رواية غرام الذئاب الفصل السابع7 بقلم ولاء رفعت

ا


 

 رواية غرام الذئاب الفصل السابع بقلم ولاء رفعت



أنا مُتعب كوطن أرهقه الإحتلال... كـ بيت قديم أوشك على الإنهيار... وهناك وهناك بأقصى يسار الصدر كدمات وندبات تنعي بعضها بعضاً. 

كانت تغفو وولدها يغفو أيضاً بين ذراعيها، يصل إلي أذنها صوت خرير مياه تنهمر بقوة تخرج من صنبور تالف، ضيقت ما بين حاجبيها وتنصت جيداً إلي مصدر الصوت، انسحبت من جوار ابنها بهدوء كي لا يستيقظ، و ما أن وضعت قدميها علي الأرض، غمرتهما المياه، شهقت وركضت إلي المطبخ لم تجد شيء، ذهبت إلي الحمام فوجدت المياه تتدفق من صنبور الحوض الذي امتلأ وفاضت منه المياه التي اغرقت الممر و الغرف و الردهة، بحثت سريعاً عن المحبس الرئيسي وقامت بغلقه فتوقفت المياه، قامت بشد غطاء مصرف المياه الصغير داخل الحمام فبدأت المياه تُصرف من خلاله. 

لملمت السجاد المبتل سريعاً و ألقت به علي سور الشرفة ثم عادت إلي الداخل، قامت بخلع العباءة القطنية المبتلة من حملها للسجاد وأصبحت بالقميص القطني القصير ذو الحمالات، ظلت تزيح المياه بالممسحة وتجفف الأرض خلفها بقطعة قماش من القطن، قاربت علي الانتهاء و لم يتبق سوي الردهة، كانت تجثو علي ركبتيها وتجفف وتزيح خصلاتها الحرة إلي الوراء بظهر يدها، لم تشعر بمرور الوقت أو الانتباه إلي صاحب الحذاء الأسود، قد دخل بعد أن فتح باب الشقة بالمفتاح الذي أخذ نسخته من صاحب العقار. 

سار بخطى واثقة حتي توقف أمامها، انتفضت لدى رؤيتها للحذاء، رفعت رأسها فشهقت عندما رأته يقف أمامها!

تركت ما في يدها ووقفت علي الفور تسدل قميصها القصير ثم تراجعت إلي الوراء، تبتلع ريقها خوفاً لكن نظرة عينيه الثاقبة تعكس نقيض ما داخله من غضب ضاري، بل كان الإشتياق والعشق ينضحان من حدقتيه، و داخلهما سؤال يتردد في عقله ويتلفظ به قلبه وهو -لماذا؟- لماذا تركتيني بعد أن امتلكتي قلبي وروحي وجسدي، لماذا كلما أصبح بقربك فتلجأين إلي الفرار! 

بينما هي لم تدرك معني تلك النظرة و قد ظنت أن صمته القاتل ليس سوي الهدوء ما قبل العاصفة، لم تعد زوجة شقيقه المتوفي كالسابق، فهي -زوجته-

"أحمد أنا كنت...
بتر كلماتها وأخلف كل توقعاتها الواهية، بخطوة واحدة اختطفها بين ذراعيه ليعانقها بقوة و افرغ صدره براحة يتبعها قوله بنبرة تغدق من العشق أطناناً
"لو كنتي تحت سابع أرض برضه كنت هلاقيكي"

ابعدها قليلاً لينظر صوب عينيها، يمسك بطرف ذقنها ويسطرد 
"لأنك روحي، و محدش يقدر يبعد عن روحه ولو ثانية" 

افترقت شفتيها وكادت تتحدث فأوقفها بوضع طرف سبابته لتصمت وهو يخبرها بألحان العشق التي تعزف علي أوتار فؤادها النابض لأجله
"محدش بيحبك و لا هيخاف عليكي و علي ابنك و ابن أخويا غيري أنا، أنا أمانك و محدش في الدنيا دي كلها يتجرأ يبصلك حتي بنظرة طول ما أنا موجود" 

يصدقه قلبها لكن لديها هاجس يوسوس داخل رأسها اليابس بأن تلك خدعة وربما لعبة من ألاعيبه الملتوية حتي يضمن عودتها معه و يتمكن من معاقبتها علي هروبها. 

انتشلها صوته وحركات يديه من الصراع الذي يدور داخل سمعها بأن تصدقه أو لا تصدقه. 

"شايف في عينيكي كلام كتير و نظرة خوف مني، وأنا بقولك ما تخافيش يا روحي، و كل حاجة هتَّم زي ما أنتي عايزه، بس عايز وعد منك إنك متكررهاش تاني وتهربي، اوعديني" 

كانت في موقف ضعف للغاية لاسيما وهي قابعة بين ذراعيه، يغمرها الشوق ولعاً، رائحته التي ضربت أنفها حتي وصلت للأعماق جعلتها أسيرة حضوره الطاغي، تعشقه بكل حواسها، ترتجف شفتيها تياماً وتطوق عشقاً لإلتقام خاصته وتخبره عبر قبلاتها كم هي تعشقه إلي حد الثمالة و الإدمان. 
كان لا يقل حاله عنها فلديه ذات الشعور وأضعاف اضعافه لذا لم يتحمل أكثر من ذلك، و لبي رغبتها نظيرة رغبته، ألتقم شفتيها باجتياح عاشق متيم. 
لم تشعر بالزمان والمكان و قامت بمبادلته طقوس الحب من قبلات وعناق اضرم بينهما نيراناً حيث ظل يدفعها برفق نحو الحائط ومازال يقبلها حتي انقطع الهواء عنهما فترك شفاها وأخذ يلتقط أنفاسه
"أنتي وحشاني أوي" 

تلتقط أنفاسها وتجيب بنظرات غائبة عن الواقع
"و أنت كمان واحشني أوي، بس... 
لم تكمل وابتلعت ريقها بتردد، لم يمهلها إكمال جملتها، فقام بالإطغاء عليها بفعله الذي يجعل الحديد ينصهر بين يديه فما بال حالها هي، حيث دنا بشفتيه علي عنقها وأخذ يقبله إنشاً إنشاً، يهمهم من بين قبلاته يحثها 
" بس إيه؟، قولي يا روحي أنا سمعك"

تسمع كلماته ومازال الصراع قائم داخل عقلها، تتذكر حديثه مع والدته و كيف وجودها ووجود ابنها داخل تلك العائلة يكون خطراً كبيراً، وساوس تنهش سمعها وتزداد كلما خضعت واستسلمت إلي حديثه وهمساته و لمساته و ما يفعله للتو و ما هو يوشك أن يفعله لاسيما يداه التي مدت نحو حمالات قميصها لإزاحاتهما مع قبلاته المندرجة من الترقوة متجهة نحو الأسفل، فإذا بها تدفعه بكل قوة اوتيت بها صارخة
"لاء يا أحمد" 

يحدق إليها بصدمة علي ما فعلته للتو و كانت الطامة الكبري حينما ألقت علي مسامعه الآتي
"مش هرجع تاني أعيش أنا وابني تحت خوف و تهديد سواء من شيريهان هانم و لا منك، قلبي بيقولي اصدق كلامك لكن عقلي بيحذرني منك، و للأسف كل اللي فات و خصوصاً بعد ما سمعت كلامك مع مامتك و أنك بتضحك عليا عشان تضمنوا ابني تحت وصايتكم، كل ده يخليني أقولك لاء، مش عايزه ارجع معاك و لا أكمل" 

كلماتها كالسهام المتراشقة في قلبه كلما يستوعب ألم سهم يتلقي الأخر ليزيد من أوجاعه أضعافاً
يسألها بصدمة نكراء
"بعد كل اللي قولته لك ووقفتي جمبك ووعودي ليكي، لسه مش مصدقاني و عايزه تبعدي؟!" 

ابتلعت ريقها و رسمت علي وجهها الصلابة حتي لا تظهر له ندمها و مشاعر نحوه 
"ايوه، البُعد أسلم حل لابني، بعيد عن شركم" 

"شرنا!" 
ردد اتهامها الآثم له وفي تلك اللحظة تحول الشعور بالصدمة إلي شعور آخر وهو استيقاظ شيطانه الكامن داخله، لكنه يحاول السيطرة علي نفسه خوفاً عليها. 

لم تدرك حالته التي إذا علمت بها لفرت من أمامه في الحال، ما زالت تتشدق بحماقة و دون وعي
"شركم أنت والهانم مامتك، مش أنت ابنها برضه!، و مصلحتكم واحدة، معقول يعني هاتسيب مملكة عيلتكم من جاه ومال يروح لابن حتة واحدة كانت بتشتغل خدامة عند أخوك؟!" 

صاح بتحذير حاسم
"اخرسي" 

و بصياح مماثل و قوة تحسد عليها
"لاء مش هاخرس، و بقولهالك لآخر مرة، أنا و لا ابني مش عايزين حاجة منكم، و أنا كفيلة أربي ابني وأراعيه في جو نضيف بعيد عن الخداع والشر والطمع اللي مالي قلوبكم" 

اقتربت منه بهدوء ولا تبالي لهذا البركان المنفجر أمامها لتلقي عليه طلبها دون الاكتراث أو الاحتراس لردة فعله إثر قولها 
"طلقني يا أحمد" 

لم يشعر بكفه سوي وهو يهوي علي خدها بلطمة قاسية جعلتها وقعت علي الأرض أمام حذائه، لن يكتفي بهذا بل جذب خصلاتها بقبضته الحديدية ليجبرها علي النظر إليه من وضعها المزري هذا ولأول مرة تري كم هذا الجبروت والقسوة في عينيه وخاصة عندما أخبرها 
"قدامك اختيارين مالهمش تالت، الأول تروحي تحضري شنطتك و تغيري هدومك انتي وابنك و نروح كلنا نعيش في الفيلا وهو يتربي تحت رعايتي أنا وجدته وأنتي طبعاً بس دورك كأم و بس، أو الاختيار التاني هحقق لك رغبتك في الانفصال لكن بشرط أنك تنسي ابنك خالص وبرضه أنا وجدته اللي هنربيه، ها هتختاري إيه؟" 

                       ❈-❈-❈

لا أعلم مَنْ أنا و أجهل مَنْ تكون أنت، لكن أدرك جيداً بأن القدر قد دبر لقائنا حتي  نكون لبعضنا البعض الملجأ والسكون أو ربما كلانا همزات الوصول إلي دروبنا الصحيحة.

و بالتحليق إلي عروس البحر و داخل مشفى استثماري، يقوم الطبيب بإنهاء الفحص الطبي للتأكد من عدم اصابتها بكدمات، رفع يده أمام عينيها يسألها ويراقب استجابتها جيداً
"دول كام؟" 

تمسك بالغطاء الذي يدثر نصف جسدها عندما تذكرت هذا المشهد المتكرر حينما فاقت في المستشفى بدون أن تتذكر مَنْ تكون و من أين جاءت، خرج صوتها الخافت غير مدركة لمنقذها الذي يقف في الزاوية يتابع الفحص ليطمئن عليها

"تلاتة" 
أخذ يدون عدة ملاحظات حتي جاءت الممرضة وتمد يدها إليه بملف ورقي كبير الحجم يحتوي علي تقرير وصورة من آشعة. 
"اتفضل يا دكتور دي الآشعة و معاها التقرير" 

قرأ التقرير بعناية و يهز رأسه في حالة رضا بشبه ابتسامة حتي اختفت ابتسامته عند ملاحظة استوقفته قليلاً، استدار علي الفور إلي زميله في المهنة واخبره 
"دكتور رحيم عايز حضرتك خمس دقايق"

قابل الأخر طلبه بقلق وخوف و ليس خوفاً من المسئولية بل خوفه علي تلك الفتاة التي يبدو أنها بلا حولا و لا قوة، تلتزم الصمت منذ أن فاقت من الإغماء. 

نظر رحيم إليها ثم إلي الطبيب 
"مع حضرتك، اتفضل" 

ذهب رحيم معه إلي غرفة المكتب، وقف الأخر خلف مكتبه وقام بإضاءة اللوح المضئ اللذي تعلق عليه الآشعة قائلاً
"اطمن يا دكتور، هي بخير و مفيش أي إصابات و الإغماء نتيجة من الخوف و رهبة الموقف أن العربية كانت هتخبطها" 

تنفس رحيم الصعداء بطمأنينة
"الحمدلله" 

حتي استرسل الطبيب حديثه ويعلق الصورة علي اللوح المضئ 
"تقرير الآشعة المقطعية اللي عملنهولها برضه عشان نطمن إن كان حصل نزيف لا قدر الله بيقول مفيش الحمدلله أي إصابة، لكن" 

نظر علي اللوح و تبعه الأخر بالنظر إلي اللوح أيضاً، فأردف الأول كلماته
"تعالي حضرتك قرب وشوف النقاط الغامقة بتقول إن الآنسة عندها فقدان ذاكرة بسبب تضرر اجزاء من خلايا المخ و غالباً أنها اتعرضت لحادث طريق واضح آثاره من ندوب جروح قديمة في منطقة الراس و الكتف" 

كان يستمع إلي حديث الأخر ويدقق بالنظر في الآشعة وقد أدرك الحالة جيداً، فهذا مجال عمله كطبيب مختص في علاج المخ والأعصاب، بدى علي وجهه علامات الحزن علي حالة تلك المسكينة. 

"و للأسف حالتها مالهاش علاج غير التعايش بجانب الرعاية النفسية و الصحية" 

عقب رحيم بثقة دون أن يلتفت إلي الأخر
"ليها عملية بس مش هنا" 

"بس نسب نجحها شبه ناجحة و ممكن المريضة تصاب بسكتة دماغية" 

و في تلك الحين ألتفت الأخر إليه يخبره
"مفيش حاجة مستحيلة طول ما أنت مؤمن بالله و السعي أنك توصل لعلاج حالات فقدت الأمل، يمكن ربنا جعلنا سبب نرجع لهم الأمل وحياتهم من جديد" 

"و نعم بالله يا دكتور، بس الحالات اللي شبه حالة الآنسة تمت العملية ليهم و انتهت بالفشل و النتيجة كانت الشلل الكلي يا شلل نصفي يا الموت" 

اقترب من الطبيب معقباً بثقة بالغة
"لو كان كل الدكاترة خافوا من الفشل  مكنش الطب اتقدم و لو خطوة واحدة" 

أومأ الطبيب بأسف
"حضرتك عندك حق" 

تأهب الأخر للذهاب للإطمئنان علي تلك القابعة في الغرفة المجاورة و لكن قبل أن يغادر 
"في كل الأحوال القرار الأول و الأخير ليها" 

عاد إليها وجد الممرضة تزيل من ظهر كفها حقنة المحلول الذي فرغ لتوه، لاحظت أميرة وجوده فشعرت بالحرج، نظراته إليها تربكها و تشعرها بالتوتر وربما الخجل لذا سألت الأخرى بصوت يبدو علي نبرته الوهن
"هو أنا ينفع أمشي؟" 

كادت تجيب الممرضة لكنه قاطعها موجهاً حديثة إلي صاحبة العيون ذات لون العسل الصافي
"ممكن طبعاً بس بعد ما الدكتور يكتب التقرير ويقدمه في المحضر" 

عقدت ما بين حاجبيها تسأله بقلق
"محضر إيه؟" 

أجاب بنبره شبه جادة
"المحضر اللي هتقدميه ضدي عشان خبطك بالعربية" 

اتسعت عينيها من حديثه، توقعت أن يطلب منها العفو ألا تقوم بالابلاغ عنه
"بس حضرتك مكنتش تقصد، أنا، أنا اللي كنت بجري علي الطريق من غير ما أبص وأخد حذري من العربيات" 

ابتسم من برائتها الجذابة فاقترب منها و احتفظ بحد مسموح بينهما قائلاً
"بس أنا عايز تعمليلي محضر" 

فطنت مزاحه فأجابت بتحفظ
"و أنا مسامحة" 

نهضت فجأة فداهمها شعور الدوران، كاد يختل توازنها و تقع، أمسك بساعدها
"خدي بالك" 

رفعت عينيها نحو خاصته و عبير عطره اقتحم حاسة الشم لديها، ضربت حمرة الخجل خديها، جذبت ساعدها برفق من يده وتنظر نحو أسفل
"أنا كويسة، حسيت بدوخة خفيفة" 

سألها باهتمام 
"الموضوع ده بيحصلك علي طول و لا النهاردة بس؟" 

"بيحصل معايا كل فترة" 

"خلاص خليكي مرتاحة و لو حبيتي تتصلي بحد من أهلك أو معارفك تطمنيه عليكي" 

هنا أثرت الصمت لكن عينيها تحكي الكثير و الكثير، فماذا عساها أن تخبره! 

فطن من نظرة الشجن التي في عينيها ما لا تستطع البوح به 
"آسف لو كلامي ضايقك، بس أنا مش عارف حاجة عنك اكتر من اسمك اميرة من بطاقتك الشخصية اللي كانت معاكي في شنطتك و كمان لسه عارف أنك... 

حمحم بحرج فاكملت بدلاً منه
" فاقدة الذاكرة"

اطلقت تنهيدة واسطردت 
"أنا صحيت في يوم لاقيت نفسي في مستشفي وعرفت أن كنت في حادثة علي الطريق ودخلت عمليات و بعدها دخلت في غيبوبة صحيت منها و أنا معرفش أنا مين و لا جيت منين، مالقتش حد وقف جمبي غير ماما خيرية الله يرحمها كانت بتشتغل في المستشفي، خدتني عيشت معاها لحد...

تذكرت الأحداث التي مرت بها خلال الأربعة وعشرون ساعة السابقة، غلبتها دموعها رغماً عنها
"لحد ما تعبت و مكنتش اتوقع أنها هاتمشي و تفارقني وهاتسيبني لوحدي" 

انهمرت دموعها وصوت بكائها اهتز له جدران فؤاده، فقام بمواساتها ببضع كلمات 
"ربنا يرحمها ويغفر الله، هي راحت لمكان. أحسن بكتير من الدنيا اللي إحنا عايشين فيها، و واضح من زعلك و كلامك عليها أنها كانت طيبة و اسم علي مسمي وبإذن الله هايكون جزائها الجنة" 

أخذ من فوق الكمود علبة المحارم الورقية واعطاها إياها، تناولت محرمة وأخذت تجفف دموعها وسيل انفها وتردد
"الله يرحمها، الله يرحمها" 

نظرت إليه فوجدته يحدق بها عن كثب و علي وجهه إمارات الحزن أيضاً
"آسفة، شيلتك همومي و تعبتك معايا" 

أدرك الحرج و الخجل البادي علي وجهها، أراد أن يخطتف منها الحزن و يلقي به بعيداً ويرسم علي شفتيها ابتسامة تبث داخلها الفرح في القلب والوجدان. 

"ما تقوليش كده، ده واجب عليا، و بشكر الصدفة اللي خلتك تطلعيلي مرة واحدة قدام العربية، هو حد يطول يقابل القمر؟!" 

ابتسمت بخجل فضحك واخبرها
"علي فكرة أنا بهزر لا تفتكريني بعاكس و لا حاجة" 

نظرت علي استحياء وقالت بتوتر
"و لا يهمك، أنا، أنا الحمدلله بقيت كويسة وممكن أمشي دلوقتي" 

ألقي نظرة علي ساعة يده
"هتروحي فين في الوقت ده، إحنا بقينا بعد نص الليل" 

"هدور علي أي فندق لحد ما أدبر أموري"

"هتروحي فندق إزاي وأنتي معكيش فلوس حق ليلة واحدة"

نظرت بضيق فقام بتفسير الأمر إليها
"بعتذر طبعاً، أنا كنت بدور في شنطتك علي أي إثبات شخصي ليكي و مالقتش معاكي غير محفظة فيها مبلغ صغير وبطاقتك و معاهم تليفون قديم فاصل شحن" 

أمسكت بحقيبتها الصغيرة وهمت بالذهاب
"ربنا كبير، عن إذنك" 

أمسك رسغها مزامنة مع أمره
"استني" 

نظرت إليه ثم إلي قبضته علي رسغها، فتركها علي الفور
"أنا ممكن أساعدك لحد ما أمورك تتظبط، أنا عندي فيلا العيلة في كفر عبده، ممكن تيجي تقعدي هناك" 

عقدت ما بين حاجبيها بامتعاض، و قبل أن تجيب بتوبيخه فأخبرها 
"ما تفهمنيش غلط، ربنا يعلم بعتبرك زي أختي و بقدملك المساعدة من باب الواجب و الإنسانية، و بعدين الفيلا هناك عم دسوقي السكيورتي ومراته و عياله، و أنا طول اليوم هاكون في المستشفي بحكم شغلي كدكتور يا دوب هاجي علي النوم، و ما تقلقيش هاكون ضيف خفيف مش هتحسي بيا خالص" 

يا له من موقف حرج للغاية، مهما تعددت الأسباب فهو بالنسبة إليها مجرد رجل غريب لا تعلم عنه سوي اسمه رحيم كما ناداه الطبيب منذ قليل، كما الظروف الحالية ليست بالوضع الجيد، فهي تكاد تملك أجرة سيارة تقلها داخل نطاق المحافظة فأين ستمكث و أين تذهب؟!  

قرأ الأخر ما يدور داخل رأسها، يبدو عليها فتاة محافظة و لن ترضي بطلبه فأسرع بإلقاء عرض آخر
"عشان تطمني أكتر، أنا هوصلك هناك و هروح المستشفي هناك مخصصين مكان للبيات حتي علي الأقل هبقي في قلب شغلي، و لو محتاجة أي حاجة هديكي رقم تليفوني تكلميني في أي وقت، و عم دسوقي هيجيبلك كل طلباتك" 

حمحمت بحرج 
"معقولة هخليك تسيب بيتك و تبات في شغلك، معلش مش هقدر أقبل بكده، مش هينفع خالص، كفاية وقفتك جمبي" 

                       ❈-❈-❈
وبعد قليل... 
تقف علي الجانب الآخر من الطريق في انتظار سيارة أجرة بعد إصرارها علي رفض عرض هذا الوسيم، ما الذي يضمن لها أن مقصده الخير من وراء ما يقدمه لها، ثقتها في جنس الرجال أصبحت منعدمة يكفي ما كان سيحدث لها علي يد محمود ابن السيدة خيرية. 

سيارة تلو أخرى تنطلق بسرعة فائقة أمامها، الوقت متأخر بالفعل و لا يوجد علي الطريق سوي بعض الرجال العائدون من اعمالهم و البعض الآخر شباب متسكع في الشوارع، و هذا آخر ما ينقصها، اقتراب سيارة ملاكي يشرأب من نافذتها رأس رجل ذو نظرات ذئب جائع، ألقي طلبه الذي يخلو من الأدب تماماً بجرأة سافرة
"إيه يا جميل، مصلحة و لا مروحه؟" 

رمقته باشمئزاز و ابتعدت حيث بدأت بالسير فتبعها بسيارته بالتوازي لخط سيرها
"يعني مشيتي وماردتيش عليا، مش تسألني هدفعلك كام، ده أنا هبسطك، العشا ولزوم الليلة و المُكنة كلهم عليا، استني بس أنا هابسطك، يا مزة، طب يا... 
اهتزت سيارته بعنف أثر اصطدام سيارة توقفت أمامه مباشرة، شهقت أميرة حينما رأت الذي ترجل من سيارته وتوجه نحو صاحب السيارة الأخرى الذي نزل وألقي نظرة علي مقدمة سيارته التي تضررت بالفعل، صاح بغضب جم
" هار أبوك أسود، ما تفتح يا جدع، العربية عليها أقساط الله يخربيتك"

قبض رحيم علي ياقة قميصه و نظرات آتية من قعر الجحيم يحرقه بها
"أحمد ربنا أن وشك اللي مكنش مكان عربيتك دلوقتي، أنت مالك و مالها" 

نظر الرجل إلي أميرة التي تتابع الموقف بخوف ثم إلي القابض علي تلابيبه، ابتسم ساخراً
"اه، هي المزة طلعت تبعك؟!، لا مؤاخذة يا أستاذ، أنا كنت فاكرها بتلقط رزقها قولت أنفعها و ابسطها و... 
لكمة سددها الأخر له بقوة في أنفه، تراجع علي إثرها الرجل، وضع يده علي أنفه النازف للتو، رفع رحيم سبابته يحذره بحزم
" كلمة كمان وهاخدك من قفاك علي أقرب قسم ونقدم فيك محضر تحرش"

رفع يده الأخري وتقهقر إلي الوراء
"قسم إيه يا هندسة، و تحرش إيه بس، ده أنا غلبان و بجري علي أيتام، حد الله ما بيني و بين دخول القسم، حقكم عليا و اعتبروني مش موجود، و آسف للمزة" 

نظر لأميرة ثم لرحيم الذي تأهب لضربه مرة أخري 
"قصدي الآنسة أو المدام" 

"غور من هنا" 
صاح بها رحيم مما جعل الرجل يفتح باب سيارته سريعاً وجلس خلف المقود ثم انطلق خوفاً من تهديده له، و بعد أن رحل ألتفت رحيم إليها وجدها قد تسمرت في مكانها و في حالة خوف، بدل الغضب علي وجهه إلي ابتسامة ليبث إليها الشعور بالأمان نقيض ما يسيطر عليها الآن. 

"خليتهولك يجري زي الفار المبلول، خايفة ليه؟" 

ابتلعت ريقها وبدأت تهدأ قليلاً، اكتفت بكلمة واحدة
"شكراً" 

ذهب نحو سيارته وفتح باب المقعد المجاور لمقعد القيادة، يخبرها بروح الدعابة
"عزيزتي العميلة مازال العرض مستمر، للتأكيد اضغط واحد و للرفض خليكي مكانك و أنا مش مسئول" 

ابتسمت رغماً عنها و ذهبت للدخول إلي السيارة فتبعها بالجلوس علي المقعد المجاور، يهز رأسه ضاحكاً
"ما كان من الأول"

                        ❈-❈-❈

مكثت داخل شرفة حجرتها المطلة علي بوابة المنزل، تحتسي القهوة بهدوء نقيض ما داخلها من نار الفضول، فهي تترقب إلي عودة ابنها ومعه زوجته وحفيدها كما علمت من أحد رجال الحراسة الذي شهد علي تهديد ابنها لعم صابر ليقر علي مكان زوجته و ابنها. 

وها هي الآن تنتهي من قهوتها و تبتسم لأنها تعلم جيداً أن ابنها لم يمرر هروب زوجته مرور الكرام، و إذاً كما توقعت رأت البوابة تنفتح علي مصراعيها و يهبط ابنها منها و علي وجهه إمارات الغضب الكاسر، وقفت تراقب في الظلام ما يحدث. 

بينما في الأسفل بعد أن نزل من السيارة وقف ينتظر زوجته الجالسه في حالة جمود كالتمثال، يتمسك بها ولدها الخائف ويردد جملة واحدة
"ماما، حمزة خايف" 

وذاك المنتظر قد فقد صبره فتقدم نحو النافذة المجاورة لها، كاد يوبخها لكنه رأي الخوف في أعين الصغير فتهادي قليلاً و دنا بالقرب من سمعها بنبرة تهديد من بين أسنانه ساخراً
"هي البرنسيسة مستنية ليه عندها، و لا تحبي اجرك قدام ابنك و الخدم، أو قدام شيري هانم اللي مستنية الحدث العظيم؟!" 

لم تكلف نفسها عناء الرد عليه واكتفت بنظرة ازدراء ومضض جعلت قلبه يهتز مرة أخرى، زفر بنفاذ صبر و غضب ففتح باب السيارة و أشار إليها لتنزل، أذعنت إلي أمره وقبل أن تتحرك همس إليها و تعمد احاطت ظهرها ليجدها تنتفض وتحاول ابعاد ذراعه عنها
"خليكي هادية أحسن لك، أنا مش مقرب منك حباً فيكي أنا حبيت انبهك إن أي حركة هتعمليها أو محاولة مجرد هتفكري فيها هتلاقيني منفذ الاختيار التاني، إلا إذا بقي لو مش همك ابنك" 

نفضت ذراعه عنها بازدراء وأخبرته 
"و أنا كل اللي يهمني ابني وبس" 
ضغطت علي الكلمة الأخيرة كرسالة صريحة إليه أنه لن يعد في دائرة اهتمامها، ألقت كلماتها وتركته متجهة نحو باب المنزل، وإذا بقدمها تطأ داخل البهو يتشبث بيدها صغيرها، لاحظت وجود حماتها تقف في أعلي الدرج، تقف بشموخ و غرور متأصل في خصالها. 

"سبق وقولت لك قبل كدة كلامي هو اللي بيتنفذ، لأن أنا هنا صاحبة المكان و الآمر و الناهي، و كنتي فاكرة لما تبعدي و تاخدي حفيدي بعيد عني يبقي كده الحكاية خلصت، أنتي هنا مجرد ضيفة وحفيدي هيبقي تحت رعايتي أنا" 

تلقت علا كلماتها وشعرت أنها قد وقعت في التهلكة أو سجن يصعب التحرر منه، فالكل مستغل لنقطة ضعفها، صغيرها الذي تعيش وتحارب العالم من أجله. 

رفعت وجهها لأعلي تجيب علي عنجهية تلك المرأة الطاغية
"أنا فعلاً ضيفة، و ضيفة مجبرة تعيش في مكان عمرها ما حبته و لا طايقة تقعد فيه دقيقة واحدة، و اللي جايبني هنا ابنك اللي قولته له كل واحد فينا يروح لحاله وهو رافض، إما بالنسبة لحمزة فهو ابني أنا و مش هسمح لحد يقرب منه سواء أنتي أو عمه" 

لن تكن تدرك أن حديثها يستمع إليها الذي يقف خلفها و تزداد نيران غضبه أكثر فأكثر، فعليها تتحمل ردود فعله شديدة القسوة. 

مر بجوارها فوقف أمامها و هنا تقسم بأن الذي ينظر إليها ليس زوجها بل إبليس بذاته، يضع يديه في جيوب بنطاله ويلقي عليها أوامره الصارمة
"أولاً لما تيجي تتكلمي أو تردي علي شيريهان هانم التزمي أدبك لأنها لو اتكررت هعلمك بنفسي الأدب وأصول الرد علي اللي أكبر منك في السن والمقام، ثانياً ابن أخويا إحنا لينا فيه أكتر منك و جدته ليها حق تربيه، ثالثاً وأخيراً موضوع الانفصال قصاده تمن لو هتقدري تدفعي التمن ده أنا معنديش مانع" 

لن تصدق أذنيها، هل هذا الرجل مَنْ كان يعانقها و يغدقها عشقاً وهياماً بين ذراعيه؟!، أين هذا الحب والوعد الذي ابرمه لها؟! 

كانت في حالة أقرب إلي القهر وهذا ما يراه الأخر في عينيها الآن، لكنه لم يكترث بل تعمد عدم الإهتمام ليذيقها آلام قلبه التي اقترفتها. 
هبطت دمعة علي خدها سرعان قامت بمسحها و حاولت التماسك أمامه هو ووالدته، يكفي ضعفاً وهواناً أمامهما، ارتدت قناع القوة الزائف 
"أنا عارفة الأدب والأصول كويس جداً يا أستاذ أحمد، مش محتاجة تعلمهم ليا" 

كاد الأخر يتحدث فسبقه الصغير في الحوار الدائر 
"ماما، حمزة خايف و عايز ينام" 

نظرت إليه بحنان وربتت علي يده، ترسم بسمة علي وجهها رغماً عنها ليشعر صغيرها بالطمأنينة
"حمزة حبيبي راجل قوي ما بيخافش، صح و لا لاء؟" 

هز رأسه بالإيجاب ثم عانقها بذراعيه الصغيرين أمام مرأي ومسمع عمه وجدته
"بحبك ماما" 

 وقف أحمد يتأمل هذا المشهد ويحارب قلبه اللائم له علي ما اقترفه معها، بينما كبريائه يدفعه نحو إتخاذ المعاملة القاسية غير رحيم بها، انتبه من شروده علي صوت والدته وتنادي أحدى الخادمات

"انتصار" 

جاءت الخادمة بخطى سريعة 
"أمرك يا شيري هانم" 

"خدي الولد و طلعيه أوضته" 

"أمر حضرتك" 
تقدمت نحو حمزة ومدت يدها نحوه فابتعد عنها ومازال يتمسك بوالدته
"لاء، حمزة عايز ماما" 

تخشي علا أن تعاند مع جدته فتتلقي ما لاتحمد عقباه، انحنت نحو صغيرها واخبرته
"حبيبي روح مع الناني عشان تنام وأنا جاية وراكم" 

هز رأسه برفض تام
"لاء" 

اقترب أحمد نحوه وجلس علي عقبيه أمامه
"حمزة حبيبي، اسمع كلام ماما ونناه، عشان هاخدك بكرة و نروح الملاهي زي المرة اللي فاتت" 

تحولت ملامح الصغير من الرفض والتذمر إلي السعادة البالغة
"نركب الحصان و القطر؟" 

"هنركب كل الألعاب" 

وثب فرحاً ثم عانق عمه
"حمزة بيحبك يا عمو" 

"و أنا كمان بحبك يا روح عمه" 
كان يعانقه بحب و حنان غامر، تراه الواقفة جوارهما، و داخل رأسها أفكار كيف يتحول من وحش كاسر إلي رجل حنون! 

قام بتقبيل رأس ابن أخيه وانسحب الصغير فذهب مع الخادمة، كادت علا تذهب خلفهما فاوقفها زوجها بالقبض علي ساعدها، نظرت إليه بسخط لتعود الأجواء المشحونة مجدداً، بالأحرى لنقل عاد هو إلي جانبه المظلم 

"رايحة علي فين؟، احنا لسه مخلصناش كلامنا" 

"أنا هاطلع علي أوضة ابني" 

"و أنا بقولك لاء، و مكانك أنا اللي هقول عليه" 

نظرت إليه تارة و تكبت دموعها ثم ألتفتت إلي والدته رأت ابتسامة النصر و الشماتة تزين محياها، فصاحت في وجهه بشجاعة واهية 
"لو قصدك أننا هنرجع ننام في أوضة واحدة، فبقولهالك إن أنا عندي أنام في أوضة الشغالين و لا إن يجمعني بيك مكان واحد" 

انتهت من صياحها وقلبها يخفق بقوة خوفاً من رد فعله المفاجئ لها، فوجدته يبتسم ليست ابتسامة تنم عن الفرح بل ابتسامة زادت من خوفها، اصابتها رجفة، نظرت مرة أخرى إلي والدته التي قالت بسخرية
"تصبحوا علي خير" 

وذهبت إلي غرفتها محلقة ويغمرها الفرح، فهذا ما أرادته و ها هو يحدث حالياً، فقد رأت في عينيه عودة نجلها الذي تعرفه قبل أن يغيره الحب. 

وبالعودة إلي علا وأحمد الذي يحدق صوب عينيها بصمت مخيف، تخبره بقوة بائسة
"و يكون في علمك مش عايزه أي حاجة منكم، أنا من بكرة هدور علي شغل إن شاء الله حتي أرجع اشتغل خدامة" 

يكفيه استماعاً لهذا الحد فتخلي عن صمته وتفوه بنبرة جادة
"و أنا مش هقولك لاء" 

ثم قام بمناداة أحدى الخدم فجاءت إحداهن ركضاً
"أمرك يا أحمد بيه" 

"خدي الهانم وصليها علي الأوضة اللي جمبك" 

اتسعت عينان الخادمة بتعجب فسألته للتأكد
"دي يا بيه أوضة نوال اللي كانت بتشتغل معانا و لما مشيت شيري هانم قالتلنا نخليها مخزن للكراكيب" 

كانت نظرات علا لم تقل عن نظرات الخادمة حيث التعجب والدهشة، و مازال هناك من الصدمات لاسيما بعد أن أخبر الخادمة أمامها
"ما هي من الليلادي هتبقي أوضة علا هانم"

و نظر إلي علا، و كانت الخادمة تراقب تبادل نظراتهما وقالت بطاعة أمره
"تمام يا أحمد بيه، ممكن تديني ساعة زمن أوضبها للهانم" 

و كانت علي وشك الذهاب فاوقفها
"روحي أنتي علي أوضتك و علا هي اللي هتوضبها" 

ألقي نظرة للخادمة بأن تذهب ففعلت علي الفور، ليتمكن من إخبار زوجته و يلقي عليها المزيد من المفاجآت الغير سارة علي الإطلاق
"مالك؟، شايفك مصدومة، مش كنتي بتقولي هترجعي تشتغلي خدامة؟!، اديكي هتبدأي شغلك، و بدل ما هتخدمي عند الأغراب اخدمي في بيت حماتك وجوزك أحسن، و أديكي شايفة بنعامل الشغالين احسن معاملة و بنديهم أحسن المرتبات" 

"ياه، مش مصدقة نفسي إزاي كنت غبية لما صدقتك، كان لازم أفكر نفسي كل يوم بأول لقاء بينا وأنك في الأول و الأخر أنت أحمد بيه ابن الأكابر وأنا البت الشغالة اللي حملت من أخوك بعد ما اعتدي عليها" 
حمقاء عندما تلفظت و ذكرته بهذا الحدث الذي يمقته، اصطكت اسنانه من الغيظ، أمرها بنهي
"أقسم بالله يا علا لو لسانك نطق تاني بحوار أخويا معاكي لهخليكي تلعني اليوم اللي شوفتي وشي فيه، اتقي شري لأن أنا لحد دلوقتي حايش نفسي عنك بالعافية، أنتي لسه معرفتيش مين هو أحمد الشريف، احذري من وشي التاني لأن بقلب وقتها لأقذر بني ادم ممكن تشوفيه في حياتك" 

يمر أمام عينيها اللحظات السعيدة والقليلة التي عاشتها معه وتقارنها بما يحدث الآن، فما بها سوي أن تشعر وكأنها قد ملكت كنز من الذهب وتحول في يوم وليلة إلي حبات من الرمال وليست أي نوع من الرمال بل هي حبات تحرق الذي يتمسك بها، فقربها منه أصبح احتراقاً. 

"و هو لسه فيه أكتر من كدة يا أحمد؟"
سؤالها يكون اقرب للعتاب أكثر من التهكم، فاسرع بالاجابة وببرود قاتل محترف يخبرها
"اللي عملته ما يجيش نقطة في بحر من اللي أنتي لسه ماشفتهوش مني" 

كان هناك زوج من العيون و أخرى من الأذن تسمع و ترى الحوار الجاري، و قبل أن يراها ابن سيدتها، تجنبت شره وصعدت إلي السيدة شيريهان التي تتمدد علي الفراش وتستمع إلي سيمفونية شهيرة من الأوبرا الروسية. 

طرقت انتصار الباب فأتاها رد شيريهان
"اتفضل" 

فتحت وألقت نظرة في الخارج قبل أن تغلق الباب ثم ذهبت إلي تلك الممددة 
"في إيه يا إنتصار؟" 

"ده فيه حاجات و حاجات يا شيري هانم، أحمد بيه سمعته بينادي للبت شادية بيقولها تحضر لعلا هانم الأوضة اللي حاطين فيها الكراكيب، و كانت لسه هتروح هتوضبها للهانم فالبيه قالها الهانم هي اللي هتوضبها وبصلها عشان تمشي و كمل كلامه مع الست علا قالها مش كنتي عايزه تشتغلي خدامة اهو بيت جوزك و حماتك اولى بيكي من الغريب، لاء و كمان هي اللي هتوضب الاوضة اللي هتقعد فيها" 

استمعت شيريهان إلي الخبر بصدر رحب بل بسرور وحبور وصل لديها إلي عنان السماء
"اسمعي يا إنتصار أول و أخر مرة اسمعك بتقولي عليها هانم، مفيش هانم هنا غيري أنتي فاهمة؟" 
اومأت لها بايجاب، فاكملت الأخرى
"و بالنسبة للي أنتي قولتيه دلوقتي لو طلع صح، يبقي دي مهمتك بما أنك مديرة الخدم عايزاكي تتوصي بيها علي الأخر" 

"طب وأحمد بيه؟" 
سألتها بخوف وتردد، فاجابت الأخرى
"ما تقلقيش، ابني وأنا فاهماه كويس، و الأيام جاية هعرف بنفسي إن كان هو فعلاً قلب عليها وهيعرفها مقامها الحقيقي و لا ده مسلسل بيعملوه قدامي عشان خايف عليها مني" 

"و هتعرفي إزاي يا هانم؟" 

ابتسمت إليها بفخر وزهو بذاتها
"أنتي نسيتي أنا مين و لا إيه؟!" 
نظرت أمامها صوب مرآة الزينة وكأنها تتحدث مع صورتها المنعكسة في المرآة
"إن كان هو ورث الذكاء والدهاء مني، فأنا برضه الأصل وما تخلقش لسه اللي يضحك علي شيريهان الشريف" 

"و حضرتك ناوية تعملي إيه؟" 

ألتفتت إليها وأجابت بغموض
"أنا عندي كارت من ضمن كروت كتير، و أهو جه الوقت اللي هستخدمه فيه" 

كانت تستمع لها الخادمة وتنظر إليها بدهشة وتردد داخلها دون صوت مسموع
"جيب العواقب سليمة يارب" 

                        ❈-❈-❈

"يا سعدية، أنتي يا بت يا سعدية" 
كان صياح صوتاً غليظاً تبعه رد حانق 
"حاضر، حاضر" 

كانت صاحبة الرد امرأة ذات قدَّ ممتلئ يهتز مع خطواتها المسرعة، لتلبي نداء هذا الرجل ذو الشارب الكث، ينفث دخان الأرجلة، يضع ساق فوق الأخرى متفاخراً بكلسونه الأبيض أسفل جلبابه الرمادي،  وكانت الأخرى تتمتم بصوت خافت
"يخربيت سعدية و اللي جابوها" 

أنزل ساقه وترك عصا الأرجيلة علي المنضدة أمامه 
"بتبرطمي بتقولي إيه يا وليه؟" 

"ما بقولش، نعم عايز إيه؟" 

أجاب ببرود يجعل جبل الجليد ينفجر منه بركان هائل
"تعالي غير لي حجر الشيشة" 

جزت علي أسنانها بغيظ و قد فاض بها الكيل 
"بقي يا راجل يا للي معندكش دم عمال تنادي لي و أنت عارف أن طالع عيني في تنضيف الفيلا عشان رحيم بيه زمانه علي وصول و أنت قاعد هنا زي اللوح عمال تشربلي شيشة و عايزني بعد ما اتقطم وسطي في الشغل أجيلك اغيرلك الحجر؟!" 

نهض واقترب منها فتراجعت خوفاً لتأمن غدره، رفعت سبابته بتحذير
"عارف لو قربت مني هفتح دماغك زي المرة اللي فاتت كان بقالب الطوب" 
دنت نحو الأرض ألتقطت صخرة صغيرة ملساء واكملت تهديدها
"و المرة دي بالزلطة دي" 

رفع كفه و هي رفعت يدها بالصخرة استعداداً بقذفها علي رأسها فاوقفهما صوت تنبيه سيارة رحيم، اخفت سعدية الصخرة خلفها و زوجها تراجع علي الفور و ذهب ليفتح البوابة مُهللاً بترحاب
"يا مرحب يا مرحب بالبيه الدكتور" 

فتح البوابة وعبرها الأخر بسيارته إلي الداخل وتوقف ثم هبط منها ليصافح الحارس
"ازيك يا عم دسوقي عامل إيه؟" 

بادله المصافحة بفرح
"في نعمة يا حضرة البيه الدكتور" 

واقتربت سعدية 
"يا أهلاً و سهلاً يا بيه، نورت الفيلا" 

"تسلمي يا سعدية" 

"يسلمك من كل شر يا غالي يا ابن الغاليين، أنا أول ما عرفت حضرت جاي مسكت الفيلا من أول الروف فوق لحد الجنينة تحت و خليتهالك فلة، و أوضتك علي نفس النظام اللي حضرتك بتحبه، و حضرتلك العشا قوام لما ترتاح هايكون جاهز علي السفرة" 

"تسلم ايديكي يا سعدية، بس أنا ماشي و جيت عشان أوصيكم علي ضيفة هي اللي هاتقعد معاكم" 

نظر نحو زجاج السيارة الأمامي فانتبه كلا الحارس وزوجته إلي التي تهبط من السيارة، اكمل رحيم حديثه ليتجنب النظرة التي ظهرت للتو داخل أعين دسوقي وسعدية و يتجنب أيضاً سوء الظن لديهما. 
حمحم فاخبرهما
"آنسة أميرة تبقي بنت عمي و جاية تقضي الاجازة معانا، عايزكم تاخدوا بالكم منها و أي طلبات كلموني علي طول و أنا هابقي أجي كل يومين أطل عليكم" 

"أهلاً و سهلاً يا أميرة هانم" 
قالتها سعدية بترحاب، فاجابت الاخري بحرج
"أهلاً بيكي" 

"سعدية ابقي حضري لأميرة هدوم من دولاب ماما" 

اتسعت عينيها بتعجب فهي تحفظ خصال ربة عملها جيداً و من بين تلك الخصال أنها تكره أي شخص يلمس مقتنياتها أو ممتلكاتها فما بال ثيابها! 
هزت رأسها بإذعان وبابتسامة زائفة
"أمرك يا بيه، اعتبره حصل" 

تبع دسوقي زوجته لكي يخفي الأرجيلة سريعاً، اقترب رحيم من أميرة
"أظن كدة مفيش أي سبب يخليكي تخافي أو تقلقي، أديني سايبلك الفيلا تقعدي فيها براحتك و معاكي سعدية لو احتاجتي أي حاجة، بس خدي بالك دي رغاية أوي هتاكل ودنك لحد ما ترفعلك الضغط" 

بسمة رقيقة ملأت ثغرها الفاتن 
"مفيش داعي أنك تسيب بيتك عشاني" 

"أنا كده كده أصلاً مكنتش هاقعد هنا غير يومين، عشان مكان شغلي بعيد عن هنا، فخدي راحتك واعتبري المكان مكانك" 

"جيميلك ده عمري ما هنساه أبداً" 
رد بابتسامة و ظل ينظر إليها في صمت وهدوء، و كان علي الجانب الآخر النقيض تماماً، حيث كانت والدته تجول ذهاباً و إياباً، تمسك بجوالها والقلق ينهش قلبها علي ابنها الذي لم يجب إلي الآن علي إتصالها منذ أن ترك المنزل. 
"ما بتردش ليه يا رحيم، يارب يكون بخير، أنا ماليش غيره يارب، هو سندي واللي طلعت بيه من الدنيا" 

و إذا بهاتفها يتلق إتصالاً وارداً من خادمتها، تجلي الحبور علي وجهها فقد أوصت الخادمة أن تخبرها فور مجئ ابنها، تنفست الصعداء واجابت
"ألو يا سعدية، وصل؟" 

ردت الأخرى وهي تقف داخل الغرفة الخاصة بسيدتها وأمام الخزانة المليئة بثيابها
"وصل بالسلامة يا رجاء هانم، بس، بس" 

ضرب القلق صدرها فسألتها 
"بس إيه؟، هو بخير؟، حصله حاجة؟" 

"هو جه و معاه موزمازيل حلوة أوي قالنا اسمها أميرة و بنت عمه" 

"بنت عمه!!، بنت عمه مين، عمه معندهوش غير ولد وحيد و عايش في انجلترا" 

"والله يا رجاء هانم زي ما قولتلك، و الغريبة بقي أنها معهاش شنطة سفر و رحيم بيه طلب مني أطلع لها هدوم من هدوم حضرتك" 

"نعم!!" 
صاحت الأخرى وصدي صوتها قد تردد في الأرجاء

"و ياريت علي كده و بس يا هانم، ده قالنا هي اللي قاعدة وهو ماشي باين هيبات برة، يعني أنا يطلع عيني في تنضيف الفيلا من النجمة لرحيم بيه و تيجي الهانم اللي معاه هي اللي تقعد، يا قطمة وسطك يا سعدية" 

"الله الله يا سي رحيم، هو ده الشغل اللي سايب مامتك عشانه"
انتبهت أن مازالت الأخرى علي الهاتف
"سعدية خدي بالك من البنت دي عقبال ما أجي كلها كام ساعة و اول ما النهار يطلع هاجي أشوف حكاية البت دي إيه، و لو حصل أي حاجه تبلغيني فوراً"  

انهت المكالمة دون إنذار للأخرى، زفرت سعدية بضيق وتنظر للهاتف
"و بتتخلق عليا أنا ليه و أنا مالي" 

و بالعودة إلي رجاء التي وصل الغضب لديها إلي الحلقوم، استدارت إلي خزانة الصحون الخزفية حيث يعلوها إطارات تحتوي علي صورة تجمعها بابنها و آخر يحتوي علي صورته هو فقط، تتمعن بها بغضبٍ مستطير 
"والله عال يا دكتور رحيم ياللي الكل بيحسدني علي أدبك و أخلاقك، بقي دي اخرتها؟!، و ليه عشان معرفتش تتجوز اللي هاتموت عليها؟!" 

رفعت يديها في وضع الدعاء وصاحت بحرقة بدعائها المُعتاد
"منك لله يا رودينا يا بنت شاهيناز، اللهي ما يرتاح قلبك و لا تشوفي يوم راحة زي ما قلبتي حياة ابني الوحيد" 

                       ❈-❈-❈

نسمات الصباح الباردة يتخللها صوت زقزقة العصافير ورائحة أوراق الريحان تتسلل من الشرفة إلي أنف هذه النائمة، تتقلب علي جانبها رويداً رويداً، تتحرك مقلتيها من أسفل جفنيها فهي علي وشك أن تستيقظ، فتحت عينيها علها تسترق لحظات من التأمل في وجهه وهو نائم بدلاً من حرمانها النظر إليه وهو يقظ. 

يكفيها ما تجده منه من تجاهلها وذلك بعد ليلة الزفاف القاتمة، رغم اعتذاره منها واعطاها وعداً بمحاولة التقرب من بعضهما البعض، فكيف ذلك وهو يسهر إلي ساعات متأخرة عن عمد ما بين مشاهدة التلفاز أو تصفح الإنترنت دون هدف، و كأنه يعيش بمفرده وليس هناك زوجة لها من الحقوق والواجبات ومعاملة من الود والرحمة عليه أن يلتزم بكل ما سبق. 

نهضت بجذعها، فتحت فمها لتتثائب، لملمت خصلات شعرها المبعثرة بعشوائية، نهضت لتقضي روتينها الصباحي لكن اوقفها ذبذبة هاتفها النقال، نظرت في شاشته وجدت المتصل والدتها، زفرت بضيق حينما تذكرت تجاهل الرد علي مكالمات والدتها حتي لا تعكر صفوها، يكفي ما تلقته في ليلة الزفاف وآثاره مازالت علي شفتيها و عنقها ورسغيها! 

وجدت لا مفر من عدم الرد فأجابت واستمعت إلي توبيخ أمها المعتاد
"مش عايزة تردي علي مامتك يا ست رودينا؟!، و لا من لقي أحبابه نسي أهله و ناسه!" 

"معلشي مامي Sorry " 

"براحتك يا رودي، علي العموم أنا كنت عايزه اطمن عليكي، عاملة إيه و جوزك عامل معاكي إيه؟" 

نهضت وتتحدث في الهاتف، تقف لدي باب الشرفة
"بخير يا مامي، i'm so happy" 

عقبت والدتها بسخرية
"فرحانة أوي!، واضح أوي من صوتك يا حبيبة مامي" 

ابعدت الهاتف قليلاً وأطلقت زفرة ثم عادت لتخبرها
"مامي أنا لسه صاحية من النوم و طبيعي صوتي هايكون مش في المود يعني" 

"خلاص يا رودي روحي كملي نومك، أنا كنت بطمن عليكي وبقولك إن أنا وباباكي هنيجي نزوركم علي المغرب، فقولت ابلغك لتكونوا خارجين و لا مسافرين للـ honey moon  زي أي اتنين عرسان" 
استشفت السخرية من حديث والدتها مما جعلها شعرت بالحنق والغيظ، فكلمات الأخرى علي حق وهي أكبر همها إلفات نظر زوجها! 

"أوك، تيجوا تنورونا أنا و ياسو مرهقين من يوم الفرح و مش قادرين نتحرك لأي مكان" 

"مرهقين، قولتيلي بقي، امم"

"اه مُرهقين يا مامي، هو احنا مالناش نتعب زي الناس؟!"  

انتهزت شاهيناز الفرصة وألقت سؤالها مباشرة دون إيضاح مُفصل
"هو حصل؟" 

لن تفهم ماهية سؤال والدتها
"هو إيه يا مامي؟" 

رددت شاهيناز بصوت خافت
"ليه ياربي رزقتني ببنت غبية" 
ثم أجابت بصوت مسموع جيداً
"اللي بيحصل بين أي اتنين متجوزين يا قلب مامي" 

وقع السؤال كافياً بجعلها تلتفت خلفها وتنظر إلي السرير الذي شاهد علي ما حدث لها عنوة، كما دارت عينيها علي الجدران التي تردد بينها صدي صوت صرخات توسلها، شعرت بالاختناق لمجرد الذكرى. 

جاء نداء والدتها لها عبر الهاتف
"رودي، رودي، روحتي فين؟" 

"أنا مستنياكم، و سلميلي علي داد، عن إذن حضرتك، باي" 
و انهت المكالمة في الحال وذهبت إلي الحمام. 

وبعد مرور وقت قليل... تقف أمام مرآة الزينة وتقوم بتجفيف شعرها بمجفف الهواء الساخن ثم شرعت بتمشيطه وتركت بعض الخصلات القصيرة علي جانبي وجهها لتعطيها مظهراً رقيقاً وجذاب، ذهبت إلي الخزانة لتبدل معطف التجفيف القطني بثياب منزلية، ارتدت ثوب أحمر داكن تنتشر علي أطرافه دوائر صغيرة بيضاء، ذو حمالات رفيعة، و قبل أن تغادر الغرفة، نثرت من عطرها علي ثوبها وامسكت بقلم الحمرة ووضعت القليل منها ثم خرجت باحثة عن آسر فؤادها. 

كان ممدد علي الآريكة في سبات عميق، وشاشة التلفاز تعرض فيلماً أجنبياً، امسكت جهاز التحكم وقامت بكتم الصوت وجلست جواره، أخذت تتأمل ملامحه، مدت أناملها الممشوقة تلمس خصلات شعره الأشقر الداكن، لمساتها تتحرك ببطئ من شعر ثم ذقنه فعنقه حتي صعدت مرة أخرى إلي شفاه، تلمسها بأطراف اناملها، تلعق شفتيها بتوتر ثم تغمض عينيها، تتمني أن يبادلها الحب بمشاعره حين يحبها من قلبه. 

و كان هو يتمدد فوق عشباً أخضر ويبتسم، يمد ذراعيه إليها فارتمت فوقه وتضحك كالطفلة، فسألها ويداعب خصلاتها الذهبية المتناثرة علي وجهه
"بتحبيني؟" 

اجابت بعشق
"و ده سؤال محتاج إجابة؟" 

"ما أنا بحب اسمعها من بين شفايفك، أصل كل مرة بيبقي ليها طعم تاني عن المرة اللي قبلها" 

وضعت اصبعها علي خدها تتظاهر بالتفكير فسألته بمشاكسة
"و يا تري طعمها بيبقي إيه؟" 

"قربي مني و أنا هقولك عن الطعم و هخليكي تدوقيه معايا" 
احاط خديها بين كفيه وألتقط شفتيها المتيم بتذوقها مراراً وتكراراً، يشعر بملمسها وكفيها علي رأسه من الخلف وأناملها تتخلل خصلاته، كان يغمض عينيه ليستمتع بتلك اللحظة وبصوتها وهي تردد اسمه مع كلمات العشق المتناغمة، لن يصدق نفسه هل هو في حلم أم حقيقة، ترك نفسه قليلاً حتي بدأ يفتح عينيه ويقع من فوق العشب الأخضر ليجد نفسه علي أرض الوادي المظلم أو الواقع الصادم. 

انتفض وابتعد عنها، ينهض بجذعه، نهضت من جواره ووقفت أمامه بخجل
"so sorry " 

ظل ينظر إليها ثم إلي مكان حوله، يستوعب الحقيقة وتذكر الحلم الجميل للتو و ما يعادله في الواقع، تحسس شفتيه وأدرك ماذا كان تفعل به وهو نائم. 

اقتربت منه وجلست بالقرب منه
"أنت مانمتش جمبي ليه امبارح؟" 

تزحزح قليلاً إلي الوراء يتجنب ملامستها
"مكنش جايلي نوم وحبيت اتفرج علي الـ Tv"

"أومال ليه أنا حاسه أنك بتتجاهلني طول الوقت، رغم وعدك ليا أن كل واحد فينا هيدي للتاني فرصة نقرب من بعض ونفهم بعض، إزاي هيحصل كل ده وأنت بعيد؟"  

قبل أن يجيب ألتقطت عيناه آثار ما اقترفت يديه وشفتيه بها ليلة الزفاف الماضية
"أنا وعدتك، بس خايف أقرب أؤذيكي ومش عايز أعيد اللي حصل أول ليلة تاني" 

وضعت يدها علي خده واخبرته
"اللي حصل ده كان غصب عني و عنك، أنت كنت تحت تأثير الشرب و مكنتش عارف بتعمل إيه" 

"أنتي لو كان جرالك حاجة مكنتش هسامح نفسي" 

"خايف عليه يا ياسين؟" 
سؤالها الظاهر واضح بينما الإجابة التي تريدها ليس مستعد لها بعد، فاكتفي بتقبيل جبهتها 
"آسف مرة تانية" 

وضعت كفها الثاني علي خده الأخر وحدقت إلي عينيه بعشق وهيام
"أنا عمري ما زعلت و لا هزعل منك أبداً، ياسين أنا لحد Now مش قادرة أصدق أنك بقيت ملكي، أنا مؤمنة بأن اللي بيسعي لتحقيق حلمه لازم يستحمل ويعافر ويتحمل أي عقبة، و أنا اتحملت وهاتحمل كمان لحد ما تبقي ليا بقلبك كمان" 

"رودينا أنا... 
قاطعت حديثه بوضع كفها علي فمه 
" عارفة اللي هتقوله، وهفضل مستنية قلبك حتي لو أخر يوم في عمري، كل اللي عايزاه نقضي مع بعض وقت حلو من غير ما نفكر في اللي فات أو اللي جاي، نعيش اللحظة"

ابعدت كفها عن فمه وترددت قليلاً قبل أن تكمل
"ياسين أنا بعشقك، مش عايزة أي حاجة من الدنيا غيرك، بحبك بمميزاتك و عيوبك، في أي مود أنت فيه، أنا... 

انتهي ترددها بقيامها إلتقام شفتيه بخاصتها، كانت مفاجأة لديه جعلته يتسمر في مكانه، تعانقه بعنفوان فوقع علي ظهره، حاول أن يبعدها قليلاً ليلتقط انفاسه ويخبرها أن تتمهل حيث هذا الأمر يحتاج إلي تهيئة نفسية وهو ليس في الحالة المزاجية لذلك. 

كيف تدرك كل هذا وكل من القلب والرغبة كليهما يسيطران عليها. 
أخيراً اعطته فرصة للتنفس لكن كانت تلك البداية 
"رودينا اصبري، رودينا استنـ...
لا فائدة من الحديث فيديها سبقت كلماته نحو تلابيب قميصه فتطايرت أزراره! 
تعليقات



×