رواية الصندوق الفصل التاسع بقلم الهام عبده
بينما كان سالم في غرفة والدته يحاول اقناعها بوجهة نظره صعبة الاستيعاب، كانت كاريمان صامتة تحملق في وجه إيفان و كأن نظامها تشغيلها قد أصابه فيروس إلكتروني و شل حركته، لم يكن ما سمعه إيفان معتاد بالنسبة له و لكنه كان أقل الحاضرين استهجانا و رفضاً للموقف، حالة الذهول التي أصابت كاريمان استفزته قليلا فقال لها لائماً :
إيفان: يمكنني تفهم استغرابك و دهشتك و لكن ليس إلي هذا الحد، الا يمكن للانسان أن يحب إنسانا آخر دون أن ينظر للتكافؤ بينهما ؟!! أهذا مستحيل برأيك ؟
ردت كاريمان باستنكار : حب !!! ماذا تقول يا إيفان، كيف حدث هذا الحب و متي ؟ بسمة وصيفتي لا تلتقيه إلا و هي تعبر لتحضر لي غرض او لتبلغه شيئا عني .. فكرة ان يحبها تلك مستحيلة .. فعلته هذه غير مفهومة
إيفان: أنا حقا لا افهمك فهل يحتاج الحب لوقت ؟؟ شرارة الحب تحدث في لحظة ثم ما بعدها هو ما يتطلب مجهود و فهم و تقارب و هذا ما فعله سالم
كاريمان بغضب : إيفان لا تغضبني من فضلك ... شرارة ماذا ؟؟!! بسمة نفسها لن تستوعب ما قاله .. هذا جنون!! سأثبت لك حالاً ...
أشارت لخادم الباب أن يذهب و يحضر بسمة حالا إلي عندها، بعد قليل دخلت بسمة ووقفت أمامها بعد أن انصرف الجميع
قالت كاريمان في سخرية : بسمة .... أو سيدة بسمة، هل تعرفين من تقدم لخطبتك اليوم ؟؟
قالت بسمة في خجل : سيدتي ... اعذريني و لكن لو كان إدريس سائس الخيول فلا تؤاخذيني، قد قال لي من قبل و رفضت ... عذرا يا سيدتي
نظرت كاريمان بنفس ذات السخرية لايفان ثم قالت لها : لا ... إنه ليس إدريس بل شخص آخر قد يعجبك عندما تعرفينه
بسمة في حيرة : من ؟؟؟
كاريمان : السيد سالم طلب يدك مني يا سيدة بسمة .. ما رأيك ؟؟
اتسع بؤبؤ عين بسمة علي أقصي اتساع ووقفت بلا حراك أو رد ثم سقطت مغشياً عليها فيما انتاب كاريمان و إيفان نوبة ضحك هيستيرية بينما قام الخدم بحملها إلي مكانها و حاولوا افاقتها...
عاد سالم من غرفة والدته بعد أن حاول تهدئتها قليلا، لم ينطلي عليها بالطبع أنه يريد بسمة حقاً فهي والدته و تعي ابنها جيداً لكنها رأت اصراره فصمتت و تركته يخطئ لأننا لا نعرف قيمة الصواب إلا حينما نتألم من الخطأ.
دخل إلي القاعة فوجدها فارغة و علم من الخدم ما جري لبسمة فذهب لغرفتها الصغيرة الملاصقة لجناح الأميرة، وجد خادمتان تحاولان افاقتها بينما وقف إيفان و كاريمان ينتظران و علي وجهيهما علامات الضحك من رد فعلها الذي أظهر غرابة ما حدث بالأكثر
نظر اليهما بحدة جعلتهما يستقيما في وقتهما و يخفيا علامات الضحك من ع وجهيهما ثم صرف الخادمتين و جلس إلي جوار بسمة و في رقة و هدوء التقط زجاجة عطر صغيرة و ضغط علي أنبوب الهواء لينطلق منها زخة صغيرة استقبلها ع يده ووضعها بجانب انفها ثم قال : بسمة ؟؟؟
أفاقت بسمة و نظرت فإذ هو إلي جوارها فقفزت من مكانها قفزة سريعة لتقف إلي جانب السرير في خوف و توتر مما أثار ضحك زوج اليمام الواقفين إلي جانب الباب،نظر اليهما نظرة تحذيرية و أشار لهما ليخرجا فأصاب ذلك كاريمان بالغضب فوقفت في الخارج تستمع بينما غادر إيفان و هو لا يزال مبتسماً من وقع ما حدث ...
سمعته يقول : بسمة .. هل انتي بخير ؟
بسمة بتلعثم و توتر : نعم
سالم : يبدو انكِ علمتِ بانني طلبتك للزواج ؟
بسمة : نعم .. قالت لي سيدتي
سالم : نعم ... ما رأيك؟؟
بسمة : أن.... أنا ..... سيدي ... انا لازلت لم استوعب بعد
سالم : لا عليك .. انا أتفهم دهشتك و سيكون لديكِ الوقت لتتفهمين و تستوعبين و لكن هل انت موافقة ؟
بسمة : سيدي ... هل تريد أن تتزوجني حقاً ؟
سالم : نعم...
بسمة : هل لي أن أسألك لماذا ؟
سالم : بسمة .. اريدك أن تفهمي أن هناك أمورا لا يجب علينا تحليلها .. فقط حاولي أن تستمتعي و تبدأي عهد جديد في حياتك .. ستكون هناك اياماً كثيرة قادمة جميلة تنتظرك
بسمة : سيدي .. انا ...
سالم : من اليوم انتِ أيضاً سيدة و لا تناد سيدي أو سيدتي لأحد بعد الآن ... أتفهمينني ؟؟
بسمة : نعم
كانت كاريمان تستمع خارجاً و الغيظ يأكل قلبها ليس لغيرة علي سالم بل هي لا تستوعب كيف جعل سالم رأسها تستوي مع رأس خادمتها في لحظة بقرار متهور، تلك الفتاة البسيطة أصبحت سيدة، كيف ستتعامل معها بعد الآن حتي تنتهي مدة الاتفاق اللعين هذا ؟؟
غادرت كاريمان إلي جناحها عندما سمعت سالم يودع بسمة في لطف قائلا : دمت سالمة .. تصبحين ع خير
_____________________________________________
جاء الصباح و الجميع مؤرق و متوتر من ذلك القرار الذي قلب المكان رأسا ع عقب، جلسوا علي مائدة الافطار فسأل سالم عن بسمة و طلب حضورها و عندما حضرت رمقتها كاريمان ووالدته بالنظرات غير مصدقات انها ستجالسهم و تأكل معهم فلم يكتف سالم بل بدأ يشرح لهم حفل الخطبة التي سيعلن فيه لكل البلدة عن شريكته، حدد الموعد بعد اسبوع و بدأت التحضيرات....
صانعة الأثواب الفاخرة أتت لتأخذ قياسات بسمة و طاهٍ خاص أتي ليعد طعام الحفل و امتلئ منزل الضيوف من المدعوين بينما كانت كاريمان تهرب من ذلك المكان الذي لا تحتمل رؤية ما يحدث به، اقترتب من إيفان جدا في تلك الفترة ووجدت فيه ملاذا من وضع يضايقها وجدت نفسها مجبرة عليه ...
_________________________________________
جاء يوم الحفل و قد أعدت مصابيح ملونة لتبلغ إلي عنان السماء، تجهزت بسمة ووقفت في حلتها الأنيقة الثمينة امام المرآة لا تصدق ما تعيش، جلست في قاعة النسوة كضائعة في مكان تشعر انه أعلي من امكاناتها، بدأ الرقص و الغناء و الاحتفال و كذلك كان في قاعة الرجال و كانت ليلة تغني بثرائها كل من في البلدة من الصغير إلي الكبير
تأخرت كاريمان عمدا في الخارج كي لا تقضي وقتا كبيرا في الحفل و عندما وصلت و تجهزت ناداها خادم و قال: إن السيد إيفان ينتظرها في الخارج
ذهبت له علي الفور فبرغم كل ما يحدث و يضايقها،كان إيفان هو الوحيد الذي يريحها و تحب الكلام معه و المرور بين الحقول و يدها في يده، أحبت رقته و رسمه و اسلوبه، انتظرت أن يفصح عن مشاعره و لكنه لم يقل بعد، فكرت في طريقها اليه هل يا تري سيقول لها ما تنتظره؟؟!
ذهبت و كلها اشتياق لتسمع كلمات الحب منه لكنها فوجئت انه سيسافر لبلده فرنسا لظروف طارئة في عائلته، والده مريض، أصيبت بخيبة امل قليلا لكن لا يسعها أن تقول شيئا سوي
كاريمان : لا تقلق .. سيكون بخير و ستعود قريبا سالما أن شاء الله
ودعها سريعا و ذهب بينما عادت هي لحفل الخطبة الذي تود لو يعبر و ينتهي في ثانية
________________________________________
بعد نهاية الحفل كانت كاريمان في طريقها لجناحها فسمعت صوت سالم في غرفة بسمة فجعلها الفضول تتوقف لتسمع كيف اصبحت لغة الحوار بينهما بعد الخطبة
استرقت النظر للداخل بخفة و خفية فرأته يلبسها عقدا انيقا جدا و معه سوارا و خاتما من احلي ما رأت فقالت في داخلها : انه حقا يعاملها كسيدة .. سحقا لهذا ... ماذا سأري بعد يا ربي
ذهبت بمكر إلي غرفتها و أخرجت الاسوارة المنشودة و ذهبت لغرفة بسمة و تظاهرت انها لا تعلم بوجود سالم، نظرت لبسمة في تعالي و مدت لها الاسوارة و قالت :
كاريمان : كنتِ قد طلبتِ مني تلك الاسوارة أن وجدت حب حياتي، بما انك وجدتي حب حياتك هنا فقد اعتبرتها هدية الزفاف .. تفضلي.. خطبة مباركة
نظر لها سالم و هو يعي جيدا أن كاريمان تريد تذكير بسمة بوضعها القديم فامسك بالاسوارة اولا و ردها إليها و قال : هذا عهد قديم و انقضي ... قد نسته بسمة.. انت بالطبع لا تعرفين عاداتنا هنا .. نحن نقدم الهدايا و الكرم لضيوفنا بمناسبة تلك الخطبة و لذا باسمي و اسمها نقدم لك تلك الهدية
مد يده بعلبة صغيرة فتحتها فإذ هو الخاتم المرسوم في بداية الفصل، قبلته و داخلها يحترق فقد رد لها الضربة في سرعة متناهية كي تكف يدها عن احتقار بسمة، انصرفت دون كلمة سوي " شكرا "
بعد انصرافها نظر سالم لبسمة في غير رضي و قال : عليكِ أن تتعلمين كيف تتصرفين كسيدة و كزوجة تليق بي ... دربي نفسك ع هذا ...
انصرف بينما ظلت بسمة واقفة بين الحيرة و الفرحة لا تعلم هل تنتظرها السعادة ام الألم ....