الوجد ونظر للأعلى وجد رحمة تعتليها وتضـ.ـربها على وجهها بالحذاء ضربات متتالية حتى تورمت وجنتاها ، 


صعد الأدراج بسرعة فائقة كي يفك الاشتباك بينهم ، رأته وجد بجانب عينيها فزادت من صراخها وما إن وصل إليهم حتى يفصل بينهم ،


أمسكت تلك الوجد إحدى يداه بقوة وهي تصطنع الاستنجاد به ، اما هو كان منشغلا بإبعاد أ خته عنها وهو يردد :


_ وه بعدي يدك عنيها يارحمة ، بعدي يدك بوكي لو جه دلوك هيخلي ليلتك طين ، بعدي يابت .


قامت رحمة من مكانها وهي تنظر إليها نفس نظرة الانتشاء التى رأتها من عينيها منذ قليل وهتفت :


_ أهو كل يوم من ده لحد ما تقولي يافكيك يابوز الاخص إنتي .


أما هي كانت تمسك يداي عمران وتصطنع البكاء :


_ ينفع اكده يا عمران اللي اختك عيملته فيا ،والله مايرضي ربنا واصل ، هو أني عميلت ايه يعني ، اني اتجوزت على سنة الله ورسوله.


هبت رحمة في وجهها وهي تحاول أن تصل إليها بيديها مرة أخرى:


_ عميلتي كتيير ياللي عضـ.ـيتي اليد اللي اتمدَلك بالخير ، عارفة ياوش البوم إنتي ياناكرة الجميل يمين بالله إن شفت ابتسامتك الشامتة داي تاني واحنا بنتحدتوا ويا بعضينا ماهخلي فيكي حتة سليمة ، هخلي بوي يجـ.ـبس لك يدك ورجلك مرة واحدة وبعد اكده هقـ.ـطع لك لسانك ومهخلكيش تتهني في البيت دي يوم واحد.


ألقت تحذيراتها ثم ذهبت الى غرفتها صافعة الباب خلفها وأوصدته بالمفتاح ومن اليوم ستفعل ذلك ستغلق على غرفتها وهي في داخلها وهي في خارجها أيضا لأنها استشفت الأذى من عيناى تلك الوجد فذكاؤها وصلها لذالك ،


اما وجد اعتلى صوتها بالبكاء كي ترى تأثير عمران عليها ويرأف بها وفور أن رأت باب رحمة مغلق والمكان خلى عليهما ولم يبقى سواهم استغلت الفرصة وأمسكت يداه وقامت وقفت قبالته وهي تردد بعيناى عاشقة:


_ اتوحشتك قووي ياقلب وجد وعمرها كله ، واللي مستعدة تتحمل العـ.ـذاب ألوان علشان خاطر نظرة رضا واحدة بس من عنيك حتى لو كانت شفقة زي اللي أني شيفاها داي .


نزع يده من يداها بحدة وهدر بها بعيناي تشتعل غضبا:


_ إنتي صنفك ايه يابت إنتي !


إنتي موعياش إنتي مين دلوك ! إنتي مرت ابوي اللي لمك يازبالة وعرفتي تضحكي على عقله وتتجوَزيه ، ومفكرة حالك باللي إنتي عملتيه هتقربي مني عادي واني هسمح لك بإكده يارخيصة ، فوقي يابت وانسي اللي في دماغك يا إما هقول لأبوى على اللي إنتي عملتيه فيا وهخليه يقـ.ـتلك بيده .


اقتربت منه ولامست أكتافه بحميمية وتحدثت بمشاعرها الفياضة التي اجتاحت جسدها فور أن اشتمت رائحته وصار بقربها :


_ قول مهما تقول واعمل اللي تعمله ماهبطلش احبك ولا هبطل أجرى وراك ، إنت كل املي ومنايا ياعمران ارجوك كفايه عـ.ـذاب فيا .


نفض عمران يدها وأزاحها بحدة بعيداً عنه وهو ينظر الي أرجاء المكان خوفاً من أن يراهم أحدا أو يسمعهم :


_ لاا ده انتي دماغك لسعت خالص وعايزة تروحي مستشفي المجانين ، 


أني راجل متجوز وبحب مرتي وانتي تُبقي مرات ابوى هفضل اعيد وازيد في الموال الأخبر اللي مبيخلصش كل يوم دي ولا ايه ، 


وتابع تحذيره :


_ المرة الجاية هقـ.ـطع لك لسانك بيدي لو مبعدتيش عني يالمامة إنتي .


انهى تحذيراته وبصق في وجهها كالحشرة ثم تركها وخرج من المكان بأكمله ، 


وأثناء مشيه في الحديقة استمع الى رنات هاتفه ، نظر إلى شاشته وجده محمد صديقه ، اجابه بضيق :


_ ايه يامحمد عايز ايه دلوك ؟ 


انصدم محمد من رده وهتف باستنكار:


_ وه هو محمد كان نايم جارك وداس لك على طرف ولا ايه ياض انت !


مالك بترد من غير نفس اكده ليه ؟


لقد فاض كيل ذاك العمران وطفح من تلك الشيطانة التي مغصت حياته واصبحت الآن في بيتهم ثم تحدث شارحا مايوجعه :


_ اني قلت ربنا بعد عني الشر وخلاص عفيت من اللي كنت فيه بسبب بنت المركوب داي ، اجي الاقي بوي هيتجوزها في نفس اليوم وشكل ماشفت امي متحملتش جوازه منيها ودخلتها علينا البيت وقعت طبت من طولها ، 


وياريتها جت على قد اكده وخلاص داي بنت الجزمة بتعرض نفسها علي النهاردة وهي مرت ابوي وفي بيته !


__ وه وه وه ! بوك اتجوز وجد اللي كانت سحرالك وجابها ضرة لأمك ! .. جملة تعجبية نطقها محمد بنبرة مندهشة للغاية ، وأكمل مستنكراً:


_ قول والله كلامك صحيح ؟


نفخ بضيق واجابه:


_ متزهِقنيش اكتر ماني زهقان ، والأدهى من اكده بتعرض نفسها علي النهاردة وهي مرت ابوي .


بهت وجه محمد مما سمعه ثم أدلى رأيه :


_ طيب ماتقول لأبوك على اللي عمليته فيك واللي إنت عانيته بسببها وانك روحت للشيخ صابر واتعالَجت .


لم يستحسن رأيه معللاً:


_ مينفعش اروح أقول لأبوي مرتك بتحبني وسحرالي علشان متجوزش غيرها وبتعرض نفسها علي ، كيف الكلام اللي هتقوله ده يامحمد ! وهقوله كماني كانت سحرالي باني مبقاش راجل ! كبيرة على قووي داي ياصاحبي وهيفكِر إني قلت اكده علشان رافض جوازه منيها وان العيبة عمرها ما طلعت من بقها ولا سمعنا عنيها حاجة شينة من يوم وفاة عمي ، فكلامي معاه لايسمن ولا يغني من جوع .


لوي فمه بقلة حيلة ثم تحدث:


_ طيب هتعمل ايه في الورطة داي اللي معرِفش اتحدفت عليكم من أنهي ناحية ، 


داي مش هتسيبكم في حالكم انت وسكون .


زهـ.ـقت روحه من تلك المشاكل التي تحاوطه من كل اتجاه بسبب تلك الشيطان التي أوقعها الله في طريقه كي تكن سبب شقائه ولم تجعله يحظى بلحظات سعادته وردد بنبرة متعبة :


_ اني تعبت من التفكير في البت داي ومشاكلها اللي مالية بيها حياتي ودماغها اللي حطاني فيها ، ولا لعبها على ابوي وأنها تتجوزه في نفس اليوم اللي كنت هخليه يطردها فيه ، شفت تدابير القدر اللي خلت الهم محاوطني .


حزن محمد لأجله فلم يلبث أن يفرح بشفاه حتى اتت بضـ.ـربتها له وتزوجت من أبيه وأصبحت بمنزله يراها كل يوم ، 


ثم تحدث وهو يحاول التخفيف عنه:


_ طيب متشيلش هم والشهر ده متقعدش في البيت كتير ولا تشوفها لحد ما تنقل بيتك اللي هتتجوز فيه إنت وسكون .


نفث سيجاره بغيظ وهتف :


_ بيت مين يا صاحبي! إنت عايزني اسيب امي لوحدها مع العقربة داي !

داي مش بعيد تسـ.ـمها ولا تمـ.ـوتها ولا تجيب لها شـ.ـلل ، اني مهسيبش امي واصل لحد اخر نفس فيا .


رفع محمد حاجبيه باندهاش وهتف:


_ وه كيف الكلام ده ياعمران ، هتتجوز سكون وتجيبها في المكان اللي موجودة فيه وجد !


هتسكن مرتك مع اللي عشقاك وسحرت لك علشان تاجي لها راكع وتسلم لها راية الطاعة !


إنت اكده بتحط النـ.ـار جمب البنزين ياعمران وبدال مانت بتتعس حالك لوحدك هتتعسها معاك المسكينة داي .


ألقى حجارة في المياة التى أمامه بقوة من فرط غضبه وعلى صوته بحسرة:


_ يعني اعمل ايه اسيب أمي وحدها لا يمكن ، 

وأبوي عمره ماهيسبها تاجي تعيش ويانا ولا تهمل بيتها ، سكون متعرفش حاجة والبت داي مهخليهاش تقرب منيها .


رأف بحاله الذي يصعب على الكافر من معضلته وأردف داعيا له :


_ ربنا معاك ياعمران ، ربنا يبعد عنيك الأذى ياصاحبي ، اني هقفل دلوك عندي شغل وابقي عدي على في المستشفى نقعد ويا بعض شوي .


أمن على دعاؤه ووعده بزيارته وأغلق الهاتف معه وجلس ينظر للبحر بشرود وهو يفكر كيف تُحَل مشكلته ، وقلبه حزين لما يشعر به من حرمان من سعادته .


      **********************


في مكتب ماهر البنان يدلف جاسر إلى مكتبه وينظر إلى رحمة مرددا بعملية:


_ لو سمحتى ياآنسة ممكن تبلغي المتر إني عايزه ؟


رفعت عيونها المذهولة من طريقة ابن عمها الذي علمت صوته وسألته باندهاش :


_ جاسر ! إيه الطريقة الغريبة دي يابن عمي !


بنفس طريقته أردف:


_ إحنا هنا شغالين في مكتب الأستاذ ومفيش حاجة اسمها بن عمي وابن خالي وأظن المتر معرِفِك قوانينه ، 


ثم نظر في ساعته وهتف متعجلا:


_ معلش بلِغي المتر علشان مفاضيش ومعنديش وقت .


كان ماهر يشاهد الكاميرات ويتابع حديثهم وعيناه تود أن تأكل الكاميرا من شدة تركيزه مع تعابير وجههم ، 


لاحظ تهجم ملامحها وجدية ملامحه ثم انتبه على رنات الهاتف تبلغه بأن جاسر يريد مقابلته فأبلغها ان تجعله يدلف ، 


ألقى جاسر السلام وأكمل وهو يتحمحم :


_ احم .. انى حابب أبلغ حضرتك بحاجة بس محرج شوي .

بنظرات مندهشة سأله :


_ حاجة ايه داي ؟ اتكلم علطول اني سامعك.


استدعى الهدوء ثم بدأ طلبه :

_ انى حابب افتح مكتب محاماة خاص بيا وكنت محتاج مساعدة حضرتك .


سهم ماهر قليلاً مما جعل القلق يدب صدر جاسر من صمته ، ثم حرك يداه باستحسان:


_ وماله يامتر كلنا كنا زيك في يوم من الايام واتمنى تبقي ناجح وليك مكانتك ، 


ها قول لي خطتك ايه ؟


ابتسم جاسر لتشجيعه ثم أجابه :


_ اني لقيت مكان كويس في عمارة فيها دكاترة كتيير مأجرين فيها فلقيت شقة فاضية وكويسة فأجرتها ودفعت تأمينها ووضبتها ، 


بس مكنتش حابب اني ابدأ فيها شغل ولا أخطي خطوة من غير مشورتك لأني بعتبر نفسي ابن المكتب اهنه .


سأله ماهر :


_ طيب هتعمل ايه في ورق وكيل النيابة اللي إنت مقدمه لو جالك في اي وقت ؟


أجابه بإيضاح:


_ لاا اني فكرت في الموضوع ده وحسمت امري وهسحب الورق بتاعي وهخليني في المكتب والله المستعان وعليه التوفيق.


حرك رأسه للأمام باقتناع واستحسان لرأيه وأردف :


_ تمام توكل على الله وليك مني ملف العمال كادو وملف قضية الوزان كمان وشد حيلك بقي ومتوطيش راسنا .


ضحك جاسر من دعابته ثم تحدث بثقة اكتسبها منه :


_ لاا في داي متشيلش هم واصل ده أني تربيتك يامتر يعني نفس المنهج ونفس شرف المهنة وكل حاجة علمتها لي همشي عليها زي ما قال الكتاب .


افتخر ماهر بتدريبه لمحاميه وبثه الثقة فيهم ثم رفع سماعة الهاتف وطلب من رحمة أن تدلف إليه ، 


بعد ثواني أتت إليهم رحمة ، أشار إليها ماهر أن تجلس ثم طلب منها :


_ شوفي يا أستاذة المتر الصغير خلاص فتح مكتب وهيسيب مكانه معانا ، كلمي الشؤون المالية تصرف له مكافئة عشرين ألف جنيه ، 


وتابع كلماته وهو ينظر إلى كلتاهما نظرة ثاقبة استشف منها ذهولها ونظرته لها بكبرياء ، تلك النظرة جعلت داخله يتسائل ماذا عنهم ذاك الثنائي ؟


ثم هتفت رحمة باندهاش:


_ هو انت فتحت مكتب ياجاسر من غير ما اعرِف ؟


بنفس نظرة الكبرياء أجابها:


_ أه عنديكي مانع ولا حاجة ؟


ثم قام من مكانه مستئذنا الخروج :


_ بعد اذنك يامتر مش محتاج مني حاجة قبل ما امشي ؟


هز رأسه برفض واجابه:


_ له ، ربنا يوفقك ، بس اعمل حسابك لما اطلبك لأي شئ تاجي لي فوراً واوعاك تتعالى علي لما تبقى حاجة .


اتسعت عيناه من كلامه وردد بنفي :


_ لااا يستحيل يا أستاذنا ده رنة تليفون منيك بس هتلاقيني قدامك هوا ، العين متعلاش على الحاجب بردك .


ابتسم ماهر بإعجاب لرده ثم غادر جاسر المكتب وتبعته رحمة بنفس الخطوات ونادت عليه وهي تغلق الباب خلفها :


_ جاسر استني من فضلك .


أدار جسده إليها مرددا وهو يتصنع الاستعجال:


_ في حاجة عايزاها علشان وراي حاجات كتيره مش فاضي ؟


اعتدلت بوقفتها وانتصبت وهو تنظر داخل عيناه وأردفت بعدم تصديق لتغيره الكلي معها :


_ هو انت بقيت اكده من ميته ، ومالك بتتعامل وياي بالطريقة داي ؟


ابتسم بسماجة وتحدث موضحاً لها:


_ من ساعة ماغدرتي بيا يابت عمي.


فتحت فاهها بدهشة وسألته:


_ هو أني عميلت ايه يخليك تقول اكده ياجاسر ، هو أني وعدتك بحاجة ولا اتمسكنت عليك في حاجة لاسمح الله لحد ما اتمكنت ،


إنت ليه مصر تعاقبني على حاجة مليش يد فيها ومخاصمني ومبتردش على تليفوناتي ، اني رحمة بت عمك تربية يدك ياجاسر .


بدا شبح ابتسامة خفيفة على ثغره ولكنها سرعان ماختفت في بحر لهفته لها ولكن عاد لرشده قائلا:


_ معلش لازم ابعد وتنسي وجودي في حياتك وانك ليك بن عم أصلا علشان محطـ.ـمكيش واحـ.ـطم نفسي .


اهتز فكها باستنكار ورددت:


_ انت ازاي تقول اكده وتحكم على علاقة الإخوة اللي بينا بالشكل ده ! إنت ظـ.ـالم ياجاسر وبجد انت غـ.ـدار .


رفع جفونه ببطء ثم قال بنبرة هادئة:


_ اعتبريني اكده يابت عمي ، عن اذنك .


على صدرها بأنفاس متلاحقة من شدة صدمتها ورددت قبل أن يغادر :


_ ومش بس غـ.ـدار ده انت خاين للعهد علشان كنت مديني وعد انك عمرك ماهتفتح مكتب لوحدك واني هكون شريكتك ونبنيه سوا مع بعض ، خنتني وعملته لوحدك ياجاسر ومن غير ماعرِف .


كان ماهر في الداخل يراهم ويرى تعابير وجهها وحركات فمها وعند كلمة خائن التى قالتها بحـ.ـرقة انصدم وبات داخله يسأل :


_ ما هذا العرض الدرامي الذي أشاهده الآن لمن طلبت منها أن تكون امرأتي ؟!


انها تردد لرجل غيري خيانته لها فماذا عني أنا !

ومن هذا الرجل إنه صنع يداي !


أيعقل ان تخدعني بكلامها وبرقتها ودوما تحملني هم إهمال مشاعرها ، 


كنت أظن أنها ستجمع أجزائي المبعثرة كشظايا البلور المكسور وتداويها وتعيد لها رونقها ولكنني أخطأت أم ماذا ؟!


أما في الخارج لمعت عيناي جاسر بالنـ.ـار الحـ.ـارقة التي تخرج منها وهتف بفم مملوء بالوجع:


_ كنت وكنا .. كنت باني لك بيت في قلبي محدش يسكنه غيرك وقلبك سكن بيت غيري ،


كنت مخصص لك عمري كله اللي فات ليكي لوحدك مشفتش فيهم نفسي وسعادتي وأني عارف انك هتعوضيني عنيه عمري اللي جاي كله وفي الاخر هتروحي تعوضي غيري عن عمره اللي راح واني مليش وجود في أيامك غير حلم هتحققيه من ورايا ،


كنا بنحلم بالمستقبل والنجاح على اساس انك مني ومن د مي وهتفضلي مني ومن د مي وكلك كلي لكن كلك هيبقي لغيري ،


ابتلعت أنفاسها بصعوبة وهتفت بعيناي تلتمع دمعاً:

_ بس اني مظلومة وانت بنيت اتهامك وحكيت مرافعتك ومفيش دليل واحد يديني خليك منصف واديني حق الدفاع عن نفسي ، ملكش حق في كل اللي قلته وبنيته مع نفسك من غير ما تقول لي ولا تشركني معاك ، من غير ماتحكي لي احساسك بيا ولا تديني علامات ولا إشارات من أي نوع ، مشفتكش غير أخ ياجاسر مشفتكش غير زي عمران .


زاده من الوجع أوجاعا وعلم أنه لن ينال من قلبها ولو سهماً بسيطا من العشق الذي زرعه لها في قلبه أفدنة ، ثم هدأ من ثورته المشـ.ـتعلة داخليا وأردف :


_ وعلشان اكده أني هبعد عنيكي علشان اداوي جرح قلبي ، علشان مشفش نظرة شفقة منك ليا ، علشان اقدر اتخطاكي يارحمة .


أنهى كلماته الموجعة لروحه وغادر المكان الذي يشعر فيه بالاختـ.ـناق منذ أن علم أن حبيبته تعشق من له الفضل عليه وجعله بذاك النجاح بعد فضل الله ،


أما هي ارتمت على الكرسي الموضوع تشعر بالخزي من حالها انها جرحت اعز الناس على قلبها ، وعيناها تلتمع دمعا على حالها فالذي أحبته لم يحبها والذي عشقها لم تراه وتألم قلبها ونبضه من الوجع يضرب في قلبها مراراً كالعلقم .


        *********************

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة والرياح هائجة تقف مها خلف نافذتها تتأمل هطول المطر ، ترى الكل يجرى ويحتمى من المطر

ولا يتبقي احد فقط السكون التام وصوت قطرات المطر تطرق النافذة لتذكرها بليلة ما في ذات الأيام ، تقف صامتة و ما اقسي هذا الصمت التام وما أجمله

صمت مخيف وضجيج كبير داخل قلبها المحمل بذكريات يوقظها المطر مع كل قطرة تتساقط علي يدها الممدودة ،

صمت موجع ومبهج وكأنها اصبحت مدينة خالية لا تسكنها الا الأرواح ،

أرواح من يراقبونا بصمت ولهفة من يستجدى الذكرى

الشارع خال ، الكل نيام ، وهي وحدها مستيقظة تراقب المطر وتسمع صوت طرقاته علي النافذة وكأنه يرسل اليها رسالة مشفرة تخترق قلبها ليذكرها بحلم تلاشي وحب ضائع وحزن يهاجمها عندما تتذكر كم من شتاء مضى على تلك الليلة التي أثرت في عمرها كله وجعلتها تحتقر حالها بشدة ،


وفي نفس تلك الليلة ببردها الصقيع عاد مجدي من عمله للتو وهو يرجف من شدة البرد وأعضاء جسده متشنجة فقد مشي أكثر من نصف ساعة كي يصل إلى المنزل فسيارته متعطلة ولم يجد أي وسيلة مواصلة ، 


صعد إلى المنزل وفتح باب شقته بأصابع ترجف وجعا وهو لم يشعر بأطرافه من شدة البرودة ، نظر الى أرجاء منزله الذي اصبح متسخا من كل مكان ورائحته النتنة قد عبئت المكان بعيناي يكسوها الاشمئزاز ، 


الآن شعر بارتخاء جسده وأنه متعب بشدة وفجأة زاره السعال المتتالي وبدأ يرتعش جسده ، خطى إلى الغرفة بأقدام واهنة وعندما رأى التخت المبعثر وفراشه ملقى على الأرض انزعجت ملامحه فقد كانت زوجته تهتم بذاك التخت وكأنه لوحة فنية ، حمل الغطاء الثقيل ثم ارتمى على التخت ولف جسده بكامل الغطاء ولكن لم يسعفه فجسده مازال يرتعش بشراهة ، 


مرت عليه ساعة وهو على نفس حالته شعر بأن حلقه مر كمر العلقم ولم يستطيع القيام من على التخت كي يناول نفسه كوبا من الماء وتذكر تلك الليلة في السنة الماضية حيث كان عائداً بنفس الحالة واستقبلته مها على أعتاب الشقة وأسندته وقامت بدوائه والجلوس تحت قدميه تراعيه وتصنع له حساءا ساخنا كل مدة ، 

لم يجد مأوى ولا ونيسا ينجده من حالته تلك غير النوم فقد سحبت عيناه التي لم يستطيع فتحها من شدة السخونية التي اجتاحت جسده بأكمله ، 


مرت تلك الليلة عليهم هي بذكراها الأليمة التي لن تنساها طيلة حياتها وهو بمرضه الأليم الذي لم يجد من يسعفه فيه ، 


وأتى الصباح بشمس أضائت الكون وأنارته وبدأت في إزالة آثار المطر التي لطخت الشوارع وعلمت فيها ، 


فتح مجدي عيناه بثقل وجسده متسمر في التخت ولم يقوى على الحراك ، مد يداه والتقط هاتفه وقام بمهاتفة أخيه الذي اجابه :


_ كيفك يامجدي وكيف احوالك ؟


خرج الكلام من شفتاي مجدي منقطعا:


_ الحقني ياخوي اني تعبان قوي من عشية ومقادرش اتحرك من مكاني ، هات المفتاح اللي انا سايبه معاك وهات دكتور بسرعة وتعالى لي .


كاد عامر أن يتحدث ولكنه استمع الى الهاتف سقط ارضا من يد أخيه ، فقام سريعاً من نومه وارتدى ملابسه وأخذ المفاتيح وهاتفه ونزل إلي أخيه في سرعة البرق ،


وصل إليه ودلف الى الغرفة وجد أخيه مغشيا عليه ، حاول افاقته ولكنه لم يستطيع وفورا هاتف الطبيب الذي أتى على عجالة من تكرار عامر لرناته ، 


بعد حوالي تلت ساعة أتى الطبيب وقام بفحصه ثم تحدث لعامر وملامحه منزعجة:


_ اخوك حالته صعبة جداً جدا ولازم يتنقل المستشفى فوراً.


دب القلق في أوصال عامر وتسائل :


_ ماله ياداكتور دول شوية برد عاديين ؟


حرك الطبيب رأسه برفض واجابه:


_ لا مش برد عادي ، تقريبا هو عنديه ربو على صدره ودور البرد بقاله كذا يوم وهو همل في نفسه لحد ماتقلب لحمى ولازم يتنقل المستشفى حالا.


انقلب وجه عامر رعـ.ـباً ثم تمتم :


_ طيب هنقله حالا في عربيتي ، بس حضرتك هتاجي ورانا ولا هتعمل ايه ؟


اجابه الطبيب وهو يلملم أشيائه :


_ أه طبعاً جاي علشان هباشر على حالته ، بس بسرعة لأن مفيش وقت .


قبل أن يحمله عامر حذره الطبيب وهو يمد يداه :


_ استني عنديك ، خد البس الكمامة داي والجواندي كمان علشان اللي عنديه معدي .


أخذ منه الكمامة وارتداها وكذلك الجواندي وحمله تحت ابطه وهو في عالم أخر لايشعر بشئ ، كان عامر ينظر إلى أرجاء المكان المبعثر وهو يتعجب على أن ذاك المكان الذي كان بمثابة الجنة من نظافته أصبحت حالته بهذا الشكل وكأنه صحراء جرداء ، 


في غصون نصف ساعة نقله عامر الي المشفى العام بقنا واستلمه الأطباء كي يتعاملوا معه ، 


أما هو وقف مكانه يفكر فيما آلت إليه حالة أخيه من وراء جموده وتصلب مشاعره ، 


شعر بنغزة في قلبه وملامات شديدة كلما نظر في وجهه وتذكر مافعله به وما ارتكبه في حقه واتبع مسار الشيطان ، 


وقف يجول بعقله سنوات مضت وهو يتذكر كيف أثرته ابتسامتها وضحكاتها وكلماتها التي اخترقت قلبه واتبع هوى الشيطان ، 


عاد بذاكرته إلى أول مرة اخطأ فيها وانجرف وراء مشاعره دون حسبان لأي شئ ، 


#فلاش_باك


ضـ.ـرب زر الجرس بإصرار لأجل أن تفتح فهي تعلم من الطارق ، ثم دق الباب بيداه مرددا:


_ افتحي يامها اني عارف انك جوة وسمعاني وعارف انك مطنشاني واني مش ماشي من اهنه إلا لما أعرف مالك متغيرة اكده ليه ؟


كان تقف وراء الباب وهي تضع يدها على فمها تكتم شهقاتها لأجل أن لا يسمعها ، ولكن حينما سمعت شدة طرقاته اخافت أن تلفت أنظار الجيران ويسمع بها أحدا ،


فتحت له الباب وجذبته من يداه وأغلقت الباب وهدرت به بحدة:


_ ايه الطريقة اللي انت بتخبط بيها على الباب داي ياعامر انت اتجنيت ولا جرى لمخك حاجه لما تسمع الناس بيا !


اقترب منها وهتف بحزن:


_ مالك يامها ، كنتي بتعيطي ليه ؟


مسحت دمعة فلتت من عيناها وأردفت بتوتر :


_ ها .. مبيعطش ولا حاجة ، انت عايز ايه ؟


أصر على سؤاله :


_ لا كنتي بتعيطي وجامد كماني ،وباين على وشك الدموع وفي نبرة صوتك القهر ، احكي لي مالك وأني زي اخوكي .


هنا انفجرت دموع عينيها وهي تردد من بين شهقاتها :


_ تعبت ياعامر من معاملة اخوك ليا ،مش موجود جمبي ولا حاسة إني ليا وجود في حياته من الأصل وكل لما اطلب منه الاهتمام يرمي لي فلوس ويقول لي اخرجي هاتي اللي نفسك فيه وكل تفكيره شغل وفلوس لما حسيت إني عايشة في البيت ده زي الكنبة والكرسي .


كانت تشكي همها وهي تشهق بشدة من ذاك الإنسان الآلي التي تعيش معه ، ثم تابعت :


_ وفي الاخر اكتشف إنه بياخد رشاوي وعمولات من الحرام وشغل من تحت الترابيزة ، زهقت اني وهو واتخانقنا بسبب الموضوع ده وقلت له بدال المرة ألف نعيش على قدنا ولا ندخل لقمة حرام بيتنا يقول لي ده شغل وبرضا الطرفين متشغليش بالك إنتي ، لحد ما تعبت وطلبت منيه الطلاق ماهو مفيش في حياتي حاجة تربطني بيه ، لكن امي وقفت في وشي وبهدلتني وأصرت اني اكمل معاه واني بدلع ، 


ثم رفعت عيناها المغشية بالدموع وسألته :


_ طيب بذمتك ياعامر مش هو اخوك وانت ادرى الناس بيه وبطبعه الجامد ، اني بفتري عليه وبتدلع ؟


بقيت حاسة إني العيب فيا من كلامه وكلام امي وبقيت كارهة نفسي وشايفاني وحشة وبقيت بتمنى المـ.ـوت كل لحظة وثانية .


لان قلبه لدموعه فهو يعلم طبع أخيه الجامد والمتصلب وهي لن تخترع ثم اقترب منها ومد يداه ومسح دموعها بحنان تفتقده من اقرب الناس إليها وهو يحاول تهدئتها:


_ طيب معلش متزعليش منيه وخليها عندي اني ، وكل لما تحسي انك زهقانة وهو ضاغط عليكي كلميني واني هجي لك نقعد مع بعض واخفف عنك وجعك ، إنتي متعرفيش غلاوتك عندي قد إيه ، إنتي بقيتي اكتر من اخت يامها.


أحست بحنانه عليه وأنه الوحيد الذي تفَهَّم تفاصيل مشكلتها وأنه الوحيد الذي طبطب على جروحها وصدقها بأنها لم تفتري عليه ولن تخلق أكاذيب من الهواء كما تنعتها والدتها وزوجها دائما وصعب عليها حالها وانفـ.ـجرت في البكاء مرات ومرات لم تعرف عددها ،


كان واقفاً أمامها قلبه يتقـ.ـطع لبكائها ثم بحركة عفوية منه ألقاها الشيطان في أذنيه ظنا منه أنه يخفف عنها ، أمسك وجهها بكلتا يداه وباطنها تحتضن وجنتاها ويمسح دموعها بكلتا إبهامه وهو يحنو عليها:


_ طيب معلش متعيطيش بقي دموعك بيقطعوا فيا وبيكرهوني في اخويا والود ودي اروح اخانقه علشان خاطرك .


تخدر جسدها من حركته كما تخدر عقلها وحركت وجهها وهي تتمسح داخل باطن يداه باحتياج لتلك اللمسات الحنونة التي أشعرتها بأن إحساسها لن يمـ.ـوت ، كانت مغمضة العينين ثم بحركة عفوية منها وضعت كلتا يداها على يديه ، استشعر لمساتها ودق قلبه لأول مرة بين ضلوعه وأصبح يبـ.ـتلع أنفاسه بصعوبة بالغة من منظرها الآخاذ ، فالأنثى في أشد لحظات ضعفها واحتياجها لرجل لمست حنانه تكن في أصفى حالات جمالها ، 


ثم هدأت قليلا واستكانت وصدح صوته بهمس :


_ هديتي ياغالية ولا لسة ؟

فتحي عيونك يامها.


فتحت أعينها بتمهل نظر لعينيها بعمق لأول مرة ، فرغم أن جفونها محاطة بالدموع إلا أنها لامعة وبريقها خطفه وأشعره بالاحتياج مثلها ، 


ثم غمغم وقلبه ينبض :


_ تعرِفي إن عيونك حلوة قووي .


ابتسمت قليلاً ثم قالت :


_ انت الوحيد اللي شايف أنهم حلوين .


بادلها الابتسامة بمثلها وهتف بتأكيد:


_ لا هما حلوين فعلا وهما اللي بيشفوش صح ، عيونهم عميانة .


تنهدت بضيق:


_ وهيفيدني بإيه أنهم حلوين ملهمش لازمة .


التوي ثغره باعتراض:


_ لااا مين قال اكده ، دي العيون عالم تاني خالص ، كلامهم بيرشق في القلوب مبيتنسيش ، وبسمتهم بتنور الكون للأعمى ، ورمشهم هوا للحران في عز النـ.ـار ، العيون دي اجمل حديث يتقال من خلالها لأي حبيب وحبيبة علشان اكده قُبلتهم رغبة .


تاهت في كلامه الجميل الذي تمنت أن تسمعه ولو مرة من زوجها ثم سألته:

_ إنت عرفت الحاجات دي منين ؟


كلامك جميييل قووي ياعامر أول مرة اسمعه .


أمسك كلتا يداها واحتضنهم بين يداه واجابها:


_ الكلام ده مش محتاج علام دي فطرة في اي إنسان عادي ، ربنا خلقنا نحب ونتحب ونحس ببعض ونعاتب ونلوم بعض وقت الزعل .


لوت شفتيها بامتعاض واردفت:


_ أني ومجدي مبنعملش اكده واصل ، دايما بنتخانق على أقل التفاهات من كتر الملل اللي أني عايشاه بسببه، 


ثم أتى ببالها سؤال سألته إياه :


_ هو إنت ياعامر لو مرتبط وفي حاجة مزعلاك من الطرف اللي معاك هتتعامل إزاي ؟


سحبها من يدها وجلسا كلتاهما على الأريكة وكانوا بالقرب من بعضهم ثم أجابها:


_ شوفي ياستي وقت الزعل لما ناجي نعاتب نستني ساعة الضيقة تعدي الأول ونهدي حالنا ونروق اعصابنا، ليه بقي ؟ هقول لك ، علشان في الوقت ده الإنسان بيبقى غضبان اووي وممكن لسانه يقول كلام جارح للطرف اللي قدامه وهو مدريانش فالطرف اللي قدامه مهما تكون قوة تحمله لازم يبقى ليه رد فعل لأنه انجرح ورد الفعل مش هيعجب الطرف التاني خالص لانه في شدة غضبه وكلمة من ده على كلمة من ده العاركة تشتغل ومع كل عاركة القلب بيشيل لحد ما يفيض والطرفين وقتها هيكرهو بعض لمجرد أنهم مبعدوش وقت الغضب وكل واحد فضل يدي للتاني لما شبع ، 


أما بقى لو استنوا وقت وأدوا لنفسهم فرصة يهدوا ويخرجوا الشيطان من بينهم وقتها هيبقى بدال العاركة عتاب هادي وملام من غير جرح والمشكلة هتنفض بكل سهولة لأن كل طرف قعد مع نفسه الأول اتخانق شوية معاها وطبطب شوية عليها وادى شوية اعذار للطرف التاني فالبتالي العقل في شدة الغضب زينة اي راجل وست .


كانت تستمع إليه باهتمام بالغ ، راقت لها كلماته ، ودت لو رمت نفسها داخل أحضانه الآن ولكنها خجلت من الفكرة ذاتها ثم ردد لسانها :


_ ياه على كلامك الجميل ياعامر ، حلو قووي قوووي ودخل قلبي بس للأسف مينفعش معاي إحنا مفيش بينا اني ومجدي حوار اصلا ولا أخد ورد ، عملي من الدرجة الأولى لحد ما فقدت الأمل ، 


ثم التمعت عيناها بالدموع مرة أخرى وداخلها ينعى حالها البغيض ، رأى لمعة عينيها بالدموع فسألها :


_ طيب ليه الدموع داي تاني يابت الناس ماكنا هدينا وروقنا.


انقلبت الدموع إلى شهقات عالية من شدة وجعها فوجد حاله يأخذها لأول مرة بين أحضانه وياليته مافعل ، تمسكت به وكأنها غريق تعلق بقشة النجاة ، أما هو جسده تفاعل مع حركتها تلك ، هي في أحضانه وأنفاسها بجانب اذناه ورائحتها عبئت صدره ، وتمسكها به جعله يشعر بالإثارة داخله ، 


ثم دفـ.ـن رأسه في رقبتها وهمس في أذنيها برغبة :


_ ريحتك حلوة قووي ، مميزة وتسحر .


#عودة_من_الباك

فاق من شروده على صوت الطبيب يردد :


_ للأسف إمكانيات المستشفى هنا متنفعش مع حالة اخوك ، لازم يتنقل المستشفى العمومي .


نظر عامر بأسى للطبيب على حالة اخيه ثم هتف بموافقة:

_ تمام ياداكتور اللي تشوفه زين لحالته نعمله ونبدأ من دلوك .


هز الطبيب راسه بموافقة وأبلغه بأنه سيبدأ في إجراءات نقله الآن في سيارة الإسعاف الخاصة بالمشفى وتركه وذهب ، 


اما هو قرر مهاتفتها لأجل ان تأتي كي تقف بجوار زوجها المريض وهو في أشد حالات مرضه وبالفعل قام بمهاتفتها وقص عليها ماحدث وانصدمت من حالة مجدي المتدهورة وأبلغته بقدومها في الوقت والحال.


الفصل الخامس عشر من هنا

تعليقات



×