رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل العاشر
حملها بنفسه التي قتلها اللوع حينما تأخر الطبيب، مظهرها وهي شاحبة اللون هامده بين يديه جمد الدم في وتينه.
دلف سريعاً لغرفته الملكيه يضعها على الفراش بتعجل في نفس اللحظة الذي تتبعته فيها هرولت خطوات الطبيب .
يردد برهبة:
- اتركها مولاي
زجره الملك وردد من بين أنيابه :
-أين كنت واللعنة، أحرص على أن تبقى بخير هياا.
ردد الطبيب برهبة :
-ح.. حسناً مولاي.
أبتعد راموس سريعاً كي يعطي الفرصه للطبيب ولا يعطله بأي شيء.
راقب الطبيب وهو يفحصها بعناية يوصل جهاز اكسجين بأنفها و يقم ببعض الإسعافات السريعه.
ظل هكذا لدقائق إلى أن أستدار للملك وقال:
-حمد لله هي الأن تتنفس سيدي... لقد أسعفناها بالوقت المناسب.
أغمض الملك عيناه يكتم شهقته المتلهفة و التي كان ستزيد من فضحه.
لكن مازال لوعه مسيطر عليه، لقد كاد أن يفقدها..بلحظة .
ابتلع رمقه وردد باهتمام لم يحاول أن يداريه:
-لما لم تستيقظ حتى الآن إذاً
-لقد قلت لجلالتك أنها مازالت تتنفس يعني أنها على قيد الحياة ولكن حالتها ليست بالجيدة إطلاقاً فهي قد تعرضت للشنق قبل قليل وكادت أن تختنق.
كان يستمع للطبيب و عيناه تسرح حتى وصلت للجرح الأحمر بعنقها والذي سببه الشنق.
لعن بصوت حسيس.. الأوغاد .. لقد شنقوها دون تغطية رأسها حتى.
عاد يغمض عيناه بتوعد وحمد بآن واحد.
ثم قال:
-أريد فريق طبي خاص لخدمتها
-حسناً مولاي.
-أنصرف.
أمتثل الطبيب للأمر و ذهب فيما بقى راموس مع رنا وحدها.
أخد يقترب ببطئ منها و تمدد على الفراش بداخلها.
لم يدري بروحه إلا وهو يرفعها برفق و يحتضنها.
رجفة عظيمة سرت على طول جلده ذبذبته كلياً .... تمهيده عاليه حارة صدرت عنه ... اخيراً هي بأحضانه بعد تمنعها المستميت .
ربما هي أشرس أنثى رأها بحياته، لا يعلم لما هو منجذب إليها بتلك الصورة.
ظنها رغبة متأججة بسبب رفضها المتواصل له، لكنه حينما كان يراقب الطبيب وهو يسعفها كان كذلك يراقب حالته فهو يكاد يختنق بينما يراها ممدة وهو على وشك فقدها.
سرحت يداه تتفقدها، وعيناه تنظر لها ، أنها بديعة الحسن لها قبول غير عادي وطلة مميزة حتى لو كانت شاحبة هزيلة.
اعتصر لحمها بين ذراعيه، مذ رأها وهو يتوق إلى تلك اللحظة وذلك الشعور، أن تصبح بين ذراعيه على فراشه لحما و دماً.
و قد صدم الأن حينما اكتشف أنه يريد الأكثر، يطمع في الأكثر، يرغب في إمتلاكها للأبد... إنه يريدها ..وهذا لأمر جلل يحدث لأول مرة.
دقات متزنه على الباب جعلته يستدرك حاله و يعي أنه يعصر لحمها الغض بين ذراعيه وصدره مكتشفاً أنه لا يمكنه طبعها على جسده.. على الأقل الآن.
وأنها هزيلة متعبه تحتاج للراحة إن كان يريد حياتها.
وضعها على فراشه الملكي برفق شديد وهو يسأل بصوت خفيف : من أين ظهرتي لي؟ ماذا فعلتي بي؟ ماذا.
كان الدق المؤدب قد اختفى لثواني لكنه عاد من جديد .
أذن راموس بصوت جمع الكثير من القوه عكس حالته التي هو عليها بسبب خوفه عليها.
وما أن أبصر رئيس الديوان أمامه يقف مطأطأ رأسه ينكس عيناه أرضا يغض بصره عن حريم الملك.
حتى هب راموس من على الفراش وأسدل السيتار ثم تحدث بصوت غاضب : ما هذا الذي حدث؟ ومن المتسبب فيه؟
الوزير : أحمم.. أسمح لي سيدي .. أنا أمرت بالتحقيق فيما حدث لكن على الأرجح لقد فعلت شيئا ما أفضى بها لهذا العقاب.
راموس: أريد تفصيل شامل وسريع عن ما حدث... أقسم أنني لن أتوانى في معاقبة الفاعل..و الآن أذهب... هيا.
خرج الوزير من الغرفة و التف راموس عائداً إليها يغتنم اللحظة ... فهي الأن تدفئ فراشه ساكنه.
نظر لها متأملاً وقد عادت لشفتيه ابتسامة إعجاب ومد يده يداعب خصلاتها الشقراء..
تنهد بحرارة يسأل من جديد : لم أنت جميلة هكذا؟ لم أرى في جمالك قط يا مهلكتي.
سمح لنفسه أن يقترب منها يستنشق عطرها ... سب بين أنفاسه بغضب شديد وهو يستمع لدقات الباب من جديد و دلف الطبيب ومعه مساعدتين .
سحب نفس عميق يصبر نفسه فسلامتها أهم الآن.
وقف بشموخ من بعيد يتابع إجراءات الطبيب وهو مصدوم لا يصدق أنه كاد أن يفقدها وبغمضة عين يسأل ماذا لو لم يضطر لتغيير ميعاد عودته بسبب دواعي امنيه مؤكده حرصاً على سلامة جلالته.
ماذا لو تأخر دقيقة مثلاً أو دقيقتين هل كانت ستشنق؟
فلتشنق ... وما دخله هو؟ سأل نفسه ماذا لو لم يلحقها ..ماذا يريد منها ... نظر لها وهي على الفراش موصلة بخراطيم المحاليل و الأكسجين وحاول إيجاد مخرج يغلف به شعوره و أنها بالتأكيد الرغبه.
نعم نعم.. هي الرغبة لأن للحقيقة و بالمنطق هي ليست ككل الجميلات...هي ذات جمال خاص... خاص جداً ويشهد بذلك كل من يراها.
خرج من الغرفه و ذهب لمكتبه و هو يردد ذلك السبب المغلف داخله كأنه يحاول إقناع نفسه أولاً.
______________سوما العربي _____________
مرت بدل الساعة ثلاثة وهي للأن لم تعد من الخارج
ظل طوال الوقت يفتل الأرض بين الصالة والشرفة ليرى إن كانت قد عادت.
ألقى بجسده على الأريكة وحمل هاتفه ليلعن ألف مرة فقد أدرك مؤخراً أنه لا يملك رقم هاتفها.
أين هي و لما تأخرت، تباً لها وله و لكل شيء..هو لأول مرة يذق للوع طعماً.
دق جرس الباب فهرول ناحيته سريعاً ولم يفكر أنها بالفعل تملك مفتاح للباب فلو كانت هي لفتحت
لكن على مايبدو أن لهفته لغت تفكيره و هرع ناحية الباب ظنا منه أنها هي.
فتح الباب يردد بتهلل : اتأخرتي ل .....
أنحشر الحديث على طرف لسانه حينما أدرك هوية الطارق والذي كان والده.
وقف ينظر لابنه بأنتباه و قد تعجب من تلك اللهفة البائنه عليه.
فسأل : هي مين اللي اتأخرت.
ارتبك زيدان في الرد و قال : هاااا.. لأ.. ده...أحمم.. مافيش.. ايه يا حاج هتقف تتكلم من على الباب كده .. أتفضل أدخل.
نظر له شداد بأعين مترقبة خبيثة ثم لملم عبائته و دلف للداخل بشموخ.
تقدم نحو الداخل وجلس على أحد الأرائك يقول : أنا من يوم إلي حصل وأنا مش عارف اتلايم عليك عشان أكلمك في إلي جرى .
تنهد زيدان بتعب ثم قال: إلي حصل ده برجلنا كلنا
بادله شداد نفس التنهيدة ثم قال: أسمع مني يا بني الكلمتين دول... أبوك راجل كبير لف في الدنيا وشاف .. الكون ده له رب ..مافيش حاجه ماشيه كده جهجهوني.
زيدان : قصدك ايه يا حاج.
تغضنت زوايا فم شداد بابتسامة خفيفة ثم قال متأملاً: أقصد أن ربك بيسوق الأقدار عشانا.. ده أحن على الوالدة من ولدها.
زيدان: يا حاج وضح كلامك بلاش شغل ولاد السوق ده.
رف حاجب شداد والمكر يلتمع في عيناه، يفهم إبنه من نظرة عينه وكل منهم يمكر على الآخر.
زيدان يرغب في تصريح واضح وصريح من والده بل ربما يريد منه نصيحة أو ضوء أخضر.
فراوغ في الحديث يسأل: أحمم.. ألا هو أنت كنت متلهف كده للي على الباب ليه؟
حانت على زيدان بعض أمارات التوتر وردد : لأ ولا حاجة؟
همهم شداد ثم تابع: وهي فين حورية أمال؟
-أحممم... خرجت.
انعقد حاجبي شداد و سأل : خرجت بعد كام يوم من الفرح وهو ده يصح بردك؟
-كان مشوار ضروري مع خالتها ، بنت خالتها غايبه من فترة راحوا الشركه يسألوا عنها، وبعدين فرح إيه بس يا حاج أنت بتتكلم كده زي ما يكون فرح بجد وأحنا اتنين عرسان بحق وحقيقي
- إيه إلي خلاه مش بحق وحقيقي.. الله... هو مش كان في فرح و مأذون و إشهار ..عجايب و الله
رفع زيدان عيناه مندهش وقال : يابا أنت نسيت محمود يابا؟
-محمود أختار نصيبه... شوف أنت نصيبك إلي جالك لحد عندك.
-بس ده أخويا و إبنك إزاي بتقول كده
هب شداد واقفاً يلملم عبائته وقال بحزم:
- ماهو عشان ابني.. الظاهر إني دلعته دلع ماسخ لحد ما بقى بيأذي نفسه ويأذي إلي حواليه..لازم يعرف إن ماحدش بياخد كل حاجه.
وقف زيدان هو الآخر ليتكلم لكن أسكته شداد بحسم و قال :
-اسمع يابني...كلمتين أبرك من جرنال ..حورية دلوقتي مراتك على سنة الله ورسوله بموافقتها وشهادة الناس.. قبلتها مراتك أو لأ أنتو أحرار الجواز مافيهوش غصبانيه ..بس عشان يبقى في معلومك سوا قبلتوا بالجوازة أو مكملتوش كده كده محمود مش هيتجوزها ولو انطبقت السما على الأرض وأنا بنفسي إلي هقف في الموضوع ده... واعي لكلامي؟
تركه وذهب ناحية الباب ثم توقف في منتصف الطرقه يقول : أنا كده جبت لك نهاية الحوار و أنت عقلك في راسك وفكر.
لم يرد زيدان فاتجاه شداد ناحية الباب يفتحه وقبلما يخرج قال : أه نسيت كنت طالع لك ليه... أمك عزماكم النهاردة على الغدا ماتتأخروش.. سلام.
خرج شداد في اللحظة التي وضعت فيها حوريه قدميها عند الباب لتدخل، نظر لها شداد مبتسماً ثم قال: حمد لله على السلامه يا مرات ابني.
قال الأخيرة و عيناه على إبنه المعني بالحديث ثم هبط الدرج .
واستقبلها زيدان بأعين مشتته تنظر لها بشاعر و أفكار مضطربه ولعن بداخله فرغم كل تشتته و تضارب أفكاره شوفتها تريح نفسه..هو بالفعل الآن يخرج تنهيده حاره و هو يطالعها بصمت تام.
____________سوما العربي___________
جلس على عرشه يتابع بعض الأوراق في يده ، شؤن رعيته أهم من تلك البيضاء المتمردة..
-الجميع للخارج.
كان هذا صوت الذي أقسم على مباشرة أمور الرعية وألا يذهب إليها.
لم يقدر...و ها هو يقف الأن أمام فراشه الخاص الذي تمددت عليه وانصرف الجميع.
جلس ينظر لها بصمت غير مفهوم ينتظر إستيقاظها.
مرت نصف ساعة تقريباً وهو يجلس أمامها مكتفي بالصمت والتأمل... إلي أن وجدها ترف بأهدابها.
فتأهب مترقب ليرى ردة فعلها وتمردها المتواصل.
تنهيده خائنة صدرت عنه وهو يراها تفتح عيناها الجميلة و تطلع حولها بصمت.
يتوقع أن تهب كالنار في وجهه كما تفعل دوماً... أرتفع حاجبه بدهشه و هو يراها تقلب عيناها في الغرفة بصمت تام و التفت تنظر له ولم تنطق ثم حاولت الأعتدال على الفراش.
كان رد الفعل منها غير متوقع تماماً... فتاته البيضاء المتمردة الشرسة تكورت على نفسها تبكي كالجنين تحتضن نفسها.
لم يقدر على مواجهة أنهيارها بشموخه الملكي وهيبته وهب مقترباً منها يخطفها داخل أحضانه يحاول تهدئتها.
وهي مستمرة في البكاء تشهق و تنتفض .
أخذ يمرر يديه على طول جزعها وهو يزيد من ضمها بدفئ يردد : ششششش أهدئي صغيرتي... أنتي الآن معي وبخير.
أتسعت عيناه ببهوت وإقشعرار وهو يشعر بها تنكمش داخل أحضانه وتكمش ظهر ملابسه بكفيها كأنها تحتمي به.......
______________سوما العربي_____________
في المساء على سفرة عامرة ترأسها الحاج شداد وزوجته وضع نصف دجاجه على صحن ممتلئ بالطعام أمام حوريه ثم زيدان وقال:
-انا عايز الأكل ده يتمسح مسح.. سامعين... سامعه يا حورية..شغل أكل العصافير ده ما ياكلش معانا.
بهتت ملامح زيدان التي كانت مشرقه منذ قليل على ذكر سيرة العصافير ونظر ناحية حورية وجدها صامته بضيق هي الأخرى.
لامت فرودوس زوجها بنظرة من عينها وقد اشتحن الجو قليلاً ولم يغيره سوى صوت جرس الباب.
وقفت فردوس لتفتح لكن سبقتها حوريه تقول : خليكي أنتي عشان رجلك هفتح أنا.
فرودوس: أي والنبي مش قادره.
ذهبت حورية فتحت الباب لتجد رشا أمامها تحمل معها ملائة سرير نضيفة تنظر لحورية بنظرة غير راضية ثم قالت مدعية المزاح :
- هو البيت بقا بيتك وبتفتحي يا حور ولا إيه؟
اندهشت حورية من كلماته ولم تعرف ماذا تقصد ولا بماذا تجيب.
لكن صدح صوت شداد يقول: تعالي يا رشا واقفة ليه.
-ما حورية هي إلي ما دخلتنيش يا عمو.
زوت حورية ما بين حاجبيها تسأل متى منعتها فيما أكملت رشا :
-انا كنت جايه أجيب لمرات عمي الغسيل إلي وقع في بلكونتنا .. عارفه رجلها بتوجعها.
-فيكي الخير يا رشا..تعالي يا حبيبتي... تعالي كلي لقمة مع عمك
نظرت رشا لحورية ثم قالت:
-ما تدخليني يا حور الله
-هو أنا منعتك يا بنتي.. ماتدخلي.
تقدمت رشا للداخل و سريعاً جلست على الكرسي المجاور لزيدان اندهشت حورية من فعلتها ولا تعلم هل تتحدث أم لا... وكانت المفاجأة حين تحدث زيدان بصوت مهيب:
-ده كرسي حورية يا رشا.
نظرت له رشا وكادت أن ترد لكن قطع كل هذا صوت هاتف حورية الموضوع على سطح الطاولة حيث كانت تجلس من قبل فكان أمام رشا التي التقطته سريعاً ثم سألت بصوت عالي تسأل يشوبه المكر والأتهام في آن:
-مين عاصم إلي بيتصل بيكي ده؟
توجهت أنظار الكل باتهام خصوصاً زيدان الذي بدا قد تحول وتحولت عيناه ببوادر غضب غير مسبوق....