رواية من نبض الوجع عشت غرامي الفصل الثاني عشر 12 بقلم فاطيما يوسف




 رواية من نبض الوجع عشت غرامي الفصل الثاني عشر 12 بقلم فاطيما يوسف 


بسم_الله_الرحمن_الرحيم

#لاإله_إلا_الله_وحده_لاشريك_له_يحي_ويميت_له_الملك_وله_الحمد_وهو_علي_كل_شئ_قدير


                   #البارت_الثاني عشر

        #من_نبض_الوجع_عشت_غرامي

               #بقلمي_فاطيما_يوسف


انطلق عمران وصديقه محمد عائدين إلى بلدهم وهو يشعر أن شمس اليوم مختلفة عن كل صباح ، يشعر بطاقته التي فارقت جسده منذ سنوات ليست بكثيرة قد عادت ، شعور الفتور وفقدان لذة الحياة فارق جسده وكأنه عاد بن العشرين من جديد ،


ابتسامته وهو يتخيل سكون بين يداه زينت محياه ولكنه حزن على سنين عمره التي مضت وهو يشعر ذاك الإحساس المميت بأنه ليس كباقي الرجال ، فاق من شروده على صوت صديقه الذي يربت على ظهره وهو يردد بسعادة:


_ مبروك عليك شفاك ياعم عمران عجل بقي بجوازك من الدكتورة وهات لنا دستة عيال يقرفونا زي ابوهم ماكان قارفنا في عيشتنا ومنغصها علينا .


اتسعت مقلتي عمران بذهول مصطنع من كلامه وهتف باستنكار:


_ وه كيف الكلام ده يابو عمو دول هيبقوا ولاد عمران سلطان المهدي اللي لازم الكل يضرب لهم تعظيم سلام أول ماياجو الدنيا وينوروها .


قوس محمد فمه بسخرية يصحبها الدعابة والمرح قائلا:


_ أها المعرة الكدابة هتشتِغل أها ، الله يرحم كنت من حبة ساعات متعرِفش هتتجوَز ازاي عاد ودلوك بتتمعظم علينا بولادك كماني اللي لسه مجوش الدِنيا .


ضحك عمران بشدة على دعابة صديقه ثم ربت محمد على ظهره هاتفا بمحبة :


_ الحمدلله ياصاحبي ربنا نجاك من المكيدة داي ومحكمش عليك بقهر الرجال ، وداي دعوة الحاجة زينب اللي مصحباك في الداخلة والخارجة .


تنفس عمران بعمق وكأنه يريد تعبئة أكبر قدر ممكن من الهواء الذي استشعر نقائه الآن بين رئتيه وأردف بحمد :


_ الحمدلله اللى بيبعت لنا ناس طيبين زي الشيخ صابر المداح راجل من أهل الله ، راجل بركة صوح ، بس اللي مزعِلني إنه مرَضيش ياخد ربع جنيه حتى ، ده غير إنه ضايفنا وكل وشرب .


وافقه محمد على كلامه ولكنه هتف بتنبيه :


_ متنساش إنه من أهل الله زي ماقلت ربنا اصطفاه من عباده علشان ينفع الناس وعلشان اكده مبياخدش فلوس علشان ميتحطش تحت بند الدجال وعارف كماني مبيبقلش هدايا من حد واصل ولا حتى زيارات محبة هو بيعمل اكده لوجه الله تعالى.


هز عمران رأسه بموافقة وهو يقود سيارته قائلا:


_ فعلاً عنديك حق الشيخ قلبه طيب وربنا يرزقه الخير كلياته والله ما يكفيه دعاوي يامحمد ، 


واسترسل حديثه باعتراض:


_ بس معندوش حق أنه ميقولش مين اللي عيمل فيا اكده كان لازم يعرِفه لنا علشان ناخدوا حذرنا منيه .


اجابه محمد باستحسان:


_ وه ماهو قال لنا علامات ومنيها اتوكدنا انها زفتة الطين اللي متتسماش وجد أرملة عمك .


تأوه عمران وهو ينظر أمامه بنظرات الشر :


_ آآآآه يا محمد عايز دلوك أمسكها من زمارة رقبتها وأخلِص عليها ومخليش فيها حتة سليمة بنت الكلاب داي ، كانت عايزة الخلق تتمقلت على وأوطى راس بوي في الارض علشان أخضع لها وأكون طوع أمرها بس ربنا رد كيدها في نحرها ومن النهاردة هوريها النجوم في عز الضهر الجزمة بت الجزم داي بتاعت الاسحار والعملات. 


وأثناء حديثهما رن هاتف عمران فطلب من محمد ان يرى من المتصل فأجابه بأنه أبيه ، 


فتح محمد الخط وضغط السماعة الخارجية ثم تحدث عمران :


_ كيفك ياحاج سلطان ، اتوحشتك يا ابوي .


اجابه سلطان وهو مضطجع على الأريكة :


_ أنا بخير ياولدي ،واني كمان اتوحشتك قووي ، هترجع ميته من مشوارك علشان عايزك في موضوع مِهِم ؟


أجابه عمران :


_ اني جاي اهه يابوي مسافة الطريق علي العصر اكده إن شاء الله هتلاقيني قدامك .


سأله سلطان:


_ ومشوار ايه ياولدي اللي انت ادليت له مصر على فجأة اكده ؟


_ لما اجي هقول لك كل حاجة ياحاج سلم لي على الحاجة زينب عقبال ما اجي ، معايزش حاجة مني قبل ما اجي ؟


أودعه سلطان السلامة :


_ لا معايزش غير رجوعك بالسلامة ياولدي ، يالا في رعاية الله .

أغلق محمد الهاتف ثم سأل عمران :


_ انت صوح هتحكي لأبوك وللحاجة زينب البت داي عيملت فيك ايه ؟


نظر إليه عمران واجابه بتأكيد :


_ أمال مهحكيش ده أني هعمل لها ليلة ولا ألف ليلة وليلة ، وهخليهم يدوسوا عليها بالجزم بس نوصلوا بالسلامة الاول.


أما في قنا كان الحاج سلطان جالساً مع صديقه إسماعيل ويتحدثون في ذاك الموضوع ، فأشاد سلطان بقلق :


_ اني مقلق من الموضوع ياحاج اسماعيل واللي زود قلقي لما قلت لي رد فعل مرتك وانت كنت قايل لي انك ليك تأثير عليها وهتخليها تأثر على أختها واهه أول ماسمعت كان هاين عليها تطبق في زمارة رقابتك. 


طمأنه اسماعيل :


_ له متخافش زينب مش شَديدة زي أختها هتزعل شوي وبعدين هتلين هي هتحبك وهتزعل شوي وهتاخد على الحوار وهتتعود والزعلان مسيرَه يروق .


_ بس أني قلقان من رد فعل العيال وخاصة عمران داي بيحب أمه ومتعلق بيها وخايف يقويها على وقتها البيت هيخرب .


قطب اسماعيل جبينه بانزعاج: 


_ يعني ايه ياحاج بعد ماخلصناه الكلام ده وقفلنا عليه ووعدت البنية هترجع في كلامك تاني ، جرى إيه ده إنت الحاج سلطان بردك وليك كلمة ، 


واستطرد حديثه وهو يربت على فخذه :


_ توكل على الله ومتقلقش وربنا هيساهل الموضوع وهيبارك الجوازة ، ده انت بتعمل خير ياجدع وبتتستر على ولية ، ويابخت من يستر الولايا .


مر الوقت سريعاً وعاد عمران الى منزله وقف مكانه وهو ينظر إلى حديقته التى شهدت مرار أيامه بابتسامة وراحة بادية على معالم وجهه ، 


دلف الى الداخل بعدما اصطف سيارته وجد ابيه ووالدته وأخواته البنات وكلهم مجتمعون وكأنهم في انتظاره ، 


ألقى تحية الإسلام عليهم ثم احتضن والدته وهو يقبلها من رأسها كعادته وسلم على أخواته وقبل يداي أبيه فهو يحترمهم ويعتز بهم بشدة ، 


وبعد السلام واطمئنان بعضهم البعض تحمحم سلطان وبدأ بانطلاق قنبلته :


_ اني عايز اتحدت وياكو في موضوع مهم وعايزكم تسمعوني للآخر من غير ماتقاطعوني .


أذنوا لهم جميعاً في صوت واحد :


_ اتفضل يابوي .


أخذ نفسا عميقا وزفره بهدوء وأكمل:


_ انتو عارفين عمكم الله يرحمه بقاله سنتين ميت وفات مرته عيلة صغيرة لسه يدوب جابت التلاتين وطبعاً طلعت بت اصول ومرضتش تسيب بيت جوزها حتى بعد ماستلمت ورثها وأرضها وانتو عارفين زين اني عرضت عليها اشتري الأرض والبيت وهي اتمنعت وقالت مهتبيعش حاجة ، واني بصراحة اكده خايف تتجوز ومالنا وحالنا اللي تعبت فيه اني وأخوي يروح للغريب فعرض عليا سماعيل اني يعني ... اتجوزها واني ممانعتش .


انطلقت أفواههم جميعاً بذهول وهم مصدومون :


_ تتجوَزها !

وتابع عمران بعصبية وهو يرى صدمة والدته التى ألجمت لسانها:


_ تتجوَزها كيف يابوي ؟


تحمحم سلطان كي يستدعي الهدوء داخله وامتثل الصرامة امامهم وأجابه :


_ أممم هتجوزها كيف الخلق مابتتجوز ، هو أني بعمل حاجة عيب ولا حرام يعني.


هنا تحدثت حبيبة متسائلة بانزعاج:


_ وأمي يابوي الحاجة الكمل مراعيتش شعورها وهتجيب لها ضرة على أخر الزمن !


وعلى خطاها تحدثت رحمة :


_ ماتتجوز ولا تروح مطرح ماهي عايزة هي وأرضها مالنا إحنا ومال أرضها يابوي مكانش حتة فدان ملهش لازمة ، مش محتاجينه اللي هيجيب لنا الهم والغم والنكد وتزعل امي وتقهرها بعد العمر داي كِله .


ضـ.ـرب سلطان عصاه أرضاً بغضب وهدر بهم جميعا:


_ اني مش باخد رأيكم جوازي من وجد الخميس الجاي واني قلت أعرِفكم بس أما رأيكم ملهش عازة بالنسبة لي ،


ألقى قنـ.ـابل كلماته وقام من مكانه وكاد أن يغادرهم ولكنه استمع إلى صوت زينب يردد :


_ طلاقي منيك قبل جوازك منها يا سلطان.


كتموا جميعاً شهقاتهم بيداهم من كلمة والداتهم التى القتها ولم يتوقعوها ، 


استدار سلطان بجسده وذهب إلى مكانها ومال بنصف جسده عليها وسألها وهو يشير بأصبعه تجاه أذنه ونظرات الشر تنبعث من عينيه :


_ قلتي ايه يازينت سمعيني كويس اصل السمع عندي بعافية شوي .


توترت زينب من نظراته لاا بل ارتعبت ولم تقدر على التفوه ببنت شفه وهو أمامها فهي ضعيفة الشخصية في حضرته ، إلا أن عمران قام من مكانه ووقف بجانبها وامسكها من يداها وضغط عليهم بحنو كي تتقوى به وتعلم مساندته لها في اي قرار تأخذه ، 


فرددت بصوت يتلجلج:


_ زي ماسمعت ياسلطان انى مش على أخر الزمن هتجيب لي ضرة وايه كمان من بت قد بناتي اكده ظلم ليا ولعشرة العمر مابينا .


نفض جلبابه بحدة وغادر من امامهم وهو يهتف بتصميم :


_ واني طلاق مهطلقش لو انطبقت السما على الارض يازينب .


بات الجو كله مشاحنة وانطلقت دموع زينب وعويلها وأصبحت تنظر إلى جدران منزلها التى بنتهم بحب وراعتهم بإخلاص طيلة حياتها ورأت المستقبل الآتي دمـ.ـاراً لقلوب الجميع وهي أولهم ، وكما انها تعلم أن سلطان لم ولن يتراجع عن قراره مهما حدث ولم ولن يطلقها ، 


وأبنائها يجلسون تحت قدماها يهدئونها وهي في عالم أخر 


       ************************


مر يومان على تلك الأحداث ومنزل سلطان كله حزن شديد بسبب ماحدث ولم يلبث عمران أن يفرح بشفاؤه حتى أحزنهم والده ، 


يجلس في الاسطبل الخاص به يفكر كيف تكون تلك الملعونة من عائلتهم والأدهى من ذلك زوجة أبيهم ، 


شعر بالحنين تجاه سكون وقرر أن يحادث والدتها ويستئذنها أن يخرجوا سويا كي يتحدث معها فيما يؤرقه فهو على ثقة أنه سيرتاح في الحديث معها بشدة ،


وبالفعل قام بمهاتفتها وردت عليه بود :


_ ازيك ياعمران عامل ايه ياولدي ؟


أجابها بحنو:


_ الحمدلله ياخالة كيفك انتي اتوحشتكم والله .


_ إحنا بخير ونعمة يا حبيبي ، ايه من يوم ماكتبت الكتاب محدش شافك ، ان شا الله تكون بخير.


_ أنا زين ياخالة بس كان عندي شغل كتير متعَطَل فانشغلت فيه اعذريني ، 


بقول لك ايه ياخالة بستئذنك هاخد سكون ونخرج شوي هفرِجها على شوية موبيليا اكده لشُقتنا علشان تختار هي .


امائت به بموافقة:


_ ومالو ياولدي هي مرتك ومحدش هيخاف عليها قدك ، بس ابقي هاتها وتعالى اشرب الشاي وياي ، اني حبيت قعدتك ياولدي .


وافقها على طلبها قائلا:


_ والله إنتي اللي مينشبعش منك ياخالة ، من عيني حاضر.


_ منحرمش منك أبدا ياحبيبي ، ابقي سلم لي على الحاجة زينب والحاج سلطان.


أغلق الهاتف معها وصعد سيارته وذهب إلى المشفى دون أن يهاتف سكون فهو يحبذ أن يجعلها مفاجأة فذاك موعد خروجها ، 


وصل إلى المشفى وهبط من سيارته ووقف مربعا ساعديه أمام صدره وانتظرها ، مر عشر دقائق ووجدها تخرج من المشفى بطلتها الجميله الهادئة ، 


فور أن خرجت سكون وخطت بضع خطوات نظرت في المكان تتفحص الطريق وجدته واقفاً ينظر إليها نظرته المحببة إلى قلبها ،


ابتسمت تلقائيا فور رؤيتها له ودق قلبها بعنف وودعت صديقتها وأسرعت خطواتها كي تصل إليه ، وصلت بخطواتها المتعجلة وتحدثت:


_ ايه المفاجأة الحلوة داي ، تصدِق ياعمران ياما حلمت باللحظة داي اني أخرج الاقيك واقف مستنيني قدام المستشفي ، وتصدِق كماني مكنتش متخيلة أنها هتُبقى حلوة اووي اكده.


أشار اليها بيداه بتمهل :


_ ياواش ياواش بالراحة علي اكده ياسكوني ، تصدِقي إنتي كمان اني مكنتش أتخيل اني ممكن أجي استني حبيبتي قدام مكان شغلها وابقي متلهف لشوفتها بالطريقه داي.


أمالت رأسها قليلاً وأردفت بابتسامة حالمة زينت وجهها الجميل:


_ بجد ياعمران أني حبيبتك ؟


اتسعت عيناه واردف مندهشا:


_ وه لسه بتسألي إذا كنتي حبيبتي ولا له !


واسترسل بعيناي عاشقة وهو يتفحصها بوله :


_ ده إنتي مش بس حبيبتي ده إنتي روح الروح ونبض العمران .


أغمضت عيناها وهي تستمتع بسحر كلماته ونست الزمان والمكان ثم فتحتهما وحركت شفتيها بدلال:


_ وانت قلب سكون من جوة وكل آمالها ،


واسترسلت باستفسار:


_ ها مقلتليش على وين رايح اكده وراك شغل في مصر تاني وجاي تودعني قبل ماتسافر ؟


حرك رأسه بنفي وأجابها مبتسماً وهو يمد يده إليها :


_ له ، جاي آخد مرتي اللي مشفتهاش من يوم كتب كتابنا ولا خرجتها نخرجوا نشموا هوا مع بعضنا ، ينفع ولا له ؟


نظرت إلى يداه الممدودة لها وخجلت أن تمد يداها له وهم في الشارع وتلفتت يمينا ويسارا خوفاً من أن يراها احدا وكأنها تفعل جريمة ، 


فعبس وجهه وتمتم بضيق مصطنع:

_ وه هفضل مادد يدي كتير ولا ايه ياسكون ، أني جوزك على فكرة لو ناسية يعني .


مدت يداها ببطئ وسكنت يد عمرانها الذي ماإن لامست يداه يدها شعرت بمشاعر متضاربة داخل جسدها الصغير فقط من مجرد لمسة يد ، اما هو أحس بالقشعريرة كالكهرباء ، شعوراً لم يزور جسده من سنوات ، 


شعرت بضغط يداه على يدها ولاحظت شروده فتحدثت وهي تتلفت يميناً ويساراً مرة أخرى:


_ هنفضل واقفين في الشارع كتييير ؟


جذبها برفق من يداها وفتح باب سيارته وأدخلها برقة وأغلق الباب ، ثم ذهب الي الناحية الأخرى وصعد سيارته واغلق الباب ونوافذ السيارة بإحكام وأول شئ قام بفعله ، 


أمسك يداها وجذبهما ناحية شفتاه وقبلهما قبلة عاشقة أشعلت النيران داخل كليهما ، 


سحبت يدها من يداه بخجل وهي تردد بخفوت:


_ مينفعش اكده ياعمران إحنا في العربية ، وكماني إحنا لسة في حكم المخطوبين .


لم يعجبه حركة سحب يداها وجذبها مرة أخري وأشبكها بين أصابع يداه بتملك وتحدث ملاما لها:


_ أني جوزك ياسكون ومتشليش يدك من يدي خالص ، وبعدين أني ماصدقت حسيت بدفاهم .


قال كلمته الأخيرة ونظراته تحولت لحزن شعرت به سكون فسألته :


_ مالك ياعمران ؟

حاسة إنك شايل هم تَقيل أووي فوق قلبك ، شاركني همك اني دلوك نصك التاني .


وكأنها بكلمتها تلك ضغطت على وجيعته وانطلق لسانه ينطق شكواه :


_ ابوي الحاج سلطان هيتجوز .


وضعت يدها تكتم شهقتها من أثر ماستمعت إليه وهي تردد بذهول:


_ يتجَوز على ماما الحاجة زينب !

ليه اكده ومن مين ؟


أجابها وهو يستند برأسه على كرسي القيادة :


_ من الملعونة وجد أرملة عمي ، قال ايه علشان صغيرة ومعاها أرضنا ومش عايزها تروح للغريب .


_ طيب وماما الحاجة كيفها لما سمعت الخبر المقندل ده ؟


نظر الى اللاشئ واصفاً حالة والدته :


_ طلبت منيه الطلاق وهو تو ماسمعها قالت اكده عينك ما تشوف إلا النور ، غضب ملهش اخر وهـ.ـددنا انه هيعمل اللي في دماغه وإنه بيخبِرنا بس ورأينا ملهش عازة نهائي ، 


واستطرد بحزن :


_ ومن وقتها وأمي حابـ.ـسة حالها في الأوضة ومبتكلمش حد ودموعها على خدها مبتنشفش ،  


قلبت عينيها بحزن على حالتها ورددت وهي تشفق عليها:


_ ياعيني عليكي ياماما الحاجة بعد العمر ده كله جوزك يجيب لك ضرة ومن بتت قد بناتك ، 


واسترسلت بتساؤل :


_ طب هيسكنها فين ياعمران هيجيب لها بيت لحالها أكيد ؟


حرك رأسه مجيبها نافياً:


_ لااا هيسكنها في البيت ويانا ، فضى لها أوضة وبقي يجهز فيها من عشية ولا هامه امي اللى راقدة في أوضتها وحالتها تصعب على الكافر داي حتى يامؤمنة مدخلش يطيب خاطرها بكلمة وكأن الملعونة داي لحست له عقله .


شردت سكون وهي تفكر في كلامه ولاحظ عمران شرودها فسألها بجبين مقطب :


_ مالك ياسكون رحتي فين ، إنتي مش معاى وأني بكلَمك ؟


أنهى كلامه وهو يشير بيده أمام عيناها.


رأت يداه فهتفت :


_ ها كنت بتقول ايه ؟


_ لاااا إنتي مش معاى خالص ياداكتورة.. جملة حزينة نطقها عمران لعدم انتباه سكون معه وأعاد سؤاله مرة أخرى:


_ رحتي فين وسرحتى لوين اكده ؟


تحمحمت وابتلعت أنفاسها بصعوبة وأردفت بنبرة متوترة وعيون زائغة :


_ هو يعني .. يعني إنت ممكن تتجوَز علي في يوم من الأيام وتقول لي الظروف حكمت باكده ؟


فور أن سمع سؤالها ضحك بشدة واستمر ضحكه دقيقة كاملة ، نظرت إليه نظرة تعجب من حاله ونطقت باندهاش:


_ وه هو سؤالي مضحك قد اكده ياسي عمران ؟


هدأ من نوبة ضحكه وتبدلت نظرات وجهه إلى اخرى عاشقة ثم اقترب بجلسته ووضع يداه على رقبتها وجذبها برفق حتى أسند جبهته بجبهتها وصار يتنفس أنفاسها مما جعلها متوترة بشدة من اقترابه لها ، 


حاولت التملص من يداه لكنه كان محكماً يداه لها مانعاً إياها من الهروب وفشلت محاولتها في الإفلات من يداه ، 


ثم تحدث بنبرة تقطر عشقا:


_ هتجوَز عليكي كيف وأني عاشق وعشقك وطني ، إنتي متعرِفيش أني عانيت قد إيه علشان تبقي بين ايدي وحاسس بالإحساس الجميل ده في قربك ياحبييي ، 


متقلقيش عليكي وانتي بين ايدين عمران وطمني قلبك وحالك انك بين ايدين أمينة هطبطب عليكي وقت حزنك وهتدفيكي وقت تعبك .


بللت شفتاها بخجل من قربه وصاارت تستنشق أنفاسه المحببة إلى قلبها وكأنها أشهى العطور ثم تمتمت بهمس وعيون عاشقة:


_ اوعدني ياعمران وعد العاشقين انك عمرك ماتعمل فيا اكده .


قبلها من جبهتها قبلة طويلة ناعمة دافئة وهتف بعشق :


_ أوعدك بعمري كله انك هتبقي أيامه ولياليه وحدك ياسكون ، 

أوعدك اني طول مانا عايش على وش الدنيا وفيا نفس إن قلبي مهيدقش لغيرك ياحبيبي ، 


طمني قلبك وخلي عندك ثقة في عمران ان لو الدنيا انتهت والقيامة قامت وحتى لو بقينا شيب والشعر الابيض غير ملامحنا ان مفيش غيرك ياحبييي عشق العمران .


أنهى كلماته وجذب شفتاها برفق ونال من شهدهما ، نال عمران عذرية قبلتها الأولى لرجل ، ذابت بين يداه ودخلت عالم العمران الذي دائما حلمت دخوله ،


ظلا عدة دقائق حتى شعرت بأنها ستنقطع أنفاسها من هجوم عمران الضاري على قلبها المسكين ثم أبعدته عنها وتحدثت وهي تدلي أنظارها إلى قميصه المفتوح أعلاه والكلام خارجا من شفتيها بصعوبة لخجلها الشديد :


_ طيب ممكن انزل اركب عربيتي وأروح بقى علشان امي متقلقش علي .


داعب أرنبة أنفها وهو يجيبها:


_ وداي تفوت عمران ولد الأصول ، اني اتصلت بيها وخدت الإذن منيها اني اخدك وأخرج نبص على عفشنا اكده ، علشان تختاري الأوضة بتاعتك اللي هتجمعنا كمان شهر بالتمام ياحبيبي.


أنهى كلماته بغمزة من عيناه وهو يشعر بالنشوة داخله تجاهها ، أدارت رأسها جانباً وهي تبتسم بخجل من تلميحاته التى وصلت إليها ثم أردفت :


_ تمام يالا بينا ياعريس علشان نلحق وقتنا ومنتأخرش.


قوس فمه بانزعاج مصطنع :


_ وه لحقتي زهقتي من قعدتنا ويا بعض ومستعجلة أوي اكده على فوتة عمران ؟


حركت رأسها برفض وعللت موقفها بقسمها :


_ له والله العظيم ، كل الحكاية علشان الحاجات داي بتاخد وقت مش اكتر .


ابتسم بحنو ثم قاد سيارته وانطلقا إلى محلات الموبيليا المشهورة في قنا وهم يقضون وقتا سعيدا في حب وغرام جوار بعضهم


      ***********************


يجلس سلطان ووجد في حديقة منزلها يتحدث معها بسعادة وكأنه رجع ابن الثلاثين عاماً:


_ أديني اهه وفيت بوعدي معاكي علشان متقوليش سلطان مش قد كلمته ، وبدأت توضيب الأوضة ، ها جهزتي حالك ياعروسة ولا لسه ؟


اصطنعت الخجل وأجابته :


_ منحرمش منيك يابو عمران ، متقلقش اني جاهزة وقت ماتقول يالا نتمموا ، 


وتابعت كلماتها وهي تمتثل الحزن الشديد متسائلة :


_ بس أني خايفة من رد فعل ولادك وأنهم أكيد مش هيقبلوا الموضوع بالسهولة داي وأكيد دلوك هيولِـ.ـعوا مني ومش طايقين سيرتي ولا حتى شكلي ؟


أشاح بيديه بإهمال وأجابها:


_ لااا ميكونش في بالك الموضوع ده ، بكرة ياخدوا عليه والموضوع في أوله صعب لكن هيتعودوا ، وبعدين بكرة رحمة تتجوز وعمران اهه خلاص بيشطب شقته وفرحه قرب وهينشغل ويا عروستَه ومش هتلاقي حد يضايقك .


انفرجت أساريرها ولكنها تمتمت بخفوت :


_ طب والحاجة زينب مجبتش سيرتها خالص ؟


أجابها بثقة:


_ لاا زينب داي متشليش همها خالص كانك متوعيش لطيبة قلبها وسماحة وشها وعقلها اللي يوزن بلد ، 


هتزعل شوي وبعدين هتاخد على الوضع وخاصة لما تلاقيني بعدل بيناتكم ومش مقصر في حقها ، أه اني راجل بخاف الله ولا يمكن أظلُم أبدا.


مطت شفتيها بسخرية وهي تدير وجهها للناحية الأخرى كي لا يراها ثم أعادت وجهها إليه وبدلت نظراتها الي أخرى خجلة ، لونتها في لمح البصر فهي حرباء لا تفرق عنها شيئا ، وأردفت :


_ طيب هو انت مش هتبلغ أهل البلد وتعمل ليلة اكده ولا هتتجوزني سكيتي ؟


أنهت كلماتها وامتثلت الحزن ولكنه رأى حزنها وطمأنها :


_ إزاي يعني مبلغش ومعملش ! داي على رأي سيدنا رسول الله (عليه الصلاة والسلام) هذا نكاح لاسفاح هعلن طبعاً وهعمل حاجة على الضيق اكده وتبقي من باب الخير لأهل الله .


أنهى طمأنته واستند على عصاه وقام من مكانه منتويا المغادرة وهو يسألها :


_ معايزاش حاجة ابعتها لك ياعروسة ؟


زينت الابتسامة المصطنعة وجهها و أجابته:


_ معايزاش حاجة غير سلامتك ياسلطاني .


اتسعت مقلتي سلطان من نعتها له وأردف :


_ وه سلطانك ؟


قامت من مكانها ووقفت أمامه واجابته بدلال وهي قاصدة سحب عقله وقلبه من البداية وان يكون طوع أمرها:


_ وه أمال إيه ، ده انت سلطاني وتاج راسي مش هتُبقي جوزي !

اتكى على الصبر وانت هتشوف مني دلع عمرك ماشفته قبل اكده ولا هتشوفه غير على ايد وجد .


عبث بذقنه وأعجبه دلالها وغزلها له وهتف :


_ وه يا سلطان داي باين امك دعت لك دعوة زينة في ليلة قدر ، 


ثم تحرك من أمامها وهو يتحمحم :


_ اممم اني ههملك دلوك وهمشي علشان مينفعش قعدتنا تطول ويا بعض واحنا لسه مكتبناش ، وجهزي حالك كتابنا بعد يومين .


أودعته السلامة بنفس دلالها:


_ مجهِزة من دلوك ياسلطاني .


ابتسم لها ابتسامة رجل مسن فرحا بدلاله منها 

ومشي من أمامها ،


أما هي فور أن غادر تبدلت نظراتها المصطنعة وأردفت بين حالها والغل يقطر من نبرة صوتها:


_ واديني اهه هتجوز بوك قبليك ياعمران وهلاعبك انت ومرتك لعب على أصوله وهوريك كيف يكون مكر الحريم اللي قلبها انكـ.ـسر والأيام بيناتنا وقابل بقى .


وظلت تجهز عديدا من السيناريوهات داخل عقلها وخاصة بعد أن أبلغتها الساحرة أن عمران أصبح محصناً بشدة ولم تقدر على آذاه وامتنعت عن التقرب منه خوفاً على عشيرتها مما زاد الحقد والغل داخل قلب تلك الشيطانة.


       ***********************


في مكتب ماهر البنان يتفحص الملف الذي بيده وانزعج بشدة ثم ضغط زر الهاتف قائلا بحزم :


_ تعالي لي يا أنسة رحمة فورا .


دلفت إليه بخطى بطيئة وسألته بهدوء :


_ نعم يافندم ، تؤمر بحاجة ؟


أشار إليها بكف يداه أن تقترب واردف باستفسار:


_ تعالي اقعدي اهنه ، اني عايز أعرف مالك بالظبط ، داي تالت ملف أطلبه منيكي النهاردة وتجيبي لي واحد غيره ، ممكن أعرف تركيزك النهاردة ماله تحت الصفر ليه ؟


إنتي عارفة كله إلا الإهمال في الشغل بيزهِقني .


أحست بمدى حماقتها أنها أتت اليوم الى المكتب وبالها مشغول على والدتها فعرس أبيها اليوم وندمت على تركها لها ولكنها حالتها كمثل والدتها ولو جلست بجانبها لأبكتها أكثر ولأشعرتها بالحزن أضعافاً ولم تقوى على التخفيف عنها فغادرت المنزل وتركت معها حبيبة وعمران ، 


ثم انسدلت دموعها اجبارا عنها ، حاولت كتمها لكنها فشلت ، رآها ماهر فعلى الفور تبدل شعوره من ماهر البنان المحامي الصارم إلى ماهر الإنسان وقام من مكانه وسألها مصطنعا بعضا من الجمود كي لا ترى لهفته عليها ودهشته لبكائها :


_ ايه مالك ؟


مسحت عبراتها المتساقطة على وجهها ورددت باختصار:


_ لا مفيش ، هو ممكن استأذن من حضرتك اروح النهاردة ؟


أثارت فضوله وصمم أن يعرف مابها فسألها مرة ثانية :


_ ده مش الرد على سؤالي يارحمة ، في ايه بالظبط بتبكي ليه وحالتك مش مطمئنة بالمرة ؟


رفعت جفونها المغشية بالدموع وتحدثت:


_ مش عايزة أشغل وقت حضرتك بمشاكلي .


ضاق ذرعه منها فردد بصوت عال بعض الشئ :


_ الله هو في ايه يارحمة ماتنطقي ومتزهقنيش !


انزعجت من صياحه بها وعلمت أنه يحادثها الآن كماهر الذي طلب يدها للزواج وجففت دموعها بحدة وهتفت من بينهن :


_ الله هو انت بتزعق لي اكده ليه انى اللي فيا مكفيني منقصاشي ؟!


ضـ.ـرب بقبضة يداه على المكتب وردد بضيق :


_ استغفر الله العظيم يارب على صنف الحريم ده !

مابدل ده كلياته ماتحكي علطول يابت الناس .


أثار العند داخلها وأردفت وهي تقوم من مكانها:


_ داي مش طريقة حديت ، بعد اذنك اني همشي .


تحركت خطوتان فأرجعها امرا:


_ استني عندك يارحمة ما أذنتلكيش انك تمشي ، واتفضلي ارجعي حالا اقعدي مكانك .


دارت بجسدها وربعت ساعديها أمام صدرها قائلة بتأفف :


_ اااوف ، أني بجد مخنوقة ومش هتحمل طريقتك الجامدة داي معايا ، 


وأكملت وهي تشهق دموعاً أثرت به بشدة وجعلت ساكنه يتحرك شفقة علي حالها:


_ أني عندي هم يكفي العالم كله والله .


نفـ.ـخ بضيق من شهقاتها التي أثرت به واقترب بضع خطوات وطلب منها أن تجلس على الأريكة الموجودة بالمكتب وتهدأ من حالها ، 


استجابت لكلامه وجلست على الأريكة وجلس على الكرسي الموضوع بجانبها مع حفظ المسافة بينهم ثم هتف :


_ ممكن بقي تهدي وتقولي لي مالك ولا هتقضيها بكى طول النهار.


هدأت من شهقاتها وأخذت منه المنديل الورقي الذي مد يداه به لها ومسحت دموعها وأجابته:


_ فيه مشاكل في البيت بين ماما وبابا وماما حالتها صعبة جداً.


رأى أنها مشكلة عابرة فأردف :


_ طيب ايه المشكلة ما ده حال كل البيوت ومش مستدعي منك القهر ده كله .


حركت رأسها نافية ورفضت كلامه :


_ لاااا المشكلة بتاعتنا غير اي مشكلة وممكن أمي تروح فيها .


اتسعت عيناه بدهشة وردد:


_ للدرجة داي ، طيب سبتيها وجيتي ليه مفضلتيش جارها ليه ؟


تحدثت وهي تنظر أرضا:


_ اني وهي عمالين نبكي جار بعضينا ومتحملتش وسبت البيت كله وقلت اجي اهنه يمكن انسى لكن مقدراش .


أخذ نفسا عميقا ثم زفره:


_ طيب اني مش هسألك عن المشكلة بس عايز اطلب منك متاخديش كل حاجة على أعصابك إنتي لسه صغيرة والعمر قدامك هتشوفي لسه فيه كتييير ، لازم يبقي عندك قوة تحمل للأمور ومهما كانت المشكلة في نظرك كبيرة بعد شوي هتفضل تصغر تصغر لحد ماتتعوَدي عليها .


اندهشت من حكمه على الأمور وتسهيله لها في أبسط الأشياء حتى لو كانت معقدة ثم سألته بتعجب :


_ هو إنت عنديك كل حاجة سهلة اكده ، الحزن زي الفرح والكره زي الحب والغدر زي الوفاء ، معِندكش حتة جواك تفرح لو فيه حاجة تفرح ، وتبكي لو فيه حاجة تحزن وتعيش جميع الأحاسيس لجميع المواقف !؟


أجابها بكل أريحية وكأنها لم تقل شيئا:


_ كان زمان لحد ما غيرت من نفسي وعلمتها الصلابة وأنها تستقبل كل حاجة بهدوء ودربتها على الثبات النفسي كويس أوووي .


ضمت حاجبيها بعدم استيعاب لما قاله ورددت بعدم فهم :


_ من زمان ! من ميته اكده يامتر .


ذكرته بآلامه التي دفنها منذ سنوات وكل ذكرى فيها علَّمت في شخصيته وبنت منه إنساناً جديدا وأجابها بلا مبالاة وكأنه شيئا عاديا:


_ من يوم مامراتي وبنتي فارقوا الدنيا وسابوني .


شهقت شهقة عالية قائلة بذهول :


_ هو انت كنت متجوز وعندك بنت ؟!


أجابها بنفس اللامبالاة:


_ سيبك مني ومن حياتي وركزي في مشكلتك واعرفي ان مهما كان همك في عنيكي كبييير هيقابلك مواقف مع غيرك هتعرفك إن همك ده ولا حاجة جمبيهم ، شفتي المثل المعروف اللي بيقول "اللي يعيش ويشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته" حطيه دايما قدامك علشان تنسي .


صممت على سؤالها :


_ ليه هربت من سؤالي ومجاوبتنيش عليه ؟


نظر بجانبه وأشاد :


_ ملهوش لازمة النبش في ماضي مش هيفيدك ولا هيفيدني بحاجة غير أنه تقليب مواجع .


قررت التحدث معه بدون خوف :


_ هو إنت إزاي عايزنا نتجوز وانت عندك غموض رهيييب وحياتك معرفش عنها حاجة واصل !


_ حياتي وماضيا ملكيش صالح بيهم طالما مش متعلقين بالحاضر ، حياتي القديمة بماهر القديم اندفنوا من زمان مع إللي اندفنوا .


_ هو انت ازاي كل حاجة عندك سهلة وبسيطة اكده! ازاي عايزني اتعامل زيك اني ميبقاش عندي مشاعر ؟


_ علشان لما تبقي بتتعاملي بإحساسك في كل حاجة الصـ.ـدمات الصغيرة هتأثر فيكي وتهدك وهتخليكي مش مستعدة ولا عندك طاقة للصـ.ـدمات الكبيرة ، لازم تعودي نفسك إن كل الامور بسيطة علشان متشليش هم بكرة .


_ يعني أنت عايزني ابقي عاملة زي الإنسان الآلي ابقي ربوت متحرك !


_ لاااا مش هتبقي زييه خالص هو الروبوت بياكل ويشرب وبيتنفس ؟


_لااا انت اكده عايزنا نبقي زي الحيوانات بقي معندناش احساس ؟


_ وإنتي ليه مصممة تنبشي في ماضي لاهيفيدك ولا هيفدني ، عودي نفسك أن الكلام اللي ملهوش عازة منحكيهوش عمال على بطال ونألم روحنا .


_ بس ازاي هبقي مرتك يعني نصك التاني وأنا معرفكش !

لازم تحفظني كويس وتعرف شخصيتي واني كمان اعرفك كويس واحفظ طباعك .


_ مع العشرة كل حاجة هتعرفيها ومتقلقيش اني من النوع اللي لابتعصب على أتفه الأمور ولا من النوع اللي بيعمل ضوضاء ومشاكل هتلاقيني اهدى مما تتخيلي .


_ بس اني مش عايزة اكده حياتي تبقي باردة مع شريك عمري .


_ أمال عايزة ايه بالظبط ؟


شردت بعقلها وأجابته بابتسامة:


_ عايزاك لما تشوفني نايمة توطي التكييف علشان مبردش، عايزاك تنتقدني وتزهق علي لما تشوفني لابسة حاجة ضيقة وتتعصب جامد وتقول لي متلبسيهاش تاني ، 


عايزاك لما ترجع من الشغل تجري علي تحضني وتقول لي وحشتيني ، 


عايزاك لما اعمل أكلة حلوة تقول لي الله تسلم ايدك ، لما نفسي اشتري طقم حلو تخرج معاي وتقول لي رأيك ، 


لما أكون مبهدلة من شغل البيت ومهتمية بيه تتقمص اني بعيدة عنك ، 


وتفاصيل كتييييييير أوووي ياماهر نفسي أحسها معاك انت مش مع غيرك .


خطـ.ـفت قلبه في تلك اللحظة برقة تفاصيلها التي سردتها ، حركت ساكنه الذي يحاول دائما إخماده وكبت المشاعر البدائية الوليدة لأي موقف ، 


ولكن تماسك أمامها وأردف وهو يتراجع بعقله سنوات وسنوات إلى الوراء وتذكر إحدى المواقف :


_ ولما أهتم حبة زيادة بيكي وكل مرة ازود اهتمامي تقولي لي انت خانقـ.ـني ومعدتش أتحمل الخنـ.ـقة داي ، 


ولما اقول لك اللبس ده ضيق متلبسيهوش تاني في الأول هتنبهري وبعد اكده هتقولي لي انت متسلط أوووي ، 


ولما ارجع من الشغل وملاقكيش واقفة مستنية الحضن اللي يحتويكي أزهق واتعصب وأغـ.ـضب ونقلب اليوم نكد علشان مش مركزة .


واسترسل حديثه وكأنه عاش تلك التفاصيل:


_ هي دي الحياة اللي انتي عايزاها اللي فيها خناق ونكد طول الوقت !


حزنت بشدة لقلبه للأمور بتلك الدرجة ولأنه لم يهتم بتفاصيلها التي حلمت أن تعيشها مع زوجها ، ثم قامت من مكانها فليس لديها طاقة أن تكمل ذاك الحوار في هذا الوقت ، 


واستأذنت منه :


_ بعد اذنك همشي دلوك لازم اروح اطمن على ماما ومش هقدر أجي بكرة .


أذن لها بالمغادرة وقام إلى مكانها وأمسك الوسادة التى كانت بين يداها واستراح بجسده كليا على الأريكة ووضع الوسادة بين يداه وعاد إلى الوراء في سنين من العمر يسترجع ذكرياته المريرة التي غيرت شخصه كليا ، 


#فلاش_باك


دلف ماهر إلى شقته بقلب ينبض سعادة وفرح عارم فاليوم قد ربح قضيته الأولى بمهارة فائقة ومن حظه المحالف له دائما في عمله كانت القنوات الفضائية متجمهرة أمام قاعة المحكمة وتحولت تلك القضية التي ربحها بخيط رفيع أخذ منه سهر ليال عدة لم يذق فيهم طعم النوم حتى حصل على ذلك الخيط وبرأ موكله بعد أن تخلى عنه جميع المحامين وكان واثقاً في برائته ، 


نادى على زوجته بصوت عال مملوء بالسعادة:


_ فرح يافرح ، اظهر وبان عليك الامان .


لم تستجيب لندائه فشعر بالخزي الذي دوما يشعر به معها فهو قد قام بمهاتفتها منذ أن خرج من المحكمة وكانت نائمة وطلب منه أن تكون في انتظاره لأنه معدا لها مفاجأة فمنذ ثلاثة أيام وهو غائب عن المنزل ، 


دلف الى غرفة نومهم وجدها تغصى في سبات عميق والغرفة مظلمة ، أضاء الأنوار وإذا به يفتح عيناه على وسعهما مما رأى ، 


تحرك إلى التخت وقام بإيقاظها ببعض العنـ.ـف :


_ فرح إنتي يا هانم ، قومي لي اكده من الغيبوبة داي .


وظل يلكزها بيداه لكزات خفيفة كي تفيق ، 

فتحت عيناها بتكاسل وأدارت وجهها إليه وهي تردد بانزعاج:


_ ايه حصل إيه ، في حد يصحى حد بالطريقة الهمجية دي ؟


لم يعير طريقتها أدنى إهتمام كعادته ثم سألها بحدة :


_ هو انى مش نبَهت عليكي بدال المرة ألف الزفت ده متشربيهوش تاني وانتي حامل ، لااا وكمان سجاير حشيش وقرف !


قامت من مكانها وهي تتأفف بضيق:


_ والله انت متجوزني وانت عارف اني بشرب عادي وبعدين الحاجات دي عندنا في القاهرة عادي جداً انتو هنا اللي مأفورين زيادة عن اللزوم.


ضـ.ـرب كفا بكف على يداه وهدر بها :


_ لما تُبقي تتنيلي تولدي بالسلامة واشيل بتي بين ايدي ابقي هببي اللي على كيفك لكن انتي حامل في الشهر الخامس والشرب والكحول خطر عليكي وعلى الجنين .


أمسكت رأسها من صداع الرأس الذي بات يصحبها دائما من كثرة تدقيقه للأمور ومحاوطته لها من جميع النواحي وتحدثت بضيق وصوتها عالٍ:


_ أنا زهقت كل يوم من التحكمات الزايدة عن اللازم دي معايا البسي ده ومتلبسيش ده ، كلي ده ومتشربيش ده ، صاحبي دي ومتصاحبيش ده ، إنت مش ملاحظ انك مركز معايا قوي اكتر مانا مركزة مع نفسي ، 


واسترسلت صراخها وهي تشير بيداها ناحية عنقها :


_ أنا اتخـ.ـنقت وكدة هطق وهمـ.ـوت ، تقدر تقول لي بقالك تلت ايام غايب عن البيت وانا هنا محبـ.ـوسة بين حيطان الشقة دي ، متحاسبنيش على اهمالك فيا .


جحظت عيناه بذهول من افترائها وردد بصدمة :


_ بقي اني مهمل فيكي يافرح !

ده أني ليل ونهار شغال وبجتِهد علشان اعيشك نفس مستواكي اللي كنتي عايشة فيه في بيت باباكي ، 


ليل نهار ببذل أقصى جهدي علشان يبقى ليا اسم وسمعة ويليق بيكي ، 

و بالرغم من اكده مأهملتكيش ولا قصرت في حقك ، مهتم بيكي وبتفاصيل حياتنا زيي زي اي زوج ، بخرجك في نص الليل وبتعامل معاكي على انك أهم وأغلى حاجة في حياتي ، 


واسترسل سرد وجعه :


_ هو إهتمام الراجل بكل تفصيلة في حياة الست بيخـ.ـنقها وبيخليها مش طايقة نفسها ؟


أجابته بتأفف من ثرثرته :


_ اااوف ، أنا بجد مخنـ.ـوقة ومش هتحمل طريقتك الجامدة دي معايا ، 


وعند تلك الكلمة فاق من شروده فهي نفس كلمة رحمة له منذ قليل ، 

#عودة_من_الباك


  دلك جبينه بإرهاق من ذكرياته التى دوماً تحاوطه ولم ينساها ، تلك الذكريات التى بدلته من ماهر البنان الشاب المملوء بالحب والحيوية إلى رجل على مشارف الأربعين إلا خمس سنوات متصلب ، جامد ، عملي ،


لايحبذ الاهتمام بأي شئ سوى عمله ، قلبه خالي من المشاعر الحزينة أو السعيدة ، 


قام من مكانه وعاد إلى مكتبه ممسكاً بأقلامه وكأنه لم يفكر في شئ ولا تحدث مع أحد ، ولم يعير كلمات رحمة ولا حزنها الآن أدنى اهتمام.


        *********************


ليلا في منزل سلطان المهدي دلف إليهم وفي يده زوجته الثانية وارملة أخيه "وجد" الجميع في حالة تأهب بسبب تلك اللحظة ، 


ماإن رأتها رحمة حتى انفجـ.ـرت عيناها بالدموع وكأنه يوم الميتم في منزلهم ، وحتى حبيبة التي خرجت من حجرة والدتها لتوها ما إن رأتها حتى شعرت بالدوار في رأسها من شدة الموقف فأبيهم تزوج على أمهم ممن كانت تحسن إليها ، 


وانطلقت دموعها الحبيسة ولكن بصمت وهي تنظر إلى أرجاء المنزل وجدرانه وكانها تودع أوقات السعادة فيه ، 


أما عمران وقف مربعا ساعديه وينظر إلى الموقف بجمود وعيناه على تلك الوجد تودُّ أن تقتلعها من على وجه الأرض فهي سبب نبض وجعه ونبض وجع الجميع من الآن تلك الحرباء ، 


تحدث سلطان وهو يفسح لها المجال مرددا :


_ اتفضلي نورتي بيتك ومُطرحك ياعروسة.


ما إن أنهى كلماته حتى استمعوا جميعاً إلى صوت ارتطام شيئا ما بالأرض أصدر ضجيجاً عاليا ، اتجهت عيناهم تجاه المكان الذي سمعته اذناهم وجدوها غرفة والدتهم ، هرولوا إليها مسرعين كل منهم يسابق الآخر حتى سلطان ترك يد تلك الوجد التي تبعتهم بخطواتها المتمهلة وكأنها على دراية بما حدث ،


دلفوا الي الغرفة وانصدموا جميعاً مما رأوا فقد وقعت زينب أرضا ويبدوا عليها الإغماء ورأسها اصتدمت في رخام المنضدة الموضوعة على الأريكة والدمـ.ـاء تسيل من جانب راسها ، 


هرولو إليها جميعاً وهم في حالة خوف وهلع من منظرها الذي تقشعر له الأبدان صارخين بصوت واحد وهم يحتضنون رأسها :


_ امييييييييي ، أمييييييييييي .


وعلى رأسهم سلطان الذي لم يتوقع حدوث أي أذى جسدي لشريكة عمره وأم أبنائه ، 


أما وجد كانت تقف على أعتاب الغرفة تنظر إليهم بعيناي يملؤها السعادة والفرح وهي تحرك شفتاها وتمرر لسانها بينهم بانتشاء .


الفصل الثالث عشر من هنا

تعليقات



×