رواية نعيمى وجحيمها الفصل التاسع والخمسون بقلم امل نصر
رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل التاسع والخمسون
- إمام.
هتفت بإسمه تناديه بعد خروجها من منزل عامر الريان وبحثها عنه حتى وجدته واقفًا بجوار إحدى الشجيرات قرب مدخل المنزل، يعطي تعليماته لأحد الحراس، والذي انتبه مع ندائها لتلتف رأسهِ إليها مع إمام الذي خطف نظرة سريعة نحوها قبل أن يُجفل الشاب بدفعة بكفه على كتفه من الخلف ينهره: -هي بتقول يا إمام ولا بتقول يا ابراهيم؟
رد الشاب بالاعتذار على الفور: -أسف يابرنس سامحني.
دفعه مرة أخرى ليهدر به: - طب اخلص نفذ اللي قولتلك عليه.
سمع منه إبراهيم وذهب تنفيذًا للأمر بإذعان، وتحرك إمام نحوها رافعًا حاجبه مع قوله: - أهلًا يا غادة عاملة إيه؟
ردت بابتسامة تحمل المودة له: - الحمد لله فل، وانت بقى
رد على قولها بخشونة: -وانا كمان كويس، بس كنتي بتندهيلي ليه؟
أجفلها برده المباغت فتلجلجت تجيبه بحرج: -جرا إيه يا إمام؟ انا كنت عايزة بس أسلم عليك واسألك عن خلود اصل عرفت منها ان روان امبارح كانت سخنة فقولت أسألك يعني عشان اطمن.
أنتعش بداخله على هذا التغير الذي بدا واضحًا بكل تصرفاتها او حتى كلماتها فقال يجيبها: -روان كويسة والحمد لله انا بس اللي اتعصبت عليكي لما ندهت عليان وانا مع الواد ابراهيم، ودا خفيف وما بياخدتش باله من الحاجات دي، الواد لف براسه ناحيتك من غير انتظار.
أجابت ببلاهة: - وإيه يعني؟ ما يلف براسه ناحيتي ولا يبصلي، حيصل ايه؟
-نعم يا ختى.
صدرت منه على الفور فطالعته مزبلهة باستغراب وهو يتابع بشر: - ماتظبطي كدة يا غادة عشان ما اتعوجش انا عليكي.
ارتدت رأسها للخلف لتزداد ذهولًا مع قولها: - تتعوح عليا ازاي يعني وانا هظبظ ايه يعني مش فاهمة؟
رد بخشونة: - ايه هو اللي مش فاهمة؟ انا قصدي يعني لما تشوفيني مع حد ماتندهيش بإسمي عشان مايحصلش اللي حصل دلوقتي.
أومات راسها بتفهم مرددة: - حاضر تمام.
- شاطرة وع العموم عشان منعًا للاحراج انتي ممكن تاخدي نمرتي وتتصلي بيا أسهل.
قالها بمكر أربكها لتُخرج هاتفها على الفور بدون تفكير وتسجل أرقامه فبادلته بأرقامها، ليردف لها مدعي الجدية: -كدة تمام قوي وقت ما تحبي تطلبيني هتلاقيني في وشك على طول، من غير ما تندهي بإسمي بقى وتتعبي نفسك.
ردت بعفوية: -طب انا كنت عايزة ازور روان.
اجابها مرحبًا: - وماله في اي وقت اتصلي وبلغيني عشان اظبطلك ميعاد واخدك معايا.
-خلاص اتفقنا.
قالتها وهمت لتعود لداخل المنزل ولكنها وقبل تستدير عنه جيدًا توقفت تلتف إليه سائلة: - صحيح انا كنت عايزة أسألك، هما ليه بيندهولك يا برنس؟
أجاب رافعًا حاجبه بزهو مع ابتسامة واثقة: - عشان انا فعلا برنس.
تبسمت صامتة عن الرد وقد اخجلها بخفة ظله، لتلتف بعد ذلك وتعود لجلستها في الداخل.
- يعني اتحرش بيها الح يوان ده وفي الضلمة كمان؟
هتف جاسر بالسؤال بدم يغلي بين أوردته بعد أن قص عليه خالد وبعجالة وبدون تفاصيل ما حدث مع زهرة من هذا الرجل القبيح في بداية مراهقتها.
وتحمحم المذكور يجيبه بحذر: -زي ما بقولك كدة، هي كانت راجعة من الدرس بعد العشا، لما شدها من إيدها في الضلمة، بس ولله الحمد انا لحقتها وجريته زي الخروف في قلب الشارع وسففته التراب...
- بس المشكلة دي فضلت مع زهرة وزودت على مشكلتها القديمة.
قالها جاسر بمقاطعة ورد خالد بالتأكيد: - دا حقيقي بس انا ووالدتي كنا دايمًا معاها وبنحاول على قد مقدرتنا عشان نخليها تتجاوز وتعدي اللي مرت بيه بس للأسف، الحاجات الصعبة دي بتفضل في عقل الست مهما كبرت ولا عدى عليها سنين.
أكمل على قوله جاسر كازا على أسنانه: - خصوصا كمان لما تقابل صاحب المشكلة اللي حصلت معاها ويهددها.
رد خالد بنبرة تفيض بالحزن: - للأسف هو مكانش بيهددها بس، دا كان عايز يكرر الكابوس دا معاها من تاني بالجواز منها غصب عنها، قبل انت ما تتجوزها، حسب ما عرفت بعد ما جيت من السفر.
كور قبضته بتمتم جاسر يهدر بغضب حارق: - الحي وان القذر، اه بس لو تطوله إيدي دلوقتي، لكنت اشرب من دمه حالًا، ليه مقولتليش من الأول يا خالد، ليه هي مرديتش تجاوبني على سؤالي.
-ما انا قولتلك يا عم جاسر، دي حاجة ماتقدرتش تعترف بيها الست وبالذات لراجلها، غير لما هي تقرر من نفسها ساعة ماتحس انها تقدر تتجاوز وتعدي.
تفوه بالكلمات خالد قبل ان ينهض ويستأذن: -اسيبكم بقى مدام اطمنا عليها.
اعترض جاسر وهو ينهض معه: - ماتستنى يا بني وكملوا اليوم معانا انت ورقية، دا زهرة وشها نور بحضوركم.
- معلش بقى اعذرني انا اليومين دول مسحول في تجهيز الشقة عشان الفرح دا اللي فاضل عليه أيام بس. وكمان عشان نسيبها ترتاح شوية.
قالها خالد بإصرار قبل أن يغادر بصحبة من حضروا معه.
- ما تكملي يا كاميليا وقفتي ليه؟
هتف بها من خلفها بعد أن دلفت معه لداخل منزلهم، ف التفت إليه سائلة: -أقدم فين تاني؟ مش لازم الست الولدة تستقبلني برضوا؟ هي فين مش شايفاها يعني؟
اقترب يجيبها قبل ان يتحرك ويسبقها بخطواته: -هو انتي غريبة يا كاميليا ولا محتاجة عزومة في بيتك؟ ولا انتي مش حاسة انه بيتك؟
زفرت داخلها بسخط ثم تحركت لتلحق به لتجلس على أول كرسي قابلته أمامها، وعينيها تجول يمينًا ويسارًا، خلع هو سترة حلته ليجلس مقابلها بالقميص الأبيض المنشي والبنطال الأسود ليطالعها بنظرة مطولة بتمعن قبل ان يردف لها: -منورة بيتك يا كاميليا.
-البيت منور باصحابه.
أجابته بمجاملة على عجالة قبل أن تتابع بسؤالها: - هو انا ليه حاسة إن الدنيا هدوء زيادة عن اللزوم؟ ماما فين؟
- ماما خرجت وراحت المقابر لوالدي.
-نعم؟
هزهزت رأسها باستفهام لتتأكد من صحة ما سمعته، فردد هو كلماته على الفور بكل بساطة: -بقولك ماما خرجت وراحت المقابر لوالدي، دا بعد ما انا اتصلت بيها وقولتلها اننا احتمال مانجيش ع الغدا عشان تخرج هي وتروح مشوارها في زيارة قبر والدي.
فغرت فاهاها لتعتدل بجلستها وترد على سهولة ما تفوه به: - ياراجل؟ ودا من إيه ان شاء الله؟ قصدي ليه يعني؟
اعتدل هو الاَخر بجسده ولكن للخلف، ويُجيبها باسترخاء وابتسامة غريبة اعتلت وجهه: - من غير ما احلف يا كاميليا، أنا اساسًا عامل المشوار دا كله عشان اريحك انتي واجاوب ع الأسئلة اللي محيراكي.
- قصدك إيه؟
سالته بقلق وكان جوابه: - انتي عارفة قصدي، فمفيش داعي نلف وندور على بعض.
اثار غضبها لتنهض هادرة به: - الكلام دا تقوله لنفسك مش ليا انا؟ بقى بتخدعني وتجيبني في بيتكم في غياب الست الوالدة وبعدها تقولي انا اللي بلف وادور؟
- اقعدي يا كاميليا.
هدر بها بدوره ليكمل بلهجة مسيطرة لم تسمعها منه قبل ذلك: - اقعدي وبلاش شغل العيال ده، ولا انتي مش واثقة في نفسك؟
استفزتها كلماته لتجلس وتجيبه بعند: -بلاش النبرة دي معايا عشان انت عارف لوحدك الإجابة، لكن انا اعتراضي على الأسلوب نفسه، اسلوب الخداع والكدب.
-وإيه تاني يا كاميليا؟
باغتها بسؤاله الغريب ليصمت فمها عن الرد وتابع هو بنبرة معاتبة: - يومين بس اغيبهم في السفر يخلوكي تقلبي عليا كدة؟
رددت من خلفه بنفاذ صبر: -يومين إيه اللي انت بتتكلم عليهم؟ انا الأسئلة دي في دماغي من الاول، عايزة افهم وانت بغموضك وتصرفاتك بتزيد الأمر معايا، يعني بلاش بقى تلميحاتك دي اللي انا فهماها كويس قوي.
سمع منها ليميل برأسهِ نحوها ويرد بكل هدوء: - خلاص بلاش تلميحات وندخل مع بعض بكل صراحة، إيه السؤال اللي محيرك بقى؟
تحفزت بجلستها أمامه لتساله على الفور: - ندى وجوزها، إيه قصتك معاهم؟
تبسم ليُجيبها على الفور أيضًا ودون مواربة: -ندى دي بنت عمتي اللي انا كنت بحبها الأول، وكريم دا كان صاحبي في كلية الشرطة، والده كان نائب مجلس الشعب في دايرته، يعني كان كبير ناس وأهله، بس بقى صداقتنا انتهت بعد ما اتعرف على ندى من ورايا وخلاها تحبه.
-سألته بعدم اقتناع: - بس كدة؟
سمع منها ليجيبها: -لا طبعًا مكانتش الحكاية بالسهولة دي؟ انا راجل ما بسبش حقي ودا واحد خاين، لف عليها من ورايا وكان بيروح لها الكلية لحد اما علقها بيه، واتفقوا مع بعض على الجواز، بعد ما كنت أنا مقرر مع والدتها اني هتقدملها بعد ما اخلص الكلية.
توقف لتردف هي بتركيز: - وبعدين؟ يعني لما عرفت حصل إيه؟
أقترب بوجهه أكثر يرد بملامح شرسة لم تراها منه قبل ذلك: -خدت حقي، عرفته هو مقامه، وعرفتها هي حجمه، انا اتفقت معاه على مباراة ودا كان في قلب الكلية وقدام مجموعة كبيرة من زملائنا في الحلبة، تعرفي الصرصار لما تدوسيه برجلك يا كاميليا وتفعصيه؟
توسعت عيناها تطالعه بارتياع مع انتظار الباقي، فاستطرد هو: - صوت صريخه مع كل عضمة اتكسرت منه كانت بتسمع لبرا صالة الألعاب، الكل كان شايف حالته ومحدش فيهم قدر يقربلي عشان مركز والدي دا غير اني مكنتش هسمح لأي حد إن ينجده من تحت أيدي، طبعًا الموضوع ده أثر على مركز والدي خصوصًا وان والده وصل الموضوع للسلطات العليا واضطرت الإدارة تصرفني من الكلية، لكن المقابل كان إيه؟ كريم فضل شهور في المستشفى بين العمليات والعلاج وفي الاخر والده سفره لبرا مصر، لكن برضوا عاش بالعرج اللي انا عملتهولوا. وندي اتجوزتوا بعرجه.
- انت وحش.
خرجت منها بدون تفكير، فردد هو خلفها: -فعلًا تقدري تعتبريني وحش، بس في حقي. ندى كانت مكتوبالي ومن هي في اللفة وانتي، وانتي مكتوبة دلوقتي على إسمي، يبقي حقي فيكي اكتر منها واوعي تفتكري اني هكون اقل شراسة من زمان.
ارتجف قلبها بداخلها ولكنها تماسكت تجاهد لعدم إظهار الخوف منه، فقالت بدفاعية وهي تحاول انهاء النقاش والخروج من هذا المنزل على الفور والنفاد بجلدها منه: -انا مش فاهمة بصراحة، ايه لزوم نبرة التهديد دي؟ دا كان سؤال عابر لوالدتك، مكنتش حكاية هي؟
وقف يجيبها بعد أن نهضت من أمامه ليقابلها برده: - لا مكانش سؤال عابر يا كاميليا، عشان انتي لفيتي على كذا فرد في العيلة وسألتيه حتى مرات نجيب قصدتي تقابليها مخصوص في النادي اللي هي بتروحه دايمًا لتدريب أولادها، وسألتيها برضو...
قاطعته فجأة لتسأله بفطنتها الحاضرة دائمًا: - استني ثواني، هي مرات نجيب ايه اللي يخليها تتصل بيك وانت برا مصر وتبلغك بحاجة زي دي؟ هو دا موضوع يستاهل ان واحدة زي دي وف وضعها تتصل بواحد قريب جوزها عشان تقولوا...
توقفت فجأة تحدجه بنظرة نارية وهي تتابع بصدمة: - هو انت على علاقة يا كارم مع الست دي؟
أجفل من ردها المباغت ليتراجع فجأة عن بروده ويهدر بلهجة فضحت اضطرابه: -بلاش تأويلات بكلام فارغ من دماغك، ولا انتي عايزة تقلبي الطرابيزة عليا بتفسيرك الغريب ده؟
واجهته بثقة ازدادت من تخمينها: -دي مش تأويلات ولا تفسير غريب، دا من كلامك وارتباك الغلط هو اللي كشفك، انا بجد مكنتش اعرف اتصور إنك تكون بالوضاعة دي.
توحشت ملامح وجهه بعد ان استفزت هذا الجزء بشخصيته والتي لا يقبل ان تشوبها شائبة ليصيح بها: -بتتهميني أنا بالوضاعة يا كاميليا؟ امال بقى مين فينا الشريف؟ طارق باشا اللي كل يوم مع واحدة ست؟ ولا الست الوالدة اللي سابت ابنها على عمر سنة عشان تتجوز واحد تاني غير جوزها وابو عيالها؟
جحظت عينيها لتهتز أمامه كورقة جافة تهددها رياح الخريف القوية السقوط؛ وقد صعقها بذكر أخطر أسرارها، ليستغل وضعها ويزيد بقوله: -مصدومة ليه يا كاميليا؟ ولا انتي كنتي فاكراني هتجوزك من غير ما اجيب أصلك ولا فصلك؟ ولا مفكرة اني واحد زيي هتفتوت عليه حاجة زي دي؟
تماسكت تحتجز الدموع بصعوبة حتى لا تظهر له ضعفها، وردت بقوة تدعيها وتحدي لم تكن تقصده ولكنه نبع من شخصيتها العنيدة دائمًا: - اولًا. لو هتفتكر نفسك احسن من طارق، فانت أكيد واهم عشان طارق راجل صريح وما بيخفش من حد عشان يخفي عيوبه اللي بيظهرها بكل شجاعة في العلن ولو هتتكلم عن أمي...
توقفت لتصرخ بوجهه بقهر: - فاانا لا يمكن هسمحلك تجيب سيرتها على لسانك ده تاني فاهم ولا لأ؟ ولو مش عجبك يبقى غور وخلصني.
ختمت لتعدل من وضع حقيبتها لتتحرك وتتخطاه حتى تذهب وتغادر منزله، ولكنها تفاجأت به يوقفه بجذبها من ذراعها يخاطبها بنبرة مريبة: - رايحة فين يا كاميليا؟ هو دخول الحمام زي خروجه؟
هتفت تحاول نزع كفه من ذراعها: - خروج إيه وزفت إيه؟ أوعى إيدك عني وسبني اروح.
اطلق ضحكة خشنة وهو يعدل وقفتها لتُصبح مقابله، حتى يخاطبها باستخفاف: -وتمشي من هنا عشان تنفذي تهديدك العبيط، بإنك تخلعيني من حياتك وترجعي لحبيب القلب، بعد ما أجبرتيني اني اقولك على سري القديم؟
ظلمة عينيه وحدها وهذه النظرة الغريبة بها وهو يخطابها، كانت كافية وحدها على أن توقف قلبها من الرعب، ولكنها ما زالت تجاهد حتى تستطيع الخروج من المنزل الاَن وبسرعة، فحاولت مرة أخرى بتخليص ذراعها مع رد التهديد لكن بحرص: - سيبني اخرج يا كارم دلوقتي، وبعدها نبقى نكمل كلامنا، زهرة وعيلة جوزها كلهم كانوا قاعدين لما خرجت معاك.
سمع منها ليقول بسخرية: - ولو الدنيا كلها شافتك معايا حتى؟ انتي ناسية انك مراتي.
لم تستوعب جملته سوى بعد ان وجدته فجأة يرفعها بذراعه الثاني من خصرها ليكمل وهو حاملها بطرفة عين: - يعني كل اللي هيحصل ما بينا دلوقتي حلال ولا يعاقب عليه القانون.
صرخت وهي تحاول فك نفسها منه بعد أن طوقها بذراعين كالحديد بقوتهم: - اقسم بالله لو كارم لو ما سيبتني لكون مندماك على كل الغلط اللي عملته في حياتك، أوعى سيبني سيبني.
هدر من تحت أسنانه وهو يتحرك بها رغم كل محاولاتها العنيفة لتخليص نفسها من يده: - انا مش هأذيكي يا كاميليا، انا بس هرحمك من الحيرة اللي تاعبة نفسك فيها، لازم يا حبيبتي تفهمي عملي ان مالكيش حد غيري، لأني مش هسيبك.
كانت تقاوم وبكل قوتها للإفلات منه وبصوتها تصرخ
للنجدة علٌ أحد ما يسمعها، لتجده يضحك مع قوله لها: - اصرخي ولو بأعلى صوتك حتى، البيت واسع وكبير، دا غير ان محدش يقدر يقرب من بيت اللوا اساسًا.
- ابعد وسيبني يا حيوان
صرخت بالاخيرة وقد وجدت نفسها داخل غرفة نوم كبير ليزداد صراخها ومحاولاتها البائسة لفكها حتى القاها على التخت واعتلاها ليقيد ذراعيها بيديه بجوار رأسها، ويحاصر أقدامها بين قدميه، لتصرخ مخاطبة ضميره بعد ان نزع منها بقوته حق ميزتها الوحيدة في المقاومة: -للمرة الأخيرة يا كارم بحذرك، انا مغلطتش فيك عشان تأذيني؟
جالت عينيه على ملامح وجهها الفاتن وما ظهر من فتحة فستانها في الأعلى برغبة مظلمة قبل أن يرتكز بأنظاره على عينيها يردف بقوة: - ومين قالك اني عايز اعاقبك أو أذيكي، انا بعمل بس اللي يضمن وجودنا مع بعض، انا حبيتك بجد يا كاميليا ودي حاجة ما بتحصلتش معايا غير نادرًا، قلبي دا مفتحتهوش غير ليها وليكي، بس هي كانت حب مراهقة انما انتي الحقيقي.
صاحت وهي ترفع رأسها هادرة به: -إنت ما بتفتحش قلبك، إنت بتفتح سجنك.
- صح ومافيش منه هروب.
هتف بها قبل أن يرفع ذراعيها إلى أعلى رأسها ليُقيدهم بيد واحدة ويكتم بفمه صرخاته واليد الآخرى تتكفل بالباقي.
بعد مصاحبته لخالد ورقية في مغادرتهم بإحدى السيارات التي أمر بها لتُقلهم مع سمية وابنتها وغادة أيضًا، عاد إلى منزله فوجد والديه فقط في انتظاره، طالعهم بتساؤل فهمه عامر ليرد عليه: -مراتك طلعت سبقتك على أوضتها فوق.
هم ليصعد إليها ولكن والده اوقفه بمتابعة لقوله: - استنى قبل ما تطلع لها عشان عايزينك انا ووالدتك.
رددت لمياء خلف زوجها: - ايوة يا جاسر احنا عايزينك في موضوع مهم.
- قطب ليجلس أمامهم ويسألهم على الفور: -خير ان شاء الله.
- كل خير.
رددها عامر قبل أن يدخل في الموضوع مباشرة: - متزعلش مني يا جاسر، بس انا لازم أسألك، هو انت كنت عارف بالمشكلة اللي عند مراتك دي قبل ما تتجوزها؟
- مشكلة ايه؟
سأله جاسر بوجه شحب على الفور مع ذهاب عقله لما كان يتفوه به منذ دقائق مع خالد، لتزداد مع كلمات والدته: - انت عارف احنا بنتكلم عن ايه يا جاسر، ولا عقلك وقف ونسيت اللي احنا فيه؟
مسح بكفه على صفحة وجهه باضطراب لم يقوى على إخفاءه ليهدر به والده: - في إيه يا بني؟ ما ترد علينا بقى، هو انت بلعت لسانك؟
لوح يفرد كفيه أمامهم بعجز ليجيبهم: - ما انا مش فاهم انتوا تقصدوا أيه بكلامكم ده بصراحة يعني؟
صاحت والدته بنفاذ صبر: - هو ايه اللي انت مش فاهمه بالظبط يا جاسر؟ بنكلمك ع الصريخ والفوبيا الشديدة من الضلمة، هي دي حاجة هينة عشان تنساها؟
سمع منها وتنفس الصعداء بقوة بعد أن فهم بالمقصد الحقيقي خلف حديثهم، فرد اخيرًا بعد أن اطمأن ليشاركهم بذهنٍ صافي بعض الشئ: - لا بصراحة مكنتش اعرف، لكن هي مش مشكلة كبيرة يعني عشان اقلق منها.
هدر به والده: - مش مشكلة كبيرة ازاي يعني؟ البنت كانت مرعوبة وصريخها واصل لخارج الفيلا، وتقولي مش مشكلة، زهرة محتاج علاج ودكتور نفسي.
اردفت على قول زوجها لمياء: -ايوة طبعا، دا شئ لازم وضروري، حتى عشان الطفل اللي جاي.
أومأ لهما جاسر وهو ينهض من جوارهم: - دا أكيد ان شاء الله، انا كنت حاطط الموضوع دا في دماغي من الأول، بس بقى انشغلت.
- لا يا حبيبي دي حاجة ماتتنسيش، انا من بكرة هدور على اسم دكتور كويس.
قالتها لمياء بانفعال تقبله جاسر وهو يتحرك بخطواته من جوارهم متمتمًا: - تمام يا أمي، اللي تشوفيه، اسيبكم بقى عشان اريح شوية.
دلف إليها ليجدها استلقت على ألاَريكة الجانبية في الغرفة، على جانبها متكفتة الذراعين ومغمضة عينيها بتعب، وجهها المغضن أمام عينيه أظهر إليه جيدًا ما يبدر بذهنها من أفكار مؤلمة علمها هو منذ قليل، خطا ليجلس على عقبيه مقابلها، مستندًا بمرفقه على طرف الاَريكة بجوار رأسها، ليتفكه في بداية حديثه لها: -ليه بس يا زهرة بتفكريني بنوم الكنبة؟ هو انتي ليكي غرض تقلبي عليا المواجع النهاردة؟
نجح بمزحته ليجعل ملامح وجهها المتشددة ترتخي بابتسامة في استجابة له، لتفتح أجفانها بالنظر إليه تجيبه: - وليه ما تقولش ان قلبك الأسود، هو اللي بيفكرك دايمًا بالأفكار الغريبة دي؟
أومأ لها بتأكيد: - أنا فعلا قلبي اسود في الحتة دي أوي، يعني تخلي بالك جدًا منها دي.
ضحكت على كلماته، لتجده فجأة نهض لينضم إليها وينحشر بجوارها متمتًا: - بس لو هتشاركيني النوم عليها مستعد ما فيش مانع.
رددت بسأم: - يعني قدامك الأوضة طويلة عريضة وملقتش غير الحتة اللي قاعدة فيها يا جاسر عشان تزنقني؟
رد يجيبها بجدية: - والله ما حدش قالك تسيبي الأوضة الطويلة العريضة وتيجي في المكان الصغير؟ مدام عارفة ان جوزك مش هيسيبك تتنفسي بعيد عنه أصلًا: رفعت عينيها إليه بجوارها لتردد بتساؤل: - حتى النفس؟ يعني مينفعش اتنفس بعيد عنك يا جاسر؟
اومأ لها بتأكيد: - وانتي تتنفسي بعيد عني ليه؟ إيه السؤال الغريب دا يا زهرة؟
ارتفع حاجبيها متبسمة بذهول لتردد له: -لا عندك حق بصراحة، انا اللي بتكلم بحاجات غريبة فعلا.
- اه طبعًا غريبة وغريبة جدًا كمان.
ردد بكلماته، ثم ضمها بقوة ليُقبلها على أعلى رأسها يتنفس عبيرها بعمق، واستسملت هي لغمرته القوية كي تخرج من دوامة الأفكار البائسة في تذكر الماضي الذي انعاد شريطه أمامها الاَن وبقوة، بعد مقابلتها لهذا البغيض بتهديده لها. ظلا على وضعهما لعدة دقائق بصمت قطعه جاسر بعد ذلك بقوله: - زهرة عايزك تجهزي نفسك قريب، لمشوار الدكتور اللي اتفقنا عليه عشان مشكلة الضلمة والكوابيس.
ارتفعت برأسها إليه سائلة: - دكتور ايه يا جاسر؟ ما انا قولتلك اني مش مريضة، دا مجرد خوف من الضلمة مش أكتر.
تطلع إليها قليلًا بتفكير، شئ يدفعه لقول السبب الأساسي الذي يبتغي من خلاله عرضها على الطبيب من أجل ما تعرضت له بيد هذا الح يوان، فترك أثره بعقلها حتى الاَن، وصوت يأمرها لعدم فتح حديث معها؛ رفضت هي البوح، ليختار الاَخير مرددًا بلهجة مسيطرة لا تقبل النقاش: -انا قررت وخلاص يا زهرة، يعني ريحي نفسك بقى.
تطلعت إليه تود الجدال، ليلحق بجذبها من ذراعها لتصطدم بصدره العريض قائلًا بحزم: - ونامي بقى عشان انا كمان عايز انام.
بأعين جفت بها الدموع وصوت بح من كثرة الصراخ الذي ليس به فائدة، كانت تتطالعه بجمود، وكأنها فاقدة الإحساس او ألحياة.
لقد نجح بكسرها ليفعل ما لم يستطع فعله الاَخرون، كسرها امام نفسها بعد أن شل مقاومتها واستطاع النيل منها، الكابوس هو اقل تفسير لما تشعر به الآن، هي المعتزة بنفسها دائمًا تأتي عليها اللحظة لتترجي رجل مثله غلبها بقوته الجسدية حتى يتركها، ولا يفعل، هي التي ظنت بأنها تستطيع النجاة بنفسها من مصير سئ قد نال من غيرها، تجد نفسها وقعت في مصير أسوء مما قد يشطح به خيالها!
- بتفكري في إيه يا كاميليا؟
هتف بها بعد أن رفع رأسه إليها ليواجه عينيها بخاصتيه، يتطلع إليها بابتسامة منتشية، بعد أن توقفت عن المقاومة واستسلمت له كما كان يظن بعقله قبل أن يرى هذه النظرة الغامضة منها، فهبط برأسه ليدفنها بعنقها مغمغمًا: - انتي مش جميلة وبس، انتي تقريبًا مكتملة من كل صفة جميلة، وانا مكنتش اعرف اني بحبك قوي كدة.
عارف اللي بيدور في دماغك دلوقتى، بس عايز افكرك، اننا كنا ماشين تمام، وانتي اللي اخترتي الطريق الصعب.
يمرر بشفتيه على عنقها ووجنتيها وهو يتابع: - بس احنا نقدر نعدي ونتجاوز وننسى اللي حصل، زي أي اتنين مرتبطين وبيمروا مشاكل، أنا من ناحيتي هعمل كل اللي يسعدك، وهعملك فرح يبقى ترند في مصر لأيام وشهر العسل زي ما اتفقنا، هيبقى في أحلى مدن أروبا، انا مش هسيبك أبدًا يا كاميليا، انتي حقي.
قال الأخيرة لينظر داخل عينيها بقوة ثم تابع: - كل حاجة ممكن تتصلح، لو ع اللي حصل ما بينا، فدا شئ عادي بيحصل بين أي اتنين مرتبطين، واحنا متجوزين رسمي يعني مش أي كلام، ولو فكرك اني ممكن اخونك. عشان يعني شوية اخطاء عديت بيها وانا راجل عازب، فا أنا بأكدلك إن دا لا يمكن يحصل وانتي مراتي، اما بقى...
توقف ليشدد على كلماته: - لو هتفكري بخيانتي والتفكير في حد غيري، ودي مظنش انك ممكن تعمليها، عشان أخلاقك اللي انا واثق فيها طبعًا، دا غير اني كمان حكتلك عن مصير الخيانة عندي، ماشي يا كاميليا؟
قال الاَخيرة وكأنه يريد سماع الإجابة، ولكنها أشاحت بوجهها عنه ليعيده بقوة بعد أن أمسك باسفل ذقنها، ويختم حديثه بقبلة قوية وكأنه يريد الأثبات لها بأنه صاحب القرار، لينهض فجأة يرتدي ملابسه وهو يردف لها بعجالة: - أنا هخرج من هنا على والدك على طول عشان أحدد معاد الفرح بالكتير اسبوعين، ومن بكرة هبدأ بالتجهيزات، ياللا عشان نتغدى قبل ما نمشي، تحرك خطوتين ثم عاد متذكرًا: - اه صحيح، كنت عايز اقولك كمان، ان موضوع والدتك لا يمكن هفتحه عشان خاطرك، وعشان خاطر ميدو كمان، ما هو مينفعش يعرف حاجة زي دي، دا ممكن يتعقد.
ختم غامز بوجنته ثم خرج وتركها بالغرفة وحدها، تتطلع الى السقف بقهر ترفضه، بانهزام لا تتقبله، بدمع تحتجزه، تحاملت على نفسها لتنهض من فراشه وعقلها قد أخذ القرار.